التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء الثالث والعشرون

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم البارت الثالث والعشرون

عذرا لقد نفذ رصيدكم

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الحلقة الثالثة والعشرون

لا تحاول اسعادي كُن شيئ لا يُؤذيني فقط.
#مقتبسة
“دعيني احبكَ
كي اتخلص من
فائض الحزن في داخلي”
#مقتبسة
لكُل منا ذُكريات غير قابلة للتخطي.
#مقتبسة
____________
عاد دياب من الحفل بعد منتصف الليل..
لم يجد سوى والدته هي التي كانت جالسة على الأريكة تشاهد التلفاز وعلى ما يبدو شقيقته وأطفالها ذهبوا في نومٍ عميقٍ، وشقيقته الصغرى تجلس في الداخل كالعادة تتجنب الاحتكاك به تمامًا منذ ما حدث، كما هو يفعل المثل.
تحدثت والدته بنبرة هادئة:
-حمدالله على السلامة يا ابني.
رد عليها دياب رد مقتضب وهو يشعر بالدهشة أنها مازالت مستيقظة لكنه لا يعلم بأنها لا تذهب في النوم قبل أن تعلم بأنه أتى وأغلق باب المنزل خلفه، اليوم فقط كانت جالسة في انتظاره في الخارج لأنها ترغب في الحديث معه.
-الله يسلمك يا ماما.
هتفت حُسنية وهي تحاول أن تتجاذب معه أطراف الحديث:
-عقبالك يا ابني، عقبال يوم حنتك وعقبال ما افرح بيك يارب.
صمت دياب ولم يعقب على حديثها برغم من ذلك لم تثور والدته بل أشارت على المكان الخالي بجوارها على الأريكة هاتفة:
-تعالى أقعد يا حبيبي نتكلم مع بعض شوية.
لم يحاول الرفض…
بل أتى وجلس بجوارها لأنه لا يرغب في أن يحزنها، فتحدثت والدته:
-أعتقد جه الوقت أننا نتكلم مع بعض في اللي حصل.
هتف دياب بنبرة حانقة وثائرة:
-اعتقد الكلام واضح ومتحاوليش تقنعيني أو تهديني أن اللي بنتك عملته ده مش غلط.
ردت والدته عليه ببساطة ونبرة رزينة:
-مين قالك أنها مش غلطانة؟! ده أنا وايناس بهدلناها على فكرة، هي غلطت أنها اتصورت على موبايل ريناد بس هي استحالة كانت تعوز تنزل ليها فيديو، أنتَ مش غلط، أنتَ صح بس طريقتك هي اللي كانت غلط.
ابتسمت له حُسنية ثم أسترسلت حديثها بحنان ولكن بجدية في الوقت ذاته:
-الزمن بيتغير بشكل مخيف يا ابني، أنا أمك اهو اللي ممكن أكون في نظر الناس واحدة جاهلة مش متعلمة بحاول إني امشي مع اللي بيحصل دلوقتي كل سنة الدنيا بتتغير والحاجات دي بالشدة مش هتنفع.
ابتلعت ريقها ثم غمغمت:
-صدقني الكلام ده أنا شخصيا بقوله لنفسي كل ما اتعصب على حاجة معاها بحاول اقنع نفسي بكده أن فعلا الوقت اتغير وهي واللي في سنها بتواجه تحديات كتير في حياتها مختلفة، وأنا عارفة أنك انفجرت يا حبيبي وكتر خيرك على الحِمل اللي شايله.
زفر دياب بضيق وهو يتذكر كلماته الغاضبة في ذلك اليوم:
-أنتم مش حِمل، أنتم واجبي وأهم عندي من نفسي.
هتفت حُسنية بامتنان حقيقي:
-يمكن كلامك صح بس مبقاش في حد كده يا ابني إلا قليل، واحد غيرك ومن سنين كان فضل نفسه علينا بس أنتَ معملتش كده، وأنا متأكدة أن ربنا هيكرمك على كل ده.
ابتلعت ريقها ثم تحدثت بنبرة هادئة:
-بكرا الصبح تفطر معانا وتصالح أختك قبل ما تروح درسها أو واحنا رايحين الفرح متخلوش الزعل يبات في بيتنا أكتر من كده.
تنهد دياب وهتف بجدية:
-أنا مش زعلان منها قد ما خايف عليها، قد ما خايف تمشي ورا الناس دي، خايف عليها يا امي، وعارف أنه مش قصدها كله بسبب اللي نزلت الفيديو حتى من غير ما تقولها.
قالت حُسنية وهي تنظر له نظرة ذات معنى:
-ريناد مش أكبر من حور إلا بكام سنة تقريبًا أربع سنين علشان كده هي صغيرة برضو وطايشة شوية، وأنتَ زودتها معاها ده صوتك كان جايب الشارع كله يا ابني.
-يعني تنشر فيديو لاختي ومن غير ما تعرف وعايزاني اسقف ليها يعني يا امي ولا إيه؟!.
تمتمت حُسنية بتوضيح:
-أنا مقولتش كده يا حبيبي بس كل حاجة بالعقل حلوة وبعدين البت مكنش قصدها حاجة، وأنتَ زعقتلها ولازم تعتذر ليها ولو مش علشانها، يبقى علشان خالتك بهية اللي هي في مقام جدتك وعيب أوي تزعق كده في بيتها لقريبتها مهما كان السبب.
حديثها أوجعه وازعجه…
أصابه بـشكل كبير أكثر مما كانت هي تتخيل..
نهض دياب تاركًا قُبلة على جبهتها…
ثم ذهب ليخرج ملابس له…
_______________
زهــران يبكي..
نعم قرأتم العبارة صحيحة..
زهران يبكي في الصباح الباكر من حفل زفاف ابنه الصغير سلامة…
يجلس بجواره نضال هاتفًا يحاول أن يساند والده الذي بالتأكيد يشعر بالسعادة التي قد تصل إلى حد البكاء بسبب عدم التصديق بأن اليوم هو حفل زفاف ابنه وهل هناك سعادة أعظم من تلك بالنسبة إلى المرء؟!..
-متزعلش يا بابا بقا، وبعدين يعني هو مهاجر ده قاعد فوقينا.
نظر له زهران بعدم فهم تحديدًا حينما سحب نضال منديلًا ورقي من العلبة ووجهه له، أخذه منه زهران ثم مسح دموعه هاتفًا بعدم فهم:
-أنتَ بتتكلم عن مين؟!.
ضيق نضال عيناه وهو ينظر له قائلا بجدية:
-هكون بتكلم عن مين يعني؟ عن أمي؟! بتكلم عن سلامة يعني باين أنك متأثر أوي.
قال زهران بعفوية شديدة وهو يخبره دون حتى أن يتريث أو يفكر فيما يقوله:
-وأنا مالي بـ سلامة وازعل ليه؟! هو رايح يحارب ده هيتجوز في الشقة اللي فوقينا أنا زعلان علشان حاجة تانية وقلبي واجعني أوي.
سأله نضال بنبرة غامضة:
-طيب إيه اللي مزعلك بس يا حج؟!.
هتف زهران ساخرًا:
-لما البجاحة تكون عيني عينك، أنتَ السبب في اللي أنا فيه ده…
ابتلع ريقه ثم تحدث بحزن حقيقي:
-ازاي بعد اللي حصل لـ كريمة أروح احضر فرح كده عادي ولا كأن حصل حاجة، أنا حاسس باحساس وحش، احساس إني خاين ومش بصون النفس اللي كنت باخده منها، والله لولا أنه فرح ابني أنا ما كنت حضرت فرح إلا لما نفسيتي تتحسن.
تحدث نضال متهكمًا وهو يتصنع المواساة:
-معلش بقا، كتر خيرك، تعالى على نفسك وخلاص علشان الواد.
-اهو قلبي الطيب والحنين ده اللي جايب ليا الكافية.
انقطع حديثهما حينما أتى سلامة من الداخل وهو يحمل حقيبة سفر متوسطة الحجم بها بدلته واحتياجاته الشخصية وكل ما يحتاجه، حجز سلامة غرفتين واحده له هو وأصدقائه والأخرى إلى جهاد وصديقاتها في مكان الزفاف.
-أنا عرفت ليه الناس بقت بتعمل الحنة قبل الفرح بكام يوم مش قبل الفرح بيوم واحد زي ما أنا عملت أنا مش قادر أقوم بجد وملحقتش أنام.
هتف زهران وهو ينظر له بضيقٍ بعدما سحب نفس تلك المرة من الأرجيلة التي أتت من صديق عمره جابر:
-في عريس يقول كده، انشف كده وفوق وبعدين في كام نصيحة حابب أقولهم ليك تحطهم حلقة في ودنك.
تمتم سلامة بحماس وهو ينظر إلى والده:
-قول يا معلم زهران قول أنا مستني النصايح دي من زمان..
تحدث زهران بنبرة جادة:
-أهم نصيحة في القاعة وأنتم بترقصوا أوعى تشيل البت أحسن تتقلب أنتَ وهي مش هنلاقي اللي يقومكم أنا بقولك أهو، متفردش عضلاتك مرة واحدة لسه شايف اتنين على الفيسبوك بتاعي العريس شالها راح واقع بيها واتكعبل في فستانها، مش هنفرح بيكم لما تتكسروا ولا يجيلك الغضروف في أول ايام جوازك.
قال سلامة بعد شهقة خرجت منه ولاح التردد على ملامحه:
-طب اعمل إيه يا بابا؟ دي جهاد جايبة فستان ثلاثة متر باين، وكمان هي حالفة إني لازم اشيلها.
رد زهران عليه ببساطة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-هتعمل إيه يعني؟! هتعمل نفسك عبيط طبعًا، مش هينوبك إلا قسمة الوسط والغضروف والفضيحة طبعًا أنك وقعت بيها مش بعيد تلاقوا نفسكم في صبايا الخير مع ريهام سعيد.
كان كل هذا نضال يتابع المشهد..
تمتم سلامة باهتمام حقيقي:
-كمل يا زهران، يا حبيبي كمل يا صاحب النصايح الذهبية.
تحدث زهران بنبرة جادة:
-إياك تخلي صحابك يفضلوا يشيلوا فيك ويرفعوك لفوق ويفرهدوك أنا عايزك تبقى راجع كده فايق.
عقد سلامة ساعديه ناظرًا له:
-وإيه كمان؟!.
تمتم زهران وهو يتذكر ما كان يرغب في قوله:
-اه والنار اللي هتطلع حواليكم وأنتم بترقصوا دي أنا مش مطمن ليها لسه شايف فيديو على الفيسبوك لفستان عروسة شبك في النار دي والدنيا ولعت فأنا بقولك أهو بلاها منها الفقرة دي اسمع من أبوك..
تمتم سلامة وهو يبتلع ريقه في توتر:
-يا ساتر يارب..
غمغم نضال ساخرًا مما يقوله والآخر الذي يصدق ما يسمعه:
-ما بلاها الفرح أحسن وخليه يروح يجيب البت ويطلعوا شقتهم وخلاص، ده أنتَ جيبت للواد الغضروف والكُساح، وولعت في فستان البت، هو الفيسبوك ده مش بيظهر ليك إلا فيديوهات أفراح بس؟!.
تحدث زهران بلا مبالاة وهو يهز كتفيه ثم سحب نفس من الأرجيلة:
-طب والله ما أنا مكمل نصايح خسارة فيكم اعملوا اللي تعملوه، بكرا تقولوا ولا يوم من أيام نصايحك يا معلم زهران.
تمتم نضال بجدية:
-لا خلينا في النهاردة أحسن.
ثم وجه حديثه إلى سلامة متمتمًا:
-يلا أنتَ مش كنت رايح توصلهم ورايح معاهم، يلا روح بقا وأنا شوية كده وهاجي.
بعد مرور ساعة تقريبًا…
كان نضال على وشك أن يغادر المنزل لولا الرسالة الصوتية التي تلقاها من سلامة جعلته يغلق الباب ولا يخرج من المنزل قبل أن يسمعها لعل شقيقه قد نسى شيء في المنزل ويرغب في أن يحضره له..
ضغط نضال على الرسالة الصوتية ليصدع صوت سلامة هاتفًا:
“احنا لسه واصلين وجهاد وامها وصاحبتها دخلوا الأوضة، سلمى مجتش على فكرة، بيقولوا راحت تشوف فستانها مفهمتش ليه، وامها قعدت تقولها متتأخرش، فأنا قولت أقولك يعني لو معندكش خبر، مش عارف اعمل ايه في نفسي شكلي هفضل كده فتان لأخر عمري ربنا يغفر ليا، يلا بقا شوف مراتك فين بدل ما أنتَ قاعد كده متعرفش حاجة ونايم على ودانك”.
رسالة سلامة الصوتية الطويلة اشعلته بشكل كبير لا يدري لما، هل من أسلوب سلامة الذي يصيبك بالغضب ويشعلك، أم أنه غضب بسببها كونها لم تخبره بهذا الأمر؟!!
قد تحدث معها في الليل قبل أن يذهب في النوم، صحيح بأن المكالمة لم تتخطى الدقيقتين ولكن كان من الممكن أن تخبره فيها لكنها فضلت الصمت…
أخذ يبحث عن اسمها دون أن ينتظر شيء أو يتمهل وقام بالاتصال بها….
___________
في متجر خاص بالفساتين النسائية…
للسهرة والزفاف، كانت تقف سلمى وتقوم أحدى الفتيات بضبط الفستان على جسدها، مما جعل الفستان تهتف وهي تضع دبوس ما في المكان المراد..
-والله يا سلمى أنا فاتحة بدري مخصوص النهاردة علشان أظبط ليكي الفستان أنتِ جيتي متأخر اوي فستانك اتعمل في أقل من ثلاث أيام رغم أن في فساتين كتير متأخرة.
كانت الفتاة التي تعمل في المكان هي صديقتها، والمكان خاص بها وبـ عمتها، لذلك كان وضع بعض الاستثناءات من أجلها ليس شيئًا غريبًا.
-معلش بقا تعبتك معايا اعمل إيه الوقت سرقني وملحقتش وأنتِ عارفة إني مش بستقر على الفستان اللي عايزة اعمله بسهولة، وكمان الظروف اللي حصلت دي لغبطت الدنيا.
تمتمت الفتاة بنبرة هادئة:
-حصل خير؛ يلا اقلعي بقا علشان اضيق الحتة دي بسرعة علشان تاخديه توديه حتة يتكوي لأني اللي بتعامل معاهم مش بيفتحوا بدري كده، وعلشان متتأخريش عليهم أكتر من كده.
هتفت سلمى ببساطة:
-تمام..
ما أن كادت أن تسترسل حديثها حتى نما إلى سمعها صوت هاتفها، فأخرجته من الحقيبة بـ غيظ كبير فهي تعلم بأن والدتها لن تكف عن الاتصال.
خاب ظنها وتوترت حينما وجدت أن المتصل هو الوحيد الذي رق له قلبها من بين معشر الرجال..
كما أن اسمه يزين الشاشة:
“نـــضــال”.
أجابت عليه:
-الو.
دون مقدمات ولج نضال إلى صُلب الأمر..
“أنتِ فين؟!”.
ردها استفزه دون أن تقصد:
-ليه؟!.
“هو إيه اللي ليه؟! ليه أنتِ بتردي على سؤالي بسؤال تاني، بسألك أنتِ فين ومروحتيش معاهم ليه لغايت دلوقتي وبتعملي إيه الصبح كده؟!”.
لم تفهم سلمى لما هو حانقًا إلى تلك الدرجة..
على العموم هي لم تخبره…
لعدة أسباب..
منها أنها ظنت بأنه لن يعرف…
وسبب أخر هو أنها قد تناسته حقًا بسبب قلقها من أمر فستانها وتأخيرها.
ردت عليه سلمى بتردد:
-أنا في الاتيلية بضبط الفستان خلاص وهروح اكويه وبعدين هروحلهم؛ في إيه بقا؟!
كان رد نضال عليها مختصرًا إلى حدٍ كبير..
“ابعتي لوكيشن وأنا جاي ليكي”.
لم يكن لديها العديد من الخيارات..
فأرسلت له موقعها، ثم بدلت ملابسها وأعطت الفتاة الفستان حتى تقوم بتطبيق أخر التعديلات عليه.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا..
كان نضال يقف معها أمام أحدى الأماكن المخصصة لـ كي، تنظيف وغسيل الملابس، بعد رحلة بحث طويلة أن يجد أحد في هذا الصباح…
تمتمت سلمى بنبرة جادة وهي تسأله فلم تسنح لهما الفرصة للحديث حينما هبطت له عند وصوله لها بل أخبرته بأن عليها أن تذهب لـ كي فستانها فهي على عجلة من أمرها:
-صحيح أنتَ جيت ليه؟ تعبت نفسك على الفاضي يعني
وبعدين الموضوع مكنش مستاهل أنك تيجي.
هتف نضال بنبرة منزعجة لا يدري هو نفسه لما يشعر بالانزعاج إلى تلك الدرجة:
-هو الموضوع يمكن مكنش مستاهل إني أجي بس كان مستاهل إني أعرف أنتِ رايحة فين وجاية منين.
صمتت سلمى لثواني تحاول قول أي شيء إلا أن تعترض على حديثه رغم رغبتها في هذا أن تظهر تمردها الواضح….
لكنها لا تريد فعلها الآن ليست لأنها أصبحت أمرأة تطيع زوجها ولا حتى فتاة مغيبة بأمر الحب.
لكن…
لأن اليوم هو يوم زفاف شقيقتها لذلك لا ترغب في أي
أمر مزعج قد يحدث ويؤثر على أي شخص.
تمتمت سلمى ببساطة تحاول شرح موقفها بلُطفٍ زائد عن حده بالنسبة لها:
-أنا مكنش عندي وقت للأسف والدنيا مدربكة فوق دماغي، والفستان كان لازم أنزل من بدري علشان أخلصه.
رد عليها نضال رد واضح وصريح غير مقتنعًا بما سمع:
-تلمفروض كنتي تعرفيني.
الأقطاب المتشابهة في المغناطيس تتنافر والاقطاب المختلفة فيه تتجاذب، هذا ما قمنا بدراسته في الكتب العلمية…
والكثير من الناس تشبه الحب بالمغناطيس….
نضال وسلمى يسيران على نفس النهج كلاهما يتمتع بـ شخصية فريدة من نوعها، قيادية؛ حانقة وناقدة، لا ترغب في اتباع الأوامر، رُبما يعود هذا بالنسبة إلى نضال كونه رجل شرقي..
أما هي تعلن عن خلل وغضب، ألم تكابد وتكاتل في قلبها على مدار السنوات جعلها تتمتع بغضب كبير أن تسير وفقًا لما يريده أي شخص، هناك فارق من كونها أنثى ذات فطرة طبيعية ولها شخصية، رأي وأن تكون ناقمة لا ترغب أبدًا الانصياع للأوامر والفضل كله يرجع إلى والدها.
على ذكر المغناطيس بأنه يشبه الحب..
هو تشبيه خاطئ إذا كنا لا نتحدث علميًا بل نتحدث عن وجدان ومشاعر عميقة…
حب عتيق….
وقتها ستصبح كل المعادلات بلا قيمة، لأن القلوب تصنع معادلة مختلفة تمامًا…
___________
بعد مرور عدة ساعات وبعد الخضوع إلى جلسة تصوير طويلة للعروسين فقط وبعدها مع العائلتين..
كان يقف سلامة في وسط الساحة والأضواء مُسلطة عليهما وباقي القاعة غالبًا مُظلمة..
كانت كلمات الأغنية تصدع بقوة..
صدقني خلاص من بين الناس
حبيتك وإخترتك ليّ
طول ما أنا وياك قدامي ملاك
خلتني ما غمضشي عينيّ
الله يا سلام في عينيك أحلى كلام
قرب مني شوية، شوية
قلبي وقلبك سوى يتلاقوا
الدنيا إنت ملتها عليّ
ده الحب اللي ما حدش ذاقه
قرب مني شوية، شوية
قد ما تقدر قرب ثاني
الدنيا إنت ملتها عليّ
وكإنك مخلوق علشاني
يا أرق الناس في عينيك إحساس
بيخذني معاه بنسى الدنيا
ضمني بإيديك لو غالي عليك
ما ضيعشي يا ريت ولا ثانية
الله يا سلام في عينيك أحلى كلام
كان الحب يفيض من أعين جهاد وهي تنظر له وهو يحاوط خصرها، تضع يديها على كتفة المتواجد عليها بعض النقوش العائدة للحناء…
وهو يناظرها بنظرات أخجلتها واربكتها، رغم أنها لم تفهم ماهيتها لكنها بكل تأكيد حسب نظرها هي نظرات محبة مثلها وشغوفة بها، والعاطفة في أوج حالتها في قلبه…
بينما هي تعيش في عالم من الرومانسية والعواطف الجميلة مع هذا التواصل البصري الرهيب اقتحم سلامة هذا العالم الوردي متحدثًا بسُخطٍ جعلها تصبح على أرض الواقع:
-البيرسينج شكله زي القرف ومجنن أمي حسبي الله ونعم الوكيل.
هالة سوداء…
ظهرت أمام عيناها حينما استمعت إلى كلماته التي أخرجتها من العالم الوردي التي كانت تعيش به منذ دقائق…
تمتمت جهاد بشذر وغضب حقيقي بعد أن تغيرت ملامحها:
-ابعد عني والله أنا غلطانة أصلا..
شدد من أحكام يديه على خصرها هاتفًا:
-الصراحة حلوة وبعدين إيه أبعد عني دي؟ مفيش يا ماما الكلام ده خلاص، من هنا ورايح مفيش أي استعباط بقا وخد شبكتك وامشي والكلام الحمضان ده.
هتفت جهاد وهي تنظر إلى أي شيء إلا له:
-ملكش دعوة بيا ومتتكلمش معايا من فضلك.
-عادي أنا مش محتاج اتكلم النهاردة، رغينا كتير…
قالها غامزًا لها ثم عاد يتحدث بتهكم:
– هي بس العكننة جاية من مناخيرك…
صاحت جهاد في وجهه ولولا الموسيقى والانغام العالية لكان سمع صوتها الجميع:
-سلامة هصوت بجد متعصبنيش..
-صوتي محدش هيسمعك كلهم واقفين يصوروا وبيفكروا ياترى بنقول إيه؟!.
تمتمت جهاد بغيظ:
-اه ميعرفوش أن مناخيري هي محور الحديث…
على أحدى الطاولات…
حيث تجلس هدير شقيقة طارق تعبث في هاتفها برفقة عائلة دياب الموجودة بأكملها بعد دعوة دياب وزهران لهم، كما أرسل نضال دعوة إلى بهية وقريبتها، وكانت بالفعل سلمى قامت بدعوتهما أيضًا لكنهما لم يأتيا حتى الآن…
قالت إيناس بضيقٍ وهي توجه حديثها إلى والدتها التي تجلس جنى على فخذيها أما جواد يجلس على فخذي أمه:
-ياريتني ما كنت جيت ما كنت قعدت في البيت وخلاص.
كانت إيناس ترتدي فستان بسيط جدًا لونه وردي ولكنه كان جميل ويناسبها، يعود إلى سنوات لم يكن قياسه يناسبها بعد ولادتها لطفليها؛ لكن بسبب فقدانها الكثير من الوزن في الفترة الأخيرة عاد يناسبها من جديد..
هتفت حُسنية بضيقٍ:
-افرحي يا إيناس ولا أنتِ نسيتي ازاي تفرحي يا بنتي، افرحي كده وبصي لعيالك هما مبسوطين بدل قعدة البيت، افرحي يا بنتي شوية.
أثناء هذا الحديث…
قرب دياب مقعده من مقعد شقيقته الصغرى حور ثم وضع ذراعيه على مقعدها هاتفًا:
-درجتك في امتحان الكيمياء زي الزفت…
كان يرغب في أن يفتح حديث بينهما ولكن بدأ الحديث بتوبيخ…
تمتمت حور بنبرة مترددة وهي تتجنب النظر إليه:
-أنا مذاكرتش كويس وهو كان على كل اللي فات وملحقتش أراجع.
-إيه اللي مخلكيش تذاكري كويس غير أنك عماله تسحي وتعيطي طول اليوم…
هتفت حور بنبرة جادة وصادقة:
-مليش نفس اذاكر ومليش نفس أكل مليش نفس أعمل أي حاجة طول ما أنتَ مخاصمني وزعلان مني ومقاطعني، أنا عارفة أنك مضايق ووالله مكنتش اعرف لو أعرف مكنتش خليتها تنزله أكيد.
تحدث دياب مقاطعًا أياها:
-مش عايز اسمع حاجة عن الموضوع ده، خلاص اللي حصل حصل؛ أهم حاجة تاخدي بالك بعد كده، وأهم حاجة متهمليش دروسك لأي سبب أنتِ الحلم اللي أنا معرفتش أحققه ولغايت دلوقتي حتى مش عارف أخلص الجامعة بسبب الظروف، أنتِ الحلم اللي أختك مشيت ورا أوهام ومعرفتش تحققه ربنا يجعل حظك أحسن من حظنا.
قال تلك الكلمات لتلقي نفسها بين أحضانه كطفلة صغيرة في حضن أبيها…
بالفعل دياب هو والدها التي لم تشعر به..
ولم تستطع فهم أو إدراك حنانه…..
هتفت حُسنية بنبرة ذات معنى وهي تجد هذا المشهد الذي جعل دمعة تهبط من عيناها:
-ناقص حد كمان تصالحه….
________
انشغلت جهاد بالرقص مع صديقاتها والأقارب من ناحية والدتها التي لا تراهم إلا في المناسبات..
كان من الطبيعي ألا تشارك سلمى في الأمر..
هي فقط كانت تقف بين الحين والآخر تصفق لهن بيدها وأغلب الأوقات كانت تجلس على الطاولة تراقب الرئح والغادي.
والأهم تراقب الاشخاص التي تصل، كانت دون وعي تنتظره أن يأتي…….
نعم تنتظر والدها…
تعلم بأن إتيانه لن يُسبب إلا ضيقٍ وغم سوف يصيب الجميع ولكنها كانت ترغب في أن تشعر ولو لمرة واحدة بأن هذا الرجل يمتلك قلب حقًا…
أخذت تسأل نفسها طوال الأيام الماضية، هل من الممكن ألا يرغب رجل في رؤية ابنته عروسًا؟!
كيف له أن يكون قاسيًا ومُستغلًا إلى هذا الحد؟!!!
هي لم تصرح تلك المرة بما يدور في خلدها إلى أي شخص…..
أخــيـــرًا…
جاء عمها الكبير وزوجته..
وقتها نهضت وألقت التحية عليهما بعدها سألتهما بطريقة مباشرة:
-هو مش هيجي؟!.
رد عليها عمها وقتها بنبرة هادئة:
-لا عمك جاي ان شاء الله هيحصلنا…
قاطعته سلمى متحدثة بتردد كبير:
-أنا قصدي على…
توقفت عن الحديث وكأن لسانها يعجز عن إخبارهم بأنها تسأل عن والدها، لسانها عاجزًا على أن يطلق عليه هذه الصفة، تفهم الرجل هنا بأنها تسأل عن والدها فغمغم بنبرة جادة:
-من ساعة ما امك جت عندنا في البيت وقال أنه مردهاش مشوفنهوش تاني ولا سمعنا عنه أي حاجة.
ابتسمت سلمى ابتسامة مجاملة ليست حقيقية أبدًا وهي تشير لهما ناحية أحدى الطاولات الفارغة:
-اتفضلوا اقعدوا أنا هروح أنادي ماما واقولها أنكم جيتوا.
ابتسمت لها زوجة عمها متمتمة:
-سبيها براحتها واحنا شوية وهنقوم نسلم عليها، وألف مبروك ليكي يا حبيبتي عرفنا أنه اتكتب كتابك.
ردت عليها سلمى مختصرة:
-الله يبارك في حضرتك يارب….
بعد وقت..
كانت سلمى تجلس على أحد الطاولات البعيدة جدًا لا التي تتواجد في المقدمة تجلس عليها والدتها، خالها وصديقات والدتها…
مسحت دمعة فارة من عيناها.
لا تدري لما أصبحت بهذا الضغف؟!!!
هل هو اختفائه الأول؟!.
أم هروبه الأول؟!.
بالطبع لا.
فهو الأمر الطبيعي له بأنه غير موجودًا في كل محطات حياتهن لما الآن تريده أن يمارس دور لم يدركه يومًا من الأساس؟!!!..
-قاعدة لوحدك كده وبتعيطي ليه؟!….
لم تكن تلك الكلمات من شخص أخر غير نضال الذي سحب مقعد وجلس بجوارها، من بعد انتهاء جلسة التصوير وبدأ حفل الزفاف هو يتابعها بعينه باهتمام هو نفسه لم يفهمه وكأنه قد حدث ترابط غير مفهوم بينهما، ترابط لا يظن بأنه أتى من أجل عقد قرأن بخطة من أبيه…يراقبها إلى درجة كبيرة جعلته يعلم بأنها تحدثت مع عمها…
مسحت سلمى دموعها سريعًا ثم نظرت له هاتفة:
-مين دي اللي بتعيط؟!.
-أمي…
كان هذا رده الاستنكاري وهو يرفع حاجبيه، وقبل أن تثور حاول الحديث مرة أخرى بنبرة هادئة:
-هيكون مين يعني؟! أكيد بتكلم عليكي أنتِ…
ردت عليه سلمى مختصرة الأمر وهي تعدل من وضعية الدبوس المتواجد في خِمارها ثم عقدت ساعديها متمتمة:
-عادي دموع الفرحة فرحانة إني شوفت جهاد عروسة علشان كده بعيط.
لم يصدقها أبدًا…
رُبما هي لا تدرك بأنها لا تحسن الكذب وتكون مكشوفة إلى من أمامها إذا فعلت….
رد عليها نضال غير مقتنعًا ولكنه يحاول أن يجاريها لعله يخرجها من حالة لا يعرف سببها وليس هو بالقرب التي تجعلها قد تخبره:
-دي سنة الحياة، وبعدين يعني ما تعيطي وأنتِ قاعدة هناك لازم تعيطي وأنتِ بعيد.
هتفت سلمى وهي تكز على اسنانها تحاول أن تتحلى بالهدوء قدر المستطاع:
-معلش أنا في أوقات بحب أكون فيها لوحدي.
-أقوم يعني؟! ممكن كنتي تقوليها بطريقة أحسن من كده.
تمتمت سلمى وهي تسأله:
-أنتَ قاعد معايا ليه؟! روح لاخوك متسيبهوش لوحده.
رد نضال عليها بنبرة دبلوماسية وهو يستند بذقنه على كف يده بينما كوعه يستند به على الطاولة:
-سلامة مش لوحده وبعدين أنا كنت معاه فعلا بس لما لقيتك مختفية قولت اشوف فيه إيه؟!.
نهضت سلمى من مكانها مغمغمة وهي تحاول قطع هذا التأثير الغريب والعميق التي تقع فيه:
-خلاص اديني قايمة اهو رايحة لجهاد..
كادت أن تتحرك لكن وجدت شيء يوقفها بعدما سارت خطوتين فقط، عادت مكانها لتهتف:
-الكرسي بتاعك محطوط على ديل الفستان.
نهض نضال وأزاح المقعد لتسير هي فورًا وكأنها تتهرب منه، يسأل نفسه لما وافقت عليه بعدما كانت لا ترغب في الزواج من الأساس….
تنهد بضيقٍ شديد..
يحاول التفكير في السبب الحقيقي وراء بكائها ولم يجد إلا تفسير وحيد بأنه شيء يخص أبيها…
___________
-في إيـه يا صديقي؟!.
قال جابر تلك الكلمات معلقًا وهو يسلط بصره على جميع من يتواجد في الفرح تقريبًا حتى أن زهران لم يفهم ما الذي يحدث!.
-في إيه يا جبورة إيه اللي مزعلك وأنا أشوف له صرفة.
تحدث جابر وهو يشير على مجموعة الشباب التي تلتف حول سلامة:
-إيه الفرح الكئيب ده اللي مفيهوش واحد لابس بدلة لونها حلو زي ابني أحمد ربنا يحرسه ده الواد كان لابس بدلة إيه ملهاش حل واضح أنكم مش بتفهموا في البدل خالص ومفيش ذوق.
خرجت ضحكة ساخرة من زهران ثم تحدث بتهكم:
-اه مش بنفهم، سيبنا الفهم والذوق لابنك صحيح، وبعدين سيبك من العيال وتعالى اوريك حب عمري..
اتسعت أعين جابر هاتفًا:
-حقًا؟! هل ستدعني أراها؟ إذن هيا بنا فـ أنا اتلهف شوقًا لرؤية حب العمر لصديقي.
تمتمت زهران وهو يحاول ألا تكون إشارته واضح:
-شايف الترابيزة اللي قدامنا دي، اللي لابسة لون زيتي دي، هي دي حب عمري اللي فرقنا القدر واتكتب عليا قصة حبنا تنتهي قبل ما تبدأ.
كان يتحدث زهران بتأثر كبير جعل جابر يشفق عليه حقًا:
-متقولش كده بس يا صديق عمري، مفيش حاجة بعيد عن ربنا والعشاق مصيرهم يجتمعوا مهما طال الزمن ومهما كانت النضلات صدقني عاجلًا أم أجلًا ستظفر بها..
رد زهران بعدم فهم:
-مين النضلات دي؟! أنتَ قصدك على نضال ابني؟ أنتَ بتجمعه ليه بس؟.
حاول جابر تفسير كلماته:
-النضلات دي بدل العقاب يعني، مش لازم اقعد اشرح وافهم فيك مش معقول كدة مش عيشة دي…..
بينما جابر وصديقه في عالمهما الموازي…
كانت سامية تجلس بجانب خالها ووالدتها على الطاولة تنتظر بشغف رد حمزة عليها حينما أرسلت له صورتها بفستانها من اللون الأبيض المائل إلى البيج…
أرسل لها حمزة رسالة متغزلًا فيها…
“زي القمر يا حبيبتي”
“متأكد أن مغطية على العروسة”
“ياريتني كنت معاكي دلوقتي”
“أنا في الكافية علشان كده مشغول شوية أول ما تروحي كلميني هكون روحت أنا كمان ونتكلم، وخليكي جنب مامتك ملكيش دعوة باللي اسمه نضال ده”
تحب غيرته كما تحبه هو..
____________
ولجت ريناد برفقة بهية إلى القاعة، لم تكن ترغب أبدًا في أن تأتي لأنها تعلم كل العلم بأنه سيكون هناك..
ما جعلها تأتي هو أنها اشفقت على بهية الاتيان بمفردها وفي الوقت ذاته وجدت نفسها ستكون فظة بعدما قامت سلمى بدعوتها أن لا تأتي…
ولجت ثم جعلت بهية تجلس على الطاولة التي تجلس عليها حسنية، حور، ايناس وأطفالها، ثم رحلت متحججة بأنها سوف تبحث عن سلمى فهي خجلت من الجلوس مع حور على طاولة واحدة..
وأثناء رحلة بحثها عن سلمى وقف دياب مرة واحدة أمامها حتى كادت أن تصطدم به لولا إدراكها الأمر..
-خير؟!.
تمتم دياب بنبرة هادئة لا تراها كثيرًا فهي في الغالب تراه دائمًا ثائرًا وناقمًا:
-عايز اتكلم معاكي شوية.
ردت عليه ريناد بنبرة قوية لا تشبهها:
-مفيش كلام نتكلم فيه إلا لو عايز تهزقني تاني.
-لا في حاجات عايز اقولها.
لم تستمر قوتها كثيرًا بل شعرت بالخنوع بسبب نبرته المسيطرة بعض الشيء رُبما أو لأنها كانت ترغب في سماعه بفضول كبير…
خرجت معه إلى خارج القاعة حيث يكون الصوت مسموعًا بعض الشيء…
عقدت ريناد ساعديها تنتظر منه أن يتحدث…
ولم يقم بإطالة الأمر هاتفًا بنبرة واهنة لأول مرة تراها منه:
-أنا هكون كداب لو قولت ليكي أنك مغلطتيش وأنا أسف لأنك غلطتي، بس أنا انفعلت عليكي ممكن أكون بالغت في انفعالي لكن انفعالي ده مكنش على شخصك لا كان على اللي عملتيه ولو حد غيرك كان عمل كده كان هيكون عندي نفس ردة الفعل.
ابتلع ريقه ثم حاول توضيح نفسه متحدثًا بجدية شديدة ومشاعر صادقة وحقيقية:
-حور بنتي أنا علطول خايف عليها، خايف عليها من نفسها ومن اللي حواليها، خايف عليها يحصل معاها زي إيناس، خايف تحس بعدم وجود ابوها، أنا علطول خايف عليها من أقل حاجة، حور بنتي ولو خلفت في يوم من الأيام ممكن محبش ولادي زي ما حبيتها، هي حتة مني، فأنا اسف لو بالغت في رد فعلي.
كلماته لمستها بشكل كبير…
رغم انزعاجها وغضبها الكبير منه لم تستطع أن تستمر في ضيقها بعد كلماته تلك لتقول…
-أنا برضو غلطت.
تحدث دياب يحاول اختصار كلمات كثيرة:
– أنا مش حابب اتكلم في مين غلطان ومين مش غلكان المهم إني مش عايزك تكوني زعلانة مني، وحور علاقتكم هترجع تاني أهم حاجة يكون كل واحد فهم حدود التاني إيه.
_____________
كانت ليلة حافلة وجميلة..
الجميع كان يشعر بالسعادة من أجل العروسين….
صعد العروسين إلى شقتهما وثم ذهبت عائلة العروس إلى منزلهما…
ولج زهران إلى شقته هو ونضال ثم إلى المطبخ يقوم بتحضير أرجيلته بينما نضال ذهب حتى يغير ملابسه بعد هذا اليوم الطويل والمرهق للاعصاب فتخطت الساعة الثانية بعد منتصف الليل….
يقف زهران في المطبخ ينتظر أن يشتعل الفحم ويقوم بممارسة احدى الألعاب الاكترونية التي تروق للكبار على هاتفه….
جاء نضال من الداخل وقميصه غير مغلقًا بالكامل وعلى ما يبدو أنه كان على وشك خلعه:
-بابا..
كان زهران يعطي كامل تركيزه إلى اللعبة ولم ينظر له لكنه هتف:
-خير…
تمتم نضال وهو يقترب منه بجدية وقلق:
-في صوت صويت..
رد زهران بلا مبالاة ومازال بصره معلقًا بالهاتف:
-مش مشكلة…
أتسعت أعين نضال وهو يهتف:
-ابنك بيصوت هو وجهاد وتقولي مش مشكلة؟!…
بدأ زهران يستوعب ما يحدث تحديدًا عند طُرقات الباب ورنين الجرس الذي قُرع وبقوة، وقتها خرج نضال يهرول من المطبخ بقلقٍ كبير وخلفه زهران…
فتح نضال الباب ليجد أمامه سلامة وجهاد بملابسهم الخاصة بالزفاف كما هي لكن بوجوه شاحبة وخائفة:
-الحقونا..
تمتم زهران بقلق وعدم فهم:
-في إيه يا ولاد وإيه الصويت ده كله؟! وإيه اللي جابكم؟!.
تحدثت جهاد هنا وشفتيها ترتجف:
-القطة، القطة السوداء بتولد يا عمو في اوضة النوم، بتولد وشكلها مُرعب أوي وفي قطة صغيرة نزلت منها وشكلها لسه بتولد………..
فـدخلت القطة حينما صعدت انتصار برفقة يسرا تاركين العشاء بداخل الشقة بعدما انتهوا من تلك المهمة وتعطير الشقة….
تركت انتصار هي ويسرا باب الشقة مفتوحًا بالنهاية هما سوف يصعدون الآن وفي تلك الدقائق القليلة ولجت القطة حينما شعرت بأنها على وشك الولادة بعدما رحلت يسرا برفقة انتصار..
بعد دقائق…
دخل سلامة وجهاد إلى الشقة وجلسا على الأريكة أمام زهران الذي يدخن أرجيلته ينظر لهما بغيظ كبير.
بينما نضال صعد برفقة انتصار إلى شقة العروسين محاولين إنهاء تلك المهزلة، قامت انتصار بمساعدة القطة وتوليدها بعدها أخذتها هي وأطفالها في علبة كرتونية ووضعتهم خارج الشقة ثم أخذت تنظف الغرفة تمامًا وتغير الفراش بسبب تلطخه من تلك الولادة وتعطير الشقة مجددًا….
وتنظيفها…
ثم هبطت انتصار برفقة نضال إلى الأسفل وكانت الساعة تخطت الثالثة بعد منتصف الليل…
فتح نضال باب الشقة وأردف محاولًا كتم ضحكاته قدر المستطاع:
-القطة ولدت ونضفنا وكل حاجة تمام تقدروا تطلعوا بقا.
ابتلعت جهاد ريقها متمتمة:
-أنا هقرف أنام على السرير أنا مش هعرف اطلع..
تحدث زهران هنا بغضب واضح:
-بقولكم إيه أنا صبري بدأ ينفذ منكم، هو إيه اللي مش هتعرفوا تطلعوا المفروض كنتم أنتم اللي تعملوا كده..
ثم وجه حديثه إلى سلامة متحدثًا بغضب:
– ما تقوم يا شملول خد مراتك واطلع يلا عايزين ننام في ليلتكم دي، ده الفجر قرب يأذن..
سحب زهران نفس من الأرجيلة أثناء الوقت الذي غمغم فيه سلامة:
-هو لازم يعني نطلع؟!.
ضيق زهران عينه متحدثًا بسخرية:
-لا مش لازم، ممكن تدخلوا تناموا جنبي على السرير…
ثم صرخ مرة واحدة في وجهه:
-هو إيه اللي لازم نطلع دي؟! أنتَ اتعبطت ولا إيه فس ليلتك اللي مش فايتة دي؟!..
هتف سلامة مقترحًا فهو مازال يشعر بالخوف الكبير ورهاب لن يفهمه أحد:
-أنا بقول يعني أننا ننام هنا النهاردة في أوضتي وبكرا يحلها الحلال.
تمتمت جهاد مؤيدة:
-أنا برضو شايفة أن ده كل كويس.
ضحك نضال ولم يستطع الصمود أكثر، يشعر أن قلبه على وشك أن يتوقف من كثرة الضحك الذي يصيبه من هذا الموقف العبثي…
الغريب أن نضال كان يضحك وزهران هو الذي على وشك أن ينهض ويقوم بصفع سلامة:
-أنتم اتجننتوا ولا إيه؟! يلا يا سلامة خد مراتك واطلع هتناموا هنا ازاي يعني أنتم مجانين في ليلتكم البيضاء دي؟!.
رد سلامة عليه باقتراح جديد:
-خلاص أنا لقيت الحل…
هتف زهران ساخرًا بعدما سحب نفس من الأرجيلة:
-حل إيه دا لامؤاخذة؟!.
قال سلامة بتلقائية شديدة:
-جهاد تطلع وأنا أنام هنا وان شاء الله الصبح كده اطلع أشقر واطمن عليها لغايت بس ما المنظر يروح من دماغي..
صدعت ضحكات نضال بقوة…
حتى أصبح أخذ أنفاسه شيئًا صعبًا هو حقًا لا يصدق ما يسمع.
تمتم زهران وهو يميل ناحية سلامة:
-عارف سمعتك قدام الناس لما تعرف أن ابني نايم عندي وسايب العروسة لوحدها فوق هتكون ازاي؟!
هتف سلامة بعفوية شديدة:
-مهوا محدش هيعرف احنا أهل مع بعضنا..
قالت جهاد مقاطعة هذا الهراء كله وغير مدركة عما يتحدث زهران:
-أنا مش هطلع الشقة دي تاني ومش هطلع لوحدي، أكرم ليا اروح انام في بيتنا….
صرخ زهران بعدما ألقى خرطوم الأرجيلة على الطاولة ناهضًا من مكانه وهو يشير ناحية الباب:
-أنا مش هستحمل عبط أكتر من كده، هعد لغايت عشرة لو ماخدتش مراتك وطلعت أنا هكسر كريمة نامبر تو وهضحي بيها علشان لسه مبقاش في بينا عشرة فوق دماغك يا سلامة…
كاد سلامة أن يتحدث لكن بدأ زهران بالعد…
-واحد..
-اتنين
-ثلاثة..
-أربعة…
هنا بدأ سلامة وجهاد بالركض حتى فتح سلامة الباب وخرجا من باب الشقة ثم أغلقه خلفه.
جلس زهران على الأريكة متمتمًا:
-أنا شوفت وسمعت عن أن العريس بيدبح لمراته القطة مع سلامة ابني شوفت لأول مرة العريس والعروسة بيجروا من القطة…
“أمــام الـشـقـة”
تمتم سلامة بنبرة غاضبة:
-هو أنتِ ازاي يا هانم تنزلي من شقتك من غير مفتاح؟!.
هتفت جهاد بسخرية لاذعة وهي تعقد ساعديها:
-هو إيه اللي ازاي؟! كان في وقت يعني؟! وبعدين أنتَ كمان مش معاك مفتاح…
أردف سلامة بجدية:
-وإيه العمل..
تمتمت جهاد ببساطة:
-خبط عليهم مش عمو زهران كان شايل نسخة عنده..
طرق سلامة الباب بخفة هاتفًا بتردد:
-نضال، بابا، كريمة، أصيلة، أي حد فيكم يجيب ليا مفتاح الشقة….
____________
في اليوم التالي…
-واشمعنا المرة دي أنتِ اللي بتتحايلي عليا تروحي معايا غريبة يعني؟!.
كان هذا تعقيب حُسنية التي على وشك أن تنهض حتى تتجهز من أجل الذهاب لتلقي جلستها العلاجية.
تمتمت إيناس بنبرة عادية دون أن تفصح عن رغبتها الحقيقية:
-عادي همشي رجلي واروح معاكي ما أنا قاعدة في البيت علطول مبعملش حاجة وأنتِ اللي نصحتيني أنزل عمومًا وكمان دياب الله يعينه يعني مش بيلحق يريح جسمه ويرتاح.
كانت والدتها تسمعها باهتمام بالغ حتى قالت إيناس بنبرة جادة:
-أنا هقوم أخد دش وهلبس علطول متقلقيش مش هأخرك كلمي بس دياب وعرفيه إني هروح معاكي.
تحدثت حُسنية بنبرة هادئة وهي تشير نحو الأطفال المشغولين بألعابهم:
-طب لبسي العيال الأول.
قالت إيناس وهي ترد عليها:
-لا هما مش رايحين معايا مش هقعد اتبهدل بيهم، حور وهدير زمانهم جايين وهيكونوا هنا قبل ما ننزل.
بعد مرور ساعتين تقريبًا..
اقتنع فيهما دياب بذهاب شقيقته برفقة والدته.
كانت تجلس بجانب والدتها في المستشفى وهي تتلقى جلستها تحاول التهووين عليها والحديث معها في أي شيء، هي والنساء التي يتلقون جلسات كوالدتها؛ ومعهم أخصائية نفسية تابعة للمستشفى تكن في الغالب متواجدة من أجل دعمهم نفسيًا في تلك المرحلة التي ليست سهلة أبدًا.
نهضت إيناس وما أن رأتها والدتها هتفت:
-إيه رايحة فين يا بنتي؟!.
تحدثت إيناس بنبرة هادئة:
-رايحة الحمام واحتمال اجيبلي ازازة مياة وحاجة اشربها.
-ماشي.
بعد تعقيب والدتها الهادئ رحلت إيناس وخرجت من هذا القسم متوجهة إلى الإستقبال هاتفة وهي تسأل أحدى الفتيات:
-هو دكتور جواد عز الدين فين؟!.
تمتمت الفتاة بابتسامة ونبرة لبقة:
-مساء النور يا فندم، حضرتك حالة عند الدكتور؟! ولا لسه جاية تحجزي..
ردت عليها ايناس بتوضيح:
-لا أنا مش حالة ومش عايزة أكشف أنا عايزة أعرف هو موجود ولا لا؟!.
تحدثت الفتاة بعدم فهم من سؤالها لكنها اجابتها بالرغم من ذلك:
-حضرتك عندك مشكلة أو عايزة حاجة معينة؟!.
أردفت إيناس بنفاذ صبر وهي تتمالك أعصابها قدر المستطاع:
-أنا عايزاه هو وعايزة أتكلم معاه.
اندهشت الفتاة من طريقتها ولكنها غمغمت ببساطة:
-عموما دكتور جواد مش موجود دلوقتي ولو موجود لازم اعرف حضرتك عاوزة إيه قبل ما أوصلك ليه.
هتفت إيناس بنبرة هادئة نوعًا ما رغم غرابتها إلا أنها استجابت لمطلبها:
-أنا هسيب معاكي حاجة من فضلك اديهاله، ولو ينفع ممكن ورقة وقلم..
____________
بعد أذان العصر.
كانت تنام جهاد بين أحضانه في الحجرة الأخرى..
لم ينام الاثنان في الحجرة الخاصة بهما بسبب شعورهما بالخوف أو التقزز أسباب كثيرة..
استيقظت جهاد أولا، ثم خرجت من الغرفة متوجهة صوب المطبخ تحاول تسخين أي شيء، فهي لم تتناول أي شيء منذ عودتهما من حفل الزفاف..
وضعت الطبق الملفوف بالورق الألمنيوم في الميكرويف حتى تقوم بتسخين بعض المحاشي وقطع اللحم لكنها بمجرد أن أغلقت باب الميكرويف وقامت بتحديد الوقت سمعت صوت مخيف غير الإشعاع والمنظر الغريب الذي يحدث ومن دون تفكير جذبت المقبس الموضوع في الدائرة الكهربية وتوجهت صوب الغرفة تنادي على سلامة وتضع يدها على كتفه..
-سلامة قوم يا سلامة، قوم بسرعة..
نهض سلامة مفزوعًا من الفراش وهو يمسك ذراعيها:
-إيه؟! القطة السوداء جت تاني هي وعيالها؟! إيه اللي حصل؟!..
-لا اهدى بس الموضوع مش موضوع قطة.
تنفس سلامة الصعداء هاتفًا:
-الحمدلله، اومال في إيه؟!.
ردت جهاد عليه بارتباك:
-الميكرويف كان هينفجر….
_________
بالأسفل كان نضال لتوه قد صعد من الجزارة..
وجد هاتفه يعلن عن اتصال فأخرجه من جيبه ليجد شقيقه مما جعله يجيب عليه ساخرًا:
-إيه في قطة تانية ولدت عندكم ولا إيه؟!.
“لا يا ظريف بس عايز استشارة، البت جهاد حطت الأكل في الميكرويف وعمل صوت وطلع ريحة وظهر إشعاع غريب”.
رد نضال عليه وهو يضيق عينه:
-ليه حطت حلة ولا حطت إيه بالظبط الحاجات دي مش بتدخل الميكرويف؟!.
“حطت أطباق الفل الملفوف بالفويل مش عارف فين المشكلة محتاج يروح الصيانة ولا نكلم خدمة العملاء ”
كانت إجابة سلامة عفوية وهو يخبره بما حدث ليغمغم نضال متهكمًا:
-الفويل مش بيدخل الميكرويف يا جماعة أنتم كنتوا هتولعوا في الشقة.
ثم غمغم بجدية:
-أنتم الاتنين غير مؤهلين أنكم تتجوزوا ولا تقعدوا في مكان لوحدكم…
“مولود في ميكرويف أنتَ يعني؟ طبيعي نكون مش عارفين اتكلم عدل أنا مسمحش ليك وبعدين يلا سلام أنتَ هتصاحبني ولا إيه أنا عريس وفي صباحيتي مش عايز إزعاج…”
_____________
في التاسعة مساءًا..
ولج جواد إلى المستشفى وهو يحمل حقيبة الحاسوب الخاص به، كالعادة يلقي التحية على العاملين، حتى أقترب من الاستقبال ألقى التحية وكاد أن يرحل لولا صوت أحدى الفتيات التي نهضت من مقعدها وخرجت له..
-دكتور جواد.
رد عليها جواد بهدوء:
-خير.
تمتمت الفتاة بنبرة عملية:
-في واحدة جت وكانت بتسأل عنك وعايزة تشوف حضرتك.
غمغم جواد وهو يضيق عينه:
-مين دي واسمها إيه وعايزة إيه؟!.
هتفت الفتاة بعدم معرفة:
-مش عارفة بصراحة، بس يعني هي سابت لحضرتك دول وقالتلي أوصلهم ليك.
مدت يدها بورقة ملفوفة ومطوية بعناية فأخذها منها باستغراب ورغم أن الفتاة كانت ترغب في معرفة ما كتبته تلك المرأة لكن رغم فضولها الكبير خشيت أن تعبث بها.
-تمام شكرًا.
أنهى حديثه وتوجه إلى غرفته يضع الحقيبة على المقعد الجلدي، ثم جلس على مقعد أخر وثير ومريح.
فتح الورقة ليجد بها عدة ورقات نقدية، وورقة مكتوبة بخط جميل ومنمق يكاد يجزم بأنه من أجمل الخطوط التي رأها في حياته.
ما دون عليها كان ..
“السلام عليكم، أنا ايناس اللي حضرتك دفعت لاولادها واخواتها في معرض الكتاب، أول مرة لما بعت الحاجات مع والدتي أنا عديتها علشانها لأنها شافت أنها هدية كونها أول مرة
لكن أنتَ كررتها تاني وده مينفعش، ولو حصلت صدفة تاني من فضلك متعملش كده؛ لأني مقبلش أن حد غريب يدفع لينا ولو جنية؛ وعمومًا شكرًا ليك”.
جمال وروعة الخط وتناسقه يتنافى تمامًا مع ما تم كتابته…
كان ينقصه أن تخرج يدها من بين الكلمات وتصفعه، كانت رسالة مضحكة ومثيرة للاعجاب بالنسبة له، أنها حقًا أمرأة تغضب من دون سبب.
يستطيع تخيل ملامحها وهي تكتب تلك الرسالة….
عدلت من مزاجه رغم ضيقه من تركها للنقود إلا أنها تسببت في ظهور بسمة عابثة على وجهه….
______________
بعد مرور أربعة أيام..
في الشقة الخاصة بـ زهران..
التي لا يقيم فيها مع أولاده..
بل حينما يتزوج بأخرى…
كان يجلس مع شقيق انتصار “خال سامية” الذي أتى اليوم لزيارته بالرغم من أنه كان هنا منذ يومين حينما أتى حمزة وعائلته….
هتف زهران بنبرة غاضبة بعدما سحب نفس من الأرجيلة تحت نظرات شقيق انتصار البالغ من العمر ستون عامًا:
-هو أنتَ مش سامع نفسك بتقول إيه؟! هو إيه اللي نوافق وخلاص هو بنتنا معيوبة؟!!.
صاح الرجل هاتفًا:
-عيب يا زهران اللي بتقوله ده بنتنا زي الفل.
رد زهران عليه بنبرة مغتاظة:
-قول الكلام ده لنفسك لما تيجي تقولي نوافق نجوز البت سُكيتي وبالسرعة دي ولا كأن في حد بيجري ورانا، غير إني مش مرتاح للواد ده.
رد الرجل عليه بجدية شديدة:
-وأنا بقولك الواد وأهله كويسين وناس محترمة وولاد ناس.
تحدث زهران ساخرًا بعدما سحب نفس طويل من أرجيلته:
-مهوا بنتنا بنت ناس وكل الناس ولاد ناس مجبتش التايهة أنتَ.
هتف الرجل بانفعال هو الأخر:
-بقولك إيه يا زهران متعصبنيش بقولك سألت على الواد كويس ومفيش حاجة تعيبه وعنده كافية وشقته جاهزة ومستواه المادي كويس إيه مشكلتك بقا متعقدش الأمور يا زهران الواد طالب البنت بالحلال وداخل البيت من بابه….
ثم أسترسل حديثه بنبرة ذات معنى:
-ما ابنك راح خطب وكتب كتابه، إيه عايزنا نفضل مقعدين البنت جنبكم أنتَ بتتلكك بقا.
صاح زهران في وجهه بنبرة جادة ولأول مرة يخرج عن الإطار الذي يكن دومًا به أن يكون رجلًا مرحًا وصبورًا يتفهم الجميع:
-سامية دي بنتي مش بنت أخويا وعلشان أنا شايفها بنتي أنا مقبلش أن بنتي تتجوز بسرعة كده من قبل ما نعاشر الواد ونعرفه ولو كنت عايزها تتجوز ابني مش علشان هو ابن عمها وبس لا علشان هو الراجل اللي هيصونها مش لمجرد أنه ابني، وموضوعهم اتقفل وخلاص ده مش معناه إني ارميها لأول واحد يجي.
شعر الرجل بأنه تسرع فيما قاله فهو رجل لين القلب تمامًا يتحدث بكلمات سامية التي كانت تخبره بها بأنه ليس له حق حتى يعارض زواجها، إلا لو كان يرغب في جلوسها دون زواج كعقاب..
هتف الرجل بنبرة مترددة:
-مش قصدي يا زهران بس أنا مش شايف الواد فيه مشكلة كويس ومحترم وسألت أنا عنه، وكل حاجة جاهزة مش كل جوازة عملوا خطوبة فيها طويلة هو ده اللي خلاها تفلح بالعكس ده أحسن.
ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة بعدما نفذ صبره:
-من الآخر يا زهران البت عايزاه ومبقاش في حد في الزمن ده حد يقدر يمشي كلمته عليه في جوازة، وأنتَ وأنا عارفين أننا منقدرش نمشي كلمتنا على بنت في سن سامية لو معملتهاش برضانا هتعملها غصب عننا مهما حاولنا نمنعها علشان كده نكون جنبها أحسن.
صاح زهران مستنكرًا رغم أن كلمات الرجل كانت واقعية بعض الشيء:
-طب بذمتك مش مكسوف من نفسك وأنتَ بتقولها.
-أنا بقولك الواقع يا زهران في النهاية أنا خالها وأنتَ عمها، علينا النصيحة وخلاص لكن مش هنقدر نمشي كلمتنا في حاجة خصوصا إني بقولك البت عايزاه، وبعدين بلاش أنتَ تعترض على الجواز اللي بسرعة ده علشان مش لايق عليك..
كان تعليقه الأخير متهكم قاصدًا زيجات زهران المتعددة، لم ينزعج زهران من الأمر بل علق بطريقة واقعية:
-علشان أنا راجل كبير وبتجوز واحدة في سني مطلقة أو أرملة يعني أكيد مش هروح اخطب سنة ولا سنتين، بتكون ظروفنا شبه بعض وده الوضع الطبيعي لينا، لكن ده أول بختها أنتَ بتقارن إيه بـ إيه؟!.
غمغم الرجل ببساطة وهو يحاول اقناع زهران:
-فكر في كلامي يا زهران، وبعدين أحنا نكتب مؤخر ونطلب مهر عالي برضو مش هنديله البت بالساهل ولو هو لعبي أو مش جاد أكيد مايته هتبان مع أن الواد وأهله ناس كويسة.
تمتم زهران بانزعاج بعدما سحب نفس من الأرجيلة:
-ربنا يسهل.
______________
في اليوم التالي..
يجلس زهران مع سامية ووالدتها..
بالنسبة إلى انتصار أخبرها شقيقها بما قاله إلى زهران أضعاف مضاعفة يحاول اقناعها بالأمر كما طلبت منه سامية..
تحدث زهران بنبرة جادة وهو يجلس في الشقة الخاصة بشقيقه:
-بصي يا سامية قدام أمك أهو أنا مش موافق على الجوازة دي من قلبي.
سألته سامية بجراءة تناسبها:
-ليه حضرتك مش موافق على حمزة؟! قولي سبب واحد يخليك متوافقش وأنا هقتنع.
رد زهران عليها مستنكرًا:
-مش لاقي سبب أقوله علشان معرفش عنه حاجة أصلا، الجواز مش بمجرد معرفة شغل الراجل ومكان سكنه وعربيته، الجواز أكبر من كده بكتير، الناس عملت فترة الخطوبة علشان يعرفوا بعض أكتر ويعرفوا طباع بعض، فيها إيه لو عملنا حتى خطوبة ست شهور؟!.
تمتمت سامية بتهور واضح:
-أنا اعرفه من أيام الجامعة وهو حد كويس، وبعدين يعني ما نضال كتب كتابه على سلمى بسرعة جدًا حضرتك مقولتش النصايح دي غير ليا أنا بس ولا إيه؟!.
رغم وقاحتها إلا أن زهران رد عليها ببساطة شديدة:
-سلمى نعرفها من وهي عيلة صغيرة وبقالنا سنتين معاشرينهم، وبعدين كتبوا الكتاب في فترة الخطوبة مش كتبوا الكتاب وجبناها تقعد معانا، واصلا احنا بنتكلم في حاجة بدخلي نضال في الموضوع ليه؟.
غمغمت سامية بنبرة هادئة:
-أنا بضرب لحضرتك مثال.
تحدث زهران موجهًا حديثه صوب انتصار:
-إيه رأيك يا انتصار؟!.
ردت انتصار عليه وهي تعقد ساعديها تشعر بالكثير من الهموم بسبب حديث ابنتها كل يوم وهي تصرح بأنها سوف تتزوجه ولا تهتم برأي أحد.
-رأيي في إيه يا زهران هي بنتي سابت ليا رأي ولا كلمة؟! بنتي بتقول بكل بجاحة في وشنا أن رأينا مش مهم.
تحدثت سامية محاولة تبرير كلماتها وهي تحاول جعلها أكثر لُطفًا:
-أنا مقولتش كده رايكم فوق رأسي بس برضو أنا ليا رأي، المفروض انا اللي اختار الشخص اللي اتجوزه.
تمتم زهران بنبرة جادة:
-أنا لأخر مرة بقول اهو علشان اريح ضميري علشان أنتِ في رقبتي يا بنت اخويا، جوازة بالسرعة دي مش حاجة مريحة بالنسبة ليا لكن لو ده اللي أنتِ عايزاه ومصممة أنتِ حرة ومعنديش مشكلة واللي بيشيل قربة مخرومة بتخر على دماغه أول واحد…..
كلمات زهران ازعجت انتصار بشكل كبير…
لأنه سيجعلها تفعل ما تريده..
كانت تظن بأن شقيقها أو حتى زهران سيظل ثابتًا على موقفه..
هو بالفعل ثبت على موقفه لكن بطريقته ستجعل الكرة في ملعب ابنتها وهذا ما كانت تخشاه!!!!!
ما جعل زهران يفعل هذا هو شقيق انتصار بكلماته لأنه يعلم بأنه لا أحد يستطيع السيطرة على فتاة كـ سامية…….
لن يقوم بحبسها في المنزل، غير أنه في موضع حرج بسبب معرفة الجميع لرغبة نضال في الزواج منها سابقًا، وهذا ما يجعله في موضع اتهام قليلًا..
لذلك هو سوف يمرر الأمر ويجعلها تفعل ما تريده تحت عينه ومراقبته لها، مع وضع شروطه…
رغم كل شيء كان يتمنى أن يكون حدسه وظنه بهذا الشاب خاطئًا، وأن تكون هي التي لها رؤية مختلفة عنه وصحيحة….
هو لأول مرة لا يرغب في أن يكون مُحقًا…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم)

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *