رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل التاسع عشر
أسبوع.
أسبوع مرّ كالجحيم عليهم، والدهم مفقود وصالح كذلك، هواتفهم مغلقة و السيارة محيت آثارها وكأنها لم تكن أبدًا، والده، صديقه، سنده في هذه الدنيا اختفى فجأة دون سابق إنذار، فُقِدَ أثره ولا يستطيعون تتبعه، لقد قلبوا البلد رأسًا على عقب ولكن دون فائدة، يا رب، احميه واحفظه، قال سفيان برجاء وهو يجلس خاشع الأطراف مشغول البال، يجلس ويفكر في اختفائه، تراوده شكوك بأن رائف له دخل في اختفائه ولكن صالح هاتفه قبل اختفائهم وأخبره بأنه سيذهب مع والده للقنطرة لإحضار قطعة مجوهرات مميزة لشيما، لم يهتم ولم يركز بسبب باله الذي كان مشغول في ما حدث، والدته امتنعت عن الأكل، هي تشعر بنفس الشعور السيء الذي يراودهم جميعًا، والده لم يسبق له السفر أساسًا ومتابعة العمل، فقط يوكل سفيان أو أدهم بهذا، زينبو تكاد لا تصلب طولها لتحافظ على صلابتهم واخته هايدي لا تتحدث معهم تغلق الباب على نفسها وفقط، أما عائشة فلا يعلم ما بها، انتقلت هي واسرتها للعيش في المنزل المجاور لأسرة سليم، لم يقابلها مرّة ثانية، وهي أيضًا لم تأتي، رحلت مع ذهاب أبيه واكتفت بالإعتذار له، وكأنها السبب في ما أصابه، يا رب…
قال سفيان بهمس، حياته التي انقلبت رأسًا على عقب، حتى عمله كطبيب أهمله، لقد أستعان برفيق له في نفس تخصص كي يتابع حالة المرضى بدلًا منه، وساعده في هذا أن صديقه يعمل في الخارج ولكنه أتي بزيارة طويلة هذه المرة، لا يعلم ماذا يفعل ولكنه متأكد بأن رب الخير لا يأتي إلّا بالخير.
كانت عائشة في غرفة والدتهم في المنزل الصغير نسبيًا التي استأجرته خالتها حينما ذهبت لاخبارهم ما حدث مع سليم وشرح وضعه، انهارت روان آنذاك فهي تحمل نفسها ذنب كل ما حدث لأخيها، واكن عائشة طمئنتها بأنها لو كانت في مثل مكانها كانت ستفعل هذا وأكثر، وسفيان ياللّه، لم تعتقد عائشة بأنها ستراه مجددًا، وبعد مرور أعام طويلة ظهر مجددًا ليسلب قلبها كعادته. اعتقدت عائشة بأنها نسيته وفقط ولكن مشاعرها الثائرة تخبرها بكذبها، تذكرت وعده لها حين اعترف لوالدها بأنه يريدها زوجته، وأنا لأجل عيون عائشة هخاطر يا عمي.
كانت تلك جملة سفيان التي أخبرها لوالدها وهو يتقدم لها، ثم فجأة قبل أسبوع من إحضار والده ووالدته ليتقدم لها رسميًا حدث كل شيء وقلبت حياتهم رأسًا على عقب، عائش، عا. عائشة.
نادت عليها والدتها بتعلثم شديد كعادتها مؤخرًا، فنظرت لها الأخرى بأعين متلألأة، والدتها أصبحت تعي ما يحدث حولها، لم تهلوس مجددًا حين توقفوا عن إعطائها الدواء، وحسنًا كلها أيام قليلة وستكون والدتهم في أحسن حال، هي تشعر بهذا، نعم يا روح عائشة.
قالت هي بابتسامة لطيفة وهي تقترب ناحيتها، ابتسمت والدتها ببطء ثم قالت، مروان، اتأخر.
ابتسمت عائشة على جملتها المتلعثمة ثم طمئنتها قائلة، الحكاية يا ست الكل إنهم مستخبيين بس علشان الشوشرة، اومئت والدتها وعادت لغفوتها القصيرة لتسقط ابتسامة عائشة وتلاعب الخوف بملامحها، لقد وقت طويل عن المعاد المحدد ليأتي أخاها، ولم تعلم عائشة بأن للقدر ألاعيب أخرى.
رنين الهاتف أخرجها من شرودها فخرجت من الغرفة ثم نظرت لرهف النائمة على الأريكة ثم كتمت صوت المكالمة ودخلت لغرفتها هي، حتى تستطيع الرد دون ازعاج رهف.
الحماس يسري في دمها وقد ظنّت بأن مروان من يحادثها، قلقها أنساها بأن مروان لا يستطيع محادثتها أبدًا، وأنه يجب إن يكون معزولًا حتى لا يجده رائف، توقف الهاتف عن الرنين فتوقفت دقات قلبها، وقد عبست بحزن شديد، عائشة لا تعلم بأن رائف يريد الانتقام، هي لا تعلم بأن الضربة التي وجهها لم تشفي غليله، وأنه الآن يستعد للأخذ بثأره من فتاة كان ذنبها أنها تريد النجاة بنفسها وبأختها…
توسعت ابتسامة عائشة مجددًا وقد دمعت عيناها، لقد رن هاتفها بنفس الرقم مجددًا، فبعد أن أغلق حاولت الاتصال ولكنه لم يجيب وهو الآن حقق رغبتها في الاتصال.
ألو، السلام عليكم
قالت بحماس وقلبها يترقب سماع صوت أخيها الرجولي، سيبتسم وسيخبرها بأنه قادم، وسيعيشون بسعادة، كما تأمل، تهاوت أحلامها التي بنتها أمام عينيها وهي تستمع لصوت رائف المثير للقرف وهو يحادثها بخبث، أهلًا عيوش، كنتِ مستنية حد تاني ولا ايه؟
قال رائف لكن الأخرى لم تكن في مزاج يسمح لها بمجادلته وحين همت باغلاق المُكالمة، حذرها رائف قائلًا بما جعل قلبها يهوي بين قدميها، إياكِ تقفلي المكالمة، الثمن هيكون غالي أووي، عمك أمجد عارفاه؟، بياع الدهب، ووالد الزوج المحترم إللي بيتعالى على أسياده وفاكر نفسه حاجه.
صراخ رائف الغاضب في نهاية كلامه وصوت اصطدام يده بشيء بقوة أخافها لدرجة أنها كادت تنهار في وقفتها، صوت الأنين الذي تعالى بعد صوت الضربة جعلها تيقن بأن المجنون يعذب شخصًا ما وهو يحادثها، وهي تعتقد أنها تعلم هويته!
را، رائف.
قالت عائشة بانهيار وقد بدأت بالبكاء والتوسل له، شششش، لسه بدري على المرحلة دي، إحنا لسه في البداية، بس المرادي وحياتك عندي ما هرحم حد، ولا هرحمك، متفتكريش إني صدقت التمثيلية القديمة إللي طبختوها قدامي، أنا بس سيبتكوا تعلبوا بمزاجكوا وفقت ليكوا أهو خلاص، آآه نسيت عمك أمجد يا حرام قرب يموت لو ابنه المغوار مش أنقذوا.
وصالح، صاحبه حالته النفسية مش تمام أصله يا حرام حضر فقرة التعذيب من أولها، فاكراها يا عائشة؟، أتمنى تكوني فاكراها لإني هزعل لو نسيتي وهضطر أفكرك بكل تفاصيلها. حتّة حتّة.
أنهى رائف كلامه بابتسامة شريرة استطاعت بث رجفة الرعب داخلها، وقبل أن يغلق أمدها بالعنوان الذي يوجد به العم أمجد وصالح، في لحظة ما بدأت بالبكاء بهستيرية وهي تركض في الغرفة لإحضار ملابسها وفكرة أنها ستكون السبب في موت العم أمجد تجعلها تحتضر، بعد عدّة دقائق خرجت عائشة وهي تركض من المنزل ولم تلحظ حتى إختفاء الحراس الذين عيّنهم سليم أمام منزلها، لم تلحظ سكون المكان والأسوء من هذا كله، لقد تركت باب المنزل مفتوحًا،.
دقات عنيفة على الباب جعلت من العائلة تجفل، سفيان وأدهم أمسكوا بالسلاح بخضة أما سعاد فهي اتخذت ركنًا بعيدًا بخوف، كان من يدق الباب يدق بقوة وكأن حياته تعتمد على هذا، كأنه يهرب من الجحيم…
ولكنها كانت، عائشة!
صُدمَ سفيان من ملامحها الباكية واقترب منها بهلع يسألها ما بها لكنها تبكي بهستيرية وتتأسف، تتأسف على ماذا؟
ابتلع سفيان رمقه، بالتأكيد هي لا دخل لها في اختفاء والده، عائشة، فيكِ إيه؟
قال سفيان بقلب مضطرب، يتمنى بكامل قوته أن لا يكون لها يد، وأن لا تكون تعرف شيئًا، يتمنى من كل قلبه وكأنها آخر أمنية، بأن تكون عائشة بعيدة هذه المرّة، ولكن ليسَ كُل ما يتمنى المَرءُ يدركه؟
باباك، رائف خطفه، ورن عليا واداني العنوان.
قالت عائشة ببكاء وقد وضعت عيناها أرضًا بخجل، نوعًا ما كانت سببًا في ما حصل، سقطت يداه بجانبه بصدمة وأدهم إنهار أرضًا بينما والدته صرخت فجأة وهي تلطم على خدها أما زينبو فقد كان وقع الصدمة عليها شديدًا فسقطت أرضًا دون حركة، لا تعلم عائشة ما حدث بعدها، سافر سفيان وأدهم للاسكندرية لإحضار والده وفرغلي الذي يرمقها بنظرات مرعبة تكفل بأخذ زينبو للمستشفى والتي تبين بأن الصدمة أصابتها بسكتة دماغية، فظلت جوارها هي وسعاد وجوارهم هايدي التي تنظر أمامها بصدمة، ست ساعات مرّت كأسابيع مريرة عليهم جميعًا حتى استمعوا لصوت صراخ سفيان فركضوا جميعًا نحوه ليروا منظر من أصعب المناظر، سفيان يجر والده على نقالة خاصة بالإسعاف والدماء، ياللهول، إنها تملئ جسد أبيه، ورأسه الحليق مدميًا و هناك يد نجزم بأنها مكسورة بسبب وضعها غير الطبيعي، يجره سفيان مع المسعفين بصراخ وهو يبكي، يبكي بقوة على حالة والده، يبكي كطفل صغير يخاف الفقدان، شهقاته ملئت الممر فجعل من الناس حوله في حالة حزن، أحنى جسده فجأة يستند بيده على ركبتيه وهو يبكي، وقبل أن تركض سعاد نحوه لمحت أدهم يدخل هو الآخر بقلب ينزف دمَا وهو يدفع رفيق عمره مع المسعفين، حالة صالح كانت مذرية، كان مستيقظًا ولكنه لا يشعر بأي شيء ولا يستجيب لأحد، شعره مقصوص بطريقة غير منظمة أعطته منظر الشخص المجنون، وتلك النظرة الحالكة في عينيه تحكي سوء ما عايشوه، أخذه المسعفون بسرعة هو الآخر كي يتم الاطمئنان عليه، وهنا فاقت سعاد من حالة الصدمة التي تلبستها وركضت ناحيتهم تسألهم بصراخ عن حالة والدهم، وحين لم يجيبها أحدٌ منهم بدأت باللطم بهستيرية شديدة وهي تبكي فاعتدل سفيان في وقفته، ودموعه لم تجف من على وجنته بعد ثم سحبها في حضنه، ولكنه لم يفتح فمه ليطمئنها ولو حتى كذبًا، والده حالته خطيرة قد ينجو، وقد لا يفعل!
بعد مرور وقت قصير دخل سفيان لغرفة خصصها لها صديقه كي يستطيعون أخذ راحتهم بعيدًا عن أعين الناس، فدخلوها جميعًا دون استثناء حتى عائشة.
اقتربت منهم ببطء ولا تعلم لما فعلت هذا، كانت يجب أن تذهب بعيدًا ألم يكفها ما يحدث معهم، وبخت عائشة نفسها على فعلتها ولكنه يستحق إهتمامها، سفيان الرجل القوي الذي لم ترى مثله كان يبكي كلأطفال قبل قليل ورؤيته هكذا جعلت منها تود لو فقط تستطيع محو آلامه، أو سحبها ناحيتها، هي أساسًا إعتادت على الألم، بابا كان عايزك في إيه قبل ما يمشي يا عائشة؟
قالت هايدي ببطء وهي تنظر نحوها بكره مفاجىء، توترت عائشة من النظرات التي تحدق بها وارتجف فمها وقبل أن تجيب على سؤالها بكت، بكت لأنها حمّلت نفسها الذنب، هي من جاءت لهذا المكان، وهي من ورطتهم في هذا ومن ثَم هي أصبحت سببًا في ما أصاب والدهم، قولي إنك ملكيش ذنب.
قال سفيان فجأة وقد أثار بكائها خوفه من أنها كانت تعلم شيئًا وأخفته عنهم.
هو، واللّه أنا مكنتش هقوله على العنوان، هو صمم، وأنا خفت، كان عايز العنوان ووعدته أنا آسفة.
قالت جملتها ببكاء فبدأت سعاد بالبكاء وهي تشتمها وأدهم صرخ بهستيرية شديدة وهو يلكم الحائط جواره عدّة ضربات أدمت يده، بينما هايدي جلست بسكون على الكرسي فجأة دون أي حركة منها.
أما سفيان فقد أجزم بأن صوت كسر قلبه كان عالٍ حقًا ليسمعه الجميع، رمقها بنظرة مصدومة قبل أن تنتفخ أوداجه فجأة، هو كان يُريد من ينفس عليه غضبه، والأسوء أنه يعلم في داخله بأنها بريئة ولكن شيطانه سيطر عليه ونجح في تشويه صورتها في عقله.
أتتذكر هذا الشعور الذي يراود الشخص حينما يُطعن ويلتفت للشخص الذي طعنه فيراه أعزّ ما يملك، هذا كان شعوره حينما نظر لها وتهربت هي من نظراته، نفى برأسه بخفة، عائشة، إنتِ كنتِ عارفة إنه رايح ليه ومش قلتيلي…
نفت هي برأسها ببكاء، لم تكن تعلم أنّ هذا ما سيحدث.
واللّه العظيم هو…
لم تكمل عائشة كلماتها المُبررة بسبب صوت انكسار الهاتف الذي ألقاه بجانب رأسها بغضب أفزعها، إنتِ بتبرري إيه، إنطقي، بتبرري إنك كنت السبب في إللي حصل لأبويا؟ بتديه العنوان وإنتِ عارفة إن رائف مريض نفسي عايز ينتقم!
قال سفيان بغضب هيستيرى وقد أمسك مرفقيها يهزها بألم، قلبه يؤلمه بقوة، والده وصديقه، رفيق دربه وأخاه لقد كان والده يُمثل له العالم.
واللّه العظيم هو خلاني أوعده، أنا وعدته، قالت عائشة بوجع لا تعلم من أين ينبع؟ من جسدها، من قلبها أم من رُوحها، أنا بكرهك، قال سفيان بهمس فنظرت له ببطئ شديد وقد صمتت جميع الأصوات من حولهم حتى أحسّت بأنهم في الفراغ، هذه الجملة آلمتها ولا تعلم لماذا، فبدأت بالتوسل له ليفهمها.
أرجوك أنا هشرح إللي حصل، أرجوك أنا فاهماك وعارفة إنتَ حاسس بإيه، قالت عائشة بترجى وهي تُمسك بكم القميص الخاص به، حاسّه بيا، وإنتِ عندك قلب تحسي بيه، إنتِ إنسانة مريضة، إزاى هتحسي بيا، إنطقي، هتحسي بيا إزاى وإنتِ كنتِ السبب في إللي رائف بيعمله في الناس…
قال سُفيان كلماته المُوجعه التي توجهت نحو قلبها كالسهام تغيث به فسادًا، تجاهل سُفيان ملامحها المُتألمة وأكمل حديثه الغاضب النابع من قلبه المُنكسر، يا رتني ما قابلتك، يارتني سمعت كلام أمي وبعدت عن طريقك، ياريتك ما ظهرتي تاني، يارتني ماعرفتك. أنا بكرهك، سفيان…
قالت عائشة بألم، نظر لها بسوداوية وجميع أفكاره ناحيتها مشتتة، إنا بكرهك، أنا مش عايز أشوف وشك قدامي تاني فاهمه.
إرتجفت شفتيها ببصدمة، حديثه نابع من ألمه، فلماذا تشعر وكأن كل كَلمة يقولها هي الصدق، لقد رأت ندمه في عينيه، ليس من كلامه ولكن مناصرةً له، لقد ندم سفيان على اختيارها، لم يفي بوعده لها، لم يتحمل عيوبها، لم يستطع تفهمها، لقد خذلها، سفيان الذي كان يتوسل الحب في نظراته منها أصبح كارهًا لها على ما يبدو، لو كان في وقت آخر لم تكن ستهتم بكرهه، لكنه سفيان، حاميها الأول، وحبيبها الذي اكتشفت هويته قبل أسبوع من الآن، حبيبها الذي هربت منه مجددًا كي لا يمسه الأذى بسببها ولكنها لم تعلم بأن كل الألم الذي يشعر به الآن نابع من حبه لها، خرجَ سفيان من الغرفة بغضب وهو يدق بخطواته الأرض دقًا، أما عائشة فبكت بقوة وقد شعرت بالاختناق وكلماته تحيطها من كل مكان.
نظرت لها سُعاد الباكية فاستشاطت غضباً منها، تلكَ الفتاة ستظل نذير شؤم بالنسبة لها، إنت بتعملي إيه هنا، إمشي برّة يا مُجرمة، قالت سُعاد بهستيرية وهي تتجه نحو عائشة لتتطردها، نظرت لها عائشة بخوف ثم مدّت يدها لتحمي نفسها منها، كان منظرها مثيرًا للشفقة، ولكن يبدو بأن غضب سُعاد هذه المرّة كان كبيرًا، جذبتها سعاد من حجابها وهي تضرب بها وتسبها، عائشة كانت سبباً في كل حزنٍ أصاب حياتهم، بدءًا من حبس سُفيان إلى ما حدث لأمجد، صرخت عائشة بألم وتدخلت هايدي للفصل بينهم، ماما، خلاص لو سمحتِ، كفاية بقا سيبيها.
قالت هايدي بنفاذ صبر وهي تُحاول مساعدة عائشة وتخليصها من قبضة أمها الغاضبة، ولم يكلف أدهم نفسه عناء التدخل، هو يشعر بأنها تستحق ما يحدث لها
في إيه…
قال سُفيان الذي دخل على أثر الصراخ، وقد إرتجف قلبه خوفاً على والدته لأن صوتها كان مُرتفعاً للغاية، سفيان إلحق عائشة، ماما مش…
قالت هايدي كلماتها الأولى برجاء لكنها سكتت عن الحديث حينما لاحظت ملامح وجهه الجامدة، إنتِ لسه بتعملي إيه هنا.
قال سُفيان ببرود شديد بعدما فصل بينهم، أنا، أنا كنت.
قالت عائشة بإرتجاف خائف، ولكن سفيان لم يمهلها فرصة واحدة للتفكير في ما ستقوله له حيث جذبها من مرفقها بقوة غير عابئًا بألمها ثم فتح باب الغرفة يلقيها بقوة أدت لسقوطها أرضًا…
لم يتحرك أدهم أو هايدي ناحيتها، وسفيان خصّها بنظرة كره خالصة وقبل أن يغلق الباب في وجهها وحدها تنهض بألم والدموع تنسكب من عينيها، لاحظ من بعيد اقتراب فرغلي ناحيتهم بفزع لم يرى سفيان ولا يعلم بأنه جاء ولكنه رأى عائشة وحالتها فظن بأن هناك أحد يعتدي عليها، هي تخص رفيقه وهو ليس موجودًا إذن هي في حمايته حتى يأتي رفيقه، إنتِ كويسة؟
سأل فرغلي فجأة فانكمشت عائشة برعب بعيدًا عنه، وحين رفع نظره بغضب ناحية الفاعل توسعت عينيه في دهشة طفيفة، سفيان…
قال فرغلي بهمس ولكن لم يرد عليه سفيان فعلم فرغلي من نظراته الدموية بأنه في أسوء حالات غضبه، سفيان حين يغضب إما يضرب بقوة تصل للتدمير أو يطلق سهامًا من فمه قادرة على كسر الشخص الذي أمامك، من تلك النظرة التي يوجهها لها فقد كان يريد إيذائها بنفس القدر الذي أذته به، سفيان في تلكَ اللحظة ينسى كل شيء، مشاعره ونفسه، فقد يتذكر أذيتها ويريد إيذائها، كان فرغلي يعرف حالة صديقه ويعرف كيف يتصرف معها فوقف أمام عائشة بحماية وهو يحذر صديقه من إيذائها بنظراته، تقدم سفيان منهم بغضب أهوج وحالته المرضية تريد جعلها تبكي بقوة، سفيان، فوق قبل ما تندم.
قالها فرغلي وهو يمسك به بقوة فأغمض عينيه بغضب ثم توجه نحو الغرفة وهو يغلق بابها بقوة جعلت جسدها يهتز بخوف، عائشة أغمضت عينها وهي تشعر بمرارة الخذلان في حلقها، لقد وضعها سليم في أمانته ولكنه لم يكن يعرف بأنه سيتخلى بهذه الطريقة وبدل أن يكون هو الأمان أصبح مصدر الخوف لفتاة كل ذنبها أنها تحاول النجاة،
ماريا، لقد تأخر وصول التأكيد بالآمان للخروج من هذا المكان…
قال مروان بيأس فنظرت له الأخرى بقلق، لا تعلم ماذا حدث مع رجالها، ولم تخبر مروان بأن الرجال اختفوا فجأة وانقطعت أخبارهم، مروان، أتريد المخاطرة بالهروب؟
سألته ماريا فجأة فاشتعل الحماس في عينيه ولكنه سألها بشك، هل كُشف أمرنا؟
نفت ماريا برأسها وأمسكت هاتفها قائلة، ليس تقريبًا، لكنهم اقتربوا، أظن بأننا أصبحنا في خطر…
قال مروان بقلق فابتسمت ماريا بسخرية، مروان عزيزي نحن لم نتخلص من الخطر أساسًا.
ابتسم مروان بيأس فتنهدت في هدوء قائلة، أسبوع واحد فقط يفصلنا عن لقائك بعائلتك، أعدك بتحقيق ذلك حتى لو كان الثمن حياتي
ابتسم مروان لها ومن ثم أغمض عينيه تاركًا لها المجال للنظر له بحرية، حسنًا مروان من أوسم الرجال الذين قابلتهم، وعلى الرغم من عدم تفضيلها للرجال الشقر ولا الأعين الزرقاء إلا أنه نوعًا ما كان يثير فيها مشاعر غريبة من نوعها.
مشاعر خطيرة، تظن بأنها الحب،.
عادت عائشة منهمكة إلى المنزل، تبكي بارتجاف وقدمها على حافة الإنهيار، لقد سقطت عدّة مرات لكن فرغلي كان ورائها في كل خطوة فيخفيها بجسده حتى تنهض، لم يحادثها، لم يسألها عما حدث، لقد تفهم موقفها لذا هي نوعًا ما شاكرة له…
توقفت عائشة فجأة أمام المنزل و صرخت حينما لاحظت الحالة الفوضوية له.
الباب كان مفتوحًا والمنزل مقلوب رأسًا على عقب، الدماء متناثرة في كل مكان وقد استطاعت سماع صوت رهف الصارخ حين تعرضت لكل هذا، فرغلي كان سيذهب بعدما أوصلها لكن صرختها النابعة من روحها جعلت منه يتقدم من المنزل، وحين لاحظ حالته علم بوجود خطبًا ما، الدماء في كل مكان وزجاج المزهريات مكسور أرضًا، عائشة كانت تبكي بصراخ وهي جالسة على قدميها وقبل أن تأخذ رد فعل على ما حدث، رن هاتفها في مكالمة تعلم من صاحبها، كتمت أذنيها بقوة وهي تبكي بألم، نظر لها فرغلي بشفقة وقد وقف عاجزًا أمامها ولا يعلم ماذا يفعل ليساعدها، أمسك بالهاتف ببطىء وفتح المكالمة وفعّل مكبر الصوت، فتعالت صراخات رهف لتبكي عائشة بقوة أكبر، أختها تتعرض للضرب على يد هذا السادي، وهو يسمعها صوتها لتشعر بالألم، عيوشة، إيه رأيك في المفاجأة القمر دي، إللي حصل ده كان عقاب هروبك، وإللي هيحصل هيبقا عقاب سماحك لسفيان إنه يقرب منكم، لأ وإيه بتتحامي فيه مني، طبعًا مش عايز أحذرك إن لو الشرطة عرفت هيحصل إيه في أختك ومامتك؟
قال رائف جملته بخبث ثم أنهاها وهو يضرب رهف بقوة جعلتها تأن بألم، توسلت له عائشة وبكت بقوة، أخبرته بأنها ستفعل ما يطلبه منها تحت نظرات فرغلي المصدومة وكان رده عليها قهقه خبيثة خرجت منه، متعيطيش يا عيوشة، أنا لسة معملتش حاجة.
أغلق رائف المكالمة ليصرخ فرغلي بغضب وهو يرمي الهاتف في الحائط بقوة، نظر لها بشفقة وقبل أن يخبرها أي شيء فقدت وعيها بنظراتٍ منكسرة وروحٌ مشروخة، متنمية أن لا تستيقظ مجددًا لأنها حين ستفعل ستواجه الجحيم بمفردها…
وقف فرغلي في مكانه بعدم تصديق، كان لوهلة يحمّل عائشة سبب كل ما حصل لرفيقه ولكن رائف المجنون صحح نظرته لها، هي كانت الضحية دائمًا، ونظرًا لأن رفيقه ليس في حالته الطبيعيه الآن ولن يستيقظ منها سوى بعودة الوعي لأبيه والإطمئنان عليه، حينها سيندم على كل ما فعله، لكن الآن سفيان ليس موجود وهو سيكون المسؤول عنها حتى عودة رفيقه…
سيساعدها فرغلي على استعادة عائلتها، وسيشكره سفيان على هذا لاحقًا إذا عاد له وعيه!
التعليقات