التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الحادي والعشرون

كنتُ قد أخذت بضعة أوراق نقدية من أحد ادراج غرفتي ونزلت الدرج وانا لا ازال اسمعهما يتحدثان. وصلت إلى معطفي المعلق على الباب وارتديته وخرجت دون إصدار أي ضجة.
هذا يكفي لقد طفح الكيل. سأسوي الأمور معه وحدنا. سأرى إلى أي نتيجة سأصل، أنا متجهة إلى ساحة معركة بلا شك، والخاسر فيها لن يخسر من بضعة كلمات فقط، فأنا على الأغلب سأنفجر في وجهه حتماً!

بعد لحظات كنتُ أجلس في سيارة أجرة، وبعد ان قطعنا مسافة ليست بقصيرة ادخلت يدي في جيبي باحثة عن شيء معين. وحينها استوعبت انني نسيت هاتفي في المنزل! يمكنني أن أرى مشهداً سريعاً لهاتفي على المنضدة بعد ان تركته كالحمقاء وكأنني سأذهب إلى منزل في آخر الحي وليس في المدينة المجاورة!
علي العموم أنا متوترة! كيف سأذهب هناك وبأي نبرة ينبغي لي أن أتحدث معه؟ أو بالأصح اهدده فيها فالنقاش معه أمر مستبعد تماماً.

صدقاً الحديث معه مشابهاً للتحدث إلى الشخص يفصل بيني وبينه زجاج مانع للصوت! كل منا يصرخ ولا يستمع للآخر ويفسر الأمور كما يرغب!
حسناً ما الذي سأقوله له تحديداً؟
سأقول له بكل بساطة بأن ننفصل بأسرع وقت.
ولو رفض سيكون راغبا في إذلالي وحسب، وهذا ما سيدفعني لتهديده او استخدام لهجة حادة معه وأريه أنني لست خائفة!
توقفت عن التفكير فجأة وانا احني جسدي للأمام بسبب الصداع الغريب الذي راودني للمرة الثالثة اليوم.

تمالكت نفسي لأعيد رأسي للوراء وأسندها على المسند مغمضة عيناي بقوة وامرر يداي على جانبي جبيني لأدلكه برفق.
اعلم بأن الصداع ينتابني بسبب سوء التغذية مؤخراً.
أنا لا زلت مقصرة في حق نفسي بالفعل، على الاهتمام بصحتي، كما أنه لا يفصل بيني وبين الاختبارات النهائية سوى ما يقارب الشهر أو أقل.

ولأنعم بحياة هادئة واخوض الاختبارات على ان أقدم طلبا للمعهد الطبي بالحصول على التدريب في أي مشفى ولو كان أقذر وأرخص وأسوأ مشفى على هذه الأرض. لو لم احصل على التدريب لن يُسمح لي بخوض الاختبارات وانا عاجزة فقط عن تخيل نفسي افوت فرصة التخرج! لن استبعد ان يصيبني الجنون وانتحر بعد كل هذه السنوات المرهقة.

علي أولا التخلص من كريس، وتوصلت إلى أنه على معاملته بجفاء، ببرود، بلامبالاة وحزم، وسأنظر نحو عينيه مباشرة بكل جرأة وباحتقار شديد.
سأجعل نبرتي عالية وواثقة، ومشمئزة جدا!
أنتَ مجرد ثري مدلل ولن تستطيع إذلالي أو شرائي بالنقود، ولن تجبرني على الاستمرار في هذا الزواج ولن أخضع لك طالما أنفي يشم الهواء.

ادركت انني قلتها بصوت مسموع عندما نظر إلى السائق بارتياب بنظرة سريعة ثم اختلس اللمحات نحوي من المرآة الأمامية.
توترت واسرعت انظر من خلال النافذة.
بعد مدة زمنية أوقف السائق السيارة أمام الشاطئ وحينها خفق قلبي وشعرت بالتوتر الشديد!
م. ما هذا!
ما الذي حدث لكل ما قررته للتو؟ لقد تبددت ثقتي في لحظة لمجرد وصولي فقط! أين ذهبت تلك الشجاعة بحق الإله؟

زميت شفتاي وانا اعطيه النقود ونزلت بقدم مرتجفة، أطرقت برأسي أنظر للأرض لبرهة ثم حدقت بالشاطئ وحزمت أمري وأنا أمشي بخطوات مرتبكة وشيئا فشيئا أصبحت بطيئة مترددة.
أشعر بأنني أواجه صعوبة في الاقتراب من المنطقة! وأعلم أن المانع الوحيد هو مشاعري نحوه! هذا ما يجعلني متوترة الآن.
أكره هذا الضعف الذي يجتاحني، أكرهه كثيراً.

لو لمحني شخص الآن لأقسم على أنني فتاة تخوض شجارا عنيفاً مع قدميها وهي تجبرهما على التحرك بصعوبة!
وصلت ووقفت أمام منزله بوجه يظهر ملامح مرتبكة وغير متزنة إطلاقا! على أن اتمالك نفسي حتى لا اثير سخريته. لا سيما وانه يراني شفافة من السهل فهمي!
ولكن. يا الهي، أعتقد بأنني سأعود!
رغبت في العودة بالفعل ولكنني للحظة وقفت بحيرة محدقة بالمنزل.
أين سيارته!

لا أرى أي أثر لها!، الباب مغلق والسيارة غير موجودة أمام محيط نظري، أيكون قد عام لمنزل العائلة!
م، مستحيل! بعد وصولي أخيراً؟! أم تُراه قد خرج و سيعود قريباَ؟
تنهدت بعمق واقتربت أكثر وصعدت الدرج وطرقت الباب بيد مرتجفة. انتظرت كثيرا ولم أجد رداً فرفعت يدي لأضغط على الجرس ولكنني تراجعت في اللحظة الأخيرة فلا شيء يدل على انه يتواجد في المنزل.

ما هذا الحظ السيء لا يمكن أن يكون قد خرج بعد هذه المسافة التي قطعتها!
زفرت بغضب وجلست على الدرج هامسة: ما خطب هذا الصداع الغبي الن يتوقف عن تعذيبي؟
قلتها ممسكة برأسي وأنا اعاود تدليك حبيني محاولة ان أرخي الانقباض الذي اشعر به في مقدمة رأسي.

لكم ان تتخيلوا انني قضيت وقتي كله وأنا جالسة هكذا حتى نظرت لساعتي لأجدها تشير إلى الثالثة مساءاً، بل أنني مللت الجلوس على الدرج واتجهت للأرجوحة الموجودة والتي وُضع عليها بضع وسادات صغيرة لأتأرجح بملل وقد فقدت الأمل تماماً.
ما الذي أفعله كل هذا الوقت بحق الإله وأنا انتظر ذلك المتعجرف ليعود!
إنها لحماقة مني بالفعل، وما الذي على ان أقوله الآن لأمي وأبي.

ربما لن يغضبا ولكن إن علم إيثان بأنني هنا فسأكون ميتة لا محالة!
حدقت إلى البحر بصمت. أعلم بأن التوقف عن حبه أمر صعب وسيكون شاقاً علي.
ولكن ماذا عساي ان أفعل. على أن أضحي بالأمور التي حدثت فجأة وشكلت زوبعة من التوتر والارتباك لي ولمن حولي.
انتفضت في مكاني على الأرجوحة عندما التقطت اذني صوتاً خافتاً!
نظرت من حولي بحيرة ولم أجد مخلوقاً يتحرك!
عقدت حاجباي وانا أدرك جيداً بأنني سمعت صوتاً.

وقفت مبتعدة عن الأرجوحة ووقفت في المنتصف باستغراب.
تحركت باحثة من حولي ولم أجد شيئاً، حتى اتجهت لأقصى يمين الشرفة الخشبية الواسعة هذه ولم أحصل على نتيجة، إلا أنني وقفت في مكاني للحظة استوعب وجود سيارة سوداء على يمين المنزل موقوفة في الخلف قليلاً!
أليست هذه سيارته! نعم إنها هي.!

عقدت حاجباي بعدم فهم، إن كانت سيارته هنا فأين هو؟ أيكون قد خرج مع شخص ما او بسيارة أخرى، أو حتى تركها هنا ورحل من هذا المنزل؟!
وضعت الكثير من الاستنتاجات حتى عاود ذلك الصوت اختراق مسامعي مرة أخرى.
تحركت لأقف أمام باب منزله الزجاجي والذي يمكنني رؤية تفاصيل المنزل من خلاله، الصوت بات أوضح وأقرب.

حاولت اختلاس النظر من كل الجهات حتى اتجهت لطرف الباب محاولة ان اسمع بوضوح، استطعت اخيرا تمييز الصوت الذي كان صوت سعال قوي!
لحظة. اليس هذا صوت كريس؟!
اسرعت نحو النافذة الموجودة على اليمين، وهنا تسمرت في مكاني بدهشة!
رأيته يجلس قرب المدفأة التي من الواضح انها اشتعلت قبل فترة قصيرة جداً، هل كان هنا طوال الوقت ريثما انتظره في الخارج!

لفت نظري انه يلف جسده بغطاء سميك للسرير وينحني قليلا للأمام جالسا على الأرض، الصق جبينه على الأرضية للحظات وعاود يسعل بقوة لدرجة أنني رأيت جسده ينتفض!
م. ما خطبه! طرقت على النافذة بعين متسعة فرفع رأسه ببطء ينظر إلي.
لم يبدو عليه التفاعل عندما رآني بل سعل مجدداً، هل هو مريض؟! هل أتخيل ام أن وجهه متورد؟
لمحت يده امتدت بصعوبة إلى سلة مهملات صغيرة بجانبه وحينها شهقت لرؤيته يتقيأ فيها!

لم أكلف نفسي بعناء المراقبة أكثر وإنما اتجهت للباب لأفتحه ولكنه كان مغلقاً، هو لن يستطيع ان يفتحه وعلى أن أتصرف!
عدت للنافذة مرة أخرى وسعدت كثيرا عندم سحبتها لأجدها مفتوحة!
رفعت جسدي واستندت بأطراف حذائي الرياضي على خطوط التصميم البارزة في الحائط لأقفز إلى الداخل، في الواقع سقطت على مؤخرتي بقوة عندما علق جزء من طرف معطفي بالنافذة!

كنت أتأوه عندما نظر إلى بوجهه المتورد لثواني قبل أن يشير للنافذة بصعوبة!
لم أفهم ما يريده فاقتربت بخوف وقلق لأسأله جاثية أمامه: ما خطبك!، هل أنت مريض؟
عاود يشير للنافذة ولكنني كنت لا أزال خائفة وقلقة بسبب وجهه المحمر، لم يكن وجهه فقط وإنما شفتيه وأنفه كذلك! جسده يرتجف وعاود يسعل مرة أخرى.
وضعت يدي على جبينه اتحسس حرارته ثم احاول اسناده ولكنه دفعني ليعاود تقريب السلة منه ليتقيأ!

ارتجفت شفتاي بهلع وسيطر على الشعور بالفزع والقلق الشديد!
مررت يدي على ظهره برفق من فوق الغطاء ولكن بحركة سريعة لأدفأه، لحظات حتى سمعته يهمس بصوت مبحوح ضعيف: النافذة. ستقتلينني.
اتسعت عيناي هامسة: ا. النافذة!
أسرعت أقف دون تفكير بل أنني قفزت قفزة المئة متر لأغلقها بعجلة واعود إليه، مهلاً! تقيؤه هكذا، تغطيته لجسده وكأنه سيتجمد من البرد وتورد وجهه الشديد وشفتيه.

همست مقتربة منه باهتمام: هل تعاني من حساسية البرد؟
لم يجب وإنما ظل يلهث ويتنفس بصوت مسموع! لا شك بأنها حساسية البرد!
هاه! لهذا كنت أراه دائما يلف وجهه وعنقه بالوشاح؟! بل ورأيته ينتقي أثقل وأسمك المعاطف! لطالما تساءلت لماذا يبالغ في تدفئة نفسه والآن فهمت!
إنها أعراضها بلا شك. أعلم ما على فعله لم أدرس التمريض عبثا!
سألته ولا أزال امرر يدي على ظهره: هل حساسيتك مزمنة؟

عقد حاجبيه وأغمض عينيه فعاودت أسأله مرة أخرى بحزم، أومأ برأسه إيماءة صغيرة وأخيرا سمعته يهمس: ما الذي تفعلينه هنا؟
قالها بصوت ضعيف أجش فعلقت بدهشة: هل هذا ما يهمك حتى وانت تحتضر! يا الهي لا أصدقك!
ثم زفرت بغيض وتجاهلت سؤاله: ان كانت حساسيتك مزمنة فلن تختفي الأعراض طالما عليك أخذ إبرة ابنفرين اليس كذلك؟ هل تملكها هنا في المنزل؟

سعل قليلاً وشد الغطاء عليه بقوة ليخفي وجهه بالداخل قبل ان يجيبني: في الحمام العلوي.
وقفت فورا لأبحث عنها في الأعلى، وجدتها في حمام غرفته في صندوق خُصص لأدوات الإسعافات الأولية. اسرعت بأخذ الصندوق ونزلت وعندما جلست أمامه رأيته ينظر إلى يده التي تورمت قليلاً.
لا عجب في هذا قد يبدأ وجهه بالانتفاخ أيضاً لو استمر الأمر أكثر.

كنتُ أجهز الابرة متسائلة بعتاب لم أستطع اخفاؤه: كيف تعرضت للبرد! الأشخاص المصابين بهذه الحساسية عليهم ان يحرصوا على إبقاء أجسادهم دافئة. أنت بالفعل أحمق! أتُراك ذهبت للاستحمام في مياه البحر في هذه الأجواء؟! لن أستبعد تصرف صبياني سخيف كهذا.
أغمض عينيه بتعب وانحنى للأمام قليلا فخمنت أنه يشعر بألم في معدته وهذا طبيعي، ولكنني لم أتخيل أن تكون بهذه القوة!

حدقت إليه بريبة متخيلة مغادرتي وتركه في المنزل يعاني من الأعراض التي ستقتله حتما لو مضى الوقت عليه دون علاج! هل كان يحاول الانتحار هذا المتهور؟! ربما سيعاني من هبوط في الضغط وصعوبة في التنفس حتى يختنق لو لم أعثر عليه!
زميت شفتاي بقوة وقلت أكتم قلقي الذي بات يسيطر على تحركاتي: اعطني يدك.
اخرج يده ببطء من تحت الغطاء، تناولت مرفقه لأعطيه الابرة ثم وضعت لصقة فوق مكانها.

سألته باهتمام: هل ستستطيع الصعود لغرفتك؟ أو أحضر لك المزيد من الأغطية لتنام على الأريكة هنا؟
لم يجبني وإنما ابعد وجهه الشاحب المتورد عني!
ويجرؤ على تجاهلي في حالته هذه! لا أصدق. أنا حقا لا أصدق!
ولكن شعوري بالغيض كان لا شيء مقارنة بخوفي عليه، وهذا ما دفعني لأصعد للأعلى لأجلب ثلاثة اغطية، سأضع اثنان على الأرض وواحد فوقه بالإضافة إلى الآخر الذي يدفئ نفسه به.

فرشتها بجانبه على بعد امتار من المدفأة، وضعت الاثنان فوق بعضهما ثم نظرت إليه لأجد جفنيه قد ارتخيا قليلا فقط. اضاءة المدفأة كانت موجهة نحو وجهه لتسلط على عيناه بريقا زاد من صفرتهما التي لازت أعشقها!

هذا ظلم. حقاً ظلم! قررت أنني سأصرخ في وجهه وأهدده واخوض معه اشتباكاً شرساً لو اضطررت لهذا! ولكنني اقف الآن كالبلهاء عاجزة عن ابعاد عيناي عنه. بالرغم من شحوبه وتعبه هذا إلا أن تورد وجهه وانفه جعل له مظهراً لطيفاً أجبرني على رفع يدي نحو صدري اخفف من تسارع نبضات قلبي!

يبدو أنه شعر بأنني أطلت الوقوف فرفع رأسه ينظر إلى بصمت فأسرعت اساعده على ان يستلقي على الأغطية. كانت حركته بطيئة كرجل عجوز تجاوز السبعون من عمره!
يجب أن يرتاح، بل أنه سيغط في نوم عميق بعد ان يهدأ بفضل الدواء.
وضعت الوسادة أسفل رأسه والغطاء الآخر فوق جسده.
اما انا، فبعد كل هذه الانفعالات والتحركات السريعة شعرت بالحر على عكسه وخلعت معطفي لأضعه على الأريكة.

أخذت سلة المهملات الصغيرة للحمام العلوي، رتبت الفوضى، واغلقت صندوق الإسعافات واعدته إلى مكانه في الأعلى.
عندما عدت إليه وجدته يغمض عينيه وانفاسه قد انتظمت!
جفنيه لم يكونا يرتجفان مما جعلني أتيقن بأنه قد نام!
لا يمكنني وصف الشعور بالخوف والقلق والمسؤولية قبل قليل! من الجيد أنني حافظت على هدوئي قليلاً، فبالرغم مما كان يمر به لازال واعيا ومدركا ليسألني عن سبب تواجدي هنا!

إنه مخيف! حتى وهو طريحاً بلا حيلة يواصل التصرف بغرور عجيب.
علي أي حال على أن أعد له حساءً ساخنا.
من يصدق كيف انقلب الحال هكذا! اتيت للتشاجر معه وانتهى الأمر بي أداويه. هو لا يستغل الأحداث من حولي ضدي فقط، بل حتى الطبيعة والأمراض والحوادث وأي شيء يحدث على هذا الكوكب.

تنهدت بلا حيلة واتجهت للمطبخ التحضيري. وبينما كنت اعد الحساء تركته على الموقد لينضج وبحثت بعيني عن هاتف منزله، رأيته بقرب مكتبة الكتب المشؤومة التي جعلتني اكتشف علاقته بإيثان تلك الليلة.
نفضت الأمر عن رأسي وأسرعت أتصل برقم منزلنا.
انتظرت ثوان فقط حتى اتى صوت أمي: مرحباً؟

اخذت شهيقا قبل ان اقول بسرعة وعلى عجالة ودون توقف: أمي اعلم أنك غاضبة لخروجي فجأة وأدرك انكما حاولتما الاتصال بي ولكنني نسيت هاتفي في المنزل وأردت أن تطمئنا على فقط لذا أرجوكِ لا تغضبي.
أتى صوتها موضحا اضطرابها وقلقها: من الجيد انكِ اتصلت لأنني كنت على وشك ان افقد اعصابي بعد خروجك انتِ وإيثان! وأين أنتِ الآن ومتى ستعودين، لماذا تفعلان هذا بي بحق الإله!؟
اجبتها على مضض بصوت منخفض: انا في منزل كريس.

هاه!
قالتها بدهشة وشهقت لتسأل: ذهبت إليه لتنهي الزواج؟ شارلوت لماذا تتصرفين هكذا! أرجوكِ فكري بالأمر بتمعن ولا ت.
أمي كنت أنوي ذلك بالفعل، ولكنني أجلس هنا لأنه متعب قليلاً. لا يمكنني المغادرة وتركه وحده!
متعب؟ ما خطبه، كيف هو الآن!
لديه حساسية مزمنة من البرد، لا تقلقي إنه ينام الآن. أمي ربما سأتأخر في منزله حتى يستيقظ لذا.

قاطعتني بتفهم: أعلم. لا تقلقي لن يعلم إيثان. سأخبره بأنك ذهبتِ للمبيت في منزل إحدى زميلاتك، المهم أنكِ بخير. لازال والدك يتصل بإيثان، أجاب عليه للتو وبدى منزعجا من اتصالاتنا وقال ان نتركه وحده قليلاً وربما سيعود غداً.
هل هو في منزل أحد أصدقائه؟
لا، ذهبت للمبيت في فندق.
كل هذا بسببي.

قلتها بأسى فتنهدت بدورها: توقفي عن لوم نفسك. بصراحة اجد زواجك من كريس امرا يجب التفكير به بتأني قبل ان تتهوري وتنهيه. تريثي قليلا ربما.
علمت بأنها ستعاود محاولة إقناعي فقلت أقاطعها: أمي سأغلق الآن. سأتصل بكِ لاحقاً لأعلمك بوقت مجيئي.
اعتني به وبنفسك جيداً. ولا تنسي أن تتصلي بي.
عندما أغلقت الهاتف وانهيت المكالمة اسرعت اعود لقدر الحساء الذي بدأ يغلي وينضج.

خففت من حدة الحرارة واتجهت لأتفقد كريس، جثيت بجانبه على الأرض وحينها توقف الزمن بي قليلاً وأنا أحدق إليه.
إنه نائم بعمق. فرصة جيدة لاستراق النظرات عن قرب. جلبت وسادة الأريكة الصغيرة ووضعتها اسفل ذقني لأحتضنها وانا لا أزال أحدق إليه. هذا البخيل القاسي لم يسمح لي برؤية وجهه اسبوعان كاملان!
لديه سحر قوي، لديه قدرة على جذبي حتى وهو طريح هكذا.
لا أدرى متى بدأتُ أمرر يدي على وجنته برفق بظهر كفي.

وتمنيت كالمخبولة لو يفتح عينيه لأستمتع برؤية لونهما.
لا اعلم كيف تماديت لأقترب أكثر وأطبع قبلة بطيئة على جبينه!
ابتعدت قليلا مستمرة في النظر إليه وهذه المرة لأمد أناملي امررها في شعره هامسة بضيق: هل مَرِضتَ لتأجيل الحوار الشرس والنص الذي قمتُ بتجهيزه! لقد تدربت على بضعة جمل كفيلة بإخراسك. لماذا تسير الأحداث بطريقة عكسية في وجهي.

ابعدت يدي بلا حيلة أسترق نظرة أخيرة قبل أن اتفقد الحساء، تذوقت القليل بملعقة صغيرة، أومأت برأسي برضى ثم وضعت بعضا منه في طبق عميق، وكذلك وضعته في صينية مناسبة.
لا يجب أن يشرب أي شيء بارد أو يتناول طعاماً غير ساخن. سيساعده هذا بلا شك.

حملت الطعام وذهبت إليه، القيت نظرة خاطفة لخارج المنزل لأجد الشمس قد بدأت تودع السماء لينخفض قرصها فوق البحر، وكذلك الغيوم الداكنة المحملة بالمطر والتي كانت تشغل حيزا ضخما في السماء مما صرح باحتمالية هطول المطر!
سيحل الليل قريباً! على أن أعود للمنزل لأجد سيارة أجرة تقلني لمدينتي حتى لا أتورط.

كنت أجلس بجانبه أحاول منذ دقائق إيقاظه، ولكنه كالتمثال بلا حركة! ليس تماثلا عاديا وإنما صرحاً قد تعرض لعوامل التعرية والترسيب ليبدو ككتلة صخرية لا تهزها الرياح!
لم يتحرك ولو إنشاً واحداً، فوق نومه الثقيل هو متعب. إذاً سيرهقني أضعافا مضاعفة ليستيقظ!
زفرت بتعب وبلا حيلة: هيا سيبرد الحساء! يا الهي أكاد أستسلم.

عاودت ادفع كتفيه مجدداً وأخيراً بدأ يعقد حاجبيه بانزعاج، أعلم بأنه لا يزال متعبا فوجهه شاحباً حتى الآن ولكنني أريده ان يتناول بضع ملاعق تدفء معدته على الأقل.
في كل الحالات هو لن يستيقظ بسهولة لأن مفعول الدواء قوي، ولكنني أعلم جيداً بأنه من الأفضل ان يتناول القليل فقط ويعاود النوم.
حركته مجدداً محاولة الا افسح له مجال بأن يستغرق في النوم أكثر بعد ان كاد يفيق.
وحينها سمعته يهمهم بكلمات خافتة!

قربت اذني ظننا مني بأنه يحدثني ولكنني سمعته يقول بصوت ضعيف: سأكون مطيعاً.
عقدت حاجباي بعدم فهم ليردف: توقفي. أعدك بأنني سأطيعك.
هاه! حلم؟
ظهر الانزعاج الشديد على وجهه وانا انظر إليه بحيرة من أمري، حتى شعرت به يفتح عينيه ببطء ينظر للسقف.
ظل يحدق إليه بعين باهتة وناصلة دون أن يطرف، فوضعت وجهي مقابله مباشرة باستغراب، بدى أن حركتي تلك أفزعته قليلا عندما اتسعت عيناه.

ولكنه سرعان ما أغمضهما ورفع مرفقه يريحه على عينيه وهمس: ألا زلتِ هنا.!
بالطبع سأكون هنا!
عودي إلى منزلك لا أريد رؤيتك.
تنهدت بملل وانا ارفع طبق الحساء: ليس وكأنني أرغب في البقاء هنا، سيبرد الحساء هيا. عليك ان تتناول ولو ثلاثة ملاعق.
نظر إلى مطولاً بنظرات غريبة عجزت عن فهمها أو تفسيرها، ولكنني رأيته يعتدل بصعوبة فابتسمت بهدوء ورضى.

إلا أن ابتسامتي تلك قد تلاشت تماماً حين وقف بجسد بالكاد يتوازن وانتزع الطبق مني واتجه به إلى حوض المغسلة ليلقيه فيها بقوة.
نظرت إليه بدهشة ووقفت أتساءل بعدم تصديق: لماذا فعلت هذا!
ولكنه صوب مقلتيه الغاضبتين والمرهقتان نحوي، بدى وكأنه سيقول شيئاً ولكنني شعرت به ينتفض قليلاً لأراه يسرع لمكان الأغطية ويعاود الاستلقاء مندسا تحت الغطاء ومكورا جسده ليدفئ نفسه.

فغرت فاهي بعدم فهم لأبادر بالسؤال: ما الذي فعلته للتو؟
استلقى على جانبه الأيسر ليعطيني ظهره مجيبا بحزم أبَح: عودي إلى منزلك. لستُ بحاجة إليك أو إلى شفقتك.
صحيح بأن مظهرك مثير للشفقة ولكنني لست أشفق عليك!
غادري. لا أريدك.
ما هذه الدناءة! هل هذا ما تقوله بعد مداواتي لك؟ بحق الإله هل كنت أداوي أحد رجال مُخيَم الأعداء أم ماذا! بل وبأصح تعبير أنت جاحد للمعروف داويته ثم نكر الجميل! انظر إليك!

أديري ظهرك واخرجي.
شعرت بالغضب يجتاحني، كيف له ان يكون ناكرا للجميل هكذا؟ هو حتى لم يقدر جهودي! وأنا التي كنت أجلس للتو أتأمل وجهه؟ ليتني شوهته وجعلت منه لوحة فنية!
وقفتُ أخفي إحباطي الشديد لأقول بحزم: من يراك لا يصدق بأنك الشخص نفسه الذي كاد يموت لو لم أسعفه.

ابعد الغطاء عن وجهه قليلا ليخرج عينيه فقط ونظر نحوي ببرود: لم أطلب مساعدتك، لو لم أكن متعباً لجعلتك تندمين على اللحظة التي قفزتِ فيها إلى الداخل أيتها الخارقة. لا تحاولي قلب موازين الأمور لن أنسى مكالمتنا الأخيرة هذا الصباح. دعيني وشأني لست في حالة تسمح لي بسماع صوتك.

مرحباً؟! لقد أنقذتك من الموت! لو لم تكن حالة إنسانية لم أكن لأهدر جهودي عليك لذا لا تعتقد بأنني ساعدتك لأجل سبب آخر! من منا يرغب في التورط في فناء شخص على أي حال!

تجاهلني وعاود يستلقي متنهداً بتعب فاشتعلت غضبا وصرخت بغيض: انا الحمقاء التي كنت قل، لم أكن قلقة كما تعتقد!، بالمناسبة أنا هنا لإنهاء زواجي التافه هذا! ولكنك مشغول الآن بالاختباء تحت أغطيتك لذا سأعود لاحقاً. أو. أتعلم أمراً؟ ستكون الشخص الذي يأتي بنفسه إلى منزلي ويسلم لي ورقة الانفصال الرسمية.
انهيت جملتي وانا اخذ معطفي بعصبية، كنت غبية عندما جلست بجانبه وانا اموت قلقاً وخوفاً عليه!

همست وانا ارتدي المعطف بحنق: كان على حقنك بالإبرة على لسانك لأقي نفسي شر فظاظتك.
اخرجت شعري الذي غاص أسفل المعطف واسرعت نحو الباب لأخرج ولكنني وقفت منتفضة بفزع عندما أضاء البرق السماء فجأة!
بل وتلاه صوت الرعد القوي لدرجة ان اذناي قد المتني!
من الواضح ان الرياح في الخارج قوية فصوت الموج بات أقوى بكثير.

لا يهم، على أن أغادر فوراً. القيت عليه نظرة غاضبة أخيرة قبل أن أفتح الباب ولكنني سرعان ما عدت للوراء قليلا بشيء من التردد وعاودت انظر إليه فزفرت وصعدت للأعلى نحو الغرفة العلوية بسرعة
أحضرت علبة الإسعافات ونزلت الدرج بخطوات قوية واسعة توضح مدى سخطي، وضعت العلبة بجانبه ثم قلت بصوت أجش: العلبة بجانبك في حال احتجت إلى مسكن.

شعرت به ينزل الغطاء عن وجهه قليلا فقط، لأجد نفسي أفكر لثواني قبل أن اعاود اخذ العلبة واضعها على اريكة تبعد عنه بمسافة كبيرة بعض الشيء وقلت بتغطرس وخبث: سأضعها هنا لتزحف بجسدك إليها. سيكون مظهرك لطيفا أكثر حينها. هه.
استدرت لأغادر ولكنني فغرت فاهي بدهشة حين وقفت امام الباب محدقة إلى المطر الذي بدأ يهطل! لم يكن غزيراً ولكنها لم تكن زخات غيث خفيفة لطيفة!

لويت شفتي مفكرة أن كل شيء سيكون ضدي منذ الآن، فخروجي في المطر يهدر مني فرصة إيجاد سيارة أجرة!
فتحت الباب لأخرج ولكنني سمعت صوته يستوقفني: أغلقي الباب.
رمقته بشفة مرفوعة دلالة على الحنق الشديد: بربكَ فتحته الآن فقط أنا لست ورقة رفيعة لأخرج في أقل من ثانية! سأخرج وأصفقه بقوة لا تجأش و تقلق.
قلتها وانا افتحه بغيض لأخرج أخيراً حتى قال بنبرة اعلى: أدخلي وأغلقي الباب.
هاه!

احترت كثيرا وتساءلت ان كان سمعي لا يزال بخير أو تأثر بالرعد الذي سبب ألما لم يختفي عن أذني حتى الآن؟! التفت نحوه باستغراب فوجدته يستلقي على بطنه غائصا بجسده تحت الأغطية ورأسه مرفوعة قليلا لينظر إلي.
عندما طال صمتي قال بنفاذ صبر: اغلقيه إنني أتجمد هنا!
طرفت بعيني للحظة قبل ان ابتسم بتهكم: هل قلت للتو ادخلي؟ عفواً ولكنني لن أفعل أيها الدودة المختبئة في شرنقتها.

كنت أتحدث وأنا لا ازال ممسكة بالباب الذي فتحته إلى نصفه وأردفت بسخرية: لن أجلس لحظة واحدة في منزلك فلتنعم به بهدوء كما تشاء. سأكون مطيعة واستمع إلى طلبك لي بالمغادرة بلطف قبل قليل.
زفر بهدوء وارخى رأسه على الوسادة قائلاً: أنا أتجمد من أدنى برودة لذا اغلقي الباب قبل ان تتحملي مسؤولية رحيلي تماماً. وتوقفي عن اللعب بأعصابي وإغضابي.
لماذا تظن بأنني سأتحمل مسؤوليتك؟
لقد فعلتِ هذا قبل قليل بالفعل.

نفيت برأسي بسخرية: سأتركك تهذي مع نفسك لم أعد أطيق الوقوف هنا، تذكر ان تقرأ لنفسك قصة ما قبل النوم تجنبا للشعور بالوحدة ل.
ولكن صوت الرعد القوي أفزعني وجعلني أقفز في مكاني برعب!
استدرت أنظر للسماء التي باتت داكنة أكثر والرياح التي اصبحت أعنف وأقوى!
هل هذه عاصفة رعدية أم ماذا؟! المطر قد زاد أيضاً!

أغمضت عيناي بقوة وألم حين شعرت برمال الشاطئ تدخل عيناي ففركتهما بانزعاج لأسمع صوته الحازم: يا الهي. الرحمة أرجوكْ! ادخلي يا شارلوت قبل أن ألفظ أخر أنفاسي بالصراخ عليكِ!
نظرت إليه للحظة قبل أن أعاود النظر للخارج بدهشة! لماذا الرياح قوية إلى هذه الدرجة؟ أنا لم أبالغ عندما قلت أن كل شيء لصالحه دائماً!
اغلقت الباب وواصلت التحديق إلى الخارج مفكرة بكيفية الخروج من هنا!

بل أنني كنت أقف متجاهلة وجوده تماماً، أو ربما أتظاهر بذلك بحسب.
سمعت رنين هاتفاً بالقرب منا ولم يكن سوى هاتفه الذي كان على أحد الرفوف بجانب التلفاز.
راقبته بعيناي وهو يتحرك بصعوبة ليتجه للهاتف. أشعر بأنه بات أفضل قليلا، لقد تحسن عما كان عليه!
بالرغم من هذا فلقد كان يقف يسحب الغطاء معه ليدفئ جسده، نظر لشاشة الهاتف قبل ان يجيب بصوت أبح بعض الشيء: ماذا هناك؟

لا أعلم من المتصل او ما يقوله ولكنه تمتم بلا اكتراث: انا في المنزل. أعلم. ، نعم بخير.
صمت قليلا ثم قال: قلتُ لكِ بأنني بخير يا تيا.
بدى بأنها ودعته لأنه قد أومأ برأسه دون شعور كمن لو كانت تقف أمامه وأغلق الهاتف ليأخذه معه ويجلس على الأرض يسند ظهره للأريكة خلفه، كنت لا أزال اقف اتكئ على الباب الزجاج الذي اصبح ملمسه كالصقيع بسبب برودة الجو!

في هذه اللحظة لم أكن أسمع سوى صوت المطر المنهمر بغزارة والأمواج العاتية بالإضافة إلى صوت الأز. (طقطقة خشب نيران المدفأة).
تنهدت بعمق وملل ونظرت إليه لأجده يفرك كلتا يديه، لا زال يشعر بالبرد. لما لا يقترب من المدفأة وحسب.
انتفضت في مكاني بدهشة عندما انقطع التيار الكهربائي فجأة!
نظرت من حولي بتوتر هامسة: هذا ما ينقصني!

كانت المدفأة تنير المكان بدرجة خافتة ولكن كان من الواضح انه ينظر بإتجاهي، قال بهدوء: ستظلين واقفة كالحارس هناك؟
تظاهرت بأنني لم أسمعه وانا احتضن نفسي والتصق بالباب، شعرت باهتزاز زجاج الباب بشدة ليصدر صوت طأطأة خافت دب الرعب في قلبي!
الوضع الآن بات كفيلم سينمائي مرعب، أكره الأجواء المظلمة وأشعر بأنها تقيدني.
لديكِ الجرأة الكافية لتجاهلي.
قالها بشيء من التهكم ثم سعل سعالاً خفيفا.

امتعضت بشدة وواصلت تجاهله وكأنه يتحدث إلى الحائط، لا يستحق أن أجيبه بحرف واحد. فليثرثر كما يريد انا لن أهدر وقتي بالجدال معه.
في هذه اللحظة عاد التيار الكهربائي فجأة ليضيء المنزل مرة أخرى!
اخذت شهيقا عميقا وابتسمت براحة، رأيته يقف ولا يزال ككومة الصوف وهو يتحرك بالغطاء، ارتدى خفا خفيفا كان بالقرب من الطاولة ورأيته يتجه للحمام الموجود أسفل الدرج.

زميت شفتاي بتململ وكل تفكيري ينحصر على الطريقة التي سأغادر فيها المكان!
ليس وكأنني سأمضي الليلة هنا! هه. لن يحدث ولو في التخيلات البعيدة.
لمحته يخرج وفي فمه فرشة أسنان وهو يتوجه إلى المطبخ التحضيري مقابلي ويضع بعض الماء في كأس ويأخذه معه ويعود للحمام.
نظرت من حولي باحثة عن مكان أجلس فيه فلم أجد سوى الجلوس على الكرسي الموجود بجانب مكتبة الكتب.

عندما خرجت كومة الصوف من الحمام عاود التيار الكهربائي ينقطع تماماً.
زفرت بضجر وسمعته يزفر في اللحظة ذاتها.
استرقت إليه نظرة في الظلام وعاودت انظر للنافذة. الشحنات تملؤ المكان بالنسبة لي. فصمتنا الغريب هذا يوترني كثيراً.
كما أن ذلك الصداع بدأ ينتابني مرة أخرى.
مررت يدي بين خصلات شعري وفي الوقت آنه كنت ادلك رأسي، كان قد جلس على الأريكة ينظر إلى هاتفه وحينها سألته ببرود: هل لديك مظلة؟

رفع عينه عن الشاشة ونظر إلي: لدي. اخرجي بها ليطير جسدك بالهواء وأنتِ تحتمين بها. ربما ستصلين إلى المنزل أسرع.
ازعجني تعليقه الساخر إلا أنني عاودت اقول بهدوء: اين هي؟
في مكان ما في المنزل.
اشحت بوجهي ببرود شديد: اسدي لي خدمة يتذكرها أحفادك وجميع أفراد سلالتك واعطني المظلة لأغادر ليقولوا مستقبلاً جدنا الأكبر كريستوبال اعطى تلك المسكينة مظلة لتحتمي بها .

ظريفة يا شارلوت. رؤيتك تمازحينني هكذا لا يعني أنكِ على عجالة حقاً.
صدقني انا اتمنى أن أغمض عيناي وافتحهما لأجد نفسي في منزلي. الوقت سيتأخر وعلى الرحيل لذا اعطني المظلة لأوقف سيارة أجرة.
كان الوقت متأخراً عندما ظل في منزلكِ في الأمس. ولكن لم تبدو عليك العجلة لطلب المغادرة منه!
عقدت حاجباي للحظة قبل ان ادرك مقصده مشيرا إلى جوردن!
نفيت برأسي بسخرية: وما دخلك أنتَ في هذا الموضوع يا تُرى؟

لا أدري. ربما زوجك؟
تظاهرت بالإستغراب: حقاً! بمناسبة ذكرك لزواجنا من الجيد انك قمت بتنشيط ذاكرتي لأستوعب سبب وجودي هنا اليوم.
أردفت بهدوء شديد: أريد أن ننفصل بأسرع وقت.
أطلق همهمة متهكمة وابتعد من مكانه ليتقدم نحوي يلف جسده بالغطاء، وقف أمامي ببرود فرفعت رأسي أنظر إليه بلا اكتراث ظاهري على عكس التوتر الذي اجتاحني لنظراته المترقبة المتمعنة!

أضاء البرق المكان بأكمله واجتاح نوره النوافذ الزجاجية بأكملها، وحينها وجدت جسدي قد ارتفع عن الكرسي عندما رفعني من معطفي ممسكا بي من ياقتي!
أجبرني على الوقوف على أطراف أصابعي وهو يهمس بحزم: لماذا تنكرين حبكِ لي؟
اتسعت عيناي الخضراوان قبل أن أخرس الأعاصير بداخلي التي هاجت فجأة وأسرعت أقول بابتسامة هازئة مستفزة: من ينكر ماذا؟ أنا أنكر حبي لك؟ ارجوك ارحمني كل شيء إلا هذا الهراء مجدداً.

ظل على وضعه يحدق إلى بل وقربني إليه أكثر! موقف كهذا أجبرني على الشعور بالخجل رغماً عني! وجهه قريب ومع ذلك عيناه تقدحان شرراً!
لا يا شارلوت انتِ تتراجعين للوراء كثيراً. أفيقي وانظري إلى الشخص الواقف أمامك!
ابتعد عني وإلا بصقتُ في وجهك يا كريس!
تجرئي، وأعدك بأنك ستكرهين لحظة ولادتك.

عضيت على شفتي بغيض وانا احاول دفعه بعيداً، ابتعد بالفعل من تلقاء نفسه وقال بابتسامة متهكمة: كم أنتِ جبانة كاذبة! من التي قالت بأنها لن تهرب؟ من التي تظاهرت بالشجاعة وقالت بأنها ستواجه الأمر الواقع! هل أرى راية الإستسلام؟
و من قال بأنني كذبت؟ أنا بالفعل لن أهرب منك كما تعتقد، هذه ليست شيمي حتى. ولكنني اخترت ان أواجهك وأنا حرة نفسي. كن نبيلا ولو لنصف ساعة وساعدني لنخوض معركة عادلة بيننا.

وهذه المعركة تحت بند الانفصال هاه؟
تماماً.
أنتِ تحلمين. عندما ننفصل سأكون من يقرر ذلك وليس أنتِ.
يمكنني مقاضاتك كما تعلم.
تفضلي وافعلي. انا جاهز.
قالها رافعا يديه بجانبه باستخفاف شديد بي! ولكنني لن أظهر له غضبي ومدى سخطي، على ان اكون باردة الاعصاب، هذه الطريقة ستقتله بلا شك. فأنا أكثر من تعلم كم يتلذذ برؤيتي منفعلة.

اسمع. تركتك طوال هذه المدة تثرثر وتهدد كثيراً، ضقت ذرعا من كلامك الفارغ وتسلطك ولكنني اعذرك فيوجد بعض الأمراض الذي لم يكتشف لها دواء بعد. ثق بي يا مريض الغرور والتبجح بأنك ستبكي يوماً ما أسفاً على كل ما خضته بسببك. ودعني أحذرك بأنني لن أسمح لك بالتحدث عني كفتاة رخيصة كلما ذكرتَ ليلة الأمس.
ارتفع حاجبيه باستغراب: من نعتك بالرخيصة؟
و. و يتظاهر!
كانت واضحة بين سطور كلماتك أنا لست غبية يا زير النساء!

ابتسم بملل: زير نساء؟ أنا؟ أوه أرجوك هل هذه طريقتك الملتوية في المراوغة؟
نظرت للأرض للحظة اكبت رغبتي في تهشيم جمجمته بقوة ولا أظن بأنني سأندم على ذلك، ولكنني لا أريد قضاء سنوات عمري في السجن لأجل شخص مثل كريس!

وهذا ما دفعني للنظر إليه ببرود: لقد رأيتك ثملاً في إحدى المرات بعد ان سمعتك تتحدث مع إحدى نساؤك على الهاتف وهي تتدلل إليك.! اعذرني على التنصت آنذاك فلو كنت أعلم بأنني سأسمع حوار مقرفا لما ظلمت أذناي حينها بتلويثها. هل أنت في موضع يسمح لك بالتحدث عني وعن جاري يا كريس؟
بدى مستمتعا بهذا الحوار، فبالرغم من الظلام إلا أن المدفأة تلبي خدماتها الكافية لتوضح لي النظرات الماكرة التي يحدق إلى بها!

قام بتعديل الغطاء على جسده وتساءل بلطف مبالغ به: هل تغارين؟
لن أهين نفسي يوما بالشعور بالغيرة عليك ولو اختفى رجال الأرض دون استثناء.
كلمات قوية!
توقف عن الإستهانة بي.
لنعد إلى موضوعنا الذي تملصتِ منه ببراعة كالدودة التي تنزلق على أوراق الشجر.
أرجوك فلتلقِ بتشبيه مختلف عن وضعك وأنت تقف هنا بلا حيلة مختبئاً في هذه الشرنقة.

لا تعتقدي بأنني أمازحك الآن، جارك ذلك سيكون ضحية لأفعالكِ أنتِ لذا تجرئي على مقابلته مرة أخرى على انفراد وسأدفنه حياً.
بصراحة أشعر بالأسف تجاهك ولكنني مضطرة للإعتراف بأن رأيك لا يهمني البتة. أنا لن أقبل تهديداً و وعيداً كهذا من أحمق راح ضحية لإحتيال زوجته السابقة التي أُجبر على الزواج بها، فلتخجل من تجاربك أولا قبل ان توهم نفسك بقدرتك على التسلط علي.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *