التخطي إلى المحتوى

رواية تعافيت بك الجزء الثاني للكاتبة شمس محمد الفصل الثاني

تشبهين السماء بسحرها و قمرها و ضي النجوم
كلما رأيت أحدًا يَمرُ بما مررتُ به يومًا ما وددت لو احتضنته و أزلت عنه تعبه، وددت لو طمئنت قلبه. كنت أأمل أن أجبر بخاطره، وددت لو أعطيته مالم أحصل عليه في حزني، و ودت أن أفعل معه مالم يفعله العالم معي.
بعد حديث مشيرة عن رفضها مسامحة فاطمة، نظر وليد لزوجها ثم نظر لها مُتعجبًا، ثم قال مُعقبًا: وليه بقى إن شاء الله مش هتسامحي؟ ما أنتِ زيك زيها.

أخذت نفسًا عميقًا زفرته على مهلٍ وهي تتابع جلوس زوجها بجانب وليد ثم قالت بنبرةٍ حزينة: أنا بالذات صعب يا وليد، فاطمة أذتني و أذت بنتي لما اتسببت في بعدها عني، و أذت جوزي لما اتسببت في شكه فيا، ومش بس كدا لأ، دي اتسببت أني أأذي واحدة و بنتها ملهمش ذنب ف حاجة، وكمان كانت بتزود كرههم ف قلبي، أنا لحد دلوقتي مش عارفة أبص في وش زينب، ولا عارفة حتى أقف قصاد خديجة، صدقني صعب والله، لو على حقي ممكن أسامح فيه، لكن لو على حق اللي ظلمتهم بسببها مش هقدر أسامح.

زفر هو بضيق ثم شبك كفيه ببعضهما وهو يقول بتروٍ: عارفة المشكلة فين؟ إن انتو الاتنين شبه بعض، الحياة مدتكمش اللي عاوزينه، فقررتوا تاخدوه غصب بالانتقام، علشان كدا الانتقام دا نار بتحرق في الناس، مفيش حد بينتقم و يعرف يعيش مرتاح، بس افتكري إنك برضه اذيتي هدير بتربيتك ليها، و افتكري إنك دمرتي مستقبلها لما خلتيها شخص أناني، يعني دي قصاد دي، و بعدين فاطمة مش فاضل ليها كتير، دي واحدة النفس بيخرج منها و مبيرجعش تاني.

اجهشت في بكاء مرير وهي تستمع له و لتذكيره لها بما فعلته هي الأخرى، فأضاف حسان يقول بهدوء و بنبرةٍ متريسة: سامحيها يا مشيرة، مفيش حاجة صعبة قد إن أنسان يموت و يقابل وجه كريم وهو ليه مظلمة عند حد، و افتكري انك لسه عاوزة بنتك و خديجة يسامحوكي، دي واحدة على فراش الموت، يعني لا حول ليها ولا قوة إلا بالله سبحانه و تعالى.

نظر له وليد بسخرية ثم قال بعدما ابتسم متهكمًا: ما شاء الله يا شيخ حسان، الله يفتح عليك، أنتَ و بنتك متخصصين في خطبة الجمعة، كان فين كلامك دا قبل ما تهرب، ياه يا أخي على الدنيا
زفر حسان بضيق إثر حديثه اللاذع، فقال وليد بسخرية: ما قولتلك قبل كدا بطل نفخ، أنتَ راجل كبير وعيب كدا.

ابتسم له حسان باستفزاز وهو يحرك رأسه موافقًا، ففعل وليد المثل هو الأخر، ثم نظر ل عمته التي كانت تبكِ في صمت، تحولت نظرته إلى الشفقة وهو يقول بنبرة أهدأ:
بصي يا مشيرة، من حقك متسامحيش، بس افتكري ان جميلة بنتك مستنية منك أي موقف واحد علشان يشفعلك عندها، وزي ما فاطمة كانت السبب في فراقكم، خليها هي سبب رجوعكم لبعض.

رفعت رأسها تنظر له بأعين دامعة تزامنًا مع رفع كفها حتى تزيل دموعها العالقة ب اهدابها، ثم تحولت نظرتها للاستفسار عما تفوه به، فوجدته يومأ لها بقوة ثم ارتسمت بسمة خبيثة على وجهه وهو يقول:
ما لا يأتي بالحق، نأخذه بالخدعة
سأله حسان بنبرة مستفسرة ممتزجة بالتردد: يعني، يعني إيه فهمنا يا وليد؟
أخذ وليد نفسًا عميقًا ثم قال بصوتٍ منخفض لم يصل لهما: اللهم طولك يا روح، كل ما يتكلم بيعصبني.

نظر له حسان متفحصًا فوجده يقول بمزاح: أنا هقولكم قصدي ايه، قصدي إن جميلة لحد دلوقتي فاكرة إن مشيرة شخص مؤذي و دا حقها بصراحة، بس محدش فينا يقدر ينكر إن مشيرة كانت ماشية ورا فاطمة، يعني هي دايرة واحدة بتلف على الكل، اللي أذى هيتأذي، و اللي وجع غيره هيدوق الوجع دا، مشيرة داقت الوجع دا لما بنتها رجعت و رفضت وجودها، و لما سابت بيت أهلها ولما واحدة زي خديجة مقدرتش تسامح في حقها، يمكن الحسنة الوحيدة اللي حصلتها إنها رجعتلك تاني، جميلة سامحت فاطمة لأن هي عارفة إن كلنا بشر، يبقى النقطة هنا إن مشيرة تسامح فاطمة قدام جميلة و تقول نفس الكلام اللي قالته انها مش عارفة تسامح ف حق خديجة و زينب، ساعتها جميلة أكيد مشاعرها هتتحرك ناحية مشيرة، و تبدأ تلين معاها، بس الأهم من كل دا هو إن مشيرة تسامح علشان هي مستنية تتسامح، إنما الحق عند ربنا مبيروحش، في النهاية هتمشوا و تروحوا مكان تاني أحسن من دا، قولوا إن شاء الله.

رد عليه حسان بسخرية: عاوزنا ندعي على نفسنا يا وليد
رد عليه وليد باستفزاز بعدما رسم بسمته التي تعبر عن الضيق: أنا بدعيلكم بالجنة، هو أنتَ دخلت في نيتي علشان تعرف؟
تدخلت مشيرة تسأله بنبرةٍ مهتزة بعدما اذدردت لُعابها: يعني أنتَ شايف أني لو سامحت فاطمة بنتي هتسامحني هي كمان؟ و خديجة ممكن تسامحني؟
حرك كتفيه وهو يقول بنبرة طبيعية: والله مش عارف، بس متبقيش طماعة، كفاية إن بنتك تسامحك.

ابتسمت هي بسخرية ثم قالت بنبرةٍ موجوعة: هتصدقني لو قلتلك إن مسامحة خديجة عندي أهم من مسامحة جميلة؟

أومأ لها موافقًا ثم أضاف مؤكدًا: أنا متأكد من دا، جميلة متأذتش أصلًا، كفاية انها بعدت عنك، علشان عمرها ما كانت هتبقى كدا لو اتربت معاكي، لكن اللي اتوجعت بجد خديجة، اللي ضاع منها احلى سنين عمرها خديجة، اللي لسه لحد دلوقتي بتخاف تتكلم خديجة، بس أنا واثق انها هتيجي يوم و تحسبها صح، دلوقتي بقى البسوا و تعالوا معايا
رد عليه حسان بهدوء: نيجي معاك فين؟ اوعى تقول بيت الرشيد؟

أومأ له وليد مؤكدًا ثم قال بسخرية: اومال هاخدك الملاهي؟ طبعًا هنروح بيت الرشيد
سألته مشيرة بحذرٍ: طب و هما لو أنا روحت هيرضوا يدخلوني؟
رد عليها هو بثقته المعهودة: طبعًا، كفاية إنك داخلة مع وليد الرشيد
تدخل حسان يقول بهدوء: بس أنا مش عاوز أروح هناك تاني، البيت لما بتدخله بيخنقني
رد عليه وليد بسخرية: ابقى سمي قبل ما تدخل، ولا استناني ابخرك، أصلك محسود.

نظر له حسان بضيق تزامنًا مع حركت فمه مغمغمًا بكلمات غير مفهومة، أما مشيرة سألت زوجها بنبرة متسائلة:
يعني إيه يا حسان هتسبني اروح هناك لوحدي؟
رد عليها هو بقلة حيلة: مش عارف يا مشيرة، بس المكان دا مش مرحب بينا، يبقى نروحه ازاي؟
ردت عليه بنبرة شبه منفعلة: يعني إيه؟ هتتخلى عني تاني؟ هتسبني في وش المدفع؟
رد عليها بانفعال هو الآخر: أنا مقولتش هسيبك تروحي لوحدك، بس على الأقل يبقوا عارفين إننا هنروح.

قبل أن ترد عليه بانفعال هي الأخرى، تحدث وليد يقول بنبرة باردة أثارت حنقهما: لأ لأ لأ، مش طريقة دي يا جماعة، فيه عرسان جداد يكلموا بعض كدا؟ وبعدين انتو بخلا ليه؟ قاعد بقالي ساعة مشوفتش منكم كوباية مياة حتى، هو أنتَ بخيل ولا إيه يا عمو حسان؟
نظرت له مشيرة ب احراج، بينما حسان سأله مستفسرًا ب ضيق: أؤمر يا وليد؟ تشرب إيه؟
رد عليه وليد بثبات ممزوج بالسخرية: لأ شكرًا أنا مبشربش، قوم هاتلي حاجة أكلها.

نظر له حسان بدهشة و بأعين متسعة، فوجده يبتسم ثم أضاف متهكمًا: مش بقولك شكلك بخيل؟

في شقة ميمي عاد الشباب بعد صلاة الجمعة سويًا، دخلوا معًا وكانت الفتيات تنتظر عودتهم، أول من تحدث بعد دخولهم الشقة كان عامر حينما قال بمرحٍ:
الأكل فين يا جدعان، أنا مجوع نفسي من يوم الفرح
رد عليه ياسر بسخرية: على يدي طبعًا، ب امارة انه فطر 3 مرات النهاردة
وضع عامر كفه في وجه ياسر وهو يقول بضيق زائف: الله أكبر في عينك الزرقا يا ابن ميرفت، خمسة و خُميسة.

جلس ياسين على الطاولة و تبعه خالد، أما ميمي أغلقت المصحف ثم اقتربت من الطاولة بعدما استندت على عكازها، ثم ترأست هي الطاولة، سألها خالد بهدوء:
أومال فين البنات يا ميمي؟ مش سامعين صوت ليهم
ابتسمت هي له ثم قالت بهدوء: البنات في المطبخ و قافلين المطبخ علشان الريحة بتاعة الأكل
جلس عامر بجانب أصدقائه تزامنًا مع قوله المرح:.

والله العظيم محدش فيهم بيفهم، دي أحلى ريحة في الدنيا كلها، كفاية الرنجة بس مع البصل الأخضر
رد عليه ياسر بضيق من حديثه: بس بقى بطني بتوجعني والله، معرفش هتاكل الحاجات دي ازاي؟
تدخل ياسين يقول بهدوئه المعتاد: يا عم احنا بنحب الحاجات دي، روح انتَ هاتلك سندوتش جبنة.

خرجت الفتيات من المطبخ و كلًا منهن تحمل صحن التقديم في يدها، امتعض وجه ياسر ثم مد إصبعيه يمسك أنفه حتى لا تصل الرائحة إليها، جلست كل فتاةٍ منهن على المقعد المقابل لمقعد زوجها، كان الحماس يشع من أوجه الجميع، عدا خديجة التي كانت تنظر للطعام بقلقٍ واضح، كان ياسين يراقب انفعالات وجهها وهي تراقب الطعام بخوفٍ، لاحظت ميمي نظرتها تلك فقالت بهدوء:
مالك يا خديجة خايفة كدا ليه؟

ردت عليها خديجة بنبرةٍ مهتزة بعدما وجهت بصرها نحوها: لأ، لأ مش خايفة، بس كل الحكاية إن أنا كلت الأكلة دي قبل كدا و تعبت أوي منها، علشان كدا خايفة بصراحة
تدخلت إيمان تقول بسخرية: تلاقيكي خواجاية مش واخدة على أكل المصريين، اوعي تكوني مش بتشربي مياة النيل كمان
ردت عليها خديجة بهدوء بعدما التفتت تنظر لها: لأ أنا مش خواجاية والله، أنا من هنا عادي، وبحب مياة النيل أوي.

تدخلت سارة تقول بمرحٍ: طب و الله أنتِ مش نافعة مع إيمان، دي بتتريق عليكِ، بس هو فيه حد مياكلش الأكل دا يا خديجة؟
أنزل ياسر يده من على انفه وهو يقول بضيق: آه أنا مباكلهاش، حرام عليكم يا جماعة والله دي فيها موت علطول
رد عليه خالد بضيق: ما تهدى يا عم ياسر، طول عمرنا بناكلها و الدنيا بتمشي زي الفل، هتطفحنا اللقمة ليه؟

تدخل ياسين يقول بمرحٍ: والله العظيم ما فيه حاجة بتكيفني قد الأكلة دي، حاجة كدا زي السحر
رد عليه ياسر بحنقٍ: سحر أسود قصدك، دي ممكن تموت أي حد
أشار خالد إلى عامر دون أن يراهما أيًا من الجالسين، ف غمز له الأخر ثم أمسك لقمة صغيرة ممتلئة بالطعام، في نفس الحين تحرك خالد من مقعده ثم وقف خلف مقعد ياسر وهو يقول بهدوء مُرعب: بقى أنتَ مش عاوزنا ناكل الأكل دا علشان سموم، و ماله، يلا يا عامر.

ابتسم عامر بشرٍ ثم قال بنفس النبرة التي يتحدث بها خالد: يلا يا قلب عامر.

بعد تلك الجملة أمسك خالد رأس ياسر و قام ياسين بمعاونته و أمسك كفه، كل ذلك و ياسر يحاول فك حصار نفسه من أيديهما، لكن كلاهما لم يترك له فرصة، فقام عامر بوضع اللقمة داخل فمه رغمًا عنه، تزامنًا مع ضحكته العالية التي خرجت شمتًا في صديقه، كل ذلك كانت تضحك عليه ميمي بقوة، و الفتيات كلهن عدا خديجة التي شعرت بالخوف أكثر، بعدها ابتعدوا عن ياسر الذي كان وجهه باللون الاحمر إثر اختناقه من الطعام، بعدها عاد كلًا منهم إلى موضعه، ابتلع ياسر اللقمة ثم قال بضيق:.

والله العظيم مصاحب اغبيا، افرض كنت اتخنقت يا جحش منك ليه
رد عليه خالد بنبرة شامتة: تستاهل علشان لما تتكلم عن الأكلة دي بعد كدا يبقى تتكلم بأدب، وأهو هتاكل معانا غصب عنك
تدخلت خديجة تسأل بحذرٍ: هو. هو أنتو عملتوا كدا ليه؟
رد عليها ياسين بنبرة مُرعبة: هو كدا، علشان يعرف ياكل معانا، ها يا خديجة هتاكلي معانا ولا أخلي البنات يوجبوا معاكِ زي ما وجبنا مع ياسر كدا؟

اتسعت مقلتاها باندهاش تزامنًا مع تحريك رأسها تنظر حولها بخوفٍ، فوجدت إيمان تميل إليها بجزعها وهي تقول برعب أثار ريبتها:
ها هتاكلي، ولا نوجب معاكي؟ و متقلقيش احنا هنريحوكي يا شابة
اذدردت لُعابها بخوفٍ فوجدت الجميع ينظرون لها بشرٍ، عدا ريهام التي ربتت على كتفها وهي تقول بهدوء: كلي و ارحمي نفسك من إيد ايمان و سارة.

نظرت أمامها وجدته يرفع أحد حاجبيه منتظرًا رفضها، فحركت هي رأسها بخوفٍ، فوجدت ميمي تمد يدها لها بالطعام وهي تقول بحب:
سيبك منهم كلهم، هتكسفي إيدي أنا؟
ردت عليها هي بخجلٍ: لأ والله مقدرش أعمل كدا
أومأت لها ميمي ثم قالت بعدما ابتسمت بهدوء: يبقى تاكلي من ايدي أنا، ولا أخلي ياسين يأكلك هو بقى
تدخل هو يقول بمرحٍ: وأنا في الخدمة، موجود.

اقتربت خديجة برأسها تأخذ اللقمة من بين أنامل ميمي، مضغت الطعام تحت نظرات الترقب من الجميع.
(بعد مرور نصف ساعة)
كان كلًا من ياسر و خديجة يتناولا الطعام تحت نظرات السخرية من الجميع، فتحدثت إيمان تقول بسخرية:
ما شاء الله، اللي كانوا رافضين الأكل هيخللوا على الترابيزة، ما تخلص يا بني أنتَ وهي بقى، عاوزين نلم الزفارة دي
رد عليها ياسر ببرود: قوموا انتو و أنا هشيل، بس بصراحة الرنجة جامدة جايبها منين يا عامر.

أجابه عامر بسخرية: من عند أمك يا ياسر
رد عليه ياسر بضيق و بنبرةٍ شبه منفعلة: ما تلم نفسك يالا، إيه من عند أمك دي؟
رد عليه عامر بهدوء وهو مُبتسمًا: والله العظيم من عند عم عرفة اللي تحت عمارتكو، هو الوحيد اللي عنده رنجة حلوة كدا
نظر له ياسر بشكٍ وهو يقول بهدوء: بحسب، على العموم أنا شبعت الحمد لله، تسلم ايديكم
ردت عليه إيمان بحب: تسلم من كل شر يا ياسوري.

ضحك الجميع عليهما وهو يحرك رأسه بيأس، أما ياسين فسأل زوجته بسخرية قائلًا:
ها يا خديجة شبعتي؟ ولا نجيب كمالة؟
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بعدما مضغت الطعام: لأ شبعت الحمد لله، الأكلة دي حلوة أوي، هو اللي عاوز ياكل الآكلة دي تاني يعمل إيه؟
نظر لها الجميع بتعجب، عدا عامر الذي رد عليها بثبات و بجدية لا تليق بشخصيته قائلًا:.

بسيطة يروح مبنى الشئون الاجتماعية يجيب بحث من هناك، و 4 صور بخلفية بيضا، و اثبات قيد من المنطقة ممضية من مدام رجاء. بس الأرملة مش المطلقة علشان التانية خلقها ضيق
سألته خديجة باندهاش من طريقته و جديته الغير معهودة:
دا بجد فعلًا؟ ولا بتهزر؟
ضحك الجميع عليها، أما ياسين فقال مردفًا وهو مبتسمًا: بيهزر يا ستي، بس هانت فصل الربيع قرب، مبروك يا خديجة اتأهلتي معانا ل تلوين البيض.

ضحك الجميع عليهما حتى هي أيضًا، بينما ميمي تحدثت تقول بجدية: يلا منك ليها كلكم شيلوا بقى الأكل دا، و روقوا مكان ما كلتوا، أنا الكركبة بتعصبني
تدخل خالد يقول بهدوء: ياسين هيغسل إيده و يعمل لينا الشاي، و أنا و ياسر هنروق هنا، و عامر هيروق المطبخ و يغسل المواعين
سألته خديجة بنبرةٍ متعجبة: طب و البنات هيعملوا إيه؟

ردت عليها سارة وهي مبتسمة: لأ البنات هنا مبيعملوش حاجة، دا قانون شقة ميمي، الرجالة هي اللي بتشتغل
سألتها خديجة باندهاش: بجد والله؟ يعني هما اللي هيعملوا كل حاجة؟
أومأ لها الجميع، فقالت ريهام بأسفٍ: فيه مشكلة صغيرة، اللي هيغسل المواعين مش هيلاقي صابون جوة، الازازة جوة خلصانة
رد عليها خالد: مفيش مشكلة عامر ينزل يجيب من السوبر ماركت تحت، هات بقى خمس ازايز و خليهم هنا أحسن.

أومأ له عامر ثم سأله من جديد: طب صح أقوله عاوز إيه؟
رد عليه ياسين بضيق زائف: يا عم روح قوله عاوز خمس ازايز بريل
أومأ له عامر ثم وقف وهو يقول بمرحٍ: كدا تمام، هروح أغسل ايدي و انزل اجيب، عاوزين حاجة تاني؟
رد عليه ياسر بنبرة حائرة: مش عارف والله يا عامر، بس أنا جايب فاكهة جوة و جايب عصاير و بيبسي، خلاص مش عاوزين حاجة.

أومأ له ثم انصرف من أمامهم في هدوء، تحدث ياسين يقول بهدوء: أنا هقوم أغسل ايدي و أعمل الشاي لحد ما تغسلوا ايديكو، و خالد و ياسر يلموا الحاجة
أومأ له الجميع فقال هو بمرحٍ و بصوتٍ عالٍ: منورانا يا خديجة
ضحكت هي ثم قالت وهي تحاول جاهدة أن تكون نبرتها طبيعية: دا بنورك يا سيدي، شكرًا.

بعد مرور دقائق عاد الوضع لما كان عليه من قبل بعدما قام خالد و ياسر بتنظيف المكان، و قامت الفتيات بغسل أيديهن، خرج ياسين من يحمل صينية الشاي من المطبخ تزامنًا مع دخول عامر الشقة و في يده حقيبة سوداء بلاستيكية، القى عليهم التحية، فقال ياسر بهدوء:
على المطبخ يا عامر، علشان المواعين مستنياك
أومأ له ثم قال بثبات: يا عم عارف أنا كدا كدا بحب أغسل المواعين.

رد عليه خالد بهدوء: طب يا سيدي، المهم جبت صابون كتير؟
أومأ له مؤكدًا ثم قال بفخرٍ: عيب عليك، بس مش عارف ليه عم عز اداني علب صفيح، بس شكله صابون جديد حلو
نظر له الجميع بتعجب، أما ياسين فوضع الشاي على الطاولة ثم اقترب منه يسأله بشكٍ: وريني كدا أنتَ جايب إيه علشان قلبي اتقبض و مش عارف ليه؟
حرك عامر كتفيه تزامنًا مع قوله ببساطة: ليه يعني يا عم، أمسك الشنطة أهيه شوف بنفسك.

ضيق ياسين جفنيه ينظر له بشكٍ أكثر، ثم أخفض رأسه يتفحص محتويات الحقيبة، ثم بعدها شهق بقوة تزامنًا مع اخراجه واحدة من العبوات الموجودة داخل الحقيبة وهو يقول بانفعال ممتزج بالسخرية:
يا نهار أهلك مش فايت، أنتَ إيه يالا؟ مفيش مخ خالص؟
اندهش الجميع من رد فعل ياسين المبالغ به من وجهة نظرهم، فسأله خالد بقلقٍ واضح: فيه إيه يا ياسين؟ هبب إيه زفت الطين؟

رد عليه ياسين بضيق: البيه جايب بريل بالشعير اللي بيتشرب، عامر الراجل اللي فاتح بيت، مش عارف الفرق بين البريل اللي بيتشرب، و بين البريل اللي بيتغسل بيه
ضحك الجميع عليهما، فأضاف عامر يقول بضيق ساخرًا: هو أنا مطلوب مني أعمل دكتوراه في محتويات السوبر ماركت؟ أنا روحت قولتله عاوز خمس ازايز بريل، هو مشكورًا جابلي البريل، و بعدين أنتَ الغلطان يا ياسين
رد عليه ياسين بانفعال: يا سلام؟ و أنا مالي إن شاء الله؟

رد عليه عامر مؤكدًا: أيوا أنتَ الغلطان، علشان قولتلي روح قوله عاوز خمس ازايز بريل، محددتش أنهي نوع بريل
تدخل ياسر يقول بنبرة حانقة: هو باعت ابن أخته؟ ما كنا كتبنالك ورقة بالمرة كمان
ضحك الجميع عليهم، فقال خالد بضيق: انزل يا عامر رجع اللي أنتَ جايبه و هات صابون مواعين
أوشك عامر على التحدث، فأوقفه خالد يقول بنبرة قوية: و متقوليش بتكسف أرجع حاجة، خلص و أنزل.

زفر عامر بقوة ثم قال بحنقٍ: أنا زهقت منكم، ربنا ياخدني تركيا علشان ترتاحوا مني
ضحك عليه الجميع ف ردت عليه سارة بشرٍ: عاوز تروح تركيا ليه يا عامر؟ علشان البنات الحلوة اللي هناك؟
حرك رأسه نفيًا وهو يقول بطريقة مرحة ممتزجة بالهدوء: و دي تيجي برضه؟ ابقى معايا سارة و أبص لحد تاني؟
غمزت لها ميمي وهي تقول له بضيق زائف: ليه يعني مالها سارة؟ زيها زي غيرها.

رد عليها هو بحب: لأ مش زي أي حد، سارة مفيش منها اتنين في عيني
سألته هي بحماس: بجد يا عامر؟ قول والله
غمز لها وهو يقول بطريقته المرحة المعتادة: والله، و بعدين أنتِ غير أي حد، كلهم في عيني زي بواقي السمنة شبه المورطة، و أنتِ لوحدك حتة من التورتة
اتسعت مقلتاها باندهاش تزامنًا مع بسمة بلهاء ترتسم على شفتيها، أما الجميع فضحكوا على حديثه، بينما ميمي تحدثت تقول بسخرية:.

مفيش فايدة، هيفضل طول عمره رابط الحب بالأكل
أومأ لها الجميع فقال خالد بنفس السخرية: والله العظيم عامر فاضله بيت شعر كمان و يجبلي السكر
لوح للجميع بيده وهو يقول: أحسن ما أكون ساكت، اللي ربنا بيقدرني عليه بقوله
رد عليه ياسين بسخرية: طب يا أخويا روح هات الصابون علشان اقعد معاك شوية قبل ما أمشي
سألته ميمي بتعجبٍ: هتروح فين؟ مش قولت هتقضي اليوم معانا؟

رد عليها بهدوء: هنروح عند بيت خديجة، علشان مامتها وحشتها
أومأت له ميمي بينما إيمان قالت بسخرية: مش كبرنا بقى يا لوزة على حوار ماما دا؟ و لا هو أنتِ فاكرة نفسك ف حضانة؟
نظر لهن الجميع بتعجب، بينما خديجة ردت عليها بقلة حيلة بعدما ابتسمت لها: والله العظيم أول مرة أغيب عنها كدا، مش متعودة ابعد عنها، هروح اشوفها و هرجع تاني.

نظرت لها إيمان بشر وهي تقول: طب، أنا بقى هراقبك من البلكونة، على الله مترجعيش بيتك بليل، ولا حتى تتأخري
حركت رأسها نفيًا وهي تقول بخوف: لأ والله متخافيش هرجع شقتي تاني، و هكلمك كمان
تدخلت ريهام تقول بضيف زائف: حرام عليكِ بقى، جبتي للبت رعب، خديجة بتخاف منك اكتر ما يونس بيخاف من الضلمة
تدخلت سارة تقول بهدوء ممزوج بالمرح: هي كلها سنة كدا و هتاخد عليها زيي في الأول، إيمان بذلت معايا مجهود والله.

هندمت إيمان ثيابها بغرورٍ مصطنع، ثم قالت بنبرةٍ متعالية: دي اقل حاجة عندي، مبحبش أتكلم عن نفسي كتير، بس للي يقدر
رد عليها ياسر بمرحٍ: لو هما مقدروش، كفاية أنا أقدر، ولا إيه رأيك
نظرت له بحب وهي تقول: خلاص بقى يا ياسر، متضعفش موقفي، بضعف قدام عينك الزرقا دي
أمسك ياسين الصينية ثم قال بهدوء: طب اشربوا الشاي اللي هيبرد دا، و يلا علشان نلحق نمشي
أومأ له عامر ثم أخذ الكوب وهو يقول:.

طب أنا هنزل بقى علشان أغير الصابون
رد عليه خالد بسخرية: قصدك تجيب الصابون يا أهطل، وبعدين هتنزل بالشاي كدا؟
أومأ له عامر ثم قال ببساطة: عادي يعني هو أنا نازل ب سجارة؟
قال جملته ثم خرج من الشقة و الجميع ينظر في أثره باندهاش، أما ياسر فحرك رأسه بيأس وهو يقول: والله العظيم بكشف على أطفال مفيش حد فيهم عمل فيا اللي عامر بيعمله.

استمرت الجلسة الهادئة تلك بينهم حميعًا، حتى خرج عامر من المطبخ بعدما قام بتنظيفه، ثم جلس بجانب زوجته وهو يضع العصير أمام الجميع، أخذ كلًا من الجالسون كوب من العصير، فتحدث عامر يقول بهدوء: أنا عاوز اسأل ياسر سؤال مهم بما إنه دكتور بقى
نظر له الجميع بتعجب، بينما ياسر رد عليه بهدوء: اسأل يا عامر خير يا رب.

رد عليه عامر بسخرية: أنا شايفك يعني زي ما أنتَ من ساعة ما اشتغلت دكتور، عمري ما عرفت إنك اترقيت، هتفضل طول عمرك دكتور أطفال كدا؟
قطب الجميع جبينهم بحيرة، ف رد عليه ياسين بضيق: يا بني ما هو دا تخصصه، دكتور أطفال، هيترقى إزاي يعني؟
رد عليه عامر بثقة: يعني يبقى دكتور ناس كبيرة، هو دلوقتي دكتور أطفال، بعدها يبقى دكتور عظام، بعدها يبقى دكتور باطنة، لحد ما يبقى دكتور ناس كبيرة بقى.

رد عليه ياسر بهدوء ممزوج بالتهكم: هي دي كل معلوماتك عن كلية الطب؟ فاكرني طالع السلم الموسيقي؟
رد عليه عامر بسخرية و بوجه ممتعض: يعني أنتَ طول عمرك هتفضل دكتور أطفال؟ مش هتكبر تاني
سأله خالد بشكٍ: عامر هو أنتَ إيه معلوماتك عن كلية الطب علشان أبقى عارف بس
حرك كتفيه وهو يقول ببساطة: اللي أعرفه إن جرح الأحباب ملوش علاج، حتى المثل بيقول اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.

ضحك الجميع على إجابته، فقال ياسين ساخرًا: خمس دقايق و نلم الورق، لو فيه حاجة تانية الحق قولها
رد عليه عامر بثقة: لأ خلاص كدا، هو فيه بعد اجابتي دي؟
وقف ياسين وهو يقول بهدوء: طب يدوبك نتحرك احنا علشان نلحق نروح بيتنا، يلا يا خديجة
وقفت خديجة هي الأخرى ثم ودعت الجميع، خرجا سويًا من الشقة، فقال عامر بسخرية:
على كدا بقى ياسين مهندس دور واحد، مش عمارة كاملة.

نظر له الجميع باندهاش، ثم انفجروا في الضحك وهو معهم أيضًا.

أسفل بيت آل الرشيد توقفت سيارة وليد و معه عمته و زوجها، نظر هو لهما في الخلف ثم قال بهدوء:
أنا مكلم طارق وهو عارف إنك جاية، و غالبًا مهد ليهم، عاوزك بس تمسكي نفسك، علشان للأسف مش معايا دوا الضغط بتاعك، ما شاء الله خلصنا على المخزون الطبي
ردت عليه هي مستفسرة بترددٍ: هي. هي جميلة يعني، هتبقى فوق؟
أومأ لها موافقًا ثم قال: آه هتبقى فوق علشان تشوف أمها و تحاول تصفى ليها.

أومأت له ثم فتحت باب السيارة الخاص بجهتها بعدما نزل وليد و حسان الذي كان صامتًا طوال الطريق، دخلوا البيت سويًا، ثم وقفوا في انتظار المِصعد، بعدها دخلوه، ثم بعدها وقفوا أمام شقة محمود، ضرب وليد الجرس، فقامت هدير بفتح الباب له، نظرت باندهاش حينما وجدت مشيرة تقف خلفه، و معها زوجها، بينما وليد قال بثباتٍ:
عاوزين ندخل يا هدير، ينفع، ولا ترجع تاني؟
كانت تعلم المغذى من حديثه، لذلك ردت عليه هي بهدوء:.

ادخلوا يا وليد، اتفضلوا
أومأ هو لها ثم دخل الشقة، بينما مشيرة تسمرت قدماها على اعتاب الشقة ولم تستطع الدلوف، نظرت لها هدير بتعجبٍ منها و من هيئتها التي تدل على مرضها، حتى و إن كانت استعادت جزءًا من عافيتها إلا أن المرض و الإنهاك لازال واضحًا عليها و على ملامح وجهها الباهتة، بينما مشيرة قالت لها بنبرةٍ مهتزة:
ازيك، عاملة إيه يا هدير وحشتيني.

رد عليها هدير بنبرةٍ شبه حانقة حاولت صبغها بالهدوء قدر الامكان: كويسة، الحمد لله
أومأت لها مشيرة ثم دلفت الشقة و زوجها خلفها، انتظرت في صالة الشقة حتى يأذن لها وليد بالدخول ل فاطمة، بينما داخل الغرفة كان كلًا من هدير و جميلة و طارق و محمود يجلسون حول فاطمة، فقال وليد بهدوء:
عمتي مشيرة برة يا عم محمود، معلش اخرجوا برة بس جميلة هتفضل هنا
سأله طارق بهدوء: ليه يا وليد؟ ما كفاية عمتك و مرات عمك و خلاص.

زفر وليد بضيق وهو يقول: معلش يا طارق، ضروري تكون موجودة، عاوز تفضل أنتَ كمان معنديش مانع
رد عليه طارق بهدوء: لأ أنا هخرج برة، لحد ما تخلصوا كلام
اقتربت منه جميلة تقول بخوفٍ: لأ خليك معايا هنا، متخرجش برة و تسبني، عاوزاك تفضل موجود
ربت طارق على كفها وهو يقول بهدوء حتى يطمئنها: طب خلاص مش هخرج متخافيش، هفضل هنا والله
تحدث وليد يقول بانهاك: معلش يا عمي أخرج برة علشان مشيرة تدخل، هتلاقي عم حسان برة.

أومأ له محمود في انكسار ثم خرج من الغرفة، و خلفه هدير، كل ذلك كانت تتابعه فاطمة وهي قابعة الفراش و القناع الطبي موضوع على وجهها حتى يساعدها في اتمام عملية التنفس التي أصبحت ثقيلة عليها و على كاهلها، ف حتى أبسط أعمال البشر وهي التنفس أصبحت ثقيلة عليها، جلب وليد عمته ثم دخل بها الغرفة من جديد، جالت مشيرة الغرفة بعيناها حتى وقع بصرها على ابنتها التي تمسكت بيد طارق و كأنها تطلب منه العون، نظرت لها مشيرة بشوقٍ فاضح من خلال عيناها الدامعة، حتى انها لم تسيطر على رغبتها في احتضانها فوجدت قدماها تأخذها نحوها دون أي ارادة منها، لكنها توقفت قبل ان تصل اليها على صوت وليد قائلًا:.

خلينا دلوقتي في مرات عمي، و نبقى نشوف بنتك بعدين
ضغطت على جفنيها بشدة حتى توقف بكائها لكنها انقلبت معها لنتيجة عكس ارادتها و اجهشت في بكاء مرير مزق نياط قلب الموجودين داخل الغرفة، حتى ابنتها، التي احتضنها طارق ثم ربت عليها بحنان، أما هي فالتفتت تنظر ل فاطمة وهي تقول ببكاء و بنبرةٍ شبه منفعلة:.

شوفتي أنا بسببك وصلت لإيه؟ بنتي اللي اتمنيت رجوعها بقالي 16 سنة مش قادرة آخدها ف حضني يا فاطمة، شوفتي أنا بسببك أنتِ مشيت من بيت أبويا و راسي مكسورة، بسببك ظلمت واحدة و بنتها و عيشت عمر كامل بفتري عليهم و أنا عاملة نفسي بريئة، كنتِ محوطاني بالشر، و أنا افتكرت انك بتحبيني و عاوزاني ابرد ناري، طلعتي بتعوضي النقص اللي عندك من ابويا فيا أنا، لو سامحت ف حقي و سامحت في حق بنتي، أسامح ازاي ف حق البت اللي طلعتها معقدة و كل يوم كنت بسم بدنها بكلام يدمر أي حد، قوليلي على طريقة أعرف انام بيها من غير ما أحس إن الذنب محاوط رقبتي و كل ما أنام يخنقني؟

كانت تلقي بحديثها دفعة واحدة في وجهها ببكاء ممتزج بالصراخ، بينما فاطمة بكت بحرقة هي الأخرى وهي تضغط على جفونها بشدة، اقتربت منها مشيرة أكثر ثم قالت ببكاء: ريحيني يا فاطمة و قوليلي على طريقة أعرف انام بيها، قوليلي على طريقة أعرف ابص فيها في وش زينب و بنتها، قوليلي ازاي أعرف أحضن بنتي اللي قلبي عمال يتحرق على بعدها
ردت عليها فاطمة بانهاك و بنبرةٍ متقطعة: س، سامحيني، ابوس، ايدك.

رفعت مشيرة عيناها تنظر لها باندهاش، فوجدتها تومأ لها في هدوء بأهدابها، ابتسمت لها مشيرة بسخرية ثم قالت بنبرةٍ متهكمة:.

لما خديجة وقفت قصادي علشان تسامح مقدرتش، و طلعت تجري علشان افتكرت اللي عملته فيها، أنا ساعتها استغربت معقولة اللي عملته فيها دمر حياتها للدرجة دي؟ بس دلوقتي أنا عرفت احساس خديجة كان إيه؟ ماهي أصل الدنيا دي كاس بيدور على الكل، بس أنا هقولك أني مسمحاكِ بس غصب عني مش هقدر أنسى العمر اللي ضاع في أذية الناس و الشر، هسامحك مش علشانك أنتِ لأ، هسامح علشان أنا وحشة زيك برضه.

نظر لها الجميع بتعجب فأومأت هي ثم قالت بنبرةٍ مهتزة: مسمحاكِ علشان كفاية إن حتى النفس أنتِ مش عارفة تاخديه، بس يا رب ربنا يسامحنا احنا الاتنين.

في المصعد غمغمت خديجة له بهدوء: ما تيجي نرجع تاني شقتنا، أنا مكسوفة بصراحة أدخل البيت و أنا لسه راجعة من شهر العسل
نظر هو لها بسخرية وهو يقول: مكسوفة ليه إن شاء الله؟ مش أنتِ اللي طلبتي تيجي، و أنا علشان قلبي طيب معرفتش ارفض طلبك.

نظرت له بضيق وقبل أن تعقب وجدت المصعد يتوقف أمام شقتهم، نظرت هي له بتوتر، فوجدته يبادلها تلك النظرة بأخرى ثابتة أثارت حنقها، ثم خرج من المصعد و هي خلفه، وقفا كليهما أمام باب الشقة، فقال هو بهدوء:
ما تخبطي يا خديجة، ولا أخبط أنا؟
نظرت له نظرة حائرة فوجدته يطرق الباب وهو يقول بمرحٍ: على خيرة الله أخبط أنا بقى.

ثوانٍ و اتت خلود من الداخل تفتح الباب بهدوء، تحول إلى الصراخ بعدما رآت شقيقتها تزامنًا مع احتضانها لها وهي تقول بنبرة مشتاقة: وحشتيني يا خديجة، البيت ملوش حس من غيرك
بادلتها شقيقتها العناق بنفس الشوق مع قولها: وأنتِ كمان وحشتيني أوي والله، اخباركم إيه كلكم
اتت زينب من الداخل وهي تقول: مين يا خلود اللي بيخبط على الباب و، إيه دا خديجة.

قالتها والدتها بصراخ ثم ركضت إليها تحتضنها وهي تبكِ، استكانت خديجة بين ذراعيها ثم قالت ببكاء هي الأخرى:
وحشتيني أوي يا ماما، حضنك وحشني أوي
حدث ياسين نفسه يقول بسخرية: يا كدابة، كل ما تشوف حد تقوله حضنك وحشني، وهي معايا ناسية الدنيا كلها
سألته خلود بخبثٍ: خير يا فنان، بتقول حاجة؟
ابتسم لها هو بهدوء ثم قال بنبرة هادئة: لأ خالص بقول انكم وحشتوني أنا كمان، مش هندخل ولا إيه؟

تحدثت زينب تقول باحراج: أنا آسفة والله بس مقدرتش أسيطر على فرحتي برجوعها، ادخلوا نوروا البيت
دخلوا جميعًا ثم اغلقوا باب الشقة، جلست زينب بجانب ابنتها وهي تسألها بهدوء: عاملة ايه يا خديجة، وحشتيني أوي، أوعي تكوني زعلتي ياسين منك
حركت رأسها نفيًا بهدوء فوجدته يقول بهدوء بعدما رسم بسمة هادئة على وجهه: لأ خديجة مبتزعلنيش، و يا رب أنا كمان مزعلهاش.

ردت عليه زينب بحب: ربنا يبعد عنكم كل شر و يسلمكم من أذى الدنيا يا رب
آمن كلاهما وراء دعائها، فقالت خديجة بهدوء تزامنًا مع تحريك رأسها تتفحص المكان: اومال فين أحمد و فين بابا؟
ردت عليها خلود بهدوء: أحمد راح يجيب علاج لطنط فاطمة مش لاقيينه، و بابا جوة اوضتك نايم فيها
نظرت لها زينب بضيق بينما خديجة قالت بهدوء: مالها طنط فاطمة، وبابا نايم في اوضتي ليه؟

ردت عليها خلود بحزن: طنط فاطمة جالها جلطة في، و عندها تضخم في عضلة القلب، و بابا من ساعة ما اتجوزتي وهو بينام في اوضتك كل يوم لحد الصبح
نظرت هي لزوجها و كأنها تريد منه تأكيد ما تفوهت به شقيقتها، فوجدته يحرك رأسه موافقًا، نظرت له باندهاش، فوجدت شقيقتها تقول بمرحٍ: أنا بقول أدخل أصحيه، هيفرح أوي لما يعرف إنك هنا.

تدخل ياسين يقول بهدوء حتى يوقف حركتها: لأ معلش يا خلود بلاش أنتِ، خلي خديجة تدخل تشوفه هي أحسن
اتفقت معه زينب من خلال قولها موافقة على اقتراحه:
أنا بقول كدا برضه، خلي خديجة تدخل أحسن تشوفه.

نظرت لهما خديجة بتعجب فوجدت الجميع يومأ لها حتى يشجعونها على القيام بذلك، فتنهدت هي بعمقٍ أماءت لهم إيماء بسيطة من رأسها، ثم وقفت على اعتاب الممر الصغير المؤدي إلى الغرف، بينما ياسين التفت ينظر خلفه بترقبٍ، فوجد خطاها مترددة، وقف هو ثم لحق بها حتى يقف بجوارها ثم قال بهدوء:
أنتِ أكيد وحشتيه أوي، ادخلي سلمي عليه، وبعدين كل ما يكلمك يعيط يعني كدا كتير عليه.

التفتت هي تنظر لها بأعين دامعة ثم قالت بنبرةٍ مهتزة: أنا بس خايفة يكون زعلان مني علشان سافرت من غير ما أسلم عليه
حرك رأسه نفيًا ثم قال بهدوء: لأ مستحيل دا يحصل، ادخلي بس سلمي عليه و بعدين أنتِ كل ما تشوفي حد تقوليله حضنك وحشني، جت على طه الغلبان يعني؟
ابتسمت له ثم قالت بهدوء: والله مش عارفة من غيرك هعمل إيه بجد، ربنا ميحرمنيش منك أبدًا.

ابتسم لها هو الآخر ثم قال بحب: يا ستي احنا في الخدمة، المهم يلا بس علشان نلحق نروح أنا عندي شغل بكرة بدري وعمال اتنطط من الصبح
أومأت له ثم سارت في الممر، أما هو عاد إلى مكان جلوسه ثم ابتسم في وجهي زينب و خلود التي كانتا تتابعا ما يدور بينهما بابتسامة و بحبٍ.
طرقت خديجة باب غرفتها بهدوء، فوجدته يقول بنبرة مهتزة: ادخلي يا زينب، أنا مش عارف أنام.

تنهدت هي بعمقٍ ثم فتحت وهي تقول بمرحٍ: طب ولو خديجة تلف و ترجع تاني ولا تدخل عادي؟
رفع رأسه بعدما وصله صوتها فوجدها تقف أمامه بهدوء وهي تبتسم له، وقف هو منتفضًا حينما رآها بهيئتها تلك، بعدما ظن أن صوتها هذا من وحي خياله، اقتربت منه هي تمد كفها وهي تقول بهدوء:
ازيك يا بابا وحشتني أوي.

لم يمد يده لها، بل أخذها بين ذراعيه بقوة وهو يقول بحب: بابا وحش من غيرك يا خديجة، و الدنيا كلها وحشة من غيرك، مش عارف اعيش من غير صوتك ف البيت، ولا عارف آكل و أنتِ مش موجودة معايا
شددت عناقها له وهي تقول ببكاء: والله أنتَ كمان وحشتني أوي، عمري ما كنت أتخيل ان بعدي عنك يخليك توحشني كدا
ابتعد عنها هو نسبيًا ثم بنبرةٍ متحشرجة: طب جيتي ليه دلوقتي؟ اوعي يكون ياسين مزعلك؟

حركت رأسها نفيًا وهي تقول بهدوء: جيت علشان وحشتوني أوي، إنما ياسين معايا برة و جه علشان ميزعلنيش
أومأ لها بهدوء ثم تنهد بأريحية وهو يقول: ربنا يطمن قلبك، طب يلا نطلع علشان هو ميزعلش و يقول أني باخدك منه، ولا ننام و نسيبه يمشي لما يزهق
كان حديثه خبيثًا حتى يتبين رد فعلها عن زوجها فوجدها تحرك رأسها وهي تقول بسرعة كبيرة ممتزجة بالقلق:
لأ نطلع علشان ميزعلش، هو قاعد لوحده برة.

ضحك هو على رد فعلها ثم أخذها من يدها حتى يخرج لهم،
خرج طه برفقتها، فوقف ياسين حينما لمح طيفهما، احتضنه ياسين بحبور و فعل طه المثل ثم بعد جلسا كليهما و خديجة بينهما، تحدث طه يقول مستفسرًا:
اخباركم ايه يا ولاد؟ طمنوني عليكم، اخبارك إيه يا ياسين، اتبسطوا سوا في دهب
أومأ له ياسين ثم رد عليه بهدوء بعدما ابتسم له: الحمد لله يا عمي، الاسبوع كان حلو، بس يا رب خديجة بقى تكون اتبسطت هناك.

أومأت له ثم قالت بحماس: أوي، اتبسط أوي الحمد لله، خصوصًا إن أنا كان أخري اسكندرية
ردت عليها خلود بمرحٍ: ايوا يا ستي، روحنا دهب و خربنا الدنيا، عقبالي يا رب
رد عليها ياسين بهدوء: ربنا يكرمك بابن الحلال اللي يقدرك يا خلود
ردت عليه خلود بحماس ممتزج بالمرح: لو ابن حلال زيك معنديش مانع، ربنا يعجل لنا بشوفته يا رب.

ضحك الجميع عليها عدا طه الذي نظر لها بضيق وهو يقول بنبرة جادة: عيب كدا يا خلود، وبعدين أنتِ لسه قدامك الدراسة
ردت عليه هي بهدوء حتى تمتص غضبه: يا طه يا حبيبي دراسة إيه و كلام فاضي إيه؟ دي كلها شكليات، إنما المستقبل بجد في الدماغ هي دي اللي تعرف تمشي صاحبها صح، و وفقًا للنظرية النسبية الخاصة بوليد الرشيد، العلم اللي مينزهش صاحبه قلته أحسن.

ضحك الجميع عليها حتى والدها بعد حديثها الأخير، في تلك اللحظة دلف أحمد الشقة فوجد خديجة و زوجها، فرغ فاهه باندهاش ثم ركض إليها وهو يقول باندهاش:
والله مفاجأة قمر زيك، وحشتيني يا خوخة
احتضنته هي بحبٍ ثم قالت: وأنتَ وحشتني أوي يا أحمد، ربنا يخليك ليا
ابتعد عنها ثم احتضن ياسين وهو يقول بمرحٍ: البيت منور بيك يا جوز أختي، والله بحبك لله ف لله.

ضحك ياسين ثم قال بمرحٍ هو الأخر: حبيبي يا خال العيال، وبعدين حد يكرهني برضه، محصلتش دي
ردت عليه زينب بحب: معاك حق والله، ربنا يرزقك بمحبته و محبة خلقه و عباده يا رب
أومأ لها ثم قال بحب: اللهم أمين يا رب، ربنا يكرمنا كلنا إن شاء الله
تحدث طه يقول بهدوء: ما تقومي كدا يا زينب تحضري الغدا علشان ياكلوا معانا
ردت عليه خديجة بسرعة: لأ متعمليش حاجة أنا مش قادرة أأكل، أنا بطني بتوجعني أصلًا.

سألتها والدتها بلهفة ممتزجة بالقلق: مالك بس يا خديجة، اوعي تكوني رجعتي تاني لقلة الأكل
حركت رأسها نفيًا وهي تقول بمزاح: كل الحكاية بس أني واكلة رنجة و فسيخ مع صحاب ياسين، بجد مش قادرة أكل أي حاجة
اضاف ياسين هو الآخر: ولا أنا قادر آكل والله، أنا جبت أخري، مرة تانية إن شاء الله
تحدث زينب بخيبة أمل: كان نفسي تتغدوا معانا النهاردة، بس أحسن برضه علشان أجهز ليكم عزومة تليق بيكم.

رد عليها ياسين بطريقة مهذبة: أي حاجة منك هتبقى زي العسل، كفاية تعبك فيها، بس علشان خاطري بلاش تتعبي نفسك ولا تكلفيها، أنا مش غريب، أنا زي أحمد برضه
ابتسمت هي له بحبٍ ممتزج بالفخر، وللحق لم تكن بمفردها، بل العائلة بأكملها ابتسمت له بحب.

في الأسفل خرجت مشيرة من غرفة فاطمة وهي تبكِ و خلفها الجميع، ثم بعد ذلك جلست بجانب زوجها، و محمود أخيها كان مقابلًا لها، رفع رأسه يقول بنبرةٍ حزينة:
شكرًا يا مشيرة علشان جيتي، حقك عليا أنا سامحيها علشان خاطري
ردت عليه هي بحزن هي الأخرى: متحقش نفسك يا محمود، أنتَ ملكش ذنب، و أنا مسامحة ف حقي
نظر حسان في ساعة يده ثم قال بهدوء: طب يلا علشان نلحق نمشي؟

رد عليه وليد بسخرية: ما بدري يا عمو حسان، ولا هو أنتَ عليك عفريت اسمه نمشي
خرجت جميلة في تلك اللحظة من الغرفة بهدوء، فالتقت عيناها بعيني والدها الذي وقف ينظر لها بشوق يفيض من عيناه، أما هي فلم تتحكم في نفسها و وجدت قدماها تقودها له حتى وقفت أمامه، كان الجميع ينظرون لذلك الموقف بتعجبٍ، أما هي احتضنته فجأة وهي تبكِ، بكى هو الأخر تزامنًا مع رفع ذراعيه حتى يشدد من ضمه لها، بعد ذلك وجدها تقول ببكاء:.

وحشتني أوي، مكنتش متخيلة أني هقدر اغيب عنك في يوم كل الفترة دي
رد عليها هو بحزن: وأنا عمري ما اتخيلت أني الدنيا تفرق بينا كدا، وحشتيني أوي
مال وليد على أذن طارق وهو يقول بخبثٍ: بذمتك من ساعة ما خد مشيرة و مشي من البيت فكر يجي يشوفها؟، شكل مراتك ربنا هيكرمها بأخ صغير
رد عليه طارق بضيق بنفس النبرة التي يتحدث بها الأخر: ما يمكن مجاش علشان أنتَ مهدده مثلًا، و يمكن علشان هي مبتردش عليه أصلًا.

حرك وليد كتفيه وهو يقول بمرحٍ خبيث: لأ حسان عضمه طري و العبد لله بقى هينشفه له
نظر له طارق بتعجب ولم يعقب، بينما جميلة خرجت من حضن والدها ثم قالت بهدوء: بتاخد الدوا بتاعك ولا لأ، و الأكل برضه بتلغبطه؟
حرك رأسه نفيًا وهو يبتسم لها، فابتعدت هي عنه ثم وقفت بجانب زوجها وهي تقول بهدوء:
أنا كدا اطمنت عليكم، عن اذنكم بقى علشان ماما سهير مستنية فوق.

أومأ لها الجميع، أما مشيرة ف بكت بقوة بعد كلمتها الأخيرة، نظرت لها جميلة بحزن ثم أعادت رسم الثبات على وجهها من جديد، حينما لاحظ حسان بكاء زوجته قال بهدوء:
طب احنا هنستأذن علشان مشيرة ليها دوا و أنا مجبتوش معايا، يدوبك نتحرك.

أومأ له محمود ولم يعقب بل دخل غرفة زوجته، بينما حسان أمسك كف زوجته حتى يساندها في الخروج من الشقة، وفقت وهي تبكي و تنظر لابنتها التي تهربت من النظر إليها، سارت معه حتى باب الشقة، وقبل أن يفتحه، وجدها تلتفت بنصف جسدها وهي تقول بنبرةٍ مترجية:
ينفع احضنك قبل ما أمشي يا جميلة؟

نظرت جميلة لها باندهاش، ثم نظرت ل طارق تستمد منه العون، فوجدته يومأ لها مؤكدًا، وهو يحثها على احتضان والدتها، ضغطت على جفنيها بشدة، فوجدت والدتها تنظر لها بانكسار، وهي تخفض رأسها للأسفل، لكن جميلة اقتربت منها بتروٍ ثم مدت ذراعيها بهدوء، بكت مشيرة ثم احتضنتها هي الأخرى ثم بعد ذلك رفعت وجهها تقبل كل إنش في وجه ابنتها وهي تعتصرها بين ذراعيها، بكت جميلة بعدما احتضنت والدتها، فمهما كان الحزن المخيم عليها منها، إلا أنها في نهاية الأمر والدتها، تلك التي تقع الجنة تحت قدميها، ابتعدت عنها مشيرة وهي تقول ببكاء حتى تتوسل لها: علشان خاطري سامحيني، والله ما فيه حاجة وجعاني قد زعلك مني، لو عاوزاني أبوس راسك أنا موافقة، بس، بس بلاش تعامليني كدا.

أومأت لها جميلة ثم قالت بنبرةٍ متحشرجة: سيبيها على الله، محدش عارف الخير فين
لأ ماهو مستحيل الخير يكون هنا، أنا مدور كويس في بيت الرشيد و مش لاقيه لحد دلوقتي
خرجت تلك الجملة من فم وليد بسخرية كعادته، نظر له الجميع باندهاش فقال هو مُردفًا بثبات:
ربنا يكرمكم يا جماعة و تلاقوا الخير كلكم إن شاء الله
تنهدت مشيرة بعمق ثم قالت بحزن: أنا همشي دلوقتي، ينفع أبقى آجي أشوفك تاني.

تدخل طارق يقول يهدوء حتى ينهي ذلك الموقف الحرج الذي أصاب الجميع بالتوتر: طبعًا تقدري، البيت هنا بيتك في أي وقت
نظرت له بهدوء ثم قالت: تسلم يا طارق، خلي بالك منها علشان خاطري، خليك أنتَ أحسن مني
أومأ لها ثم أضاف مؤكدًا: جميلة في عينيا العمر كله، متخافيش عليها معايا.

أومأت له ثم التفتت حتى تغادر المكان مع زوجها، نظرت جميلة في اثرهما بحزن ثم تنفست الصعداء، بينما وليد زفر بقوة ثم قال: أنا هطلع أقعد فوق السطح شوية، يمكن الصداع اللي ف دماغي يهدا
أومأ له طارق ثم قال: و أنا هطلع أرتاح شوية علشان مش قادر.

بعد قليل كان وليد جالسًا فوق السطح و لكن تلك المرة كان نائمًا على الأرض وهو ينظر للسماء و يتابع حركة النجوم بها، ثوانٍ و شعر بظل يتحرك بجانبه، فابتسم هو بهدوء ثم قال دون أن يلتفت:
وحشتي جوزك يا شابة، فينك من الصبح سايباني زي اللي تايه في المولد
جلست هي بجانبه وهي تقول بنبرةٍ مندهشة: عرفت منين إن أنا اللي جيت، ما يمكن خلود و لا طارق و لا أحمد، ليه خمنت إنها أنا.

رد عليها هو بثباتٍ: علشان طارق مش هيطلع ريحته سوبيا كدا يا ناصحة
ردت عليه هي بحنقٍ: سوبيا؟ بقى المرطب اللي أنا دافعة فيه دم قلبي يتقال عليه سوبيا؟
ضحك هو ثم قال: هو أنا هفضل اركز بقى في المرطب و اسيب حياتي بايظة؟

تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت: أنا طالعة علشان أأكلك عرفت من ماما مروة إنك ماكلتش، جبت أكل معايا و حطيته على الترابيزة اللي جنب باب السطح، ابتسم هو باتساع ثم احتضنها فجأة، اندهشت هي من فعلته تلك، فقالت بنبرة متعجبة:
وليد هو أنتَ كويس؟ مالك؟
رد عليها هو بهدوء حزين: نفسي أبطل خوف يا عبلة، نفسي مرة واحدة أطمن، عاوز الحاجة تختارني مش أنا اللي اختارها.

ابتعدت هي عنه ثم نظرت له وجدت علامات الحزن مرسومة على وجهه، فقالت بخوفٍ:
ليه علطول خايف؟ ليه مش عارف تدي لنفسك الأمان؟ ليه محمل نفسك فوق طاقتها؟
ارتمى هو على فخذها و كأنه طفل صغير يخشى ترك والدته له ثم أدرف بنبرةٍ حزينة:.

علشان كل حاجة بتعب لحد ما أوصل لها، الكلية اللي حلمت بيها مدخلتهاش، فقررت اتنازل عن حلمي و ادخل بديل ليها علشان كام درجة خايبين، بعدها اللي وثقت فيهم و عاملتهم كأنهم أخواتي كنت ليهم مصلحة بيسحبوا منها فلوس وبقيت مدمن قد الدنيا، البنت اللي حبيتها رفضتني قدام أخوها و كملت كسرة خاطري، عيشت عمري كله بحلم بالحاجة ومش عارف اطولها، يمكن وجودك جنبي دلوقتي هو اللي مخليني حاسس اني مش مهزوم، طلوعك ليا دلوقتي علشان تأكليني حسسني إن الحياة بتصالحني يا عبلة، واحد زيي عاش حياته كلها خايف، تفتكري ممكن يجي يوم و يعرف يطمن فيه؟

كانت تذرف دموعها وهي تستمع له، شعر هو بارتجافتها فاعتدل في جلسته ثم مد انامله يكفكف دموعها وهو يقول بهدوء:
حقك عليا علشان زعلتك، كنت مخنوق والله و كل الحاجات الهباب دي هجمت على عقلي مرة واحدة، أنا أسف.

ردت عليه هي بحزن: متتأسفش دا حقك، أنتَ لحد دلوقتي مش قادر تنسى اللي عملته فيك و أنا مش زعلانة منك، بس زعلى من نفسي علشان صدقت إنك ممكن تكون وحش، شوفت كتير بسببي، و برضه بتختارني وأنا كل اللي عليا هو أني افضل معاك، بس والله لو بايدي أعرف اطمنك مش هبخل عليك والله، أنا ممكن أعمل اي حاجة علشانك.

أخذ هو نفسًا عميقًا ثم قال: عاوزك تفضلي معايا بس، خصوصًا إن مش هينفع نعمل فرح دلوقتي علشان فاطمة، هتستحمليني؟
أومأت له ثم أضافت مؤكدة حديثه: هستحمل، علشانك أنتَ هستحمل أي حاجة
اتسعت بسمته وهو يقول بمرحٍ: وريني بقى جايبة أكل إيه؟ أصل أنا صيعت النهاردة
ابتسمت له وهي تقول بمرحٍ هي الأخرى: عاملة الطاجن اللي أنتَ بتحبه، عملته علشان تاكل منه النهاردة
سألها هو بنبرةٍ هادئة: هاكل لوحدي ولا هتاكلي معايا؟

ابتسمت له ثم قالت بحب: هاكل معاك، أنا أصلًا مستنية من الصبح علشان ناكل سوا
أومأ لها موافقًا طبع قبلة بسيطة على رأسها، تبعها بنظره في عيناها وهو يقول بندم:
متزعليش مني علشان كلامي من شوية، أنتِ عارفة أني مقدرش ازعلك
أومأت له ثم قالت بهدوء: أنا مقدرة والله موقفك، بس بلاش تبقى تفكرني بهبلي كل شوية، خليني اتأقلم على وجودنا سوا كدا
ربت على رأسها ثم قال بهدوء: بكرة هتبقى فل و هتقولي وليد قال.

نزل ياسين من بيت آل الرشيد بصحبتها، بعد الحاح كبير من والديها طالبين منهما البقاء معهما تلك الليلة، لكنه أصر على العودة حتى يسطتع الذهاب لعمله في الصباح، ركب سيارته و هي تبعته تجلس بجانبه، كانت شاردة أمامها، فنظر هو لها متفحصًا ثم قال بنبرةٍ ساخرة:
خير يا ست الكل، رجعنا تاني نسرح ليه؟ مين زعلك.

ابتسمت هي له ثم قالت: لأ مش زعلانة، أنا بس مستغربة رد فعل بابا لما غيبت عنه كل دا، بصراحة أنا فرحانة أوي
ابتسم هو لها ثم قال بحب: طب يا ستي ربنا يفرحك دايمًا، المهم إننا منتنسيش بس.

ردت عليه بسرعة حتى تنفي حديثه: أنتَ متتنسيش أصلًا، علشان كل حاجة حلوة بتكون سبب فيها، الناس كلها بتفضل تتكلم و تقول خليكم ناصحين و شخصيتكم قوية و مش عارف إيه علشان تمشوا في حياتكم، وفي الأخر جيت أنتَ اثبت ان الحنية و الحب هما اللي بيفرحوا الناس، طلعت فاهم الدنيا صح.

نظر لها بحبٍ وهو يقول: لمَ أَفهَم شَيءٌ في هَذا العَالم طُوال حَياتي، مُجرد عَبثٌ لا يُهمني منه شيء، أنّا هُنا حَيثُ وجودكِ. لعَيناكِ البَريئةِ أنتمي
اتسعت مقلتاها من هول المفاجأة، فوجدته كعادته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ:
خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ
ضحكت هي بصوتٍ عالٍ ثم قالت بعدما أوقفت ضحكاتها: أيوا بصراحة، كلامك حلو أوي
غمز لها وهو يقول بمرحٍ: الحلو للحلو يا حلو، و أنتَ حلو.

حركت رأسها نفيًا بيأس تزامنًا مع بسمتها التي ارتسمت على شفتيها، بينما هو نظر أمامه وهو يدندن لحنًا موسيقيًا رتيبًا من حنجرته، وبعد القيادة، أوقف هو السيارة أسفل العقار الخاص بهما، بعدها دخلا شقتهما سويًا، فتحدثت هي تقول بانهاك واضح:
أنا بجد تعبت، جسمي عمل معايا مجهود كتير الأيام دي، تنطيط و فسح في دهب، و هنا يدوبك راجعين الفجر و نزلنا برضه، كتر خيره والله.

رد عليها ياسين بسخرية: ماشاء الله كتكوت ضعيف الجناح، يعيني تعبت من الخروج و الفسح
ردت عليه هي بحنقٍ بعدما ارتمت على الأريكة: علشان أنا واخدة على قاعدة البيت، أي مكان تاني بالنسبة ليا يبقى متعب
أومأ لها وقبل أن يعقب على حديثها وجد هاتفه يصدح عاليًا، أخرج الهاتف من سترته فقال متعجبًا: غريبة يعني بابا بيكلمني دلوقتي ليه؟
وقفت هي بجانبه وهي تقول بهدوء: يمكن عاوز يقولك حاجة مهمة، رد عليه كدا.

أومأ لها ثم فتح الهاتف، فوجد والدته تقول بخوفٍ و بنبرة شبه باكية:
الحقني يا ياسين، رياض تعبان أوي و مش بيرد عليا، تعالى بسرعة علشان نجيب الدكتور
خرجت كلمتها الأخيرة بصراخ جعلت جسده يرتعد بقوة و خديجة أيضًا بعدما وصل لها الصوت من الهاتف.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *