رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع 7 بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة البارت السابع
رواية شظايا قلوب محترقة الجزء السابع
رواية شظايا قلوب محترقة الحلقة السابعة
أمام البوابة الرئيسية لفيلا السيوفي، ترجلت ميرال من سيارتها ، واتجهت تتطلع إلى امتناع الأمن عن دلوف رانيا للداخل، اقتربت متسائلة:
-في ايه ؟!.
أشار أحد رجال الأمن إليها
-المدام ممنوعة من الدخول ياهانم، وهي مصرة تدخل
رمقتها رانيا بنظرة سريعة
-أنا لازم أقابل فريدة أو إلياس السيوفي
توقَّفت ميرال:
نعم.. تعرَفي جوزي منين؟!..
اقتربت منها تطالِعها بتعمُّقٍ وأردفت متسائلة:
إنتِ بنتِ فريدة ولَّا…قاطعهما إسلام الذي وصلَ يحاوطُ كتفَ ميرال:
حبيبتي اتأخرتي ليه؟..
استدارت ترمقُ رانيا:
المدام كانت بتسأل على ماما..
ماما !! تساءلَ بها إسلام..بسطَ كفِّه:
أهلًا بحضرتِك..تعمَّقت بالنظرِ إليه:
إنتَ إلياس..هزَّ رأسهِ بالنفي فهزَّت رأسها متذكِّرةً صورتهِ يومَ زفافه، رسمت ابتسامة:
أه افتكرت ..قاطعها وتحدَّثَ بمغذى:
إلياس السيوفي تُقصدي ..
هوَّ أخوك ثمَّ أشارت على ميرال:
ودي أختك إزاي؟…اقتربَ منها وهو يضعُ كفَّيه بجيبِ بنطالِه:
هوَّ حضرتِك جاية تسألي عن شجرةِ العيلة!..آسف بس ليه بتسألي…
ابتلعت ريقها بصعوبة، وتلعثمت وعينيها على ميرال:
أبدًا كنت عايزة أسألُه عن حاجة.
حاجة، طيِّب ليه ممنوعة من الدخول، هيَّ ماما تعرفِك؟..
ماما!! قصدَك مين؟..
كانت تقفُ تطالعُها بصمتٍ وهي تتحدَّثُ مع إسلام إلى أن فجأة قطعت حديثها:
إنتِ تعرفي ماما فريدة؟..
هزَّت رأسها بالنفي واستدارت متحرِّكةً لسيارتها سريعًا…
استقلت السيارة ونظراتها على اسلام وميرال، ثم رفعت هاتفها
-عايزاك تعرف كل حاجة عن ولاد السيوفي، وكمان البنت اللي اسمها ميرال دي، دي اختهم ازاي وكمان مرات ابنهم الكبير ..قالتها وأغلقت الهاتف وهي تنظر إلى الفيلا
-مفكرة بيهم هتقدري تبعدي عن شري يافريدة، وحياة وجعي السنين دي كلها منك ومن راجح وجمال لاحرق قلبك عليهم كلهم، شكلهم بيحبوكي معرفش ليه، بس البنت دي ازاي بنتك، معقول تكون بنتي ..هزت رأسها
-لا لا ..ذهبت بذاكرتها تهمس لنفسها
-البنت شبه راجح وجمال فعلا، وبعدين، لازم اصرف اعمل ايه علشان اتأكد، البنت دي مش شبه فريدة
ضيقت عيناها تهز رأسها
-التحليل لازم اعمل التحليل ..
عندَ فريدة:
انحنى راجح يحاوطُ المقعدَ الذي تجلسُ عليهِ قائلًا:
دوَّرت عليكي كتير يافريدة، كنتي فين وإزاي عرفتي العنوان …
دفعتهُ بحقيبتها تشيرُ إليهِ بغضبٍ اندلعَ من عينيها:
اسمعني ياراجح ..قالتها بدفعِ إلياس الباب َمع اعتراضِ السكرتيرة، توقَّفَ متسمِّرًا يوزِّعُ نظراتهِ بينهما، ووضعيةِ حقيبتها التي تدفعُ بها راجح ..اقتربَ منهما مع ارتجافِ جسدها من نظراتِ إلياس إليها، دلف للداخل باعتدال راجح
-إلياس باشا!!
دلف بخطوات مميتة لقلبها وهي تطالعه بصدمة كيف علم بوجودها، جذب المقعد مع بسط راجح يده للسلام عليه ولكنه تجاهله، رفع عيناه إلى راجح ثم أشارَ إلى السكرتيرة:
قهوتي سادة، وقهوة طنط فريدة مظبوطة، مش كدا ياماما فريدة؟..
قالها بعدما جلسَ يضعُ ساقًا فوق الأخرى، وأخرجَ سجائرهِ ينفثُها بهدوءٍ رغمَ احتراقِ داخلهِ من رؤيةِ راجح قريبًا منها …
جلست فريدة وعينيها عليه، تعلمُ أنَّهُ لن يصدِّقها فصمتت تطبقُ على جفنيها للحظاتٍ تحاولُ أن تسحبَ نفسًا، بعدما شعرت وكأنَّ جدرانَ الغرفةِ أطبقت على صدرها..
رانَ صمتٌ مميتٌ بالغرفةِ إلى أن قطعهُ إلياس وهو ينظرُ إلى راجح:
الذي مازال متوقفًا مذهولا من دخوله بتلك الطريقة، استدار إلى مقعده وجلس عليه، ينظر إلى إلياس الذي طالعه وهو ينفث سجائره قائلًا بنبرة يشوبها الثقة والغرور
اتقابلنا تاني، بس ماعتقدشِ المرَّة دي هاتكون زي المرَّة اللي فاتت.
توقَّفَ راجح من مكانهِ واستدارَ يجلسُ أمامهِ بكلِّ عنجهية وتكبُّر، يهزُّ رأسهِ باستخفاف:
مكتبي نوَّر بيك ياحضرة الظابط..
نفثَ إلياس تبغهِ وعيناهُ تخترقُ استخفافَ حديثُ راجح، فتراجعَ مستندًا على المقعدِ وهتفَ بنبرةٍ ممزوجةٍ بالتعظيمِ والتكبُّرِ لشخصه:
طبعًا لازم المكتب ينوَّر، ومش المكتب بس الشركة كلَّها، هوَّ أنا قليل ولَّا إيه، اللي قاعد قدَّامك إلياس السيوفي ..
اتَّجهَ بنظرهِ إلى فريدة وتابعَ حديثهِ وعينيهِ تخترقُها:
وكمان عندَك مدام مصطفى السيوفي، ودي لوحدها يقفلَها الكل وانت اولهم، فريدة هانم السيوفي لوحدها مجرد اسمها في المكان الكل يقدم الولاء والطاعة مش كدا ولَّا إيه…
أومأَ راجح وأردف:
مدام فريدة الكل لازم يوقفلَها، أصلك ماتعرفش قيمتها بتكون إزاي، فيه حاجات ماتعرفهاش ياحضرة الظابط..
أحسَّ بقبضةِ تعتصرُ فؤادهِ ورغمَ ذلكَ رسمَ ابتسامة:
لا، عارف ومقدَّر مكانة ماما فريدة مش حضرتَك اللي هاتقول..
متأكِّد ياحضرة الظابط ..انحنى إلياس بجسدهِ يردُّ بصوتٍ خافتٍ ورغمَ هدوئهِ إلا أنَّهُ أخرجهُ كالرصاصاتِ التي تستقرُّ بالصدرِ حينما قال:
إعرَف قدرِ نفسَك ياراجح بيه..واحمد ربنا اني جتلك، اصلي لو بعت اجيبك هيكون فيها كتير
أفلتَ ضحكةً بعدما علمَ بذكائهِ وأردف:
عارف ومقدَّر ياحضرةِ الظابط، بس إعرَف إنِّ في أسد غزالتُه هربت منُّه، قالها بمغذى وهو يشيِّعُ فريدة بنظرةٍ خبيثة.
حرَّكَ إلياس فمهِ يمينًا ويسارًا ينظرُ إلى فريدة نظراتٍ لم تفهم معناها، لتتأرجح عيناها بحيرة لما يفعله، ابتعد بالنظر عنهاثمَّ التفتَ إليه:
أسد مريض بيجري ورا غزالة ضعيفة، حدجَ فريدة بنظرةٍ واستطرد:
العيب مش في الأسد المريض، العيب في الغزالة اللي ماعرفتشِ تبعد عنُّه لحدِّ مااستضعفها..
أخرجَ راجح سيجارتهِ ينفثُها ويطالعهُ بنظراتٍ توحي الكثير والكثير قائلًا:
مش يمكن الغزالة بتلعَب بالكل علشان تهرب زي ماهربت؟..
خنجر غرز في جدار كبريائه قبل صدره، ابتلع إهانته بغضب يحرق احشائه ظهر بنفور عروقه، ثم
فتحَ فمهِ للرد ولكنَّها توقَّفت تصرخُ بهما:
شغل المخبرين دا مش عايزاه، اتَّجهت بنظراتٍ محتقرةٍ إلى راجح وهتفت بصوتِ مرتفع:
إبعد عنِّي إنتَ ومراتك ياراجح، ماتخلنيش أطلَّع فيك ظلمِ السنين كلَّها، هبَّ من مكانه:
ظُلم، وقتلِك لبنتي دا إيه، أشارت بيديها بعدما فقدت أعصابها وحاولت إخفاءَ أمرَ ميرال لتهتف:
زي ماقتلت ولادي ..صرخَ بصوتٍ جهوري:
ولاد مين، ولادِك اللي بعتيهم علشان تهربي مع عشقيك… قست عيناه بوميض الغضب الذي تجلى بمقلتيه كالهيب مشتعل فهدر بصوت أفزع الأثنين:
بااااااس..قالها وانتفضَ من مكانهِ كالأسدِ الذي يريدُ أن ينقضَّ على فريسته، دنا من راحج وهتفَ من بينِ أسنانه:
أنا مابحبِّش أتكلِّم كتيير، أنا عارف الماضي كلُّه، وكلِّ واحد فيكم أخد حقُّه، توقَّفَ عن الحديثِ بعد دخولِ العاملِ بالقهوة..
هوت فريدة على المقعدِ وانتفضَ جسدها بالرُّعب، من تحوِّلِ إلياس وحديثهِ الذي علمت أنَّهُ النهاية، برودة اجتاحتها وهي تتابعُ حديثهِ ظنًّا أنَّهُ سيصدِّقهُ ويخذلها …أشارَ إلياس إلى راجح بغضب:
هاتقرَّب على حد من العيلة همسحك من على وشِّ الأرض، إبعد عن عيلتي، الست اللي قاعدة قدَّامك دي مرات مصطفى السيوفي، انت فاهم يعني ايه، وكمان في مقامِ والدتي، ومهما عمَلِت هتفضل في مقامِ والدتي، أنا مارضتشِ أقرَّب منَّك وسايبك إنتَ والمدام اللي مش مبطَّلة تدوَّر ورانا، شكلها ماتعرفشِ مين همَّا عيلة السيوفي ..اتَّجهَ بنظرهِ إلى فريدة التي تطالعهُ بذهولٍ لم تكن تتوقَّعُ حديثه، اقتربَ منها وساعدها على الوقوفِ يحملُ حقيبتها التي سقطت من يدها وتحرَّكَ للخارج، توقَّفَ لدى بابِ المكتبِ واستدارَ إلى راجح:
عملت معاك واجب لمَّا عرفت ابنك مالوش في السياسة، ودا ماحدِّش بيعملُه في منصبي ماتخلنيش أتراجع عليه، وعايز أقولَّك صلة القرابة بس اللي شفعتلَك عندي، علشان كنت في يوم من الأيام جوزها، وأنا بشفع مرَّة واحدة..وبعدها أغطي عليك بالتراب واعدي وأنا بدوس كمان، بتكلم بعقلي، يكفيك شر جنان إلياس السيوفي لما بيخرج جنانه على حد، اقترب منه خطوة وعيناه تحرق وقوفه وهمس بفحيح اعمى
-هخليه عبرة لمن لا يعتبر، حتى لو كان أقرب الناس ليا، ابعد عن طريقي علشان مكرهكش نفسك، ومتفكرش سنك هيشفعلك، ياااا راجح بيه، وراك على النفس
قالها تحرَّكَ مغادرًا تاركًا راجح على لهيبٍ مشتعل..بدأ يحطم كل تطاله يده، حتى أصبح المكتب ، شظايا مبعثرة، اتجه سريعًا إلى هاتفه
-مستعد أعمل اللي عايزه النهاردة قبل بكرة بس تخلصي لي من واحد النهاردة قبل بكرة
صمت يستمع إلى الطرف الآخر قائلا
-هبعتلك كل اللي يخصه ..
جلس يمسح على وجهه بعنف
-حتة عيل يعمل في راجح الشافعي كدا، طيب يابن السيوفي لو محصرتش ابوك عليك ..مبقاش راجح
عند فريدة وإلياس
كانت تتحرَّكُ بجوارهِ تنظرُ إليهِ بسعادةٍ تنبثقُ من عينيها، ودَّت لو تضمُّهُ لأحضانها، ودَّت لو تصرخَ بأعلى صوتها تخبرُ الجميعَ بأنَّهُ وليدها قرَّةُ عينها.
فتحَ بابَ سيارتهِ وأشارَ إليها بالجلوس، مشيرًا للسائقِ الخاصِّ بها بالمغادرة، تحرَّكَ بالسيارةِ وهو يقطعُ المكانَ بسرعةٍ جنونيةٍ وكأنَّ أحدَهم يطوِّقهُ بطوقٍ من النيران، ظلَّ محافظٌ على تماسكهِ حتى لا يصلَ إليها ويلقيها صريعةً على أفعالها المتهوِّرة، فهو منذُ عودتهِ من شهرِ عسلهِ علمَ بزيارةِ رانيا من خلالِ فريقهِ الأمني، الذي أخبرهُ بأنَّها تبحثُ خلفَ فريدة.
نظرت لسرعتهِ الجنونيةِ فأردفت بخفوت:
حبيبي بالرَّاحة، العربية كدا ممكن تتقلِب، شيَّعها بنظرةٍ مع ابتسامةٍ ساخرة:
خايفة يحصلِّك حاجة وإنتِ معايا؟..
لا، خايفة عليك يابني ..توقَّفَ فجأةً حتى كادت السيارةُ تنقلبَ بسببِ سرعتهِ المتهوِّرة، ولولا تحكُّمهِ بالقيادةِ بعد دورانِ السيارةِ عدَّةِ مرَّاتٍ للقيا حتفُهما لا محالة..
توقَّفَ ينظرُ إليها بأنفاسٍ متسارعةٍ وكأنَّهُ بحلبةِ مصارعة، ثمَّ اتَّجهَ بأنظارهِ إليها:
أنا مش ابنك ولا عمري هاكون ابنك، مانكرشِ كنت بعتبرِك زي والدتي السِّت اللي فتحتلِك بيتها واعتبرتِك أختها وأمِّنتك على ولادها وإنتِ في الآخر طلعتي شيطانة، خطَّطي لحدِّ ماوصلتي للي إنتِ فيه.
انسابت عبراتها تهزُّ رأسها فتحدَّثت من بينِ بكائها:
ليه بتحمِّلني موتها ياإلياس، والدتَك كانت مريضة وإنتَ عارف إنَّها كدا كدا كانت ميِّتة..
أاااه كنت عارف أنَّها ميتة، زي ماكنت عارف إنِّك أطيب خلقِ الله، بس عملتي إيه.. كذبتي علينا وعليها، استخدمتي حنانها لغرضِك..
اسمعني اللي إنتَ سمعتُه مش الحقيقة..
ضربَ كفَّيهِ ببعضهما يردِّدُ كلماتها ثمَّ اقتربَ يغرزُ عيناهُ بمقلتيها:
ليه مش المدام ألِّفت على بابا أنَّهم قتلوا جوزها وعمِّ بنتها عايز يتجوِّزها غصب، مش المدام اللي خافت يوصلَّها طليقها علشان يبيِّن حقيقتها..
خلِّت بابا اللي عمرُه مااتَّبع طريق الشر إلَّا معاكي ..إيه يامدام مش تاخدي بالِك إن العيِّل الصغير كبر…
إلياس ..أشارَ بسبَّباتهِ محذِّرًا:
مش عايز أسمع حاجة، كفاية اللي سمعتُه الأيام اللي فاتت، دلوقتي علاقتي بيكي إنِّك أم مراتي وبس، وحق بابا عليَّا ماتطلبيش منِّي أكتر من كدا..أكتر حد بكرهُه في الدنيا الكدَّاب المخادع..
قالها وقامَ بتشغيلِ السيارة، وضعت رأسها على النافذةِ تنظرُ للخارجِ وانسابت عبراتها بصمت، تعلمَ أنَّها أخطأت في بادئِ الأمر ولكن كيفَ لها أن تثقَ بهم..
وصلَ بعد قليل، ترجلَّت من السيارةِ دونَ حديثٍ ودلفت للداخل ..بالأعلى بغرفةِ ميرال أنهت استحمامها، خرجت على صوتِ هاتفها.. توقَّفت أمامَ المرآهِ تبعدُ منشفتها عن خصلاتِها وأجابت:
أيوة يادودي..
ميرو أنا في المكتبة كنتي عايزة أجيبلِك إيه نسيت..تبسَّمت وهي تجذبُ كريماتها قائلة:
عايزة كتاب تشارلز ديكنز ياقلبي، لو لقيتيه ..
تمام ياجميلتي، اشتريت حاجات هاتعجبِك أوي، وجبت لإلياس هدية كمان بس إياكي تعرَّفيه.
فردت الكريم على يديها تنظرُ لنفسها بالمرآةِ وشعرت بالحزنِ قائلة:
ماتخافيش مش هاقولُّه حاجة ..قالتها وأغلقت الهاتفَ، جلست لبعضِ الدقائقَ ونظراتها على هيئتها بالمرآة حتى شردت بحياتِها دونَ أن تشعرَ بدلوفِه، توقَّفَ يطالعُها بنظراتٍ هائمةٍ وكلَّ الأشواقِ تناديهِ أن يسحقَ عظامها، أسبوعًا كاملًا عاقبَ نفسهِ وعاقبها بالبعد، حتَّى احترقَ داخلهِ من الاشتياق ..دنا منها وانحنى يحضنُها من الخلفِ دافنًا وجههِ بعنِقها، هبَّت فزعة حينما شعرت بأنفاسهِ الحارَّة
إشش إهدي أنا ..ألقت مابيدها وتراجعت مبتعدةً عنه:
عرفت أنُّه إنتَ، تجوَّلَ بنظراتهِ على جسدِها وهي ترتدي ثوبَ الحمَّامِ ليظهرَ معظمَ جسدها أمامه، توجَّهَ إلى غرفةِ ثيابهِ بعدما تراجعت تضمُّ فتحةَ روبها..
ماتخافيش مش هاقرَّبلِك، جيت آخد شوية هدوم…
شوية هدوم..قالتها بذعرٍ ظهرَ على ملامحها، تحرَّكت خلفهِ تجذبهُ من ذراعه:
طيِّب الأوِّل لمَّا كنت بتغيب عن البيت بقول علشان عايز تبعد عنِّي ومش طايقني، دلوقتي ليه بتبعد؟..
لنفسِ السبب قالها وهو ينزعُ قميصه، توقَّفَ بعدما فكَّ أزرارهِ ينظرُ إليها:
هتفضلي واقفة كدا عايز أغيَّر هدومي..
لحظات وهي تطالعهُ بنظراتٍ خلت من الحياة..استدارت للخارجِ دونَ حديث، وما إن اختفت عنهُ حتى اكتساهُ الحزنَ وسقطت ملامحُ بروده، لتتحرَّكَ بخطواتٍ متعثِّرة، ودموعها تفترشُ خطواتَها، اتَّجهت إلى مكتبها ودلفت للداخلِ تغلقُ البابَ خلفها ثم خرجت إلى الشرفة، فتحتها بدموعِ عينيها تنظرُ للخارجِ بضياع، ماذا فعلت لكي تجني ذاكَ العشقُ المتألِّم ..جذبت المقعدَ وجلست تضعُ ذقنها على ركبتيها التي رفعتها تستندُ عليها…
بالخارجِ ألقى مابيدهِ يزفرُ بغضبٍ على ماتوصلَّت الحياةُ بينهما، جلسَ يُرجعُ خصلاتهِ للخلفِ بعنفٍ حتى كادَ يقتلِعُها، تنهيداتٍ متحسِّرةٍ حتى شعر بتوقُّفِ دقَّاته..ورغمَ حربهِ مع نفسهِ ومايشعرُ من فوضى بداخلهِ لم يقوَ على التحكُّمِ باشتياقِه، ودقَّاتِ قلبهِ العنيفة، نهضَ واتَّجهَ إليها يبحثُ عنها، ذهبَ لغرفةِ مكتبها ولكنَّهُ وجدها مغلقة، دبَّ الذعرُ بأوصاله، طرقَ عليها الباب عدَّةَ مراتٍ ولكن لا يوجد رد، انهارت حصونهِ بالكاملِ وعقلهِ يصوُّرُ لهُ أشياءً مفزعةً لا يستطيعُ القلبُ تقبُّلها، دفعَ البابَ بقدمه بقوَّةٍ عدة مرات إلى أن انفتح، دلفَ يبحثُ عنها بلهفةٍ ودقَّاتُ قلبهِ كجرسِ معبدٍ للتعبُّد، ذهبَ ببصرهِ إلى جلوسها بتلكَ الطريقة، نزفَ قلبهِ حتى شعرَ وكأنَّ أحدُهم انتزعهُ من صدره، دنا منها بخطواتٍ متمهِّلة، وصلَ إليها وجلسَ خلفها يجذبها لأحضانهِ بقوَّةٍ حتى شعرت بسحقِ عظامها ..أغمضت عينيها تمنعُ دموعها التي تكوي جفنيها، أخرجها من أحضانهِ يحتضنُ وجهها:
زعلان منِّك، ومش قادر أزعَّلِك..
حاوطت عنقهِ وهنا انفجرت بالبكاءِ بعدما فقدت سيطرتها…نهضَ وحملها متَّجهًا إلى غرفتهما ليلبِّي نداءَ قلبيهما بالاشتياقِ الكامنِ بصدرِهما، ويعزفُ لها لحنهِ الأثيرَ ليعلِّمها أنَّ جميعَ لغاتِ المعاجمِ تخلو مما يشعرُ به الآن وهي بداخلِ أحضانه، لم يجد مايعبِّرُ به عمَّا ينتابهُ فلقد تسرَّبت واستوطنت ثنايا الروحِ والقلب…
همسةٌ ضعيفةٌ خرجت من بينِ شفتيها بإبعادهِ عنها، أسبلَ عيونهِ بوميضِ الغضبِ معتدلًا:
تاني ياميرال، تاني.. قالها وهو يجذبُ قميصه، تشبَّثت بذراعهِ تهزُّ رأسها:
إلياس أنا تعبانة، تعبانة منَّك ومن حياتي اللي ماعرفشِ إنتَ واخدنا على فين..
شهقةٌ خرجت من ثنايا روحها قبلَ قلبها ترفعُ أكتافها تنظرُ حولها بضياع:
عجبَك كدا، قولِّي إيه أهمية جوازنا، وإنتَ عايش بعيد عني ونبذني من حياتَك، قولِّي إيه فايدة جوازنا وأنا لوحدي وكأن مفيش حاجة اتغيَّرت بالعكسِ الأوِّل كان أفضل..
نهضت من مكانها وتوقَّفت أمامه:
ليه بتعاملني كدا، علشان غلطت، ماكلنا بنغلط إنتَ مبتغلطش، ليه منتظر مني غلطة واحدة علشان تمسحني من حياتَك، ليه الضغط والصراع دا، مش متحمِّل وجودي عرَّفني ووعد هبعد عنَّك بس أكون عارفة حدودي، رفعت كفَّيها وأدارت وجههِ إليها تنظرُ بعمقِ عينيه:
لو شايف قربي منَّك بيخنقَك ومش قادر تتحمِّل هبعد بهدوء ووعد محدش هيعرف بس أكون عارفة أنا عايشة إزاي، ولو خايف أعمل مشاكل وعد مني هانسحب ولا كأنَّك قرَّبت حتى..
جذبها بقوَّةٍ لأحضانهِ ولفَّ ذراعيهِ حولَ جسدها يضغطُ بقوَّةٍ على خصرها مما جعلها تتألَّم، ورغم آلامها تعلقَّت بعينيهِ التي تحدجها بلهيبٍ مستعر، انحنى من خاصَّتها يهمسُ بفحيح:
قدرِك قدري، إنسي إنِّي أتنازل عن اللي قهرتني، بلاش أسلوب الدموع دا علشان مفيش حاجة تشفعلِك عندي غير قلبك اللي بيدُق باسمي وبس، ووقت ما يوقف النبض باسمي، هقسمهولِك نصِّين، بلاش تشغلي نفسِك بالتفكير علشان هتتعبي، أنا سألتِك قبلِ ماأقرَّب منِّك موافقة نكمِّل حياتنا، وإنتِ وافقتي، خلاص مبقاش فيه رجوع إلَّا إذا حد مننا يموت…
ملَّست على وجنتيهِ وعانقت عينيه:
يعني هتفضل تعذِّب فيَّا طول حياتك، إنتَ كدا مبسوط، وسعيد ببعدَك عنِّي، عايز تعرَّفني إنَّك سعيد وإنتَ شايفني بنهار على بُعدك…
دفعها على الفراشِ خلفها وحاوطها بجسدهِ ينظرُ لجسدِها بعيونٍ راغبة:
مين قالِّك أنا سعيد، مين اللي قالِّك أنا مرتاح، اقتربَ منها واحتضنَ ثغرها بقبلةٍ عاشقةٍ ثمَّ وضعَ جبينهِ فوقَ خاصتها وأااه بأنفاسهِ الحارقةِ تلفحُ بشرةِ عنقها الناعمةِ يهمس:
افتكري قولتلِك حبُّك نار ياميرال، بتحرَق اللي يقرَّب منِّي، وإنتِ لعبتي على الوتر دا، متستخفِّيش بقلبي دا لو عايزة تفضلي بقلبي…
نظراتٍ جانبًا منها سعيد وجانبًا منها حزين لتهمس:
طيب لمَّا زعلان من البعدِ ليه بتبعد، قلبك مش قالَّك كفاية عليها عذاب، مصعبتِش عليك؟..
لا، مصعبتيش عليَّا قالها سريعًا، وهو يحرِّكُ أناملهِ على عنقها وفتحةِ صدرها التي ظهرت أمامهِ وعينيهِ تتعلَّقُ بعينيها وتابعَ حديثه:
مش إنتِ شايفة جوازي منِّك رغبة وبس، مش دا كلامِك، شايفة اشتريتِك جارية، ليه تصعبي عليَّا…
تحجَّرت عيناها بالدموعِ ليغمضَ عينيهِ حتى لا يضعفَ أمام فتنتها الهالكة لا محالة، حاوطت عنقهِ تهمس:
وحشتني أوي، فتحَ عينيهِ لتتعلَّقَ بعيونها السوداء التي تلوَّنت بالدماءِ لكثرةِ بكائها، رفعَ كفِّهِ يملِّسُ على خصلاتها:
وبعدين معاكي، عايزة منِّي إيه.. أقرَّب تقوليلي إبعد، أبعد تقوليلي قرَّب، ماهو لو ناوية تجنِّنيني فإنتي فعلًا جنِّنتيني..
سيبِك من جنانِك دا وإعقلي بقى..
تؤ..قالتها بهمسٍ خافتٍ لتقضي على تمسُّكهِ ولم تكتفي بذلكَ لتقرَّبَ رأسهِ تهمسُ له:
مجنونة بحبَّك مش محتاجة تجنِّني..
تعلَّقت الأعين وارتفعت النبضاتُ بالعزفِ وهي ترى مدى تأثيرها عليهِ حينما همست بحبُّهِ مرَّةً أخرى لتسقطَ أقنعةُ البرودِ وتعلنُ طبولَ القلوبِ بالعزفِ المنفرد، الذي عبَّرَ كلٍّ منهما بطريقتهِ الخاصة…
بعدَ فترةٍ ليست بالقليلةِ كانت تتوسَّدُ ساقيهِ وهو يعملُ على جهازه، وجدَ إشعار برسالةٍ لأحدهما على جهازه، مع صور أمامِه…تفحَّصَ الصورَ أمامهِ ليرسلَ إلى الآخر:
تراقبُه كويس، دوَّنها وقامَ بإرسالها، ذهبَ ببصرهِ للتي تهمس:
هدِّي المكيف بردت، جذبَ من جوارهِ غطاءٍ خفيفٍ ووضعهُ فوقها، ثمَّ ملَّسَ على خصلاتِها:
لو لسة بردانة أجبلِك حاجة تلبسيها، هزَّت راسها بالنفي تحتضنُ ساقيهِ قائلة:
وجودَك مدفِّيني، المكيف اللي كان عالي ..انحنى يهمسُ بجوارِ أذنها:
هخلَّص شوية شغل وأخدك في حضني..رفعت عينيها تنظرُ إلى وجهه القريب:
كويس إنَّك حسيت ببعضِ واجباتك..
أطلقَ ضحكةً مرتفعة:
ليه أنا مقصر في واجبي؟..هزَّت رأسها بإرهاق؛
هوَّ إنتَ عملت أي واجب أصلًا علشان تبقى مقصَّر ..ألقى جهازهِ المحمول وانحنى يحملُها قائلًا:
عندِك حق ماأنا اللي دلَّعتِك زيادة عن اللزوم، نظرت حولها برعب:
إلياس واخدني فين..أنزلها بكابينةِ الحمَّام وقامَ بفتحِ المياهِ دونَ قبل أن تعترض..
دا أوِّل واجباتي ياروحي كنت مقصَّر فيها، صرخت تحتَ المياهِ الباردة ولم تشعر بإغلاق الزجاجِ عليهما، برقت عيناها تطالعهُ بذهول:
إنتَ هتعمل إيه؟..
هعمل الواجب، مش أنا تلميذ فاشل، عندِك حق، قالها وهو ينزعُ ثيابهِ لتصرخَ تواليهِ ظهرها تضربُ أقدامها بالأرض..وضعَ كفِّهِ على شفتيها يجذبها إليه:
إشش هتفضحينا، بطَّلي غباء، واللهِ لأحمِّيكي ومش هخرج حتى لو لمِّيتي البيت كلُّه..
بعدَ فترةٍ كانت تغطُّ بنومٍ عميقٍ بعدما مرَّت بأيامٍ ثقال وهو يعاقبها بأشدِّ عقابه..أنهى بعضَ أعمالِه، نهضَ يضعُ أشيائهِ بمكانها المخصَّص، ذهبَ ببصرهِ لذاكَ الصندوقِ الذهبي، اتَّجهَ إليهِ وقامَ بفتحه، وجدَ بهِ ذكرياتِ طفولتها مع عائلتها، لمسَ صورةً وهي بالصفِّ الثالثِ الثانوي تُقبِّل مصطفى أثناءَ تكريمها لتفوِّقها ..ملَّسَ على ملامحها الطفولية مبتسمًا على ذاكَ اليوم..
عادت بعد تكريمها، كان يسبحُ بالمسبح، وصلت إليهِ وعقدت ذراعيها أمامَ صدرها:
ممكن أعرف مجتشِ حفلةِ التكريم ليه؟..
خرجَ من المسبحِ يجذبُ منشفتهِ وتحدَّثَ بنبرةٍ باردة:
مبروك، كنت هباركلِك هنا، وبعدين كلُّهم معاكي، مجتشِ عليَّا، اقتربت منهُ تطالعهُ بحزن:
وجودَك كان مهم ياإلياس، تحرَّكَ أمامها وكأنَّها لم تحادثهُ لبعضِ الخطواتِ ثمَّ توقَّفَ بعدما وجدَ وقوفها:
شايفِك اتكرَّمتي وجيتي من غيري فين الأهمية في وجودي..
تعلَّقت بنظراتهِ لبعضِ اللحظاتِ ثمَّ تحرَّكت للداخل:
آسفة إن كنت ضيقتِ حضرةِ الظابط..قالتها وتحرَّكت دونَ حديثٍ آخر..
استني عندِك، نظرت أمامها تضغطُ على شفتيها بقوَّةٍ حتى لا تنسابُ دموعها.
أنا قدمتلِك إعلام زي ماإنتِ عايزة مع إنِّي مش مقتنع بالمجال دا، وطبعًا هتختاري صحافة ..دنا ينظرُ بمقلتيها:
لو ناوية على الإذاعة هحولِك أي كلية تانية، علشان منتعبشِ بعض في كُترِ الكلام هتدخلي صحافة ..قالها وتحرَّكَ من أمامها دونَ إضافةِ شيئٍ آخر…
بعد أسبوعين ..استمعت إلى طرقاتٍ على بابِ غرفتها ثمَّ دلفَ بعدَ السماح..
دلفَ للداخلِ وجدها تشاهدُ بعضَ البرامجَ السياسية، اقتربَ وجلسَ بجوارِها بعدما تابعت التلفاز دون أن تعيرهُ اهتمام..
كلمِّت بابا يعينلِك سواق ياخدك بكرة علشان تخلَّصي الحاجات المرتبطة بالكلية من اختبارات معرفشِ محتاجينك ليه…
ظلَّت تتابعُ التلفازَ بصمت، تنهَّدَ يسحبُ نفسًا طويلًا ثمَّ أخبرها:
مش عايز صداقة مع حد مهما يكون، السواق هياخدِك ويجيبِك، مفيش عربيات دلوقتي، والعربية اللي بابا جابها مش هتركبيها قبلِ سنتين…
هبَّت من مكانها وتعمَّقت بالنظرِ إليه:
خلَّصت أوامرَك ياحضرةِ الظابط؟..
دي مش أوامر دا اللي المفروض تعمليه…
دنت تجذبُه من كنزتهِ التي يرتديها بعدما أضرمَ النيرانَ بداخلها:
ملكشِ دعوة بيَّا، أركب عربية مركبشِ.. أدخل صحافة أدخل إعلام، شيء ميخُصَكش، أنا ماقولتش للباشا يدخُل إيه يبقى هو مالوش يدَّخل في حياتي.
دنا منها فتقهقهرت للخلفِ حتى سقطت على الفراشِ فانحنى بجسده:
نفسِك دا مينفعشِ تاخديه من غير إذني، عايزة تكمِّلي تعليمِك تعملي اللي قولته..مش عايزة يبقى إتنيلي في البيت أهو تتعلِّمي حاجة في البيت..
اعتدلت تنظرُ بعمقِ عينيهِ وهدرت به:
اسمعني ياإلياس أنا مش هدخل صحافة حتى لو هتموتني..
ضغطَ على فكِّها واقتربَ يهمسُ بهسيسٍ أرعبها:
طيِّب لو جدعة عارضي أوامري ..لم تهتم بالقربِ المهلكِ لقلبيهما:
مش لسة هعارض ياإلياس أنا معترضة أصلًا، رجفة أثارت قشعريرةً أصابت جسدهِ من نفسها الناعمِ الذي لفحَ عنقه، حتى اهتزَّ ولم يشعر سوى بجذبِ عنقها يلتقطُ ثغرها في لحظةِ ضعفٍ لكلٍّ منهما..لحظاتٍ كانت من نارِ جهنم لكليهما ..اعتدلَ سريعًا وهرولَ للخارجِ يصفعُ قلبهِ بصفعاتٍ ناريةٍ على ضعفه، فتحَ بابَ غرفتهِ بعنفٍ وقامَ بتحطيمِ كلِّ ما تحتويه، يزأرُ على ضعفهِ الذي أهلكهُ بتلكَ الطريقة، استمعَ والدهِ للتحطيمِ فدلفَ للداخل:
إلياس فيه إيه ياحبيبي، جذبَ هاتفهِ وتحرَّكَ للخارجِ دونَ رد..
أمَّا هي فمازالت بمكانِها كما تركها تنظرُ لسرابِ خروجهِ بضعف، وجسدها مازالَ يرتجفُ من آثارِ قبلته، كيف فعلَ بها ولماذا اقتربَ منها بتلكَ الطريقة، مرَّت ساعاتٍ وهي لم تقوَ على الحركةِ أو الوقوفِ من مكانها، بعد يومين دلفت والدتها بطعامِها بعدما رفضت النزول فتساءلت عنه:
إلياس مارجعش، كنت سامعة عمُّو بيزعَّق ..ربتت على ظهرها:
رجع من عشر دقايق بس قفل على نفسُه، ماتحاوليش تقرَّبي منُّه، لحدِّ ماعمُّو مصطفى يعرَف مالُه ..قالتها فريدة وغادرت الغرفةَ نظرت للطعامِ الذي وضعتهُ والدتها، ثمَّ توقَّفت بهدوءٍ تحملُ الطعامَ واتَّجهت إلى غرفته، دلفت تبحثُ عنه، وجدتهُ يخرجُ من غرفةِ الرياضة، وضعت الطعامَ على الطاولة:
إلياس ..استدارَ إليها كالملسوع، ثمَّ اقتربَ يهدرُ بجنون:
إزاي تُدخلي هنا، وليه تدخلي أصلًا، أوعي عقلِك يوزِّك علشان اللي حصل يبقى خلاص إنِّك حاجة في حياتي، إمشي اطلعي برَّة، وإنسي أيٍّ حاجة..
استدارت وتحرَّكت بعدما ذُهلت من حديثهِ الذي شقَّ قلبها لنصفين، شهرًا كاملًا ولم يتقابلا بها…
مرَّت الأيام إلى أن جاءَ أوَّلِ أيامِ جامعتها، هبطت بجوارِ فريدة سعيدةً تتحدَّثُ مع فريدة بما ستفعلهُ اليوم، دلفَ من البابِ بعدَ غيابهِ أسبوعًا بعملهِ الأوَّل بعدَ تخرُّجه، توقَّفَ على بُعدِ بعضِ الخطواتِ ينظرُ إلى تلكَ الطفلةِ التي نضجت وأصبحت أنوثةً متفجرةً لقلبهِ الطاغي، قبَّلت والدتها وتحرَّكت تجمعًُ أشياءها، ثمَّ اتَّجهت إلى مصطفى تحتضنُه، كانت تتنقَّلُ بينهم مثلَ الفراشةِ على الزرع، لم تشعر بوجودهِ سوى من حديثِ إسلام:
أبيه إلياس جه، قالها إسلام الذي وصلَ إليه يحتضنُه، ضمَّ الأخوانُ بعضهما البعض ثمَّ تحرَّكَ إلى الجميعِ ملقيًا السلام..
تحرَّكت بجوارهِ دونَ أن تعيرَهُ اهتمامًا تشيرُ إلى والدتها، أوقفتها فريدة:
حبيبتي لمَّا توصلي طمِّنيني، وبين المحاضرات ياميرو ..قبَّلت والدتها في الهواءِ وتحرَّكت إلَّا أنَّها توقَّفت متسمِّرة على صوته:
استني ..توقَّفت تواليهِ ظهرها فاقتربَ منها:
السوَّاق بعتُه مشوار مهم أنا هوصلِّك، تحركَّت دونَ حديثٍ مع نظراتِ فريدة عليهما، جلست بجوارهِ بالسيارةِ تنظرُ للخارجِ بصمتٍ حمحمَ قائلًا:
مبروك الكلية، لو حد ضايقِك عرَّفيني بس وشوفي هعملِك فيه إيه..
استدارت برأسهِا تطالعهُ بسخرية:
ماحدش يقدَر يكسرني ويضايقني غيرَك ..توقَّفَ بالسيارةِ على جنبٍ ثمَّ استدارَ إليها بجسده:
اسمعيني قولتلِك اللي حصل إنسيه، وعلشان ترتاحي شبِّهتِك بحد عزيز ماحستشِ بنفسي وخاصة لمَّا شُفتِكو شبه بعض..
التفتَ برأسها تنظرُ للخارجِ بصمت…
أسبوع اخر لم يلتقيا، عاد ذات مساء بيوم ميلاد غادة واسلام، بحث عنها بعينيه لم يجدها اتجه لأخته
-كل سنة وانت طيبة يادودي
-حبيبي ياابيه، ميرسي، فتحت هديته وتعلقت بعنقه
-احلى أخ في الدنيا دا ولا ايه
ذهب ببصره لوقوفها بالحديقة مع أحدهما يتلاعب بخصلاتها مرة، ثبت بصره عليهما ثم تحرك إليهما..لم يشعر بنفسه وهو يجذبه يدفعه على الأرض وهو يراه يقترب منها ليقبلها
خرجَ من ذكرياتهِ على صوتها بعدما وجدها تجلسُ فوقَ الفراش:
الساعة كام ..وضعَ الصندوقَ بمكانهِ وتوقَّفَ مقتربًا منها:
الساعة أربعة العصر، قومي صلِّي العصر..وضعت رأسها على كتفهِ تهمسُ بإرهاقٍ تجلَّى بنبرةِ صوتها:
مش قادرة تعبانة ومرهقة، هنام ولمَّا أقوم ..انحنى ليحملُها ثمَّ اتَّجهَ للداخلِ يساعدُها في الوضوءِ قائلًا:
مينفعشِ تأجلي صلاة، أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ الصلاةُ بأوقاتها ..أغلقَ المياهَ وعادَ يحاوطُ أكتافها..
صلِّي ونامي براحتِك، بعدَ دقائقَ ألقت نفسها على الفراشِ بإسدالِ صلاتها، قامَ بنزعهِ مع إحضارِ قميصَ نومٍ من اللونِ الأسود، ونزعَ ذلكَ الروبِ وساعدها بارتدائه…
ألقت نفسها على الوسادةِ تهمسُ بحبِّه:
بحبَّك أوي ..استندَ بذراعهِ على الوسادةِ يخلِّلُ أناملهِ بخصلاتها، يبحرُ بعينيهِ فوقَ ملامحها مع دقَّاتِ قلبه التي تثبتُ لهُ أنَّها شريانُ نبضهِ في الحياة لا يعلمُ كيفَ وصلت لمرحلةٍ أنًَها أغلى من الروح ..تمدَّدَ بجوارِها واحتضنَ كفَّها يضعهُ تحتَ رأسهِ يهمسُ بنبرةٍ خافتةٍ بصوتهِ الأجش:
“بحبِّك” قالها ليسبحَ بنومٍ عميقٍ لا يشعرُ به سوى بأحضانها..
بعد فترةٍ تململت لتجدَ نفسها فوقَ صدرهِ العريان الذي لأوَّلِ مرَّةٍ تراهُ بتلكَ الهيئة، ظلَّت تحدجهُ للحظاتٍ تهمسُ لنفسها:
نفسي تبقى معايا على طول زي دلوقتي، رفعت رأسها إلى وجههِ تتجوَّلُ بعينيها عليهِ باشتياق، وأناملها تتحرَّكُ بهدوءٍ على ملامحه…
ليه يوم عن يوم حبِّي ليك بيزيد أوي كدا، داعبت وجههِ بأنفها تحتضنُ عنقِه..
إلياس بُعدَك بيعذبِني ماتبعدشِ تاني، قالتها وهي تمرِّرُ أناملها ترسمُ دوائرَ وهمية على صدرهِ ثمَّ استندت برأسها عليهِ تتطلَّعُ إليهِ تودُّ أنَّها لاتغلقُ عيناها أبدًا.
قبلَ قليل:
بأكبرِ المشافي بالقاهرة كانَ جميعُ الأطباءِ في حالةِ ترقبٍ من تشخيصِ حالةِ المريضِ الذي بين أيديهم فاقدَ الحياة، بعدما زأرَ إسحاق بهم…
جلست ملك بالخارجِ بأحضانِ والدتها تبكي:
بابا هيعيش ياماما صح ..نظراتٍ ضائعةٍ بكلِّ الأنحاءِ وهي تتذكَّرُ دخولَ والدتهِ عليه تصيح بحدة ارعبتها:
فاروق ملك مبقاش ليها قُعاد هنا، أنا هسافر انجلترا وهاخدها معايا..
إيه اللي بتقوليه دا ياماما، عايزة تاخدي بنتي مني …ألقت بعضَ الأوراقِ التي حصلت عليها:
بنتي مش هتقعد مع ابنِ شوارع تاني، شوف مش دي تحاليل مراتَك، شوفت مراتك الزبالة عملت إيه، عيِّشتنا قراطيس، وطلعت مبتخلفشِ ومش بس كدا، لا..دي استأصلِت الرحم، عايز مني أسيب حفيدتي تربيها مع ابنِ الحرام اللي مانعرفشِ جبتُه منين..
دارت الأرضُ تحتَ قدميه، وشعرَ بألمٍ يضربُ صدرهِ بقوَّةٍ كأنَّهُ يتمزَّقُ من شدَّةِ اللطمةِ القوية..رفعَ كفِّهِ محاولًا فتحَ زرَّ قميصهِ وهو يشعرُ بالاختناق، ولكنَّ صوتَ والدته:
أنا تجبلي ابنِ حرام تلاتين سنة وتفهِّمني أنُّه حفيدي، بنتِ الشوارع تضحك عليَّا، والله لأطردُه من البيت وأفضحها بكلِّ مكان، حاولَ أن يتفوَّه، ولكن لسانهِ ثَقُلَ ولم يشعر بفمهِ الذي تعوَّج، ليهوى على الأرضيةِ يمسكُ صدره، هرولت صفية إليهِ ودموعها تحفرُ وجنتيها:
فاروق..لكزتها بعكَّازها:
إبعدي عنُّه ياحيوانة، شوفتي متحملشِ اللي عملتيه فيه..قالتها بدخولِ إسحاق يتحدَّثُ بهاتفهِ ويضحك، ولكنَّهُ توقَّفَ على صوتِ والدته:
إمشي اطلعي برَّة إنتِ وابنِ الحرام..هنا شعرَ وكأنَّ أحدَهم سكبَ عليهِ دلوًا من الماءِ البارد، ليشحبَ وجههِ يهمسُ باسمِ أرسلان، صرخت صفية باسمِ زوجها بعدما هوى بكاملِ جسدهِ وازرقَّت شفتاهُ وكأنَّهُ فقدَ الحياة، فاقَ إسحاق من صدمتهِ على ضمَّةِ صفية لزوجها وبكائها:
فاروق ..صرخت بها صرخةً تقشعرُّ لها الأبدان وكأنَّهُ تركها ورحلَ لتصبحَ وحيدةً كطفلٍ يتيمٍ فقدَ والديه.
اقتربَ إسحاق كالمجنونِ بعدما استمعَ ورأى أخيهِ بتلكَ الحالة، يصرخُ بالأمنِ الخارجي أشار إليها:
وصَّلوا ماما للمطار، مش عايز أشوف وش حدِّ فيكم لمَّا أعرف إنَّها وصلت لرحلتها..
إسحاق..نظرةٌ لها لأوَّلِ مرة يحدجُها بها:
أمي، صابر عليكي علشان إنتِ أمي …قالها واتَّجهَ إلى أخيه، بعدما اتَّصلَ بالاسعافِ وحاولَ بعملِ إسعافاتٍ أوليةٍ لإعادةِ القلبِ للنبضِ مرَّةً أخرى، ضغطةٍ خلفَ ضغطةٍ وهو يصرخُ بصوتٍ أرعبَ الجميع:
فاروق لازم تعيش سمعتني، مش عايز تفرح بابنك ولا تقولِّي مبروك هتبقى عم .. فاروق قالها عدَّةَ مراتٍ مع ضغطهِ لعضلةِ القلبِ بوصولِ سيارةِ الإسعاف …فاقت من شرودها على خروجِ الأطباء:
حالة غيبوبة منعرفشِ هيفوق إمتى.. قالها الطبيبُ وتحرَّكَ مهرولًا من أمامِ إسحاق الذي وقفَ كالأسدِ الذي يريدُ الانقضاضَ على فريسته ..وصلَ أرسلان مع حديثِ الطبيب ينظرُ بالوجوهِ كأنَّهُ يبحثُ عن والدهِ ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ لعمِّه:
بابا مالُه..سمعت صوتهِ ملك لتهبَّ من مكانها تُلقي نفسها بأحضانه:
بابي تعبان أوي يارسلان..
إهدي ياملوكة، بابا كويس حبيبتي، روحي عند ماما دلوقتي..
أرسلان الدكتور قال غيبوبة ..كانت عيناهُ على إسحاق الذي استندَ على الجدارِ خلفهِ يطالعهُ بعيونٍ حزينة..دفعَ البابَ إلَّا أنَّ الممرضة توقَّفت أمامه:
ممنوع يافندم ..دفعها بقوَّةٍ يُبعدها عنه، ثمَّ دلفَ للداخلِ بأقدامٍ متراخية،يريدُ أن يُطمئنَ قلبهِ أنَّ مايستمعُ إليهِ ماهو سوى ترَّهاتٍ فارغة، والدهِ بصحةٍ جيدة، هو يعلمُ أنَّ والدهِ لن يتركه ..هذا ماصوَّرَ لهُ قلبهِ الضعيف..
توقَّفَ يتطلَّعُ إلى جسدهِ المسجَّى على الفراشِ يوصلُ بهِ بعضُ الأجهزة، سقطت مقاومتهِ ونزلت دمعةٌ عبر وجنتيهِ يشهقُ بصوتٍ كالأطفال:
بابا..قالها متسمِّرًا ولم تقوَ أقدامهِ عن الحركة،هنا فاقَ الوجعُ قوَّةَ الاحتمالِ وهو يريدُ أن يُطلقَ العنانَ لساقيهِ لتصلَ إليهِ كي يلقي نفسهِ بأحضانهِ كطفلٍ عادَ والدهِ بعد فترةِ انقطاعٍ طويلة، ضاقَ صدرهِ وانسابت عبراتهِ يخطو بخطواتِ الطفلِ الذي يتعلَّمُ المشي، وصلَ إلى فراشهِ وجثى بجوارهِ وشهقةٍ خلفَ شقهةٍ ليحتضنَ كفِّهِ يقبِّله:
حبيبي إيه اللي حصل يوصَّلك لكدا؟..
عندَ إلياس وصلَ إلى الشاطئ بعد تناولِهم طعامَ الإفطار، عانقَ كفَّها وتحرَّكَ على الشاطئ:
لسة بتحبِّي قعدةِ البحر.. رفعت رأسها إليهِ تهزُّها قائلة:
أوي، البحر دا بحسُه بير أسراري.
توقَّفَ ينظرُ لتقلُّبِ الأمواجِ قائلًا:
خلِّي بالِك بس علشان غدَّار وموجُه بيقلِب بسرعة، ماتدِلوش الأمان أوي..
احتضنت ذراعهِ ووضعت رأسها عليهِ متمتمة:
لا، البحر صاحب صاحبُه، يعني اللي يفهمُه صح مش هيخاف.
طالعها مستغربًا حديثها:
اللي هوَّ إيه مش فاهم ..أشارت إلى الأرضِ بعدما تجوَّلت بالمكانِ قائلة:
ينفَع أقعد على الأرض؟..الشاطئ مفيش ناس هنا..
أومأَ وجلسَ ثمَّ أشارَ إليها بالجلوسِ أمامهِ ليحتويها بين ذراعيه ..شعرت بالسعادةِ من طلبِه ..جلست وفردت ساقيها تستند بجسدها عليه تنظرُ إلى البحرِ بصمتٍ تتذكَّرُ طفولتهما وكأنَّهما يتحرَّكانِ أمامها،
رجعت برأسها عليهِ تشيرُ للموجِ الذي ارتفع:
شايف الموج علي فجأة إزاي…كانَ ينظرُ بهاتفهِ ولم يستمع إلى حديثها، استدارت برأسها بعدما وجدت صمتِه:
بتعمِل إيه؟..
رفعَ رأسهِ من فوقِ الهاتفِ وأجابها:
بشوف الأخبار، استدارت تجذبُ منهُ الهاتفَ بغضبٍ وتمتمت:
يعني بكلِّم نفسي وحضرتَك بتقولِّي شغل، حتى في شهر العسل!..
أشارَ إليها:
هاتي الفون ياميرال، رجعت بهِ للخلفِ تهزُّ رأسها بالرفض:
مش هاتاخدُه ياإلياس، من حقِّي يكون وقتَك ليَّا وبس، أومال لمَّا نرجع، انحنى يجذبُ الهاتفَ من كفِّها، جفلَ من أفعالها الطفولية، أمسكَ الهاتفَ وتابعَ مايفعلهُ دونَ اهتمامٍ لحزنها، انسحبت من أحضانِه، وجلست على بُعدِ خطوةٍ تنظرُ بصمتٍ للبحر، وتكوَّرَت عبراتها بالدموعِ تهاتفُ نفسها:
هايفضَل زي ماهوَّ..تنهيدةٌ عميقةٌ أخرجتها من ذلكَ الرجلَ الذي يثيرُ بداخلها مشاعرَ متضاربة، بعدَ دقائقَ وهي شاردةٌ بمنظرِ البحر، شعرت بهِ خلفها يلفُّ ذراعيهِ حولَ جسدها ويجذبها بتملُّك لأحضانه يهمس بجوار أذنها
-دلوقتي ملك ايديكي، رفعت رأسها تطالعه متمتمة
-إنت مش ملكي ماتضحكش على نفسك، حتى مش قادر تحسسني بأهميتي في حياتك، وضع أنامله على شفتيها وتحدث
-لو زي مابتقولي مكنتش عملت شهر عسل
-وليه عملت شهر عسل ياترى
لملم خصلاتها وابتسامة خلابة تجلت بملامحه
-علشان أجمع اوقات حلوة معاكي، احتضن أحشائها يكفيه وأكمل وعيناه تتعمق بالنظر بعيناها
-علشان نحكي ذكريات حلوة لأولادنا إن شاءالله،
-ولادنا …قالتها وهي تضع كفيها فوق كفه
-متجوزين علشان نجيب ولاد بس ياإلياس ..قرص وجنتيها
-بطلي غباء ياميرال، حاوط جسدها يفتح هاتفه
-شوفي كدا علشان شوية الغباء اللي عندك ..قلبت بهاتفه، لتجد الكثير من صورها، رفعت عيناها تهمس له
-صوري، ليه بتعمل فيا كدا، أخذ الهاتف ثمَّ قامَ بفتحِ مشغِّلَ الأغاني على أغنيةِ العندليب حبَّك نار..
تراجعت بجسدِها لتصبحَ بأحضانِه، بعدما صمت ينظر للبحر، دون أن يجيبها، سحبت نفسًا و أغمضت عينيها تستمتِعُ بصوتِ الموجِ مع صوتِ العندليب، انحنى مستندًا بذقنهِ على رأسها، لفحتهُ رائحتها الخلَّابة التي دغدغت مشاعرِه، شعرَ بخفقانٍ لذيذٍ كإيقاعٍ موسيقيّ، ازدادَ بريقُ العشقِ بنظراتهِ وهو يسبحُ بالنظرِ على ملامحها، رفعت كفَّها على وجههِ متسائلة:
حلوة وعجباك..استندَ بجبينهِ وتنهَّدَ بغرامها الذي يسري بأوردَتِه:
أوي، حلوة وجميلة وتاخدي العقل.
طيِّب ودا ماأخدوش؟..
قالتها وهي تضعُ كفَّها موضعَ نبضِه..
رفعَ كفَّها يقبِّلهُ مبتسمًا، وأشارَ إلى البحر:
اشتكتيني للبحرِ كام مرَّة؟..
لوَّحت بيديها قائلة:
كتير أوي، بلاش أعدِّلَك وترجَع تقول نكدية..
عمري …قالها وهو يهمسُ أمامَ شفتيها..تبسَّمَت لهُ وقلبها أصبحَ كطبولِ حربٍ من تغيُّرهِ في بعضِ الأحيان..كنت محتفظ بصوري ليه
-عادي مجمع صور العيلة كلها
متقولش كدا علشان مزعلش منك بجد
نزل بنظره اليها
عايزة تسمعي ايه، سحبت بصرها بعيدا عنه ولكنه عادت إليه بعدما همس
-اشتياق ياميرال
-اشتياق!! همست بها وهي تنظر لعيناه الذي يحاول أن يخفي لمعة الحب بهما وتسائلت
-كنت بتشتاق لي ..ابتسم بعدما وجد ارتجاف شفتيها ليقترب هامسا
-جدًا جدًا، ارتحتي كدا …اومأت له برأسها مبتسمة، انحنى لمستواها
-طيب جنانك اللي قبل الفرح ورفضك اقول عليه ايه
-تخبيني في حضنك، ارتفعت ضحكاته على كلماته ليضمها متمتمًا:
-اخبيكي من الدنيا كلها بس خايف حضني اللي يأذيك
-راضية بأذيته انت مالك
طبع قبلة أعلى رأسها
-خايف عليكي من نفسي، خايف اخسرك، رفعت رأسها
-لو خايف عليا بلاش تبعدني عن حضنك، دا أكبر أذى ليا
-مقدرش ابعدك إلا إذا انت اللي بعدتي
دفنت رأسها بصدرهِ وتمنَّت أنَّ الحياةَ تتوقَّفُ هنا ..همست وأنفاسها الناعمة تغازلُه:
عمري ماهبعد طول ماانا بحبك،
راقت له كلماتها ليجيبها
-وأنا هحميكي من نفسي على قد ماأقدر، مستحيل ابعدك عن حضني تأكدي، دنى إلى أن لمس ثغرها بخاصته
-من إمتى دا بينبُض باسمي؟..
اعتدل بجسده متراجع يستند بكفيه على الشاطئ لحظاتٍ وهو يحاورُها بعينيهِ بكثيرٍ من المشاعر، ثمَّ أطلقَ تنهيدةً حارَّةً أحرقت ضلوعهِ بنيرانِ عشقها المكنونَ بقلبِه..
مرَّرت أناملها على صدرهِ بعدما وجدت صمته:
عارف من إمتى وأنا بحبَّك؟..
ابتسمَ منحنيًا يهمسُ لها:
عارف كلِّ حاجة، وحاولت أكرَّهِك فيَّا، بس ربِّنا كان رايد تكوني معايا..
ليه ياإلياس ليه عذِّبتني؟..
تراجعَ ونظرَ للبحرِ بصمت.. أشارت إلى هاتفهِ وتساءلت:
طيِّب ممكن تقولِّي ليه الأغنية دي ولَّا مش من حقي أعرف، مايمكن حضرتَك بتحبِّ واحدة تانية..
ضحكَ عليها بصوتٍ مرتفعٍ ثمَّ انحنى يحتضنُ ثغرها مداعبًا أنفها وهو يقول:
لأن حبِّك نار فعلًا ياميرو..
اعتدلت وجلست على ركبتيها أمامه:
ياااه ميرو من زمان أوي ماقولتهاش بالطريقة دي، وبعدين أنا حبِّي نار في إيه؟!..
آلمهُ سؤالها، بماذا يجيبها..
تسطَّحَ على الرمالِ يضعُ كفَّيهِ تحتَ رأسِه، اقتربت منهُ تضعُ رأسها فوقَ صدرهِ دونَ خجلٍ وهمست بضعفٍ هزَّ كيانِه:
عارفة إنِّي زهَّقتَك وكنت بتضايق منِّي، كسرتني كتير علشان كدا كنت ناوية أنقل بيت جديد، كنت بهرَب من حصارك.. رفعَ كفِّهِ يمسِّدُ على خصلاتها ثمَّ تنهَّد تنهيدةً عميقةً وهو يطبقُ على جفنيهِ متذكِّرًا تلكَ الليلةِ بعدما ألقت قنبلتها بتركِها البيت، اعتدلت تستندُ بذقنها على صدرهِ تنظرُ لعينيه:
قولِّي ليه كنت مضَّايق منِّي وكنت مرحَّب بنقلي، للدرجة دي ماكُنتش فارقة معاك، كنت كارهني أوي كدا!..
ابتعدَ بنظرهِ عنها بعدما اعتدلَ ينفضُ كفَّيهِ من التراب، أدارت وجههِ تتعمَّقُ بعينيهِ علَّها تجدُ بها مايريحُ قلبها:
ليه كنتِ كارهني أوي كدا، عملت فيك إيه؟..بتكرَهني صح، كنت بتكرهني علشان ماما اتجوِّزِت والدَك، أنا عارفة كلِّ حاجة، سمعتَك وإنتَ بتقولَّها علِّمي بنتِك بدل ماتتعلِّم تكون نسخة وتبيع عيالها.. تقصُد إيه ياإلياس…
ماما عملِت إيه خلِّتَك تكرهها وتكرهني معاها؟..
تعلقَّت عيناهُ بعينيها، وهو يقاتلُ بضراوةٍ دقَّاتهِ العنيفةِ التي تضربُ صدرهِ بعنفٍ وهو يرى دموعها التي نزلت على صدرهِ كالبلُّورِ الذي يشحذهُ دونَ رحمة:
أنا ماكرهتكيش..ليه بتقولي كدا؟!..
أفلتت ضحكةً ساخرة، مبتلعةً غصةً بطعمِ مرارِ الأيامِ التي كان يعاملُها بها:
أومال كنتِ بتحبِّني، تيجي نحسب كام ليلة نمت معيَّطة فيها بسببَك..
ميرال بطَّلي كلام مالوش لازمة مش عايز كلام وإنتِ ماتعرفيش حاجة.
دنت منهُ تحاوطُ وجههِ متسائلةً بلهفة:
إلياس إيه اللي بينَك وبين ماما؟..
أشاحَ بعينيهِ بعيدًا ينظرُ إلى البحرِ:
مش قولتلِك من شوية البحر غدَّار زي ناس كتيرة في حياتنا..
ماما مش غدَّارة ياإلياس ومش هاسمحلَك تهنها مرَّة تانية.
توقَّفَ يَبسطُ كفِّهِ ليساعدها بالتوقُّف:
قومي علشان نخرج نلفِّ شوية وأفسَّحِك بدل ماتقولي حابسِك..
توقَّفت بعدما فقدت الأمل في الحديثِ معهُ بعدما تبدَّلت ملامحهِ للتجهُّمِ وببراعتهِ المعتادة أوقفها عن الحديثِ وهو يحاوطُ جسدها ويتحرَّكُ للداخل، دلفَ يشيرُ إليها:
غيَّري هدومِك وإجهزي.. هزَّت رأسها وتحرَّكت دونَ حديث.
عندَ فريدة:
قبلَ قليلٍ بعد إغلاقها الهاتف اتَّجهت إلى الشرفةِ بعد مغادرةِ زوجها لعملِه، دلفت الخادمةُ بمشروبها لتحتسي بعضهُ وتنظرَ بشرودٍ لحديقةِ فيلَّتها..
ذهبت بذكرياتِها للماضي..
فلاش باك:
دلفت غادة ببعضِ الأوراقِ بيدها مبتسمة: شوفي جبتلِك إيه
وضعت ميرال على الفراش وتوقَّفت تُطالِعُها باستفهام..
إيه دا؟!..
جلست غادة بعدما ناولتها الأوراق:
دي أسماء كنيتِك الجديدة، فريدة عز الدين..اسم بنتِك بقى غيَّرتُه أعذريني..
دلفَ إلياس إليهما:
مامي عايز أشوف ميرو، داعبت فريدة خصلاتِه، ثمَّ رفعت عينيها إلى غادة:
سمِّتوها إيه؟..توقَّفت غادة مردِّدَةً:
مش هيَّ كانت مثبَّتة بمروة، أنا غيَّرتها زي ماإنتِ كنتي بتناديها ميرال، اتَّجهت إلى إلياس وتابعت ضاحكة:
سألت إلياس نسمِّيها مروة ولَّا ميرال قالي ميَّار، خلِّيت مصطفى يكتبها ميرال جمال الدين زي ماطلبتي أهو، مش جمال الشافعي.
اقتربت من غادة وتلألأت عيناها بنجومها، وهي تحتضنُ كفَّيها:
لو كان عندي أخت ماكَنتشِ هاتعمل اللي عملتيه معايا، شكرًا ياغادة بجد.
سحبتها وأجلستها بجوارِها:
قوليلي صحيح إنتِ ماعندكيش أخوات خالص؟..
هزَّت رأسها بحزنٍ أطلَّ من عينيها بالنفي قائلة:
أنا وحيدة كان ليَّا أخ ومات وهوَّ عشر سنين، قبل ولادتي والدي ووالدتي اتوفوا في حادث سير، وأنا عندي خمس سنين..عمِّي اللي ربَّاني، ابتسمت من بينِ أحزانها:
عمِّي كان حنيِّن أوي عليَّا، ماكنشِ عندُه غير صبي واحد، إتجوِّز أوَّل مرَّة خلَّف رانيا..بس مامتها ماعجبتهاش العيشة وطلبت الطلاق واتجوِّزت واحد تاني، وهوَّ إتجوِّز واحدة طيِّبة كانت بتعاملني زي بنتها، ربِّنا رزقها بولد سمِّتُه زين علشان كان زين الرجال فعلًا، وبنتين توأم كانوا أصغر منِّي بحوالي عشر سنين، وكانوا جُمال أوي شبه عمِّي الله يرحمُه، نظرت إليها وبدأت تقصُّ عليها حياتها دونَ إخفاءِ شيئ، استطردت باقي حديثها:
كنت أنا ورانيا وزهرة ونورة صُحاب، رانيا كانت أكبرنا وكانت عاملة علينا ريِّسة..قالتها متهكِّمة، ماكنتش بتحبِّ زهرة خالص، علشان عيونها كانت لوالدتها ..حياتنا كانت حلوة، رغم كنت يتيمة بس عمِّي وطنط أميرة ماحسِّسونيش باليُتم، كانت دايمًا تقولِّي إنتِ أختهم الكبيرة من عقلِك، رانيا من صُغرها وهيَّ كانت حقودة أوي بس من طيبتي مالاحظتِش، زين كان أصغر منِّي بتلات سنين، بس هوَّ لمَّا خلَّص الجامعة عمِّي سفَّره برة، كان بيدرس وبيشتغل في نفسِ الوقت، وفضلت أنا والبنات مع بعض، لحدِّ ماطنط أميرة ماتت، بعد موتها بفترة جمال خطبني، أصلِ جمال بيكون ابنِ أخو طنط أميرة، وكان بيحبِّني من وأنا في إعدادي وكلِّم عمِّي عنِّي، بس عمِّي رفض وقالُّه لازم تخلَّص تعليمها، دي يتيمة يابني وأنا ماقدرش أقِّل معها زيها زي أخواتها..
أفلتت ضحكةً مع عبرةٍ غائرةٍ انسابت من عينيها لترفعَ نظرها إلى غادة بعيونها المترقرقة:
عمِّي كان عايز يجوِّزني زين اللي أصغر مني بتلات سنين..بس طبعًا أنا رفضت، مش علشان هو وحش أبدًا والله، زين كان حلو وراجل زيُّه زي جمال، بس كان أصغر مني وأنا كنت رافضة المبدأ، جمال فضل منتظرني لحد أول سنة ليَّا في الجامعة، أصر إنِّنا نتجوِّز وأكمِّل عنده، وافقت واتجوِّزت..أجلِّت الخلفة اربع سنين علشان أكمِّل دراستي،أنا معايا تربية نوعية رياض أطفال، بس مااشتغلتِش بيها، خلِّفت يوسف واهتمِّيت ببيتي، ورانيا كانت خلَّصت حقوق وبعدِت عنِّنا، سافرت تقعُد مع أمَّها في الإمارات لمدِّة سنة، رجعت بعد ماخلِّفت يوسف، وزين بعت أخد زهرة ونورة بعدِ موت عمِّي.. واتفرَّقنا ومن وقتها ماعرفشِ عنُّهم حاجة، كنت طلبت من جمال يسأل عليهُم قالِّي آخر مرَّة زين كلِّمُه قالُّه في النمسا مع أخواته، كان اشتغل أستاذ في الجامعة، وبعدِ كدا جمال مات ودخلت في حياتي اللي حكتلِك عنها.
ربتت غادة على ظهرها، ممكن أخلِّي مصطفى يوصلُّه لو عايزة؟..
هزَّت رأسها بالنفي قائلة:
لا، هوَّ مسافر حتى لو رجع كتَّر خيرُه على اللي عملُه معايا وقتِ الفرح، ماعرفشِ ظروفه إيه، مش عايزة أشغلُه بمشاكلي كفاية عليه أخواتُه البنات.
خرجت من شرودها على رنينِ هاتفها:
أيوة يامدام عرفتلِك كلِّ مايخص مدام رانيا الشافعي، قصَّ الرجلُ الذي عينتهُ بجمعِ المعلوماتِ عنهما كلَّ ما عرفه، أغلقت معهُ قائلة:
إبعتلي العناوين دي وانتظر منِّي الجديد ..قالتها وتوقَّفت متَّجهةً إلى ثيابها بعدما هاتفت السائقَ الخاصَّ بها لنزولها لعملها..
عندَ يزن:
توقَّفت سيارةُ مرسيدس مايبخ أمامَ الورشة التب يعملُ بها، ثمَّ ترجلَّت تخلعُ نظارتها وتحرَّكت للداخلِ تسألُ عنه:
صباح الخير..رفعَ مالكُ الورشة رأسهِ بعدما استمعَ إلى صوتها، توقَّفَ يهزُّ رأسهِ قائلًا:
أومري ياهانم، طافت بعينيها على المكانِ متسائلة:
الباشمهندس يزن السوهاجي موجود؟..بترت حديثها عندما استمعت إلى صوتِ الدرَّاجةِ البخارية، التفتت خلفها على الصوت، ترجَّلَ يضعها بمكانها واقتربَ يشيِّعها بنظرةٍ سريعة، ثمَّ اقتربَ من الرجل:
فيه حاجة ياعمُّو؟..أشارَ إليها قائلًا:
الستِ هانم كانت بتسأل عنَّك..
عقدت ذراعيها فوقَ صدرها وتساءلت بنبرةٍ عتابية:
ماجِتش ليه؟..كلِّمناك من أسبوع وكلِّ يوم ننتظرَك..
استندَ على السيارةِ يطالُعها:
ليه..عايزين منِّي إيه؟..أنا مش من النوع اللي باخد تمن جدعنتي مع حد، أي حد مكاني كان هايعمل مع والدِك كدا..
اقتربت منهُ وهتفت قائلةً بنبرةٍ هادئة:
ليه بتسمِّيها تمن، والدي عندُه معرض سيارات كبير ومحتاج حد أمين يمسك المعرض دا، وبما إنَّك خبرة فاهيكون كويس..
معرض!!وأنا إيه اللي يفهِّمني في شغلِ المعارض؟..
فتحت بابَ سيارتها تشيرُ إليه:
هانتكلِّم كدا، ممكن نقعد عند بابا في الشركة ونتكلِّم..
صمتَ لدقائقَ وهي تطالعهُ منتظرةً ردِّه، دلفَ للداخلِ لمدَّةِ دقائقَ وخرجَ يجاورها السيارة، وصلَ بعدَ قليلٍ إلى المكان المنشود، ترجَّلَ ينظرُ إلى مبنى الشركة العملاق الذي يُدوَّنُ عليها:
جروب مالك العمري للصناعات الإلكترونية، تحرَّكَ بجوارِها قائلًا:
إلكترونيات مش سيارات، التفتت إليهِ مبتسمةً ثمَّ تحرَّكت بخطواتها الواثقة بينَ موظفيها:
بابا مهندس إلكترونيات، وخالو مهندس سيارات، نمشي مشروع مشترك..
رفعَ حاجبهِ يهزُّ رأسهِ متمتمًا:
عيلة هندسيَّة يعني..ابتسمت تشيرُ إلى نفسها:
أنا إدارة أعمال، بناءً على طلبِ بابا طبعًا..هزَّ رأسهِ دونَ حديث، دلفت للداخل:
صباح الخير ياباشمهندس..
توقَّفَ لاستقباله:
أهلًا يابني ..اقتربَ وحيَّاهُ قائلًا:
أهلًا بحضرتَك…أشارَ لهُ بالجلوسِ ثمَّ تحدَّث:
تشرَب إيه؟..
مش جاي أشرب، عندي شُغل، ماحبتش أكسِف الأستاذة..
جلست راحيل بمقابلتهِ وأشارت على نفسها:
اسمي رحيل ياباشمهندس، مش أستاذة ..استدارَ لوالدها:
سامع حضرتَك..نهضَ مالك من مكانهِ وهو يستندُ على عكَّازهِ بسببِ وعكتهِ الصحيَّة..
جلسَ على الأريكةِ وهتفَ بصوتٍ مجهد:
عايزَك معايا، أو بالمعنى الأصح، محتاج حد أمين يساعد رحيل.
قطبَ جبينهِ متسائلًا:
مش فاهم حضرتَك..تراجعَ بجسده:
عندي معرض سيارات تكون مسؤول عنُّه، ابنِ أختي كان هوَّ المسؤول، لكنه هايسافر بعدِ أسبوع، ورحيل مالهاش في السيارات، قولت إيه؟..
ظلَّ يزن يطالعهُ لبعضِ الوقت، ثمَّ توقَّف:
أنا مابشتغلِش عندِ حد، الورشة ليَّا جزء فيها، علشان كدا طلبَك مرفوض يافندم ..توقَّفت رحيل بمقابلتهِ وأردفت:
طيِّب إيه رأيك تدخُل شريك؟..
ارتفعَ جانبَ وجههِ بشبهِ ابتسامةٍ ساخرةٍ ثمَّ انحنى يغرزُ عينيهِ بها:
حضرتِك بتستهزئي بيَّا؟..
هزَّت رأسها سريعًا بالنفي قائلة:
أبدًا والله بتكلِّم جد، أشارَ بسبباتهِ بأن تصمتَ ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى مالك والدها:
أنا ساعدتَك شهامة مش محتاج مقابل، بلاش تعمل تمن لشهامتي يامالك باشا..
توقَّفَ مالك واقتربَ منهُ يشيرُ إلى رحيل:
رحيل بنتي الوحيدة، بحلفلِك بيها أنا مش بعرِض عليك تمن مساعدتك، أنا بعرض عليك الاحتياج، محتاج راجل شهم وأمين مع بنتي،أنا ماليش غير أخت واحدة وكبيرة وعندها ولدين واحد منهم دكتور تشريح ودا مالوش في شغلنا غير إنِّ همَّا عندهم شُغلهم، والتاني مسافر بعد كام يوم وكان المسؤول عن المعرض، أنا من قبلِ ماأقابلك كنت بدوَّر، فيه كتير بس فين الأمين؟..
وإيه اللي يخليك تثق فيَّا مش يمكن أغدر بيك؟،،،
لا مش هاتغدر..تهكَّمَ يزن قائلًا:
ماتُكنشِ واثق أوي كدا يامالك بيه.
تراجعَ مالك على الأريكة:
الشاب اللي في سنَّك يقوم من أحسن نومه في عزِّ الشتا والمطر وينزل يصلِّي الفجر، دا مايتخافشِ منُّه، الشاب اللي يتنازِل عن حياته علشان أخواته دا ميتخافش منُّه، الشاب اللي يرفُض ياخد ملايين مقابل يسلِّمني لأعدائي دا مايتخافشِ منُّه يابني..أهمِّ حاجة تكون خايف من ربنا ودا اللي لقيتُه فيك واتمنِّيت يكون عندي ولد زيَّك.
صمتَ يزن وهناكَ صراعٌ بينَ عقلهِ وقلبهِ بعدما علمَ بصلةِ القرابة بينهُ وبينَ خطيبَ حبيبته:
هفكَّر وأرُد عليك ..قالها وتحرَّكَ للخارجِ دونَ حديثٍ آخر..
وصلَ بعدَ فترةٍِ إلى حارتهِ الشعبية التي يقطنُ بها، كان يسيرُ بالشارعِ بذهنٍ شاردٍ بعدما ترجَّلَ من سيارةِ الأجرة، مرَّت سيارةُ طارق خطيبَ مها وهي جالسةً جواره، وتوقَّفت على بُعدِ بعضِ الأمتارِ أمامَ منزلها ..تحرَّكَ من جوارِهم ولم يكترث لأمرهم خاصَّةً حينما استمعَ إلى حديثه:
حبيبتي إنتِ تُؤمري وكلِّ اللي تُطلبيه يكون تحتِ رجلِك، هوَّ إنتِ مخطوبة لحد هيِّن، دا أنا طارق الشافعي
ردَّت والدتها بفخر:
تسلم ياخطيب بنتي، أومال إيه..هيَّ دي العرسان اللي تشرح الروح، مش واحد مزيِّت ومشحِّم وياريت ملكُه كمان دا صبي..
أطلقَ طارق ضحكة:
مزيَّت إيه؟.. بس بلاش الكلام اللي يقلب المعدة دا ياطنط..دلفَ للداخلِ يصفعُ البابَ خلفهِ بقوَّةٍ وبداخلهِ بركانًا قابلًا للاشتعالِ بوجهها، ورغمَ ذلكَ تحرَّكَ أمامهم بثقةٍ وشموخٍ لا يعلمُ كيفَ اكتسبها، استندَ على البابِ وهو يطبقُ على جفنيهِ مكوِّرًا قبضته، فلقد أظلمت قلبهِ وأحرقتهُ بنيرانِ الغدر، دلفَ للداخلِ ينظرُ بأرجاءِ المنزل، يبدو أن أختهِ لم تعد إلى الآن..
أمسكَ هاتفهِ وتحدَّث:
كريم إنتَ فين ؟..
أجابهُ على الجانبِ الآخر:
عندي شوية شغل، فيه حاجة؟..دلفَ إلى غرفتهِ ينزعُ ثيابهِ وأردف:
مستنيك بالليل على القهوة عايز آخد رأيك في موضوع..
تمام ياهندسة…قالها كريم وأغلقَ الهاتف..
فتح خزانة والدته وأخرج الصندوق الذي امنه والده عليه
-يوم مالدنيا تقفل في وشك هتلاقي حقيقتك في الصندوق دا، شهادة ميلادك بوالدك الأصلية وعيلته، عايزك تسامحنا يابني وتأكد عملنا كدا علشان نحافظ عليك
وضع كفيه الذي ارتجف وهو يحركه عليه يهمس لنفسه
-خمس سنين وأنا كل مااطلعك برة برجع ادخلك تاني، معرفش ليه عندي احساس أن الصندوق دا هيكون جحيمي، تناول المفتاح وقام بفتحه اخيرا، دلفت ايمان تنادي على أخيها
-معاذ انت جيت، أجابها من خلفها .
-أنا وراكي ..ضيقت عيناها تدلف للداخل ..
اومال مين اللي جوا ..دفعت باب غرفة أخيها وجدته جالسًا وأمامه صندوق يقوم بغلقه
1
مرَّ أسبوع والوضعُ هادئًا بينَ الجميع، قبلَ يزن عرضَ مالك العمري، وتمَّ تحديدُ موعدِ حفلِ الزفافِ الخاص بآدم وإيلين ..قبلَ حفلِ الزفافِ بأسبوعين دلفَ زين إلى غرفتها التي جلست بها بعدَ مجيئها إلى منزلِ خالها…
جلسَ بمقابلتها مبتسمًا:
محتاجة أيِّ حاجة ياحبيبتي، معلِش انشغلت بالشغلِ علشان الكام يوم الإجازة..
فين آدم ياخالو، من وقت ماجابني هنا ماعرفشِ عنُّه حاجة؟..
مسَّدَ على شعرها وأفلتَ ضحكة:
أنا بعَّدتُه عن هنا علشان تشتاقوا لبعض ..نظرت للأسفلِ بخجلٍ تفركُ كفَّيها، نهضَ متوقِّفًا:
أي حاجة محتاجاها عرَّفي مريم لو مكسوفة من خالِك ..عايز فستان حلو للحنَّة، إنزلي مع أختِك وعمِّتك عايزين ياخدوكي مشوار..
أومأت لهُ دونَ حديث..
عندَ أرسلان قبلَ أسبوع:
كانت تحبسُ نفسها بالغرفةِ طيلةَ وجودِه، ذاتَ مساءٍ طرقَ عليها الباب:
عايز أتكلِّم معاكي لو سمحتي..
خرجت بعدما ارتدت حجابها، جلست بمقابلتِه، بسطَ كفِّهِ بكوبِ العصيرِ وأردف:
إشربي دا ..هزَّت رأسها تنظرُ إليهِ بخوف ..أطلقَ ضحكةً صاخبةً على حركتها ثمَّ توقَّفَ واتَّجهَ يجلسُ بجوارِها على الأريكة، تراجعت للخلفِ بذعر، ضيَّقَ عينيهِ مردفًا:
إيه يابنتي ليه بتحسِّسيني هعمل فيكي حاجة؟..
إتجوِّزتني ليه؟..تساءلت بها بتقطُّع..
جذبَ سجائرهِ ونهضَ يتوقَّفُ أمامَ الشرفةِ وأردفَ بصوتهِ الرخيم:
عندِك فستان أدخلي إلبسيه، وفيه باروكة كمان، بلاش الحجاب النهاردة..هبَّت معترضة:
لا، طبعًا مستحيل أخلع حجابي، استدارَ إليها مقتربًا وهو ينفثُ سيجارته:
اسمعيني كويس علشان أدخل المكان دا لازم تكوني معايا، وكمان ماينفعشِ تدخلي بالحجاب..
خلاص شوف أي واحدة.
جزَّ على أسنانهِ واقتربَ منها يطبقُ على ذراعها بعنف:
الكلمة اللي أقولها تقولي حاضر من غير ولا كلمة، قولت تُدخلي تغيَّري، الفستان محتشم، وبعدين شعرِك مش هايظهر، الباروكة زيَّها زي الحجاب..
فتحت فمها للحديث، أشارَ إليها بالصمت:
مش عايز ولا حرف سمعتيني، أدخُلي غيَّري ولَّا أغيَّرلِك أنا…
هزَّت رأسها تشيرُ لكفَّيها الذي يضغطُ عليهما حتى آلمها…تراجعَ للخلفِ يشيرُ إليها بالدخول:
بعدِ ساعة كانَ يدلفُ إلى أكبرِ الفنادقِ في العاصمةِ الإيطالية، بحفلٍ يجمعُ عددًا من المشاهير، ظلَّ يتنقَّلُ بجوارها وهو يقبضُ على كفِّها، يتجوَّلُ بالمكان..
ظلَّ لمدَّةِ ساعةٍ بالحفلِ ثمَّ خرجَ دونَ أيِّ شيئ..استغربت وجودهِم وطريقةِ حديثهِ مع البعض، رغمَ أنَّها لا تتقنُ اللكنةَ الإيطالية، إلَّا أنَّها شكَّت بأفعالهِ وأحاديثه..
مرَّ أسبوع على ذاكَ الحال، بخروجهِم كلَّ مساءٍ وكأنَّهم عروسانِ يقضيانِ شهرَ عسلهما.
إجهزي هاننقل من هنا فورًا، قالها وهو يجمعُ أشيائهِ متَّجهًا إلى فينيسيا.
وصلَ إلى فندقٍ بالقربِ من الفندقِ الذي يقطنُ بهِ إلياس، تجهَّزَ لأداءِ مهمتهِ التي جاءَ من أجلها..
جلست تنتظرُ حديثِه، كان يقومُ ببعضِ الأعمالِ على جهازه، رفعَ عينيهِ إليها ثمَّ أردف:
غرام الصندوق دا هايفضَل معاكي لبُكرة الصبح لو مارجعتِش إفتحيه…
شعرت برهبةٍ انتابت جسدها، ولم تشعر بنفسها وهي تتساءل:
ليه، رايح فين، وأنا مش هاروح معاك؟!..هزَّ رأسهِ بالنفي قائلًا:
اسمعيني للآخر .. الصندوق دا هتفتحيه لو مارجعتِش للصُبح، هاتلاقي فيه رقم هتكلِّميه وهوَّ هايتصرَّف ويقولِّك تعملي إيه..
نهضت من مكانها وجلست بجوارِه:
إنتَ رايح فين وهتسبني لوحدي أنا ماعرفشِ أتصرَّف هنا..
احتضنَ كفَّيها اللذانِ لأوَّلِ مرَّة يلمسهما ثمَّ هتف:
ماتخافيش أنا واخد كلِّ احتياطاتي، اللي كنت جايبِك علشانُه خلَّصُته، لسة أهم حاجة إدعيلي أخلَّصها من غير مشاكل.
إنتَ ظابط صح؟..ربتَ على كفِّها:
صلِّي وإدعي وزي ما قولتلِك لحدِّ الصبح لازم تتصلي بالرقمِ اللي هنا..
أخرجَ قداحته، ثمَّ فتحها يخرجُ مفتاحًا صغيرًا، ثمَّ وضعهُ مرَّةً أخرى بالقدَّاحة:
شوفتي خرَّجتهُ إزاي ..إكتبي اسمك هنا وهايفتح معاكي، وبعدِ كدا استخدمي المفتاح، إيَّاكي تخرجي برَّة الأوضة حتى لو الفندق ولَّع سمعتيني..
قالها ونهضَ يضعُ سلاحهِ بخصرِه، ثمَّ تناولَ الإسكارف الخاص بهِ واستدارَ متَّجهًا إلى الباب، صاحت باسمه:
أرسلان..توقَّفَ فجأةً مع رجفةٍ تسلَّلت لدواخلهِ وهو يستمعُ إلى همسها باسمهِ لأوَّلِ مرَّة ..تلألأت عيناها بخطٍّ من الدموعِ وهمست له:
لا إله إلا الله..أجابها بعدما التفتَ إليها:
محمد رسولُ الله..
مش هعمل حاجة لأنِّي متأكدة إنَّك هاترجع وكمان هاتعمل اللي رايحلُه، خد بالَك من نفسك..استدارَ إلى البابِ وفتحهُ ثمَّ التفتَ يشيِّعَها بنظرةٍ سريعةٍ وتحرَّكَ للخارج:
هوت على المقعدِ تبكي بشهقات، والخوفُ يسيطرُ على دواخلها، كم كانت تشعرُ بالأمانِ بجواره، مَن هذا الشخصَ الذي راعها بحنانهِ وأمانهِ رغمَ عدمِ معرفتها به ..نهضت متَّجهةً للواحدِ القهارِ وقامت بأداءِ صلاةِ قضاءِ الحاجةِ وهي تدعي لهُ بالسجودِ مع شهقاتها المرتفعة ولا تعلمُ لماذا كلَّ هذا الخوف..
عندَ أرسلان دلفَ للمكانِ المنشود، لمدَّةِ دقائقَ وخرج، ولكنَّ هناك حدثَ مالا يتوقعهُ من أجهزةِ إنذارٍ بعدما حصلَ على ما يريدهُ من تلكَ الغرفة، تحرَّكَ سريعًا إلى أن وصلَ إلى شاطئِ البحرِ وهناكَ من يطاردونه..
عندَ إلياس كانَ عائدًا من رحلةٍ يوميةٍ للتجوِّلِ بالمناطقِ المشهورة، ترجَّلَ من السيارةِ متَّجهًا للداخلِ ولكنَّها تشبثت بكفِّه:
تعالَ نتمشى على البحر، الجو حلو أوي ..أومأَ دونَ حديث، عانقت ذراعهِ وتحرَّكت بجواره:
هاتفضل قالب وشَّك كدا، وبعدين بقى..
نظرَ إليها من فوقِ كتفهِ قائلًا:
إيه قالب وشَّك دي، بتجيبي الألفاظ دي منين ..ضحكت بنعومةٍ ثمَّ غمزت له:
من ظابط دمُّه مسكر، كان كلِّ ماأروح عندُه يسمَّعني كلام ماكنتش بعرف معناه إلَّا لمَّا أبحث عنُّه، عملت إيه أنا كمان..عملتلُه قاموس لغوي..
ابتسمَ بخفَّةٍ هامسًا:
مجنونة، ومش هتعقل..
أسرعت متوقِّفةً أمامهِ تشيرُ لنفسها:
أنا مجنونة، ماشاء الله على العاقل، اللي كان مجنِّني معاه، جذبها بقوَّةٍ من خصرها واحتواها بين ذراعيه:
مين اللي جنِّن مين، دا أنا كنت عايز..بترَ حديثهِ عندما خُيِّلَ بأحدهم يهرولُ اتَّجاهَ الشاطئ، سحبَ كفَّها وتحرَّكَ سريعًا إلى جناحهم وفتحهُ من جهةِ الشاطئ يجذبها للداخل.
أدخلي بسرعة، قالها وعينيهِ تتجوَّلُ بالمكان، نظرت للخارجِ على نظراته:
إلياس فيه إيه؟..
أشارَ إليها بالدخول:
أدخلي جوَّا وأنا راجع، تشبَّثت بكفِّهِ بعدما استمعت إلى طلقاتٍ ناريةٍ بالخارج:
إيه الصوت دا، ضرب نار..إحنا فين
ظلَّت نظراتهِ تتابعُ من توجَّهَ إلى البحرِ في مكانٍ مظلم، استدارَ إليها بعدما جذبت ذراعه:
أدخل جوَّا، دي شكلها شرطة بيجروا ورا حد ..
سحبَ كفَّها للداخلِ واحتضنَ وجهها بعدما وضعت كفَّيها على أذنها من الأصواتِ التي بالخارج:
ميرال إهدي ممكن يكون حالة شغب في الفنادق اللي جنبنا، مستحيل يكون فيه حاجة هنا، الفندق دا ملَكي مستحيل حد يقتحمُه..
دفنت نفسها بأحضانهِ حتى تبعدهُ عن الخروجِ قائلة:
أنا خايفة ماتسبنيش، نظرَ إليها وفهمَ ماتريده، سحبها للغرفة:
بطَّلي شغل أطفال بقى،إنتِ كبرتي..
قطبت جبينها متصنِّعةً عدمِ الفهم..
مسحَ على وجههِ واتَّجهَ إلى الشرفةِ ينظرُ للخارج، وجدهُ يتحرَّكُ باتِّجاهِ أحدِ الأجنحة..هرولَ للخارجِ بعدما أغلقَ البابَ على ميرال، وهتف:
ميرال مشوار سريع وراجع، إياكي أسمع صوتِك..قالها وتحرَّكَ للخارجِ بحذر، يريدُ أن يعلمَ ماالذي يحدث بالخارج، فتحَ بابَ غرفتهِ إلَّا أنَّهُ وجدَ أحدُهما يدفعهُ بقوَّةٍ للداخلِ
يضعُ السلاحَ برأسه:
لا تصدر صوتًا كي لا أقتلك، كوَّرَ إلياس قبضتهِ محاولًا أن يسيطرَ على غضبهِ وعليهِ التفكيرَ للتَّخلصِ من ذاكَ الشخص، التفتَ أرسلان ينظرُ من الشرفةِ على الصوتِ الخارجي، ركلهُ إلياس بساقيهِ ليسقطَ على الأرضِ أمامهُ وبحركةٍ سريعةٍ أخرجَ سلاحهِ يضعهُ برأسهِ ويحدِّثهُ باللكنةِ الإيطالية:
من أنتَ وماذا فعلت، قالها وهو يرفعُ الماسك من فوقِ وجههِ من الخلفِ والآن سأسلِّمك أيها الزنديقُ للسلطاتِ الإيطالية، قالها ثمَّ أدارَ وجههِ إليه..
طالعَ كلًّا منهما الآخرَ بصدمةٍ وبصوتٍ واحد:
إنتَ..إنتَ، نظرَ إلياس للخارجِ سريعًا، ثمَّ سحبهُ للداخلِ وأغلقَ البابَ خلفه، طالعهُ بصدمةٍ يمسحُ على خصلاته:
بتعمِل إيه هنا، وإزاي توقع بالطريقة دي ..شوفلي حاجة تكتم الجرح دا الأوَّل..نظرَ لذراعهِ المصاب، بطعنة ثمَّ استمعَ إلى صوتِ ميرال بالداخل:
إلياس افتح الباب، قالتها بصراخ..
نظرَ إلى أرسلان ثمَّ إلى بابِ غرفته، وتوجَّهَ إليها قائلًا:
ماتخافش دي مراتي..قالها وهو يفتحُ البابَ إليها، دفعتهُ تصرخُ بوجهه:
إنتَ مجنون تقفل عليَّا الباب، تحرَّكَ يبحثُ عن علبةِ الإسعافاتِ الأوليةِ وتركها تصرخُ كعادتها..
حملَ الصندوقَ واتَّجهَ إليهِ وجدَ العرقَ يغزو جبينه، شهقت ميرال تضعُ كفَّيها على فمها حينما وجدتهُ جالسًا على الأرضيةِ يمسكُ ذراعه..
جلسَ بجوارهِ يشيرُ إلى ميرال:
هاتي قميص من قمصاني بسرعة، لازم نتخلَّص من القميص دا، قالها بعدما نزعَ قميصهِ وقامَ بضمادِ جراحه..
مضروب بسلاح أبيض، فكَّرتُه رصاصة
بس الجرح عميق ومحتاج خياطة، هاتتحمِّل الوجع طبعًا نسيوا يحطُّوا بنج هنا …قالها إلياس مازحًا..
أغمضَ أرسلان عينيه:
الجرح عميق أوي خد بالك مش حاسس بدراعي..
جلست ميرال بجوارهِ تنظرُ إليهِ بذهولٍ وهو يقومُ بتضميدِ جرحهِ بالخياطة، والآخر محاولًا السيطرة على آلامهِ بقوَّةٍ ظهرت من خلالِ تجمُّعِ العبراتِ تحتَ جفنيه..
أنهى مايفعلهُ إلياس ثمَّ جمعَ الأشياءَ سريعًا، يشيرُ إليها:
اتصرفي في القميص دا، هاتلاقيهم بعد شوية بيلفُّوا على الأوض..
مش إنتَ قولت الفندق دا تبع الطبقة الملكية، اتَّجهَ بنظرهِ إلى أرسلان ثمَّ أجابها:
إعملي اللي قولت عليه يالَّه..أشارت على أرسلان وابتسمت:
ماعرفشِ ليه حاسة أنُّكم شبه بعض،
غريبة قالتها وهي تتوقَّفُ تحملُ القميصَ الذي عليهِ آثارُ الدماء، وقامت بقصِّهِ إلى قطعٍ صغيرةٍ وألقتهُ بالحمَّامِ تصفِّقُ بيديها:
الاتنين اللي برَّة دول ظباط ماعرفوش يفكَّروا في اللي أنا فكَّرت فيه..
بتكلِّمي نفسِك اتجننتي!..
قالها وهو يفتحُ الثلاجة يجذبُ العصائر، ثمَّ رفعَ عينيهِ إليها:
عملتي إيه بالقميص ..أشارَت إلى الحمَّامِ
نزل البلاعة ..خرجَ يهزُّ رأسهِ وهو يضحكُ عليها..
خرجَ وجدهُ غفا على المقعد، حملَ سلاحهِ يخبئُه، ثمَّ قامَ بدثره، توقَّفت بجواره:
ظابط صح، ومصري، أصلك مش هاتساعده لله في لله
ماتعرفيش تسكتي شوية، هيحصل حاجة ..
أشارت إليهِ قائلة:
شبهَك على فكرة ..استدارَ إليها متخصِّرًا :
شبهي من أنهي ناحية يعني، انحنت تنظرُ إلى أرسلان الغافي، ثمَّ رفعت رأسها إليه:
واللهِ شبهَك يمكن شبهُ في الرخامة، المهم فيكوا حاجة أنتوا الاتنين..أه افتكرت ظباط باردين.،
جزَّ على أسنانهِ يشيرُ إليها بالدخول:
أدخلي جوَّا بدل مالطشِك قلم على وشِّك أدير راسك الناحية التانية..
برَّقت عينيها تطالعهُ بذهولٍ ثمَّ فتحت فاهها للحديث، إلَّا أنَّهُ وضعَ أناملهِ على فمها:
كلمة كمان وهطلع أقولُّهم إنِّك الإرهابية اللي بيدوَروا عليها..
شهقةٌ خرجت منها وتوسعت عيناها تشيرُ إلى أرسلان:
هوَّ إرهابي، يالهوي، إنتَ مدخَّل عندنا إرهابي، وبتقول ظابط، إنتَ مع الإرهابيين؟!..احتضنَ ثغرها ليجعلها تصمت، لحظاتٍ وهو يقبِّلُها ثمَّ انحنى يحملُها ودلفَ بها إلى الداخلِ ووضعها على الفراشِ يهمسُ لها:
ميرو مش عايز صوت، لازم أتصرَّف علشان أخرَّجه من هنا من غير ما حد يمسكُه..ماشي ..
هوَّ إرهابي ياإلياس..تنهَّدَ بغضبٍ وتراجعَ للخارجِ يستغفر ربه
ظلَّت على الفراشِ لبعضٍ من الوقت، وضعت أناملها على شفتيها تتحسَّسها، وابتسامةٍ على وجهها ثمَّ تسطَّحت على ظهرها وعيناها تنبثقُ منها السعادةَ على ماتشعرُ تهمسُ لنفسها:
ميرو بتحبَّك أوي ومتأكِّدة كمان إنَّك بتحبَّها..
بالخارجِ فتحَ أرسلان عينيهِ بتشوُّش، واعتدلَ متسائلًا:
-إيه اللي حصل، ؟!
أدلتلك مسكِّن ينوَّمك دقايق علشان الجرح، لازم دكتور يشوفه..
اعتدلَ يبحثُ عن سلاحه:
فين مسدسي..رفعهُ أمامه:
دخلت بيه إزاي، توقَّفَ متألِّمًا:
لازم أرجع حالًا مراتي لوحدها في الفندق، لازم أرجع قبلِ الصبح، خلِّي المسدس معاك علشان أكيد هاتفتِش برَّة..
طيِّب واللي معاك..طالعهُ لفترةٍ من الصمتِ ثمَّ انحنى على حذائه:
أمانة عندك لحدِّ ماأرجعلَك بكرة، أكيد فاهم كلامي..أومأَ له، جمعَ أشيائه يضعها بمكانٍ آمنٍ ثمَّ نهض…
استنى هاخرج معاك، علشان ماحدِّش يشُك ..
هستناك برَّة ..قالها وهو يتحرَّكُ لخارجِ الجناحِ الخلفي، وصلَ إلى بابِ الغرفة:
ميرال عندي مشوار هارجعلِك بعد شوية، أوعي تعملي أي غلط…
توقَّفت واقتربت منه:
الشخص اللي برَّة مشي ..قبَّلَ جبينها:
يالَّة سلام قالها وهو يغلقُ البابَ بالمفتاح، طرقت على الباب:
إلياس افتح الباب، تحدَّثَ من خلفِ البابِ لو عايزاني أموت صرَّخي كمان ياميرو ..قالها وتحرَّكَ للخارج..
1
غادرَ الإخوان مع بعضهما البعض دونَ معرفتِهم بالقرابةِ التي تجمعهُم ..توقَّفَ عدَّةَ مرَّاتٍ لإجابةِ بعضِ الأسئلةِ من أينَ أتيتَ وأينَ ذاهبٌ وتفتيشٌ دقيق، ضغطَ أحدُهم على ذراعِ أرسلان وهو يقومُ بتفتيشه، ضغطَ على شفتيهِ من الألم.. لاحظَ إلياس توجُّعه، فصاحَ غاضبًا:
كيف تعاملوننا بأنَّنا مجرمي حرب، هل ثقتنا بالمكانِ تفعل بنا ذالك، صاحَ وصاحَ إلى أن أشارَ أمنُ الفندق بخروجهم..وصلَ إلى الخارجِ واستقلَّ سيارةَ أجرةٍ وهو يضغطُ على ذراعهِ من الألم، همسَ إلياس إليه:
هنخرج على بلدة بعيدة شوية، علشان لازم تتفحِص، دراعك ممكن يتئذي.
أغمضَ عينيهِ بعدما شعرَ بنخرِ عظمِ جسدهِ بالكامل..
بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ عاد إلى الفندقِ الذي يقطنُ به، فتحَ البابَ وتوقَّفَ إلياس بالخارج:
لازم أرجع علشان مراتي زمانها قلقانة، وإنتَ واظب على العلاج، وبكرة هاجي أطَّمن عليك..استمعَ اليها من الخلف:
أرسلان ..استدارَ بعد مغادرةِ إلياس..
هرولت إليهِ وتوقَّفت أمامهِ تطالعهُ بذعرٍ من حالتهِ وهو يحملُ ذراعه:
إيه اللي حصل وصوت مين دا، دا صوت مصري، حاسة سمعتُه قبلِ كدا..
رفعَ ذراعهِ إليها اقتربت منهُ ليضمُّها هامسًا:
تعبان أوي عايز أنام..حاوطت خصرهِ وتحرَّكت معهُ إلى الفراش، دثَّرتهُ بغطاءٍ خفيفٍ شعرت بحرارته:
جسمَك سخن هاشوفلَك خافض معايا في الشنطة، جذبَ كفَّها يضعها تحتَ رأسه:
خلِّيكي جنبي ..قالها وأغمضَ عينيهِ ليذهبَ بنومه، نظرت إليهِ مبتسمةً تهمسُ لنفسها:
ياترى القدر مخبِّي ليَّ إيه معاك، استندت على ذراعه، ثمَّ رفعت كفَّها تضعها على خصلاته:
شكلَك وسيم أوي، معقول يكون ليَّا نصيب معاك، ولَّا هايكون مجرَّد اتفاق زي ماقولت..ارتفعت حرارته، فتوقَّفت تجلبُ الثلج تضعهُ على رأسه
وكفًَّها فوقَ رأسهِ حتى غفت بجوارهِ لتضعَ رأسها بجوارِ رأسه.
عندَ إلياس:
وصلَ إلى جناحهِ فتحَ بابَ الغرفة، دفعتهُ تصرخُ بهِ وتلكمهُ بصدرهِ مع بكائها مرَّةً واحتضانها لهُ مرَّة وقبلاتها بدموعها مرَّةً أخرى..
ضمَّها يهدئها بعدما شعرَ بما تشعرُ به:
خلاص أنا جيت أهو .ارتجفَ جسدها بشهقاتها من كثرةِ بكائها، ضمَّها يمسِّدُ على رأسها:
إهدي بقى إيه متجوِّز طفلة ..دفعتهُ تمسحُ دموعها كالأطفال، واتَّجهت إلى الأشياءِ الموضوعةِ بأركانِ الغرفةِ وقامت بتحطيمها وتنثرها على الأرضية وهي تسبُّه، ثمَّ اتَّجهت إليهِ كالمجنونة:
عايزة أرجع مصر دلوقتي مستحيل أقعد معاك دقيقة تاني، واللهِ لآخد حقِّ منَّك، رجَّعني مصر دلوقتي قالتها وهي تضربُ أقدامها بالأرض.
اقتربَ منها بعدما نجحت في إخراجِ وحوشهِ الكامنةِ بموجةٍ من الغضبِ على أفعالها:
لو سمعت صوتِك ..رفعت رأسها تهزُّها بعنفٍ واقتربت منهُ تدفعهُ بقوَّةٍ:
هتعمل إيه، قولِّي هتعمل إيه هتحبسني، يالَّة أنا قدَّامك احبسني أهوو ..سحبها بقوَّةٍ لتصطدمَ بصدرهِ ثمَّ انحنى يهمسُ لها :
لا..عندي طريقة تانية أتمنَّى ماتخلنيش أوصلها، قالها وهو يمرِّرُ أناملهِ على عنقها بحركةٍ أجفلتها فحاولت التحرُّر من قبضته، ضمَّها بقوَّةٍ يضغطُ على خصرها:
إيه ياروحي، مش مستحملة لمستي ليه، ولَّايمكن أسبوع تعَّبك نسَّاكي حنان جوزِك، شهقت بعدما علمت بما يرمي إليه..حاولت التملُّصَ من قبضته:
قليل الأدب واللي يشوف الراجل يقول محترم..
قهقهَ عليها وهو يحاصرُها:
طيِّب حد يشوف الجمال دا ويكون مؤدَّب ياروحي..
إلياس إبعد كدا ..دنى يدفنُ رأسهِ بعنقها يهمسُ بأنفاسهِ الحارَّة:
مش عيب تزقِّي جوزِك يامحترمة، يالَّة إجهزي لجوزِك حبيبك ياروحي، كفاية الأسبوع اللي فات كتير أوي..
جحظت عيناها تطالعهُ مصدومةً من حديثهِ وبداخلها نيرانًا تغلي بأوردتها من بروده ..
دفعتهُ وابتعدت عنه:
دا من إيه إن شاءالله، شايفني جارية، لا فوق يابنِ السيوفي، أنا مراتك مش بنت من الشارع لمزاج جنابِ البيه،
ويالَّه اطلع برَّة عايزة أنام بهدوء، قالتها وهي تدفعهُ للخارجِ وتغلقُ الباب:
فعلًا ظابط أمنِ دولة مستفز ومستبِّد.
استمعَ إلى حديثها وخرجَ مبتسمًا على جنانها، تمدَّدَ على الأريكةِ حتى غفا بمكانه، استيقظَ على صوتها:
قوم عايزة أنزل البحر، نظرَ بساعته:
تنزلي البحر الساعة سبعة الصُبح!..
أه مش عجبك ولَّا إيه..
متخلنيش اتعصب عليكي ياميرال، لو سمعت صوتك هزعلك
ضربت ساقيها وتحركت للداخل تدور حول نفسها
-نايم البارد وانا هنا باكل في نفسي طيب استنى عليا ياإلياس..قامت بنزع ثيابها واردت شورت قصير فوقه كنزة حمالات، لم تغطي سوى نصفها العلوي
وقامت برفع خصلاتها مع بعض الخصلات العشوائية، تهمس لنفسها
-هشوفك يابارد هتعمل ايه لما اقولك نازلة البحر كدا
خطت للخارج تجذب حذائها ولم تلتفت إليه
-هنزل أنا البحر، خليك نايم..رفع رأسه ينظر إليها بذهول، هز ساقيه بعدما علم تلاعبه بأعصابه،
حاولَ إخفاءِ ابتسامتهِ قدرَ المستطاعِ كي يُبدي جدِّيتهُ برفضهِ عمَّا تفعلهُ ولكنَّها نجحت وبجدارةٍ في تسديدِ هدفها حينما اقتربت تتدلَّلُ وجلست فوقَ الطاولةِ تتناولُ الفواكهَ وتهزُّ ساقيها بانفعال قائلة
-جعانة من امبارح الضهر ماأكلتش بسبب واحد مابيفكرش غير ازاي يضايقني، وأنا هموت من الخوف عليه، أنا غلطانة مالي انا يروح مع ظابط ولا ارهابي، غبية ياميرال وياريته بعد كدا يسمعك كلمة حلوة، نهضَ من مكانهِ بعدما فقدَ سيطرتهِ على طغيانها الأنثوي، حاوطَ جسدها من الخلفِ يهمسُ بجوارِ أذنها:
طيِّب قوليلي كنتي منتظرة منِّي إيه وأنا متأكِّد من جنانِك..
استدارت برأسها تشيِّعهُ بنظرةٍ صامتةٍ ثمَّ اتَّجهت تجذبُ التفاحَ تتناولهُ بطريقةٍ أثارت حنقه، رفعتها لفمها تلذَّذها إلَّا أنَّهُ القطها بطريقةٍ جعلت جسدها يرتعشُ من فعلته، تجمَّدت وفقدت اتزانها، قامَ بحملِها بين ذراعيهِ، ومازال يسكرها بخمره المسكر، واتَّجهَ إلى الأريكة، وضعها بحنانٍ ثمَّ ملَّسَ على وجهها:
صدَّقيني خفت عليكي، عارفِك متهورة..
تقوم تحبسني، وتسبني الوقت دا كلُّه تلات ساعات وأنا هاتجنِّن عليك وماعرفشِ إنتَ فين…
خلاص حصل خير ورجعتلِك أهو.
هبَّت من مكانها تهزُّ رأسها:
لا.. لازم آخد حقِّي منَّك، استدارت تشيرُ إليه:
اعتذر قولِّي أنا آسف ياميرو يامراتي ياحبيبتي..، ولا أقولك قولي بحبك أكتر من أي حاجة..اقتربت منه ونظرت لداخل عيناه
-انا مش طفلة علشان تعمل معايا كدا، انا مراتك ومن حقي أعرف النفس اللي بتتنفسه، لو هتفضل معايا كدا يبقى كل واحد يعيش حياته اللي هو شايفها صح، انا ممكن أتنازل علشان حاجات كتيرة علشان اسعدك، لكن هتستهزئ بقيمتي معاك يبقى انت حر وأنا حرة
توقَّفَ متخصِّرًا، يطالِعها بصمتٍ للحظاتٍ ثمَّ أردف:
–
إجهزي هنسافر هاتصل أحجز..
تسمَّرت بوقفتها من فعلته، نظرت إلى سرابِ توقُّفهِ، ثمَّ هوت على المقعدِ بعدَ خروجه ..جلست تهمسُ لنفسها:
دا بيتكلِّم بجد، يعني صدَّق الكلام..
بعد أسبوعين من عودتهما للقاهرة
بشقة ارسلان فتح عيناه على رنين هاتفه
-ارسلان تعالى على المستشفى، باباك اتنقل من ساعة..هب من مكانه متجها إلى غرفة ملابسه
-ايه اللي حصل؟!
معرفش انا لسة رايح اهو ملك كلمتني وهي منهارة، حاولت تكلمك على رقمك التاني شكلك قافله
-تمام تمام …مسافة السكة
خرجت من الحمام تطالعه باستفهام
-فيه حاجة ولا ايه..خلع تي شيرته وارتدى قميصه سريعا حتى لم يقو على إغلاقه زرايره، تقدمت منه وحاولت مساعدته
-اهدى ،فيه ايه ..فين تليفوني التاني
أشارت بالخارج وهي تبتعد بالنظر عنه وهو يكمل تغيير ثيابه
-برة هجبهولك..قالتها وتحركت تحضر اشيائه..خرج سريعا قائلًا
-متفتحيش الباب لأي مخلوق، فيه واحد تحت متخافيش..اقتربت منه
-مش عايز تقولي ايه اللي حصل
طبع قبلة على جبينها وجذب حافظة نقوده متحركا للباب وهو يجيبها
-بابا محجوز في المستشفى،
امسكته من ذراعه وهتفت
-يبقى طمني..اومأ لها بالموافقة وتحرك سريعا
عند يزن دلف لغرفته وأغلق الباب خلفه وقام بفتح الصندوق الذي يحتوي أسراره المدفونة، امسك شهادة ميلاده يكرر اسمه بين شفتيه
“يزن راجح الشافعي”
طالع الشهادة لعدة دقائق بنظرات ضائعة ودقات عنيفة يردد الاسم عدة مرات
-راجح الشافعي ابويا
4
بغرفة إيلين دلفت مريم بفستان زفافها تضعه بمكانه ثم اردفت
-اجهزي ياعروسة، علشان الحنة، لازم اعمل لك حنة متنسهاش
كانت تجلس تنظر للخارج بشرود فتسائلت
-أكتر من أسبوعين معرفش عنه حاجة غير اتصالات بحسها اجبارية، رفعت عيناها لأختها
-تفتكري خالو ضغط على آدم في جوازنا
اقتربت مريم تمسد على خصلاتها تطمئنها
-حبيبتي بلاش الشيطان يلعب بعقلك، مش يمكن زي ماخالو قال، على العموم هشوف اخوكي يعرف هو فين واتكلمي معاه بكل اللي انت حاسة بيه
دلفت والدة آدم هدى مبتسمة
-عروستنا الحلوة عاملة ايه، عريسك تحت وعايز يشوفك، نظرت لأختها مبتسمة، ثم اتجهت ترتدي ثيابها لكي تقابل من عشقته منذ الطفولة قبل حفل زفافها بساعات قليلة
بفيلا السيوفي
خرجت فريدة إلى سيارتها واستقلَّتها تعطي السائقَ العنوان..وصلت بعدَ قليلٍ إلى المكانِ الذي تريدُه، دلفت لموظفةِ الاستقبالِ متسائلة:
عايزة أقابل راجح الشافعي لو سمحتي..
نظرت إليها متسائلة:
عندِك ميعاد يافندم ..خلعت نظارتها وأجابتها بثقة:
قوليلُه فريدة السيوفي وهوَّ يقابلني..
رفعت سماعةَ الهاتفِ تهاتفُه:
أستاذة فريدة السيوفي عايزة تقابل أستاذ راجح يامنى..
بعدَ لحظاتٍ أجابتها:
خلِّيها تطلع …
بمكتبِ إلياس يجلسَ أمامَ بعضِ أجهزةِ المراقبةِ على إحدى قضاياه، استمعَ الى رنينِ هاتفه:
مدام فريدة خرجت إلى شركة اسمها شركة راجح الشافعي..
راجح الشافعي..كررها عدَّةِ مرَّاتٍ ثمَّ نهضَ قائلًا:
ابعتلي العنوان..جمعَ أشيائهِ وخرجَ إلى سيارتهِ يهاتفُ زوجته:
إنتِ فين؟..
عندي شغل لسة قدامي ساعة..
إرجعي على البيت بدل ماأجيلك، عيب تبقي كبيرة وتكذبي، الستِّ الوالدة ماعرَّفتكيش الكذاب بيروح النار..
تنهدت بحزنٍ ونهضت تعتذرُ لصديقتها:
آسفة لازم أرجع البيت دلوقتي..قالتها ثمَّ ودَّعتها واتَّجهت إلى السيارةِ وقامت بمهاتفته:
لمَّا إنتَ بتراقبني كان إيه لزمتُه السؤال،
إرجعي يامدام لسة حسابنا القديم ماخلصش، علشان نتحاسب على الجديد..
فتحت بابَ السيارةِ وصمتت لبعضِ الوقتِ ولكنَّها فشلت في إخمادِ ثورةِ اشتياقها له:
هاترجع إمتى؟..
نظرَ إلى الطريقِ أمامهِ يجيبها متهكِّمًا:
ليه هيَّ المدام نسيت إنِّي مش فارق وجودي من عدمُه، باي يامدام لمَّا يجيلي نفس هارجع، قالها وأغلقَ الهاتفَ دونَ ردَّها…
جلست بالسيارةِ وتنهيداتٍ متحسِّرةٍ على حياتها التي أصبحت باردةٍ بعدَ أسبوعٍ واحدٍ جعلها حوريةٍ من حورياتِ الجنة، رفعها إلى السماء كنجمةٍ عاليةٍ لم يستطع أحدٌ الوصولَ إليها ثمَّ
ألقاها وكأنَّها لا تعني لهُ شيئًا…انسابت عبراتها تضعُ كفَّها على صدرها تهمسُ لنفسها:
هونت عليك ياإلياس، بس العيب مش عليك العيب عليَّا أنا..قامت بتشغيلِ السيارة تهمسُ لنفسها:
هاعرَّفك ميرال هاتعمِل فيك إيه…
وصلت إلى الفيلا، وجدت سيارة بجوارها إحدى السيدات تسأل عن فريدة، ترجلت من السيارة واتجهت إليها تنظر لظابط الأمن
-فيه ايه هنا…أشار ظابط الأمن إلى ميرال
-الهانم ممنوعة من دخول الفيلا، وهي مصرة تقابل مصطفى باشا أو إلياس باشا
أشارت ميرال على نفسها قائلة
-أنا ميرال مرات إلياس …ممكن أعرف عايزة تقابليه ليه
اقتربت تنظر إليها بتعمق قائلة
-أنا رانيا الشافعي، عندي حاجة مهمة لازم مصطفى باشا يعرفها عن مدام فريدة
-ماما!!
اعتدلت رانيا تهمس بتساؤل
-مامتك، ازاي وفريدة ماخلفتش غير ولدين
عندَ فريدة دلفت إلى مكتبه، رفعَ رأسهِ على دخولها، هبَّ من مكانهِ وهو يطالِعها بنظراتٍ مذهولةٍ يهمسُ بصدمة:
إنتِ..خلعت نظارتها واقتربت منهُ بثباتٍ وكبرياءٍ ترسمُ ابتسامةٍ كفتاةٍ تبلغُ من العمرِ عشرينَ عامًا:
إيه..مستغرَب ليه ماكُنتش منتظر أرُّدلَك الزيارة ولَّا إيه؟…
زيارة ..ردَّدَها مستفهمًا ..جلست تضعُ ساقًا فوقَ الأخرى:
إزيَّك ياراجح..جلسَ بعدما سيطرَ على نفسهِ من صدمةِ وجودها أمامهِ بعدَ تلكَ السنين ..طالعها باشتياقٍ انبثقَ من عينيهِ:
دوَّرتِ عليكي كتير..نقرت فوقَ مكتبهِ
وطالعتهُ بابتسامةٍ ساخرة:
ليه كنت ناوي تكمِّل اللي عملته، توقَّفَ من مكانهِ واتَّجهَ إليها منحنيًا يحاوطُها بذراعيه:
لا كنت عايز أعتذرلِك وأقولِّك مش عارف أعيش من غيرِك..قالها مع دفعِ إلياس الباب ودخولهِ و اعتراضِ السكرتيرة..توقَّفَ متسمِّرًا على ذاكَ المشهد، بينما هي شعرت وكأنَّ أحدهم وضعها بقبرٍ وهي مازالت على قيدِ الحياة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية شظايا قلوب محترقة)
ظهرت المقالة رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع 7 بقلم سيلا وليد أولاً على الشروق للروايات.
التعليقات