التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثاني والعشرون

استسلم عقلي وشُلت أفكاري عندما أغمضت عيناي وتهاوى جسدي تماماً.
ولكنني استرقت القليل مما حدث قبل ان افقد وعيي بثوان فقط. فلقد شعرت بيديه اللتان تمنعانني من السقوط وصوته ينادي بإسمي مرارا وتكراراً، بل ووجنتي التي كانت مصدراً لمحاولته إعادتي إلى وعيي!
ظل يضرب وجنتاي بخفة محاولا إيقاظي ولكنني. لم أعد أشعر بشيء!

تيا: خرجت من الحمام الف المنشفة على جسدي وجلست أمام المرآة أجفف شعري بالمنشفة الصغيرة ثم مجفف الشعر.
لم أعد أشك في قواي العقلية حتى هذه اللحظة! كيف أغفو في حوض الاستحمام ببساطة هكذا! لو لم يمتلئ الماء ويتسبب بسد أنفي ومنعي من التنفس لما استيقظت أصلاً!

تنهدت بعمق وانا اعلم السبب جيداً. أنا لست على ما يرام بعد مقابلته اليوم، لو صرخ في وجهي لكان الوضع أهون بكثير، ولكن أن ينظر إلى بكل برود هكذا فهو أمر مزقني إلى أشلاء صغيرة من الصعب لملمتها.
ارتخت ملامحي كثيرا واستأتُ لتعلقي به حتى الآن، خائنة مثلي لا يحق لها بالتفكير به. الأشخاص المهمين في حياتي أقلة، وإيثان أهمهم وأكثرهم ميزة.

لن أنسى الأيام التي أمضيتها معه، ولن أنسى تطور علاقتنا ليزورني في بعض الأحيان في شقتي لنتناول العشاء ونخرج معاً. فقط عندما بدأنا أخيراً نتواعد انتهى كل شيء في لحظة.
لن ألوم كلارا او ذلك الموظف الحقير المدعو براد الذي سُجن واستحَقَ ذلك جزاءُ فِعلَتُه. أنا الملامة هنا عندما تخليت عنه في محنته. بل وأنني اخترت كريس وبالطبع شعر حينها بالغدر والدهشة!
نظرت إلى انعكاسي على المرآة وتحديدا نحو عيناي.

من النادر رؤية لون كهذا! هل هو لون عينيك حقاً؟!
اخترقت جملته مخيلتي وانتزعت إحدى الذكريات من رأسي لأهيم في لقائي الأول قبل بضعة أعوام.
كنت أجلس بجانب كريس في مكتبه وكلانا ينظر لشاشة الحاسوب، هو يجلس على كرسي المكتب بينما أقف خلفه ممسكة بلوح للأوراق وادون فيه ما يمليه على ونحن نتناقش حول المدراء المعنيين بالإجتماع الذي سيُقام نهاية الأسبوع.

توقفت عن الكتابة لأسأله بحيرة: ماذا عن مدير قسم التخطيط الإستراتيجي؟!
اعاد ظهره إلى مسند الكرسي مجيبا بهدوء: لا داعِ لوجوده، افكاره لا تتوافق مع ذلك الفابيان المنافق ولن يمهله فرصة للتعبير عن رأيه مهما كان الشخص الذي يرأس الإجتماع.
المدعو فابيان أناني جداً عندما يتعلق الأمر بإبداء رأي الأخرين. كريس أنت من سيدير ذلك الإجتماع كن حازما معه واجمعهما، ما المشكلة في ذلك؟

لا تهمني علاقتهما. كل ما أريده هو الإستماع لأفكار مدير قسم التخطيط وهو يشعر بالراحة لا بالضغط والتوتر. فهذا الآخر لا يمكن انتزاع الأفكار منه ببساطة. بدأت أتساءل إن كنا نعمل في شركة واحدة حقاً.
قالها بتهكم فابتسمت بهدوء، منذ تولي كريس لمنصب إدارة الجودة والإشراف وهو يبذل جهداً واضحا، مع انه يخفي ذلك بشتى الطرق أمام السيد ماكس!

دونت على الورقة بضعة ملاحظات ليقول: ارسلي لهم بضرورة التواجد في الوقت المحدد واخبريهم بأنني لن أسمح لهم بالتأخر.
أومأت مؤيدة وانا اختلس نظرة سريعة لندبة حمراء رأيتها منذ الصباح على يده اليسرى وحان الوقت لأسأله بحيرة: ما الذي حدث لك!
اشرت إلى يده فنظر لهاتفه ببرود: مجرد حرق بسيط سيختفي.
دعني أخمن. جيمي مرة أخرى اليس كذلك؟

قلتها وانا على دراية بمعاناته وهو يستقبل دوره كأب وهو أمر لم نعتد عليه جميعنا بعد! فكلارا بعد ان تخلت عن جيمي لم تظهر وجهها أبداً! جيمي يبلغ عاما ونصف فقط وكريس بالفعل تحت ضغط كبير.
كيف حدث ذلك؟
أتى جوابه الغير مكترث بتثاقل على مضض: كاد ان يحرق نفسه بكوب القهوة. أعتقد بأنني سأهرب من المنزل لم أعد أحتمل.
ضحكت بسخرية: اعترف بإعجابي بك أيها الأب المنقذ!

قلتها واستدرت لأغادر وافعل ما قاله قبل قليل بشأن المدراء فاستوقفني صوته المتململ: أعدي عشاءً يكفي لشخصين.
أدركت أنه سيأتي إلى شقتي كالعادة، فنحن نتناول الطعام معاً في الأسبوع ثلاثة مرات على الأقل.
ولكن لا تعتقد بأنني سأعد أصنافا متنوعة.

قلتها وانا اخرج محدقة إلى الورقة مرة أخرى، عبرت الممر المفروش بالسجاد الرمادي ذو السمك الضعيف الرسمي، وقبل ان اصل إلى مكتبي لمحت شخصا يقف في نهاية الممر وينظر من حوله بإستغراب. إنه شاب غير مألوف! لا أذكر بأنني رأيته مسبقاً.
في النهاية تجاهلت الأمر وتجاوزته ببرود حتى سمعته يقول: يا آنسة.
رمقته بنظرة سريعة وانا أكمل طريقي بلا مبالاة وبفتور: انا مشغولة ابحث عن شخص آخر.

قلتها واقتربت من باب مكتبي أخيراً لكنني وجدته قد تبعني ليتساءل بابتسامة هادئة: حسنا هذا واضح ولذلك لن أطيل لا تقلقي. أريد فقط أن أعلم أين هو قسم المحاسبة.
زفرت بملل ونظرت إليه بتمعن، هو جديد بلا شك فلا شأن لموظفي المحاسبة بهذا الطابق أصلاً!

لمعت عيناه الخضراوان بترقب واستغراب فقلت مشيرة للمصعد: سيكون هذا المصعد أقرب من الآخر، حرك اصبعك وابذل قليلا من الجهد بنفسك واضغط على زر الطابق الثامن. وبالمناسبة لا يجب ان تتواجد هنا قد تُعرض نفسك للمساءلة.
استدرت لأدخل اثر حيرته، أغلقت الباب خلفي وباشرت فوراً بالعمل وإرسال الرسائل المهمة لمواعيد الإجتماعات.

وقبل نهاية الدوام أسرعت لمكتب السيد ماكس الذي طلب مجيئي، دخلت المصعد اضغط على زر الطابق الرابع عشر، انتظرتُ اقضي وقتي بترتيب مظهري في المرآة خلفي وعندما فُتح خرجتُ إلى مكتبه في نهاية الممر والذي كُتب عليه المدير التنفيذي .
طرقتُ الباب حتى سمعت صوته: تفضل.
دخلت بهدوء وحينها لمحت ذلك الشاب يجلس هناك مقابله أمام المكتب.

احترت كثيراً ووقفت أنظر إليه باستنكار! موظف جديد مثله لماذا سيكون في مكتب مدير الشركة؟!
الا يفترض بانه في قسم المحاسبة؟ أو حتى الموارد البشرية إن كان يبحث عن مساعدة!
ابتسم السيد ماكس يوقظني من غفوة أفكاري وقال: اقتربي يا تيا.
أومأت واغلقت الباب خلفي لأدخل وانا استرق نحو ذلك الموظف الجديد نظرات سريعة، وقفت أمام المكتب متسائلة برسمية: لقد طلبتني سيد ماكس.

نعم، أردتُ أن تعلميني بجدول أعمال كريس لهاذين الأسبوعان.
سيكون مشغولا هذا الأسبوع، كما أن لديه اجتماع في نهايته كما تعلم سيد ماكس، وبالنسبة للأسبوع القادم فأعتقد بأنه سيذهب إلى رحلة عمل برفقة مديرة التنسيق.
هكذا إذاً. تعلمين بأنني لم أطلبكِ لأجل هذا فقط فأنا قادر على معرفة هذا بالإتصال بكِ.
أومأت بحيرة: صحيح.

ابتسم وأشار إلى إيثان: ليس من عادتي الترحيب بالموظفين الجدد، ولكن إيثان شاب موهوب وسيعمل في قسم الحسابات.
لم أفهم المغزى او المطلوب مني بكلامه فوقفت في مكاني بعدم فهم ولكن بوجه متزن مترقب، فأكمل: منافسينا واعين تماماً بقوتنا التسويقية، وأرى أنه من الضروري خوض هذه المنافسة بقوة وألا نستهين بهم، أريد أن أجعل الرابط بين قسم الحسابات والجودة أقوى بكثير من الوضع الحالي.
رددت باستغراب: الجودة والحسابات؟

أومأ بهدوء: سنزيد من حيل التسويق والمبيعات برفع الجودة بأرخص التكاليف، نحن بحاجة لدراسة أعمق بشأن الرسوم والتفويضات لنجد أفضل حل للوصول إلى أعلى جودة بأقل كلفة ووضع أرقام معينة سنحاول ألا نتجاوزها. إيثان درس المحاسبة وتخرج ويبدو موهوباً.
أكمل مبتسما وهو ينظر إليه: سأجعله يرتبط ارتباطا وثيقاً هو ومدير الحسابات مع قسم كريس.

لم أشعر بنفسي وانا انظر إلى المدعو إيثان بسخرية واستخفاف واقول بتهكم: ممن سيد ماكس؟ من شخص جديد لم يجلس على مكتبه بعد؟
ارتفع حاجبا السيد ماكس بينما لمعت عينا إيثان بشيء من الدهشة ولكنه سرعان ما ابتسم بهدوء محدقا إلي، أعلم أن ما قلته وقاحة ولكن كيف لموظف جديد ان يفيدنا بهذه السهولة! لماذا السيد ماكس واثق منه هكذا إلى هذه الدرجة؟!

وقف ماكس ليعود خلف المكتب ويستند على النافذة الواسعة والزجاجية خلفه قائلاً: ولهذا أراه مناسباً، دعيني أخبركِ بهذا. اندماج عقول ذات خبرة بعقول جديدة مستجدة أفضل بكثير من النتيجة التي ستصل إليها العقول الخبيرة وحدها.
أفهم ما تحاول قوله سيد ماكس ولست أعارضك. أنا فقط.
تلعثمت بسبب نظرات ذلك الإيثان وتنهدت بعمق: حسناً فهمت.
نظر ماكس لإيثان وقال بلطف: إذاً سنلتقي غداً مجدداً.

لماذا يلتقي به؟ لماذا هذا الإهتمام الخاص؟!
حدقت إليهما ولاسيما إيثان الذي ابتسم وهو يقف: حسناً سيد ماكس أنا ممتن للطفك، سأكون عند حسن ظنك أعدك.
اسرعت أقول قبل ان يكمل كلامه: أرجو المعذرة سيد ماكس، هل من أمر آخر؟
نفي برأسه: لا. يمكنك الذهاب شكرا لك.
اومأت واستدرت لأخرج على عقباي، أغلقت الباب خلفي وانا أفكر باستغراب ان كان ذلك الشاب لديهِ ما يجبر السيد ماكس على ان يوليه اهتماما غريبا في يومه الأول فقط!

علي أن أخبر كريس! ربما سيحاول انهاء أعمال الشركة فهو يبدو بالفعل غريباً وبدايته ليست مريحة بالنسبة لي.
انتظرت المصعد ليفتح ودخلت، ارتفعت يدي لأضغط على زر طابق القسم الذي أعمل به ولكنني توقفت عندما سمعت صوتاً: مهلا آنسة تيا.
إنه هو!
كان يقترب وهو يمشي في الممر بخطى سريعة فأسرعت اضغط على زر الطابق وإغلاق المصعد بنذالة ولؤم ولكنه وصل!
دخل يقف بجانبي مبتسما فأُغلق باب المصعد فوراً.

استندت على المرآة بينما كان يقوم بتعديل ربطة عنقه حتى همستُ بحزم وجفاء: أنا لا أثق بك.
اعلم. هذا واضح.
رمقته بطرف عيني بشك وقلت: ماذا تكون؟ هل تم إرسالك من أحد منافسينا للتجسس على أعمالنا وخططنا هنا؟ لن أستبعد أمراً كهذا.
اجفلت حين انفجر ضاحكاً نافيا برأسه: ياللخيال الواسع.
ثم هدأ وقال بابتسامة جانبية: أؤكد لكِ بأنني سأكون وفيا ومخلصا لهذه الشركة، لا داعي للحذر مني، بالمناسبة هل لي بسؤالك؟
لا.

قلتها وانا اقترب من باب المصعد الذي سيُفتح بعد ثوان، فُتح بالفعل وخرجت ليتبعني بحيرة: هل ترتدين عدسات لاصقة؟
لم ألتفت إليه وإنما أجبته بنفور: لا أحب ارتداء النظارات الطبية هل لديك مشكلة؟
لا لم يكن هذا ما قصدته! هل هذا لون عينيك حقاً؟
توقفت عن السير بدهشة ونظرت إليه بعدم استيعاب! وقف مقابلي وهو يتساءل بحيرة من أمره: لديك لون عينان مميز حقاً! تساءلت فقط إن كان لونهما بالفعل.

ثم ابتسم بهدوء واضعا يديه في جيبه: عينان قطة.
فغرت فاهي وطرفت بعيني بتعجب شديد!
هل يقوم بامتداحي والثناء على فجأة؟! بالرغم من هذا فلأول مرة في حياتي كلها أسمع كلمات مديح لطيفة كهذه!
وهذا ما جعلني أدرك أنني أشعر بالخجل لأول مرة أيضاً!
ولكن. أنا لن أسمح له بأن يتمادى، ولن أثق به أنا متأكدة بأنه جاسوس.
نظرت إليه بعين ضيقة وحادة وقلت بحزم: تجرأ على قول كلمات مشابهة مرة أخرى.

استغرب ردة فعلي وفي هذه اللحظة خرج كريس من مكتبه.
كان يمشي باتجاهنا ينظر إلى ويسترق نظرة نحو إيثان، سار بجانبنا ولم يعلق بل سار نحو وجهته.
وقف أمام المصعد فأسرعت أقول: انتظرني سأغادر أنا أيضاً.
لم يكلف نفسه عناء التأييد فأسرعت لمكتبي متجاهلة إيثان وجلبت حقيبتي…

كان كريس قد دخل المصعد بالفعل وضغط على الزر بنظرات لا مبالية فأسرعت أكثر وأنا أكاد أهرول، دخلت هامسة بغيض: فشلتُ في الحفاظ على رزانتي بسببك وشكرا لك.
رمقني بطرف عينه بسخرية وفتور فأضفت متنهدة: لا عجب في أنني أقوم بحركتك اللئيمة نفسها.
قلتها متذكرة رغبتي في إغلاق المصعد بوجه إيثان.
وفجأة تذكرت كلماته تلك عينان قطة.

اتسعت عيناي قليلاً واسرعت انظر لنفسي في المرآة خلفي، رمقني كريس باستغراب فاستمريت بالتحديق إلى وجهي حتى تساءلت: هل أبدو وكأنني ارتدي عدسات لاصقة ملونة؟
أتى صوته الهادئ: لم أهتم يوماً. لما؟
كنتُ أتساءل فقط.
واضح.
أقصد. ذلك الشاب الذي كان يقف معي قبل لحظات. تعمد قول كلمات معسولة فجأة ويظنني سأتأثر بها!
لقد تأثرتِ بالفعل.

قالها بإستهزاء وهمَ بالخروج من المصعد فتبعته متمتمة بضجر: لا يمكنك لومي لم أسمع يوما كلمة لطيفة، فانا أصبح وأمسي على جسارتك وبذاءتك.
أنا لستُ زوجك لأمطرك بكلمات لطيفة.
أنتَ لن تقولها حتى لشريكتك في المستقبل يا كريس.
من يكون على أي حال!
إنه موظف جديد في قسم الحسابات ووالدك يبدو مهتماً بأمره.
ارتفع حاجبيه للحظة قبل أن يومأ بلا اكتراث متسائلاً: ما الذي ستعدينه على العشاء؟

لا أدري ربما سأجعلك تصحبني إلى أحد المطاعم وتدفع بدلا من بذل جهدي.
قلتها وانا اتعلق بذراعه فأرخى ربطة عنقه بيده الأخرى متمتما بضجر: ابتعدي.
أعادتني صرختي المتأوهة للواقع عندما أطلت توجيه المجفف نحو اصبعي ليلسعني.
أغلقته بسرعة اتفقد اصبعي بألم، وقفت متجهة إلى المطبخ لأحضر قطعة ثلج وامررها على يدي، لحظات حتى تخدر اصبعي وارتديتُ ملابسي.

استلقيت على السرير أغمض عيناي. وهمستُ بصوت خافت: عينان قطة، أنتَ لا فكرة لديك كم أصبحت مهووسة بالنظر إلى نفسي بالمرآة في كل حين والغرور ينتابني بسببك. كيف لا وأنتَ أول من تحدث إلى بتلك اللكنة. بل وتلك الكنية اللطيفة التي كنت دائما تنعتني بها.
بل أنه كان ينعتني ب قطتي ، كم كان هذا يحرجني ويسعدني!

زفرت باستياء شديد واستلقيت على جانبي الأيمن انظر لشاشة هاتفي، وبالتحديد إلى إحدى الصور التي التقطتها قبل بضعة أعوام.
حدقت إلى الصورة بشرود، كانت لنا معاً أمام إحدى قاعات عرض الأفلام. لقد التقطتها بعد مشاهدة الفيلم مباشرة، انه يقربني إليه في الصورة محيطاً بكتفي بذراعه ويبتسم بمرح، أما أنا فكنت ابتسم ابتسامة متوترة بوضوح.

ليس فقط التفكير به مؤرق بل حتى الصور التي لازلت أحتفظ بها، سحبت الشاشة لليمين انظر إلى صورة أخرى ووجهي قريب منه ونحن نجلس على إحدى مقاعد المتنزهات، وأخرى وانا احيط خصره بذراعي وبدوت مسترخية حينها، والتالية التي.
أفزعني رنين هاتفي في وجهي فجأة ليظهر اسم كريس!
أجبتُه بحيرة: مرحباً؟
لقد فقدت شارلوت وعيها منذ نصف ساعة ولم تستيقظ حتى الآن ما الذي على فعله تحديداً!

القى على بجملته بتلعثم وكلمات سريعة فاتسعت عيناي باستغراب: شارلوت في منزلك!
هذا ليس موضوعنا!
قالها بغيض شديد وأردف: لقد صفعتها مرارا وتكرارا ولكنها لم تستفق! سكبت عليها الماء أيضاً وفتحت عينيها قليلا ثم عاودت الاستلقاء، أخبريني بسرعة كيف أتصرف.
حسناً. حسناً اهدأ لا داعي للصراخ! لماذا فقدت وعيها أصلاً!
وكيف لي ان اعلم!
تريدني أنا أن اعلم إذاً؟ هي حتى ليست حاملاً منك لتفقد وعيها فما عساي أستنتج!

زمجر بغضب: أجلي هذا فلست متفرغا لمزاحك السخيف!
تنهدت معتدلة اجلس على السرير مفكرة بإهتمام: أتكون متعبة؟ إرهاق مثلاً، هل تناولت طعامها؟ ربما فقدت وعيها بسبب الجوع! أو مرضت بسبب البرد أنا لا أدري!
جوع!
صمت قليلاً ثم تنهد بعمق شديد: لا أدري. ولكنني منذ أن رأيتها كان الشحوب واضحا على وجهها، أيكون سوء تغذية؟
كريس أنا لست طبيبة لأشخص حالتها وعن طريق الهاتف فقط! هل تريد مني المجيء لإيصالها للمشفى؟

هل أنتِ غبية! انظري إلى الأجواء في الخارج أي عاصفة هذه التي ستقودين سيارتك بها!
أردف بنبرة متوجسة: لقد كنتُ متعباً بسبب الحساسية ولازلت أشعر بخمول جسدي وهذا ما يمنعني من القيادة.
حسناً اسمع. حاول ايقاظها ودعها تتناول الطعام لربما يكون بالفعل سوء تغذية وجسدها بحاجة إلى الطعام.
تعلمين بأنني بالكاد أجيد صنع كوباً من القهوة!
ألا يوجد شيء صالح للأكل في منزلك بحق الإله!

قلتها وقد بدأت أغتاظ فقال وكأنه قد استوعب أمراً: لقد أعدتْ حساءً بنفسها.
قالها واغلق في وجهي فوراً.!
أراهن وبكل ما أملك أنهما خاضا شجاراً. بل وأعلم جيداً أنه تظاهر بالنفور وعدم رغبته في رؤيتها ونشبت معركة بينهما. إنه عنيد ولن يظهر مشاعره ولا أدري متى سيتنازل! وشارلوت أسيرة لكبريائها ومن الصعب فهمها!

يا تُرى هل ستكون بخير؟ لو كان الطقس مستقرا قليلا لخرجت فوراً دون تفكير واتجهت إلى منزله. أو حتى أصطحب طبيبا معي لأجلها.
أرجوا أن تتحسن وتفيق او تتوقف هذه العاصفة.
شارلوت:
تحركت يمينا ويساراً دلالة على بداية لخروجي من عالم السكينة والأحلام.
ودون أن أفتح عيناي رفعت يدي رغبة في تمريرها على رأسي الذي يؤلمني. أشعر بالصداع الذي أصبح يمتد إلى عيناي وأنفي وحتى قفاي!

اعلم جيداً أن هذا يحدث لي بسبب إهمالي مؤخراً وظلمي لنفسي.
ومع ذلك فأنا الآن اشعر بالدفء الشديد، رفعت الأغطية حولي نحو وجهي مستمتعة بهذا الدفء.
ولكنني بدأت انزعج قليلا وانا اسمع اصواتاً مزعجة!
ما هذا الصوت؟ ملاعق؟ تكسر أطباق؟ ما هو بالضبط!
فتحت عيناي بشيء من القلق والتعب. ولكنني ما ان فعلت حتى المتني عيني بسبب الإضاءة القوية! ما هذا؟ هل حل الصباح بالفعل!

لحظة. نعم. لحظة واحدة! لا. بل لحظات كثيرة تحتاج إلى أن أستوعب الكثير من الأمور!
ذلك لم يكن كابوساً! لقد بادلت كريس قبلته حقاً! وذلك لم يكن حلماً. لقد كان ذلك الموقف مشابها كثيراً لموقف خضته مسبقاً!
اسرعت اعتدل بشعر مبعثر منسدل وانا احدق إلى الفراغ بعين متسعة.
لا أدري هل اندهش من مبادلته تلك القبلة الملعونة أو لذلك الشعور الغريب المخيف الذي يخبرني ان ما حدث في الأمس قد تكرر!

عاودت تلك الأصوات تتهاوى على مسامعي فنظرت للمكان أدرسه، أنا استلقي على الأغطية التي وضعتها له في الأمس. هل فقدت وعيي طوال هذه المدة؟!
انتفضت قليلا عندما بات الصوت أقوى قليلا ونظرت للخلف إلى المطبخ التحضيري، طرفت بعيني محاولة استيعاب الأمر.
ما الذي يفعله!
وقفت ببطء واستغراب شديد، هل يقوم بالطهي؟!
هو منهمك ومندمج تماماً ولم ينتبه او يشعر بوجود من استيقظت وتحدق إليه!

انسحبت للحمام اغسل وجهي بقوة وانظر إلى نفسي وشعري المبعثر بإهمال، ولكنني تجاهلت الأمر تماما وخرجت لأقترب للمطبخ.
كان يرتدي قميصا قطنيا سميكا ذو لون أبيض بأكمام طويلة وذو رقبة أيضاً وفوقه سترة بنية داكنة بل ووشاح قد مال للجهة اليمنى أكثر بسبب عدم انتباهه وانهماكه!
اقتربت أكثر وحينها كانت الفاجعة!
هل دخلت العاصفة إلى المنزل وعبثت بالمطبخ هكذا أم ماذا! إنه في حالة فوضى مريبة!

انتبه لي أخيراً عندما اقتربت بضع خطوات مندهشة، استرق نظرة منزعجة نحوي ثم نحو الفوضى وعاود ينظر إلى ما في يده.
ما الذي.!
كيف أصبح المطبخ في حالة يرثى لها هكذا؟ لا تخبروني أن هذا بسبب محاولته لإعداد الفطور!

لقد كان ينظر إلى هاتفه الذي كان على شاشته صورة لوصفة ما وخمنت ان اسفل الصورة يوجد تعليمات، حتى اخذ الهاتف ونظر إليه للحظات وسمعتُ صوتاً يعطي تعليمات مصحوبة بصوت موسيقى لطيفة ثم نخفق الحليب مع البيض ونخلطه مع باقي المكونات المذكورة سابقاً، تذكري سيدتي ان توازني بين المقدارين، واخفقي جيداً وتفادي وجود الفقاعات في الخليط حتى لا يكون قوامه سببا في التكتل لاحقاً.

فغرت فاهي وتركته معلقا في الهواء أما هو فهمس بحزم: لقد فعلت هذا ولم تغزوه الفقاعات فقط بل يوجد جسيمات غريبة هنا.
اجفل لصوت ضحكاتي فجأة.
لم أعد في حالة من الاستغراب وانما حالة من الضحك الهستيري الذي لا يتوقف!
يا الهي. بعد مشاعري المضطربة بالأمس، والمرتابة للتو، أجد نفسي اضحك هكذا عاجزة عن اللجوء للحزم والحدة معه! بل وظننت أنني سأستيقظ لتصفية حساباتي كلها وارحل فوراً.

حتى انني كنت أجهز كف يدي لأوجه صفعة لجعله يندم على تقبيلي ولكن كل هذا ذهب هباءً.
نفيت برأسي بسخرية بعد ان توقفت عن الضحك: انتَ حقاً. مثير للشفقة!
احتدت عيناه ونظر إلى بجفاء: يبدو أنكِ بخير ولستُ بحاجة لإهدار وقتي في محاولة صنع شيء.
بل تقصد إهدار الجمادات المسكينة من حولك. من المفترض انه يوجد من سينظف هذه الفوضى وإلا فاحت رائحة الحرب من منزلك.
لديكِ طاقة كافية للسخرية.

كان بإمكانك تسخين الحساء الذي أعددته.
قلتها بملل مرتبة شعري فنظر للقدر الموجود خلفه وتمتم ببرود: لقد سكبته في الأمس. كان هناك تكتلات دائرية على وجه الحساء.

طرفت بعيني بعدم استيعاب: ما المشكلة في هذا فالجو بارد واي حساء في العالم ستظهر فوقه بعض التكتلات عندما يطفو القليل من الزيت فوقه، لا تخبرني بأنك تسمع هذه المعلومة لأول مرة في حياتك! بربك هذا كثير جداً! نعم نتفق على أنك لم تضطر للطبخ بنفسك ولكن ليس لهذه الدرجة! أنتَ حتى لا تدري ان بكسرك للبيض بهذه الطريقة تسببت وبكل تأكيد بوقوع القشرة في الوعاء!

بدى عليه الغضب وهو يستدير للمغسلة خلفه وينظف يده ثم يجففها بالمناديل، ابتعد عن طاولة المطبخ التحضيرية وقال بحزم: لستُ في مزاج يسمح لي بمواجهة نقدك السخيف. لقد نمتِ طوال هذه الساعات وظننت للحظة أنكِ ستورطينني بشأنك!
قالها ثم رفع يده يشتم رائحتها بإنزعاج واشمئزاز واتجه فوراً للحمام!
هل كان يعد الطعام. لأجلي؟ قال للتو يبدو أنكِ بخير ولستُ بحاجة لإهدار وقتي في محاولة صنع شيء .

عقدت حاجباي باستنكار ونظرت للمطبخ بحيرة.
لأجلي حقاً؟
هذه الفوضى كلها. لأتناول الفطور؟ هل كل رجل ثري سيكون مثيراً للشفقة بهذه الطريقة عندما يحاول ان يبذل مجودا في طهي الطعام؟
هل. هل أستطيع طرح سؤالا مضحكا بيني وبين نفسي؟ أيكون كريس كان قلقاً على ولجأ لطهي الطعام حقا؟!
أنتِ لم تعودي تشعري بالتعب اليس كذلك؟
وجه سؤاله بهدوء فاستدرت نحوه أحدق إليه، أنا. لازلت في حيرة من أمري!

ان يحاول صنع شيء في المطبخ، ويسألني هذا السؤال الآن. هل هذا كريس حقاً أم ضرب البرق رأسه!
غيرتُ السؤال بدوري لأقول: ألا زلتَ تشعر بالتعب أنت؟
رفع حاجبه الأيسر: وهل أبدو لكِ بمثل حالتي بالأمس؟
نظرت للأرض للحظات ثم تنهدت بعمق وقلت: حسناً. يمكنني الآن المغادرة طالما أنك بخير والطقس أخيراً مستقر.

لم أكلف نفسي بالإهتمام بردة فعله بل تجاوزته رغبة في الوقوف أمام مرآة الحمام لترتيب مظهري قبل المغادرة ولكن يده استوقفتني حين أجبرني على الوقوف بجانبه.
نظرت إليه بهدوء فبادلني النظرات بتثاقل.
إن كنتِ بخير فأعدي الفطور.
هاه!
قلتها بغيض فتمتم على مضض: لم أتناول شيئا منذ الأمس وحتى هذه اللحظة.
هل أنتَ في كامل قواك العقلية؟ تعتقد بأنني سأطهي لك شيئاً بعد ما قلته لي بالأمس و.

اتسعت عيناي بتدارك: انتظر قليلاً! كيف بحق الإله تقبلني بالأمس وبكل بساطة! كيف تسمح لنفسك بهذا؟ إلى أي مدى قمت باستغلال ارهاقي؟!
لا أذكر بأنني قمت باستغلال تعبك، الدليل واضح وكاف.
عقدت حاجباي بعدم فهم فابتسم بسخرية وبرود: لو كنت متعبة لما كلفت نفسكِ بمبادلتي تلك القبلة الستُ محقاً؟ كما أنني اعتبرتها إعتذارا مخلصاً منكِ.

صرخت بحزم وانا انفي باندفاع: انت تحلم! لم أكن في وعيي وكان من المتوقع ان ابادلك إياها ولكنني لم أكن لأفعل لو كنت أدرك ما يحدث أصلاً!
صدقيني لن تجدي في هذا العالم مرضى يعانون من الإرهاق يتجولون في المدينة ويبادلون الآخرين القبلات.
رفعت يدي بسخط لأصفعه ولكنه امسك بيدي وأكمل سخريته: ستعودين لشراستك في الصباح الباكر أيضاً؟ استغلي هذه الطاقة في إعداد الفطور لأنني اتضور جوعاً.

انتزعت يدي مزمجره بحقد: لا يهمني ولن ألتفت إليك لو متَ جوعاً. أنا مغادرة.
كنت بالفعل حازمة لأمري وانا اتجه للباب بغيض ولكنني وقفت بدهشة وقد ارتعدت فرائصي وانا المح وجها حازماً يقترب من المنزل!
شهقت بخوف: إ. إيثان! ما الذي يفعله هنا؟ اليس من المفترض انه في ال.

ولكن الكلمات قد تبخرت جراء سحبه لي من يدي وهو يقودني للغرفة الموجودة بجانب الدرج ويفتح بابها ليدفعني للداخل هامسا بحزم متوعداً: لا تخرجي ولا تصدري صوتاً، وحبذاً لو تكتمين صوت أنفاسك أيضاً.
قالها واغلق باب الغرفة وسمعت خطواته تبتعد!
هاه؟!
ما هذا فجأة!
سمعت طرقات عنيفة على الباب الزجاجي، إيثان يبدو غاضباً، لماذا هو هنا!

الخوف تسلل إلى لمجرد رؤيته يقترب، بل انني رفعت يداي انظر إليهما ترتجفان دون توقف! أعلم جيداً أنه لو رآني هنا لانتهى الأمر بموتنا نحن الثلاثة معاً ولن يتبقى من يدلي بشهادته. هل كريس يدرك هذا ايضا ولهذا ادخلني هنا؟
زفرت محاولة التخفيف من توتري الشديد، ونظرت للأرض بوجه مرتاع.
علمتُ بأن كريس فتح الباب عندما توقف إيثان عن الطرق العنيف.

حينها لم أستطع منع نفسي ففتحتالباب بخفة وانا احكم قبضتي على أكرة الباب لئلا أصدر صوت صرير ملفت، لم أفتحهسوى قليلا فقط حتى يتسنى لي رؤية ما يريده إيثان!
وكل ما رأيته في هذه اللحظة هو كريس الذي اتجه بوجه فاتر لا مبالي نحو الحائط المجاور ليستند عليه متكتفا بينما إيثان كان يقف محدقا إليه بعين ضيقة بل وأنني ومن هذه المسافة استطيع رؤية كم هو غاضب بسبب لون عينيه الخضراوان الذي بات داكناً.
قلبي يخفق بقوة!

أنا. خائفة جداً! يبدو منفعلا جداً! أكثر أمر لا أتمنى رؤيته هو غضبه. هو الوحيد المجنون في منزلنا عندما يفقد أعصابه!
لم يقل شيئا وانما تقدم نحو كريس وأمسكه من ياقة قميصه وصاح بغضب: أيها اللعين!
أضاف مقربا وجهه منه بسخط: كف تجرؤ على الارتباط بأختي؟

تمتم كريس بنبرة مستفزة وهو يرفع كلتا يديه مهدئاً: على رسلك إنه مجرد زواج فقط! كان بإمكاني اختطافها على سبيل المثال وأجعلها ذليلة لي ولكنني فضلت الطرق المشروعة، بالمناسبة هذا مؤسف ومخجل كنت أخطط لأقوم بضيافتك ولكن مطبخي في حالة يرثى لها كما ترى!
احتدت عينا ايثان الخضراوان وهمس: انصحك بألا تستفزني حتى لا يندم كلانا.

أعقب مبتعداً قليلا بغضب: أخبرني بأي حق تتزوج بشارلوت بكل بساطة! الم يكفيك ما قمت به مسبقا؟ ما الذي تريده من أختي!
ما الذي أريده! أنا أيضاً أتساءل. ولكن دعني أطرح سؤالاً أهم. ما الذي فعلته أنا تحديداً يا تُرى؟
قالها بسخرية فبدى بان إيثان لم يستطع تمالك نفسه فأسرعت أضع يدي على فمي امنع شهقتي من الخروج وأنا أراه يلكم كريس الذي تناثر شعره بقوة وانزلق من على عنقه الوشاح على الأرض!

من الواضح انه كان ينوي استفزازه منذ البداية وإلا ما كان اجبرني على الانتظار هنا! هذا المجنون ما الذي يفكر به! وهل هو بخير ليخوض شجار كهذا؟ هل حقا استعاد عافيته بعد كل ما تعرض له بالأمس؟
فكرتُ في ذلك بقلق ولم أستطع كبت شعوري بالخوف عليه.
رفع ظهر كفه ليمسح الدماء التي خرجت من جانب شفته مبتسماً: لم يمضي على زواجها بي فترة طويلة لذا لا تقلق إن كنتَ تخشى ان تحمل بطفلي مثلاً.

أفلتُ شهقة مندهشة بسبب وقاحته وفظاعته! أما إيثان فنظر إليه بعين متسعة للحظة قبل أن يمرر يده بين حاجبيه مغمضاً عينيه ومتوعدا بصوت خشن: أيها السافل. وكأنني سأسمح لك بالإقتراب منها مجدداً، ليس وأنا موجود. أخبرني لماذا شارلوت بحق الجحيم؟ ماذا يكون زواجك منها؟ ما الذي تحاول فعله!

تنهد كريس الوقح وتحرك مبتعدا عن الحائط وسار بإتجاه طاولة التحضير مواجهاً إياها بظهره سانداً مرفقيه عليها وهو يقول باستغراب: لا يجب ان تغضب نفسك هكذا، لاسيما وأنك قد عدت في الأمس فقط! لا بد وأن الرحلة كانت متعبة!
أضاف وهو يلتقط قارورة الماء بجانبه ويفتح غطاءها: لقد خيبت أملي قليلاً، ظننت بأنك ستأتي ممسكا بباقة ورد جميلة مهنئا لي لتبارك زواجي.

اسمع أنا لست هنا لأنصت إلى ما يقوله فمك الثرثار لذا انصحك بالتوقف قبل ان احطم فكك.
ارتشف كريس من الماء ثم عاود يضع القارورة جانباً: لستَ هنا لتنصت إلي. لماذا أتيت إذاً؟
ستكون كلماتي موجزة معك لأنني لا أتخيل نفسي أسهب معك في الحديث، لا تستحق دقيقة واحدة من وقتي. أخبرني حالاً ما الذي تريده من أختي وما هدفك؟
يبدو أنك لازلت حذراً بشأني.

قالها ضاحكا بخفوت ولكن لم تفتني النبرة الحاقدة في صوته حين استرسل: عجباً. لقد كنت دائماً تخفي هويتك عني لتبعدني عن عائلتك. كيف هو شعورك الآن وعلاقتي بأختك تحت مسمى الزواج. اتعلم ما يعنيه هذا؟ بأنني الوحيد الذي له الحق في أن يقرر ما إن كانت علاقتها بي ستسمر أو لا وليس تهديداتك الفارغة، تدرك جيداً ان ما تقوله الآن لا يعني لي شيئاً.
بل ادرك ان هذه العلاقة ستنتهي لو قمتُ بقتلك الآن.

انفجر كريس ضاحكاً وقال من بين ضحكاته: يا لها من نبرة قوية. وما الذي ستفعله بعد ذلك؟
كف عن المماطلة واخبرني بسرعة ما الذي تريده منها؟
رفع كريس كتفيه بعدم فهم: كنت صريحاً معك عندما قلت لك لا أدري. لازلت أفكر بالأمر. لكن لا تقلق أبداً لست أستخدمها لغرض انتقامي منك مثلاً أو من عائلتك العزيزة. مع ذلك أعترف بأنني فكرت بذلك في البداية.
أوه. تلعب دور الشاب النبيل الصريح الآن اليس كذلك؟

تجاهل تعليقه وقال مبتسما بغطرسة: انا واثق بأن اهدافي ستتغير. ولاسيما وأن شقيقتك الصغيرة الآن واقعة في حبي.
اتسعت عيناي بذهول ولعنتُ ثقته هذه والكارثة التي أوقعني فيها! هذا المجنون يعبث مع إيثان بهذه الطريقة إنه يورطني وحسب!
نظر إيثان نحوه بدهشة: ماذا؟
كما سمعت. إنها تحبني.

لو لم يقتله إيثان فسأفعل أنا! لو لم أكن خائفة من أخي لخرجت وضربته بأقوى ما لدي واجعله يندم على ما يقوله الآن! أي ثقة هذه؟ أم تُراه يحاول استفزازه أكثر؟!

ضحك إيثان فجأة وهو يستدير متعداً بضع خطوات وقال بتبرم: شارلوت تقع في حبك أنت؟ ظننتُ بأنك زرت طبيبا لتبوح إليه بنرجسيتك ويساعدك ولكن حالتك تفاقمت كثيراً! ليكن في علمك أن جاري تحدث معي في مرات عديدة في رغبته في مواعدتها وخطبتها رسميا وطلبتُ منه التمهل ريثما أعود.
رفع يديه بجانبه: وها أنا ذا قد عدت. وأعلم من يستحقها ومن يجب ازاحته عن الطريق فما رأيك الآن؟!

تلاشت ابتسامة كريس ببطء وظل ينظر إليه بهدوء مريب!
عقدت حاجباي لكلمات إيثان مفكرة إن كان يكذب أو يقول الحقيقة!
ليس وكأنني سأستبعد ان يقوم جوردن بهذا ولكن. اليس مقرباً إلى سام أكثر؟
أو ربما حدث هذا بالفعل وفضل اخبار إيثان لأنه الأكبر؟ يا الهي. كيف يحدث كل هذا! ما الذي يفكر به جوردن بحق الإله؟ الم أكن واضحة كفاية وأنا أخبره بتلميحات صريحة بأن علاقتي به أخوة!
آه! تقصد ذلك الجار الأشقر؟

أردف مبتسماً فجأة: ليس وكأنني أهتم حقاً بمن يرغب بشقيقتك! الأمر فقط بأنها حتى الآن زوجتي وسأكون من يقرر أي خطوة يجب اتباعها. دعني اطمئن بنية طيبة وأسألك عن عملك الجديد، هل تقضي وقتاً ممتعاً؟ ألا زلت مجتهداً في إنهاء المهمات وإنجاز الأعمال بسرعة؟

العمل بعيدا عنك ولو كان براتب بخس فهو أفضل من مقابلة وجهك صباحا ومساءً، أتكون لازلت تعتقد بأنني أحن إلى تلك الأيام؟ أفق. فأفضل قرار اتخذته هو الخروج من شركة عائلتك.

هل كان هذا قرارك! غريب. هل كنت أتخيل أنك ابتعدت عن الشركة بسبب الورطة التي ستكون كفيلة بتشويه سمعتك اللطيفة؟ انتَ لم تترك العمل أيها الرزين العاقل بل أتذكر جيداً أنني أقسمت على أنني لن أعمل فيها لو واصلت البقاء هناك مما اضطر ماكس لمساعدتك و.
قطع كلامه عندما لكمه إيثان بقوة أكبر من سابقها فدمعت عيناي دون شعور!

سحقا. إيثان غاضب جدا وهذا الغبي لا يكف عن استفزازه! ليتني استطيع الخروج واوقف هذه المهزلة! إلا أنني ادرك جيداً انني لو خرجت فستكون بداية للحرب العالمية الثالثة، بل أنني سأكون في أصعب موقف في حياتي! لا أريد لإيثان أن يضر كريس ويمسه بسوء ولا أريد للآخر ان يتعرض لأخي!
إن طال الأمر أكثر فلن أضمن ردة فعلي وليحدث ما يحدث.

هذه اللكمة اطاحت به أرضاً بل واجبرته على ان يوقع بعضا من الأطباق التي كانت فوق الطاولة على الأرض، جلس على الأرضية الخشبية ورأيته يبصق دماً فخفق قلبي بقلق!
انحنى إيثان ليمسك ياقته قائلا بسخط: هل تعتقد انني سامحتك على ما فعلته بي؟ هل تعتقد بأنني سأغفر لك فعلتك يوماً!
لم يجب كريس فأكمل إيثان: لا تعلم كم أتوق لأهشم وجهك الآن حتى تختفي ملامحك تماماً! اسمع.

أردف بإنفعال مخيف: لم تكن لدي رغبة في رؤية وجهك على الإطلاق، ولكنني أتيت فقط لأحذرك من الاقتراب من شارلوت مرة أخرى، ولأخبرك بأنك ستنهي هذا الزواج عاجلا أم آجلا شئت أم أبيت، وإلا. هذه المرة سأُتهم وأسجن فعلا بقضية قتلك يا كريس!
ثم دفعه بقوة واستقام واقفا بغيض شديد، كان من المفترض ان ينتهي كل هذا كما اعتقدت ولكنني ادركت أن كريس بعناده لن ينهيه.

فلقد ابتسم بصمت والسخرية تعلو ملامحه فتساءل إيثان بجمود: ما الذي يدعوك للابتسام؟
أبعد كريس بعض الأطباق الواقعة بجانب يده بملل: كنت أفكر فقط. لماذا لم تظهر غضبك هذا قبل أعوام.!
أردف بسخرية: أم أنك حينها كنت تشعر بالندم لسبب ما فتغاضيت عن الأمر.
أنت بالفعل وغد لا يطاق!

تنهد كريس وهو يعتدل قليلا فتمتم إيثان بحزم: سأقولها مجددا للمرة الأخيرة، لو رأيتك بجانب اختي فسأكون مجرماً بحق! ولا تعتقد بأنك ستستغلها لصالحك ضدي.
بدت نبرته مستفزة جدا وهو يردف: سمعت بأن كلارا قد سُجنت! هذا غريب جدا.

أضاف بتهكم مفاجئ: ولماذا سجنتها يا ترى؟ هل سمعت صدفة بأنها قامت باستغلال منصبي واختلست أموال الشركة؟! أوه اعذرني فلقد نسيت بأنك أدمنت رمي الناس بالسجن وإهدار أموالك على القضايا السخيفة أيها الثري المدلل.
كيف هو الشعور بالغدر والخيانة بعد أن تركتُكَ متورطاً في تلك القضية؟
أردف بجمود: مؤلم جداً. صحيح؟
احتدت عينا إيثان: هل امتلكت مشاعراً إنسانية فجأة؟

مرر كريس يده في شعره بحركة سريعة تدل على نفاذ الصبر وزمجر: انصت أيها المنافق الذي يحب لعب دور الضحية، أنا لن أسامحك على خداعي طوال تلك السنوات لذا توقف عن استغلال تلك القضية السخيفة لصالحك. ثم أعتقد أننا الآن متعادلان بطريقة ما. تقربت إلى لتراقبني وتحذر مني قبل أن أقترف خطأً واحداً حتى، في حين تركتك تواجه تلك القضية بعد ان وجهتُ لك الإتهام ومع ذلك أخرجك ماكس كما تخرج الشعرة من العجينة بل وحصلت الآن على وظيفة مناسبة، بأي حق تواصل لومي حتى هذه اللحظة! إلى أي مدى أنت حقير؟

هل تجرؤ على تبرير أفعالك؟ عجباً! يبدو أن تجربتك الفاشلة مع كلارا لقنتك درساً.
لقد سمعت بأنها عُرضة للصعوبات النفسية في السجن، أترغب في زيارتها؟ أو ربما سيعيد ذلك لك ذكريات ترغب في نسيانها. على سبيل المثال ذلك القناع المزيف الذي كنت ترتديه متظاهرا أنك الشاب الصديق اللطيف الذي أراد التقرب إلي.

بلل إيثان شفتيه بحنق وقد مرر على جبينه لثواني قبل أن يهمس: إن كنت العب دور الضحية فأنت الأفضل عندما يتعلق الأمر بدور الحاقد المنتقم.
تعليلاتك رخيصة جداً. حاول اقناعي في المقابل أخبرك بالخطوة التالية مع شقيقتك.
قالها كريس بإستخفاف شديد فزمجر إيثان بسخط: ضِقت منك ذرعا لا يمكنني الصبر أكثر.

قالها إيثان وهو يجثى فوقه ليلكمه مرارا وتكرارا فأغمضت عيناي التي ذرفت الدموع وأنا في حيرة من أمري متسائلة متى سيكف هذا الأحمق عن استفزازه! ليس هذا وحسب بل ما جعلني احدق إليهما بعين دامعة هو انني لاحظت قبضة كريس التي يقبضها بقوة وكأنه يتحكم في نفسه أو يمنع نفسه من ضرب إيثان!

حتى سمعت أخي يقول: كان على أن أتخلص منك حينها ولكنني راعيت والدك فقط! وراعيت كونك أب أحمق مع أنك ما زلت غير قادر على ان تفي بحق ابنك أو أباك حتى الآن! اللعنة عليك، كل ما تريده هو ان تتسبب في المشاكل من حولك!
ثم دفعه على الأرض ووقف محدقا به بكره، واستدار ليغادر ولكنه سرعان ما وقف مجددا في اللحظة التي اعتدل كريس بها وجلس على الأرض.

لينظر إليه بطرف عينه هامسا بحدة: وأخبر صديقتك الودودة المخلصة بأنه لا داعي لمجيئها إلى منزلنا! ربما من الأفضل ان تكمل نهجها بإخلاصها الشديد لك بعيداً عنا.
ثم خرج صافقا الباب بقوة أفزعتني لأخرج فورا ودون انتظار من الغرفة بقدم مرتجفة!

لمعت عيناي بضيق وقلق وانا أنظر للفوضى والأطباق المكسورة ثم اقتربت منه بصمت لأرى الدماء تسيل من أنفه وجانب شفته، رمقني بطرف عينيه العسليتين وتجاهلني بهدوء شديد ليعتدل في جلسته ويخرج هاتفه ليفتح شاشة التصوير الأمامية ينظر إلى وجهه بتفقد، ثم لوى شفته بغيض: هذا النتن سيدفع الثمن.

ظل يحدث نفسه ويشتم إيثان وهو يحدق إلى وجهه بإنزعاج مما جعلني أقف أحدق إليه ببلاهة وعدم استيعاب! بل وأنه اعتدل قليلاً ليأخذ القارورة من فوق الطاولة ويرتشف منها بملل و كأن ما حدث للتو لم يحدث! عاود يجلس على الأرضية وأغلق هاتفه.
تقوست شفتاي بشكل لا أرادي وتلقائي! وأدركت أن رؤيتي له هكذا تجعلني غير قادرة على تمالك أعصابي بالرغم من بروده مع الموقف.
همستُ محاولة ان أبدو هادئة بقدر الإمكان: هل أنت بخير؟

لم يجب بل التصق بالطاولة واسند رأسه عليها مبعدا شعره العسلي المتناثر الذي اصبح فوضويا كذلك.
اقتربت أكثر بتردد ووقفت أمامه ثم سرعان ما جثيت لأنظر إليه عن قرب وقلت بحزم: أين صندوق الإسعافات الاولية الذي تركته على الأريكة بالأمس؟
رمقني بلامبالاة واراد ان يقف ولكنني دفعته بصرامة بكلتا يداي لأجبره على الجلوس دون حركة!

نظر إلى بطرف عينه لبرهة حتى ادار وجهه ببرود: اغربي عن وجهي، أنتِ تشبهينه وقد أسمح للأوهام بأكل عقلي وأظنكِ هو. حينها سأنفجر في وجهك.
عاودت سؤالي بحدة متجاهلة ما يقوله ليجيب بسخرية: يبدو انكِ لم تجدي شخصا تطبقي عليه ما درسته سواي.
أين؟
لانت ملامحه لتصبح هادئة أقرب للجمود حتى تمتم: في الغرفة بالأعلى.
أسرعت أذهب لأجلب الصندوق وعدت بسرعة، وضعته على الأرض بجانبي وقمت بإخراج القطن وما يلزم.

وبينما انا اخرج ما أحتاجه سألته بصوت منخفض: هل كان عليك استفزازه هكذا؟ إلى أي درجة انت عنيد! انت رجل الأعمال الوحيد المختل الذي قد يدخل في شجار صبياني كهذا، الا تهتم بسمعتك بحق الإله!
لم يعلق وإنما ظل مشيحا بنظره بعيداً فأمسكت بالمنديل قائلة: ضعه على أنفك.
تناوله من يدي بتثاقل وبرود ووضعه، فأمسكت بالقطن والمادة المطهرة لأضعها بجانب شفته هامسة دون أن أنظر إليه: أتساءل إن كان هناك حدود لجنونك!

ثم تنهدت بعمق وقبل أن أقوم بتطهير جرحه الصغير قلت بجدية: أخبرني، هل بشرتك حساسة أو تواجه مشكلة ما! لربما يتهيج الجرح لنوع هذا الدواء.
القى على نظرة سريعة قبل أن يزفر بنفاذ صبر و يجيب على مضض بصوت خافت: لا.
هذا جيد.
يمكنني استخدام هذا النوع إذاً. رفعت يدي لأضعه على الجرح فأجفلت قليلا لإبعاده لرأسه بطريقة مفاجأة فقلت بحيرة: هل يؤلمك كثيراً!
لا. ربما قليلاً فقط!

لا تشرب أي شيء ساخن! لا يجب أن ينزف مجدداً، أعلم بأنه عليك تدفئة جسدك باستمرار لتفادي الحساسية ولكن.
حسنا يا ممرضتي الحسناء.
قالها مقاطعا إياي بإستهزاء فامتعضت بشدة وقلت بحزم: انتهيت!
أبعد المنديل عن أنفه فعلقت: لا تقلق بشأن أنفك اعتقد بأن النزيف توقف، دعني أرى فقط.

اقتربت بشكل تلقائي ورفعت رأسه بإندماج ومرت لحظات حتى شعرت بيده التي أمسكت بيداي فنظرت نحوه باستغراب ولكن سرعان ما تحول استغرابي إلى توتر شديد وأنا أراه يحدق إلى مستوعبة المسافة الصغيرة بيننا!
حاولت ابعاد يداي بسرعة ولكن شهقت بدهشة وارتباك رغما عني حين رفع يدي اليمنى نحو وجهه ليجبرني على ملامسة وجنته!
لمعت عينيه العسليتان بشدة فقلت اتصنع الغضب: ما الذي تفعله!

لماذا تظاهرت بالغضب! كان على أن أبدو جافة معه وباردة وليس منفعلة هكذا، لا يجب أن يستنشق ارتباكي أبداً!
كيف لي أن أتركك وشأنك بحق الإله!
جملته تلك أوقفت الزمن من حولي!
لا أسمع شيئا سوى عقارب الساعة وأمواج البحر. ولا أرى سوى عيناه المغتاظة مقابلي.
تسمرت في مكاني للحظة قبل أن أقول: هاه؟

نظر للبعيد قليلاً قبل ان يهمس ويدي لا تزال على وجنته: هل هذا كل شيء؟ تخرجين وتتظاهرين بأهمية تطهير الجرح السخيف هذا فقط؟ لا شيء أخر؟
ما الذي. تريد مني فعله! أن أتبع إيثان والكمه مثلاً؟
توقفي عن إزعاجي أنتِ أيضاً. شقيقك اللعين هذا عليه أن يكون شاكرا أنه خرج من هنا سالماً معافى لأنني كدت أتهور بطعنه وأسفك دماءه.
وكأنني سأتركك تؤذيه!
قلتها بغضب فقربني إليه متسائلاً: وأنا؟ ماذا عني؟
ه. هاه!

ما تصرفاته الغريبة هذه! ما خطبه بحق الإله؟ هل هو حقاً بخير؟!
عقدت حاجباي باستغراب لبرهة قبل ان ازمجر بحدة: أنت؟ وما الذي تتوقع مني فعله لأجلك؟ أخبرتك بأنك لا تعني لي شيئاً فلماذا سأفضلك على أخي أصلاً؟ من تظن نفسك يا كريس! هل نسيت كل ما فعلته وتعيش بذاكرة جديدة؟ أو تظنني سأتجاهل أفعالك الدنيئة ل.
ولكنه أخرسني بتقريبي نحوه ليطبق بشفتيه على شفتاي!

ا. اللعنة عليه لازال يتجرأ! ما الذي يظن نفسه يفعله الآن بتقبيلي هكذا؟
كيف يكون وقحاً إلى هذا الحد؟ بل أنني لم أتغاضى عن فعلته بالأمس ليعيد الكرة! الأغرب الآن لماذا لا أبتعد وحسب؟! لماذا أنا بهذا الضعف أمامه؟
يجب ان ابتعد عنه وأنهال عليه بصفعة تنهي كل شيء وأغادر فوراً.
لماذا لا أفعل هذا؟ هل الإبتعاد عنه صعب إلى هذه الدرجة؟ لم أعد أسمع الآن سوى خفقات قلبي المزعجة.

بل أنني وبكل حماقة وسذاجة رفعت يداي اسندهما على صدره! سأبكي. نعم سأبكي بسبب قلبي الذي سيطر على عقلي!
كيف سولت لي نفسي ان اعلن بكل تهور عن ضعفي؟ أنا أسمح له باستغلال نقاط كثيرة لصالحه. سحقاً لي.
ولكن مع هذه المعركة الداخلية لازلت لم أبتعد حتى شعرت بيده التي يمررها بشعري!
لا أعلم إن كان الزمن توقف بالفعل أو أنه بدى كذلك بالنسبة لي أنا فقط.
شعرت به يبتعد ببطء وحينها عادت عقارب الساعة للحركة!

ابتعدت عنه مجفلة بل ودفعته بقوة لأعيد نفسي للوراء وأجلس على الأرض أنظر إليه بدهشة.
لماذا؟
همس بتلك الكلمة بوجه هادئ وأتبعها بسؤاله: لماذا لم تتصرفي بخشونة وتحاولي الإبتعاد عني ككل مرة؟
كنت كالتمثال الذي لا فائدة ترجى منه أجلس محدقة إليه وأنا أيضا لا أستوعب شيئاً! ل. لماذا لم أبتعد!
كنت في كل مرة أبعده بقوة ولكن الان لم يبذر مني ولو القليل من المقاومة!

يا الهي. انظري إلى ما فعلته بنفسك يا شارلوت! جعلت من نفسك فريسة سهلة له! أوقعتِ نفسك في فخ لا تُحمد عقباه.
عندما طال الصمت تمتم بصوت منخفض: تظاهرتِ بأنك في الأمس بادلتني القبلة بحجة الإرهاق. ما حجتك الآن شارلوت؟
كان جوابي هو صمتي.!

وماذا أقول له مثلاً؟ لأنني أحبك؟ أفضل ان أحفر الأرض وصولا إلى باطنها لأحترق هناك عوضا عن تركه يعلم بمشاعري! بل وسيكون الغوص في البحر إلى نقطة يعلو فيها الضغط أهون بكثير بالنسبة لي!
الوضع بات خطيراً وعلى أن أعود للمنزل، لم أعد أكترث إن كنت سأخذ حقي والقنه درسا كل ما أريده هو ان اغادر الآن فوراً لأتخلص من شعوري بالإحراج من نفسي وضعفي.

همس بإسمي بهدوء واقترب لينظر إلى عيناي مباشرة ويده اليسرى على يدي ليهمس: أريدك.
انتفضت في مكاني كالفزعة التي لمحت شبحاً لجثة هاربة من قبرها وصرخت مندفعة: ابتعد عني أيها المنحرف لا تعتقد بأنك ستستغلني!
نظر إلى للحظة باستنكار قبل ان يصرخ بحزم ارعبني: أنتِ المنحرفة هنا لم يكن هذا ما أقصده.
تسمرت في مكاني بعدم فهم فزفر واعتدل في جلسته وأضاف بغيض شديد: ابقي. أريدكِ أن تبقي.

لا تخبروني بأنني من حلقت بأفكارها المنحرفة! لا يمكن ان يكون قلبي قد نجح في مد جيوشه والتوسع ليتمكن من عقلي أيضا! ماذا الآن؟ هل هذا يعني أنني لا أستطيع التفكير بعقلانية أو بعاطفية! اللعنة على حبي الذي سيقودني للجنون!

حسنا. انا سأغادر لم أعد أستطيع التحمل أكثر، من يدري بأي حماقة سأتصرف لو أطلت البقاء هنا؟ ولهذا أردت ان اودعه بسيل من الشتائم وهذا ما نويته وفتحت فاهيي لأطلق عليه أسوأ العبارات ولكن صوت رنين هاتفه أجبرني على التوقف قبل أن ابدأ!
ابعد عيناه عني ووقف يمرر يده على جانب شفته المجروحة متجها لهاتفه، نظر إلى الشاشة قبل ان يتنهد ويقول لي ببرود: انتظري هنا.

قالها بكل تسلط وصعد للأعلى ليتحدث في الهاتف وسمعته يذكر اسم تيا.
مهلاً مهلاً فلينزل حالاً لأريه كيف يأمرني بتلك النبرة ويتسلط على لأنتظره! من يكون لانتظره أصلاً؟ انه يحلم!
وقفت بغضب استعد للخروج وانا اغلق صندوق الاسعافات واضعه فوق الطاولة، سأزيح فقط الأطباق المكسورة التي تسبب إيثان بها ولكنني لن المس الأمور الأخرى التي قام بإفسادها ذلك المتغطرس.

انحنيت لالتقط الزجاج المكسور بالمكنسة التي وجدتها بجانب الثلاجة ووضعت البقايا في سلة المهملات.
لا أدري كم دقيقة مرت وانا اقف بتردد مفكرة في ان كان على المغادرة او انتظاره بالفعل!
ولكنني ضقت ذرعا وهمست بتبرم وضجر: من يظن نفسه! ثم ما الذي يتحدث بشأنه على الهاتف كل هذا الوقت.؟
ربما يتلقى خبراً تعيسا
سرت قشعريرة توجس ورهبة في جسدي وانا اسمع تلك الجملة قد قيلت بصوت خشن خلفي!

اردت ان استدير بسرعة لأرى قائلتها ولكنني ذُهلت بذلك الشخص يحكم الإمساك بي ليضع يده على فمي!
هل هذا حقيقي ام مزحة؟!
ولكن. هذا الصوت ليس مألوفاً! اردت التأكد ما ان كان مقلبا ومزحة ثقيلة فحاولت الإبتعاد ولكنني تسمرت في مكاني بعين متسعة وانا اشعر بشيء حاد اسفل ذقني وصوته يهمس في اذني بتحذير ماكر: لا تتحركي ولا تصعبي الأمر على نفسك.
هذا الشيء الحاد! هل هو سكين؟!

تصلب جسدي دون حراك ولم أعلي ما على فعله! بالرغم من تصلب كل جزء من جسدي بشدة فأنا أكاد اسمع صوت طقطقة عظامي من شدة ارتجافي أيضاً!
أشعر بعدم القدرة على التفكير! من هذا بحق السماء؟ لا يبدو بأنه يمزح فهذه السكين حادة على عنقي وشعرت بشيء من الإنزعاج منها مما يعني انها تركت جرحا رفيعاً!

أجبرني على ان اتحرك معه بحركة عكسية للوراء ويده لا تزال على فمي وتمنعني من الحراك بقوة! عندما تحركنا استطعت رؤية انعكاسنا على إحدى الصور الداكنة المعلقة والتي كانت مقابل الباب الزجاجي مما كان سهلا لي لأرى أي شخص هذا الذي يمسكني!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *