رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الأول للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس عشر
كُنت أخشى الغد، ولا زلت! ولا زال يؤكد حقيقة مخاوفي، بدلًا من أن ينفيها، كل يوم يأتي بقدر مُغاير عما رحل به البارحة، باتت فجأة الأقدار تُرعبني، أتذكر بالأمس نمت وأنا لا أحمل برأسي سوى هم رد الدين! واليوم بات حمل الأمس بخفة فراشة عما جاءت به بقية أيامي.
علي حين غُرة ؛ ألتقيت برجل لم يمر طيفه بأحلامي، وأصبح مسئوليتي لرد ديني، واليوم جاء عارضًا نسبه عليّ! لم يكن الحُب يومًا من ضمن أهدافي! ولن أسعى إليه! ولكن لِمَ لم يتوقف قلبي عن كل هذا الضجيج الآن! ما شأني بسذاجة الحُب والرجال؟
فاقت شمس من شرودها على صوت نوران الفوضوي: -أهي رجعت تسرح تاني أهو!
تنهدت شمس باختناق: -عايزة أيه يا نوران بس!
غمزت له بطرف عينها مُداعبة: -يعني الجدع الأمور أبو ريحة حلوة اللي شوفته نازل من هنا جاي يتجوزك!
أومأت رأسها بخفوت وهي تضع وجتنها فوق قبضة يدها بقلة حيلة: -أيوة.
نوران بحماس: -طيب ينفع يتجوزني أنا كمان!
وبختها جدتها بحدة: -ما تبطلي دوشة أنتِ كمان، خليني اعرف أختك بتفكر في أيه!
ربعت نوران ساقيها وقالت بنفاذ صبرٍ: -أهو خرست خالص، ارغوا في أي حاجة إلا أنكم هترفضوا القمر ده.
نهرتها شمس بحزم: -نور روحي ذاكري، أنتِ قاعدة معانا ليه أصلا.
نوران بغرابة وهي تتأهب للذهاب: -أصلًا! ماشي ماشي، دي اخرتها يا ست شمس!
انصرفت نوران مرغمة، فارقت فادية مقعدها وجلست على الأريكة بقُربها وربتت على كتفها بحنو: -مالك يا حبيبتي، افتحي لي قلبك.
-مش عارفة يا فُوفا! بجد دماغي دي حساها عطلت.
صمتت فادية للحظات ثم سألتها: -قبل أي كلام! هو في أمل أنه يخف، ويرجع يقف على رجليه!
تجولت عيون شمس بحيرة حتى زفرت بيأس: -آكيد مش ده اللي شاغلني! ولا ده سبب رفضي.
كررت فادية سؤالها بتوسل: -ريحي قلبي بس، في أمل ولا هيقضي عمره كله كده.
شردت شمس تحت مظلة سؤالها وقالت بتنهيدة: -كل تحاليله والتقارير الطبية بتقول أنه كويس، بس مسألة وقت.
تنهدت فادية بارتياح: -طيب طمنتي قلبي، أنتِ بقا رافضة ليه؟ هل هو شخص وحش!
-لا أبدًا يا تيتا، بالعكس هو شخص مثقف وهادي جدًا ولو اتعاملتي معاه هتحبيه أوي، المشكلة مش هنا!
جزعت فادية من تشتت أفكارها وقالت: -أومال أيه بس!
-مش شبهنا! المجتمع اللي عايش فيه تميم مُرعب، ناس غامضة، ممكن تعمل أي حاجة عشان توصل للي عايزاه، عالم مفيهوش رحمة ولا قلب، أنا الأيام اللي قضيتها هناك كنت مرعوبة، مفيش مرة حسيت بالأمان!
رمقتها فادية بشفقة وهي تضمها إلى صدرها: -أهم حاجة راحة قلبك، مادام مش مرتاحة خلاص، ارفضي، أحنا هنعيش كام يوم عشان نعيشهم في خوف!
ارتمت شمس في حضن جدتها الدافئ وقالت بتوهة مغلفة بالشك: -وكمان مش عايزه اظلم تميم، ده حد وثق فيا!
ربتت فادية على ظهرها وقالت: -الأهم راحتك أنتِ، متفكريش في حاجة غير سعادتك، ده مش زمن التضحيات يا حبيبتي!
استيقظ فريد من نومه على صوت رنين هاتفه المُزعج، أجاب على المتصل ثم أنهى مكالمته سريعًا إثر تململ سارة بجواره معترضة على ازعاجه، ترك هاتفه وأخذ يُداعب شعرها القصير ثم تدلت أنامله على ظهرها العاري وقال في سره: -حقك هيرجع يا رسيل!
تقلبت سارة على جانبها الأخر ورفعت جفونها متمتمة بهذيان: -عاصي!
انكمشت ملامح فريد غاضبًا، فأدركت سارة سريعًا ما أردفت بدون وعي منها، اتسعت عيونها بصدمة وسألته: -أنت مين!
تبسم فريد بخُبثٍ: -أنتِ لحقتي تنسي! لا فوقي كدا!
اعتدلت سارة بتثاقل وهي تلملم شعرها بعشوائية وقالت: -اه فاكراك! أيوه أنت! أنت اللي كُنت في night club!
اعتدل هي الأخر من نومته وأخذ يكمل مسرحيته: -ما تيجي ننسى كل ده، ونتعرف من أول وجديد! عشان شكلك ناسية كل حاجة!
ضحكت بخفوت وهي تفارق فراشها وترتشف كوب من المياه وقالت بترحيب: -معنديش مانع!
جهر فريد بنبرة فضوله: -ما قولتليش مين عاصي ده اللي طول الليل ترددي اسمه!
توجهت سارة إلى ركُن المشروبات الكحولية وأخذت زجاجة وكأسين وقالت بأسف: -my eX.
اشعل فريد سيجارته بحماس في استقبالها وقال: -وراح فين!
رمت سارة ما بيدها في منتصف الفراش وقالت بعتب: -أنت مش لسه قايل ننسى كل اللي فات ونتعرف من أول وجديد!
ثم تناولت الزجاجة لتفتحها وأكملت: -انسى كمان إني كنت بقول اسمه وانا نايمة.
ادرك فريد مشقة المهمة في الوصول إلى ما يدعي ب عاصٍ عن طريقها ولكنه لم ينكر أنها على جميع الأحوال ورقة رابحة له!
عدم قُدرتنا على الصراخ تحولنا إلى قتلى افتراضيين، ذلك ما أحسته بمجاورته، بمقدار الأسئلة التي تتكدس برأسها ولم تجد لها جوابًا، أصر عاصي أن يوصلها بنفسه على رغم من اخبارها بأن السائق سيتولى تلك المهمة، ولكنه لم يعلم لمَ فعل هذا، لِمَ أجل اجتماعه لساعتين ومنحهم لها!
رفضت حياة بتاتًا الجلوس بجواره وصممت أن تجلس بالخلف، ولكنها لم تنج من نظراته الحارقة بالمرآة، ساد الصمت بينهم طويلًا حتى قطعته مترددة: -أنت مش وراك شغل!
أجابها بجفاء: -اتأجل.
أومات بعدم تصديق ولكنها لم تصمت بل سألته بنبرة استجواب: -أنت طردت الدكتورة ليه! ده جزاة اللي يقول الحق في الزمن دا!
رفع أنظاره بالمرآة متعلقًا بعيونها الزرقاء و رد ب اختصارٍ: -مالكيش فيه!
-يعني أيه مليش فيه؟
دار بمقود السيارة وأجابها بنفس النبرة: -يعني مش شُغلك!
عارضته مبررة: -بس دي اطردت بسببي!
-لا اطردت بسبب لسانها!
أحتلت الحيرة عيونها وهي تتأرجح فوق غرابة جُملته، اتكأت للخلف وأخذت تأكل في أظافرها بتفكير حول هوية ذلك الرجل الذي يغمره الغموض، صمتت طويلًا ولكن لم تصمت عيونهم عن التلاقي، كل ما تتلاقى في نقطة بالمرآة تتعمد تجاهله والتمعن بالطريق، شغلها الفكر في طريقة حديثه معها، ماذا حدث بينه وبين الشخص الذي كانت تعهده منذ دقائق!
لم تتحمل السكوت أكثر ثم أردفت بدون تفكير: -مفكرتش تروح لدكتور!
رفع عيونه إلى المرآة متعجبًا: -دكتور أيه؟
-أمراض نفسية!
مثل ما كانت جملتها كالرصاصة التي انطلقت من فوهة سلاح، كانت قدمه تضغط على فرامل السيارة بنفس السرعة التي جعلتها تقف فجاة محدثة صوتًا مرتفعًا جعلها تشهق بذعرٍ، بمجرد ما توقفت السيارة أغمضت عيونها متنهدة بارتياح إثر الخضة التي تعرضت لها ووضعت كفها على صدرها واتكأت للخلف وهي تبتهل بشكر.
مرت قرابة دقيقتين ثم فتحت عيونها ببطء فوجدته يطالعها بأعين حارقة من شدة الغضب، بللت حلقها متسائلة: -هو حصل أيه؟
ثم تلفتت حولها لتستكشف سبب وقوفه المفاجئ ولم تجد شيء، سألته بتجاهل: -وقفت ليه!
-أنتِ قولتي أيه؟
انكمشت ملامحها بخوف وهي تتراجع للوراء مجيبة بصوت مبحوح: -وقفت ليه!
هز رأسه نافيًا: -مش دي! اللي قبلها بقا؟
تأرجحت عيونها بحيرة ثم قالت بشكٍ: -قلت حصل أيه؟
أغمض عيونه بنفاذ صبر، فلحظت غضبه الذي لطخ وجهه بحُمرة التهجم، ثم تذكرت سريعًا: -ااه! قصدك على موضوع الدكتور؟ أنا مش قصدي حاجة على فكرة، أنا قُلت اللي لاحظته من أول يوم شفتك في! معقولة أنت مخدتش بالك؟
كظم غضبه الشديد من عفويتها وأخذ يعض على شفته السفلية بجزعٍ وعيون متسعة وقال: -لحد دلوقتِ أنا مقدر مرضك وحالتك! بلاش تختبري صبري عليكي أكتر من كدا. تمام؟
مجرد ما أنهي جملته اعتدل في مقعده وعاد مرة أخرى لقيادة السيارة إثر صوت الصخب بالخارج معترضًا على وقوفه الخاطئ، التصقت حياة بالباب متجاهلة النظر إليه وهي تهذي لنفسها: -أنا قلت أيه يعني يعصب؟ كل دا عشان بقوله شوف لك دكتور؟ وبعدين وانا مالي خليكي في حالك أنتِ كمان!
نزلت عبلة إلى الطابق السفُلي فالتقت بيسري خارجًا من غُرفة المكتب، أقبلت نحوه مُختالة: -أومال فين اللي مشغلك!
قفل يسري زر سترته ورسم ابتسامة مزيفة: -بيخلص شغل ضروري عشان راجعين نشوف حل في المصيبة اللي حلت دي!
أسبلت عيونها بفضول: -حصل أيه؟
-حضرتك متعرفيش؟ مش مشروع العلمين الجديد حصل فيه ماس كهربي، و تحول لرماد! وانا جيت أخد ورق المشروع عشان نشوف حل قبل الميعاد.
اكفهر وجه عبلة وسألته: -معرفتوش مين عمل كده!
-لسه مش عارفين، الحادثة بفعل فاعل ولا قضاء وقدر!
هزت عبلة رأسها، ثم غيرت مجرى الحديث: -عايزاك تعرفني عنوان البنت الدكتورة دي؟
يسري بغباء مفتعل: -ليه يا هانم!
نهرته بقوة: -انت تنفذ وبس، فاهم!
ثم انخفضت نبرتها متسائلة: -والبنت اللي ما تتسمى التانية عاصي خدها وراح فين؟
أنكر يسري معرفته وأخبرها: -معنديش علم سعادتك! بس هحاول أعرف لك، حضرتك عارفة عاصي بيه أكتر مني مش بيعرفنا غير اللي عايزه وبس!
كورت عبلة يدها وأخذت تضرب على مستند المقعد الذهبي وقالت متوعدة: -ماشي يا عاصي! أما نشوف أخرتها معاك!
في تلك اللحظة دخل تميم القصر بمساعدة أحد الرجال، دارت نحوه وبنبرة ساخرة: -أيه ده؟ وكمان أنتَ كنت بره؟ واضح أني آخر من يعلم في البيت دا؟
التوى ثغر تميم ببسمة ساخرة: -نسيت آخد الأذن!
تقدمت نحوه بخطواتها المختالة، متعمدة إثارة غضبه: -المهم، قريت الفاتحة للست مامتك ودعيت لها بالرحمة والمغفرة! أصل ذنوبها كانت كتير يا تميم!
لقد إعتاد تميم الأمر، وإعتاد على سخافتها الغير متناهية، وغيرتها الشديدة من أمه، ابتلع إهانتها بمرارة ثم قال بهدوء: -اتجدعني أنتِ بقى والحقي اعملي شوية حسنات قبل ما تحصليها!
ثم أخفض صوته مُحذرًا: -لاني للاسف لسه شايف لك رؤية مش مبشرة خالص يا لولي، خلي بالك!
ألقى عود النار في حقل حقدها المُتقد، وأشار إلى الرجل بأن يُعيده إلى غُرفته وتركها تحترق في نيران انتقامها، أخذت ترمقه بأسهم الشر حتى وصل إلى غُرفته ولم تستطع بلع تلك الإهانة ف ما استدارت للخلف وجدت عاصي يدخل من الباب حاملًا حياة بين يديه.
اشتعلت نيران غضبها أكثر وأكثر، جهرت معارضة: -وهي الهانم اتشلت مش قادرة تقف على رجلها؟
تجاهل عاصي توبيخ عبلة ثم أمضي دون أن يطالعها، بل اكتفى بقوله: -عبلة هانم! استنيني في المكتب!
ثم انصرف متجهًا ناحية الحديقة الخاصة بالقصر ومنها إلى جناحه الخاص، تعمدت حياة ألا تُطالعه وأن تتجنب حديثها معه نهائيًا حتى وضعها برفق على الفراش و أخبرها: -التليفون جمبك، متوصل بالمطبخ، لو احتجتي أي حاجة هتاخديها من الشباك! وكمان عندك التلاجة فيها أكل. شغلي التلفزيون، العبي في اللابتوب جمبك، المهم متعمليش دوشة! فاهمة؟
سألته باندفاعٍ: -ليه أنت رايح فين؟
سؤال مثل هذا لم يسمعه منذ زمن طويل، لم يكن متاحًا لمعرفة خط سيره والتحقيق معه بكل هذه الاسئلة سوى مها، طالعها بنظرات حادة ثم ولى وجهه منصرفًا وتعمد قفل الباب بالمفتاح ووضعه بجيبه عائدًا إلى القصر، وبالأخص مكتبه.
فتح باب المكتب فوجد أمه بانتظاره، دخل بصمت ثم جلس على مقعده الجلدي وأخذ يقلب ف الادراج باحثًا عن شيء ما، خرجت عبلة عن صمتها متسائلة: -أنت أيه حكايتك؟ أنت فاكرني عيلة صغيرة يا عاصي عشان تستغفلها؟
ترك ما بيده مستمعًا لها، ثم قال: -قولي اللي عندك مادام لسه شيفاني عيل صغير مستني توجيهاتك!
ضربت على المكتب بحدة وقالت بنبرة مرتفعة على عكس المُعتاد: -أيوه صغير وتصرفاتك كلها تصرفات عيل مراهق كمان! لما تجيب لي بنت من الشارع وتقولي دي مراتي! ولما تاخدني على أد عقلي وتتجوز بنت خالتك وتطلقها تاني يوم! ولما تسمح لبنتين مالهمش أي تلاتين لازمة يعملوا كده في أمك! واحدة مشيتها من القصر ومفكر إني مش هعرف أوصلها؟ والتانية لسه بتحميها وداخل شايلها وكأنك بتقولها براو على اللي عملته فيا؟ فوق يا عاصي؟ فوق لنفسك وأعرف أنت مين ومركز بيفرض عليك أيه.
تلقى عتابها بملامح ثابتة، لم تبد أي تعبير يوضح تأثيره عليه، انتظرها حتى تنهي حديثها الطويل، ثم سألها بهدوء: -خلصتي؟
انفعلت أكثر من هدوئه القاتل، وهتفت بحرقة: -أنتَ أيه؟ أيه غيرك كدا؟ ما طول عمرنا هدفنا واحد و بنشتغل سوا وبتسمع كلامي؟ جرالك أيه؟ مايكونش البنت دي هي السبب.
بمجرد سماع سيرتها تلون وجهه بدماء الغضب، وثار قائلًا: -ينفع تطلعيها من دماغك خالص! وافتكري أنك انت اللي بدأتِ، والبنت خدت حقها مش أكتر، لانها عارفة إني مش هقدر أعملك حاجة!
وثبت قائمة كعواصف أمشير وهبت في وجهه: -الله الله! دي طيرت دماغك خالص! ونستك إني أمك!
ثم انخفضت نبرة صوتها المهددة: -حل من الاتنين يا عاصي، يا تخلص من البنت دي! ياما تشتري عداوتي! قلت أيه؟
وثب قائمًا مُتحديًا لأمه وقال بنبرته الفخمة: -قلت أنك لو فكرتي تقربي لها يبقى أنتِ اللي اشتريتي عداوتي!
مساءً
هربت شمس من صخب رأسها وأيامها بالنوم، قضت قرابة العشر ساعات نائمة وغارقة في سبات عميق، حتى جاءت فادية لتوقظها، فتحت جفونها ببطء وسألتها: -الساعة كام!
-المغرب بيأذن، يلا قومي كُلي لك لقمة دانتِ على لحم بطنك من صباحية ربنا.
اعتدلت شمس من نومتها مستغربة: -يا خبر! أنت نمت كُل ده؟
ربتت جدتها على كتفها وقالت: -قومي يلا كفاية نوم، النوم مش حل. وأنا هجيب لك لقمة تسندك.
مسكت شمس يد فادية وقالت لها بهدوء: -استني يا تيتا. أنا فكرت في كلامنا!
رمقتها فادية بفضول لتعرف ردها: -ووصلتي لأيه!
بللت حلقها وقالت بتأكيد: -معاكِ حق، لازم أحب نفسي أكتر، وأن دا مش زمن التضحيات، عشان كده أنا هرفض عرض تميم.
عاد مُراد إلى شقته بعد يوم شاق من العمل ولكن الحماس كان يملأ قلبه إثر الحادث الشنيع الذي تعرض له عاصي مما أدى إلى تحول جميع العملاء إلى شركته، وإيداع اموال استثماراتهم عنده في مشروعه الجديد الذي جاء لينافس به عاصي.
دخل شقته التي يعمها الهدوء، وقفل الباب خلفها وتوجه إلى صالة المنزل فوجد كل شيء بمكانه، انبهر من ترتيب المكان ونظافته ورائحة البخور التي تملأه، انعقد حاجبيه بحيرة وهو يتساءل لنفسه: -مين عمل كده؟
تقدم إلى المطبخ ليرتشف المياه، ولكنه لم يقل ترتيبًا ونظافة عما كانت عليه الصالة، فكل شيء بمكانه المناسب، الحوض المكدس بالأطباق المتسخة دائمًا، تحول إلى إناء متسع يلمع من كثرة النظام. أغمض عيونه من هول ما رأي وهو يقنع نفسه باستحالة قيامها بكل هذا لعنادها أولًا، وسبب جرحها ثانيًا.
فارق المكان متوجهًا نحو غرفته التي أعادت ترتبيها، وتنظيف فراشه، ورص ملابسه المبعثرة بمهارة في الخزانة، وترتيب تسريحته وغيرها من اللمسات التي طبعت على الغرفة لون جديد لم يعهده من قبل.
نزع سترته وألقاها بعشوائية، ثم انتعل حذائه وتركه مكانه وتراجع إلى غرفتها، حاول فتح الباب ولكنه وجده مُغلق بالمفتاح من الداخل، دب الرعب في جوف عالية وهي تقف وراء الباب متلصصة وبنبرة مرتعدة: -نعم! عايز ايه؟
حاول فتح الباب مجددًا، و رد بعصبية: -يعني فاكرة أني مش هعرف افتح الباب لما تقفليه!
وضعت كفها على قلبها المرتعش كي يهدأ، ثم قالت: -عايزة أنام ممكن تبطل دوشة!
ركل الباب بقدمه بغيظ: -بتتحديني!
تعمدت ألا تجيبه، وتتعامل معه بطريقة الصمت والتجاهل، جُن من سكوتها، ف ثار مهددًا: -طيب اسمعي يا بنت دويدار، اللي عايزه هيتنفذ سواء برضاكِ أو غصب عنك!
انتظر ردها للحظات ولكن بدون جدوى، أطلق ثاني آكسيد غضبه منها وهو يضرب على الباب بقبضته الحديدية التي جعلتها تنتفض من مكانها وقال: -مش حتة بنت زيك تتحداني! فاهمة؟
لى يجد فائدة منها ومن صمتها الطويل حتى فرغ غضبه بالفازة الزجاجية وهو يهمشها على الأرض صارخًا بنبرة متعمدًا أن تصل لأذانها: -هنشوف يا أنا يا أنتِ؟
أحست حياة بالملل الشديد من التقلب بالتلفاز تارة، والتجول بعشوائية بين مواقع الإنترنت حتى تعثرت على أحد الكتب الالكترونية وقامت بتحميله وقراءته حتى مر نهارها ببطء شديد.
تركت الحاسوب ووقفت بصعوبة متحمله على ساقها التي تألمها ولكن فشلت في الوقوف عليها، فعادت مُجبرة إلى الرقود بالفراش لشدة الألم، وهي تتساءل لنفسها: -راح فين دا كمان؟ ومنين يقول لي مش محبوسة وهو قافل عليا زي المجرمين كده؟
نظرت يسارها فوجدت أحد الصور الفوتوغرافية له، طالعته بضيق وهي تتساءل لنفسها: وكيف أهرب منهُ إنهُ قدري
هل يملك النهر تغييرًا لمجراهُ؟
قلبت الصورة على وجهه كي لا تراه أمامها وقالت معترضة: -حتى في الصور مكشر! عليه بوز يقفل نفس الواحد من الحياة، وقال أيه اتعصب لما قولتله يشوف دكتور؟
ظلت تأكل في أظافرها بملل حتى تسربت إلى أنفها رائحة حريق، تجولت عيونها في المكان باحثة عن مصدر الرائحة ولكنها لم تجد، تجاهلت الأمر مفكرة بأن أحد الرجال يقومون بحرق نفيات القصر، ولكن مع مرور اللحظات الرائحة تشتد أكثر وأكثر، تحملت على ساقها السليمة وهي تسعل بقوة وفتحت أحد النوافذ ففوجئت بالنيران تحاصرها من كل الجهات!
كانت ك زهرة جميلة يحاوطها جيش من الدبابير إيهما سيفتك بجمالها أولًا؟
التعليقات