رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والأربعون
أحيانا نتمنى لو أننا ما سعينا خلف الحقيقة مطلقا، نشعر وكأن جهلنا بها لم يكن سوى رحمة بنا…
كذلك كان شعور طاهر وهو على مشارف معرفة الحقيقة بعد أن سمع حديث والدته المبهم، ظهر التوتر على سهام وهي تحدثه بعد أن أغلقت هاتفها:
أنت بتتكلم كده ليه يا طاهر؟
أشار على نفسه سائلا باستغراب: هو أنا اتكلمت قولت إيه؟، أنا بسأل وعايز تفسير للي سمعته، إيه اللي دارتيه على أخوكي، وست مين اللي عايشة بذنبها، ومعاملة عيسى ال…
بترت عبارته بقولها الخائف: وطي صوتك.
فدلف كردة فعل إلى غرفة فريد وأغلق الباب عليهما وهو يرد بهدوء: أعتقد مفيش أهدى من كده، محتاج أسمع بقى.
وقبل أن تقول أي شيء أضاف محذرا: وبلاش تقولي أي كلام يا ماما من فضلك، أنا واخد بالي على فكرة من التوتر اللي حاصل بينك وبين الحاج، وواخد بالي من زمان أوي من شكل التعامل بينك وبين عيسى وكنت بقول معلش، عيسى موت والدته أثر عليه وأكيد متقبلش فكرة حد ياخد مكانها، وبرضو بعده عن البيت وقعاده مع ميرت قولت أكيد هي قادرة تتعامل مع ده وتعوضه لكن بعد اللي سمعته ده أنا اتأكدت من إن في حاجة معرفهاش.
نزلت دموعها ولم يمنع هذا نظراتها الحادة من أن تطوله وهي تسأله باستنكار: ازاي بتكلمني بنبرة الاتهام دي؟
ضرب على جبهته بضجر هاتفا بانزعاج: المفروض أكلم ازاي يا ماما، قوليلي المفروض اتكلم ازاي علشان اسمع جواب للأسئلة اللي سألتها.
أعطاها ابتسامة متهكمة وهو يسأل من جديد وكأنه لم يسأل من قبل: في إيه يا ماما مخبياه عليا بلاش في إيه بينك وبين عيسى، ولانت نبرته وهو يطالبها برجاء: أنا ابنك ومهما حصل هبقى جنبك، قوليلي إيه المشكلة وأنا هتكلم مع بابا.
لم يحملها ساقيها، جلست على أحد المقاعد ونظرت للأرضية، لا يحمل وجهها إلا الأسى، ترى مقاطع متفرقة من كل شيء مرت به في حياتها، تمنت دائما ألا تضطر خوض لحظة كهذه أبدا ولكن ليست كل الأماني تُدرك.
تحرك ابنها ناحيتها، جلس على الأرضية أمامها ورفع وجهها بهدوء وهو يطلب منها بلين: بصيلي يا ماما متخافيش…
طالعته بخذلان فمسح العبرات عن وجنتيها وهو يسأل للمرة التي سأم من معرفة رقمها: في إيه يا حبيبتي؟
إجابته صعبة أوي يا طاهر.
قالتها بمرارة شديدة زرعت الخوف في روحه من القادم ولكنه أصر على إكمال ما بدأه بقوله: مش مهم، أنا عايز أسمعها.
لا مفر، وضعها في مأزق، ولن تستطيع الهرب، تعلم طاهر جيدا لن يصدق أي هراء، ينبغي عليها الآن التفوه بما يقبله عقله وإلا وقعت في فخ جديد وهو اتهامها بالكذب، ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تتحدث بألم: أخويا عمل غلطة كبيرة زمان، كبيرة أوي حاولت أمنعه عنها بس عملها من ورايا، وبعد ما عملها اضطريت اداري عليه، خوفت علشان هو أخويا وكمان خوفت اتاخد بذنبه وأنا معملتش حاجة، زي ما أنت بتخاف على اخواتك بالظبط.
بهت وجه ابنها وهو يسأل ويتمنى ألا تكون الإجابة ضربة في مقتل: عمل إيه؟
سحبت نفس عميق قبل أن تحاول إثارة عاطفته بقولها: الكلام ده ميطلعش برانا احنا الاتنين، محدش من اخواتك يعرف علشان خاطري يا طاهر.
هز رأسه معطيا تصريح بأن الحديث لن يعرفه أحد، وعلى الرغم من ذلك شعرت بانسحاب الأنفاس وقبضة مقيتة في فؤادها وهي تقول: منصور ضحك عليه ووعده بحاجات كتير لو خلص على أم عيسى.
ذاهلا يطالعها بغير تصديق، كانت نظراته موجعة لها، إنه الشعور الأقسى على الإطلاق وهي تخبره بشيء هكذا وأكملت وعبراتها في سباق تقص عليه البقية، سمع استرسالها وما إن انتهت حتى سأل بابتسامة تنكر ما قيل: ده مش بجد صح؟
كان غصب عني.
قالتها بحسرة رد عليها هو بنفور: يعني إيه غصب عنك، في واحد معاشش العيشة اللي أنا واخواته عيشناها بسببك أنتِ يا ماما؟، أنا مش مصدق.
تناولت كفيه وهي تهتف بقهر: والله العظيم حاولت أعوضه، حاولت أخليه يرجع كتير وهو صغير، قدامك وقدام ربنا عاملت فريد وحبيته أكتر ما حبيت عيالي اللي مخلفاهم، عملت كل حاجة في السنين اللي فاتت تخليني أكفر عن غلطتي دي، حط نفسك مكاني يا طاهر لحظة وخليك منصف.
أنا مش قادر أقول أي حاجة.
قالها بعينين حادتين واستقام واقفا فهرولت تمسك ذراعه وهي تقول بلوعة: طاهر لا استنى، استنى نكمل كلام.
أبعد ذراعها وتابع طريقه فلحقت به، كان عيسى صاعدا إلى الأعلى حين لمحهما هكذا على الدرج فسأل باستغراب: في إيه؟
لم ترد قول أي شيء حتى لا ينفعل طاهر وينتبه بقية من في المنزل، فقط مسكت بذراع ابنها من جديد: علشان خاطري اصبر.
حرر ذراعه منها وتابع خطواته على الرغم من صوتها المتلهف لأي حرف منه: طب قولي رايح فين.
في ستين داهية.
قالها بانفعال وما إن وصل إلى الأسفل حتى مسك عيسى بذراعه قائلا: في إيه يا طاهر مش كده، تعالى نقعد نتكلم.
هذه اللحظة تحديدا الانكسار الذي لمحه عيسى في عينيه لم ير مثله عند طاهر أبدا إلا الآن، وكأن طاهر يحمل نفسه آثام أهل الأرض جميعا، تكونت الدموع في مقلتيه مما أصاب عيسى بالصدمة، ما الذي حل بأخيه لتصبح حالته هكذا وقبل أن يسأل كان طاهر اندفع نحو الخارج كالصاروخ ولم يفلح معه ملاحقة عيسى أبدا، لم يذهب ناحية سيارته ليتبعه بل عاد إلى الداخل لها يسألها بغلظة بعد أن جذبها إلى غرفة المكتب الخاصة بوالده: عملتيه إيه…
قبل أن يكمل تمسكت هي بذراعه طالبة بنحيب وقد بان التوسل في نبرتها: بالله عليك شوفه راح فين وروحله، طاهر عرف، قوله يرجع وأنا هعملك كل اللي أنت عايزه.
قطع حديثها شهقتها إثر البكاء وهي تكمل: لو عايزني امشي من البيت ده خالص همشي بس اتكلم معاه، قوله أي حاجة.
تركها وغادر المكتب، لم يكن يدري كيف ستكون المواجهة مع شقيقه ولكنه خرج للبحث عنه، توقع ذهابه لمنزل سهام القديم وخاصة أن لا يعلم بوجود حسن هناك ولكن لم يكن توقعه صحيحا، ظل هائما يبحث عنه ولا يكف عن الاتصال على الرغم من أن الرد الآلي واحد وهو الهاتف المطلوب مغلق.
بدرت شهد إلى ذهنه فأسرع في مهاتفتها وبالفعل تلقى منها رد سريع، وصله الاستغراب في نبرتها فاعتذر: أنا أسف يا شهد معلش بس كنت عايز اسأل عن طاهر هو جالك؟
وضحت له بحيرة: لا مجاش بس هو في إيه، هو كويس؟
حصلت مشكلة كده ومش لاقيه، متقلقيش حاجة بسيطة، لو جالك بس كلميني
وقبل أن يغلق استوقفته قائلة: بص هقولك على مكان ممكن تلاقيه هناك، أنا وهو كنا بنقعد فيه.
كان حديثها كطوق نجاة بالنسبة له، أرشدته على ذلك المكان الهادىء على أطراف القرية، والذي اعتادا أن يجلسا فيه بمفردهما على إحدى الأرائك الخشبية التي أصبحت رفيقة لهم، وصل إلى هناك وبالفعل وجده، كان يجلس وحده صامتا، اكتفى بدفن رأسه بين ذراعيه حتى أنه لم يستجب لشعوره بحركة أحد، ظل على حالته وجلس عيسى جواره، ساد الصمت دقيقة قبل أن يقول عيسى: طاهر.
ولم يرد فاسترسل عيسى بحزن: أنت أخويا يا اهبل قبل ما تكون ابن عمي، أمك دي لو معملتش حسنة في حياتها غير إنها خلفتك أنا مستعد أسامحها لو حاولت تقتلني أنا شخصيا.
رفع طاهر رأسه، كان عيناه قد كساهما الحمرة من فرط البكاء وبدا على وجهه وكأن الكون بأسره هزمه اليوم، لذلك تمسك عيسى بذراعه طالبا برجاء: علشان خاطر أبوك عندك يا شيخ متعملش كده، الموضوع ده قديم أوي، واللي عمل كده ربنا خد روحه خلاص، وأنا سامحت على سكوتها…
قاطعه طاهر بانفعال صائحا: لو الموضوع ده قديم مكنتش تبقى لحد قبل وفاة فريد هاجرنا وبنشوفك بالعافية، لو كان قديم مكنتش حسيت أنا ورفيدة وحسن إنك بتكرهها، لو
لم يكمل ما يقول بسبب ابتسامة عيسى المتهكمة وقد تبعها قوله: على فكرة أنا كنت مرتاح؟، أنا حبيت ابني حياتي وأنا مرتاح، و طالما البعد في وقتها كان مريحني خلاص، ودلوقتي أظن إنك شايف أنا موجود علطول، وأنا مش بكره سهام.
جملته الأخيرة هذه جعلت طاهر يقول بألم: مش قادر أصدقك، مش قادر أصدق إنك مش بتكرهها ومتأكد إنك كداب.
تنهد عيسى بحزن قبل أن يقول بهدوء: حتى لو أنا كرهتها، أنت مينفعش تكرهها، دي أمك ومش هقولك هي اللي ربتك وكبرتك والكلام ده، بس هقولك إنها مستعدة تفديك بروحها، بتحبك أوي علشان أنت روحها يا طاهر…
ثم أكمل ممازحا: الإنسان بيلف كتير أوي لحد ما يلاقي حد يتقبله بكل عيوبه غير أمه، وفي الغالب مبيلاقيش، وأنت لاقي حد متقبلك ببلاويك متبقاش جاحد بقى.
بتقول كده مع إن سكوتها أذاك؟
سأله بحزن وهز عيسى رأسه مؤكدا: اه بقول كده علشان أنت أخويا، و أنا علشان اتأذيت مش هحب أشوفك بتتأذي، أنا نفسي بقولك عفيت عنها، ملكش دعوة بيا بقى، ولو جبت سيرة قدام حد من أخواتك يا طاهر هتبقى بتخسرني، بس أنا عارف إنك راجل ومش هتعملها.
هز طاهر رأسه بسخرية وهو يرد على أقواله: أنت مضحي بقى ومش عايزني اتأذي، وأنا اللي معنديش أصل وعادي إني أسمع إنك اتأذيت كل ده وأبقى عادي.
أنت مبتفهمش ليه؟، أنا مقولتلكش تبقى عادي، خد كل الوقت اللي أنت عايزه، بس هتوصل لإيه في الآخر، هتقاطع أمك؟
رد عليه طاهر سائلا باستنكار: إيه اللي بتقوله ده؟
فقال عيسى: اهو شوفت، مش هتقاطعها، يعني أنا متكلمتش في حاجة غلط، هتغضب شهر، شهرين، سنة حتى، هتحس إنك متضايق وحاسس بالذنب بس في الآخر هترجع علشان دي أمك، وأنا جيت رفعت عنك حرج ده وقولتلك أنا عفيت وسامحتها على الحقيقة اللي خبتها عايز تعمل وش ليه؟، بحبها بكرهها حاجة ترجعلي وأنا بقولك أهو يا عم مبكرهاش بطل دراما بقى ده أنت لو طليقتي مش هتبقى كده.
ملكش دعوة يا عيسى بيا وقوم شوف حالك الله يكرمك.
قالها طاهر بضجر فأحاط عيسى بعنقه عنوة هاتفا بغيظ: تعالى بقى أنا اتخنقت منك.
ابتسم طاهر على الرغم من حزنه الشديد، وحاول التملص منه حتى تحرر أخيرا، وقال: مش هعرف أمشي الدنيا عادي على الأقل دلوقتي، هفضل مديونلك بكتير أوي يا عيسى.
ما تتداين إيه يعني، هتتعمل عليا ولا إيه؟
ضحك طاهر وهو ينظر للأرضية، وابتسم عيسى واستكمل برفق وهو يربت على كتفه: خليك بعيد يومين، روح اقعد في البيت القديم.
قضي شوية وقت مع شهد أنتوا مبتتقابلوش كتير استغل أجازتك وصفي الدنيا وانسى كل حاجة، اخرج أنت وهي ويزيد وقضي وقت استمتع فيه علشان لما ترجع تبقى قادر تواجه وتتكلم وتسامح.
لمح هاتفه الذي اهتز باسم والده فهتف: أنا هروح علشان أبوك، ابقى افتح تليفونك لأني كلمت شهد علشان اسألها عليك وهي اللي قالتلي على المكان هنا، كتر خيرها والله كان زمانك ملففنا عليك ولا العيل التايه.
وكزه طاهر في صدره فعلق عيسى ضاحكا وهو يتفاداه: بص بص اللي كان متداينلي من شوية.
استقام واقفا وهو يضيف: هبقى اجيلك بالليل، هتلاقي حسن في البيت التاني ابقى اشغل نفسك واسأله على المصيبة اللي عملها وأبوك طارده علشانها.
أبدى طاهر استغرابه وأراد تفسير ولكن قال عيسى وهو يغادر: لا لا أنت هترغي، وقتي ميسمحش خالص.
ابتسم طاهر بحنان وهو يتابع رحيله والتفت له عيسى ملوحا له، قبل أن يختفي تماما ويتركه بمفرده يفكر في كل ما حدث من جديد، يفكر ولأول مرة يعرف كم أن التفكير الزائد عن الحد ليس إلا قتل سريع جدا يجعل صاحبه يخشى ألا ينجو منه أبدا.
جلست مريم وحيدة بعد أن غادر نصران الذي أوصلها إلى منزلها بعد ما وقع من ابنه في ابمرسم، طلب منها أن تقص عليه كل شيء فسردت له بعد تردد وما إن انتهت حتى قال: أنتِ زي بنتي يا مريم، وأنا مرضاش لبنتي حسن إلا لو انصلح حاله، علشان كده قولتله ونصحته قبل كده يركز في مستقبله، بس أنا برضو مرضاش لبنتي إنها تعالج غلط بغلط تاني.
قصد أمر تلك الخطبة التي قد قررت الموافقة عليها، وشعرت هي بالحرج فأكمل: أنتوا الاتنين غلطتوا، والغلط الأكبر على ابني، متروحيش تغلطي تاني وتقبلي بخطوبة أنتِ عارفة إنك هتظلمي جدع ملوش ذنب فيها، أنتِ لسه صغيرة والعمر قدامك طويل إن شاء الله، ركزي في مستقبلك وأجلي الموضوع ده.
هزت رأسها موافقة فربت على كتفها بحنان وهو يكمل: ولو على حسن أنا هعلمه الأدب ومش هيجي ناحيتك تاني.
رأى الحزن في عينيها وقد أوشكت على البكاء فطمأنها بقوله: لو حاله اتصلح في يوم ولقيتي نفسك لسه باقية عليه فكري واديه فرصة، لو منصلحش ولقيتي نفسك برضو باقية عليه يبقى بتظلمي نفسك وأنا مرضهاش ليكي.
شكرا يا عمو أوي.
قالتها بامتنان حقيقي لذلك الرجل الذي لا يكف عن تعويضها هي شقيقتيها عن مشاعر حُرِمن منها، عن الأب الذي لم يعش معهم إلا القليل، لم يكن يعلم هو أنه حين يعود لمنزله سيجد ما ساد من الهرج والمرج، علم ما حدث وثارت ثورته وهو يسأل سهام معنفا في غرفة مكتبه: و
عرف ازاي طاهر يا سهام؟
وحتى ردها بدا بالنسبة له مائعا فهتف بحدة: أنا سكتت علشان العشرة والعيال اللي بيننا، ورضيت تفضلي في البيت ده، لكن كل شوية تعملي عملة تزود الطين بلة، لو عيالي اتفرقوا بسببك النهاردة هتطلقي.
وكأن الكون بأكمله أجمع أن يتآمر عليها اليوم، بعد قوله هذا سمعا دقات على باب غرفة مكتبه، كان عيسى ودخل بهدوء وحين سأله والده عن طاهر هتف: طاهر كويس، أنا اتكلمت معاه، سيبه بس يهدى يومين بعيد عن الجو هنا.
عايز تطلقني يا نصران بعد كل ده؟، بعد العشرة والسنين وكل اللي بنيته معاك، هتستغنى عني علشان حاجة أقسمتلك بالله إنها كانت غصب عني؟
سألته بقهر بعد أن اطمأنت على وضع ابنها وقبل أن يرد نصران عليها هتف عيسى محدثا والده: بابا مفيش حد هيمشي من البيت ده، علشان خاطر رفيدة وحسن ويزيد وحتى طاهر لما يرجع، مش لازم كل حاجة تبوظ، مش اللي اتبنى في أكتر من 30 سنة هيتهد في يوم، اطلع ارتاح دلوقتي وبلاش كلام وأنت متعصب، واتطمن على طاهر.
قرر بعد صمت طال أن يغادرهما ولكن نادته سهام وهي تجذب إحدى الشنط من على الطاولة، استدار لها فأعطته إياها بدموع وهي تقول: دواك، خده قبل ما تنام.
طالعها مطولا قبل أن يأخذ ما بيدها، مشاعر متضاربة كلها تعصف به، وما إن رحل تماما حتى جلس ابنه على أحد المقاعد بأريحية، فتح البراد وأخرج مشروبه المفضل، وبدأ في تناوله وحين طالعته هي هتف بابتسامة شامتة: صباعك اتحط تحت ضرسي النهاردة مرتين، تفتكري واحد غيري كان ممكن يعمل معاكي إيه؟
لم تعطه رد بل أخذت تضرب على الطاولة بإصبعها بتوتر فهتف بحدة: متعمليش كده.
توقفت عن حركتها هذه وأكمل هو أثناء وضعه الساق فوق الآخرى: هو أنتِ خايفة ليه؟، خايفة علشان مش هتعرفي تبقي حاجة غير كبيرة البيت ده ومرات كبير البلد زي ما عيشتي طول عمرك مش كده؟
ردت عليه بحدة وقد أزعجها قوله: خايفة علشان عيالي، خايفة علشان بحب أبوك وربنا عارف باللي في القلوب، خايفة علشان مش عايزة أشيل ذنب أكبر بكتير من اللي عملته…
قاطعها وهو يؤكد بابتسامة غامزا: و علشان تفضلي كبيرة البيت برضو، ده طبع الإنسان على فكرة، وبالذات لو خد على العز.
ثم أضاف بتهكم: وطبعا هتقولي لا و محصلش، بس أنا وأنتِ عارفين إنه حصل، ده أنتِ الدنيا قامت عندك مقعدتش لما قولت هتجوز ملك، عارفة قامت ليه؟، علشان كنتي عايزة تختاري جوازات تقدري تتحكمي فيها، يبقوا تحت طوعك علشان تفضلي محافظة على مكانك ومحدش يسرسب السجادة من تحت رجلك.
حرام عليك بقى، ارحم بقى أنا تعبت.
هتفت بها بقهر، وهي تواجهه فرد عليها: احلفي إني كذاب في حرف من اللي قولته.
لم تفعلها واستقام هو، وترك مشروبه قبل أن يكمل: الرحمة في إيد ربنا مش في إيدي، حتى لما أراد وأذن والكورة بقت في ملعبي النهاردة، عملتلك خدمة عمرك، سواء من ناحية طاهر، أو من ناحية أبويا…
احتدت نظراته وهو يصارحها: كدبت وقولت إني عفيت مع إن صوت أخوكي يومها لحد النهاردة مفارقنيش لحظة، قولت لطاهر أنا سامحتها علشانكم، مع إني كان نفسي أقوله أنا سكتت علشانكم، فرق كبير أوي بين السماح والسكوت علشان أذاكي وكسرتك يأذوا حبايبي، كبير قد البجاحة اللي تخليكي تقفي قدامي وتقوليلي حرام عليك.
حذرها بآخر عباراته: افتكري كويس أوي اللي أنا عملته معاكي النهاردة، العفو عند المقدرة ده طلع صعب، وأنا قدرت عليكي النهاردة مرتين وعفيت وضربت شيطاني بالجزمة، علشان لو كنت سيبته كان زمانك خسرانة كتير أوي النهاردة.
أنهى حديثه وتخطاها ثم استدار فجأة كمن تذكر شيء بعد نسيانه: البابل تي.
أخذه من على الطاولة وقلد نبرتها حين ندهت والده قائلا: نصران الدوا.
ضحك وغادر الغرفة تماما، يتفنن في إثارة غيظها، حتى وهو يتحدث عن عفوه وإحسانه يشعل غضبها ولا يكف عن المضايقة أبدا.
كانت ندى في غرفتها كعادتها في الفترة الأخيرة، تعبث في الهاتف بملل، وكأن حياتها توقفت منذ أحداث طلاقها، ولكن مهما حدث كان المهم بالنسبة لها أنها تحررت من أسر هذه العائلة، دقت إحدى العاملات بالمنزل على بابها فاستقامت وتوجهت ناحية الباب لتفتحه، سمعت بعدها قول السيدة: في واحد تحت عايز خليل بيه، ولما قولتله إنه مش موجود طلب يقابل حضرتك.
مقالش هو مين؟
كان سؤالها الذي أجابت عليه الواقفة أمامها بالنفي فطالبتها بالانصراف وقد قررت اللحاق بها، نزلت بعد عدة دقائق إلى أسفل، لتجد آخر من توقعته، إنه باسم، بدا الضيق جليا على وجهها، لا تنسى له كيف ذهبت بعد طلاقها إلى مقر عمله من أجل الاعتذار عن كل شيء، فطردها بكلماته وجرح كرامتها دفعها كل هذا إلى سؤاله بانزعاج بعد أن صرفت المساعدة: خير؟
مفيش ازيك طيب، اتفضل أي حاجة؟
قالها بمراوغة ردت هي عليها بابتسامة صفراء: لا مفيش وخير تاني؟
ضحك وهو يطالع الأرضية ثم رفع وجهه يرمقها وهو يقول: كنت جاي لوالدك في شغل وبما إنه مش هنا، قولت ممكن أبلغك تبلغيه، بس نسيت إنك مبتفهميش
احتدت نظراتها فتصنع هو أنه يصحح بنفس ابتسامتها الصفراء: قصدي على الشغل.
ونتيجة لغضبها تفوهت ب: وافتكرت؟، اتفضل حضرتك من غير مطرود بقى.
وأمام غضبها هذا كان رده باردا مثيرا للأعصاب: شكرا جدا يا حبيبتي، هي المحبة بتخلي اللسان ينقط زفت كده أنا عارف.
كان رده كافيا لجعلها تدفعه نحو الخارج ولم تتوقع منه أنه على حين غرة تشبث بها وكان يحاوط خصرها، فحاولت دفعه وهي تصيح باستنكار: أنت اتجننت
وكان الرد قول واحد بدل عينيها الغاضبتين إلى ساهمتين به: وحشتيني.
بعدها حررها وكأنه أدى رسالته، غادر كما جاء، وثبتت هي مكانها مصدومة تتابع أثره، ودقاتها متسارعة، لا تنكر إنجذابها له خاصة في الفترة الأخيرة، بدأت تراه بعين آخرى غير التي رأته بها من قبل، ولكنها لا تعلم دواخله وأقصى ما تخشى هي الدواخل هذه.
إيه ده، ها إيه ده؟
سألته بغيظ وهي تشير على ذراعها الذي دون عليه بالقلم، فرد الممدد على الفراش بأريحية:
كتابة.
قالها عيسى بابتسامة كادت أن تقتل ملك وتابع وهو يشير على دفترها الموضوع على الطاولة المجاورة للفراش:
كاتبة إيه عني بقى؟
ذهبت لتجلس جواره وهي تهتف بتوعد: كاتبة إني عايزة أخنقك.
متقدريش بتحبيني.
وهنا لم تستطع إلا أن تبتسم، مسحت على خصلاته فصارحها هو: أنا تعبان.
اقتربت أكثر وتناولت كفه وهي تطالعه قائلة باهتمام: مالك؟
تنهد بتعب قبل أن يعبر عما بداخله منهكا: عندي أفكار كتير أوي، كلهم بيتخانقوا مع بعض في دماغي، المفروض إن الفترة دي أحاول أكون أهدى، وأبعد عن التوتر، بس أنا التوتر بيجري ورايا بالمشوار.
ابتسمت على جملته الأخيرة ثم أخبرته مقترحة: اليوجا على فكرة بتقلل التوتر.
اقترحها عليه نور من قبل، وأكملت هي الآن: افصل كده بيها عشر دقايق وانسى كل حاجة.
ثم بدأت بتقليد ما رأته من مقاطع مصورة على يوتيوب: بص هو في طريقة منهم بيقعدوا كده.
جلست أمامه حيث كان ظهرها مستقيما وبطنها مسترخية إلى أقصى حد، وكانت تعلم أنه من التعليمات أن يجب الجلوس تربعا ففعلتها، ثم ضمت يديها كما رأت تماما وأغمضت عينيها وهي تقول بابتسامة:
وكده بقى الانسان المفروض يسترخى ويتأمل.
فتحت عينيها، ووجدته على مشارف النوم فعلقت بانزعاج: ده منظر واحد هيسترخي ويتأمل.
لا هو أنا هعملها والله بس لما أقوم، علشان حاليا ده منظر واحد هينام علشان مصدع…
ضحكت ثم بدأت في المسح على رأسه بحنو وهي تقول برفق: طب نام يلا.
فتح عينيه يطالع الجالسة جواره ليقول بنظرات ناعسة: مهما شوفت، عيني مش هتشوف أحسن منك أتأمله
كست الحمرة وجنتيها وابتسمت وهي تسمعه يتابع بما جعلها تسرح في عينيه من فرط تأثرهما:.
زمان كان في واحد بيحب واحدة هنا في البلد، واتقدملها كذا مرة واترفض، أبوها مكانش عنده غيرها كان بيحبها أوي، وخايف يديها لأي حد وكان مشهور عن أبوها إنه بيسبح كتير لربنا فالراجل اللي بيحبها راحله عند بيته وكتب على الباب:
سبحان الذي خلق فأبدع فأذهل عبده بعينيها اللاتي لم يغرق إلا في بحورهما.
ضحكت ملك بتأثر وأكمل عيسى ضاحكا: فأبوها جابه قاله أنت اللي كتبت كده؟، قاله اه، قام قايله لو عملتها تاني هشتكيك، لكن صحي تاني يوم ولقاه برضو كاتب على بابه
سبحان الذي خلق فأبدع فأذهل عبده بمن هام عشقا بها.
وساعتها أبوها عرفه وقاله في التالتة هشتكيك خاف على نفسك، قعد الراجل يوم والتاني والتالت ومجاش، لحد ما فات أسبوع.
سألت ملك بلهفة: نسيها ولا رجع؟
هز عيسى رأسه نافيا وهو يسرد عليها باقي ما حدث بعينين هائمتين بها:
بعد أسبوع أبوها صحي لقى مكتوب على بابه:
سبحانك ربي خلقتها فأبدعت، وصورتها فأحسنت.
و ملكتها قلبي ولا اعتراض فالأمر كله بين يديك…
و سلطت والدها وردعني.
ولكن بعزتك ما كنت أهلا للهجر…
فالحمد لك ألف مرة على ما دبرت.
والحمد لك ألف مرة على ما أعطيت…
ولو ترأف بحالي وتكتبها لي.
أكن أسعد عبادك على وجه البرية يا ذا الجلال والمن.
وختم بابتسامة متأثرة: قام أبوها بعد ما قرأ الكلام ده قايل: سبحان الذي سخر فؤادي له، ووافق وجوزهاله.
رأى الفرحة في عينيها على هذه النهاية التي أنعشت فؤادها وبان تأثرها أكثر وهي تقول:
الكلام اللي قاله عنها حلو أوي و…
وقبل أن تكمل بتر هو عبارتها قائلا وعيناه لاتفارقها، وكفه يحتضن كفها:
سبحان الذي خلق فأبدع فأذهل عبده بعينيها اللاتي لم يغرق إلا في بحورهما…
طالعته بشغف وأكمل هو ماسحا على وجنتها: سبحان الذي خلق فأبدع فأذهل عبده بمن هام عشقا بها…
سبحانك ربي خلقتها فأبدعت، وصورتها فأحسنت.
و ملكتها قلبي ولا اعتراض فالأمر كله بين يديك…
والحمد لك ألف مرة على ما دبرت وأعطيت.
وجعلتني أسعد خلائقك على وجه البرية بأن كتبتها لي يا ذا الجلال والمن.
قبلت باطن كفه وهي تطالعه بحب وهتفت بصدق عاجزة عن قول أي شيء: أقول إيه قدام كل اللي قولته ده؟
متقوليش حاجة، تعالي في حضني.
احتضنها بابتسامة وهمست له: بحبك.
تمنى أن تتوقف الحياة هنا، حيث هذه اللحظات التي يشعر فيها بسعادة تسلبه من نفسه، سعادة مهما أتى بعدها من حزن…
لا يفلح في جعله ينساها أبدا.
التفوا ثلاثتهم حول مائدة الطعام، هنا في منزله بالاسكندرية، وحرص شاكر على حث والدته بقوله:
كلي واتطمني، علا هتبقى في حضنك النهاردة.
لوكت والدته الطعام في فمها بغير رضا، و انتبه هو إلى بيريهان سائلا بابتسامة:
إيه الحلاوة دي؟
ضحكت بخجل وهي تهمس له: بس علشان مامتك شكلها متضايق حرام.
بدأ في تناول الحساء وهو يخبرها ضاحكا: دلوقتي المحروسة هترجع، وتتنطط من الفرحة.
بالراحة يا شاكر معاها علشان خاطري.
طالبته برجاء وهي تربت على كتفه وهز هو رأسه موافقا وهو يبتسم لها، قطع جلسته هذه اتصال أتاه فاستأذن منهما ودخل لغرفة المكتب، سريعا ما بدر لذهن بيريهان حديث ابنة عمها عن مراقبته، حاولت نفض هذه الأفكار عن رأسها خاصة وهي ترى والدته التي لا يُخفى عنها أي حركة صغيرة، بينما هو في الداخل استمع إلى محدثه ثم قال بانفعال:
يعني إيه مش عارف؟، ويعني إيه مبتخرجش.
مبتشمش هوا، مبتطلعش برا البلد تشتري حاجة، بتتعلم المشي هي لسه علشان تقولي مبتخرجش غير معاه؟، كده أنت اللي مش عارف تعمل حاجة.
أعطى المتحدث على الطرف الآخر مبرراته قائلا: والله يا شاكر زي ما بقولك كده، أنا مبسيبش مكاني قرب مدخل البلد، وهي مبتخرجش، ولو خرجت بتبقى مع جوزها.
أنا مليش دعوة بالكلام ده، اتصرف بدل ما اتصرف أنا معاك.
قالها شاكر وأنهى الحديث بضجر، جلس على أحد المقاعد، ثم أجرى هو اتصال آخر وحين أتاه الرد هتف مرحبا:
باشا، أخبار معاليك إيه.
استمع للإجابة بملل ثم قال بتودد: طب الحمد لله، كنت عايز منك طلب، معاليك عارف طبعا إني بدأت البيزنس بتاعي، وكنت عايز منك تسهلي كام ورقة كده معصلجين معايا شوية.
لم يكد يكمل حديثه حتى وجد أمه تقتحم الغرفة صائحة بخوف: ا
لحق يا شاكر.
أغلق الهاتف سريعا وسأل بقلق: في إيه؟
تخطاها وخرج ليجد زوجته تقف مع رجال الشرطة وتسأل من ترأسهم: في إيه يا حضرة الظابط؟
معانا إذن بتفتيش الشقة.
قالها بجمود وعلى الرغم من ذلك بدا شاكر باردا تماما عكس الفوضى التي تعصف بداخله وطلب: عايز أشوف الإذن من فضلك.
أعطاه الضابط ما أراد، وسمح لهم شاكر بهدوء وهو يردع والدته عن النحيب: بس يا حاجة، احنا مش مجرمين، خلي الباشا يشوف شغله علشان لما يعمله أشوف هعمل إيه.
كانت بيريهان خائفة من كل ما يحدث وأحاطها هو بذراعه طالبا منها الاطمئنان، ومر وقت حتى فرغ رجال الشرطة تماما وخرجوا تباعا لمن يترأسهم: ملقيناش حاجة يا فندم، والخزنة اللي في المكتب مقفولة.
توجه شاكر بطواعية إلى غرفة المكتب، فتحها لهم وأعطاهم الفرصة ليروا ما بها وما إن انتهوا حتى هتف بسخرية: ممكن أعرف بقى حضرتك بتدور على إيه وفي إيه بالظبط؟
هز الضابط رأسه يقول بابتسامة: أكيد طبعا، بس أنا عندي معلومات إن البيت ملحق بيه مكان والدك كان بيستضيف فيه الضيوف في الخارج، ياريت تيجي معانا علشان يتفتش هو كمان.
هتف شاكر بحدة مسرعا: المكان ده مقفول من ساعة وفاة الحاج.
رفع الضابط كتفيه في إشارة منه على أنها التعليمات: زي ما حضرتك قولت من شوية ده شغلنا، وأنا مفيش حد يقدر يمنعني عن شغلي.
فكر شاكر لدقيقة قبل أن يذهب معهم، اجتهد ونجح في أن يبدو جامدا وكأن الأمر بأكمله لا يعني له شيء، دخلوا إلى تلك الغرفة المتواجدة بالخارج وبدا عليها بالفعل أنها شبه مهجورة، بدأوا في التفتيش، وتوجه رئيسهم ناحية إحدى الطاولات الواقعة في زاوية ما على الأرضية، عدل من وضعيتها ليجد أن بها عدة أدراج، فتح أولهم أمام نظرات شاكر التي لا تتركه، وبيريهان ووالدته وقد تملك الخوف منهما، حوى الدرج مجموعة من الأوراق، ارتدى الضابط قفازات قبل أن يتناول أي شيء حتى وجد أسفلهم هاتف، تفحصه أولا بهدوء ثم رفعه أمام عينين شاكر سائلا: بتاع مين ده؟
بدا واثقا، ثابتا وهو يجيب بابتسامة تدل على جهله: معرفش بتاع مين، من ضمن الكراكيب الموجودة اعتقد.
بينما داخله كانت دقات قلبه في سباق عنيف
هز الضابط رأسه وهو يكرر خلفه: متعرفش عنه حاجة، طب كده بقى حضرتك هتيجي معانا القسم شوية.
هتفت بيريهان باعتراض: يا فندم في إيه بس مينفعش كده، أنتوا دخلتوا البيت فجأة ومحدش اعترض، وعمالين تفتشوا في كل مكان كأننا سارقين حاجة، حضرتك أنا بيريهان ثروت الأسيوطي بنت…
بتر الضابط عبارتها قائلا بآلية: عندي علم يا مدام بحضرتك، وبعتذر جدا لكن ده شغلي.
ثم وجه نظراته إلى شاكر قائلا: حضرتك لازم تيجي معايا علشان متقدم فيك بلاغ رسمي، وفي القسم تعرف كل حاجة إن شاء الله.
شهقت والدته بلوعة وهرولت تتشبث بذراع ابنها، وراقبت بيريهان ردة فعل زوجها لتجده يقول بهدوء تام وابتسامة رزينة: مفيش مشكلة.
أبدى استعداده التام للذهاب ثم قال بأدب: ممكن بس كلمة مع حضرتك على انفراد؟
هز الضابط رأسه بترحيب وتملص شاكر من قبضة والدته، توجه مع الضابط إلى إحدى الزوايا طالبا: أنا هاجي مع حضرتك بس بالعربية وياريت تقبل ده، الموضوع إن شاء الله سوء تفاهم وهيتحل، وكمان علشان الشوشرة وكده.
وافق الضابط على ذلك على الرغم من غير قانونيته، ثم بادر شاكر بالسؤال الثاني: وياريت فضلا أعرف إيه البلاغ.
تنهد الضابط بملل، ثم طالعه وهو يخبره: حضرتك متقدم فيك بلاغ إنك قتلت فريد نصران.
بهت وجهه ولكنه استجمع ثباته وقوته وهو يسأل: مين اللي مقدم وقال الكلام الغريب ده؟
أخت حضرتك أنسة علا.
كان قول الضابط بمثابة القنبلة الموقوتة استقبلها شاكر كدلو ماء بارد سُكِب على رأسه، جعله يسبها وينعتها داخله بما لم يسمعه إلا هو: اه يا بنت ال
ثم هز رأسه قائلا بابتسامة رسمية وقد حاول قدر الإمكان أن يكون طبيعيا جدا: حاضر أنا هاجي معاك.
قول يعلم أنه سيتبعه مواجهات عدة، لا يعلم ماذا عليه أن يفعل الآن، ولكنه يعلم شيئا واحدا وهو أنه لن يكون الخاسر، سيبذل قصارى جهده حتى لا تشوبه شائبة، حتى يخرج وأمانيه أغلبها مُدركة كما اعتاد دائما، سيفلح لا يعلم كيف ولكنه على يقين تام من أنه سيفلح.
التعليقات