رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الثاني للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع
(حيلة ماكرة! ).
تخفت برداءٍ أسود يشابه عتمة الليل الكحيل، حتى ملامحها بهتت من خلفه، وبالرغم من أن تابع الملك يحرص على تخفيها عن الأعين جيداً الا أنها كانت تتوخى الحذر، وقفت الملكة رودوليت من خلف الحارس بشموخٍ تنتظره حتى يحرر مقبض الباب الصدفي العملاق، ليريها الطريق السري المختصر للقاعة، فما أن ولجت حتى خلعته عنها لتنحني برأسها قليلاً: فليحيا ملك ميغالودون العظيم.
ابتسامة طفيفة ارتسمت على شفتي بيلين فأشار لها بقبولٍ لتحيتها التي أرضت غروره: أهلاً بملكةٍ الحوريات المتمردة رودوليت.
بادر الضيق على معالمها جراء سماعها لسخريته الواضحة؛ ولكنها تناستها عن عمدٍ فهدفها الأول والأخير هو القضاء على لوكاس وابنه، لازمت الصمت إلى أن قطعه الملك متسائلاً: ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟
أجلت أحبالها المنقطعة، لتسرد على مسمعه: أنت تعلم بالعداوة التي تجمعني بلوكاس.
قاطعها بلهجةٍ ثابتة: وما شأني بالذي بينك وبينه؟
قالت بجراءةٍ وجدها بحديثها: عدو عدوي صديق لي، أنا أريد الثأر من لوكاس وابنه وأنت تريد عرش السراج الأحمر، أليس هذا الهدف المشترك يجبرنا على التعاون سوياً!
راقبها بصمتٍ جلد ملامحه كالوحش الماكر، وكأنه يحسب كل كلمة قالتها، انطوت صفحة الصمت مجدداً حينما عبث بكلماته المستهزئة: لست بحاجةٍ لمساعدتك لتحقيق هدفي.
أسرعت بالحديث، قائلة: لا تظن بأن القضاء على لوكاس هو أمراً هين، ربما بقتل ابنه يسهل الأمر ولن يحدث ذلك دون مساعدة مني.
نهض عن عرشه ليظهر بجسده الموروبوس المخيف، فأختفى من القاعةٍ بأكملها، التفت باحثة عنه لتشهق بفزعٍ حينما وقف من أمامها وعينيه يكسوها اللون النحاسي الباهت ثم قال: لست ضعيفاً لأحتاج لمساعدةٍ وضيعة منك. إن شئت سأقتلك هنا بالحال ومن ثم سأفتت عظام ديكسون هذا الذي يظنه البعض خارقاً.
لعقت شفتيها بخوفٍ إستطاع شمه بسهولةٍ، لتوضح مقصدها: أعلم ذلك لذا أنا هنا لأنني بحاجة لمساعدتك مولاي. أريدك فقط أن تنصت إلى فما سأخبرك به.
أشار لها بحدةٍ: أسمعك.
سردت رودوليت خطتها الشيطانية على مسمعه، فبدى مقتنعاً بها لذا قال بهدوءٍ: وإن كان هدفك الترياق لما لم تقضينها بابنتها منذ البداية؟
أجابته ببسمةٍ خبيثة: لأنها تمتلك قوة مختلفة لم أراها بحوريةٍ من قبل والأهم من ذلك أن ديكسون وقع بغرامها.
أومأ برأسه بثباتٍ، ثم عاد ليتساءل مجدداً: وكيف ستتمكن من قتله بمفردها؟
ابتسمت وهي تشير له بأصبعها بفخرٍ: لا تستهان بابنتي، ألماندين جامحة كالنيان.
عاد ليجلس على عرشه بجسده الضخم، وهو يردد باعجابٍ من سماع كلماتها المتباهية بابنتها: من المؤكد بأنني سألتقي بها ذات يوم.
التمعت حدقتيها بخبثٍ داهي: بالطبع ستراها كثيراً.
ثم ارتدت ردائها مجدداً، لتنحني من جديد: والآن أسمح لي بالمغادرة. وقريباً سأعود لزيارتك من جديد.
أشار بعينيه للحارس الذي أرشدها للخروج من تلك المتاهة المخيفة التي تملأها رؤؤس الأفاعي، التي يتغذى عليها شعب الميغالودون، انتهت من سلك تلك المتاهات لتغادر وابتسامة النصر تلوح بالأفق، اقترابها من تحقيق أحلامها الثمينة جعلها تذوق طعم الأمل، فنجاحها باخفاء هدفها الحقيقي بالاستيلاء على عرش لوكاس جعلها تتمكن من السيطرة على ابنة شقيقتها التي تخفي عنها سراً سيجعلها تساند العدو ضدها هي، والآن تمكنت من خداع ملك ميغالودون!
بمملكة الحوريات التابعة للمملكة راوند.
أطرقت بيدها على العرش وهي تردد بانفعالٍ تام: لقد تمادت رودوليت كثيراً. ظنت أن صمتي عما تقترفه ضعفاً.
تأملت أحد الحوريات حالة الغضب التي سيطرت على راوند بخوفٍ من القادم، فمن المؤكد أن تلك الحرب الدامية سيدفع ثمنها دماء الحوريات التي سيفتك بينهما، ألتهبت عين راوند وهي تتابع بشراسةٍ: عليها الآن مواجهتي كفى صمتاً عما تفعله بمملكتي. الا يكفيها ما فعلته وتظن بأنها تنتقم لموت شقيقاتها!
ثم تخفت لتعود سريعاً لمملكة السراج الأحمر، قاصدة جناحها لتنتظر عودة بيرت عله يفيدها بما تفكر بفعله.
وقفت على باب الجناح بارتباكٍ من المضي قدماً، تود الاقتراب منها، ضمها لصدرها ولكنها تخشى رد فعلها، أليس هذا مؤلماً حقاً؟
غريزة الأمومة التي تمنحك عاطفة نهايتها موجعة بحقك، وبالرغم من ذلك تدعس الكرامة وما يفوقها من سمات أسفل قدميها في سبيل تخفيف أوجاع الابن أو الابنة، هكذا مضت روكسانا لتقترب من إيرلا التي منحتها نظرة ساكنة وكأنها كانت تتوقع قدومها، طال رداء السكون فيما بينهما، وحينما قررت روكسانا قطعه أسرعت إيرلا بالحديث: أرجوكِ لا أود الحديث الآن. دعيني وشأني.
انهمر الدمع بعينيها، وانفطرت الكلمات كعقد من ألماس تفتت فزهقت قيمته: ما الذي فعلته لأستحق تلك المعاملة إيرلا ما الذي أصابك ليجعل قلبك بتلك القسوة؟
رفعت رأسها لتتطلع إليها بجفاءٍ، ثم قالت: لم أتفاجأ كثيراً بحديثك. دوماً ترينني قاسية القلب و ديكسون هو الحنون البار بكِ أليس كذلك!
جحظت عينيها في صدمةٍ حقيقية وهي ترى إلى أي مدى تغيرت فتاتها المدللة، فتراجعت للخلف حتى أصبحت على باب الجناح من جديد، لتخبرها قبل أن ترحل: أشعر وكأنني فقدت ابنتي بمكانٍ أجهله.
ثم غادرت لتتركها تواجه جحيماً أعددته هي بذاتها!
حينما يشعر بالضجرٍ يختار من بين أماكنه المنعزلة بعنايةٍ، فأختار تلك المرة الاسترخاء على جذوع تلك الزهور المتشابكة، لتغدو جذورها غليظة كجذوع الشجر، حتى ورقاتها كانت كالحرير الذي يرطب الجلد بنعومته، شردت حدقتيه في تأمل شعاع القمر الأحمر الذي يتسلل خلسة بأرجاءٍ السماء مانحاً بحمرته لوناً مميز يطوف بالسماء كالموجٍ الذي يتبختر بجماله الخالد، شقت الابتسامة جفاء شفتيه حينما شعر بوجوها، قبل أن يضيف: تشتاقين لي سريعاً.
عبث ألماندين بحاجبها لتستكمل طريقها للأعلى حتى أصبحت أمام عينيه، فاستندت بذراعيها على أحد الجذوع ومن ثم تمددت على ورقات أحدى الزهور لتجيبه بسخريةٍ: أهناك من يشتاق لمن يبغضه!
إتكأ بجسده حتى صار مقابلها، ليتابع بقوله الماكر: ولماذا تتابعيني إذاً أيتها الحورية الشرسة!
بغرورٍ أجابته: حتى أتمكن من قتلك يا ابن البشرية.
رغم أن تلك الكلمة تستخرج وحشه القابع خلف عرينه المتين الا أنه ابتسم وهو يخبرها بنظراتٍ غامضة: أمتلك إسماً رائع غير هذا.
ضيقت عينيها بسخطٍ: أناديك مثلما شئت.
تطلع لها مطولاً قبل أن يتحدث بجديةٍ: لا أعلم ما الذي فعلته بي حتى أحتمل ما تقولينه بصدرٍ لم يكن رحب بسماع تلك الكلمات من قبل.
هامت بعينيه التي استزفت جزء مجهول من قلبها النابض، تلك الربكة اللعينة تجعلها تختبر الضعف لجواره لأول مرة، صفن بها وصفنت يديه بخصلات شعرها الرمادي، ليعبق رحيقه أنفه وكأن الزهور استمدت من عبقها رائحة خاصة، دقائق طالت بهيام العينين ولحظات كادت بها أن تعترف له بأنه شخصاً لطيف، بعيداً كل البعد عن تلك الجرائم المشنة التي ترويها لها خالتها باستمرارٍ، ولكن ماذا عن هدفها ورغبتها بالأنتقام؟
أبعدت ألماندين يديه عن وجهها، لتشير له بارتباكٍ ظهر بحدتها المصطنعة: لا تقترب مني هكذا مجدداً.
ثم نهضت وكادت بالمغادرة، ليحلق سريعاً ومن ثم حملها ليرتفع بها عالياً ليضمن حصارها الكامل، ليجعلها أمامه ترى عينيه وتستمع لكلماته بوضوحٍ: أعلم بأن هناك من يساعدك بقصري لمعرفة الأماكن التي أزورها بين الحين والأخر. وهو نفس الخائن الذي دفعك لإثارة كل هذا الشغب.
حاولت التملص من يديه بخوفٍ ظهر على ملامحها وهي تراه يتحكم بقواها، فاستطرد بنفس لهجته المخيفة: هناك من سمم عقلك تجاهي وتجاه المملكة فجعلك تنفذين رغباته دون اعتراض.
تمتمت وهي تلتقط أنفاسها بانفعالٍ: إتركني.
تأملها قليلاً، قبل أن يجيب: سأفعل.
ثم انخفض ليتركها تلامس الأرض بقدميها، ليقف أمامها من جديدٍ وهو يهمس بثباتٍ قبل أن يغادر: حينما تمتلكين الجرءة للحديث عما فعلته بكِ تعلمين أين تجديني؟
ثم تخفي ليتركها بحالةٍ من التشتت، أصبحت لم تتمكن من تحديد هويته أو تحديد ما يريده قلبها.
بين غيوم الليل الكحيل وظلماته وقف يتطلع لحاجز مملكته العتيق بشرودٍ جعله لم يشعر بوجود أبيه لجواره، فرفع الملك شون يديه على كتفيه وهو يتساءل بحزنٍ: لأول مرة لم تشعر بمن خلفك قبل أن يصل إليك. ماذا بك بني؟
استدار لوكاس ليكون في مجابهة أبيه، ليجيبه بابتسامةٍ يسكنها الألم بوضوحٍ: لطالما ربحت الحروب التي خضتَها، ولكني خسرت بمعركة الحياة أبي، خسرت ابنتي التي لا تفكر الا بعنادي حتى ديكسون لا يؤيد أي قرار أتخذه فيخترقه دوماً.
أشار له الملك بالجلوس، وبنفس ذات البسمة البشوشة قال: حينما اشتد عودك وحملت السيف لأول مرة كدت بقطع أطرافك وحينها هرعت إليك بُوران ركضاً وقبل أن تصل إليك أوقفتها وأمرتها بأن تترك. حينها عاتبتني بأنني أبٍ قاسي القلب ومع ذلك تقبلت ما قالته بابتسامة صغيرة، وحينما مرت الأيام ورأت بعينيها قوتك ومهارتك التي يخشاها الجميع علمت لما كنت أفعل ذلك معك.
والتقط أنفاسه على مهلٍ وهو يستكمل: أعلم أن الأمر مختلف كلياً ولكن عليك بأن تتحلى بالصبر بني. ديكسون يحبك كثيراً ولا يعارضك تحدٍ منه بل خوفاً بأن تصنع عقوبتك فجوة كبيرة بينك وبين ابنتك.
تمعن لوكاس بما قاله والده بحرصٍ شديد، حتى صعد لجناحه فإنجرفت قدميه لجناح ابنته، وقف لجوار فراشها يتأملها بحنانٍ وهي غافلة باستسلامٍ، ليردد بصوتٍ منخفض: إن كانت تجمعك صداقة بمملكة الشارق فلينهي أبيكِ العداء الذي يجمعه بملكها.
ثم طبع قبلة صغيرة على جبينها، ليغادر بحذرٍ حتى لا يفيقها، ومن ثم توجه لجناح ديكسون فتمدد على فراشه البارد ينتظر عودته، وحينما استمع لصوت احتكاك قوي رفع صوته وعينيه تحدق بالفراغ: تتأخر كثيراً بالعودة.
تفاجأ به ديكسون، فأنحنى قليلاً مردداً: مولاي.
ثم تساءل باهتمامٍ: هل حدث مكروه؟
اعتدل لوكاس بجلسته، ليجيبه بابتسامةٍ صغيرة: أهدأ، أردت الحديث معك فحسب.
رد بوقارٍ: بأمرٍ من الملك.
تطلع له مطولاً ليختمها بإشارة يديه: اقترب ديكسون.
إنصاع اليه ثم اقترب ومن ثم جلس لجواره مثلما أراد، ليبدأ لوكاس بالحديث والابتسامة تلاحق كلماته: ذكرني أبي بطفولتي فابتسمت حينما تذكرت بعضاً منها، شعرت وكأنني اهتديت لشيئاً فقدته منذ زمناً بعيد.
ووضع يديه على كتفيه وهو يسترسل: أتعلم ديكسون حينما إختارني السيف لأكون حامله شعرت بذلك اليوم وكأن عبئ المسؤولية وقع على عاتقي، وبالرغم من ذلك كنت أطمح بالمزيد حتى وإن كانت ستزداد متاعبي، التهيت بالحروب ولم يستنى لي التفكير بأن يكون لي يوماً ولداً!
ونهض عن الفراش ليحلق بجسده عالياً فأتبعه ديكسون ليخرج من الجناح المنحوت من الكهوف والصخر الغامض، ليصبح أمام الحاجز الذي يحب تأمله، فعاد ليستطرد بحبورٍ: لا أعلم ما الذي دفعني للاستماع إلى ضي فوجدت نفسي أقبل بك وأرغم برؤيتك. كنت تستمد قواك مني والآن أستمد منك قوتي.
واستدار ليصبح مقابله، فردد ديكسون باستغرابٍ: لماذا تقص على هذا؟
رفع كتفيه بحيرةٍ: لا أعلم، ربما لأني شعرت بأنني قسوت عليك بعض الشيء وخاصة اليوم.
بتفهمٍ شديد قال: ليست قسوة أبي فأنت بنهاية الأمر الملك هنا!
ثم استكمل بحزنٍ: أنا من خالف أوامرك، ولكنني كنت أود أن لا يتصعد الأمر بينكم أبي.
احتضنته لوكاس وهو يردد بحنانٍ: أعلم بني، أعلم.
احتضنتها الفرحة وقبلت شفتيها السعادة باسمة حينما رأت بعينيها ذاك المشهد الذي بعث الطمأنينة لقلبها المجروح، ابتسمت روكسانا وهي تتأمل ما يحدث أمامها، فأقتربت لتصبح على مسافةٍ قريبة منهما ثم قالت بمشاكسةٍ: أشعر بالغيرة مما أراه، ولكنني لا أنكر سعادتي حقاً.
ابتعد لوكاس عنه وهو يتطلع لمن تحدثه ليغمز لديكسون بمكرٍ: أشم رائحة حروق بليغة تتصاعد من ذاك الأتجاه هل هذا أنت؟
ضحك ديكسون ثم قال بخبثٍ: أعتقد بأنها من ذاك الاتجاه التي تقف به ملكتك الفاتنة.
لوت شفتيها وهي تردد بضيقٍ: هل عدتما لمضايقتي من جديد!
أشار له لوكاس بحزنٍ مصطنع: متى حدث ذلك؟ أرأيت بني ماذا تفعل بي؟
رأيت.
تدخلت روكسانا بالحديث، قائلة بانفعالٍ: أنك ماكر حقاً لوكاس.
أجابها في دهشةٍ: ماذا؟، هل يتجادل البشر فيما بينهما بتلك الألفاظ المهينة بعالمكم لا تنسي بأنني الملك هنا على الأقل إظهري لي بعض الإحترام.
عبث ديكسون بحاجبيه بمللٍ من تلك المشاحنة التي لن تنتهي حتى الصباح، فقال ببسمةٍ مصطنعة: حسناً، لأتركما بمفردكم سأغادر الآن.
وتخفى سريعاً قبل أن تتطاول الأمور فيما بينهما، كادت روكسانا بأن تستكمل مبارتها الحاسمة فخطفها لوكاس ليظهر سريعاً بجناحهما، ثم تمدد لجوارها على الفراش وهو يخبرها بمكرٍ: هيا. لنستكمل ما كنا نفعله بالخارج هنا على الأقل لا يرى أحداً الملك والملكة يتشاجرن ليلاً كالمراهقين!
تشاركا الضحك سوياً، لتغفل بين ذراعيه بعشقٍ يحاوطها أينما كان هو لجوارها، ليفيض عليها بما يتشاركن به سوياً.
بجناح ضي
استيقظ لوثر من نومه حينما وجد الفراش فارغ من جواره، نهض يبحث عنها حتى وجدها تجلس جوار بركة المياه التي تضيئها القواقع الصفراء وعدد من المرجان الذهبي الخالد، تمرر أصابعها على سطحها ببطءٍ وشرود عميق، جلس جوارها ثم وضع يديه على وجهها ليتساءل بلهفةٍ: لماذا تجلسين هكذا حبيبتي؟
رفعت عينيها لتقابل نظراته الشغوفة بها، فقالت بهدوءٍ: أفكر في الانتقال للعيش مع إيمون بمملكة البيتراء.
تجاعدت معالمه، فعاد ليتساءل من جديد: هل حدث شيئاً لا أعلمه؟
نفت ذلك وهي توضح له: أود فقط الإقتراب من إيمون. الا يحزنك تشتت عائلتنا الصغيرة هكذا!
صمت قليلاً ثم قال: بلى، ولكن لم يكن ذلك رأيك من قبل كنتِ تودين البقاء هنا لأجل والدك.
سحبت نفس عميق، ثم نهضت لتعود للفراش: ابني يحتاج لوجودي أكثر من أبي، فالجميع جوار الملك أما إيمون فبمفرده.
اتنقل لجواره بسرعة الرياح، ليمرر يديه على طول ذراعيها بحبٍ: حسناً. غداً سنذهب سوياً.
ابتسمتها أشرقت شمس يومه الجديد، فضمها لصدره بحبٍ شبيه بالطفل الصغير الذي يشدو على عوده يوماً بعد يوم حتى صارت روابطه متينة.
تلألأ قرص الشمس بالسماء معلناً قدوم صباح جديد تصاحبها إشراقة جديدة، لتلامس المرآة الصغيرة التي تحملها روكسانا لتتطلع لإنعكاسها بانبهارٍ شديد، فقد ارتدت فستان طويل من اللون الأزرق يكسوه بطانة من اللون الأبيض الذي أضاف رونق خاص له، ومن ثم ارتدت حذاء أبيض اللون، لتحرص على إرتداء أشياء مبسطة لا تلفت الانتباه إليها فاليوم وبعد غياب ستذهب بزيارةٍ بصحبةٍ ديكسون، انتفض جسدها فزعاً حينما وجدت من يحاوطها، فاستدارت للخلف بانزعاجٍ: ستقتلني ذات مرة لوكاس.
أجابها ببراءةٍ زائفة: أعتقدت أن قلبك يشعر بي مثلما أشعر بكِ.
أبعدت يديه عنها وهي تشير له بأصبعها بتحذيرٍ: لا تجبرني على التفكير جدياً بعدم العودة إلى هنا.
ابتسم وهو يجيبها بغرورٍ: حاولي فعلها إن شئتي.
منحته نظرة غليظة فتعالت ضحكاته بتسليةٍ، ليظهر بعد قليل ديكسون بعدما استأذن بالدخول، ففتح ذراعيه ليشير لها بمرحٍ: ملكتي الفاتنة مستعدة لقضاء رحلة ممتعة بعيداً عن هذا التوتر؟
تعمقت بالتطلع للوكاس قبل أن تشدد من إجابتها: أجل مستعدة.
ثم تمسكت به، فأشار لها لوكاس بوجومٍ: ستعودين بنهاية الأمر روكسانا وحينها سأرى أي توتر تختبريه!
ضحكت وهي تشير ل ديكسون: هيا قبل أن يوقفنا.
تخفى بها سريعاً ليجابه الرياح بسرعةٍ تفوقها، كاد الهواء أن يمزق وجهها من حدته فتشبثت به بقوةٍ لتنتهي تلك المعاناة سريعاً، ثم لتجد ذاتها على سطح منزل لينا، فركضت للأسفل كطفلة صغيرة تشتاق لرؤية فرد من أفراد عائلتها، طرقت الباب ودقت الجرس سوياً، لينفتح الباب ومن ثم قابلها صوتاً منزعج: ماذا يحدث؟
بترت الكلمات على لسانها حينما رأتها تقف أمامها فصرخت بحماسٍ وعدم تصديق بآنٍ واحد: روكسانا لا أصدق!
احتضنتها روكسانا بفرحةٍ ليدوم عناقهما طويلاً ومن ثم تتبعه البكاء الحارق الذي يبوح بكلماتٍ من الشوق والحنين لبعضهما البعض، أزاحت لينا دموعها وهي تشير لها بالدخول، فولجت للداخل لتجلس على الأريكة ثم تساءلت بفضولٍ: أين إريكا و كيفن؟
جلست مقابلها وهي تجيبها بدموعٍ يملأها الشوق: كيفن بالخارج و إريكا بغرفتها، سأناديها.
خرجت بعد قليل بصحبتها، فاختفت الابتسامة المرسومة على وجهها حينما رأته يجلس أمامها، حتى هو كان يتهرب من التطلع إليها، بادرت روكسانا باسئلتها الفضولية مستغلة استأذان لينا لتحضر لهما العصائر، فسألتها بلهفةٍ: أخبريني إريكا لماذا عودتي قبل أن تخبريني؟
ارتبكت فلم تجد المناسب لقوله، وبعد صمت مطبق إختارت به ما ستقوله: شعرت بالضجر قليلاً، فوددت العودة لقضاء بعض الوقت برفقة أصدقائي.
لم تقتنع روكسانا بما استمعت إليه؛ ولكنها التزمت الصمت حتى لا تشعر لينا بشيئاً، اكتفت بمراقبتها وهي تتطلع لديكسون بشرودٍ وحينما تتقابل أعينهم تستدير للجهة الأخرى، وضعت لينا المشروبات على الطاولة ثم قالت بابتسامة عذباء: كنت أترقب زيارتك بصبراً كبير، الا تعلمين أني أشتاق لرؤيتك ومع ذلك تبتعدين كثيراً.
ارتشفت من المشروب بتلذذٍ وهي تجيبها: وأنا أشتاق لرؤياكي، تعلمين جيداً بأنني لا أمتلك سواكما، أنتِ و كيفن عائلتي.
احتضنتها لينا بحبٍ كبير، ثم جذبتها لتشير لها بحماسٍ: دعينا لا نضيع وقتاً فلنذهب للتسوق.
ابتسمت بسعادةٍ ثم لوحت ل ديكسون قائلة: لن نتأخر كثيراً.
وغادروا سوياً ليتركوا المجال لكلاهما بالحديث عما مر من مواجهة حطمت الطرفين، عبث ديكسون بأصابعه وهو يتأمل الشرفة بصمتٍ، تابعته بعينيها بضيقٍ فطال ترقبها لأن يكسر الصمت فيما بينهما ويبدأ هو بالحديث، وحينما صدح رنين هاتفها استغلت الفرصة لتجيب عليها أمامه متعمدة الحديث بحبٍ شديد: مرحباً جوردن
أنا بخير وأنت كيف حالك؟
اليوم، حسناً سأراك بعد ساعة من الآن.
وأغلقت الهاتف ثم وضعته على الطاولة، فتساءل ديكسون باستيرابةٍ: من هذا؟
أخفت بسمتها بفرحةٍ من نجاح خطتها كما ظنت، فأدعت انشغالها بالهاتف وهي تقول: صديق لي.
ثم اعتدلت بجلستها، لتتساءل: ولماذا تهتم؟
أجابها بثباتٍ: ألا يحق لي ذلك؟
تحرك فكيها ناطقاً: لم أعني هذا.
ثم قالت بعد تفكيراً خبيث: كنت أود الحديث بشأن ما حدث بالمرة الأخيرة.
قاطعها قبل أن تستكمل: دعك مما مضى.
صدمت ببدء الأمر كانت تظنه سيحاول إصلاح الأمر ولو قليلاً؛ ولكنها لم تجد أي جدوى فاستكملت حديثها: أختلط الأمر على قليلاً؛ ولكن الآن حينما أحببتك جوردن علمت بأن هناك فرقاً كبيراً بين الحب والصداقة.
ابتسم وهو يخبرها براحةٍ: أجل، هناك فرقاً بالتأكيد.
ثم استطرد: سعيداً لأجلك كثيراً إريكا.
التهمت النيران قلبها الملتاع، ومع ذلك سيطرت على إنفعالاتها لتردد بصوتٍ محتقن: فلتذهب معي لتلتقي به.
هز كتفيه بهدوءٍ: حسناً، سأذهب معك.
بمملكة البيتراء.
تعجب إيمون كثيراً حينما وجد والدته وأبيه قد أختاروا البقاء معه بتلك الفترة التي بها غريباً بعض الشيء، إن كان هو يميل للعزلة وخاصة بما يمر به بالتحديد فهو سعيداً كونهما جواره بوقتاً شعروا به بوحدته، ولكن بداخله ظل يتردد سؤالاً واحد هل بوجود الأحبة لجواره سيملأ فراع قلبه!
بمملكة الشارق.
تلوت الأوربوروس بخفةٍ لتتبع رائحته العالقة، فوجدته يجلس جوار القصر بمسافةٍ قليلة، تضاعف حجمها لتتلوى من أمامه وكأنها تخبره بأنها حصلت على مبتغاه، فسمح لها سامول بلدغه لتنقل له ما رأته طوال غيابها الصباحي، فنقلت أمامه صورة حية لها وهي غافلة على الفراش كقطعة من الفيروز الصافي، فتح عينيه بابتسامةٍ شعت بحبٍ صريح لها، فلم ينكر سعادته حينما أرته الأوربوروس أخر مكان زارته، فنهض ليتجه إليها، أما هي فكانت تقترب من الوصول لباب القصر الداخلي حينما وجدته يقف أمامها، بدت السعادة واضحة على وجهها، فاقتربت لتقف مقابله، فتساءل ساخراً: الا تخشين غضب الملك تلك المرة!
تطلعت له مطولاً قبل أت تجيبه: لا أخاف أحداً، أفعل ما أجده صائباً.
أصبح قريباً منها وهو يتحدث بحيرةٍ: وما هو الصائب من وجهة نظرك.
تعمقت بعينيه البنية ذات اللون المعسول ولسانه يهمس: الصائب أنني أشعر بالإرتياح لهذا المكان، . لا أعلم إن كان لوجود صديقتي الوحيدة أم لأني أحبك سامول.
تلك الكلمات الأخيرة التي نطقتها جعلته عاجز عن إختيار ما سيقول، إرتبك ولأول مرة أمام جراءتها بالإعتراف بحبه، ترقبت سماع أي رد فعل منه؛ ولكنه وجدته ساكناً، هائم الفكر لينهي كل شيئاً قائلاً بحزمٍ: عودي إلى رشدك إيرلا أي حبٍ هذا الذي تتحدثين عنه.
قالت بثقةٍ: حبي لك.
ابتسم ساخراً: تقصدين عدو أبيكِ!
أخبرتك كثيراً أن لا علاقة لي بعداء أبي.
وماذا إذا انتهى العداء الذي لا يعنيك بقتله أو بقتلي؟
ابتلعت ريقها وهي تتساءل في صدمةٍ: ستقتل أبي؟
أجابها بجفاءٍ: مثلما قتل أبي.
هزت رأسها وهي تردد بشراسةٍ: لن أسمح لك بذلك.
ابتسم وهو يردد ساخراً: أين ذهب حبك الآن.
ابتسمت رغم الدمع الذي يلمع بعينيها: إعتدت عدم الحصول على شيئاً رغبت به وأحببته منذ الطفولة.
نهشت كلماتها جوارحه، فشعر بما يؤلمها وكأن تلك الكلمات مختصراً كامل، انزعجت حينما فضحتها دمعاتها بذاك الجانب المظلم من حياتها البائسة، فابتعدت لتغادر سريعاً المملكة، فأسرع سامول من خلفها: انتظري إيرلا.
توقفت عن المضي قدماً حينما وقف مقابلها، ليتحرك فكيه ناطقاً: لستِ وحيدة، فنحن لجوارك مملكتي باستقبالك كلما أردتي القدوم.
ابتسمت وهي تشير له برأسها: أشكرك.
ثم غادرت لتتركه يتأمل كيانها المرئي بشرودٍ، يفهم في هذا الحب الذي نشأ بظروفٍ غامضة، بين بنت عدوه اللدود!
استعدت إريكا للذهاب بصحبة ديكسون للقاء بصديقيها، ارتدت فستان أحمر طويل ثم تركت العنان لشعرها القصير الذي لامس أكتافها، فذهبوا سوياً للقائه، تعجب جوردن كثيراً حينما رأها تهم بالإقتراب منه مع شابٍ غريب يراه لأول مرة، جلست إريكا على أحد المقاعد ولجوارها جلس ديكسون، فتطلع الأخير لها في دهشةٍ، فقالت: أعرفك ديكسون.
جلس مقابله وهو يتفحصه ساخراً: هل هذا هو ابن خالتك الخارق!
تطلعت له بنظراتٍ حارقة: تحدث بتهذبٍ جوردن.
حاول ديكسون فهم ما يحدث فيما بينهما، فحينما اشتد الشجار بينهما صاح بحدةٍ: ما الذي يحدث هنا؟
كاد بأن يجيبه فقاطعته إريكا قائلة: لا شيء جوردن يمزح فحسب.
ثم برقت بعينيها إليه فتحلى بالصمت وهو يتطلع لديكسون بنظرةٍ فضولية تستكشفه بتعجبٍ، مر الوقت على ديكسون ببطءٍ قد أفتقد به رؤياها، أما إريكا فكانت تفعل المستحيل حتى ترى الغيرة واضحة في عينيه؛ ولكنه لم يعنيه الأمر مما زاد غضبها كثيراً، انتهى اللقاء وحان وقت العودة، فنهض جوردن ليجذب مفاتيح سيارته ومتعلقته الشخصية قائلاً: دعني أوصلكما للمنزل.
قالت بدون أي تعابير: حسناً.
لحق بهما ديكسون للخارج، فما أن وصلوا للسيارة حتى صعق جوردن حينما وجد السيارة يملأها الزجاج المكسور من كل ناحيه ولجوارها يقف عدد من الشباب المشاغبين الذين يعلمهم جيداً، وخاصة حينما ردد أحداهما: أخبرتك بأننا سنعود مجدداً!
التعليقات