وبالفعل، خرجت صدفه من المنزل ودموعها تنهمر، تتمتم بصوت مبحوح:
عصران: “يلا يا ست صدفه، عشان أوصلك المحطة قبل ما الحج يرجع.”
صدفه: “حاضر يا عصران.”
ركبت صدفه السيارة، وألقت نظرة أخيرة على البيت، كأنها تودعه للأبد.
صدفه: “أمانة عليك يا عصران، خلي بالك من عيالي.”
عصران: “متقلقيش يا ست الناس، عيالك في عيوني، وأمي كمان هتاخد بالها منهم. خلي بالك انتي بس على نفسك، ولما توصلي بالسلامة طمنينا. خيتي، حداها تلفون، وهنتحدد فيديو أنا وهي وأمي بعد شوية، وهي عنديها علم. ربنا يستر طريقك يا رب.”
في المنزل، كان يونس قد خلد إلى النوم بعد كل ما حدث، ولم يستيقظ إلا بعد ثلاث ساعات. كانت صدفه في القطار الذي تحرك بها بعيدًا، بينما رجع عصران إلى البيت، ودخل إلى الملحق الخاص بالخدم، ونام بعد أن طمأن والدته على صدفه.
بعد فترة، نزل يونس من غرفته وذهب ليطرق على باب الملحق، لكن لم يجبه أحد. نادى على عصران، لكنه لم يرد، فأخرج هاتفه واتصل عليه.
يونس: “ألو، أيوه يا عصران؟”
عصران (بنعاس): “يونس بيه؟”
يونس: “افتح الباب.”
قام عصران بسرعة وفتح ليونس، الذي دخل إلى الملحق.
يونس: “صحّي أمك، خليها تبعتلي ستك صدفه.”
عصران: “حاضر يا بيه، اتفضل حضرتك.”
دخل يونس وجلس في الصالة، بينما ذهب عصران ليطرق على باب غرفة والدته.
عصران: “أماه، أماه، يونس بيه عاوز ست صدفه.”
خرجت أم سامية وهي تتثاءب.
أم سامية: “فيه إيه يا بني، عاوزينها ليه؟”
عصران: “يونس بيه عاوزها.”
أم سامية: “حاضر، هخش أصحيها.”
دخلت أم سامية غرفة صدفه، نادت عليها، لكن لم يأتِ أي رد. اقتربت من السرير فلم تجدها، فخرجت بسرعة.
أم سامية: “الست صدفه مش هنا.”
عصران: “يمكن في الحمام، خشي خَبّطي عليها.”
دخلت أم سامية، نادت عليها، لكن لم يأتِ أي رد، ففتحت باب الحمام، وكان فارغًا.
يونس (بقلق): “تكون راحت فين؟”
عصران: “يمكن في الجنينة.”
يونس: “الجو برد، هتعمل إيه في الجنينة؟ نروح ندور عليها.”
أم سامية: “دقيقة، لقيت ورقة على السرير اللي كانت نايمة عليه.”
يونس: “هاتِيها.”
أخذ يونس الورقة وبدأ يقرأها :
“السلام عليكم، أنا صدفه، سبت البلد ومشيت، وسِبت كل حاجة، حتى عيالي. حرمتوني منهم، لكن ربنا حافظهم وحارسهم. وأنا حجّي عند الله، وحسبي الله ونعم الوكيل فيكم كلكم. ربنا يوريني فيكم يوم. والحمد لله على كل حال.”
كور يونس الورقة في يده، والغضب بدأ يظهر في عينيه.
يونس (بصوت منخفض لكنه غاضب): “ليه بس كده يا صدفه؟ روحتي فين؟ والله يعلم أني كنت هقف في ضهرك وأرجّعلك حقك من كل اللي ظلموكي. يا ترى روحتي فين بس؟”
التفت ناحية أم سامية.
يونس: ” مشوفتهاش وهي ماشية؟”
أم سامية: “هي جالتلي إنها هتنام، وأنا كمان نعست، ومحسيتش بحاجه واصل.”
يونس: “راحت فين بس؟ لا معاها بطاقتها، ولا فلوس، ولا أي حاجة. أنا لازم أطلع أدور عليها. يا رب تكون لساها في البلد.”
عصران: “أنا جاي معاك يا بيه، ربنا يطمنا عليها.”
وخرجوا بسرعة في محاولة للبحث عن صدفه قبل فوات الأوان.
وبالفعل، ركب يونس سيارته ومعه عصران، وانطلقا من المنزل ليبدآ البحث عن صدفه في كل مكان قد تخطر على بالهما. جابا الشوارع، المحطة، والمواقف، لكن دون جدوى، كانت وكأنها اختفت تمامًا.
______________________________________
وفي المنزل، نزل عيسى ممسكًا بذراع زوجته إنعام، التي كانت مستندة عليه، تعبها النفسي والجسدي واضح في ملامحها. خرجا ليجدا بوابة المنزل مفتوحة، وسيارة يونس غير موجودة.
عيسى (بتعجب): “الباب مفتوح كده ليه؟ حتى عربية يونس مش هنا… يا ترى راح فين؟”
إنعام (بغلّ وحقد): “مش قال هيغور؟ اللي متتسماش… يا رب ياكلها ديب، ولا ألاجيها ميتة موتة من عند ربنا زي ما قتلت ضناي!”
ثم بدأت في التمثيل، وكأنها تبكي بحرقة، بينما في داخلها كانت تتمنى زوال صدفه بأي شكل.
إنعام: “غورني من البيت ده يا عيسى، يلا!”
لم يكن لعيسى رأي أمام غضب زوجته، فأسرع ليفتح سيارته، وساعدها على الجلوس في الخلف.
عيسى: “ريّحي ظهرك، لحد ما نوصل عند ناسِك.”
إنعام: “حاضر، ريّح قلبك دنيا وآخرة، يا رب.”
______________________________________
وفي هذه اللحظة، كان يونس وعصران لا يزالان يجوبان الطرقات بحثًا عن صدفه، دون أي أثر لها. الليل كان يمر ثقيلًا، والخوف بدأ يتسلل إلى قلب يونس، لكنه لم يكن مستعدًا للاستسلام.
أما عيسى وإنعام، فقد وصلا أخيرًا إلى منزل أهل إنعام. طرق عيسى الباب، وبعد لحظات، خرجت عديلة، أخت إنعام، بنصف وعيها من النوم.
عديلة (بتعجب وضيق): “خير؟ إيه اللي جايبكم في نصاص الليالي كده الصباح رباح
لتدقق الأم النظر في ابنتها وهي تراها في حال يرثى لها، فتقول بقلق:
الأم: “يا مري! يا بتي مالك؟ حالك مبهدل كده ليه؟ بتي مالها يا عيسى؟ فيها إيه؟”
فيروي لها عيسى كل ما حدث، بينما تمثل إنعام الصدمة والحزن، وتشاركها أمها التمثيل، فترد بغضب:
الأم: “كده برضك يا عيسى؟ تعملوا في بتي كده؟! هي دي الأمانة اللي أمناك عليها؟ اسم الله يا قلب أمك!”
أما إنعام، فتنهار وسط بكائها المصطنع، وهي تصرخ بألم مزيف:
إنعام: “سُجّطوني يا أما! سُجّطوني! كتلوا ولدي ف بطني يا أما!”
الام: ” مجُلتلك تعالي اجعدي حدانا، جُلتِلي مجدرش أبعد عن عيسى دقيقة واحدة! اهو يا بتي، خلي عيسى ينفعك ناسك يا عيسى! كتلوا حفيدي! كان قصدهم يخلصوا على بتي!”
عيسى : “بعد الشر عليها يا حماتي، متجوليش كده، ده أنا كت أموت وراها!”
عديلة : “بعد الشر عليكم انتو الاتنين، خشوا ريحوا جوه!”
لكن عيسى كان له رأي آخر، فاعتذر لحماته قائلاً:
عيسى: “معلش يا حماتي، أنا هروح، وابجى أجي أشجر على إنعام.”
عديلة: “ليه يا ولدي؟ ما البيت هنا واسع ويساعي من الحبايب ألف!”
عيسى: “معلش، هبجى أجي في الليل، خلي بالك من إنعام انتي بس.”
إنعام : “متنساش تشيع البت عنايات!”
عيسى: “حاضر، هشيعها لكِ الصبح، تكون عندكِ، عاوزه حاجة تانية؟”
إنعام: “خلي بالك من نفسك زين.”
عيسى: “ربك هو الحارس.”
ثم غادر عيسى، وما إن أغلق الباب خلفه، حتى انفجرت إنعام في ضحك خبيث، وهي تلتفت إلى أمها:
إنعام: “خلاص كده، أنا خلصت من موضوع الحبل، ومن صدفه كمان!”
ثم اقتربت من أمها هامسة:
إنعام: “عارفة يا أما، لولا جاتني الفكرة دي، كان زماني روحت في داهية! أول ما عيسى لجي الحجاب، جُلت على نفسي: يا رحمن يا رحيم، بس إيه؟ جاتني الفكرة الجهنمية! وزين إنكِ أديتيني رقم الشيخ، وهو جرد وواد حرام، سبك الموضوع معايا!”
عديلة (بفخر): “كل دي زين! بس بردك لازماً تحملي، وخصوصي بعد ما صدفه غارت!”
إنعام (بلا مبالاة): “يلا في داهية!”
عديلة: “أنا هرتب لكِ حكاية مليحة مع الشيخ، حتى لو نسرقو عيل يكون لسه مولود، ودول كتير في المستشفيات!”
إنعام (بتعجب): “كيف يا أما؟!”
عديلة: “إنتِ ملكيش صالح، اعملي اللي أجولك عليه بس! وهشرط على عيسى لما نعمل موضوع الحمل ديتي، إنكِ تجعدي هنا معايا، وجعادك هنا هيسهل كل حاجة!”
إنعام : “تمام كده! بس مخي وجعني النهاردة من كتر الصراخ!”
الأم: “خشي نامي، وابجي اصحي براحتك!”
إنعام: “وعلى إيه يا أما كل ديتي؟ أنا وافجتك على موضوع الحبل اللي كده وكده عشان يعرفوا إن أجدر أجيب عيال، لكن دلوك جاتني فكرة زينة! أنا هخلي عيسى يوافج نعمل عيال أنابيب، ناس كتير عملتها ونجحت!”
عديلة (بفرحة): “عافية عليكي! أيوه كده، شغلي مخك! جدعة بتي! لما ياجيكي في الليل ابجي جولي له، ونخلي الدكتورة جريبة الشيخ هي اللي تعملها! روحي نامي بجي وريحي، ولا أجيبلك حاجة تاكليها؟”
إنعام: “له، أنا هنعس.”
في وقت لاحق، بعد أن استغرقت إنعام في النوم لبعض الوقت، أفاقت على صوت أمها، التي كانت تفكر بعمق، وسألتها بصوت يشوبه الاستغراب:
عديلة: “صُحِّ، جُولي لي يا إنعام، ليه معملتيش عيال الأنابيب ديتي من الأول؟ وكنا ارتحنا بدل اللفة الطويلة الماسخة دي!”
إنعام: “عشان حاجتين يا أما! الأول، كانوا هيعايروني ويعايروا عيالي، ويجولوهم: يا عيال الأنابيب! والحاجة التانية، إن كان لازم صدفه تهمل البيت، عشان كل حاجة تبجى ليا وحدي، عشان حتى يونس، لو فرضنا واتجوز، هيعيش في مصر! عرفتي يا أما؟”
عديلة : “يا بت الكلب!”كلب إيه؟ ده إنتي كده بت إبليس نفسه!”
إنعام : تربيتك يا اما “كفاية رغي بجى يا أما، هخش انعس! ولو عيسى جاه في أي وجت، جوليله إني بعد الشر عليا، تعبت وبطني وجعتني، وفين فين لما نومت بعد ما شربت حلبة وحجن مسكنة، فاهمة يا أما؟”
عديلة : “بعد الشر عليكي يا حبيبتي.”
لتدخل إنعام غرفتها، تستلقي على السرير، لكنها لم تكن تنام، بل كان عقلها يعمل بكل خبث، تفكر وتخطط لما هو قادم.
______________________________________
أما يونس، فقد أنهكه التعب من كثرة البحث عن صدفه، ليعود إلى المنزل محبطًا، فيجد والده ووالدته جالسين في الأسفل.
دهبية (بقلق): “كنت فين على الصبح كده؟”
يونس (بحزن): “كنت بدور على صدفه، قلبت الدنيا عليها ملجيتهاش!”
يعقوب : “يعني مشت؟”
يونس (بغصة): “آه مشت، وسابت جواب، وبتجول إنها مش راجعة تاني، وبتحسبن علينا كلنا، بتجول إننا ظلمناها وذنبها في رقبتنا كلنا.”
في تلك اللحظة، نزلت فريدة غاضبة، غير قادرة على تحمل ما يحدث.
فريدة (بانفعال): “أنا كمان مش مسامحاكم على اللي عملتوه فيها! كلكم عارفين إن إنعام مفتريه وظالمة، وعارفين كد إيه صدفه كانت فرحانة بحبل إنعام، كيف يعني تسجّطها؟!”
لكن قبل أن تكمل حديثها، نزل ممدوح بغضب وقاطعها.
ممدوح (بصوت حاد): “أخرسي يا بت! إنتي صمّي خالص، مسمعش نفسك!”
فريدة (بتحدي): “لا، هتكلم! كلكم ظَلَمة! وصدّجوني، حق صدفه هيخلص مننا كلنا! افتكروا كلامي زين… كما تدين تُدان!”
ثم نظرت إلى والدتهاوقالت: “عندِك بَت يا أما!”
دهبية (بغضب): “آخرسي يا بت وغوري على أوضتك! يعني كلنا عايبين عليها؟ يا تجعدي تفطري بأدبك يا تغوري على أوضتك!”
فريدة : “هغور على أوضتي أحسن.” وبالفعل، تطلع فريدة إلى غرفتها، لكن قبل أن تغلق الباب، تسمع بكاء دهبية الصعيره .
لتدخل الشقه
فريده: بتبكي ليه يا دودو
دهبيه : ماما
ثم يستيقظ يعقوب الصغير ومازن ويبكون ماما ماما
فريدة : “ماما جايه يا حبايبي تعالوا أغيرلكم وأوكلكم.”
وبالفعل، تأخذ الأطفال إلى الحمام ثم تنزل بهم إلى الأسفل.
الأطفال (بصوت واحد): “ماما ماما!”
ممدوح (بصوت غاضب): “أمكم ماتت!”
يعقوب الصغير : “ماما؟ لا!”
ممدوح : “أنا غاير من وشكم، جاكم الهم أنتو وأمكم!”
يخرج ممدوح من الغرفة، بينما يونس يدخل.
يونس : “تعالوا يا حبايبي نلعب مع الحصان.”
الحجة دهبية : “أم سامية! إنتي يا مرا، حضري الفطور وبعد كده تعالي سكتي العويلات، راسنا وجعانا.”
أم سامية : “حاضر يا ست الحجة.”
_________________________________________
وفي غرفة غنوة، كانت تستفيق لتقول:
غنوة : “صباح الخير عليكي يا غنوة.”
لتجد أمها بجانبها تحاول أن توقظها.
أم غنوة : “إجنيتي ياك يا بت، بتصبحي على نفسك؟”
غنوة : “صباح الخير عليكي يا ست الحبايب.”
أم غنوة : “جومي حضري الفطور وتعالي عشان عندنا غسيل.”
غنوة : “هو كل يوم شجى؟”
أم غنوة : “ده بت كسيلة، كسل وعوزة عشرة يخدموكي!”
غنوة : “خليهم اتنين بس.”
أم غنوة : “طيب جومي، بطلي جلع.”
فغنوة تقوم لتحضير الفطور.
دياب : “ها يا أبوي، هتعوز حاجه مني؟”
الحج عياد : “أنت وراك حاجه؟”
دياب : “كت بس هودي تلفون رجيه يتصلح.”
عياد : “أديه لمحمد يصلحه، وانت تعال معايا عشان نزجّو الأرض النهاردة، وانت عارف خيك مالوش في زجيه الأرض.”
دياب : “حاضر، خد يا محمد التلفون، صلحه وابجى فوت على رجيه أديهولها، وخد الخمسين جنيه دي، وابجى هات لها أي حاجه وانت رايح.”
غنوه :يخلص التلفون ويكلمني اروح معاه
فايزة : “يابت، انتي عاوزه تحوسي في البيوت على طول؟ اجعدي في بيتنا، هبابه!”
غنوة : “كده يا أما أنا بحوس في البيوت؟”
فايزة : “مش كتي في بيت الحج يعقوب امبارح؟ أنا محبش فطفيط البنت في البيوت!”
غنوة : “بس يا أما
فايزه :كلمه وجولتها خلاص يبجي تسمعي الكلام من اول مره
______________________________________
ممدوح خرج من المنزل وهو يفكر في نفسه: “أروح فين أنا دلوقتي؟ عيشة بجت زهج، أحسن حاجة أروح أشتري حاجات وأروح عند البت رجيه في البيت. وحشتني المضروبة. أخد لهم إيه؟ أه، اجيب فاكهة وحلويات ولحم وأروح أفطر وأتغدى عندهم. بس أمها هتجول عليا إيه؟ لأ، هقولها إني جاي أبارك على الخطوبة. ولو كترت، هقولها الحجيجة، وهي مرا طماعة. ماهتصدق.”
وبالفعل يذهب ممدوح ليشتري الحلويات والفاكهة وأشياء أخرى كثيرة. وبعد ساعة، يسمع طرقًا على الباب.
رقيه : “مين؟ مين؟”
( لتفتح الباب لتجد ممدوح أمامها )
رقيه: “بفرحه سي مندوح”!
التعليقات