رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الثاني للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن
(بات القلب عاشقاً. )
هاجم الخوف بدنه، وكأنه وحشاً ينهش بعظامه، فقضاء سهرات ليلية بأماكن مشبوهة ولعبه للقمار وما شبيه له جعله يكتسب أكثر من عدوٍ، فأجتمع كلاً منهما للثأر منه، فكانت سيارته أول خطوات الأنتقام، إقترب منه أحداهم بالمطرقة الخشبية ليحكها بالأرضٍ حتى صارت مقابله، فصاع جوردن بهلعٍ: ماذا ستفعل يا صاح؟
ابتسم في شرٍ اتبعه لهجة لا تقل عنه: أظننت بأنك ستهرب بعد عملتك تلك!
ابتلع الأخير ريقه بتوترٍ جلي، ثم قال: إهدأ ماكس لم أقصد ما حدث أقسم لك.
برزت عروقه وهي يجيبه بتعصبٍ شديد: أنت مخادع جوردن فعلت كل ذلك لأخسر أمامك، جعلتني أتنازل لك عما أملك، حتى فتاة أحلامي خسرتها لأنني أصبحت لاَ أمْلِكُ فَلْساً وَاحِداً.
تراجع للخلف حتى تعثرت قدميه فسقط أرضاً وظل يزحف بظهره للخلف وهو يشير له بضعفٍ على ما يحمله بين يديه: لا ماكس لا تفعل أرجوك.
صعقت إريكا حينما وجدت الشباب يلتفون من حوله، فهرعت إليه وهي تصيح: دعه وشأنه.
اتجهت أنظار الشاب إليها، فقال وعينيه تكاد تلتهمها: لنرى ماذا يوجد هنا!
ثم جذب معصمها ليبعدها عنه، ليشير لمن يقف جواره فحمل عنه المطرقة ثم هوى بها على أجزاءٍ متفرقة من جسده، ليصرخ ألماً، عاد الشاب ليقف من أمامه مجدداً قائلاً تلك المرة: نهبت مالي بالحيلة وها أنا أسترده منك.
قال كلماته الأخيرة وأصبعه يشير على سيارته، ثم استكمل وهو يجذب إريكا إليه دون حياء: وتركتني فتاتي بسبب ما فعلته لذا ستصبح هي ملكي وحينها سيكون الأمر منصفاً.
وقبل أن تتمكن يديه من لمسها أرتعشت أصابعه وكأن ماس كهربائي ضربه في مقتل، ليظهر من أمامه فجأة بجسده المتصلب، عينيه البنية تتطلعان على الوجوه بترقبٍ وثبات غلبهما بالخوفٍ، خرج صوته أخيراً حينما قال: إذا كنت تريد النجاة فلترحل برفقتهم بهدوءٍ.
تعالت ضحكات الشاب، ليردف مستهتراً: أفزعتني حقاً يا رجل!
ضيق عينيه وهو يراقبهما بصمتٍ وحينما أوشك أحداهما على الإقتراب أبعدها خلف ظهره ليكون في مقابلته، رفع الشاب المطرقة ثم هوى بها بقوةٍ كبيرة فرفع ديكسون ذراعيه، سقطت الضربة على ذراعيه فصرخ الشاب فزعاً حينما انصهرت المطرقة وكأنها لامست بركان مشتعل أفتك بها، تطلع الشباب لبعضهما البعض بذهولٍ، فقال ماكس لأحداهما ذو بنية ضخمة وأكثراهما قوة، إقترب منه ليحاول ركله بقدميه أو إصابة وجهه، فارتفع ديكسون بالهواء ومن ثم تنقل ليصبح من خلفه ليحاوط يديه بهالةٍ من صَيْهَد ليحاوطها بتحكمٍ ومن ثم قذفها قريبة منهما فصنعت فجوة عميقة يحومها ألهبة تتأكل وتتمرد وكأنها أفعى، تحاول إلتهمهما لتكن بمثابةٍ إنذار إليهما، جف حلقهما جميعاً ليهرولوا ركضاً من أمامه، فعاد ليلامس بقدميه الأرض من جديدٍ، زحف جوردن للخلف بفزعٍ مما رأه وحينما أسرعت إليه إريكا لتسأله بقلقٍ: هل أنت بخير؟
تجاهل سؤالها عن حاله، ثم أشار لها بيديه عنه: من هذا الرجل بحق الجحيم!
ابتسمت بثقةٍ وهي تهمس له: أخبرتك.
عاونته على الوقوف على قدميه ثم تابعت بقولها المتعجرف: هل أصبحت الآن تصدق ما أخبرتك به؟
لعق شفتيه بارتباكٍ وخاصة حينما عاد ديكسون ليقف جوارهما من جديدٍ، ومن ثم استلقوا سيارة أجرة للمغادرة، فأبتلع الصمت الأخير طوال الطريق، فقط يتابعه بخوفٍ كلما تطلع إليه وكأنه حرارة متنقلة ستؤدي بحياته، وصلوا سوياً للمنزل فهبطت إريكا و ديكسون الذي انحنى على نافذة السيارة الأمامية فقفز جوردن بمحله وهو يردد بخوفٍ: ماذا هناك؟
ابتسم ديكسون بمشاكسةٍ: لا شيء فقط كنت أتمنى لك أمسية سعيدة.
حدجه بنظرة مرتاعة ثم أشار لسائق التاكسي بأصبع مرتجف: لننطلق.
غادرت السيارة فأتبع ديكسون إريكا للأعلى بابتسامةٍ تسلية.
انتظر أركون أصدقائه بمكانهما الخاص لأكثر من ساعتين ولم يأتي أحداً منهما، فكاد بالرحيل؛ ولكنه توقف حينما وجد إيمون أمامه، فسأله باهتمامٍ: لقد انتظرت طويلاً أين كنت!
تمدد على الصدف الملقي ليريح جسده المنهك، ثم قال: أتى أبي وأمي للمملكة فكان من الصعب الخروج بذلك الوقت.
جلس أركون لجواره ثم سأله بدهشةٍ: وأين ديكسون لا أراه منذ الصباح هو الأخر؟
اصطحب الملكة لعالمها، علها تشتاق لرؤية أناس تنتمي إليهم.
هز رأسه بتفهمٍ وقد عادت تلك الأفكار التي تربطه بتلك الفاتنة تهاجمه من جديد، فتنحنح قليلاً وهو يتحدث إليه: أخبرني إيمون هل تظن بأن الملك قد يشن حرباً ضد ابن عمه سامول؟
التفت إليه وقال بتخمينٍ: لا أعتقد ذلك.
عاد ليتساءل من جديدٍ: لا أعلم ما سبب هذا العداء الكبير بين سامول والملك، فماذا كان يتوقع عقوبة من أراد قتل الملكة وما تحمله بأحشائها! لا أراه خاطئاً بقتله أدلر.
استقام إيمون بجلسته ليكون مقابله، فمنحه نظرة متفحصة قبل أن يسأله بشكٍ: ما بك أركون لماذا بت مهتماً بالعدواة التي تجمع الملك ب سامول؟
ارتبكت نظراته، فأجابه بتوترٍ ملحوظ: ماذا تقصد!
أنت تعلم ماذا أعنيه بالتحديدٍ. فجأة صار الأمر يهمك هكذا!
عبث بخصلات شعره الأشقر ليجيبه باستسلامٍ: أعتقد بأنني أعجبت بشقيقة سامول.
ابتسم وهو يردد ساخراً: هذا ما كنت أخشاه!
تحركت لينا بنشاطٍ كبير لترص أطباق الطعام على الطاولةٍ، فعاونها كيفن بحبٍ حتى روكسانا وضعت العصائر والمياه، فجلسوا جميعاً ليتناولوا الطعام، فقطع كيفن صمتهما قائلاً: أخبريني روكسانا هل الأمور بالمملكة على ما يرام؟
قالت وهي تلوك طعامها بتلذذٍ: تعلم كيفن بأنه من الصعب تقبل الشعب لديكسون كوني بشرية؛ ولكننا نحاول قدر المستطاع أن يتقبله طوائف الشعب بأكمله.
هز رأسه وهو يردد بتفهمٍ: سيتقبلونه مع الوقت مثلما تقبلوكي ملكة لهم.
أتمنى ذلك.
نهضت لينا عن مقعدها ثم انحنت لتحمل قطع من اللحم المشوي لتضعه أمام ديكسون مشيرة له بتحذيرٍ: تناول طعامك وكفاك شروداً.
منحها ابتسامة صغيرة ثم بدأ بتناول طعامه، فعلى الرغم من بناية جسد ديكسون المختلفة الا أنه كان يأكل طعام البشر دون أي ضرر لإختلاط تكوينه بالنسل البشري، عاد من جديد لشروده بذاك اليوم الكحيل الذي لن يتمكن به من رؤياها، إعتادت عينيه إحتضان نظراتها الفيروزية حتى وإن كانت تنطق بالكره الشديد إليه، قلبه البشري النابض داخل جسده عرفت هي كيف تصوب ضربتها القاضية إليه، لا يعلم إن كان سيحتمل قضاء تلك الليلة من دون رؤيتها أم أنه سحارب ذاته بأنها لا تعني له شيئاً.
سكنت السعادة صفحات وجه إريكا، فكانت تظن بأن ما فعلته بشأن مقابلته جوردن قد استنزف غيرته، ظنت بأنه يحبها لذا يشعر بالضجرٍ من علاقتها به.
الشلالات المندرجة أسفل بعضها البعض هي عشقها الوحيد، لطالما تأتي زمرد خلسة لتداعب حبات المياه التي تنقسم في مظهر مبدع تحمل مزيج من اللون الرمادي والأزرق الفاتح، ومن أسفلها تضيء الطحالب لتجعل المياه مشعة كضوء النهار الصافي، شعرت زمرد وكأن المياه تناديها فلم تستسلم لندائها وألقت ذاتها بداخلها، تغوص عالياً على سطحها النادي، حبست أنفاسها أطول وقتاً ممكن أسفل سطحها ثم تصعد على الموج لتلتقط أنفاسه، فكانت تمتلك القدرة على قضاء أكثر من نصف ساعة أسفل المياه ومن ثم تصعد لسطحه، تخشب جسد زمرد حينما حاولت الصعود لسطح المياه؛ ولكنها لم تستطيع ذلك، فشعرت وكأن هناك من يقيد حركة قدميها، فسحبت ساقيها بكل ما تمتلكه من قوة عظيمة؛ ولكنها فشلت بالتحرر، انسحب جسدها أسفل المياه فرأت بوضوحاً حوت ضخماً يواجهها، يتمسك بها بذراعيه المخيفة ذات اللون الأسود، فكان يمتلك أذرع كالأخطبوط!
اختنقت زمرد وكادت بأن تواجه موتها، فعصفت بجسدها لتتحول سريعاً لهيئة السيرانة «حيوانات أو مخلوقات سحرية أسطورية تملك وجه نساء جميلات و أجساد طيور كانوا قادرات على سحر العالم بغناءهم و صوتهم الجميل. ».
تمكن جسدها من التحرر بشكلٍ كامل منه فأسرعت بالسباحةٍ حتى وصلت للأرض الصلدة البعيدة عن المياه التي تخفي بداخلها ما لا يشابه جمالها المخادع، التقطت زمرد أنفاسه المتقطعة بصعوبةٍ بالغة فحتى التنقل للمملكة أمراً شبه محال وهي بحالتها الهزيلة تلك، رفعت رأسها المبلول للأعلى قليلاً حينما استمعت لصوتٍ مخيفاً يأتي من المياه، فصعقت حينما وجدت مياه الشلال ينحسر حتى صعد عالياً ليطوف بما ظنته مجرد حوت، وقف على رجليه التي ظهرت فجأة لتسقط هيئته البحرية ومن ثم تحول لذئبٍ شرس، تراه لأول مرة بحياتها، ازدردت زمرد ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة، فتراجعت للخلف وهي تحول الإستناد على جذعيها، تجمعت الدموع بمقلتيها وهي ترى نهاية لحياتها دون مجهود منها بالدفاع عن نفسها، اقترب هذا الكائن منها بخطواتٍ متهدجة وكأنه يتعمد انتزاع حياتها أكثر من مرةٍ، وقبل أن يطولها بمخالبه الحادة كان أركون و إيمون في مواجهته، أخرج إيمون سيفه المضيء ليلوح به بوجهه عله يخيفه، بينما ردد أركون في صدمةٍ: وحش الآكلوت!
كاد بأن تلامسه مخالبه فتراجع للخلف وهو يشير لإيمون بأن يشتت انتباهه عن تلك البقعة بالتحديدٍ حتى تنجو الأميرة بحياتها، وبالفعل حلق إيمون عالياً ليصبح بالأتجاه الأخر له، فتفادى مخالبه الحادة بحرافيةٍ، بينما حمل أركون زمرد بعيداً عن تلك البقعة، ليضعها جانباً، تأوهت من الآلآم المتفرقة التي ضربت جسدها فهمس آركون بصوتٍ حزين: ستكونين على ما يرام.
كاد بالعودة لمساعدة إيمون فتمسكت بمعصمه وهي تجاهد للحديث: كن حذراً.
بالرغم مما يواجهه ولكنه ابتسم رغماً عنه ليشير لها قائلاً: لا تقلقي.
ثم تركها وأسرع لينضم لإيمون، تثبتت نظراتهما سوياً عليه ليشير له بأن يبدأ بالهجوم، وبالفعل كور إيمون يديه لتتجمع هالة عظيمة من حوله، فنجح بشل حركاته ثم صرخ بأركون بتحذير: أسرع لن أتمكن من السيطرة عليه كثيراً.
جذب السيف الملقى أرضاً ثم أخرج سكين أخر، فحلق بجسده عالياً ومن ثم اعتلى جسده العملاق ففصل عنقه عن رأسه، ليسقط أرضاً ومن فوقه أركون، ليشير له باعجابٍ: أحسنت صنعاً يا صاح.
لم يعجبه جملته فصححها قائلاً: بل أحسنا.
وأسرع آركون تجاه زمرد فوجدها غائبة الوعي، فقال بحيرةٍ: ماذا سنفعل الآن؟
أجابه إيمون بعد فترة من الصمت: لا أعلم، دعنا نحملها للملك وهو من سيقرر أمرها.
أشار برأسه باقتناعٍ ثم حملها بين ذراعيه، ليتخفى بها ومن ثم ظهر بمملكة السراج الأحمر.
وقف ديكسون بشرفة الغرفة يتطلع للسماء بسكونٍ عجيب لا يعبر عن العاصفة التي تجتاح مشاعره، شوقه لها يتمرد بكل ما يمتلك ليحمسه بما يفكر، فأندفع بطاقته ليعلو إرتفاعٍ شاق عن الأرض، ومن ثم إخترق الكواكب ليصل بعد مدة لمملكته فاتجه للكهف السري لعله يجدها، ابتسم ديكسون حينما وجدها تترقب وصوله بلهفةٍ فشلت باخفائها بنظراتها التي تتقرب الصخور من أمامها، بخفةٍ اقترب حتى بات جوارها، فقالت دون أن تستدير: أول مرة لم أجدك بانتظاري!
جلس جوارها ليجيبها بابتسامةٍ شتتها: ربما فعلت ذلك علك تعلمين ماذا أعني لكِ.
شردت قليلاً قبل أن تقول بانهزامٍ وكأنها تود أن يستمع إليها أحداً: في بعض الأحيان ينفرض عليك قيود تجاه بعض الأشخاص من قبل حتى أن تلتقي بهم.
ثم التفتت إليه وهي تستكمل: وهذا ما يحدث معي ديكسون، الكره الذي ولد بداخلي تجاهك لا أستطيع محاربته.
بقيت ابتسامته الساحرة على وجهه، ثم رفع أصابعه ليحتضن وجهها برفقٍ، هامساً بصوتٍ أزال حاجز الكره كالجليد: أحبك ألماندين. أحبك كثيراً.
ثم استرسل: ليتني أعلم ما الذي اقترفته بحقك. ربما أعاقب نفسي على ما فعلته.
انسدلت دمعة قاتلة من عين أميرة الحوريات، لتضعف قليلاً وتفصح عما بداخلها: كنت صغيرة حينما أخبروني بأن أمي قد قتلت. كنت صغيرة ديكسون حينما أجبرت على حمل السلاح وخوض التدريبات الشاقة حتى أتمكن من الأنتقام مما حدث معها.
سألها في اهتمامٍ: من الذي قتلها؟ ولماذا؟
أفاقت من غفلتها التي ساقتها مشاعرها المرهفة إليها، فأبعدت يديه عنها ومن ثم أزاحت الدموع العالقة بعينيها وهي تهمس بصوتٍ متقطع من أثر البكاء: على الرحيل.
جذبها بعنفٍ وهو يصيح بها بانفعالٍ: ليس قبل أن تجيبيني!
رددت بعصبيةٍ: ابتعد. أود العودة بالحال.
وكادت بأن تنادي كاديان فحملها مجدداً ليتخفى بعيداً عن الكهف، فأخشونت نبرته وهو يردف: مللت وأنا أنتظر سماع ما فعلته لأستحق تلك القسوة!
ثم صاح: والآن أخبريني ما الذي فعلته؟
فشلت بالتحكم بانفعالاتها فصرخت به بجنونٍ: قتلت أمي ديكسون. أنت من فعلت.
صُدم ببدء الأمر، ثم ردد بعدم استيعاب: كيف؟ لا لم أفعلها!
أجابته بدموعٍ وتحدٍ: بلى فعلت، أنا ابنة درين التي كنت السبب بقتلها.
بقى صامداً وهو يرد عليها: تعاقبيني على شيئاً ليس بيدي! لا أعلم ما الذي حدث بالتحديد ولكن هي من أرادت قتل أمي بالبداية هي الخائنة ألماندين!
صرخت بوجهه بغضبٍ: لا تنعتها هكذا، بالنهاية هي أمي.
تطلع لها بصمتٍ مطول، ثم قال بحبٍ اتبعه كالظل: هل يجب علينا دفع أخطاء الماضي! أعلم بأن هناك حباً ينبض داخل قلبك تجاهي أما هذا الكره فأصبح لا وجود له.
تعالت ضحكاتها بالرغم من الدموع التي تتساقط من عينيها، ثم قالت: أي حبٍ هذا هل جننت لأحبك أنت؟
ثم ابتعدت عنه لتنادي كاديان بصوتٍ مرتفع فأتت إليها سريعاً، إنحنت لتصعد على جسدها وقبل أن تغادر قالت: لن تجمعنا أي علاقة قط يا ابن البشرية.
ثم غادرت من أمام عينيه، تاركة خلفها عبيرها الذي بتسلل بين نبع فؤاده، فألتقط نفساً مطولاً عله يحبس رائحتها العطرة بداخله.
بمملكة السراج الأحمر
وضعها أركون على الحجر المستطيل الشكل الموضوع بأحد جوانب القاعة، تأملها لوكاس بذهولٍ ثم تساءل بدهشةٍ: ماذا يحدث هنا!
بإيجازٍ شديد قال أركون: هاجمها الآكلوت على الشلال!
أشار لوكاس لإيمون قائلاً: أحضر ضي بالحال لترى ماذا بها؟
انحنى في طاعةٍ ثم تخفى من أمامهما سريعاً، نهض عن عرشه ليهبط للأسفل فتطلع لها بنظرة متفحصة ليردد باسترابةٍ: تلك الكائنات تكن لنا الولاء ولم تجرأ يوماً على مهاجمة أحداً بمملكتنا، كيف حدث ذلك؟
ظهر ديكسون بالقاعة فجأة ليجيب أبيه: تلك ألاعيب بيلين من تتوقع غيره!
تدخل أركون بالحديث، ليفكر بصوتٍ عالياً: وماذا سيستفيد بقتله لشقيقة سامول؟
رد عليه ديكسون ببسمةٍ ساخرة: يحرص على إشتعال النيران بين الملك و سامول حتى يتمكن من الوصول لمبتغاه.
التمع شرارة من الغضب بعين لوكاس، فعاد ليجلس على العرش مجدداً قائلاً بوعيد: سنرى من الذي سينتصر بالأخير!
انتهت ضي من فحصها، ثم تركتها تستريح قليلاً فخرجت لتجد إيمون بانتظارها، فقالت: هي بخير، تركتها ترتاح حتى الصباح.
أومأ برأسه ثم غادر قائلاً: سأبلغ الملك بذلك.
وبالفعل أخبر إيمون الملك بما قالته والدته فسمح لها بالبقاء بالمملكة، أما إيرلا فأسرعت تجاه الجناح بعدم تصديق مما أخبرتها به ضي من إنقاذ إيمون و أركون لها إلى موافقة الملك ببقائها بقصره، فظلت جوارها طوال الليل تنتظر أن تستعيد وعيها بخوفٍ شديد حتى غلبها النعاس فغفلت جوارها.
تألقت الشمس بردائها الأصفر، لتحتل عرشها بكبرياءٍ فتوزع أشعتها لتكسو العالم بأكمله، استيقظت روكسانا من نومها ثم خرجت للشرفة لتتأمل هذا المنظر الرائع حينما تتعامد الشمس لتمنح الطاقة الإيجابية للجميع، استندت بذراعيها على السور الخارجي لتتأمل المارة بحماسٍ، تود التشبع من كل شيء حولها قبل أن تعود لموطنها من جديدٍ، وبالرغم من ذلك هناك شعور موحش يطاردها تشعر بالوحدة بالرغم من وجود الجميع لجوارها، ربما لأنه ليس هنا، العالم بأكمله يعني لها حينما يكون هو لجوارها، بدونه تشعر وكأنه يضيق بها، عادت روكسانا لتصبر نفسها من جديدٍ بأنها ستعود لموطنها خلال أيام بسيطة.
بمملكة ميغالودون
إستشاط الملك غيظاً وهو يستمع لتابعه بفشل مخططه بقتل زمرد بذاك المكان القريب من مملكة السراج الأحمر حتى تكون إصبع الأتهام موجهة إلى لوكاس وابنه، طرق الصخر بقرونه الضخمة وهو يصيح بغضبٍ: كيف حدث ذلك؟
أخفض التابع رأسه بخوفٍ: لا أعلم مولاي. كاد الآكلوت أن يقتلها لولا تدخل الأمير إيمون وقائد الحرس أركون.
جن جنونه، ليصيح من بين اصطكاك أنيانه الحادة: خرجت الأمور عن سيطرتها.
بالطبع خرجت عن سيطرتها بيلين كن حذراً بالمرةٍ المقبلة لن يمررها لك الملك لوكاس.
جحظت عينيه في صدمةٍ حقيقية حينما وجد ديكسون يجلس على أحد المقاعد بقاعة مملكته، ويتناول أحد المشروبات المقدمة خصيصاً له، تخفى الكيان الذي يحمي جسده عن الأنظار ليصبح مرئي للجميع، فتابع ارتشاف مشروبه وهو يستطرد: أتيت إلى هنا كي أحذرك للمرة الأخيرة بيلين. خطأ جديد وستواجه ما هو أسوء من الموت تذكر ذلك جيداً.
ثم تركه ورحل بهدوءٍ مثلما دخل لمملكته، تأمل بيلين الفراغ من حوله بعدم تصديق من أنه كان هنا منذ قليل ويتحدث إليه، فالتفكير بالأمر يعجزه عن الاستيعاب، كيف تمكن من الدخول وكيف يمتلك الجرءة لتتحدث معه هكذا وهو بداخل مملكته وحاشيته!
انفجر صارخاً بصوتٍ زلزل الأبدان جميعاً: أحضر لي رودوليت في الحال.
انحنى التابع بوقارٍ ثم إختفى لينفذ أمره.
صعق سامول حينما علم بمكوث شقيقته بقصر لوكاس، فأسرع لمملكة السراج الأحمر سريعاً، لم يأبه لما سيواجهه بالداخل، فكان أقصى ما يشغل تفكيره هي زمرد، تعجب بعض الشيء من الإحترام الغريب الذي أبداه له الحرس حتى أنهم سمحوا له بالدخولٍ فور رؤياه، وأرشده أحداهما للقاعة الرئيسية، فتخطى الحواجز الداخلية حتى صار أمام عرش لوكاس المهيب، فما أن رأه حتى قال بتعصبٍ شديد: ماذا فعلت بشقيقتي لوكاس؟
وقبل أن يستمع له صاح بعدوانيةٍ غير مكتثر بأحداً: إذا كنت تعتقد بأنك ترد الصاع إلى تكون مخطئاً. ابنتك هي من لجئت لي ولست أنا من أرغمها على البقاء بمملكتي.
مزق لوكاس صفحات الصمت حينما قال باتزانٍ وحكمة: مهلاً سامول أراك مندفعاً فتاهت عنك الحقيقة ولم ترى سوى ما أردت رؤياه!
ثم تابع بهدوءٍ وهو يشير إليه: إن كنت أقدم المساعدة لغريب يحتاجني كيف سأتخلى عن ابنة عمي!
لم يفهم مغزى حديثه، فتساءل في دهشةٍ: ماذا تقصد؟
ارتسمت ابتسامة صغيرة على جانبي شفتيه، ليشير لأحدى الجواري قائلاً: ربما إن استمعت إليها سيكون أفضل.
منحه نظرة أخيرة قبل أن يتبع الجارية التي قادته لجناح بالطابق العلوي، ولج للداخل ليجدها غافلة على فراش وثير، ولجوارها تجلس إيرلا مستندة برأسها على حافة الفراش مغلقة العينين، لا يعلم ما الذي جذبه إليها فظل يتأملها لدقائقٍ مطولة كالمعتوه، فأنتبه لحركتها العشوائية التي كادت باسقاطها أرضاً فأسرع ليحملها بين ذراعيه قبل أن ترتطم بالأرض، فتحت عينيها بانزعاجٍ تبخر حينما تناغمت عينيها بين نظراته الفاتنة، فرددت بنومٍ: أمازلت أحلم بك!
ثم أغلقت عينيها وهي تهمس بتكاسلٍ: أتمنى أن يتحقق حلمي ذات يوماً.
ابتسم سامول فعاونها على النهوض وهو يخبرها ساخراً: ربما!
لامست قدميها الأرض فتحملت عليها، جحظت عينيها بعدم استيعاب لما حدث منذ قليل، فاستدارت لتكون قبالته، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ وهي تتساءل بصوتٍ منخفض: سامول هل هذا أنت حقاً؟
منحها نظرة ساخرة قبل أن يستكمل خطاه القريب من شقيقته، فرفع يديه يزيح خصلات شعرها الأسود، وهو يناديها بقلقٍ: زمرد. إفتحي عينيكِ.
رفعت يدها تفرك جبينها بألمٍ، فحاولت رفع أجفناها الثقيلة فما أن رأت أخيها حتى ارتمت بأحضانه تبكي بقهرٍ وهي تردد بصوتها الشاحب: كان الموت قريب مني سامول.
أبعدها عنه ليجبرها على التطلع إليه وهو يسألها بلهفةٍ: أخبريني ماذا حدث؟
التقطت أنفاسها ببطءٍ وهي تقص على مسمعه ما حدث بذاك الشلال إلى أن تدخل أركون و إيمون لمساعدتها، إلتهبت حواسه وهو يتخيل ما تعرضت له وشعر بالاسترابةٍ مما أقدم الأمير وقائده على فعله، جذبها سامول ليضعها على الفراش برفقٍ ثم وجه حديثه لإيرلا الشاردة به: إعتني بها جيداً لحين عودتي.
هزت رأسها بحرجاً شديد مما إرتكبته منذ قليل، ثم عادت لتجلس جوارها مجدداً، فأمسكت ذراعيها وهي تسألها باهتمامٍ: هل أنتِ بخير الآن؟
ابتسمت وهي تجيبها بدلالٍ: بخير لأنكِ جواري إيرلا.
أمسكت بيدها وهي تهمس لها بخوفٍ: ترى ما الذي سيحدث بالأسفل الآن؟
هبط سامول للأسفل، فوجد عمه يجلس على مقدمة المائدة الطويلة وعلى يمينه كان يجلس لوكاس، دنا حتى أصبح قريباً منهما فقال بترددٍ: ما فعلته مع زمرد دين برقبتي وحينما يحين الوقت سأرده إليك لوكاس.
نهض لوكاس عن مقعده ثم وقف قبالته قائلاً: لا دين بيننا سامول. فعلت ما وجدته صحيحاً.
أخشونت نبرته وهو يقول: ما حدث لم يبدل شيء فمازلت بعيني قاتل أبي.
أبعد الملك شون المقعد المجاور إليه وهو يشير بهيبته التي لم تتخلى عنه يوماً: إجلس سامول.
زفر بضيقٍ ظاهر ثم تحرك كالألي ليجلس جواره، سكنت تعابير وجهه المسن قليلاً قبل أن يتحرك فكيه ناطقاً: لا أحد يرغب في كسب عداء أخيه بني. أعلم بأن قد مر الكثير من الوقت على هذا الحديث ولكن دعني أفرغ ما بجعبتي علني أرتاح قليلاً.
ثم التقط نفساً لينفثه على مهلٍ ليستكمل كلماته: لم أختار لنفسي العرش بل نسب إلى لأنني أكبر من والدك، ومع ذلك كنت أرغب بعيش حياة هادئة بعيداً عن كل تلك الصراعات التي رآها أبيك مميزات لا يمتلكها، فجاهد كثيراً لإنتزاع الملك مني وحينما فشل كان يترقب لحظة موتي لتمنح له الفرصة مجدداً بالاستيلاء على العرش وحينما رزقت بفتى لم أراه سعيداً بل إنزعج لأن تلك الفرصة باتت شبه مستحيلة، فحاول مراراً قتل لوكاس وحينما فشل بذلك حاول جاهداً بقتل ابنه الذي لم يخلق بعد!
وبحزنٍ خيم على أحباله الصوتية أضاف: أخبرني الآن ماذا إرتكبت بحقه ليكرهني هكذا!
رفع سامول عينيه تجاهه ليسأله بغموضٍ: ألم يكن هناك حلول أخرى سوى قتله!
كاد لوكاس بأن يتحدث ليكشف هذا السر عل الأمور تهدأ فيما بينهما، فأمسك الملك شون يديه ليشير له بالصمتٍ، ومن ثم أجابه بثباتٍ: ربما إن كان يمتلك حباً تجاه عائلتي يوماً!
تمكن الإرتباك منه، فنهض عن مقعده ثم ابتعد ليشير للتابع قائلاً: أخبر زمرد بأنني بانتظارها بالاسفل.
كاد التابع بالصعود للأعلى فأوقفه لوكاس ثم وجه حديثه إلى سامول: أتركها حتى تتعافى. ضي لجوارها تتابع حالتها جيداً.
أكتفى بإيماءةٍ بسيطة من رأسه ثم غادر دون أن يضيف كلمة واحدة، شعر وكأن عمه لم يخطئ تجاه ما فعله والده ولكن رغماً عنه لا يتقبل أن يكون وسط أناس قتلوا أبيه!، بمجرد خروج سامول من المملكة بأكملها، حتى قال لوكاس لأبيه بعتابٍ: إلى متى سنترك العداوة تكبر بيننا أبي لماذا لا نخبره بالحقيقة؟
أجابه شون بتعابيرٍ ساكنة: حينما يحين الوقت المناسب سينكشف كل شيء.
أسرعت الملكة رودوليت إلى مملكة ميغالودون بعد أن تلقت الأمر من التابع، فما أن ولجت للداخل حتى إنحنت بوقارٍ: فليحيا الملك بيلين العظيم.
صك أسنانه بحدةٍ وهو ينظر في إتجاهها: اليوم سنتخلص من ديكسون قبل الغد.
ابتسمت بانتصارٍ فأخيراً ما رغبت به سيتحقق، فقالت بلهجةٍ متعجرفة: علمت الآن بأن ديكسون هو من يشكل خطراً. فأن كنت تريد المملكة والعرش عليك التخلص من حامي الملك.
جذب بيلين العلبة الصغيرة الموضوعة لجواره، ثم قدمها للتابع الذي حملها إليها بحرصٍ شديد، ففتحت رودوليت العلبة فبرقت بعينيها بانبهارٍ شديد، حينما رأت خاتم رمادي بفص من الألماس الأسود الساحر، فكادت بأن تضعه بيدها فأسرع بيلين بالحديث: توقفي. هذا ليس خاتماً عادياً.
تأملته جيداً بعدم فهم، فأوضح لها مقصده حينما أشار لها بأن تقلب الخاتم، فوجدت سن رفيعاً يتدالى من أطرافه، ثم قال: الأبرة الصغيرة تلك حينما تخترق الجلد تنتقل مادة الزرنيخ تلقائياً بالجسد. ذاك السم الفعال سينهي عليه في الحال.
اتسعت ابتسامتها بحقدٍ دافين لتحقيق أحلامها بقتل ابن لوكاس ومن ثم تحقق انتقامها لشقيقاتها وأخيراً تحقق هدفها الأساسي بالسيطرة على المملكة بحيلتها الماكرة التي تود أن يكون هو ضحيتها، حملت الزجاجة بين يدها بحرصٍ شديد ثم رفعتها أمام عينيها وهي تردد بحقدٍ: قريباً سأحقق ما أتمناه.
ثم تابعت بقول: سأجعلها تفعل ذلك.
ثم غادرت لمملكتها سريعاً، فلديها عملاً هام، تحريض ألماندين على تنفيذ هذا المخطط المدروس ولكن هل ستوافق هي على فعل ذلك؟
التعليقات