التخطي إلى المحتوى

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الرابع والعشرون

إنفجار عظيم في مخازن شركة الشافعي التابعة للمهندس رائف…

كان هذا الخبر المنتظر والذي جلسوا جميعًا في انتظاره، بعد وصولهم الصعيد تم تهريب سليم من قبضة رائف، وبعد وصول رائف إلى الحي تم تدمير المخازن، والآن هذه اللحظة هي أشد اللحظات حماسة بالنسبة لهم، جلس سفيان بكل هيبة مجاورًا داوود على الأريكة وفي يده يمسك بهاتفه مستعدًا لمهاتفة رائف، ولكن فجأة تم اقتحام مجلس الرجال فانتفضوا في مكانهم ولصدمتهم كانت عائشة، نهض مروان بهلع مقتربًا منها، عائش، في حاجة؟، إنتِ كويسة؟

قال مروان بخوف وقد تصاعد قلقه حين لم تجبه، كانت واقفة أمامه بهدوء ثم ابتسمت بحنان له وهي تحتضنه، أنا كويسة، رائف. بيرن عليا، قالت عائشة بقوة مصطنعة لاحظها مروان فأمسك بيدها الراجفة محتضنًا إياها بين قبضته القوية، وكأنه يبث فيها الأمان، أما سفيان فاستعاد قلبه دقاته بعدما اطمئن على زوجته وتوجه ناحيتها مسرعًا ثم جذبها محتضنًا إياها، خضتيني عليكِ، قال سفيان بهمس في أذنها، ولكن عائشة التي تصنمت في مكانها لم تبدي رد فعل سوى توقفها عن التنفس، سمع سفيان صوت حمحمة غاضبة آتية من ناحية مروان فابتعد عنها بانزعاج، ثم حين لاحظ خجلها وسكون أنفاسها ابتسم بحب، اتنفسي يا عائش، متخافيش مش بعض، تعالى الرنين المزعج مرّة ثانية فجعد سفيان حاجبيه بغضب وحين أراد سحب الهاتف منها أمسكته قائلة، عايزة أرد عليه، لو سمحت، قالت عائشة برجاء، فنظر لها بتوتر لكن مروان كان يعلم ما تريده فتنهد ثم ترك لها فرصة الرد عليه، فتحت عائشة المكالمة ثم أخذت أنفاسها ببطء ناظرة لأخيها وزوجها لتشعر بالقوة تسري داخلها، أهلًا أهلًا بالأميرة الكدابة، قال رائف ببرود استطاعت الشعور بغضبه الثائر داخل نبرته، ابتسمت عائشة بصوت مسموع قائلة، أهلًا بيك يا رائف، قولي الحفلة إللي جوزي عملها في المخازن بتاعتنا إللي إنتَ سرقتها عجبتك؟

تنهد رائف بغضب واضح وكأنه يلجم نفسه عنها، فكرك هتضحكي عليا يا عيوشة تاني؟ واتجوزتوا امتى إن شاء اللّه؟
إمبارح، سفيان جاب المأذون وهجم على البيت ومسك مروان وقاله أختك مش هتكون لغيري سامع!

قالت عائشة بنبرة تصنعت بها الخجل فسمعت قهقهاته المتشحة بالغل والحقد، واللّه وكبرتِ وبقيتي بتعرفي تكدبي يا عيوشة، قهقهت عائشة تلك المرّة، وقالت بقوة لم يعهدها رائف منها، إنتَ عارف إني مبكدبش، بس خايف تواجه نفسك، خايف تفوق على الواقع إللي بيقولك إنك مقدرتش تخليني مراتك، لا دلوقتي ولا زمان، مقدرتش تخليني أخسر نفسي، ولا قدرت تخلي سفيان يخلف بوعده، وخسرتني وقريب أووي أوعدك هتخسر حياتك، لاحظ سفيان رجفتها وعينيها التي امتلئت بالدموع فاحتضنها مطمئنًا إياها ثم سحب الهاتف منها، بعتلك القسيمة عالواتس، والمرة دي بجد وحق وحقيقي، عائشة بقت مراتي يا رائف ومش هتقدر تلمسها تاني، قال سفيان ببرود مشددًا على عائشة في حضنه، فسمع صراخ رائف من على الطرف الآخر، هموتك يا سفيان، هموتك. عائشة بتاعتي أنا ومحدش هيقدر يحرمني منها، ولو مبقتش ليا مش هسيبك تتهنى بيها، سامع.

قال رائف بغل محمل بالحقد فأجابه سفيان ببرود، وريني عرض كتافك يا أمور، ثم أغلق المكالمة تاركًا رائف يحترق في نيران غضبه، في تلك الغرفة التي كان يتوسطها سفيان محتضنًا زوجته الخائفة، كانت تقف في خارج الغرفة فتاة متوشحة بالسواد كسواد قلبها ونظراتها المغلولة ناحيتهم كفيلة بقتلهم فقط لو كانت رصاص، انطلقت الفتاة متوعدة إياهم بحياة تعيسة وبتدمير تلك العلاقة التي تجمع بينهم، أراد مروان جذب أخته من زوجها لكن سفيان نظر له برجاء فتوسعت أعين مروان في دهشة وكذلك صدم صالح وفرغلي، سفيان يتوسل!

سفيان يتوسل من مروان فقط لكي يترك عائشة معه، وهم يقسمون أنه لو كان في حالته الطبيعية لكسر يد مروان قبل أن تمد ناحية شيء يخصه، ولكنه فقط واقع في عشق تلك الفتاة التي تبكي على صدره، تنهد مروان مبتعدًا وكذلك جلس الرجال في ركنٍ منزوي متحمحمين بحرج، توجه داوود ناحية سفيان هامسًا له ببرود، اطلع برة قبل ما الجدة تعرف إن هي دخلت مجلس الرجالة، هتسمعها كلام ميعجبهاش، نظر له سفيان ببرود مبتسمًا ابتسامة صفراء، محدش يقدر يبصلها بصة وحشة مش بس يكلمها، رفع داوود كتفه بسخرية كأنه يقول لقد حذرتك، ولكن لأن الحظ السيء يلاحق عائشة فسمعوا جميعًا صوتًا عاليًا قادم من خارج الغرفة، فتنهد داوود ببرود ثم أشار لسفيان بأن يخبئ عائشة وراءه ففعل هذه المرة دون جدال، وكذلك نهض مروان مجاورًا إياه حين لمح العجوز قادمة بصحبة وردة بنظراتها الشامتة وابتسامتها الحاقدة، شهقت عنايات بصدمة حين لمحت عائشة فنظرت عائشة لهم بتوتر وناظرت مروان سائلة إياه عن جرمها، شوفتي يا جدة، مش قلتلك، البنية دي قليلة الحيا وناقصة رباية، قالت وردة بغل فزعق بها داوود بغضب أفزعها لكنها لم تهتم، وبصفتك مين جاية ترمي مراتي بكلامك ده؟

قال سفيان ببرود وهو يسحب عائشة من وراءه لتجاوره ثم أحاط خصرها مغيظًا وردة التي يعلم بأنها مغتاظة منهم، أحتشم يا ولد، مرتك لو متعرفش الأصول نعرفها إحنا، قالت عنايات بغضب أهوج فابتسم سفيان بسخرية قائلًا، مراتي أكتر واحدة بتفهم في الأصول يا عمة، نظرت له وردة بغضب بسبب دفاعه عنها وكأنه مسها جان، هيا لو بتفهم في الأصول وأهلها علموها يعني إيه رباية، مكانتش دخلت مجلس الرجال واتصرفت بقلة حيا، قالت وردة بغضب ولكن تلك المرة ابتسمت عائشة بهدوء مربتة على يد سفيان الذي تصنم تحت لمستها، المرأة حين تعلم بأن هناك أخرى تضع عينيها على زوجها فهي حتمًا ستتصرف خصوصًا وإن كانت تحبه، أنا أهلي ربوني كويس أووي يا حبيبتي، والدليل إني مجبتكيش من شعرك حطيتك تحت رجلي لما غلطتي فيهم، بس علشان الكلام ببلاش بنسمع دائمًا كلام من إللي ميسواش ده مثل مصري طبعًا الكلام مش عليكِ، قالت عائشة بود مصطنع ألجم الأخرى في مكانها وحين بالصراخ عليها صرخ بها داوود بغضب، أطلعي فوق ومشوفش خلقتك النهاردة، فاهمة.

زمت وردة شفتيها بغضب وتوجهت نحو غرفتها وهي تبكي بينما عنايات وقفت تنظر لعائشة وسفيان ببرود لينظر لها الآخر بنفس النظرة بينما عائشة ابتسمت بسخرية قائلة، معلش يا عمة، مكنتش أعرف إن أصولكم هنا بتحرّم عليا أشوف جوزي، اغتاظت عنايات منها فدقت الأرض بعكازها بغضب ثم تركتهم وخرجت من الغرفة بينما يتعالى السباب من فمها، أنا آسف على إللي حصل ده، وعد مش هيتكرر تاني، قال داوود معتذرًا فأومأ له سفيان بتفهم وكذلك عائشة أما مروان فتنهد بضيق، لقد سكت عن الكلام فقط احترامًا لهم ولكنه لم يغب عنه النظرات الكارهة لأخته، ابتعدت عائشة عن سفيان بتوتر ثم تحركت نحو الخروج ولكنه أمسكها ناظرًا لهم بتأسف، عايزين مني حاجة، عايز مراتي في كلمتين، قال سفيان بمشاكسة فنظر له مروان بغضب ثم اقترب منه ولكن وقف أدهم وفرغلي أمامه، تعالى يا مارو معانا ثواني عايزين نقولك حاجة، قال أدهم باستمتاع فنظر لهم مروان بغضب قبل أن يتنهد بضيق، الفتاة أصبحت زوجته ولن يستطيع فعل شيء، ولكن فجأة ظهرت فكرة خبيثة في عقله فتنهد بحزن مصطنع قبل أن يدفع الرجال ثم تحرك ببطء نحو الخارج متوعدًا لسفيان الذي يحاول سرقة أخته منه،.

تحرك سفيان بعائشة نحو الحديقة الملحقة بالمنزل الكبير نسبيًا، ثم توقف بها في مكان بعيد قليلًا ولكنه قريب من غرفة جده الخالية الآن، وكذلك من الغرفة التي يتجمع بها الفتيات.

أنا، يعني الكلام إللي قلته، أنا آسفة بس هي، ضايقتني وغلطت في ماما وبابا، فأنا مش آسفة، قالت عائشة بتوتر وهي تحك يديها ببعضها ولكنها توترت أكثر من سفيان الذي يقف يناظرها باستمتاع، فداكِ، كل حاجة تهون علشانك حتى لو كانت حياتي، قال سفيان بحب فنظرت له الأخرى بخجل، مد سفيان يده ليتلمس وجهها لكنه صدم حين صرخ به مروان الذي لا يعلم من أين يأتي صوته، أنا فوق يلا، عايز تلمس أختي إنتَ معتوه، يلا بقا قابل هه.

قال مروان جملته بخبث قبل أن يفاجأ سفيان وهو يلقي عليه دلوًا ممتلئًا بالماء البارد، صرخت عائشة بفزع ثم ابتعدت لتسفط أرضًا في حين سفيان الذي وقف في مكانه ببرود قبل أن يرفع يده المبللة ليرجع خصلات شعره للوراء، نظرت عائشة له بصدمة قبل أن تقهقه بعدم تصديق وهي تنظر له، رفع سفيان أنظاره لمروان بتوعد فقابلها الآخر بسخرية ثم أعاد أنظاره ناحيتها، يعني علشان تضحكِ لازم أتبهدل قدامك، فداكِ يا ستِ ولا يهمك، قال سفيان بمشاكسه فتعالت قهقهاتها أكثر قبل أن تخفت فجأة وهي تسعل بقوة، بقولك…

قال سفيان بهمس، فنظرت له بتساؤل، محتاجة أخوكِ في حاجة ولا لأ، ابتسمت عائشة على جملته ثم نظرت لمروان بمشاكسه قبل أن تنهض بمساعدة سفيان، فداك يا سيدي ولا يهمك، قالت عائشة بمزاح قبل أن يصرخ بها مروان، يا واطية، خسارة فيكِ السريلاك والفتة إللي كنت بحضرهملك، يا، يا نتنة، قال مروان بغضب مصطنع وهو يراقب ابتسامة اخته، نظر سفيان له بخبث وهو يشمر كم قميصه الذي التصق بصدره بفعل الماء، هتنزل ولا أطلعلك، قال سفيان بمشاكسة، رفع مروان حاجبه بغرور، نازلك يا خويا، هخاف منك ولا إيه، وبالفعل هبط مروان مستعدًا للشجار مع سفيان ولكنه اختفى فجأة تاركًا عائشة تقف وحدها وتناظره بابتسامة، اقترب منها قائلًا بسخرية، بتبيعي أخوكِ يا بياعة وعشان مين يعني…

ظهر سفيان وراءه على حين غفلة منه ممسكًا بخرطوم المياه ثم صفر بعلامة معينة لتندفع المياه نحو مروان الذي صرخ بتفاجؤ، استوعب مروان ما يحدث فهم بالركض بعيدًا لكنه تفاجأ بجذب سفيان له من ياقته مبللًا إياه بالكامل، تجمعت الفتيات أمام النافذة لرؤية ما يحدث في حين جاء الرجال يقهقهون باستمتاع على ما يحدث، بدأوا باللعب بالماء بينهم فابتعدت عائشة عنهم وهي تسمع صرخاتهم وقهقهاتهم وكذلك تشجيع الفتيات لهم، فتمنت من كل قلبها أن يديم اللّه فرحتهم وألا يفرق شملهم أبدًا، أما وردة التي كانت تتابع الموقف بأكمله أغلقت النافذة، كلام ماسخ.

قالت وردة بغضب، وكذلك مرّ اليوم عليهم مستمتعين بكل لحظة يمرون بها في حياتهم،.

هتعمل إيه يا باشا، قال مساعد رائف موجهًا كلامه للذي يجلس بكل برود على كرسي المكتب في الشركة الخاصة به، كل خير، هنعمل كل خير، قال رائف باستمتاع ثم نهض وهو يصفر قائلًا، مش هما بيقولوا العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، أنا بقا هرد عليهم بنفس طريقتهم، ولع في كل محلات الدهب بتاعة أبوه، وأفصل أخوه من الشغل بتاعه، دمر كل حاجة في حياتهم سامعني، عايزه يعيط بدل الدموع دم، عايزه يجي راكع ويبوس إيدي زي الكلب علشان أرحمه وساعتها، لو السما انطبقت على الأرض مش هرحمه، أنهى رائف جملته وهو يضحك بهستيرية شديدة أخافت مساعده الذي شك في سلامة عقله، بل تأكد أنه يعاني من خلل في عقله،.

في المساء جلس الشباب في الحديقة وكذلك جلسن الفتيات بعيدًا عنهم نسبيًا ضاربين بكلام عنايات عرض الحائط، لا يفعلون شيئا خطأ أمام اللّه وهذا كافِ بالنسبة لهم، سفيان باشا، في حد برّة عايزك بيقول معاه الأمانة بتاعتك، قال أحد الرجال لسفيان الذي نهض من مكانه بسرعة، ثم خرج مع الرجل بصحبة أصدقائه، فوجد رجلًا عريض الجسد طويل القامة يتوسط الأريكة في منزل الضيوف وحين لمح سفيان نهض من مكانه ليصافحه باحترام، فين سليم؟

قال سفيان باستغراب فأشار الرجل للخارج وحين تحركوا معه للخروج نظروا للذي يخرج من السيارة بكل هيبة وبرود، سليم، اقترب مروان منه وهو يركض ناحيته فابتسم الآخر بحب قبل أن يحتضنه بخشونة، افتكرتك مت.

قال مروان بمشاكسه، فابتسم الآخر بسخرية، يا حبيبي، ومين يحرق دمك يعني، نظر مروان لسفيان بغضب، متقلقش لقيت واحد أمر منك عامةً، ابتسم سفيان عليهم ثم اقترب منهم مصافحًا سليم برجولة، تحمحم الرجل وقال، كان لازم أتأكد الأول إنك سفيان، مسعود باشا بيقولك أمانتك وصلت، ولو عايز حاجة تانية فهو تحت أمرك، ابتسم الرجال له بهدوء في حين سفيان صافحه قائلًا، قله سفيان بيقولك شكرًا وعنده طلب أخير ليك، في كلب محتاجين منكوا تمسكوه، ابتسم الرجل قائلًا بهدوء، واحنا كلنا تحت أمرك، شوف عايزه فين وبكرة الصبح هيكون عندك، لمعت أعين سفيان بخبث ونظروا لبعضهم البعض بحماس لقد آن آوان تربية رائف، وسيبدأون به ثم برجاله واحدًا بواحد،.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *