التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل السادس والعشرون

تيا: عندما وصلنا إلى المشفى كنا نتجه نحو الجناح الخاص بخطى سريعة وكأننا في سباق عدو.
وعندما وصلت للغرفة شعرت بأنني أمشي وحدي فتوقفت ونظرت للخلف لأراها واقفة والتردد في عينيها!
فهمت ما تشعر به فتقدمت نحوها متنهدة بإنزعاج: لا تقولي لي الهراء والثرثرة الفارغة الآن! أشعر بأنني السبب ولا يمكنني رؤيته والى اخره من هذه التفاهات!

حدقت إلى بعين متضايقة: ولكنها الحقيقة! لا يمكنني مواجهته، على الأقل. ليس الآن أنا حقا لا أستطيع!
ما الذي لا تستطيعين فعله؟
قيلت بصوت اخر فنظرنا نحوه لنرى ستيف الذي خرج من غرفة كريس للتو!
شارلوت:
كان ينظر إلى بعين جادة ممسكا بكوب من القهوة سريعة التحضير، ثم نحو تيا التي قالت بهدوء: ترفض الدخول! تعتقد بأنها السبب فيما حدث بالأمس!
أشحت بوجهي بينما تمتم ببلاهة: أي حماقة هذه؟

زميت شفتي بإنزعاج دون أن أعلق فأكمل: لقد استيقظ قبل قليل وعاد لينام، لم يحتمل ألم الخياطة والرضوض القوية في صدره، لابد وأنك تعلمين حاجته الماسة لرؤيتنا حوله!
وجودي كعدمه، لن يؤثر ولو قليلاً!
إن كان لن يؤثر. فلماذا ترفضين الدخول إذاً!
فاجأني رده سريع البديهة و الجاهز ولكنني أسرعت أطرق برأسي بإستياء، فقالت تيا بملل: أنا سأدخل لا استطيع الإنتظار هنا أكثر، على أن اراه بنفسي، اقنعها يا ستيف.

ذهبت في حين ظل ستيف ينظر إلى وهمس: أنتِ بالفعل مغفلة!
احتدت عيناه بإنزعاج وأضاف: في وقت كهذا تهتمين بأمور لا داع لإعطائها أدنى اهتمام! ما خطبك يا شارلوت؟ كريس مستلق هناك ولابد وأنه في انتظاركِ أيضاً!
كريس لا ينتظرني!
قلتها بضيق محاولة إقناع نفسي بذلك!
م. محاولة إقناع. نفسي؟ ما الذي أقوله فجأة؟
لماذا أتحدث كما لو كان الأمر. على العكس تماما؟
بللت شفتاي بتوتر فابتسم بهدوء قبل ان يقول: لنتمشى قليلاً.

بالفعل قمنا بالإبتعاد عن هذا الجناح الخاص ونزلنا إلى مطعم المشفى لنجلس، طلب لي كوب قهوة بالكراميل ووضعه أمامي فهمستُ بإمتنان: شكراً.
ثم أسرعت أنظر نحوه برجاء: لا تتحدث بشأن دخولي إلى غرفته. صدقني لن أفعلها!
رمقني للحظة ثم زفر بصمت ونظر للكوب لبرهة، مرر يده في شعره قبل أن يتساءل مغيراً الموضوع قليلاً: هل عنقك بخير اليوم؟
أومأت: آه. نعم.

اكتفى بهز رأسه بفهم ثم ارتشف من القهوة فبادرت أسأله بإهتمام: كيف هو جيمي؟ هل ينام ويأكل جيداً؟
برأيك كيف سيكون عندما يختفي كريس عن ناظريه أسبوعان كاملين ونفس الشيء بالنسبة لكِ؟ حتى أنه لم يعد يرغب في الذهاب إلى منزل شارلي للعب معه. إنه مُحبَط جداً.
اتسعت عيناي بقلق فاسترسل بتبرم: لا أدري ما ذنب المسكين في كل هذا!

زميت شفتاي بإستياء وشعور الندم والذنب يلاحقني حتى سمعتُ اسمي الذي همس به فرفعت رأسي انظر إليه لأجده يحدق إلي.
وكم تفاجأت لنظراته المتأملة والشاردة حتى استوعب الأمر واسرع يبعد عينيه بتوتر واضح ومع ذلك أسرع يقول بنبرة منزعجة مستاءة: أنا عاجز عن النوم ليلاً. التفكير يرهقني! إنني أرتكب جريمة لا تغتفر!
اتسعت عيناي بتوجس وعدم فهم: ما الذي تقصده يا ستيف!

نفي برأسه وكأنه لا يريد التحدث أكثر ثم نظر لليمين قليلاً حتى بدى مذهولا، استنكرت نظراته فوجهت عيناي حيث ينظر وحينها انتابني الذهول والخوف لأقف فوراً هامسة بعدم تصديق: كيف!
وقف هو أيضا ليبتعد عن الطاولة بخطوات سريعة نحو المكان الذي يؤدي إلى الردهة فركضت خلفه، كنا نتجه إلى الرجلان الذي بدى أحدهما وكأن الخوف والقلق قد استحوذ عليه وبالكاد يدرك وجهته!

وقف ستيف أمامه يتظاهر بالدهشة والمرح: خ. خالي ماكس ياللمصادفة ما الذي تفعله هنا؟
نظر إليه ماكس يعقد حاجبيه للحظة ثم نظر إلى وإلى عنقي، تحرك مايكل قليلا ليبتعد ويعطينا مساحة الحديث، حينها قال ماكس بهدوء غريب: ما الذي أفعله هنا؟ ينبغي انك تدرك الأمر يا ستيف.
ارتفع حاجبا ستيف: صديقي متعب في هذا المشفى، هل أنتَ هنا لأجله أيضا؟
قالها بسخرية فرد عليه ماكس بحزم: وهل ستكون شارلوت هنا لأجل صديقك كذلك؟

تدخلتُ بتوتر: على رسلك سيد ماكس! أ. الأمر بأننا. نحن هنا ل. حسناً إنه.
تلعثمت كثيراً وبدوت مثيرة للشك أكثر فاسرعت التزم الصمت، حتى تنهد ستيف بلا حيلة: خالي ماكس كيف علمت بالأمر بحق الإله! لقد كنا حريصين على كتمه تماماً!
أغمض ماكس عينيه البندقيتين لثوان ثم نظر إليه والقلق لم يختفي بعد: أين كريس؟ أنا لستُ أحمقا حتى لو أنكر موظفوا الإستقبال وجود شخص بهذا الإسم في المشفى. أين هو؟

نظر ستيف إلى بتردد ثم نحوه مجددا وهمس: خالي. هل أنت بخير حقا؟ أخبرني فقط لأطمئن! هل أنتَ على ما يرام؟
وكيف سأكون يا ستيف عندما اكتشف ان ابني الوحيد تعرض للإصابة ويرقد في المشفى! ما الذي تظنون نفسكم فاعلون بإخفاء الأمر عني؟ هل تريد منه أن يعاني بينما أجلس في حديقة المنزل احتسي الشاي؟ هل هذا ما تريده؟
بدى منفعلا فاقتربت منه ولا أدري كيف ولكنني عانقته بجسدي المرتجف وعيناي الدامعة.

شعرت بالصمت من حولي وبادرت أقول مهدئة: رويدك سيد ماكس. كريس بخير، خشي الجميع ان تسوء صحتك، لا تقم بلومهم أرجوك لقد كانوا قلقين عليك ولم يقصدوا شيئاً آخر. لقد هرب براد من السجن وذهب إلى منزل كريس وصادف انني كنتُ هناك، واليوم أيضا ذهب قبل ساعتين تقريبا إلى شقة تيا ولكن الشرطة ألقت القبض عليه.
شهق ستيف: ذهب إلى شقتها!
ارتفعت يدا ماكس ليبادلني العناق ويهمس بصوت مبحوح متألم: هل هو حقاً بخير؟

تعرض لبضعة كدمات ورضوض في صدره، طعنه براد ولكن لا تقلق فالأمور تسير على ما يرام وافاق قبل لحظات والطبيب في غرفته يعاينه. سأخذك بنفسي سيد ماكس ولكن عدني أن تخبرني الآن بالحقيقة، هل أنتَ حقاً بخير؟
شعرت به يبتسم: أنا كذلك. أريدكِ أن تأخذيني بسرعة لأنني لم أعد أقوى على التفكير أكثر.
ابتعدت عنه مبتسمة بهدوء فسألني: هل أصبتِ أنتِ أيضا في عنقك؟
إنه جرح بسيط لا تقلق بشأنه. لنذهب.

دخلنا المصعد ليسألني ستيف بعدم تصديق: ما الذي اراده براد من تيا بحق الإله؟! وما الذي حدث هناك!
تظاهرت بالمرح وانا ارفع ذراعي قائلة: انظر إلى عضلاتي يا ستيف هل أبدو لك ضعيفة!
عن اي عضلات تتحدثين!
لقد لقنته درساً وأخذته الشرطة وقالوا بأنهم سيأتون لإنهاء الإجراءات مع كريس عندما يستعيد وعيه بشكل كامل.
عقد حاجبيه: لم أحصل على إجابة واضحة!
فُتح المصعد فقلت وانا اخرج: سأخبرك لاحقاً. هيا سيد ماكس.

كان يمشي بخطوات غير متزنة بعض الشيء مما أشعرني بالقلق وجعلني أتبادل النظرات مع ستيف الذي كان حذراً أيضاً.
السيد مايكل خلفنا يسير بمسافة كافية وانتظر عند كراسي الإنتظار في الممر.
وصلنا إلى غرفة كريس وهناك وقفتُ مجدداً بخطوات بعيدة ولكنني لم أكد أغرق في أفكاري حتى امسك ستيف بيدي بقوة دون ان ينظر إلى وأجبرني على السير معهما!
همست له برجاء: ستيف توقف، لا يجب أن أدخل أرجوك! إنني أرجوك أن تترك يدي!

وقف يهمس لي بحزم: ماذا لو كان يرغب في رؤيتك؟
أؤكد لك أنه ليس كذلك! دعني أكتفي بمراقبته من هنا.
أضفت بعين راجية: من فضلك يا ستيف لا تجبرني على الدخول!
زفر بغيض شديد: فليكن. سنرى كيف ستندفعين للغرفة لاحقاً.
قالها وتبع السيد ماكس الذي دخل للغرفة.
أخذت شهيقا عميقا مهدئة نفسي ووقفت بجانب الباب بحذر دون أن أدخل، لأرى الجميع ملتفون حول السرير! وينظرون لماكس بعدم استيعاب!
والأهم من ذلك. كريس.

الذي كان ينظر نحو الفراغ بعين باهتة، وبشرة شاحبة، والكدمات قد شوهت وجهه!
تألمت لمظهره ذلك، وزميت شفتي بضيق.
رؤيته هكذا. تؤلمني كثيراً، تؤلمني لدرجة أنني لا أستطيع الدخول ومواجهته بعدما حدث!
كيف لي أن أسامح نفسي!
سمعت صوت كلوديا القلق: ماكس! كيف علمت بالأمر؟
تجاهلها ماكس الذي تنهد بيأس واضح مسموع وجلس على طرف سرير كريس الذي ظل يحدق إلى السقف وكأنه في عالم آخر!

أضافت بتوتر: ك. كما ترى كريس بخير ولا داعي للقلق!
ظل ماكس ينظر إلى وجه كريس المتعب وقال بصوت ضعيف وهو ينفي برأسه: بخير؟ أتقولين بخير؟ أنظري إلى حاله! ما الذي حدث بربكم ولماذا أخفيتم أمر كهذا عني؟ أي تصرف هذا!
ل. لم نكن ننوي إخفاء الأمر، ولكننا خشينا أن يرهقك سماع خبر ك.
ففضلتم إخفاء الأمر عني اليس كذلك؟

قالها بحزم فعلقت تيا بتوتر: لقد كنا نخشى يا سيد ماكس أن. يصيبك مكروه! ليس بعد أن خرجت أخيراً من المشفى! إ. إنه بخير كما ترى، وسيتحسن قريبا كذلك! كل ما في الأمر أننا تجنبا تضخيم المسألة!
تدخلت أولين مهدئة وهي تقف خلف ماكس: إنها محقة. الجميع فكر بشأنك وكيف قد تكون ردة فعلك، لقد كنا نوي إخبارك عندما يستعيد وعيه.

في حين كان ماكس يلوم الجميع اخفض كريس عينيه بعيدا عن السقف وبحث في الغرفة عن شيء ما، بدى وكأنه ينظر إلى الموجودين يحاول التركيز ولكنه ظل يبحث بعينيه مجدداً في أرجائها حتى خرج صوته المبحوح ليصمت الجميع: هل هي بخير؟
عقدت حاجباي باستغراب مفكرة بسؤاله بينما تساءلت أولين فوراً: من هي يا بُني؟
عاود يسأل بصوت ضعيف: لا أراها. أين شارلوت؟

تسمرت في مكاني بدهشة وشعرت بثقل غريب في لساني وانا اتراجع للخلف خطوات حذرة لئلا أكون في الواجهة، استندت على الحائط بدهشة ورفعت يدي نحو صدري اخفف من علوه وهبوطه بسرعة جراء ارتباكي!
إ. إنه يسأل بشأني؟! أليس غاضباً؟!
سمعت صوت جوش: إنها بخير، الجرح في عنقها قد تم الإعتناء به أيضا!
أيدته تيا: صحيح.

حينها دعوت راجية وانا اتمنى ألا تكمل وأن يتدخل ستيف ويخبره أنني لستُ هنا! أرجوك يا ستيف تصرف قد أموت في مكاني لو علم كريس أنني هنا!
سقطت الشهب وتحققت أمنيتي وانا اسمع صوته المرح: كنتَ للتو تهذي باسم جيمي والآن تسأل بشأن شارلوت، ماذا عن ابن عمتك اللطيف والوسيم! وأنا الذي كنتُ أموت قلقاً وخوفاً!
تقدمت قليلا وانا استرق النظرات خلسة من خلف الباب لأجده يغمض عينيه: لماذا لا أراها؟

أجابه ستيف فوراً: أ. آه! سمعتُ أنها عادت إلى منزلها لأن عائلتها بحاجتها، اليس كذلك يا تيا؟
بدت تيا محتارة قليلا ولكنها أومأت برأسها وهي تخفي استغرابها، لأرى كريس الذي صمت ولم يُعلق.
حسنا الآن سيرى أنني عدت بكل بساطة إلى منزلي بينما هو طريح الفراش هنا!
أنا أبدو لئيمة لا مبالية هكذا! هل على الدخول يا تُرى!
ولكنني لست مستعدة. أنا بالفعل لا أستطيع مواجهته الآن.

رأيت تيا تجلس على طرف السرير في الجهة الأخرى وتدني نحوه متسائلة بقلق وإهتمام: بماذا تشعر؟ قال الطبيب أن المخدر زال بالكامل وستكون الحركة صعبة قليلاً حتى يلتئم الجرح.
اكتفى بإيماءة صغيرة وكأنه لا يريد الحديث، بينما قال ماكس: هل وضعيتك هذه مريحة؟ أتريد ان نساعدك بشيء ما؟ الست جائعاً؟ سنطلب لك الط.
هذا يكفي.

قالها كريس بشيء من الجفاء ولكن بصوت مبحوح، نظر إليه ماكس بإنكسار شديد فأضاف وهو يغمض عينيه: ما الذي تفعله هنا على أي حال.
علقت كلوديا بأسى: ألا ترى كم هو قلق بشأنك!
تنهد كريس: لا أريده أن يقلق بشأني. أريده أن يتوقف عن التظاهر.
اتسعت عيناي لقسوة الكلام في ظرف كهذا! وكذلك ماكس الذي تفاجأت بلمعة الدموع في عينيه ولكنه أسرع يخفض رأسه بلا حيلة فشعرت بانقباض قلبي!

أكمل وهو ينظر لوالده: لست بحاجة لهذه المسرحية الهزلية يا ماكس! لستُ بحاجة لشفقة أحدهم علي.
تدخلت أولين بعتاب وقلق: يا بني توقف عن التحدث إليه بهذه الطريقة إنه والدك! اخفينا الأمر عنه ولكنه علم بنفسه وأتى إلى هنا فوراً!
أيدتها كلوديا بإيماءة من رأسها فزفر ستيف بلا حيلة ورفع رأسه قليلا ينظر بإتجاهي.
لمحني صدفة فنظرت إليه بأسى، رفع كتفيه لي بخفة وكأنه يخبرني بأنه أمر متوقع سماعه وحدوثه.

بينما كنت أراقبهم لمحت الممرضة تقترب نحوي فأسرعت اتظاهر بأنني أستند على الحائط محدقة إلى الجهة الأخرى، دخلت الممرضة غرفة كريس بعد ان طرقت وسمعتها تقول بلطف: عذرا ولكن وقت الزيارة قد انتهى، ولكنه سيظل بحاجة شخص لمرافقته.
سمعتُ أولين التي قالت: سأبقى معه اليوم أيضاً. اطمئنوا.
اختلست النظر لأرى تيا التي عبست: سيدة أولين دعيني ارافقه الليلة!

تدخل ستيف بملل: وجودك لن يكون مفيداً له كفاية، السيدة أولين نثق بها وبانها ستكون منتبهة له.
امتعضت تيا بشدة: وما الذي سأفعله أنا؟ سأنام وأتركه مثلاً؟
ابتسم لها بإستفزاز واتجه نحو الباب ليلوح لكريس: سأراك لاحقاً. تبدو بخير الأمر لا يستحق كل الدراما التي حدثت بالأمس.
قالها وخرج من الغرفة ليرمقني بطرف عينه واضعا يديه في جيبه، بادلته النظرات فتساءل بسخرية: يعجبك اختباؤك هنا؟

أومأت برأسي: نعم. لا بأس بالإختباء والمراقبة من هنا.
أضفت بإهتمام: هل تعتقد بأن السيد ماكس سيكون بخير بعد ما قاله له كريس؟
التفت ستيف ينظر للوراء حيث الجميع في الداخل ثم تحرك قليلا ليستند على الحائط بجانبي متمتماً: لا أدري. ولكنني رأيت عيناه الدامعة ليس وكأن ما قاله سيكون هيناً عليه. لا أدري كيف يقول هذا حتى وهو في حالة سيئة!

أنا ايضا افكر بالأمر! عندما كان في تلك الحالة الحرجة أخبرني بأنه لم يستغل الفرصة ليتحدث مع ماكس ولكنه الآن يظهر عكس ما قاله! ما الذي يحدث له بحق الإله؟
أ. أيعقل بأنه يشعر بشيء من الإحراج لتجمهر الجميع فوق رأسه مثلاً؟
فكرت في هذا بتعمق حتى أدركت انهم خرجوا من الغرفة وبقيت أولين معه.

نظر إلى كل من جوش وكلوديا بحيرة شديدة لتبادر كلوديا بالسؤال: شارلوت! لماذا كنت تقفين هنا؟ لقد انتهى وقت الزيارة ولن يُسمح لك بالدخول الآن! منذ متى وأنتِ هنا؟
أجابتها تيا بغيض: هذه الحمقاء تواصل تأنيب نفسها بشأن ما حل بكريس.
أضافت باستيعاب فجأة: بالمناسبة. تم القاء القبض على براد في شقتي اليوم.
اتسعت عينا جوش وكذلك الجميع، بينما تساءل ماكس بهدوء وبوجه شاحب: ما الذي حدث؟

حينها أخبرته تيا بكل شيء، بدءاً بما بحدث مع كريس في منزله وحتى ما وقع في شقتها.
عندما انتهت وجه الجميع أنظاره إلى بدهشة!
طرفت بعيني بعدم فهم: م. ما الأمر!
اقتربت كلوديا بإندفاع: يا الهي! كم أنتِ شجاعة يا عزيزتي!
أيدها جوش: أحسنتِ الفعل!
ابتسم ماكس مقتربا ليربت على رأسي بفخر: ردة فعل قوية، لا عجب في أنه سيندم على اقتحام شقتها.

تكتف ستيف مفكراً: ضربته في منزل كريس على ظهره، وتعلقت بجسده كالقرد، ضربته بغطاء القدر، واليوم كسرت المزهرية فوق رأسه، قامت بتكبيله. هل أنتم واثقون انها فتاة!
ضحكوا بخفوت بينما وكزته بخفة: بالطبع فتاة ولكنني أشعر تجاهه بالحقد الشديد. على أي حال تخلصنا من خطر براد وهذا هو المهم. ثم أنني لست بهذه القوة وإنما قد أرخى دفاعه وحسب.

همس ستيف بخبث محاولا إخافتي: الا بأس بهذا؟ سيهرب من السجن مجددا وسيحاول التخلص منكِ، سيعود لينتقم شر إنتقام!
ضربته كلوديا على رأسه بحزم فصرخ بغيض: أمي هذا مؤلم!
عارضته بحزمها وبحدة صوتها: توقف عن قول أمور مشابهة و التسبب بالقلق! سنكون متشددون وحازمون مع ذلك الوغد.
سألني ماكس بجدية: شارلوت هل يعلم والديك بما حدث؟
نفيت برأسي: لا.
ألا بأس بهذا؟
أعتقد بأنني سأخبرهم ولكن ليس الآن.

ولكن ستيفاني اتصلت بي في الأمس وقالت بأنها قلقة بشأنك. عليكِ ان تتجنبي إخفاء الأمر حتى لا تغضب لاحقاً.
أومأت بإستسلام وبعدها ذهب كل منا إلى وجهة ما، فأنا وتيا ذهبنا لتناول الإفطار الذي لم نتناوله حتى الآن في أحد المطاعم، بينما جوش وكلوديا سيذهبان إلى مركز الشرطة، أما ستيف فعاد مع خاله ماكس للمنزل.
وضعت الملعقة وارخيت جسدي على الكرسي لأقول بتعب: يا الهي لقد التهمت الطعام كله ستنفجر معدتي!

كانت تيا كذلك قد اسندت ظهرها على الكرسي: أنا أيضا تناولت الطعام دفعة واحدة! كنتُ جائعة جداً ولكنني الآن لا استطيع التنفس. سأتقيأ. أنا حتى لا اقدر على مناداة النادل لدفع الحساب.
اشعر بالندم ليتني لم اتناوله بهذه السرعة.
قررنا البقاء في وضعية الإسترخاء وشعرت بالغثيان نظراً لإمتلاء معدتي!

ولكن بعد دقائق شعرنا بالتحسن واقترحت على ان نشرب القليل فقط من المياه الغازية التي قد تساعدنا على هضم الطعام بشكل اسرع فوافقت واستسلمت.
خرجنا من المطعم، جلست بجانبها وربطتُ حزام الأمان قائلة: ربما سأغادر في الغد صباحاً.
تقصدين من شقتي؟
تساءلت وهي تحرك السيارة فأومأت: نعم. على العودة إلى منزلي طالما أن كريس بخير. ولكنني لا زلت مشتتة وأنا أفكر بجيمي. أتعتقدين بأنه على زيارته؟

هذا ليس ما أعتقده أنا. بل ما يجب عليك القيام به دون تفكير.
بصفتي من؟
هل تنوين حقا الإنفصال عن كريس.
أنا حقاً. أحبه ولكن الأمر لن يكون بهذه البساطة. أخبرتني أمي أن وضع إيثان غريب وهو يعتكف غرفته لذا على ان اتنازل عن مشاعري هذه واعود للمنزل واخبر إيثان بأن كل شيء قد انتهى.

لوت شفتيها وبدت تفكر قليلاً ثم تنهدتْ: لقد قررت أن اعتذر له بطريقة مباشرة ولكنني لا اعلم حتى الآن كيف. على كل حال سأفعلها عاجلاً أم أجلاً.
أردفت بحيرة: الن تزوري كريس؟
اكتفيت بالإطمئنان عليه عن بعد. ولكنني لن انكر بأنني أريد الإقتراب ودخول الغرفة لأشاهده من مسافة قريبة واطمئن أكثر.
أنتِ حمقاء متناقضة.
أعلم.
شكرا جزيلاً.
هاه! على ماذا؟
علي ما فعلته صباحاً، أقصد براد.

آه! يا الهي انتِ حقا توأم تيا! ما الذي يحدث لك أنتِ وكريس!؟
أصمتِ. أنا لست بهذا السوء.
بعدها لا شيء مميز قد حدث، وإنما عدنا إلى الشقة وهناك أخبرتها ان تترك أمر اعداد العشاء لي، فأنا لا أريد ان اشعر بأنني ضيفة ثقيلة هنا، وبالفعل اعددت العشاء بصنفين من الطعام وبعد ان تناولناه اتصلت تيا لتطمئن من أولين بشأن كريس لتخبرها بأنه مستيقظ ويتناول عشاءه.

وحينها ادركت أنني لن أحتمل أكثر وأريد رؤيته والتحدث معه. بل أريد معانقته والبكاء على صدره!
ربما يظن بأنني عدت إلى مدينتي ولم أبالي بما حدث معه. نعم، إنه كريس ولا شك في أنه سيفكر بالأمر بهذه الطريقة.
وهذا ما جعلني أقوم بتغيير ملابسي ثم نظرت لتيا التي تشاهد التلفاز وقلت: سأخرج قليلاً.
التفتت نحوي باستغراب تنظر إلى من فوق مسند الأريكة: هاه؟ إلى أين! إنها الثامنة والنصف.
لا بأس لن أتأخر.
هل أوصلك؟

لا، سأذهب إلى مكان قريب.
خرجت من شقتها وعزمت أمري.
تناول عشاءه ولا بد وأنه سيكون نائما بعد ساعة على الأقل، لذا ستسنح لي الفرصة لزيارته دون ان يراني أو يدرك وجودي. فأنا لن أقدر على النوم دون الإطمئنان عليه عن قرب! لن أستطيع.
وبعدها سأعود إلى مدينتي وأتفاهم مع إيثان، على أي حال زواجي مع كريس لا بد ان ينتهي حتى لو كنت أحبه فلا شيء سأجنيه من الزواج من الشخص الذي يكرهه أخي سوى المتاعب والحواجز.

فضلت ألا أخذ سيارة أجرة لأن لا نقود بحوزتي، والمشفى على أي حال ليس ببعيد.
أخذت قرابة النصف ساعة سيرا على أقدامي وانا اضم معطفي بقوة إلى بسبب برودة الطقس، وصلت إلى المشفى ودخلت لأصعد إلى الجناح الذي تقع في غرفته.
رأيت وجهي على انعكاس مرآة المصعد، أنفي متورد بسبب البرد وكذلك وجنتاي.
إنني أضع يداي في جيب المعطف وجسدي يرتجف، بصراحة لا أدري هل أرتجف جراء البرودة أو التوتر الذي يعتريني.
فليكن.

خرجت واتجهت لغرفته وهناك وقفت بحذر، لا يجب أن تلمحني إحدى الممرضات لأن وقت الزيارة انتهى بالنسبة لحالة كريس، وضعت رأسي على الباب وتساءلت في نفسي إن كانت السيدة أولين ستكون نائمة مثلاً!
أتمنى أن تكون كذلك حتى لا ينتبه كريس ويستيقظ، وضعت يدي على أكرة الباب بقوة وأنا أضغطها لأتفادى ان تصدر صوتاً، فتحت الباب ببطء بكل حرص ويقظة.

عندما فتحته وجدت إنارة الغرفة خافتة فلا شيء يضيئها سوى الإنارة الموجودة أعلى سرير كريس الذي لمحته يستلقي مغمضا عينيه.
وقبل ان ادخل أكثر سمعت صوت المياه في الحمام، فأيقنت أن السيدة أولين تستحم! والدليل على ذلك هو الزر الأحمر الموجود بجانب باب الحمام دلالة على تشغيل جهاز تسخين المياه.
إنها فرصتي.
أغلقت الباب خلفي بحذر ومشيت على أطراف أصابعي ولوهلة شعرت بأنني أخف من وزن الريشة بسبب عدم اصدار أي صوت!

اقتربت من سريره أخيراً، ولم أكد أصدق قلبي الذي رقص فرحاً لمجرد التحديق إليه عن قرب!
ارتخت ملامحي كثيراً وأنا أتأمله، ومررت يدي أمام وجهه بحركة سريعة لأرى إن كان نائما بعمق أو لا وعندما لم يستجب تنهدت براحة.
من الجيد ان نوم كريس ثقيل جداً.
ابتسمت بحب لم أستطع كبته أكثر وانا أجلس على طرف السرير، يا الهي أنا حقاً آسفة! كل هذه الكدمات التي تشوه وجهه تجعلني أغوص أكثر في الشعور بالندم!

صحيح بأنه سأل إن كنتُ بخير أو لا. ولكن من يعلم، ربما ستكون ردة فعله مختلفة تماماً لو رأى وجهي!
حسنا كل ما سأفعله الآن هو النظر إليه لدقائق فقط ثم أعود أدراجي.
مع أن هذا ما قررت فقط ولكنني نسيت الوقت تماماً ولا أدري كم مضى وأنا أنظر إليه بعين شاردة! ليت الظروف كانت مختلفة واختلف لقائي بكريس.

ليت أسبابه لم تكن في سبيل الإنتقام من والداي، وليتني أعرفه منذ زمن. وليته لم يكن ذلك المتسلط العنيد ذو اللسان القذر.
ولكن.
أعترف بأن حتى مساوئه هذه تجذبني، لن يكون كريس الذي وقعت في حبه لو كان شخصاً لطيفاً مختلفاً اليس كذلك؟
إنه أناني بشكل لا يصدق ومغرور بنفسه، ولكنني مع ذلك لا أستطيع إخراجه من عقلي وأعلم جيداً بأنه من الصعب نسيانه أو التوقف عن حبه.

علي الأقل هو حاول صنع الطعام في الليلة المشؤومة، وكم كان لطيفاً مظهره آنذاك! إنه الوحيد في هذا العالم الذي يسكب الحساء لمجرد ان تطفو كتل الزيت فوق سطحه! يا له من ثري أحمق ومدلل!
ابتسمت دون شعور بيأس وحزن وقربت وجهي منه امرر يدي في شعره وعلى أنفه.
سأشتاق إليه كثيراً.
حتى لو لم أستطع التوقف عن حبه فيجب انهاء هذا الزواج حتى لا أخسر إيثان. يكفي انني عارضته أمام تيا وغادر غاضباً مني.

اسندت جبيني على جبين كريس وأغمضت عيناي لأهمس بصوت ضعيف: لقائي بك منذ البداية كان مقدراً لي لأتعلم من هذه التجربة الفاشلة. لقد تعلمت الكثير. ولكنها تظل تجربة مؤقتة لم تنجح.
انتفضت عندما سمعت أنينه فابتعدت فوراً بحذر شديد!
ولكنه ظل مغمض العينين يتنفس بانتظام وحينها قررت أنني لو بقيت أكثر فربما سأعجز عن المغادرة لاحقاً، وهذا ما دفعني للوقوف انظر إليه بأسى أودعه بنظرات حانية.

يكفي. على أن أخرج من الغرفة قبل أن تراني السيدة أولين وتفضح وجودي.
تحركت من مكاني ولكن يدي ضربت علبة ورقية للقهوة موجودة على المنضدة بجانبه فأسرعت كالفتاة الخارقة التقطها قبل ان تقع واسترقت نظرة لكريس بريبة! ولكنه.
الحمد لله!
اعدتها لمكاني وتنفست الصعداء، اكملت السير على أطراف أصابعي بخفة لأتجه للباب.
لماذا تتسللين كاللصوص؟
أطلقت شهقة خافتة رغما عني بارتياب!

ل. لم يكن نائماً! اللعنة. هل كان يتظاهر بالنوم! هذا الممثل العظيم!
حسنا في وضع كهذا على أن أتظاهر أنا أيضا بأنني لم أسمع شيئاً.
أكملت سيري نحو الباب بجسد مرتجف فسمعته يقول بهدوء: ليس وكأنك لم تسمعينني. تعالي إلى هنا.
ياللمصيبة! لو كان الأمر بمقدوري لخرجت من خلال الحائط وأجعله يظن بأنني مجرد شبح!
ما الحل؟ لقد قررت ان لا أواجهه! لا أريد. أنا حقا لا أريد!

ولكن. ربما ستكون فرصة جيدة لتوديعه وان اكون واضحة أمامه واتوقف عن المراوغة!
استدرت ببطء ورأيته يحدق إلى بعين مترقبة، ابتسمت بمرح وانا ارفع يدي: آ. آه! مساء الخير!
رفع حاجبه الأيسر وتمتم بصوت مبحوح: كان من المفترض أن تقولي صباح الخير أولا، لماذا لم تكوني هنا صباحاً؟
مررت يدي على رأسي ابتسم كالبلهاء: لقد. كانت لدي بعض الظروف، يبدو أنك بخير. على أن أغادر الآن هل تحتاج شيئاً؟

ظل ينظر إلى مطولاً فارتخت ملامحي كثيراً، ما الذي أفعله الآن بتصرفي بهذه الطريقة الغريبة!
هل أنتِ بخير؟
طرفت بعيني بسرعة وأجبت دون تفكير: نعم.
جابت عينيه على عنقي فرفعت يدي بطريقة تلقائية نحو الضمادة متمتمة: إنه جرح بسيط.
لم يكن بسيطاً.
لست في وضع يسمح لك بالتفكير بغيرك.
ثم توترت قليلا وتساءلت وأنا لا أزال اقف في مكاني: بما تشعر؟
نظر للأمام لثواني ثم تنهد: حسنا لم أتوقع أن يكون الأمر هكذا.

لا بد وانه يقصد ألم الجرح والخياطة الذي يعيقه عن الحركة! اخفضت رأسي بإستياء شديد ولم أعلق.
لماذا تقفين بعيداً!
علي الذهاب.
قلتها دون النظر إليه ثم أردفت بهدوء: تبدو بخير. على العودة إلى منزلي، كريس أعلم أن الوقت غير ملائم البتة ولكنني أرجوك ان ننهي مسألة الزواج بسرعة، رجاءً ساعدني، أنا لا أريد أن أخسر أخي وأقحم نفسي في مشاكل أكثر!

لم أسمع منه رداً فرفعت رأسي انظر إليه أترقب ما سيقوله، وجدته يحدق إلى بعين هادئة غريبة لفترة من الزمن جعلتني أتوتر رغماً عني!
قال ولا يزال ينظر إلي: أحضري لي منديلاً.
قالها قاصداً المنديل الموجود على الطاولة في منتصف الغرفة فأومأت لأخذ علبة المنديل واعطيها له، نظر للعلبة في يدي ثم لوى شفته العلوية بغضب!
اخرجت منديلاً من العلبة ووضعتها على المنضدة وانتظرته ليأخذه مني ولكنه قال بحزم: لا أريد.

هاه! لماذا طلبته إذاً.
وكانت الإجابة التي أذهلتني!
جذب يدي وبالرغم من أنه لم يستخدم كامل قوته بسبب إصابته وتعبه إلا أنه كان من السهل ان أُجبر على الجلوس على طرف السرير ولكن دعكم من كل هذا، لم يكن هذا ما فاجأني!
وضع يده اليسرى خلف رأسي وجذب وجهي نحوه لأنحني فوقه ويقبلني!
ارتجفت بدهشة وإحراج لقوة تلك القبلة واجتاحتني مشاعر الإرتباك والرغبة في الإبتعاد لئلا أبدو ضعيفة!

فُتح باب الحمام وسمعت أولين تتنهد: يا الهي أفضل شعور هو الإستحمام بماء دافئ بمثل هذا الجو البا.
ولكنها قطعت كلماتها وبدت كلمتها الأخيرة مذهولة فأدركت أنها انتبهت لي!
يا الهي على أن ابتعد عنه بسرعة!
ولكنني سمعت صوت إغلاق الباب وعلمت أنها خرجت لتعطينا المساحة الكافية كما تعتقد!
لا.
ليس هذا ما يجب أن تؤول إليه الأوضاع! على أن ابتعد عنه وأنهي هذا الزواج وإلا ارتكبت حماقات كثيرة! لماذا يقبلني بقوة هكذا!

ابتعدت عنه بسرعة وانتزعت نفسي بسهولة نظراً لعدم قدرته على استخدام كامل قوته، وقفت مبتعدة عن السرير احدق إليه بدهشة ورفعت يدي المرتجفة نحو ثغري.
نظر إلى بنظرات مغتاظة فمرت لحظات صمت طويلة كسرتها بحدة: لماذا فعلت هذا! كل ما أخبرتك إياه ان ننهي هذا الزواج وحسب! لماذا تفعل هذا أخبرني؟!
لأجل إيثان؟ هل هذا كل شيء!

قالها بحدة مماثلة لحدتي فجادلته وقد انزلت يدي واحكمت قبضتي على معطفي: إيثان هو أخي. هل نسيت هذا؟ لماذا على أن أدمر علاقتي مع أخي لسبب أو لآخر؟!
ماذا عني بحق الجحيم؟
أنت من طلب مني الرحيل! لماذا انت متناقض هكذا! ما الذي تريده تحديداً لم أعد أفهم شيء!
عودي بذاكرتك قليلاً أيتها العنيدة عبيدة الكبرياء! لقد بادلتني القبلة ذلك المساء، وفي الصباح لم تقاومي أو تبتعدي! وأخبرتك بأنني.

سكت قليلا ثم سعل بخفة فانتفضت بخوف وقبل أن أطمئن أضاف بحزم: أخبرتك بأنني أريدك!
لقد أردتني مسبقا للإنتقام، وأردتني لإهانتي وإشباع غرورك. ما الذي سيختلف هذه المرة!
هل حقاً لا تشعرين بالفرق! الهذه الدرجة أنتِ غبية؟!
زفرتُ بنفاذ صبر: أي فرق هذا الذي يجب أن أشعر به؟! وبالمناسبة تلك القبلة بادلتك إياها لأنني كنت مرهقة والأخرى لأنني لم أستوعب الأمر بسرعة! لحظة. تذكرت للتو أمراً غاب عني!

اقتربت منه بحزم وحذر: لماذا قبلتني قبل أربع سنوات!
بدى مندهشاً قليلا لمعرفتي بالأمر ولكنه سرعان ما ابتسم بسخرية: أنتِ هنا للعراك معي بالفعل.
لقد راودني شعور بأن تلك اللحظة مألوفة جداً وكنت محقة! تبدو وكأنها اللحظة ذاتها! الموقف نفسه بالضبط وبكل تفاصيله! هل خططت لإستغلالي والإنتقام مني منذ أربع سنوات!
أكملت بإنكسار شديد: هل كنت متعطشا لإستخدامي لدرجة سرقة قبلتي الأولى يا كريس!

يا الهي، الرحمة! لماذا لا يفكر عقلك وتجهدي نفسك بالتفكير قليلاً! ثم هل أبدو شخص مهووس بالإنتقام إلى هذه الدرجة! لماذا تفكرين كالآخرين تماماً أنتِ أيضا! هل أبدو ذلك المجنون حقاً؟
أردف بصوت مبحوح غاضب أجفلني: هل بدت تلك القبلة افتتاحية للإنتقام بالنسبة إليك؟ واللعنة أنتِ مثلهم تماماً. أنا لست سوى ذلك الوحش الذي يجب ترويضه في نظركِ والذي لا يرى سوى اهداف يسعى للإنتقام منها.

طرفت بعيني ولا أدري لماذا شعرت بوخزة ألم في قلبي! التمست في صوته إحباط حاول إخفاؤه ولكنني استطعت التماسه!
ا. انا لم أقل هذا ولكنكَ ت.
حسنا يا شارلوت فليكن. نعم كنت اخطط لإستغلالك منذ أربعة سنوات. نعم أنا ذلك الشخص المتفرغ إلى هذه الدرجة، اخرجي أريد أن أنام.
قالها وانهى كلماته وهو يغمض عينيه بغضب وقد ظهرت تقطيبة انزعاج بين حاجبيه.
وقفت في مكاني للحظات أفكر في كلماته قليلاً.

لقد أزعجني ما قاله قبل قليل. بأنني أشبههم! لا أدري من يقصد ولكن الأمر لا يريحني! أردت أن أكون مميزة في نظره ولكن.
هل كنت مخطأة وأنا أقفز في استنتاجاتي وهذا ما أغضبه؟ هل كان لديه دافع آخر إذاً!
ربما تسرعت ولم يكن على القاء اتهام كهذا بالفعل. كان من الأفضل سؤاله لا ان أشير إليه بأصابع الإتهام!
وجدت نفسي اقترب إليه لأجلس على طرف السرير انظر باتجاه الباب بصمت فقال بتبرم: أخبرتك بأنني أريد أن أنام.

انسى الأمر. كان من اللؤم قولها بتلك الطريقة أعتقد بأنني تسرعت كثيراً، ولكنك من تقودني للتفكير هكذا! كن واضحا معي وتوقف عن خلق هذا الغموض الغريب حولك.
انتهيتِ؟ أخرجي.
تجاهلت طلبه وتنهدت بعمق شديد: بصراحة كنتُ مترددة بالقدوم إلى هنا. خفت كثيراً أن تغضب ما أن ترى وجهي وتصرخ طالبا منهم إخراجي.

لم يعلق فنظرت إليه لأرى الإستنكار وعدم الفهم على وجهه فوضحت الأمر محدق إليه: أقصد. لو لم أتدخل في شجارك انت وبراد لما حدث ما حدث. لن أتوقف عن لوم نفسي وأنا أعلم بأنني السبب.
السبب في ماذا! هل كان أنتِ من قامت بحياكة تلك الحيلة في الشركة؟ أنتِ من جعلت براد جشعا يلهث خلف المال؟ وهل أنتِ من جعلت كلارا تتخلى عن ابنها وتتحالف مع براد ثم تهرب بعيداً؟ السبب في ماذا تحديداً؟!

عقدت حاجباي بإستياء لأتلعثم: ولكنني. لو لم أتدخل في شجاركما واجعلك ترخي دفاعك لما ت.
هذا يكفي. لا تخبريني أنه السبب الذي دفعك لعدم زيارتي هذا الصباح! من الأفضل أن تجيبي ب لا.
نعم.
اذا فأنتِ أغبى مما ظننت.
تنهدت ولم أعلق وأخفضت رأسي أنظر للأمام بيأس، الكلمات في داخلي أعمق بكثير من هذا الوضع وبهذه المحادثة ولكن لما يبدو الأمر سخيفا الآن مقابل كلماته؟!

شعرت بيده التي وضعها على يدي فنظرت إليه بحيرة أخفي توتري!
ادخل أنامله بين أناملي وهمس مشيحا بوجهه: ظننت أن الكثير من الأمور ستتغير بعد كل ما حدث، ولكنك لا زلت مصرة على ممارسة شعائر طقوسك الغريبة لتقديس كبريائك هذا.
أنت تتمادى في تشبيهك!
إنها الحقيقة.
ثم نظر إلى بطرف عينه متمتماً: ابقي.
هاه؟
أردفت باستيعاب: ولكن السيدة أولين ه.
ابقي. لا ترحلي.

تجاهلت طلبه مفكرة بإحباط بأمور كثيرة قررت البوح بها عندما أُصيب! كنت قد قررت الإعتراف له بمشاعري، والإصرار على البقاء إلى جانبه، وإخباره كم كنت قلقة وأموت خوفاً عليه. لماذا لساني يتحدث بالعكس دائماً!
الإجابة واضحة وكريس محق. كبريائي لن يسمح لي في الظهور كالفتاة الخائفة التي تهيم عشقاً به. ليس بعد ما حدث.
ولكن. هل سأقارن كل هذا بما تعرض له؟

ألم يخبرني وهو يعتقد بأنه يلفظ أنفاسه بأنه شهد اغتصاب والدته وتعرض للضرب المبرح، ألم يخبرني أنها انتحرت امامه بعد ان حاولت قتله وفشلت؟ الم أكتشف أن طفولته كانت أسوأ مما ظننت؟
ماذا عن إيثان؟
لا أدري كيف سألته هذا السؤال الواضح مبتغاه!
ولكنني ذُهلت بابتسامة دافئة على ثغره وهو يشد على يدي مجيباً بصوت عميق: ليست معضلة. سنجد حلاً!
وما الذي يجبرني على البقاء بعد ان طلبت مني الرحيل بنفسك؟

ألا يمكنك التوقف عن.
وما الذي سيجبرني على البقاء معك بعد ان اهنت عائلتي ولازلت تفعل؟ وما الذي سيجعلني أتنازل بعد ان حطمت كرامتي أمام خدمك وزملائك؟ وكيف سأبقي بعد ان تجاهلتني أسبوعان كاملين ثم تظهر وتهددني وكأن شيء لم يكن! ولماذا سأغض النظر عن توريطك لأخي في تلك القضية وتحطيم جهود سام وانتزاع حلمي مني في العمل في المشفى الذي لطالما كنت أطمح إليه! كريس ألا ترى كيف بنيت كل هذه الحواجز بنفسك!

انتزعت يدي المرتجفة من يده بقلب محطم منكسر وهمست بيأس: الأمر ليس بهذه السهولة. سأغادر الآن، ولكنني أخبرك بأنني سأكون هنا غداً. أشعر بالندم لما تسببت لك به ولا يمكنني العودة إلى منزلي حتى أطمئن انك لا تزال بخير.
ظلت عينيه العسليتان تحدقان إلى بهدوء حتى فجر كلماته التي ألجمتني: أنا لست ذلك السطحي إلى هذه الدرجة لألتفت إلى كلماتك الغبية الآن بينما كنتِ تبكين بهستيرية وأنا مضجر بدمائي على حجرك.

انتفضت بإضطراب شديد وأبعدت عيناي عنه بحزم: أي شخص في ذلك الموقف كان سيبكي!
ليس بهذه الطريقة.
أنا راحلة.
وقفت بغيض أخفي تورد وجهي دون ان أستدير نحوه فتمتم ببرود: سأنتظركِ غداً. ستتمنين الموت لو لم أراكِ يا شارلوت، لا تجرئي على الإختباء والعودة إلى منزلك ببضعة تسويغات حمقاء.
تلعثمت وانا اتجه للباب: قلت لك بأنني سأكون هنا توقف عن التحدث بهذه الطريقة لن أنتظر الأوامر منك.

خرجت وأغلقت الباب خلفي استند عليه واتنفس بسرعة وكأنني أخشى نفاد الهواء في المكان! يا الهي انا حقاً مضطربة. وأدرك جيداً أنني كدت في لحظة أصرخ وأخبره بأنني أحبه ولا أريد الإبتعاد عنه.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *