رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الثاني للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع
(ترى هل عشقك القلب؟ )
ذهب جوردن لمنزل إريكا، فكان يود رؤيتها بعدما حدث بالأمس، فجلس بالصالون ينتظرها، فما أن رأها حتى اندفع بالحديث: إريكا لم أستطيع النوم من كثرة التفكير بالأمر هل حقاً ديكسون ليس بشرياً؟
ابتسمت وهي تهمس بصوتٍ منخفض ساخر: مازال يتساءل!
علل ما يقصده: لو لم أرى ما فعله بالأمس لأتهمتك بالجنون!
شردت إريكا قليلاً، فارتسمت بسمة خبيثة على شفتيها حينما فكرت فيما يستنزف عاطفته، فنادت ديكسون بصوتٍ مرتفع، فزع جوردن وكاد بأن يسقط قهوته أرضاً حينما ظهر ديكسون فجأة من أمامهما، ليتساءل بجديةٍ تامة: ما الأمر إريكا؟
تأملته بنظرةٍ تسلية، ثم قالت: أنت تعلم بعلاقة الحب التي تجمعنى ب جوردن، وربما قريباً سنعلن زواجنا.
كان يعلم بأنها تفعل كل ذلك لتثير غيرته، غلت الدماء بعروق ديكسون وهو يرى تلك الحمقاء تنتزع حياتها لأجل الإنتقام من رفضه لها، فحاول الحفاظ على ثباته وهو يتساءل بعدم فهم: هل استدعيتني لأجل ذلك.
نفت ذلك قائلة: بالطبع لا. أريدك أن تنقلنا للمملكة عل جوردن يصدقني بنهاية الأمر سيصبح من العائلة.
نقل نظراته القاتلة بينها تارة وبينه تارة أخرى، ليشير لها بتتبعه بحزمٍ: اتابعيني.
نهضت عن مقعدها ثم أشارت للأخر: سأعود بعد دقائق.
ثم تركته ولحقت به للداخل، فقصد غرفته ليوصد الباب وهو يعاتبها بضيقٍ: ما الذي تفعلينه إريكا؟ تفضحين سر المملكة بتلك السهولة؟
تعمقت بالتطلع لعينيه، وكأنها تحاول استكشاف غيرته، ثم قالت: جوردن ليس غريباً عنا ديكسون أخبرتك بأنه سيصبح زوجي.
ابتسم ديكسون بسخريةٍ: عظيم، ستتزوجين من هذا الأبله الذي لم يستطيع الدفاع عن نفسه!
جاهدت لإخفاء سعادتها، فقالت بتذمرٍ مصطنع: لا يعنيني الأمر. أنا أحبه ديكسون.
بسخريةٍ قال: بالأمس تخبرنني بحبك واليوم تحبين رجل أخر!
ضغطت على يدها بفرحةٍ، ثم وقفت أمامه لتجيبه على الشطر الأخير: كنت مخطئة، أو ربما لم أستطيع أن أفرق بين الصداقة والحب!
كتف ساعديه أمام صدره ومازال يتمتم بسخطٍ: ربما.
عادت لتتساءل بلهجةٍ أكثر حدة: هل ستنقلنا للمملكة أم لا؟
حدجها بنظرةٍ قاتمة، لتتحول للباب الذي طرق أكثر من مرةٍ ومن ثم إنفتح ليطل جوردن من خلفه ثم قال: تأخرتي كثيراً إريكا. كل شيئاً على ما يرام أليس كذلك؟
انقطع أحباله الصوتية حينما حُمل ليرى جسده محلق بأعنان السماء، حاول الصراخ أو حتى الحديث، ولكنه عجز عن ذلك، وكأن لسانه قد تصلب، تقلصت حجم بلدته حتى إختفت تماماً من أمام الأعين، ليرى بعد ذلك ما هو أشبه للخيال، الكواكب التي لطالما قرأ عنها يراها لأول مرة بعينيه، وفوق كل ذلك جسده يخترق كوكب يجهله حتى بات يقف على سطحه!
تحكم ديكسون بالسيطرةٍ على إنفعالاته، ليأمر بفتح الحاجز الذي يفصلهما عن المملكة، وبالفعل إنفتح ليرى جوردن مملكة كاملة من خلفه، تدلت شفتيه السفلية للأسفل من هول ما رآه، ربما كان يظن بأن إريكا واسعة الخيال أما ما يراه الآن يعجز اللسان عن وصفه، صخور ضخمة يراها لأول مرة بُنيت منها جدران تلك المملكة العريقة، النقوش التي تحيط بالحوائط مبهمة له، ولكنها توحي بدورة حياة كاملة على هذا الكوكب، ابتلع ريقه الجاف وهو يتأمل تلك الكائنات الغريبة التي تحيطه، الكل مشغول بعمله وكأن وجود البشر فيما بينهما أصبح أمراً معتاد، والأغرب من ذلك التقدير الكبير الذي لاقاه ديكسون منهما، فمن يمر من أمامه ينحني إحتراماً له، تحرر قيد الكلمات على لسانه فهمس ل إريكا في ذهولٍ: لماذا يقدمون له الولاء هكذا؟
بابتسامةٍ كبيرة أجابته: لأنه ببساطةٍ الملك المستقبلي بعد أبيه.
اتسعت عيناه دهشة، قال: ماذا؟
رفعت كتفيها بدلالٍ وهي تؤكد له بتغطرسٍ: كما سمعت.
اتبعهم بصمتٍ حتى وصل للقصر، فتوقف ديكسون عن المضي قدماً، حانت منها نظرة جانبية لتجد الضيق بارز على معالمه، فتمادت حينما جذبت يد جوردن قائلة وهي تشير له على القصر: دعنا نتفحصه من الداخل.
لحق بها والأخر يقف محله ويتابعهما بنظراتٍ مغتاظة عن كشفها عن سر المملكة.
بجناح زمرد
حرصت إيرلا على إطعامها بنفسها، ومن ثم قدمت إليها العقاقير التي أعدتها ضي خصيصاً لها، فتناولتها بتقززٍ من مذاقه المر، فقوست شفتيها بغضبٍ طفولي: هذا الدواء سيِّئ.
كانت هذه البذور التي أنبتت في صدرها سخرية مريرة: سأختار لكِ الأفضل بالمرة المقبلة.
ضحكت زمرد ثم استجمعت شتات شجاعتها لتقول وعينيها تتفحص الجناح: تفاجئت كثيراً حينما سمح الملك ببقائي هنا. حتى سامول لم يعترض هو الأخر.
هزت رأسها بعدم إكتثار لما يفرح رفيقتها فما يشغلها أكبر من ذلك، إعتدلت زمرد بجلستها ثم قالت بارتباكٍ: إيرلا. لماذا لا تتراجعين عن ذلك الإتفاق اللعين؟ أخشى أن تواجهين غضب الملك فتصبحين وحيدة من جديد!
مرت ذاكرتها فوق كل كلمة قاسية سكنت عقلها دون رغبة منها، ثمة دافع خفي يجعلها تعذب نفسها باجترارٍ، رفعت إيرلا كفيها تقاطعها، وقالت متعبة: لا أود الحديث بما هو متعلق بذلك الإتفاق زمرد.
حاولت مرة أخرى علها تفيق من غفلتها: لا تنسي بأنه أخيكِ بنهاية الأمر.
اعترضت على محاولتها بالتدخل بقرار اتخذته سابقاً فقالت: دعك من هذا.
ثم تركت الجناح سريعاً حتى لا تتمكن من التأثير عليها مجدداً.
بمملكة الحوريات التابعة للملكة رودوليت.
رفعت العلبة أمام عينيها تتطلع إليها بنظرةٍ ساهمة، والأخرى مازالت تبخ سمها الذي زرعته منذ الطفولة، فقالت: تذكري جيداً ماذا فعل بخالتك وأمك؟
وجدت أصابعها ترتجف بارتباكٍ ظهر لها، فتابعت بقول: رغبتك بالإنتقام ستتحقق ألماندين، عليكِ فقط دس السم بجسده وحينها ستنتهي معاناتك.
التقطت منها العلبة وهي تجاهد باخفاءٍ تلك الدموع، تحاول استيعاب المشاعر الغريبة التي هاجمتها كالأقواس الحادة، لطالما كانت تنتظر تلك اللحظة. تتمنى هلاكه فلماذا تفكر فيه الآن! وهو لا يملك شبراً واحد بقلبها، احتفظت ألماندين بالعلبة ثم قالت: حسناً سأفعل ولكن سألتقي بها أولاً.
لم تهتم كثيراً بذلك، فما الذي ستتمناه الأخرى سوى موتة سريعة له حتى يتحقق مرادها!
إنتهت من جولتها بالقصر بصحبته، ثم اتجهوا للخروج للتلال الخضراء التي تحمي أحد جوانب المملكة، والشلال الذي يتدلى على الطرف الأخر، توقفت إريكا عن المضي قدماً حينما وجدت إيمون يقف أمامها، صدمته لم تقل عنها ولكن سعادته برؤياها فاقتها أضعافاً، فنادها بشوقٍ: إريكا!
التقطت عينيه صورة كاملة إليها يطبعها باشتياقٍ داخل صمام القلب، فجُلدت روحه حينما رأى شخصاً غريب يمسك يدها، بدى مشتت الذهن فليس هناك متسع بداخله لجرحٍ جديد، قطعت لحظات ترقبه حينما اقتربت منه هامسة: إيمون كيف حالك؟
واسته أحزانه بتلك اللحظة، ود لو يخبرها كم كان بائساً، محطماً، يرغب بأن يكون لجوارها يساندها حتى تجتاز ما تمر به، ولكن على ما يبدو له بأن هناك من فعل ذلك، نقلت نظراته لمن يقف على مقربةٍ منهما ثم تساءل: ماذا يفعل هنا؟
ردت بهدوءٍ متفهمة طبيعة الموقف: صديق لي. لا تقلق إيمون لن يخبر أحداً بشيء.
فغر جوردن شفتيه معبراً عن دهشة مصدومة اعترته حينما وجدها تتحدث مع هذا الكائن الغريب، فديكسون يشبه البشر كثيراً أما إيمون فشكله مطابق للمملكة، سحب نظراته المتعلقة به ليتطلع لها ثم أخبرها بلطفٍ رغم جدية نبرته: انتبهي لنفسك جيداً إريكا. فكري جيداً قبل أن تتخذي أي قرار قد تندمين عليه فيما بعد.
لامست كلماته قلبها، وكأنه يخبرها بأنه يعلم بما حدث معها، يشدد على يدها ليمنحها الشجاعة لتمضي قدماً، وتتخطى أوجاعها، أفاقت من شرودها القصير فوجدته يشير لهما قائلاً: اتبعاني.
أسرعوا خلفه فمروا على بساطٍ يطوفه عدد من الكائنات الشرسة الخاصة بالجنود، فكان أحداهما يمتلك مخالب حادة تملأ جسده بأكمله وأخرون يتقوس فمهم كالفأس المدبدب، ومنهم من يمتلك أجنحة تشبه فقرات الديناصور، راقب جوردن كل شبر رآه باهتمامٍ فابتسم بمكرٍ حينما أخرج هاتفه ليلتقط عدد من الصور للمملكة والكائنات التي تحيطها، ثم سلط الكاميرا على إريكا و إيمون ليحدث ذاته: ربما سأحتاج إليها فبالتأكيد لن يصدق أحداً ما رأيته.
عادوا لنقطة البداية بعدما انتهت جولتهم حول القصر، ليجدوا ديكسون بانتظارهما، فقال وعينيه تتابع جوردن بنظرةٍ ساخطة: فلنعود إن انتهت جولتكم!
أومأت إريكا برأسها، وقبل أن تغادر استدارت تجاه إيمون لتردد بشجاعةٍ: أعدك بأنني سأفكر بما قولته جيداً.
ابتسم فرحاً لتقبلها نصيحته دون أي تكبر منها أو نكرها لما تمر به، ابتسامتها الرقيقة ويدها التي تلوح له بوداعٍ مؤقت عادت لتضرم نيران العشق والهوى بداخل قلبه المنطفئ، فقال بعدما تأكد من مغادرتها: إلى متى سأحتمل هذا الألم اللعين!
بذاك المعطف الأسود أخفت ملامحها جيداً ثم حرصت على الوصول للمكان الذي يتقابلن فيه سراً، انتبهت ألماندين لصوت خفقات تقترب لتصبح قريبة منها، فما كان الا كيانها الذي تشكل من أمامها، لتسألها بجفاءٍ وحدة: ما الأمر الهام الذي تريدين رؤيتي لأجله؟
بالرغم من فظاظة حديثها الا أنها تماسكت لتردد بوضوحٍ: لم تخلف أي من الحوريات عهدها يوماً، وها أنا قد وفيت بوعدي لكِ وصار عدد كبير من الشعب يبغض ديكسون بل يرونه لا يجدر بالملك بعد أبيه.
قطبت إيرلا حاجبيها في استغرابٍ، ثم رددت متعجبة: ألهذا أردتي رؤيتي!
أوضحت لها مقصدها: طلبت مني الملكة أن أقتل أخيكِ.
عبست ملامحها بعد أن تلقت هذا الخبر الصادم، فكانت تلك الفكرة مستبعدة تماماً، لا تريد أذيته أبداً كل ما تريده العرش، انتابها مشاعر مرتبكة وهي تحارب ما بداخلها فأن كانت إختارت تخطو هذا الطريق عليها أن تستكمله للنهاية، وجدت ذاتها تخبرها بعزيمةٍ نجحت بكسر الروابط: فلتفعلي إذا.
الشك الذي حل بعينيها أبلغ من أي كلمات، رأت التردد والخوف صريح على عينيها، نعم كانت تنوي ألماندين قتله ولكنها لأجل الحصول على مساعدة إيرلا أخبرتها بأنها ستكتفي بتدنيس صورته أمام الشعب، تخفت ألماندين دون أن تضيف كلمة واحدة، إختارت البقاء بعيداً لتجلد نفسها، أو علها تعلم ما الذي تريده بالتحديدٍ، رفعت الخاتم الذي ترتديه وهي تتطلع للسم القابع بداخله بنظرةٍ معتمة، تدفعها لمقارنات أربكتها أكثر مما هي عليه، فطرقت بيدها بقوةٍ على صدرها وهي تصرخ بجنونٍ: ماذا تريد؟ ليس منصفاً أن تحب من تسبب بألمك طوال تلك الأعوام.
وسمحت لجسدها بالإنهيار فتمددت أرضاً باستسلامٍ، حتى عبراتها الدافئة لم تتوقف عن الإنهمار، ومن ثم تحجرت بمقلتيها الفيروزية حينما تذكرت انهزامها، افتقادها لمواساة والدتها حينما كانت تحتاج لذلك، صورها التي رسمتها لها، محاولاتها البائسة لتذكر ملامح وجهها، أزاحت دمعاتها بأطراف أصابعها بقسوةٍ ثم نهضت وهي تهمس بعزمٍ: سأفعلها، من أجل أمي.
شعرت بالإختناق يحاوطها حينما باتت بمفردها بالجناح، تحملت زمرد على ذاتها ثم خرجت لشرفتها المفتوحة التي تطل على مياه الشلال الغائر، أغلقت عينيها بابتسامةٍ ساحرة ثم أخذت تلوح بيدها في الأفقٍ لتلامس بأطرافها الأمواج التي تداعبها، هتفت باعجابٍ: رائع!
أسرعت زمرد لتجذب وشاحها الموضوع جانباً لترتديه فوق فستانها الأسود، تاركة العنان لخصلات شعرها الطويل ثم اتجهت للهبوط للأسفل لتستكشف المملكة التي آسرتها بنفسها، تنقلت بكل إنشن بمملكة السراج الأحمر، تعجبت كثيراً حينما وجدت أقراص من معزوفة الياسمين النادر، فقطفته لتلامس ورقاته الناعمة وتحررها بيدها فترفرف لخفة حجمها، أتاها صوت من خلفها يتساءل: كيف حالك الآن؟
استدارت بفزعٍ، فتدلى شعرها الحريري على رقبتها الناعمة، فالتقطت أنفاسها على مهلٍ وهي تحاول التحكم بشعرها المتناثر، ارتسمت بسمة هادئة على شفتيها الوردية وهي تتأمل من يتساءل عن حالها، فقالت بحمرةٍ خجلة تسللت لوجهها: بخير.
وبتلعثمٍ قالت: كنت أبحث عنك.
رفع أركون حاجبيه مندهشاً: عني أنا!
ردت مطرقة الرأس للأسفل في ارتباكٍ جلي وقد نحول وجهها لكتلة ملتهبة من شدة خجلها: أردت شكرك على إنقاذك لحياتي أمس.
عشقت نظراته التطلع لوجهها، فقال بثباتٍ رغم عاصفة المشاعر الجامحة التي تهاجمه: لا عليكِ.
هزت رأسها بإبتسامةٍ صغيرة ثم كادت بتخطيه، فعنف نفسه على بروده في الحديث معها، عله يتمكن من البوح عما بغزو مشاعره، فركض خلفها قائلاً بأنفاسٍ شبه لاهثة: نسيت أن أحذرك بالإقتراب من الشلال بهذا الوقت مجدداً.
ابتسمت وهي تخبرها ببشاشةٍ: لا أستطيع ذلك. حينما أشعر بحاجتي للذهاب لن تستطيع أي قوة من إيقافي.
سألها مستنكراً: حتى بعد أمس!
توقفت عن الخطى ثم استدارت لتكون مقابلة له، فبدأت موضحة له ما تعنيه: هناك وقتاً تنتابني رغبة بالجلوس أمام الشلال. لا أعرف متى وكيف تهاجمني؟
ثم رفعت كتفيها بعفويةٍ: لا أستطيع مقاومته الا حينما أنعم برحيق الماء وصوت الأمواج.
برقت حدقتاه بوميضٍ متفائل، فرد مؤكداً بنبرة تذيب الجليد: أعرف هذا الشعور جيداً لذا صنعت مكاناً في عمق الشلال خصيصاً لي ولأصدقائي.
تدلت شفتيها السفلية وهي تردد بعدم تصديق: مكان بعمق الشلال. كيف ذلك!
ثم تابعت بقولها المرح: لماذا لا تعتبرني إذاً من أصدقائك وتريني هذا المكان.
تهللت أساريره غير مصدق ما سمعه تواً، فجاهد لجعل لهجته منضبطة: حسناً غداً سأصطحبك.
بحماسٍ قالت: سأنتظر ذلك.
ثم تركته وغادرت وعينيه متعلقة بها، قلبه يرقص طرباً لهذا اللقاء المنتظر، ود لو كان أخبرها بالذهاب اليوم؛ ولكنه لا يدري لماذا أختار الغد، فمنح ذاته الصبر للغد وهو يهمس: سيمضي سريعاً.
ثم ترك الباحة الخارجية للقصر عله لا يراها مجدداً خشية من أن يفقد ثباته ووقار منصبه المرموق!
فور عودتها لعالمها أغلقت إريكا باب غرفتها عليها، لتحظى ببعض الوحدة علها تفق من غفلتها التي فقدت فيها نفسها ومبادئها، كانت تود الإنتقام من رفض ديكسون لها ولكن ماذا فعلت!
خسرت نفسها وشخصها في رحلة إنتقام زائفة، سألت ذاتها سؤالاً هام بتلك اللحظة، لماذا سينكر ديكسون حبها لو كان بالفعل كذلك؟، ربما تمادت كثيراً بدخولها لمثل تلك الأماكن الوضيعة وبالأخص علاقتها ب جوردن، لم تكن يوماً من تلك الفتيات التي تواعدن هذا الشاب والأخر، بل كانت نقية كزهرة الريحان، تنتظر من سيرويها بحبٍ لتنعم بحياةٍ مختلفة عن تلك التي كانت ستخوضها، كلمات إيمون كانت بمثابةٍ صفعة لم تتلاقها من عائلتها، تدفق الدمع من حدقتيها الحزينة على حالها، فجلست بالقرب من المدفأة وهي تردد بإنكسارٍ: ماذا فعلت!
تركت العنان لتلك الدموع تغسل أوجاعها، عليها الإعتراف بأنه لم يتقبل حبها، عليها تقبله كصديق وليس حبيب مطلقاً، ستنتظر حينما يخفق قلبها من جديدٍ؛ ولكن تلك المرة ستختار بعنايةٍ.
رفضت ألماندين اصطحاب كاديان برفقتها، فذهبت بمفردها للقائه، جسدها القوي كان يرتجف قهراً لما ستقدم على فعله، وبالرغم من ذلك تضغط على نفسها بقسوةٍ لتمضي قدماً، تعرقلت قدميها أكثر من مرةٍ وهي تتسلق هذا الإرتفاع الشاق وكأنها تود معاقبة نفسها قبل الإقدام على إيذائه، توقفت عن التسلق وهي تصرخ بنفسها بنزقٍ: ماذا حل بكٍ ألماندين. أليس هذا نفسه ديكسون الذي قتل أمك!
ثم دفعت الهواء العالق برئتيها على مهلٍ، لتستطرد: ليس هناك شيئاً سيجمعك به سوى الكراهية والإنتقام.
واستكملت طريقها حتى وصلت لمدخل الكهف الذي يحفه الأضواء الزرقاء لتمنحه جواً خالد بعيداً عن ذاك العالم الخارجي، دخلت وهي تبحث عنه وحينما لم تجده جلست لتتنظره كالعادة، فتفاجئت بصوته حينما قال: انتظرتك طويلاً!
كالتائهة فشلت بتحديد وجهتها، كالتي فقدت هويتها بزمانٍ لا تعلمه، تحارب تارة دموعها وتارة قلبها النازف، انفطرت إيرلا باكية لتصرخ بأعلى صوت أمتلكته يوماً: لا. لا أريد قتله إنه أخي بالنهاية.
ثم عادت لتنتحب بقهرٍ: لا أريد العرش والسلطة. لا أريد عرش يملأه الدماء.
ونهضت لتمسح دموعها العالقة بأهدابها بقوةٍ ألهبت عينيها البنية، فشحب صوتها المتقطع وهي تلفظ: أريد أخي فحسب.
لم تجد من يعاونها على ما أوقعت نفسها به سواه هو، من تراه نجدتها وأمانها، انتقلت إيرلا لقصر سامول فبحثت عنه حتى وجدته بجناحه الخاص، كاد الحرس إعتراض طريقها فمن الذي يجرأ بإختراقٍ هذا الجناح دون أي استاذان، أوقفهم سامول بحزمٍ: اتركوها.
تباعدوا عنها فدنت حتى أصبحت قريبة منه، ثم رفعت عينيها التي تغرقها الدموع لتصيبه بربكةٍ استحوذت على شتى مشاعره، فرفع بيديه ذقن وجهها، ليسألها بلهفةٍ: ما بكِ إيرلا؟
ارتمت بأحضانه، باكية بصوتٍ مسموع، أغلق عينيه بقوةٍ وهو يحارب مشاعره تجاهها، كان ضعيفاً رغم قوته الجسمانية، فلف ذراعيه القوي حول خصرها ليقربها منه، أسكرته رائحة شعرها فجعلته كالمخمور، خشى أن ينجرف خلف رغباته أكثر من ذلك، فأبعدها عنه وبأنفاسٍ حارقة عاد ليتساءل: أخبريني لماذا تبكي؟
بكلماتٍ متقطعة من فرط البكاء قالت: أخبرتني بأنها ستقتل أخي ولم أوقفها سامول!
جحظت عينيه في صدمةٍ: من التي ستقتله؟
فركت جبينها بارتباكٍ: ابنة الملكة رودوليت، كنت أساعدها بالمعلومات التي أرادت معرفتها عنه، مكانه المحبب وأوقات خروجه من المملكة وهي وعدتني بأنها ستحرص على إبعاده عن العرش.
وقف سامول مندهشاً مما يستمع إليه، حتى ما ود قوله هرب على لسانه وكأنه لا يستعب بأنها فعلت كل ذلك، فقال ساخطاً: فعلتي كل ذلك من أجل العرش!
واستطرد بجفاءٍ: تقتلين أخيكِ لأجل السلطة!
أشارت برأسها نافية تلك التهمة عنها: لا لم أطلب منها قتله.
قست تعابيره وقد أخشونت نبرته وهو يقول: لا أصدق ما أسمعه.
واستطرد دون أن يرف له جفن: بالرغم من العداوة التي تجمعني به الا أني لم أفعلها لصلة القرابة بيننا. وحتى إن كنت أفكر يوماً بفعلها ستكون بساحة المعركة وجهاً لوجه أما أنتِ!
وعجز عن استكمال جملته التي ستحطمها لا محالة، ابتعد سامول عنها وهو يحاول أولاً تهدئة نفسه، فهمس بصوتٍ منخفض: كيف طاوعك قلبك على التأمر ضد أخيكِ؟
جاب الجناح ذهاباً وإياباً وهو يزن الأمور جيداً، يفكر ما الذي يدفع الملكة رودوليت لقتل ديكسون؟، بدأت الأمور تتضح إليه تدريجياً حينما تذكر الأوربوروس عندما نقل له زيارة الملكة لمملكة ميغالودون ومن قبلها مهاجمته ل زمرد، علم الآن ما الذي يخططان له سوياً، أنفض عنه تلك الأفكار التي تحصره بالتفكير بكيفية الإنتقام منهما ثم أسرع إليها ليخبرها بتريثٍ: ما زال أمامنا فرصة لإنقاذ ديكسون أيرلا. أريدك أن تخبريني بكل شيء عن تلك الأماكن التي يتردد إليها.
ردت عليه بنبرة تضم في طياتها الإنكسار: سأخبرك.
التفتت يميناً ويساراً باحثة عنه، فلم يكن له وجود مطلقاً فقط تستمع لصوته، إلى أن ظهر أمامها كيانٍ ومن ثم تشكل بجسده ليبدو قريباً منها لا يفصلهما الكثير، نظراته الدافئة تذيب شيئاً بداخلها تجهله، تود لو تعمقت بالتطلع إليه عل هذا الدفء يذيب قوقع الحقد بداخلها تجاهه، استند بجبينه على جبينها، فلفحت أنفاسه الساخنة وجهها: اشتقتي لرؤيتي سريعاً!
تهدجت أنفاسها كلما شعرت باقترابه منها، فدفعته عنها ثم كادت بالإبتعاد لمسافةٍ آمنة، مد كفيه ليلتقط يديها مداعباً بابهاميه ظهر كفيها، فسرت رجفة قاتلة بانحاء جسدها جراء لمساته الحنونة، نظرات عينيه الشغوفتين أفتكت بما تبقى بداخلها، أغلقت عينيها بقوةٍ وهي تكبت كل ما بداخلها من أحاسيس مرهفة تقودها إليه، فرددت بتلعثمٍ: لا تقترب مني. ابتعد.
أخذ شهيقاً عميقاً قبل أن يحرره هامساً: عجباً لكٍ تخبريني بكرهك لي وحينما أقترب منك لاع قلبك عشقاً ويرتجف جسدك عنفاً!
تقوس فمها بابتسامةٍ باهتة: مكانك بالقلب مرتبط بالكراهية. أرتجف حينما تقترب نفوراً منك وليس عشقاً، أكرهك فحسب.
نظراته الساكنة جعلتها تكاد تجن، تراه لا يصدق ما تخبره به، فجذبت الخاتم الذي ترتديه لترفعه أمام وجهها وهي تشير له بأصابعٍ مرتجفة: أترى أتيت إلى هنا لأقتلك بهذا السم!
ابتسم بجمودٍ ثم قطع المسافة التي تفصله بينها، واضعاً كلتا يديه حول خصرها، ثم قربها منه لينحنى برقبته قليلاً: فلتفعلي إذاً.
سقط الخاتم من يدها من صدمتها الغير متوقعة لرده وخاصة حينما استكمل قائلاً: كنت أترقب تلك اللحظة التي ستهاجمنني بها، وحينما أتت بحثت بعينيكٍ فلم أجد سوى العشق والتردد مما تفكرين بفعله.
أحنت رأسها للأسفل لتترك العنان لدمعاتها المنهزمة، حاوط خديها الساخن بيديه ليجبرها على التطلع له مجدداً، ثم قال: أتعلمين ألماندين ما هو الفرق بيننا وبين البشر؟
نظراتها المهتمة جعلته يستكمل حديثه: البشر لا يثقون بأحداً سريعاً لذا ليس من السهل أن يقع أحداهما بالحب. أما نحن فينبض بداخل القلب من الوهلة التي يبلغ بها لذا حينما يجد النصف الأخر يخفق بقوةٍ منذ أول لقاء، يعلمه بأنه وجد من شاركته تلك اللحظات من قبل أن تلتقي به.
ورفع يديه ليضعه على موضع قلبها، مسترسلاً: قلبك يعرفني جيداً ألماندين.
سقط الدمع على يده التي تستمع دقات قلبها المندفعة بقربه منها، جلدته تلك القطرات وكأنه فاقد لقواه غير قادر على المحاربة، فأزاح بيديه الأخرى تلك اللعنات التي ستقضي على قلبه، ثم قال بألمٍ صاحب صوته الرخيم: أعرف جيداً ما الذي اختبرتيه منذ الطفولة. لذا لن أوقفك اليوم.
لم تفهم مقصده الا حينما إنحنى ليجذب الخاتم الملقى أرضاً ثم كسر رأسه المستطيل ليقربه إليه وهو يردد بابتسامةٍ صافية: إن كان هذا سيجعلك سعيدة سأفعلها دون تردد.
اتنشلت من يديه الزجاجة لتلقيها أرضاً وهي تصرخ بشراسةٍ: لا. لن أسمح لك.
جذبها بقوةٍ إليه وبنظرةٍ خبيثة قال: لماذا تبالين بموتي إذاً؟
تطلعت لعينيه مطولاً قبل أن تنطق بتوترٍ: لأنك تعني لي.
أشار بيديه ليضيف بتريثٍ: ماذا أعني لكِ.
رددت باستسلامٍ: أحبك. لا أعرف متى أو كيف ولكني أحبك حقاً.
طغى وجهه ابتسامة ساحرة، فجذبها لأحضانه، رفعت يدها ببطءٍ ومن ثم حاوطته هي الأخرى، انهمرت دمعاتها تباعاً وهي تحطم بيدها كل عهداً أتخدته يوماً، تعلقت به وكأنه اختيارها الأخير بعد طريق حفرته نيران الكره والإنتقام، أخر شيئاً توقعته أن تقع بحبه هو!
لا تعلم كيف سيكون مسرى تلك العلاقة ولكنها تريده مهما كلف الأمر، ابتعد عنها ديكسون ليشير لها بيديه: هيا سأصطحبك إلى مملكتي. لن أتركك وحيدة بعد اليوم.
خطت خلفه خطوتان متتاليتين ثم توقف حينما تذكرت شيئاً، فاستدار إليها متعحباً من توقفها المفاجئ، فقالت: سأتي معك، ولكن على الذهاب قليلاً.
وقف مقابلها ليتساءل باستغرابٍ: إلى أين؟
قالت بهدوءٍ وهي تتمسك بيديه: سأعود مجدداً. أعدك.
فتح ذراعيه ليردد بمرحٍ: حسناً سأنتظر هنا لحين عودتك، وربما أساعدك على الهبوط لحين استعادة طائرك الأخرق!
ضحكت فأشرق وجهها المنطفئ، ثم أسرعت إليه فحملها ثم هبط بها سريعاً ليرتفع لأعلى بعدما لوحت له لتستكمل طريقها.
بأسفل الكهف.
تعجب سامول و إيرلا حينما شاهدوا ما حدث، استدارت إيرلا إليه، ثم تساءلت بتشتتٍ: هل فهمت شيئاً؟
أجابها بعد تفكيراً: علها لا تريد تنفيذ خطتها الآن!
سألته بدهشة إعتلت ملامحها: ربما، ولكن ماذا سنفعل الآن.
أشار لها بأن تتابعه حتى لا يشعر بهما ديكسون، فدنا معها من تارا التي تنتظرها فما أن رأتها حتى إنحنت برأسها تحوم بالأرض بطاعة، فقال سامول بهدوءٍ: عودي إلى القصر وغداً سنتحدث.
كاد بالمغادرة فأمسكت به وما أن تطلع لها حتى سحبت يدها بتوترٍ: لا ترحل.
اعتدل بوقفته، ثم وضع يديه على ذراعيها ليبث لها الطمأنينة: لا تقلقي إيرلا. أنا لجوارك لن أتركك أبداً.
اتسعت ابتسامتها وهي تهز رأسها بفرحةٍ، فرفعها بذراعيه حتى وضعها على جسد تارا التي حلقت عالياً لتعود بها للمملكة.
بمملكة البيتراء.
عاد للمملكة مهموماً، لم يعد يعلم ماذا تريد، ما زالت تشغل تفكيرها بالإنتقام من ديكسون، مازال الحب يأسرها ويدفعها للمحاربة حتى بالرغم مما حدث، أغلق إيمون عينيه ثم فرد ذراعيه باستقبال نسمة الهواء العليلة التي اتدفعت تجاهه وكأنها تشعر بما يختبره، كاد بأن يستسلم لجسده الذي يحثه على التحول بالحال، الا أن صوت ضي أمسك به ليعيده على أرض الواقع، فتح اجفانه الثقيلة ليجدها تضع يدها على كتفيه وهي تخبره بحزنٍ: عادت للمملكة مجدداً أليس كذلك؟
لعق شفتيه وهو يسألها بارتباكٍ: من!
ابتسمت ساخرة: من غيرها. إريكا.
ثم تابعت بألمٍ وهي تلكزه بيدها: أحمق هل تظنني لا أشعر بك؟
ظهرت علامات الحزن جلية بعينيه، فاستند بجذعيه على سور المملكة من أمامه: ليتها تشعر بي مثلما شعر بي الجميع.
اتبعته ثم وقفت جواره، لتهيم بذكرى الأيام: أتعلم ما يحدث معك الآن حدث مع أبيك من قبل.
التفت إليها باهتمامٍ: أبي!
أومأت برأسها وهي تجيبه ببسمة واسعة: كنت حمقاء مثلها. لم أشعر بحبه بالبداية.
تساءل بلهفةٍ وكأنه يطمح أن يحدث معه مثلما حدث مع والدته: وماذا حدث؟
أجبرني لوكاس على الزواج به مقابل خدمة قدمها إلي.
صعق وهو يردد بعدم تصديق: أجبرك الملك على الزواج من أبي؟
تعالت ضحكاتها، فقالت لتوضح له: ليس إجباراً بالمعنى. فهو كان يعلم بأنني أحبه ولكني كنت أتهرب مما بداخلي لكونه قائد الحرس وأنا الأميرة.
لوى شفتيه بتسليةٍ: تتخلين عن حبك لأجل الزواج من ملك. يا لكِ من أم!
ضحكت بصوتها كله، لتردد بصعوبةٍ: أخبرتك. كنت حمقاء!
تعالت ضحكاته هو الأخر، فإحتضنته ضي بحبٍ وبداخلها تتمنى أن لا يعاني ابنها مثلما عانى أبيه!
ولج لجناحه ليلقى نظرة ساخرة على العتمة التي تكسوه رغم نفاذ الضوء إليه، فكيف سيشعر بضوئه ومعشوقته بعيدة عنه، لم يعارضها على شيئاً من قبل ولن يفعلها؛ ولكن طلبها بالسفر لعالمها لزيارة لينا و كيفن هو أبغض شيئاً، يخشى تلك الأيام التي يقاسيها من دونها، جلس لوكاس على الفراش بحزنٍ منحه عمراً ينهاز عمره، يتطلع على الجانب الأخر من فراشه باشتياقٍ لها، يلعن أحياناً مسؤوليته كملك التي تحتمه على العمل ليلاً نهاراً لأجل أمن المملكة وشعبها، فربما لو لم يستلم الحكم لكان جوارها الآن، أخفض رأسه أرضاً بمللٍ، التقطت أذنيه صوت باب جناحيه فاستدار ليجد إيرلا تقف من أمامه، ضيق عينيه بذهولٍ من حالتها الغريبة، وخاصة حينما اقتربت لتجلس أرضاً أسفل قدميه ثم مددت رأسها على قدميه لتردد بدموعٍ: أبي.
هلع حينما رأها هكذا فمرر يديه على شعرها بحنوٍ: ما بكِ صغيرتي!
تدفقت الدموع بمقلتيها، فمسحتها وهي تجيبه بخوفٍ: أخطئت بحق أخي ونفسي.
تجعدت ملامحه بدهشةٍ من حديثها، فجذبها لوكاس لتجلس جواره، ثم أمسك بيدها كالطفلة الصغيرة وقال: هيا أخبريني ماذا حدث؟
تطلعت له بحزنٍ شديد وهو تجاهد ذاتها بالحديث، لا تعرف من أين تبدأ وكيف ستخبره بما ارتكبته بحق أخيها، التقطت نفساً طويل ثم زفرته على مهلٍ لتخرج ما ركنته الأيام من جروح متلاحقة: أتيت تلك المرة لجناح أمي فسمعتها تخبرك بأن ديكسون هو الأولى بالعرش مني. لم يكن يعنيني العرش ولا السلطة ولكن سماعها لهذا الشيء نبت بداخلي حقد تجاه ديكسون، وزرع رغبة بالعرش استحوذت على تفكيري.
وتابعت بترددٍ وهي تمسح الدموع العالقة بأهدابها: ولأجل هذا ارتكبت ذنباً لا يغتفر.
قصت إيرلا على مسمع لوكاس فأكفهرت ملامح وجهه وهو يتابعها بصمتٍ حتى انتهت من قص كل شيء متعلق بتلك الحورية التي اتضح بأنها ابنة شقيقة الملكة رودوليت، ختمت إيرلا حديثها قائلة بانكسارٍ: لا أعلم كيف فعلت ذلك أبي. لم أرى أمامي سوى العرش!
وهزت رأسها بانفعالٍ: والآن لا أريد شيئاً، إفعل ما شئت بي ولكن أصلح ما فعلته. يجب الا يلحق الأذى بأخي مهما كان الثمن.
وخبأت وجهها بيدها لتفرغ ما بداخلها من بكاءٍ عاصف، استعدت لعقوبة تعلمها جيداً، وربما تفوق ما توقعته، بداخلها استعداداً لما سيحكم به لوكاس فهي معترفة بأنها تستحق الموت لما فعلته، شعرت بيديه تحيطها لتقربها من صدره، فرفعت عينيها تجاهه بصدمةٍ، ثم قالت بذهولٍ: ماذا تفعل أبي؟ ألن تعاقبني على ما فعلته!
ثم مسكت يديه لتطرق بها على وجهها وهي تردد ببكاءٍ: هيا إرفع يدك واضربني. عاقبني على ما اقترفته!
بثباتٍ عجيب جذبها لأحضانه مجدداً، ليقول بغموضٍ مخيف: العقاب لمن يستحق إيرلا.
وأبعدها عنه ليحتضن وجهها بيديه، ثن قال: قسوتي على روكسانا دون أن تفهمي ما تفكر به، تخشى أن حياة الملوك تقيدك مثلما قيدتنا صغيرتي، العرش والسلطة وكل ذلك ابتلاء، روكسانا لم تفكر الا بكِ أردت أن تمنحك حياة حرة، تختارين بها شريك حياتك وتتفرغين لأبنائك لا تريد العرش أن يحرمك من كل شيء، علها ترى ديكسون أحق ولكنه بالنهاية الأكبر والأجدر للملك.
استمعت لكلماته بحرصٍ شديد، فاسترسل حديثه قائلاً بحزنٍ: لما يكن بأوسع مخيلاتي أن العرش سيصنع عداء بين أبنائي!
انحنت لتقبل يديه وهي تقول بصوتها الشاحب: أعتذر أبي كنت حمقاء. أرجوك سامحني.
رسم ابتسامة صافية: أسامحك صغيرتي.
ثم قال بحزمٍ أبدته لهجته الصارمة: ولكن عديني أن لا تفعلي هذا مجدداً إيرلا.
قالت بتأكيدٍ: أعدك أبي.
خرج بها لوكاس لمكانٍ سري بالقصر، يعقد به الإجتماعات الهامة، ومن ثم طلب من أحد الجواري أن يبلغ راوند و بيرت أن يأتوا إليه، وبالفعل ما هي الا دقائق معدودة حتى وصلوا للغرفة المحكمة، جلس بيرت على أحد المقعد الصدفية لجوار إيرلا ثم سأل بقلقٍ: هل كل شيئاً على ما يرام أخي؟
وزع نظراته بين إيرلا التي يتمكن الحرج منها لما سيقال عنها وبين رواند التي تترقب ما سيقول بصمتٍ، فكان حكيماً حينما قال: بطريقة ما علمت إيرلا بأن الملكة رودوليت تعد المكائد لديكسون، واليوم حاولت قتله.
صعق بيرت، فردد بغضبٍ: كيف تجرأ على فعل ذلك!
جزت راوند على أسنانها بغيظٍ: لقد تمادت رودوليت كثيراً ويجب أن يُوضع لها حد.
تدخلت إيرلا بالحديث، قائلة: تستغل ابنتها لتنفذ مكائدها حتى يلقى اللوم عليها حينما ينكشف الأمر.
تعجبت راوند كثيراً، فقالت بإندهاشٍ: عن أي ابنة تتحدثين إيريلا. رودوليت لا تمتلك أبناء!
أوضحت مقصدها: أعلم ولكن ابنة شقيقتها تناديها أمي.
تشتت ذهنها، فرددت بفتورٍ: ربما أنتي مخطئة. شقيقاتها درين و يوليا لم تنجب أي منهن.
استند لوكاس بيديه على حافة الطاولة المثلثية الشكل قائلاً باهتمامٍ: من تلك الفتاة إذاً!
التعليقات