التخطي إلى المحتوى

الفتيات عار يجب وأده أو إلقائه على عاتق

شخص آخر

شعار والدها الأثير الذي رزقه الله بثلاث فتيات

تخلّص منهن الواحدة تلو الأخرى بزيجات

ولرحمة الله بهن مناسبة ومريحة لهن جميعا.

ذل ومهانة هو ما جنته من منزل والدها وإنها

لتشعر بالخزي من نعتها له “أبي”

لا تراه يستحق هذه الكلمة أبدا!

كما لا يستحقها زوج خالتها الأول الذي ألقاها

وأخذ منها ولدها لسنوات..

لا تفهم لِمَ يبتليهن الله بأشباه الرجال هؤلاء؟!

“نغم.. انتي يا بت”

انتفضت على صوته يناديها لتخرج من أفكارها

لتهرع له تنتظر توبيخه كالعادة على شيء

فعلته أو لم تفعله سواءا لديه..

وقفت أمامه صامتة ليرمقها بازدراء وهو يقول:

“حضّري نفسك جايلك عريس”

اتسعت عيناها بصدمة وهي تهتف:”ايه؟!”

“جاتك اوا يابت, ايه انطرشتي؟!”

هتف بها بحدة لتبتلع اعتراضها وهي تحرّك

رأسها برفض قبل أن تستجمع شجاعتها وهي

تقول:”بس انا مش عايزه اتجوز”

ما إن أكملت كلماتها القليلة حتى كانت

الصفعة التي أدمت وجهها لتغمض عينيها

بألم وهي ترفض ذرف دموعها أمامه لتشعر

بوالدتها وهي تقودها لغرفتها وصوت والدها

يتبعهم:

“عقّلي بنتك لاحسن والنبي ومن نبّى النبي

لاكون مكسّر عضمها ودافنها قبل ما تجيبلنا

العار”.

****

“يابني انت مش ناوي تريّح قلبي بقى!

عايزة اطّمن عليك قبل مااموت”

تأفف بداخله من تلك الجملة التي ما تفتأ

تقولها والدته لتستدر عطفه حتى يفعل ما

تريده..

هل هو فتاة حتى تريد الاطمئنان عليه قبل

وفاتها؟!

ألا تعلم كم الراحة التي يعيشها الآن بلا

زواج!

يا إلهي! لقد كان في جحيم تلك الفترة

القصيرة التي تزوّج بها حتى أنه أحيانا لا

يصدّق أنه تخلّص من تلك المرأة .

قرّر اتباع طريقتها باستدرار عطفه فرمقها

بنظرة لائمة وهو يقول:

“كده يا أمي؟! عايزة تخلصي مني! تاعبك انا

في ايه يعني؟! عشان حتى اللقمه اللي

بتعمليهالي وال الهدوم اللي بتغسليهالي! خلاص

يا أمي انا هبقى اعمل اكل لنفسي واهتم

بحاجتي بدام انا تاعبك كده وحِملي تقيل

عليكي”

رفعت حاجبها قائلة:”مش عليا الدور ده يا

حازم! انا خابزاك وعاجناك يا ابن بطني..

هتشوف العروسة يعني هتشوفها”

زفر هذه المرة عاليا وهو يقول:

“بقولك ايه يا ست الكل، ركّزي مع أنس

وجوّزيه انتي بس.. اما انا سيبك مني خالص

انا مش ناوي اتجوّز في الوقت الحالي ومهما

حصل مش هتنازل عن رأيي ده.. المرة ال فاتت

سمعت كلامك وادي النتيجة المرة دي مش

هتجوز إلا لما أحس اني عايز اتجوز فوفري

العرايس بتاعتك لأنس هو محتاج

الجواز عشان ابنه”

ولم يمنحها الفرصة لترد عليه بل غادر ع الفور

بعدما التقط سترته التي خلعها منذ دقائق

قليلة فيبدو أنه لا راحة بمنزل توجد فيه امرأة

حتى لو كانت والدته!

****

سائرا بلا هدى يتأمل المكان حوله، حتى أنه

لا يعلم ما هذا المكان التي قادته قدماه إليه!

فقط يسير ويسير حتى احتله التعب فجلس على

أحد المقاعد الحجرية الموضوع بالشارع وهو

يكتشف أنه على الكورنيش.. أغمض عينيه

يتلذذ بالنسمات الصيفية الخفيفة وهي تحمل

رائحة البحر..

لا يمل أبدا من النظر للبحر أو استنشاق رائحته

لم يكد يشعر بالهدوء حتى تناهى إلى سمعه

كلمات غزل فجّة فتأفف بداخله وهو يفتح

عينيه ينظر من هذا الظريف الذي يغازله

ليتفاجأ برؤية فتاة جالسة على المقعد المجاور

والكلمات بالطبع تُوَجّه لها.

عقد حاجبيه وهو يفكر هل كانت الفتاة

جالسة قبل جلوسه؟ لأنه لا يتذكر وجود فتاة

أبدا وهو يهم بالجلوس!

نفض رأسه وهو يتابع ما يحدث.. لِمَ تجلس فتاة

بمفردها وبهذا الوقت هنا بهذا المكان؟!

أهي من أولئك الفتيات اللاتي تبحثن عن

رفقة؟ ولكن ملابسها محتشمة بل إنها ترتدي

حجابا فكيف تكون منهن؟

وجد الشاب يقترب مادا يديه فانتفض مسرعا

ناحيتهما وقبل أن تصل يد الشاب لجسدها

كان يقف بينهما ممسكا بيد الشاب وهو

ينظر له نظرة صارمه محذّرة أخافت الشاب

فابتعد وهو يسب ولكنه لم يبالِ به بل التفت

لها غاضبا وهو يقول:

“انتي بتستهبلي؟! ايه اللي مقعّدك هنا دلوقتي

ولوحدك؟ ”

رمقته بوجل وهي ترد عليه مصطنعة الجرأة:

“زي مانت قاعد وال هو حلال ليك حرام

عليا؟”

رفع حاجبه يرمقها بعدم تصديق لجرأتها!

ليهتف بها غاضبا:

“انا راجل ومش هيحصلي حاجة، لكن انتي

بنت وأظن شوفتي عيّنة من اللي ممكن

يحصلك وانتي قاعدة هنا لوحدك وفي وقت

زي ده.. إلا إذا بقى انتي كنتي حابة اللي

بيحصل وانا قطعت عليكي استمتاعك”

شهقة عالية خرجت من شفتيها واحتقان وجهها

أعلمه أنه ضرب وترا حساسا وأخطأ بحديثه

ولكنه لا يفهم لِمَ فتاة مثلها تتواجد بمكان

كهذا بهذا الوقت المتأخر!

“احترم نفسك يا جَدَع انت واتكلم عِدِل،

وبعدين انت مالك اصلا انا قاعده وال واقفه

حتى ايش حشرك انت”

اتسعت عيناه بعدم تصديق ليجيبها بحدة:

“عندك حق انا مالي ان شاء الله تولعي حتى..

خليكي قاعده كده لحد ما يجي واحد

يشقطك”

ثم التفت مغادرا ليسمعها تتمتم:

“يشقطني! يعني ايه؟”

لم يرد عليها وهو يكاد يضحك سخرية من

الموقف الغريب الذي يتعرّض له ولم يكد

يبتعد عدة خطوات حتى وجد من يسير بجانبه

بعدما لاحظت اقتراب عدة شباب من مكانها

وكان قد لاحظهم أيضا ولكنه اصطنع

اللامبالاة..

“معنديش مكان اروحه”

قالتها بخفوت ليعقد، حاجبيه وهو مستمر

بالسير وهي بجانبه ثم سألها:

“فين أهلك؟”

“أمي ماتت وأبويا متجوز ومرات أبويا..”

صمتت للحظات قبل أن تقول بسخرية مريرة:

“حاجه كده زي سندريلا بس على أوحش

شويه.. عموما كنت مستحمله كل حاجه

وساكته لحد ما كانت الحاجه الوحيده اللي

باقيالي هتضيع فهربت”

توقف عن السير بغتة وهو يلتفت إليها بحدة

قائلا:”هربتي! هو لسه فيه حد بيهرب؟!

دي كانت موضة وخلصت وال انتي متأثره

بالأفلام القديمه؟”

احتدّ صوتها وهي تقول:”من غير سخرية لو سمحت”

“وانتي بقى بتهربي فكرتي هتروحي فين؟

فكرتي ان ال كان ممكن يحصلك وانتي

في بيت ابوكي ارحم من اللي ممكن

يحصلك ف الشارع”

“مش هتفرق كتير، على الاقل في الشارع

ممكن الاقي حد يحميني ويحمي شرفي زي

مالقيتك كده، لكن هناك.. مفيش حد”

زفر بقوة وهو يلعن خروجه من المنزل هذه

الليلة وتورّطه بهذا الموقف ثم قال:

“وهتروحي فين دلوقتي عندك مكان؟”

“لأ..”

كاد يسب بلفظ نابي لم يستخدمه قط ولكنه

تماسك وهو يفكر ماذا يفعل؟!

هل يتركها هكذا بمفردها بالشارع وبهذا

الليل حتى تتعرض لاسوأ مما قد تتعرّض إليه

بمنزل والدها أو ربما مثله! أم يصمت ضميره

ويصحبها معه للمنزل!

كاد يقهقه ضاحكا وهو يتخيل مشهد والدته

لو اصطحبها معه وردة فعلها وقتها ولكنه لا

يملك إلا أن يفعل ذلك.

صدح صوت بداخله يسأله:

(ماذا لو كانت كاذبة؟ ماذا لو كانت

مخادعة أو لصة أو هاربة من مصيبة أكبر؟)

ضحك بداخله على تفكيره وهو يتمتم

بخفوت:

“واضح اني انا ال متأثّر بالافلام القديمه”

“بصي يابنت الناس انا مش هقدر اسيبك في

الشارع كده في وقت زي ده، انتي هتيجي معايا

البيت”

شهقت ليضحك عاليا وهو يقول ساخرا:

“أقسم بالله شوفت الحته دي في تلت اربع

الافلام بتاعتنا.. صلّي على النبي كده

واهدي.. انا مش هاخدك اغرغر بيكي ..

انا هاخدك تونّسي الست الحاجة امي لحد

ماشوفلك حتّه تقعدي فيها”

لا تعلم لِمَ تشعر بالأمان مع رجل لا تعرف حتى

اسمه! ولكنه تثق به لذا اتّبعت حدسها وأومأت

له موافقة وهي تتمتم:”طيب”

ابتسم لثقتها به وتأكّد أنها إما طيبة لدرجة

السذاجة أو مخادعة فلن تثق فتاة برجل لا

تعرفه إلا إذا كانت إحداهما!

“طب مش نتعرّف بقى وال هدخل على أمي

واقولها جايبلك واحدة مش عارف اسمها تونّسك؟”

ابتسمت وهي تقول بخجل:”رتيل.. اسمي رتيل”

“بوند.، جيمس بوند”

قالها ضاحكا لتشاركه الضحك فابتسم لأنه

تمكّن من رسم الضحكة على شفتيها ليقول:

“اسمي حازم.. لايق عليا مش كده”

“الصراحة.. لا”

قالتها بمرح فضحك عاليا وهو يقول:

” ايه الاحراج ده! أبشّرك هتتفقي مع امي

جدا ”

“اكيد مامتك هتضايق وهتسألك عرفتني

منين؟ وجاية اقعد معاكم ليه و…”

قاطعها قائلا:”ماتقلقيش.. هقولها اخت واحد

صاحبي وموصّيني عليكي قبل ما يسافر،

وماما مش حشرية خالص”

وتمتم بداخله:(سامحني يارب).

****

خرجت من الشركة رافعة رأسها إلى أن وصلت

إلى سيارتها لتضع أغراضها وتجلس أمام المقود

ساكنة للحظات قبل أن تنفجر باكية من

ضغط الأيام السابقة والتي انتهت بها اليوم بلا

مأوى, بلا وظيفة وبلا سند!

انتهت نوبة البكاء لتمسح وجهها بعنف

وعيناها تبرقان بتصميم.. لن تبكي بعد اليوم

من أجل أي شيء مهما كان.

لحظات وتعالى رنين هاتفها لتجده المكتب

الذي هاتفته لتحصل على وظيفة أخرى منذ

عدة أيام ابتسمت بسخرية وهي تفكر أنها

وقتها تخيلتها وظيفة إضافية مع وظيفتها

بالشركة مع شادي لينتهي بها المطاف

بلا شيء!

فتحت الخط ليصلها صوت العاملة هناك وهي

تخبرها بضرورة تواجدها بعد ساعتين لتستلم

وظيفتها لتوافق هي دون أن تسأل حتى عن

ماهية الوظيفة!

****

“انتي بتقولي ايه يا تاج؟ تشتغلي مربية؟!

دي اخرتها يا بنتي؟!”

جاهدت لتبتلع الغصّة التي وقفت بمنتصف

حلقها وهي تهادن والدتها وتقنعها بما ليست

مقتنعة به من الأساس..

“وفيها ايه يا ماما؟ هو انتي فاكراني هنضّف

يعني وال اطبخ لهم؟ ده مجرد تحضير ومتابعة

لطفلين صغيرين لأن والدتهم مريضة”

أشاحت بوجهها وهي تقول غير مقتنعة:

“بس برضه, يعني بعد ما كنا…”

لتقاطعها بصرامة:”انتي قولتيها بنفسك

يا ماما.. كنا, وخلاص معدناش.. معدش عندنا

حاجة غير البيت اللي عايشين فيه ده والفلوس

اللي كانت معانا في البنك اتصرف اكتر من

نصها عشان نوضّب البيت هنا.. قوليلي هنصرف

منين لما الباقي يخلص؟ خلاص يا ماما لازم

اشوف شغل عشان نقدر نصرف منه”

“انا مش فاهمة انتي سيبتي شغلك مع شادي

ليه بس؟ مش هو خطيبك يا حبيبتي ليه

عامله حساسية بينكم كده؟”

كادت تضحك بمرارة لتكبح رغبتها وهي

تقول:

“معدش خطيبي يا ماما, انا سيبت شادي والشغل”

اتسعت عيناها بصدمة قبل أن تقول:”ليه؟”

هل تخبرها الحقيقة؟ هل تخبرها أنه ضعيف

وجبان ولا يستحقها؟!

زفرت بعمق قبل أن تقول:”مش مهم ليه, المهم

انه خلاص الوظيفة دي هي اللي موجودة حاليا

لحد ما الاقي حاجة افضل, ده غير ان مرتبها

حلو اوي قريب للي كنت باخده من الشركة”

نظرات ابنتها والحزن بعينيها أعلمتها أنها

مجروحة بعمق, ليس قلبها بالتأكيد فهي لم

تحبه ولكن من الواضح أن كبرياءها من تأذّى

بقوة وهذا ما لن تسمح به تاج أبدا.

“ماشي يا تاج انا مش هقدر غير اني اوافق,

ياريتني كان بإيدي حاجة اعملهالك”

قالتها والدتها بأسف لتضمها تاج بحب وهي

تقول:”مش عايزة غير دعواتك بس يا أمي”.

*****

انتفض واقفا وهو يرمق والدته بعدم تصديق:

“شو بتقولي امي ؟مين نغم هاي اللي بدي اتزوج

منها؟ انا ما بدي اتزوج من الاصل ولو صار

وحبيت اني اتزوج مستحيل تكون هي ال نغم

اللي حتزوجها”

“انت بتحب واحده؟ فيه واحده في حياتك

يعني؟”

سألته متوجّسة ليرفض بحركة من رأسه وهو

يقول:”لا ما في مره بحياتي وما حتكون ليش

مو راضيه تفهي يا امي ما بدي اتزوج”

حارت ماذا تفعل؟!

تريد إنقاذ ابنة شقيقتها وأرملة ابنها الغالي

لترمق ولدها بضياع قبل أن تقول:”طب اتجوزها

وطلّعها من البلد وبعدها نشوف هنعمل ايه”

رمقها بصدمة قبل أن يقول:

“نعم !ما فهمت! ليش عم بتصري لاتزوج من

ارملة ابن زوجك”

“أخوك يا غتوان.. أخوك اللي كان نفسه

يشوفك ويقعد معاك بس ربنا ما أرادش.. هو

اعتبرك اخوك زي مانا اعتبرته ابني.. كان

بيدوّر عليك بيحاول يوصلّك عشان يفرّحني

بس….”

أجهشت بالبكاء ليشيح ببصره يكره تعرية

مشاعره أمام أيٍ كان.. هو أيضا افتقد وجود أخ

ك حسام.. أخ أحبه الجميع وخاصة الفأرة

ابنة خالته التي تريد والدته أن يتزوجها..

كيف يتزوج من أرملة تعشق زوجها وظلّت

مخلصة له لسنتين رغم أن عمر زواجها منه

لم يتعدَّ بضعة أشهر؟!

رفض الزواج طويلا ليتزوج بالنهاية من امرأة

لا تحبه؟!

ليصدح صوت من داخله يهتف به:

(بل تغار غتوان, تغار من حبها وتريد امرأة

تحبك مثلما أحبته)

نفض رأسه بقوة وهو يهتف داخله:

(انا لا أؤمن بالحب من الأساس.. لا يوجد

شيء يسمّى حب)

ليعاود الصوت سائلا: (إذا ما المشكلة في

الزواج من نغم؟ تلك الأرملة التي أحبت رجلا

احترمته وقدّرته دون أن تقابله!)

أخرجه من حيرته وصراعه مع نفسه صوت

والدته وهي تقول:

“عشان خاطري يا ابني انقذها واتجوزها شويه

ولو عايز تتجوز عليها مش مهم اتجوز بس

انقذها يابني من ابوها اللي معندوش

رحمه”

زفر بضيق وهو يفكر لو علم أن زيارته لمصر

سيكون بها قيد بتلك ال نغم لما زارها أبدا.

“ها قولت ايه؟”

سألته والدته ليومئ برأسه وهو يضمها بحنو

قائلا:

“رح اعملها يا إمي, كرمالك بعمل اي شي بس

لا تبكي”.

****

“انتي بتقولي ايه يا ماما؟ ازاي تفكري في

حاجه زي كده أصلا؟ انا لا يمكن هتجوز

بعد حسام”

قالتها نغم بحدة ممتزجة بصدمة من حديث

والدتها لتلوي والدتها شفتيها قائلة:

“الله يرحمه حبيبتي.. حسام مات يا نغم ولازم

تقتنعي بده بقى .. يابنتي ده انتي حزنتي

عليه اكتر ما عيشتي معاه”

دمعة فلتت من عينها وهي تفكر الجميع يلومها

على وفاءها لذكرى زوج منحها ما لم يمنحها

لها والدها.. حب وحنان وعطف لم تجدهما

بمنزل والدها أبدا.. كيف تنسى حسام؟!

وهل مثله يُنسَى؟!

تابعت والدتها وهي تعلم ما يموج بداخل عقل

ابنتها:” انتي لسّه صغيره والحياه قدامك..

لازم تتجوزي وتعيشي حياتك.. انتي مش عايزه

تبقي أم يا نغم؟”

“أم!”

رددت نغم وقلبها يخفق من الصورة التي ارتسمت

بخيالها لطفل صغيرة يملأ وحدتها.. طفل تمنّت

لو تركه لها زوجها ذكرى لحياة جميلة

عاشاها معا حتى لو كانت بضعة أشهر!

علمت أنها لمست وترا بداخلها لتزيد ضغطها:

“وبعدين مش تعرفي مين العريس قبل ما

ترفضي”

لوت شفتيها وهي تقول:”مش ده اللي بابا قال

عليه من كان يوم.. انا قولت انه صرف نظر

لما محدش جه”

أغمضت عينيها للحظات قبل أن تقول:

“مانا أقنعته انه يرفضه و..”

قاطعتها بلهفة:”بجد يا ماما؟ يخليكي ليا

يارب”

رمقتها والدتها بحزن وهي تقول:

“الحقيقة مش انا ال اقنعته دي خالتك و..

ابنها”

ذكرى حماتها الحبيبة أعادت لها صورة حبيبها

حسام والذي احتضنته خالتها كأمه بعدما

تزوجت من والده.. خالتها التي عانت من ظلم

شبيه رجال كوالدها تماما حرمها من ابنها

ليعوّضها الله بعمها والذي يختلف عن والدها

كاختلاف الليل عن النهار لتترقرق الدموع

بعينيها قبل أن تقول:”خالتي..”

“وابنها يا نغم”

عقدت حاجبيها وهي تقول بعدم فهم:

“ابنها مين؟”

“غتوان”

رمقتها بعدم فهم وما دخله بها حتى يقنع

والدها؟!

متى جاء من لبنان من الأساس؟!

لتجيبها والدتها:”طلب ايدك من ابوكي

وابوكي وافق وكتب الكتاب آخر الأسبوع”

تجمدت من الصدمة ليلوح الرفض بوجهها مع

شيء آخر وهي تنهض منتفضة رافضة الأمر

نهائيا:

“لا طبعا.. ده لا يمكن يحصل أبدا”

رمقتها والدتها بريبة وهي تقول:

“ليه بقى؟ ماله غتوان؟ شباب ومركز حتى

ماتجوزش قبل كده.. المفروض هو اللي يرفض

مش انتي”

رمقتها بحزن وهي تقول:”صحيح هو انا هلاقي

زيّه فين؟ انا البنت اللي ماصدقتوا ابن عمها

اخدها عشان ترتاحوا من همّها.. لكن للاسف

ابن عمها اللي كان كل دنيتها مات وسابها

ليكم تبهدلوا فيها من تاني..”

تنهدت والدتها قائلة:”يابت انتي هبلة؟ انا

برضه هبصّلك بالطريقة دي؟ انا بقولك

المفروض هو اللي يرفض وده شيء طبيعي

ان واحد ماسبقلوش الجواز يبقى عايز بنت

مش ارملة..”

لم ترد عليها لتضغط عليها:”نغم يا بنتي اسمعي

كلامي ابوكي راكب راسه وحالف لا

يجوّزك اي حد مهما كان لو رفضتي غتوان..

فارضي بغتوان على الاقل هيصونك ويقدّرك

زي حسام”

“وخالتي موافقه على ده؟”

سألتها بعينين حزينتين لتجيبها والدتها:

“خالتك هي اللي اقترحت ده اصلا,

منها تنقذك من ابوكي اللي هيبيعك لأي

حد ومنها تخلّي ابنها جنبها كفايه فراق

سنين”

صمتت وهي تفكّر كم تمنى حسام أن يتعرّف

عليه ولكن القدر لم يمهله!

لتعود كلمات والدتها تصفع وعيها وهي تقول:

“غتوان هيجي بكره, قابليه كويس بدل ما

ابوكي يِطَيّن عيشتنا”

دمعة فلتت تبعتها رفيقاتها وهي تصرخ بداخلها:

(انت فين يا حسام.. تعال شوفي اللي عايزين

يعملوه فيا).

لتستلقي على الفراش تبكي بعنف وصورة

غتوان الكريه ترتسم بمخيلتها لتشعر بالنفور

منه أكثر مما تفعل.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *