التخطي إلى المحتوى

ملحوظة هامة

اقرأوا نوفيلا عيناكَ لي المرسى قبل قراءة هذه النوفيلا لأن أبطالها يظهرون بها.

(مقدمة)

خاطرة النوفيلا

بقلم أماني

قدر إلهي جمع بين قلبي وقلبها

كنهر جار نهايته تندمج ببحرها

كسفينة تائهة وجدت في عينيها مرساها

صروح من المشاعر وقفت شامخة فوق أرضها

روح عليلة ترجو منها الجود بترياقها

أحجية معقدة تنتظر لمسة منها لحلها

لا أعلم أهي التي جائتني أم أنا من جئتها

نقترب ونبتعد يصارع مدّي جزرها

يا امرأة خلقت مني وخلقت أنا من أجلها

لا تسألوني كيف ولِمَ ومتي حدث أن أحببتها

عشق بارز الكثير حتي إني بارزتها وفزتها

سكنت قلبها تدثرت في دفئها صار نغم حياتي

نبضها

شقية هادئة غيورة محبة آآآآآه ويل قلبي الذي

أحبها

تغمرني السكينة إن توسدت صدري

وأسدلت أهدابها .

الفصل الأول

عادت من الاختبار النهائي للثانوية العامة

لتجد جمعا غفيرا أمام باب منزلها لتتوجّس

خيفة وهي تهرع باتجاه منزلها وصورة والدتها

المريضة منذ فترة لا تفارق خيالها!

دلفت إلى المنزل لتتجمد وهي تتلقّى الخبر

الذي ربما توقعته بداخلها ولكنها كانت

تكذّب إحساسها..

ضمة خاوية تلو الأخرى وكلمات عزاء فارغة

حتى وصلت للغرفة الفارغة!

ذهبت والدتها دون وداع!

ذهبت بهدوء كما عاشت طوال حياتها..

ذهبت الفرحة الوحيدة بحياتها, وذهب الحضن

الدافئ وظلّ الخواء يحيط بها من كل جانب..

خواء زاد بعدما تزوج والدها بعد وفاة والدتها

بأسبوعين!

ثم تكتشف بعد ذلك أنه تزوج بها قبل وفاة

والدتها تحديدا بعد مرض والدتها والحجة..

يحتاج لأنثى بحياته!

وهل لها أن تعترض؟!

عاشت عبئا بمنزل هو منزلها.. غير مرحّب بها,

تُعامل كالجارية ولا تستطيع النطق فها هو

والدها يتغاضى عن كل ما يحدث أمامه فقط

لأجل عيون زوجته!

كانت المصادمة الأولى والتي أخرجتها من

صمتها للمرة الأولى منذ قدمت زوجة أبيها

للمنزل منذ سنوات هي عندما أوشكت على

تحقيق حلمها لتجدها تريد تحطيم حلمها بل

وحياتها كلها..

“بقولك ايه يا رتيل.. ماظنّش ان فيه لازمه

للجامعة بعد كده, البنت مالهاش الا بيت

جوزها وال ايه يا حاج؟”

قالت زوجة والدها لترمقها بعدم فهم ليتنحنح

والدها وهو يقول بتلعثم:”هو.. يعني… اللي

تشوفيه يا حاجه”

رمقته بصدمة قبل أن تنهض قائلة:

“هو ايه اللي تشوفيه يا حاجه؟ هو حضرتك

موافق على الكلام ده يا بابا؟ عايزني اسيب

كليتي؟”

ارتبك والدها وهو ينقل بصره بين ابنته التي

ترمقه بخيبة أمل وبين زوجته التي ترمقه

بتحدي أن يرفض ما تقوله ليختار الصمت لتقول

زوجة والدها بانتصار:”المصاريف زايده

والكلية مامنّهاش فايده, اخرتك هتتجوزي

وتقعدي في البيت.. يبقى ليه المصاريف؟

وكمان فيه عريس متقدملك واحنا موافقين”

“جواز ايه وبتاع ايه؟ ومين قالك اني عايزه

اتجوز؟ انا هخلص الكلية واشتغل.. وخلاص

مابقاش الا سنة واحدة واتخرج.. وبعدين

مصاريف ايه اللي زايده؟ مانا بصرف على

الكلية من فلوسي ومحدش فيكم بيدفعلي

حاجه”

لترمق والدها بخيبة أمل وهي تتابع:

“فلوسي اللي سابتهالي ماما الله يرحمها..

فاكرها يا بابا وال نسيتها زي مانسيتني؟”

اشتعلت زوجة والدها غضبا من ذِكر الأخرى

أمامها وصمت زوجها والحزن الذي بدا على

ملامحه لتنهض بغضب:”جواز وهتتجوزي وكلية

مش هتروحي تاني واما نشوف هتكسري

كلامي ازاي يا رتيل”

قالتها وغادرت تاركة إياها ترمق والدها بخيبة

تزداد يوما بعد يوم قبل أن تذهب لغرفتها وهي

تفكر ماذا تفعل؟ وهل يمكن أن ترغمها زوجة

والدها على الزواج؟!

****

هل يمكن أن تكره الفتاة المنزل الذي نشأت

فيه؟!

تساءلت نغم وهي تهرب للمطبخ تتشاغل بعمل

أي شيء حتى لا تواجه والدها فهي حتى عندما

تركت المنزل ظلّت تخشاه وتكره تواجده

بالمنزل..

فرّت دمعة من عينيها وهي تتذكر معاملته لها

وتعمّده إهانتها دوما أمام الجميع حتى أمام

زوجها.. تنهيدة عميقة وإغماض عينين تبعه

غوص في ذكريات جميلة جمعتها بزوج لا

مثيل له لترتسم ابتسامة على شفتيها كعادتها

كلما فكرت فيه.

“نغومة”

عضت على شفتيها وهي تشيح بوجهها عنه

بخجل لتصلها ضحكته الخافتة قبل أن يهمس

لها:”انتي مكسوفة مني يا نغم؟ ينفع يعني

تتكسفي في ليلة مفترجة زي دي؟”

ضحكة خافتة فلتت منها ليحيط وجهها

بكفيه وهو يقول:”وأخيرا بقيتي ليا.. حاسس

ان هيجرالي حاجه من الفرحة”

رمقته بذهول وهي تقول:”للدرجه دي بتحبني

يا حسام؟”

تنهيدة طويلة فلتت منه قبل أن يرمقها بحب

وهو يقول:”واكتر يا قلب حسام.. انتي مش

متخيلة كنت حاطط ايدي على قلبي ازاي

وانا مستني رد عمي! كنت خايف اوي

مايوافقش”

غمامة حزن ظللت عينيها وهي تفكر ..

(لا تقلق يا ابن عمي كان سيوافق حتما طالما

سيقبض الثمن ويستريح مني)

لاحظ تغيّر نظراتها ليخرجها من أفكارها

بقبلة خفيفة لشفتيها لتشهق وهي تعود للخلف

فيضحك عاليا وهو يغمزها:”مخضوضه من

بوسه امال هتعملي ايه في اللي جاي؟”

أغمضت عينيها حياءا وهي تهتف بلوم محبب:

“حسام!”

“نعم؟”

أجابها ببراءة وهي ينظر إليها بمكر لتقول

بخجل:

“مكنتش اعرف انك قليل الادب كده”

ضحك عاليا وهو يحيطها بذراعيه قائلا:

“لو البوسه عندك قلة ادب معناه اني هتعب

معاكي كتير اوي النهاردة”

أغمضت عينيها بخجل والخوف يعود لها من شيء

مجهول لا تعرف عنه شيئا لتدفن رأسها بصدره

وهي تقول:”بس بقى يا حسام عشان خاطري”

ضحك مرة أخرى وهو يهمس لها:

“خلاص نبطل النظري ونخش على العملي”

“نغم! انتي واقفة كده ليه يابنتي؟”

أخرجها من ذكرياتها صوت والدتها المندهش

لترمقها بحزن سكن عينيها منذ فارقها حبيبها

قبل أن تقول:”كنت بشطّب المطبخ يا ماما”

رمقتها والدتها بتعاطف فهي تعلم أنها تهرب

من ملاقاة والدها الذي يعنّفها كلما رآها لتربت

على كتفها بحنو وهي تقول:

“روحي ارتاحي بقى يا حبيبتي خلاص معدش

فيه حاجة تعمليها”

أومأت بصمت وهي تتجه لغرفتها تدعو الله

ألا تقابل والدها حتى لا تسمع منه مر الحديث.

****

“أنا آسف يا آنسة تاج, بس البنك حجز كل

ممتلكات والدك ومنهم الفيلا دي ولازم

تِخلوها في خلال يومين”

قالها محامي والدها بأسف لتخفض نظرها

للحظات قبل أن ترفع رأسها بعنفوان كعادتها

وهي تقول:

“حضرتك مالكش ذنب يا عمو, هي الظروف

ال جت كده.. عموما الحمد لله ان لينا مكان

نروح فيه انا وماما وعمتو”

وفكرت أن منزل جدها القديم ولو أنه لا يرقى

لمنزلهم الحالي إلا أنه أفضل من لا شيء خاصة

أمام الظروف الحالية التي تضطرهم للرضا

بأي شيء مهما كان.

****

ذهبت لعملها مع خطيبها الذي وقف بجوارها

الفترة الماضية بعد وفاة والدها المفاجئ

واكتشافها الديون المتراكمة عليه بعد

خسارته أكبر صفقة وضع بها كل ماله مع

المال الذي اقترضه من البنك لتجد مساعدتها

تبلغها أن شادي يريدها بمكتبه

حالما تصل..

شعرت بالدهشة أنه في العمل ولم يمر عليها

لاصطحابها كما اعتاد ولكنها أوعزت ذلك

لأنه لم يكن لديه العلم أنها ستأتي للعمل هذا

اليوم مرغمة نفسها على التعامل مع الواقع

حولها بعد الصدمة التي تلقّتها .

لتعقد حاجبيها وهي تتجه لمكتبه القريب

وهي تفكر:

“لو مش عارف اني جايه النهاردة امّال طلب

اني اروحله اول ماجي ازّاي؟!”

نفضت رأسها وهي تدلف إلى المكتب بعدما

سمعت صوته يسمح لها بالدخول لترسم

ابتسامة على شفتيها وهي تقابله لتنمحي

ابتسامتها وهي تراه يتحاشى النظر لها ولا ينهض

لاستقبالها كعادته..

“فيه حاجه يا شادي؟”

“اقعدي يا تاج”

جلست وهي ترمقه بتوجّس تنتظر ما سيقوله

فحتما هناك شيء خاطئ تشعر به داخلها!

“مالك يا شادي؟ فيه حاجه مضايقاك؟”

سألته تريد إجابة فالتوتر الذي تشعر به بلغ

أشدّه ولم يعد لديها قدرة للانتظار..

“الحقيقه يا تاج انا مش عارف ابدأ كلامي

ازاي”

اعتدلت تاج وهي تشعر أن كرامتها ستبعثر..

ابتسمت بدبلوماسية تخفي ما يموج داخلها من

مشاعر وتوتر وهي تقول:

“قول على طول يا شادي صدقني مش هلومك

على اي حاجه”

أغمض عينيه للحظات قبل أن يقول بتوتر:

“بابا مش عايزك بالشركة”

أومأت ببطء وهي تقول بخفوت:”فهمت”

“انا حاولت معاه بس هو خايف اللي حصل

لباباكي يأثرّ على الشغل و..”

حاول التبرير لتقاطعه بإشارة من يدها وهي

تقول رافعة رأسها بإباء:

“مفيش مشكلة يا شادي, الحقيقة اني كنت

جايه النهاردة عشان اسيب الشغل, احنا هننقل

من البيت زي مانت عارف وهيبقى صعب عليا

اجي كل يوم لحد هنا وواحد صاحب بابا

شافلي شغل قريب للبيت هناك”

لتبتسم مخفية قهرها وهي تتابع:

“طمّن باباك وقوله الشركة مش هيحصلها

حاجة خالص”

لتنهض مشيرة له عندما حاول التحدّث وهي

تتابع:”وطمّن مامتك كمان, انا عارفة انها

ماتقبلتنيش ابدا فانا هريّحها من وجودي

خالص”

خلعت المحبس من إصبعها وهي تضعه على

المكتب قائلة:

“كان نفسي اقولك هنفضل اصدقاء

بس أظن ان خطيبتك مش هترضى بده”

الذهول الذي ارتسم على وجهه جعلها تبتسم

بحزن وهي تقول:”ماهو اكيد مامتك مش

هتسيبك من غير واحدة تكون على مزاجها

المرة دي”

اتجهت لباب المكتب ليلحق بها شادي وهو

يقول بتهور:”انا مستعد اهرب معاكي ونبعد

عنهم ونتجوز يا تاج”

نفضت ذراعها من يده وهي ترفع رأسها بإباء

قائلة:”انا مش عار عشان حد يهرب عشاني

ويتجوزني غصب عن اهله”

لتكمل بسخرية:”وبعدين انت مش هتقدر

تعيش من غير ملايين بابا يا شادي وال ايه؟”

تركته وخرجت متجهة لمكتبها تجمع

متعلقاتها قبل أن تخرج مغادرة الشركة

بأكملها تحت أنظار العاملين المتعاطفة معها.

****

“وبعدين يا خالتي السنة هتبدأ وانتي ولا حِس

ولا خبر, إيه ماعرفتيش تأثّري على ابو الشباب

عشان يجوّزني السنيورة وال ايه؟”

تساءل عباس مسبغا السخرية على كلماته

حتى يثير غيظها ليتحقق له ما أراده وهي تقول:

“الراجل موافق البت اللي معصلجة شوية

بس ماتقلقش عندي تخطيط كده انما ايه

هيضمن انها ماتفتح بؤّها (فمها) وتوافق

غصب عنها”

رمقها بلهفة وهو يقول:”الحقيني بيه”

لوت شفتيها بنزق وهي تقول:”متسربع على ايه

يا ولا؟ قال يعني ست الحسن والجمال!

امّال لو مكنتش سمرا ومصدّيه كنت عملت

ايه؟”

ضحك قائلا:”القلب ومايريد بقى ياخالتي

وبعدين السمار نص الجمال”

“طب ياخويا ياللا مانت شبه القرد هتاخد ايه

غير قرده زيّك”

قالتها غير واعية لمن تستمع لهما وقلبها يؤلمها

لنظرة الناس لها وأولهم زوجة والدها!

طالما سمعت هذا الحديث عن شكلها حتى

فقدت كل ثقتها بنفسها على الرغم أن

والدتها دومها كانت تبثّها ثقتها كلما

سألتها:”هو انا ليه مش شكلك

يا ماما؟ ليه مش بيضا وحلوه زيّك؟”

لتخبرها أنها مثل الشوكولاتة الشهية تشتهيها

العين ويتلذذ بمذاقها اللسان وتؤثر على باقي

الحواس بذوبانها في الفم!

أغمضت عينيها ودمعة تفلت من بين جفنيها

المطبقين بقوة وهي تستدير لتدخل غرفتها

مرة أخرى قبل أن تسمع المزيد من الإهانات

لتتجمد على صوت عبّاس وهو يقول:

“قوليلي بقى يا خالتي هتجبري السنيوره ازاي

انها تتجوزني وهي رافضه زي ما بتقولي؟”

“هخلّيك تقضّي معاها ليلة يا وَلَا وبعدها

عمرها ما هتقدر تقول لا ده انت هتستر عليها

من الفضيحة هو فيه حد بيعمل خير في

الزمن ده!”

ضحكاتهم كانت كخناجر تطعن بقلبها

وعقلها يدور مما سمعته!

هل هذه نهايتها؟! هل تكون نهايتها على يد

عباس؟!

عباس الذي طالما أذاقها ألوان العذاب منذ

تزوجت خالته بوالدها لتكره كليهما وتتمنى

اليوم الذي تتحرر فيه من قيدهما ليخططا هما

لهدم كل ما فعلته طوال سنوات بل وانتهاكها

أيضا تحت سقف منزلها!

انتفضت ثائرة وهي تجمع أغراض بسيطة لها مع

بعض النقود القليلة المتبقية من إرثها من

والدتها والذي قارب على النفاذ وتتسلل هاربة

من المنزل على غفلة منهما عازمة على عدم

العودة مهما حدث.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *