التخطي إلى المحتوى

رواية حان الوصال الفصل التاسع والاربعون 49 بقلم أمل نصر

الفصل التاسع والأربعون

السعادة لا توصف بكلمات، السعادة شيء ملموس، حينما تتغلغل داخلك، فاعلم تمام العلم بأنها سوف تطفو بأثرها على وجهك وفي إشراق الملامح، مهما حاولت اخفاءها او ان تدعي العكس، تظل مكشوفا امام الجميع .

وقد كان في انتظارهما نجوان ومعها الطفلان الصغيران، عائشة وآدم، والذي ركض على شقيقه فور ترجله من السيارة مقلدًا عائشة التي سبقته في احتضان شقيقتها، ليضمه إليه باشتياق شديد، هذا الصغير الذي اكتشف انه قطعة منه ولكن كانت تائهة عنه.

– يا حبيب اخوك انت، عامل ايه يا بطل؟

– انت قولت بنفسك بطل، يعني هكون ايه

– بطل الابطال طبعا.

علق بها رياض ردا على شقيقه، يقبل رأسه وجبهته، قبل ان تنتقل عيناه نحو والدته الحنون، التي وقفت تراقب ترحيب الصغيران في انتظار دورها هي الأخرى، لتفتح ذراعيها بعد ذلك للأثنان، ابنها وزوجته بهجة التي كانت تضمها بقوة:

– وحشتيني اوي، وحشتيني اوي يا نوجة، كان نفسي اوي والله تبقي معانا السفرية دي، كانت ناقصاكي اوي.

ضحكت نجوان توجه الكلمات نحو ابنها الذي طارت منه الكلمات في غمرتها الحانية، تشاكسه:

– بتقولك كانت عايزاني وسطكم، هي البنت دي مالها؟

تبسم بصدق في رد على تلميحها:

– وحشتيها يا ماما، زي ما وحشتي ابنك كمان اكتر، اكتر والله.

واكمل مشددًا بضمته لها:

– المرة الجاية بقى لازم تبقى معانا .

– وخدوني انا كمان معاكم.

قالها إيهاب الذي أتى قادمًا لاستقبالهما هو ايضا، ليأخذ دوره بعد ذلك في الترحيب والمزاح معهما قبل أن ينتقلا إلى داخل المنزل

بعد قليل كانت معه داخل غرفتها الجديدة، تتأمل العقد الجديد في رقبتها بانبهار لا يتوقف كلما وقعت عينيها عليه، وهو منشغل في تبديل ملابسه وحديث يدور بينهما:

– ماما نجوان مستغربة على رجعتنا، شكلها كانت متوقعة نقعد شهر بجد.

– انتي بتقولي فيها

تبسم يخاطب انعكاس صورتها في المرأة:

– قسما بالله، لولا بس الشغل وتلميحات كارم اللي مبتخلصش لكنت عملتها ولا كفتني سنة حتى، حد يشبع من العسل يا عسل .

قال الأخيرة يقبل وجنتها ، قبل ان يتناول الفرشاة ليصفف شعر رأسه، فضحكت هي معقبة على قوله :

– والله من غير حلفان ومن غير ما تقول كمان مصدقاك.

قهقه متفهمًا بعباراتها ليحاوطها من الخلف هذه المرة بذراعيه، يهمس بجوار اذنها بإغواء:

– هتنكري ان انتي كمان كنتي مبسوطه؟ قولي لا لو عندك الجرأة .

ضحكت متأثرة بدغدغته لها، وقد وصلها مغزى كلماته، لتجيبه بمراوغة:

– انا كنت مبسوطة طبعا عشان الفسحة والتلج والبلاد الغريبة اللي زورناها مش عشان اللي في دماغك ال…….

قطعت بضحكة صدحت بصوت عالي منها، وقد زاد من دغدغدته ليحملها من امام المرأة متوعدًا:

– طب عشان اللي في دماغي دا بقى، أنا مش هسيبك النهاردة.

صارت لا تستطيع التوقف عن الضحك رغم رجاءها وتنبيهيها ايضا وهو يذهب بها ليضعها فوف الفراش:

– يا رياض متبقاش مجنون، كارم اللي مستنيك في المصنع ده، هيجي يولع فينا لو اتاخرت عليه اكتر من كدة .

– خليه يجي يولع وهو يزود علينا بجو الاكشن كمان.

قالها ليدفن وجهه في تجويف عنقها، يداعبها ويقبلها أيضا، مستمتعًا بمرحها وشقاوتها المحببة بعدما أزالت عنها كل الحواجز القديمة، فلا تبخل عليه بعشقها بل تعطيه من قلبها وبسخاء، وهو لا يقصر في اقتناص الفرص، حتى قطع عليهما طرق الباب وصوت الدادة نبوية من الخارج:

– يا رياض باشا، يا بهجة هانم، نجوان بتقولكم الاكل جهز عشان تتغدوا معاهم .

خرج صوته مجبرا يجيبها، قبل ان يطالع تلك الشامته بنظرة متوعدة:

– ماشي يا دادة روحي انتي واحنا جاين وراكي اهو

انصرفت المرأة فتوجه لها بقوله:

– لولا بس وجود إيهاب اخوكي، والله ما كنت سيبتك النهاردة.

ردت تضحك بصخب:

– متشكرين يا سيدي، كلك زوق

دلف إلى المنزل عائدا من عمله، يضع أكياس المشتريات التي ابتاعها على الطاولة، وعيناه تبحث يمينا ويسارًا ، يداعبه الأمل خلف هذا السكون الغريب، ان يجد ضالته، في رحيل تلك المرأة التي لم تغادر منزله حتى الآن رغم مرور ما يقارب الشهر على ولادة طفله.

زاد الأمل بداخله بعدما طل برأسه نحو الطرقة المؤدية إلى المطبخ والمرحاض ليتجه مباشرة نحو غرفته، يدفع الباب بغتة دون استئذان:

– هي والدتك مشيت يا أمنية…..

وكانت المفاجأة له، حينما وجدها امامه جالسة على الفراش بجوار زوجته تفعل شيئا ما، مما أثار الحرج بأمنية التي اجفلت في البداية لكن سرعان ما تداركت لتحاول التلطيف بارتباك:

– ااا حمد الله على السلامة يا عصام، انت رجعت من الشغل؟ ماما بتغير ليونس أصلها حممته من شوية واحنا كنا قافلين الباب عشان الهوا، ممكن بقى تدخل وتقفله.

ابتلع ريقه بشيء من الإحباط قد أصابه لينفذ ويغلق الباب بعدما دلف إلى الداخل، قائلا بفتور:

– وماله، حموم الهنا ان شاء الله، خليني اشوفه بقى.

قالها متجها نحو جهة الصغير من الفراش والذي رفعته نرجس اليه بغفلة وعدم فهم:

– حميناه وعطرناه وبقى زي الفل كمان، خد شيل ومتع نظرك بالقمر، الله اكبر عليك يا قلب ستو ، قمر يا ناس قمر .

تناوله منها بضيق يكتمه، سرعان ما تلاشى تدريجيا مع رؤية طفله التي أدخلت في القلب انتعاشًا، بتلك الرائحة المسكية التي تتسلل إلى رئتيه، ليلثم الوجنة المكتنزة بوله مردفًا:

– يونس باشا،. حبيبي يا حضرة الظابط الصغير

استشفت أمنية الامر بذكائها لتخاطب والدتها التي تتابع ببلاهة وبغير وعي:

– حضري الغدا لعصام يا ماما، تلاقيه راجع جعان.

– هاا، حاضر من عنيا، بس دا ميعاد الغدا فات عليه كتير معقول لساته مأكلتش؟

– اه يا حماتي لساتي مأكلتش، ياريت بقى تلحقيني.

قالها بشي من الغيظ، يجبرها على التحرك سريعًا تبدي استجابتها:

– يا خويا بعد الشر عليك من الجوع، حالا هحضرلك

وخرجت تاركة الباب مفتوحًا، ليسارع هو بإغلاقه، ثم الالتفاف نحو زوجته بنظرة تفهمها جيدا، ولكنها تدعي العكس باستفسارها:

– ايه مالك بتبصلي كدة ليه؟ لو عايز حاجة اخلي امي تعملهالك ولا تحب اندها؟ ياماما…….

قطعت مجبرة حينما حطت كفه الكبيرة تغلق فمها بتهديد:

– بوقك دا لو انفتح باي كلمة تاني هخلص عليكي يا امنية، ولمي نفسك ها، لمي نفسك.

اومأت رأسها بتخوف منصاعة لأمره، لتظل صامته حتى بعد ان رفع كفه عن فمها، ليتمكن هو بوضع الطفل داخل مهده، ثم يميل نحوها بغيظ متسائلا:

– على فكرة انا جيبت اخري، ايه بقى؟ اقولها في وشها بالصريح عشان تفهم .

تحرك قليلًا ليخلع عنه ملابس العمل، فعضت هي بأسنانها على شفتها السفلى تبرر على تردد:

– ما هي قاعدة وبتساعدني يا عصام، قلب الأم بقى، خايفة على الجرح من الحركة.

القى بالقميص الذي خلعه عنه يغيظ يلقيه أرضا ويرمقها بسأم من تلك الجملة المتكررة:

– نعم يا اختي، انتي لسة برضو ماسكة فيها الجملة دي وانتي معدية العشرين يوم دلوقتي واكتر ، انتي عايزة تحرقي دمي صح؟

برقت بهلع حينما طل عليها بجذعه العاري وطاقة التحفز تفوح منه، لتلطف بقولها:

– احرق دمك ليه يا حبيبي بس؟ أنا يدوب بوضح ، ما هو لو كنت انت رضيت من الاول ان اولد عندها مكنتش هتاخدها على اعصابك كدة، واحب افكرك بس ان جرح القيصري دا حاجة مش هينة وبتاخد وقت وو…..

– ووو ايه يا حلوة؟

تمتم يميل اليها يردف بفراسة، وبصوت هامسًا بمغزى:

– اوعي تفتكري ان مش فاهمك يا غالية، انني ودك تقعد معاكي كدة شهرين تاني كمان وعلى قلبك زي العسل يا باردة.

لم تخفي ابتسامتها خلف تلميحه المبطن، لتوميء برأسها موافقة:

– بصراحة اه.

وما كادت تنهيها حتى وجدته يدفعها لتستلقي على الفراش ويصبح هو أعلاها متوعدًا بتحذير:

– بلاش تلعبي معايا يا أمنية لاعملها معاكي دلوقتي، ولا هيهمني امك ولا جرحك حتى يا حلوة .

بملامح بدا عليها الاجفال ممتزجا بالاندهاش صارت تهادنه:

– عصااام، اعقل امي قاعدة لو دخلت علينا هيبقى منظرك مش كويس، هيبتك هتروح يا حضرة الظابط.

ضاقت حدقتيه في تأملها واختفت الحدة التي كان يتحدث يها، وقد تحول شعور الغضب داخله لشيء آخر:

– هيبة ايه بس؟ هو انتي خليتي فيها هيبة؟ ايه يا أمنية، جوزك حبيبك موحشكيش؟

– هااا

صدرت منها بتيه وعدم ادراك تحول بعد ذلك لاستسلام، حينما دنى اليها ينثر قبلاته على بشرتها بعدة قبلات، زادت بلهفته حتى نزل على جيدها باشتياق جعله كاد أن يفقد سيطرته، لولا الصوت الذي دوى فجأة مرافقًا لطرق على باب الغرفة ونرجس والدتها تهتف منادية:

– انا حضرتلك الغدا يا عصام يا بني، الله هو الباب مقفول ليه؟ هو انت نمت .

سمع منها في الداخل يقبض بقبضته في الهواء ملوحًا امام زوجته في الهواء يكز على اسنانه بغيظ شديد:

– منمتش ولا اتزفيت، انا جايلك اهوو.

مقابل الشاشة الصغيرة توقفت ابصاره مزبهلا امام تلك النقطة الصغيرة وهي تنبض بالحياة أمامه، تعلن عن وجودها ، تؤكد على حقيقتها، حتى ارتجف فؤاده لها بين اضلعه، وارتشعت لها اطرافه، يا الهي، ما أجملها من معجزات، قد يراها الحمقى شيئًا عادي، ولكنها في الأصل دليلا لا شك فيه عن قدرة الخالق العظيم التي لا حدود لها.

في لحظات معدودة انفصل فيها عن عالمه فلم يعد ينتبه لكلمات الطبيبة ولا بالحديث الدائر بينها وبين زوجته، التي قرصت على كفه هذه المرة كي ينتبه لكلمات الطبيبة ويرفع رأسه اليها:

– زي ما انت شايف قدامك اهو يا فندم، النبض تمام وعال ، كل اللي محتاجاه بس هو فيتنامينات لصحتها، وشوية تعليمات تمشي عليها عشان ميحصلش اي مشاكل تعرقل نمو الجنين بشكل طبيعي.

تحمحم يجلي حلقه، معقبا على قولها باضطراب وخوف:

– لا طبعا مشاكل ايه لا قدر الله ، ربنا يكفينا شرها، إحنا هنسمع كلامك وننفذه بالتمام والكمال يا دكتورة، وانتي اوعي تنسي حاجة متقوليهاش

تبسمت المذكورة تأثرا بلهفته، حتى علقت زوجته توضح لها:

– معلش يادكتورة اعذريه، اصل دا اول طفل لينا ، واحنا الاتنين ابيض يا ورد في حكاية الحمل والأطفال يعني.

ردت الطبيبة بنبرة متفهمة يغمرها اللطف:

– وان شاء الله ميبقاش الأخير، ربنا يبارك ويفرحكم بالبقية من خلفه بإذن الله

أممت خلفها صبا، اما هو فالتمعت عينيه ببريق يحمل داخله التمني والامتنان الشديد لدعوتها، ليرفع كف زوجته اليه يقبله، متمتمًا بلوعة:

– يارب يارب.

كانت تهرول بخطواتها في اتجاه استقلال احدى سيارات الأجرة بعد خروجها من الجامعة، متلهفة للقاء شقيقتها التي عادت من الخارج، في رحلة سفر لعدة مناطق من العالم، تتحرق باشتياق لها، وللحديث معها عن كل شيء، فهذه اول مرة تفارقها هذا العدد من الايام، وكم تمنت ان تستقبلها مع شقيقيها، ولكن منعها ذلك الاختبار الهام لاحد استاذتها، مما اجبرها لتأديته حتى لا ترسب في المادة

عقلها المنشغل بتلك الأفكار جعلها تغفل عن ذلك المتابع لها منذ خروجها من باب الجامعة، حتى اضطرته، ليتصدر امامها ويوقفها،

– اسف لو وقفتك، بس انتي اضطرتيتي لكدة.

طالعته بإجفال سرعان ما تحول لحدة في الرد عليه:

– افندم يا سامر باشا؟ وايه بقى اللي يخليك تضطر توقفني بالاسلوب ده؟…… وانت راجل محترم مش طالب زيي في الجامعة حتى .

تبسم بتفهم لثورتها، يجيبها باعتذار:

– انا اسف يا ستي ان كنت خضيتك بفعلي، بس انا حاولت اشاورلك كتير يا جنات، وانتي ولا هنا خالص، ماشية في طريقك زي القطر.

– وماله لما ابقى زي القطر؟ هو دا عيب مثلا؟ ثم انت موقفني ليه اصلا؟

صمت قليلا يطالع ملامحها الجديدة عليه، رغم معرفته الجيدة بها، وقد نشأت امام عينيه، ولكنه لأول مرة ينتبه لنضجها، لقد كبرت الصغيرة واصبحت فاتنة كشقيقتها.

– انا كنت معدي قريب من هنا، لمحتك من عربيتي وانت خارجة من الجامعة، وقلتها ونزلت عشان اسلم عليكي، وبالمرة اوصلك معايا .

رددت بسخرية من خلفه:

– توصلني معاك! دا على اساس اني هوافق اصلا أركب عربيتك؟

– ومتركبيش ليه يا جنات؟ أنا ابن عمك مش حد غريب.

– وافرض، دا برضو مش سبب يخليني أوافق، حتى لو كنت أبن عمي .

امام حدتها المفرطة لم يملك الا ان يهادنها:

– ماشي يا ستي، مش هزود عليكي، بس كنت حابب افكرك ان بعتلكم دعوة مع إيهاب عشان تحضروا ليلة سامية النهاردة وفرحها على طلال ، عاملين فرح كبير، وتقريبا أشهر المطربين الشعبين هيحيوه ان شاءالله.

خففت من حدتها قائلة:

– ربنا يتمم بخير، بس انا للأسف مش هقدر احضره،

اصل تقريبا هقضي السهرة مع اختي وجوزها بعد رجوعهم من السفر، لكن اكيد إيهاب هيحضر .

اومأ بإحباط:

– ماشي يا جنات، حتى دي كمان هحترم رغبتك فيها، عن اذنك بقى ، عشان مزعجكيش اكتر من كدة.

قالها وتحرك يغادر من امامها، يجعلها تتخبط داخلها، ما بين شعور بالذنب لشراستها المبالغة فيها معه، وما بين شعور اخر لا تفهمه.

داخل محل الأثاث الذي سحبها اليه اليوم من أجل اختيار الأنسب لشقة الزوجية، بإصرار عجيب منه، رغم اعتراضها الذي كانت تعبر عنه كل لحظة:

– انا مش فاهمة جايبني معاك ليه؟ ما انا قولتلك يا سيدي اي حاجة وخلاص.

– تاني يا صفية، هنعبد ونزيد في الكلام تاني؟ حتى واحنا في محل الراجل؟ ولو اتصرفت من دماغي وجيبت حاجة مش ع المزاج، تذليني بيها العمر كله.

– انا اذلك يا هشام؟ هو انت في حد بيقدر عليك اصلا؟

خرجت منها بعفوية كادت ان تضحكه، لولا قدوم احد المسؤلين بالمحل ليعرفهم على انواع الأثاث والأسعار، فيتثني لهما الاختيار

طاف بهما على معظم الأركان حتى توقف ثلاثتهم لاختيار غرفة النوم:

– ادي حضراتكم ، زي ما انتو شايفين، حاجة كدة للغالين، من ناحية الخشب المتين والشكل اللي يهوس، احسن إنتاج السنادي، هي صحيح سعرها غالي حبيتين، بس الغالي تمنه فيه

– تمام يا باشا، هنتشاور انا والعروسة فيها شوية ونرد عليك بعد كدة بالقرار السليم.

قالها هشام لينصرف الرجل ويتركهما ذاهبًا إلى شئونه في العمل حتى يأتيا له بالقرار الأخير.

فانتهز هو الفرصة ليشاكسها كعادته:

– ايه رأيك يا صفية؟ حلوة الاوضة؟

اومأت بتحريك رأسها، وعيناها تتمعن النظر بالاثاث الانيق:

– حلوة وتمشي، هي فعلا شكلها شيك وموضة السنادي زي ما بيقول

– اممم

زام بفمه، ليردف بعدها وكفه تطرق على خشب التخت:

– موضة السنادي ولا موضة السنة اللي فاتت، انا ميهمنيش غير الحاجة اللي تتحمل، بالذات ده، واخدة بالك يا صفية؟

في البداية لم تفهم، لكن سرعان ما استوعبت لتهتف منزعجة كعادتها:

– بطل تلميحاتك المستفزة دي يا هشام، مية مرة اقولك انا مبحبش قلة الادب

ضحك بخبث يضاعف من حنقها لتدب على الارض بقدمها قائلة بغضب:

– طب انا ماشية وسيبهالك، اعمل ما بدالك اهو.

وما همت ان تذهب وتحركت قدميها خطوتين حتى وجدته يوقفها بذراعيه، ويحاصرها ملتصقة بخزانة الملابس الفارغة، فتمتمت بخوف:

ايه اللي انتي بتعمله ده؟ الراجل لو دخل علينا دلوقتي يقول ايه؟

رد ببساطة وعدم اكتراث:

– هيقول اتنين وعلى وش جواز، يعني عادي جدا يطلع منهم اي تصرف، رغم ان احنا لسة معملناش حاجة.

ابتلعت تخاطبه برجاء:

– وترضهالي برضو يا هشام، انا محامية وليا وضعي،

هم ان يضحك لرقتها المفاجأة، والتي هي نابعة من خوفها منه، ليقول بتسلية:

– طب ما انا كمان دكتور ومحترم، يا أستاذة يا آنسة صفية، وبرضو المشاعر والحاجات اللي اقصدها مبتفرقش، خصوصا لما يكونو اتنين مكتوب كتابهم وبيحبوا بعض

تعقيبا على قوله ردت بتيه:

– مين دول اللي بيحبوا بعض؟

جاءت اجابته بنظرة كاشفة ضاعفت عليها، لتردف بمزيد من الرجاء:

– هشااام، الله يرضى عنك، بلاش الكلام ده ومتخوفنيش منك، حتى لو كنا كاتبين كتابنا برضوا ميبقاش جواز عندي غير بالشكل الرسمي، يعني فرح ، زفة، الحاجات المعروفة ، ياريت تحترم رغبتي بقى.

تنهد بقنوط ليفك حصاره عنها، فيجعل الأنفاس تدخل صدرها ببعض الاطمئنان، ويتمتم لها:

– ماشي يا صفية، على العموم هانت اوي، كلها شهر ولا شهرين بالكتير، اخلص تشطيبات الشقة، وبعدها مهيباقش فيه حجة بعد ما نعمل الفرح والزفة…… ونبقى في بيت واحد.

انتهى حفل الزفاف والذي أقيم كما وعدها بشكل اسطوري، ولكن على طريقته الشعبية، أحياه إشهر فناني الغناء والمهرجانات الشعبية ، فقرات شتي ورقص وتوزيع هدايا كالمشروبات الغازية والاكلات، لم ينقصه شيء، ولكن هذا لم يكن ابدا ما تريده.

حاولت ادعاء الفرح والرقص مع الفتيات صديقاتها لتغيظهم، والتظاهر بالاندماج معه، تخفي حنقها المتزايد حتى اذا دلقت معه داخل الشقة التي تجمعهما سويا وأغلق عليهما باب واحد، خلعت عنها ثوب التظاهر ، لترتمي بثقلها على التحت تنفخ بملأ فمها في انتظار اللحاق بها، بعد توديع الأصدقاء الذين ظلوا لمدة من الوقت يهللون بالمزاح والنكات الجريئة بعض الأحيان فرحا بزواج زعيمهم، حتى صرفهم بصعوبة، ليدلف اليها الان يغني يالأغنية الشعبية التي كان يردد بها المطرب في ليلته يرقص ويتمايل امامها وكأنها تتردد على اسماعه

– ع الدغري وبرجولة كلها من البابا مغلولة حبة عيال جايين في صيت

هيموتوا ويبانوا في الصورة

أنا طلعت حارق دمك

حتى من غير ما أجي جنبك

صفق يختم الجملتين:

– حبيبي يا رضا يا بحراوي.

واقترب بانتعاش نحوها، فقطب قليلا لمشهدها، والشرار الذي يتطاير من عينيها في مطالعته، مما جعله يفطن لما يدور بعقلها ، فعاد لمواصلة الأغنية، ليزيد عليها بتأديتها:

أنا طلعت حارق دمك

أنت واللي واقف جنبك

هو أنت ليه بتكبر وتخيب

روح شوف حد يعالجك

روح شوف حد يعالجك.

زاد حريقها ليخرج صوتها بحدة في الرد عليه:

– خلاص يا حبيبي بقى الليلة خلصت، ولا مكفكاش اللي عملته فيها بالرقص والبلاوي السودة اللي هببتها انت وأصحابك

– بلاوي سودة !

تمتم بها رافعًا حاجبه بشر، يتخلى عن العبث في الرد عليها :

– مالك يا عروسة؟ انتي من أولها كدة هتقلبي سحنتك! مالك يا بت؟

انتفضت على اثر صبحته الأخيرة، لتقف مواجهة له قائلة:

– قلبتي انت السبب فيها يا طلال، عشان برضو نفذت اللي في دماغك ، طلبت منك اغير الشبكة او حتى اعمل الفرح في قاعة فخمة معبرتنيش، حتى لما طلبت منك تجيب حماقي ولا حتى تامر عاشور، ربما مقدركش.

ازبهل محدقا بها للحظات قبل أن يردد خلفها بعدم استيعاب:

– عايزة تامر عاشور ولا حماقي يجوا يغنوا في فرح في الشارع.

– اديك قولتها بنفسك فرح في الشارع، يعني لو كان ربنا قدرك وعملناه في قاعة زي ما اقترحت عليك، كنت فرحتني من الناحيتين، مش تجيبلي عيال تترقص بالشماريخ ولا اكننا في سراية المجانين، بس على واسع شوية، لا وكمان جاين ورانا يزفونا لحد شقتنا، ما كانوا باتوا معانا احسن، ما هي زيطة بقى.

تركها تنهي جميع ما تهذي به، ليرد أخيرا بكل هدوء،، غير مكترثا لثورتها:

– هما فعلا كانوا مزودينها النهاردة، فرحانين بزعيمهم بقى شيكاغو المنطقة، بس الليلة خلصت….. ودلوقتي ده اتقفل باب واحد

واكمل الباقي بنبرة تحذيربة

– سمعاااني يا ست العرايس، يعني وقت الكلام خلاص انتهي، ودا وقت الفعل .

وتقدم نحوها لتتراجع هي خطوتين بخوف منه، ولكنها تصر ان تجادله:

– فعل بقى ولا زفت، انا اصلا نفسي قفلت ودماغي صدعت من الهبد والرزع…

– نعم ياختي

قاطعها بها، ثم ألقاها على الفراش ليجثو بركبتبه حولها ، مائلا نحوها بتهديد:

– اسمعي يا بت واصحي لنفسك كدة، بلاش اقلب عليكي واخليكي تشوفي شيكاغو فى ليلة زي ده، لا عايزاها تبقى غم عليكي ولا عليا، لكن وربنا لو طلبت معايا اعملها ولا هيهمني، تحب تجربي يا غالية.

برقت عينيها بهلع تنقي بتحريك رأسها، لينهض عنها يأمرها بلطف وحزم:

– خلاص يبقى قومي كدة وخليكي شطورة زي اي عروسة في ليلتها .

تمالكت تحاول السيطرة على رجفتها بعد أن جفف الدماء بعروقها بهيئته التي تحولت فجأة لشراسة، فترد بعدم تركيز:

– شطورة وعروسة! ازاي يعني؟ اعمل ايه بقى؟

صدر من حلقه صوت اشبه بالشهقة، ليردف بسخرية:

– لا هو انتي متعرفيش هتعملي ايه النهاردة في ليلتك يا عروسة؟! ولا تكوني عيلة صغيرة وعايزة اللي يشرحلك يا سامية؟ أنا عن نفسي مش ممانع

قال الاخيرة بابتسامة فجة اخجلتها رغما عنها، لتزفر بضيق وحنق في رد على وقاحته:

– لا يا حبيبي كتر خيرك، مفيش داعي للتريقة اصلا، انا مش هبلة ولا محتاجة حد يعرفني حاجة زي دي.

وفي محاولة منها على تحديه، نزعت طرحتها سريعًا لينطلق شعرها ويظهر جيدها بأكمله امام عينيه المتفرسة بها، فتنهض بالمنامة الحريرية التي كانت جوارها على الفراش، قبل ان يمسكها منها، يبتلع ريقه سائلا:

– انتي رايحة بيها فين دي؟

هذه المرة صدر صوت الاستهجان منها هي، لتجيبه بسخرية وغنج مقصود:

– يعني هكون رايحة بيها فين ان شاءالله؟ اكيد عشان اغيرها في الحمام على ما تغير انت كمان.

– على ما اغير انا كمان ! اممم

ردد بها من خلفها ليطبق على كفها يمنعها من التحرك، وعلى حين بغتة جذبها لتقع على الفراش مرة اخرى، وقبل ان تهم بسؤاله، عاجلها بالفعل قبل القول.

– وانا بقول نساعد بعض احسن.

جذب سحاب الفستان للاسفل، وشفتيه عرفت طريقها إلى ثغرها، ليخرص صوتها عن الاعتراض او المقاومة مقابل سطوته، التي يفرضها رغم تمردها المستمر،

في اليوم التالي صباحًا

استيقظ مبكرا يعود لنظامه السابق قبل زواجه، وذلك من اجل الاستعداد والتجهيز للعمل، أطفأ المنبه سريعًا ليقوم بخفة من جوارها، يقبل رأسها قبل أن ينزل بأقدامه على الارض، يترك الفراش متوجهًا إلى المرحاض، ليأخذ حمامه سريعًا، ولكن حين خرج وجدها جالسة على طرف التخت وكأنها في انتظاره، ليشرق وجهه برؤيتها.

– صباح الجمال، انتي صحيتي ليه؟

تبسمت تجيبه:

– صحيت من حركتك يا باشا، دا غير اني متعودة اصلا على الصحيان بدري، انتي نسيت ولا ايه؟

ذهب ناحية غرفة الملابس ورده يصلها:

– لا ياستي منستش، بس انتي ميعادك ع الجمعية مع ماما، يا عشرة يا تسعة انما انا راجل غلبان، عندي مصنع وبلاوي زرقا في انتظاري متكومة، روحي نامي انتي يا روحي، متضيعيش فرصتك في الراحة، دا انا جابر على نفسي اصلا اني اسيبك.

كانت قد لحقت به لتقف على مدخل الغرفة تتابعه في انتقاء الحلة التي صار يرتديها، ثم الحذاء الذي يليق به، تتمايل بجسدها، زامة شفتيها بتفكير لم يخفى عليه:

– واضحة اوي ان محشور في بقك كلام، قولي يا قلبي بدل ما انتي عاملة زي العيال الصغيرة المزنوقة كدة.

– مزنوقة!

رددت بها من خلفه، لتصدح ضحكتها في البداية قبل أن تجيبه:

– بصراحة بقى انا نفسي اروح معاك المصنع وو لو ينفع يعني اشتغل معاك، بس مش عارفة هترضي تاخذني ولا لأ؟

قطب قليلا بتفكير لكن سرعان ما صدر منه الرد بما ادهشها:

– وإيه اللي يخليني مقبلش؟ انتي ناسية دلوقتي صفتك ايه بالنسبالي قدام الدنيا كلها .

أشرق وجهها تردد بعدم تصديق:

– بجد يا رياض، يعني انت فعلا موافق اجي اشتغل معاك .

تبسم يؤكد لها:

– بجد يا قلب رياض، انني تلبسي زتتشيكي دلوقتي عشان تيجي معايا، بس مقولتليش، عايزة تشتغلي معايا ايه هناك؟

تهلل وجهها تخبره:

– هقولك انا نفسي في ايه بالظبط.

…يتبع

الخمسون من هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *