رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل السادس والعشرون
أنينٌ متصاعد في تلك الغرفة المظلمة ثم فجأة تعالى الصراخ، أنا فين، أنتوا مين
قال الرجل بفزع شديد وهو يتلفت حوله، ويراقب الواقفين أمامه ينظرون له بسخرية، إيه يا عمي، ده احنا لسه بنسمي، قال مروان وهو يضييء نور الغرفة، فتح الرجل اعينه بفزع، م، مروان
قال الرجل بدهشة، ابتسم مروان بسخرية.
إيه يا عمي، مش مصدق ولا إيه، أكيد مش متخيل مروان إللي انتوا قتلتوه عايش مش كده، صرخ عبد القادر والد رائف بألم حينما غرز مروان السكين في كتفه، علّي صوتك يا عمي أكتر، فاكر ده كان صوتي وإنتوا بتضربوني، فاكر
قال مروان بغل، حينما لاحظ سفيان فقدانه السيطرة على نفسه اقترب منه مهدئًا إياه، مروان، إهدى، قال سفيان بهدوء، ابتعد مروان وهو يتنفس بغضب، يريد قتله…
ذلك الشخص الجشع الذي تسبب في تدمير عائلته، الذي قتل أخيه بسبب الجشع، إحكي يا أستاذ عبد القادر، إزاي خططته لقتل عمي مختار والد عائشة ، وإزاي عملتوا كده في مروان، ولبستوني التهمة، قال سفيان بهدوء وهو يسحب الكرسي يحلس عليه بالمقلوب مواجهًا عبد القادر، نظر له الآخر بتوتر، وحول نظره ناحيتهم جميعًا، كان سفيان وأخيه المدعو أدهم، وثلاثه آخرين لم يعرف هويتهم، أنا معملتش، حاجة، قال عبد القادر مصطنعًا القوة، فابتسم الرجل الضخم الواقف بعيدًا عنهم نسبيًا، بص يا حاج، أنا خلقي ضيق، إنجز كده علشان ننجز كلنا في السريع، قال داوود بهدوء وهو يشعل سيجارته، لعن عبد القادر ابنه رائف بقرف، هذا اللعين هو السبب في ما يحدث له، لو أنه استمع لكلامه وتركهم في حالهم ما كان سيحدث كل هذا، أنا معرفش حاجة، وإللي عندي قلته، قال عبد القادر بصلابة وهو يشيح بنظراته بعيدًا عنهم، ضحك سفيان بسخرية ثم سحب أوراقًا كثيرة كانت موضوعة على الطاولة المجاورة لهم، طب تعرف حاجة عن الصفقات المشبوهة إللي الشركة بتاعتك بتعملها من تحت لتحت، تجارة بانجو، حشيش، يالهوي إنتوا بتاجروا في أي حاجة بتودي النار، قال سفيان بقرف وهو يناظره، برضوا متعرفش حاجة، طيب شحنة السلاح إللي رجالتي طبت عليهم وهما بيعملوها ومسكوا الرجالة واعترفوا عليك، مش تبعك برضوا؟
قال داوود بهدوء فتوسعت حدقة عبد القادر بصدمة
مسكتوها…
قال عبد القادر بصوت هامس، فأومأ داوود ببراءة، للأسف، وهما قالوا إنك المسؤول المباشر عنهم، توتر الرجل أمامهم بشدة وهو يبتلع ريقه، حاول الانكار أكثر، طب وشحنة الآثار إللي الحكومة صادرتها من ساعتين، برضوا مش تبعك؟
صرخ عبد القادر بغضب حينما أخبره سفيان بهذا، لقد كانت تلك الصفقة ورقته الرابحة، كان سيكسب المليارات من وراءها، أه يا وربي ما هرحمكوا، دمرتوا كل حاجة، دمرتوا كل حاجة، قال عبد القادر بغل. وهو يصرخ بهم ثم ظل يردد جملته الأخيرة بهوس، وكأنه غير مصدق لهذا، احكي إللي حصل يا عمي، يمكن تعرف تنقذ نفسك من حبل المشنقة، قال مروان وهو يفتح هاتفه ليسجل اعترافات الآخر، أنا معملتش حاجة، معملتش حاجة، هو سبب ده كله، هو إللي خطط، وإللي نفذ، واللّه العظيم، صدقوني.
قال عبد القادر وقد انهار بالبكاء من الخوف والتوتر، زفر مروان بغضب وهو يحاول السيطرة على غصته، هو إللي قالك اقتل أخوك، طب هو إللي خطط، ليه مش وقفته أنت؟، ليه خليته يقتل أخوك، ليه خليته يعمل كده فيا وفي أخواتي، قال مروان بألم وهو يضغط بقبضته على هاتفه، يحاول السيطرة على ألمه، مش كنت قادر عليه، رائف ده شيطان، كان هيقتلني ويقتل امه، أنت معملتش حاجة.
قال عبد القادر ببكاء، متعيش في دور الضحية، مش لايق عليك يا عمي، إنتَ كنت بتكره أبويا، علشان كان أنجح منك. كنت بتكره والغل اتمكن منك وقتلته.
قال مروان وهو يصرخ عليه بألم قبل أن يلكمه بغضب، وحين كتفه سفيان انهار بالبكاء على ما حدث، لقد تسببوا في حرمانه من عائلته، تسببوا في عذابه وهذا كله بسبب المال، ظل يصرخ بألم وسفيان انهار به أرضًا يقرأ آيات صغيرة من القرآن، علّها تهدأ من روعه وتطمئن قلبه، اقترب داوود منهم بهدوء ثم مد قبضته ساحبًا مروان من ياقته بصلابة، إجمد، أفتكر إنتَ مريت بإيه وخليه قدام عينك، عارف إنه مش سهل، بس لازم تجيب حق أمك وأبوك، خليك راجل، اومأ له مروان بضعف ثم ربت على كتف سفيان بشكر قبل أن ينسحب من الغرفة لينفرد بنفسه، كانت تلك من المرات النادرة التي يفقد فيها السيطرة على نفسه، هو يجب عليه أن يسيطر، لكي يكون صلبًا حين يواجه رائف، تلك المواجهه ستكون الأسوء في حياته، هو متأكد من هذا،.
كان يجلس أسفل الشجرة تائهًا في ذكرياته، قبل أن يشعر بجلوس شخص ما بجواره، مروان، قالت ماريا بهدوء، ففتح عيناه الحمراء ينظر لها بهدوء، مرحبًا ماريا، آسف حقًا لكل ما تمرين به بسببي، قال مروان بإعتذار، هو يعلم بأنها تشعر بالوحدة هنا بسبب صعوبة التواصل بينها وبينهم، ابتسمت ماريا بمشاكسه رافعة هاتفها، ثم قالت بمرح، تطبيقات الترجمة الصوتية جعلت الموضوع سهلًا يا رفيق، ابتسم على جملتها ولم يعقب بأي شيء قبل أن تتنهد الأخرى، مروان، أنظر أنا أعلم كم هو صعبٌ عليك مواجهة الأشخاص الذين تسببوا في تدمير عائلتك، ولكني أقسم لكَ بأنك ستتخطى كل هذا، لن تنسى بالطبع، ولكن تلك الذكريات ستجعل منك أقوى، في كل مرة ستتذكر هذا سيجمد قلبك ولكنه لن يقسى، لن يقسى بسبب وجود الأشخاص الذي تحبهم من حولك، لن تفقد نفسك مروان، ستنجو أنا أعدك، قالت ماريا بهدوء وقبل أن تنهض من مكانها، سننجو ماريا، سننجو معًا وستعيشين الباقي من حياتك هنا في أمان، قال مروان بتصميم وقد لمعت عيناه بشغف أخجلها، ماريا أعلم بأن هذا ليس الوقت المناسب حقًا، ولكن إذا تخلصنا من كل هذا، هل تقبلين أن تكوني رفيقة حياتي، هل تقبلين الزواج مني ماريا،.
خرج الرجال بعد أن حصلوا على الإعتراف الذي كانوا يريدونه منه، تحركوا كلهم لدخول المنزل، ووقف سفيان في يتنهد بضيق يحتل صدره، اتفضل، قالت وردة التي كانت تقف تراقبه منذ فترة وهي تمد يدها بزجاجة مياه باردة ناحيته، ظل سفيان ينظر للأرض ولم يرفع عيناه ناحيتها، نظرت له وردة بخجل وقد تمعنت النظر في ملامحه، ثم تنحنحت قائلة بصوت ناعم، العمة بتقولك إنها عاوزاك في أوضتها، أومأ سفيان باحترام ونظر أمامه فوجد عائشة تقف تنظر لهم بضيق واضح في ملامحها، ابتسم سفيان لها فامتعضت ملامحها والتفتت لتذهب، دخلت عائشة للمنزل تدق الأرض بقدمها بغضب فاستغرب سفيان ليلحق بها بينما وقفت وردة تبتسم بخبث، هي لاحظت غيرتها فبالتالي قد نجحت خطتها، هي أقسمت على جعل هذا السفيان ملكًا لها، وستفعل أي شيء في سبيل تحقيق قسمها،.
دخل سفيان وراء عائشة فوجدها تقف مع فرغلي، نظر سفيان لهم برفعة حاجب خاصةً حينما وجده ينظر لها بمشاكسه والأخرى تضحك، تضحك؟
اقترب سفيان منهم بضيق وبعد اقترابه ابتسم فرغلي ثم استئذن من عايشة التي نظرت له بخوف، إنتِ واقفه معاه ليه.
قال سفيان بهدوء مصطنع، نظرت عائشة له بغل قبل أن تضربه في صدره قائلة، إنت مالك، روح كمل كلامك مع السنيورة بتاعتك، سحبها سفيان من ساعدها بضيق والمشهد كان يتكرر أمامه، وربي لو ما اتعدلتي معايا لهوريكِ، ثم سحبها وراءه نحو غرفته وعندما دلفا للداخل أغلق الباب بالمفتاح، تحركت عائشة بخوف للوراء في محاولة للهروب منه، ولكنه فاجأها حينما جلس على الأريكة بكل برود وهو يضع قدم فوق أختها قائلًا بغضب وشراسة، تعالي بقا فهميني إزاي كنتِ واقفة بتضحكي معاه؟
ابتلعت عائشة رمقها بخوف، ملكش دعوة بيا، وافتح الباب الناس هيقولوا إيه، قالت عائشة بتوتر، فأجابها سفيان ببرود، هيقولوا واحد ومراته، وبعدين إنتِ مش جاوبتي على سؤالي، فرغلي كان بيقولي، نكتة، نكتة حلوة خليه يقولهالك، قالت عائشة ببلاهة فابتسم سفيان بضيق، عائشة، أنا على آخري، قولي كان بيقولك إيه، هو كان بيقولي إن، متسأله هو، قالت عائشة بضيق وقد تذكرت نظرات وردة نحو سفيان، ثم البت إللي اسمها وردة دي لو قربت منك تاني واللّه لهجيبها من شعرها، يلا بقا، عيلة صفرة وسوسة كده، قالت عائشة بغضب فكتف سفيان يديه أمام صدره، هنسيب مشكلتنا وندخل في واحدة جديدة، فرغلي كان بيقولك إيه؟
كان بيسألني مضايقة ليه، وبعد كده فرفش عليا بس، قالت عائشة ببرود، فسألها بخبث.
وحضرتك مضايقة ليه بقا، ملكش فيه، روح كمل كلامك مع الصفر بتاعتك، قالت عائشة بحقد، قهقه سفيان وقد عرف أنها تشعر بالغيرة عليه، عائشة، وردة كانت قدامي من عشرين سنة فاتوا، لو كنت عايز أبصلها كنت بصيت من زمان، أنا بحبك إنتِ من زمان ودلوقتي. فملهاش لزوم غيرتك دي، نظرت له عائشة بخبث، وكمان إنتَ جوزي فملوش لزوم بقا غيرتك من فرغلي، مش ده كلامك؟
صرخت بها عائشة بفزع حينما لاحظت عينيه التي اسودت من الغضب، أغمضت عيناها وهي تصرخ بخوف خاصة حينما رفع يديه، ربت سفيان على رأسها بهدوء، متقوليش كلام إنتِ مش قده يا عائشة، فتحت عائشة عيناها بضيق، ثم التفت وهي تتمتم بعدة شتائم، تقريبًا تسبه وتسب ورده، فتح سفيان لها الباب لتخرج من الغرفة وهي تنظر له بنظرات نارية موجّهه ناحيته، تنهد سفيان بهدوء، ربنا يعيني عليكِ يا عائش، ثم ابتسم حين تذكر غيرتها الطفولية، توجه سفيان نحو غرفة الرجال وقد عزم النية على تسليم عبد القادر اليوم، خصوصًا وأن رائف قد شرف الصعيد…
التعليقات