التخطي إلى المحتوى

الفصل الخامس

وأسدلت أهدابها

لقد وافق!

حدّثت نفسها غير مصدقة لموافقته على 

المبيت هل يظنها ستشاركه الغرفة؟!

سيكون واهم بالتأكيد, لن تستطيع أن تفعل 

أبدا..

ليس فقط من أجل حسام بل لأنه يثير لديها

 نزعة للتمرد غريبة عليها لم تشعر بها من

قبل!

زفرت بضيق وخالتها تقوده للغرفة التي 

سيقضيان ليلتهما فيها وهي تتبعهما كالجرو 

اللطيف..

زمّت شفتيها بقوة حتى لا تتفوه بما لا يليق

 وخالتها تسألهم هل يريدون شيئا ليجيبها هو 

بالنفي.

ما إن خرجت خالتها بادرته:”طبعا انت مش

 متخيل اني هبات معاك في نفس الاوضه,

 لا وكمان..”

وصمتت وهي ترمق الفراش الوحيد الضيّق

بصمت ووجنتيها تتلونان بالحمرة التي تجعله

 يتساءل هل تزوجت قبلا؟!

نفض رأسه وهو يتجاهل الرد عليها لتشعر 

بالغيظ وهي تقبض على ذراعه هاتفة:

“انا بكلمك”

“شو بِدّك؟”

“انا مش هنام معاك في اوضه واحدة”

“وهو انا مسكتك؟”

قالها ببرود دون أن ينظر لها نظرة واحدة 

ليتفاقم غيظها وهي تقف أمامه تضطره للنظر 

لها وقد أغاظها تجاهله لها لتقول بحنق:

“ووافقت ليه تبات هنا وانت عارف اننا هنضطر 

ننام ف مكان واحد؟ الا بقى لو هتنام على 

الأرض وتسيبلي السرير وقتها…”

لوى شفتيه بسخرية وهو يقول:”اخلاقي مو 

كويسة لهي الدرجة نغم, ازا بدك تنامي

 على الارض اكيد ما حمنعك”

رمقته بذهول وهو يبدل ملابسه أمامها دون 

خجل لتشيح بوجهها وهي تصيح:”وقح”

ابتسم بتسلية ثم يقترب منها مهددا متظاهرا 

بالغضب وهو يقول:”شو عم تحكي؟”

رمقته بوجل لتقابلها عيناه الرماديتان لتتيه

 فيهما لأول مرة منذ عاد تلاحظ التغيّرات التي

 طرأت عليه, حسنا بجانب ذيل الفرس الذي

 يجمع به شعره والذي يوحي لمن يراه أن 

رجولته مشكوك بها كان هناك عيناه 

الساحرتين بلونهما الذي يشبه السماء بغيومها.. 

وطوله الذي يفوق المائة وثمانين سنتيمترا 

والذي يجعلها بجواره أشبه بلعبة بطولها

الذي يكاد يبلغ مائة وتسع وخمسون

 سنتيمترا, ملامحه الرجولية التي تحبس 

الأنفاس وجسده المتناسق وكأنه ليس بشخص 

يقضي أغلب وقته بالمطبخ والطعام!

كان واعيا لتأملها له والذي ربما تفعله لأول

مرة منذ قابلته ليبتسم بمكر وهو يقول:

“عاجبك اللي عم تشوفي؟”

انتفضت من قربه الخطير وأنفاسها تتلاحق 

وكأنها بسباق قبل أن تحرّك رأسها برفض

 متظاهرة بعدم الاهتمام قائلة:

“ولا يهز فيا شعره”

ضحك عاليا ليتنفض قلبها بين ضلوعها وهو

 يثير بها أحاسيس لم تشعر بها قبلا حتى مع 

حسام قبل أن يقول بمكر:

“ازا ما عندك اعتراض بالنوم حدي صح؟”

انتبهت لما وصلت إليه بغبائها لترفع رأسها 

بتحدي لتؤكد أنه لا يؤثر بها لتشيح ببصرها 

سريعا ما إن شاهدته دون قميص وهي تهتف:

“انت هتنام كده؟”

“عندك مشكلة؟”

كادت تهتف (أنت هو المشكلة) لتغمض 

عينيها مجبرة نفسها على التظاهر بعدم 

الاهتمام وهي توبخ نفسها (ما بكِ نغم؟ لِمَ 

تتصرفين كالأطفال؟ هو زوجك حتى لو لم 

تعترفي به, ثم إنه غير جذّاب صحيح؟)

(كاذبة, إنه قنبلة جاذبية تمشي على 

قدمين)

هتف صوت بداخلها لتتذمّر بصمت وهي تضطر

لتبديل ملابسها بالحمام الملحق بالغرفة 

لحسن حظها قبل أن تستلقي على الفراش

الضيّق تكاد تسقط من عليه حتى لا تلمسه 

بأي شكل وكادت تسقط بالفعل وهي تتقلّب

 غير قادرة على النوم تحسده على استغراقه 

بالنوم سريعا لتلتقطها ذراعيه حامية

إياها من السقوط لينتفض قلبها بين ضلوعها 

عندما وجدت نفسها بين أحضانه ليهمس لها 

بهدوء:”اهدي ما رح اكلك”

لا تعلم لِمَ تسلل لها الأمان من نبرة صوته 

الهادئة وعلمت أنه لن يؤذيها أبدا لتنام 

لتستكين بين ذراعيه وهي تشعر بالأمان لأول 

مرة منذ وفاة حسام!

****

ظلّت جامدة مكانها للحظات قبل أن يعطيها

عقلها الإشارة لتتحرك تتخفّى منه قبل أن 

يراها وهي تفكر ألم يفقد الأمل بعد؟!

بلحظات كانت تهاتف حازم وهي ترتجف خوفا

وما إن فتح الخط حتى بادرته باكية:

“حازم انت فين؟”

“مالك يا رتيل فيه ايه بتعيّطي ليه؟”

سألها بقلق لتهتف:”عباس هنا”

عقد حاجبيه وهو يتلفت حوله ثم قال:

“وانتي فين؟”

“انا اول ما شوفته استخبيت وكلّمتك”

قالتها ودموعها تسيل على وجنتيها بخوف 

ليصلها صوته المطمئن:”اهدي بس انا في

 الكلية قوليلي انتي فين عشان اجيلك او 

اقولك قوليلي هو كان فين ولابس ايه عشان

 اعرف مشي او لا قبل ما اجيلك”

أخبرته عن هيأته وملابسه التي بالكاد 

لاحظتها في خضم فزعها والمكان الذي رأته 

به ليجده بالقرب من المكان الواقف به

 فأخبرها أن تظل على الخط معه حتى يغادر 

المدعو عباس ويذهب هو لملاقاتها..

ظلّ يتابعه بعينيه يتحرّق لتلقينه درسا لولا 

خوفه على رتيل واكتشافه مكانها لكان له 

شأن آخر.

وبعد فترة بدت له دهرا غادر عباس يريد 

الفتك بأحدهم لينتظر لفترة كافية قبل

 أن يذهب لمكان رتيل التي ما إن رأته حتى 

ألقت بنفسها بين أحضانه ترتجف خوفا

 ليرتجف قلبه من المشاعر التي تجتاحه لأول

 مرة والتي لم يحبها على الإطلاق.

****

عادا للمنزل بصمت هو يتجاهل وجودها تماما

وهي تتحاشى النطق بكلمة أو حتى النظر

 تجاهه وما إن أوصلها للمنزل حتى غادر دون 

كلمة واحدة لتشعر بالغبن وهي تدلف إلى 

الشقة بحزن تشعر أنها تائهة ببحر لا قرار له..

تارة تتساءل ماذا سيقول عنها بعدما فعلته؟!

هل سيفهم أن ما فعلته من جراء التوتر والخوف

أم سيظن بها الظنون؟!

وتارة أخرى تقنع نفسها أنه لا يستحق حبها لو 

أساء بها الظن لتتوقف بمنتصف الردهة تضع

يدها على فمها بجزع وهي تقول:”بحبه!”

نفضت رأسها بعنف وهي تحدّث نفسها:

(لا, ليس حبا بكل تأكيد هو فقط شعور

 بالأمان والحماية يتملكني بوجوده, أجل هذا 

فقط)

ليحاورها صوت بداخلها (وهذه النبضات التي

تتبعثر داخلك حال رؤيته؟ وأحلامك التي

 تتمحور كلها حوله؟! وحزنك عندما يتجاهل

 وجودك؟! ونظراتك التي تتبعه خفية؟ إن 

لم يكن هذا حبا فماذا يكون رتيل؟)

“لا.. مش بحبه لا, مش معقول احبه في الفترة

القصيرة دي!”

هتفت بها بصوت خافت لتنتفض حالما سألتها

والدة حازم:”بسم الله الرحمن الرحيم, ايه يا 

رتيل انتي بتكلّمي نفسك يا بنتي؟”

ازداد ارتباكها لتلقي بنفسها بين ذراعي والدته

تجهش ببكاء حار جعل الأخيرة تنتفض جزعا

وهي تهتف:”فيه ايه يابنتي معرفتي تحلّي 

كويس؟ مش مهم فداكي تعوّضيها المرة اللي 

جايه”

حرّكت رأسها برفض لتقول والدته:

“امّال ايه؟ شوفتي حد من الحارة؟”

لتتلفّت حولها وهي تقول:”امّال حازم فين؟

مادخلش معاكي ليه؟”

وما إن سمعت تساؤلها حتى ازداد بكاؤها وهي 

تشعر بالخجل ممتزجا بالخوف من المشاعر التي

اكتشفت وجودها للتو لتضمّها والدته بحنو 

وهي تخمّن أنه فعل شيئا بجلافته المعتادة 

للفتاة الرقيقة لتجهش بالبكاء هكذا فلا 

يخفى عليها تعلّق الفتاة به وتجاهله المستفز 

لوجودها حتى كادت تجرّه من أذنيه تلك

 المرة فالفتاة شعرت أنها غير مرغوب بها

أو أنه صدّق عنها ما قالته زوجة والدها .

زفرت بحنق وهي تفكر أن ولدها بغبائه 

سيضيع من بين يديه كنزا لن يجد له مثيلا 

ولكنها لن تتركه حتى يقر ويعترف بمشاعره

التي يهرب منها.

ابتسمت وهي تربت على ظهر رتيل بحنو 

وبداخل عقلها تكتمل الخطة التي ستجعله 

يهتف ,

(أريد الزواج من رتيل) 

ووقتها ستخبره أن يمنحها الوقت لتفكر 

فمستقبل الفتاة ليس بلعبة.

****

لم تنم ليلتها جيدا بسبب ما حدث, على الرغم

 من تظاهرها بالقوة أمام عمرو المستفز إلا أنها 

تعلم أنه لولا وجوده وعصام لكان حدث ما لا 

تحمد عقباه.. ولكنها لن تعترف له أبدا.

“المستفز, المغرور!”

هتفت بها بحنق وهي تتذكر كلماته اللازعة,

لم تتوافق مع عمرو أبدا على الرغم من حبها

لوالده وشقيقه عصام إلا أنه كان ومازال 

مغرورا, سمجا, يثير بداخلها رغبة بركله فور 

رؤيته..

أغمضت عينيها تحاول الاسترخاء قبل النهوض

لتنفيذ خطتها التي وضعتها لعطلتها ووالدتها

لتقفز صورة شادي بذهنها وملامحه التي تحوّلت

من النعومة للشر المطلق لترتجف رغما عنها 

وهي تفكر ماذا لو هاجمها مرة أخرى؟!

ماذا بيدها أن تفعل حتى تبعده عن طريقها؟!

رنين هاتفها جعلها تفتح عينيها بغتة بدهشة

قبل أن تزداد دهشتها وهي تجد رقم السيد

فكري والد عمرو لتفتح الخط بوجل وبعد

عبارات الترحيب التقليدية بادرها:

“ها عندكم فطار وال اجيب فطاري معايا؟”

ابتسمت لمرحه الذي ذكّرها بوالدها لتقول:

“أحلى فطار لعيونك يا عمو”

“خلاص ساعة واكون عندك نفطر سوا عشان 

عايزك انتي ووالدتك بموضوع”

أومأت كأنه يراها قبل أن تقول:

“في انتظار حضرتك”

لتنهض تجهز الإفطار ونفسها وهي تتساءل ماذا

يريد منها السيد فكري؟!

*****

“هو ايه اصله ده؟ ايه اللي ماما عندي شغل

وهغيب شهر أو اكتر حسب الرحلة, تعال هنا

اقعد وفهمني الشغل اللي جه على غفلة ده”

قالتها والدة حازم بحزم جعله يزفر بحنق قبل

أن يجلس جوارها كالطفل المذنب وهو يقول:

“بصي يا ست الكل انتي عارفه اني بشتغل بعد 

الظهر في فرقه موسيقيه في فندق كبير 

والفندق رشّحنا لرحلة على باخرة هتلف الوطن

 العربي كله هنعزف هناك وطبعا دي فرصة 

حلوة اوي لينا وفرصة نستغل الاجازة المملة دي 

في حاجة مفيدة اهو منها شغل ومنها فسحه”

أومأت تتشرب كلامه لتقول:”حلو اوي والواد 

أنس وعروسته هيروحوا معاك؟”

ابتسم وهو يقول:”اها, اللي بيشتغلوا على 

الباخرة لهم تذاكر مخفّضة ولحد من طرفهم 

عشان كده قولت الرحله نقوط أنس لجوازه”

“لا طلعت بتفهم يا وَلَه”

قالتها والدته ساخرة ليعبس وهو يقول:

“ايه بس يا ست الكل انتي قارشه ملحتي ليه؟”

“وفيه وظايف ايه كمان على الباخرة؟”

سألت بغتة ليدخل الفخ دون أن يلاحظ وهو 

يجيبها:”كل حاجة ممكن تتخيليها, كأنها 

قرية ماشية على البحر فيها كل حاجة”

أومأت بصمت قبل أن تقول:”حلو اوي شوف بقى 

وظيفة لرتيل معاك واهو تبقى تحت عنيك”

انتفض واقفا وهو يقول بجفاء:”نعم؟ ودي 

هتيجي معايا بمناسبة ايه؟”

“بمناسبة انها مسؤلة منك من وقت ما جيتلي 

بيها هنا وال هترمي مسؤليتك يا حازم؟”

قالتها بصرامة ليغمض عينيه يحاول السيطرة 

على مشاعره التي هاجت بذكر اسمها وتخيلها

 مرافقة له على الباخرة وهو الذي يتحاشى 

رؤيتها منذ ألقت بنفسها بين ذراعيه مثيرة 

بداخله مشاعر لا يريد الشعور بها أبدا!

“يا ماما أنا هشوفلها حاجة هنا واهو تونّسك في

غيابي و…”

قاطعته:”لا انا عايزاها تغيّر جو مش بس عشان

الشغل, انت عارف اني مش عايزاها تشتغل ولا

تتبهدل لولا أن هي اللي مصرّه تشتغل قولت 

أريّحها بس مش هبقى مطمنه عليها الا وهي

 قدام عينك وانت مراعيها زي اختك, 

مش انت قولتلي انك معتبرها زي اختك

 يا حازم؟”

قالت الجملة الأخيرة وهي ترمقه بمكر ليصر 

على أسنانه بقوة وهو يومئ:”طبعا أختي”

أومأت برضا ظاهري وهي تتوعّده بداخلها

ثم قالت:”ها هتشوفلها حاجه؟”

أومأ مرغما وهو يقول:”حاضر”

****

صدمة هي كل ما تشعر به منذ زيارة السيد

فكري لهما صباحا.. هي بالكاد تخطّت 

صدمة وجود عمرو معه ليصدمها بطلبه!

أغمضت عينيها بقوة تحاول عدم التفكير 

بالحديث الذي قيل أمامها ورد فعل والدتها 

عليه..

وكأن حِملا انزاح عن كاهلها وهي تكاد

 تنطق بموافقتها الفورية على عمرو والذي 

كان مهذّبا مع والدتها على عكس تصرفاته

 معها..

من الواضح أنها الوحيدة التي تثير داخله نزعة

الغرور والسماجة فهي تتذكر أن فتيات النادي 

جميعهن كن واقعات تحت سحره بطريقة 

طالما أثارت غثيانها لتقلب هي الموازين 

بازدرائها له والابتعاد عن طريقه حتى بعد 

عودته من السفر وساعدها بذلك أنها لم تكن 

تذهب للنادي بهذه الفترة خاصة بعدما رأته

 يلاحق تلك الفتاة أكثر من مرة

لتسخر منه بداخلها أن وسيم النادي قد سقط

أخيرا كأي عازب آخر.

“تاج, مالك يا بنتي محتاره ليه؟”

قالتها والدتها بحنو لتجفل تاج عندما لاحظت 

أن والدتها تجلس معها منذ فترة ولم تلاحظها 

حتى تحدّثت.. هل كانت غارقة بأفكارها 

لهذا الحد؟

“مفيش يا ماما مش محتاره ولا حاجه, كل 

الحكاية اني بفكر ايه اني هسيب الشغل وانا

 كنت مرتاحه فيه كتير”

قالتها مبررة شرودها لتعبس والدتها وهي تقول:

“معناه ايه الكلام ده يا تاج؟ انتي ناويه 

ترفضي؟”

رمقتها بدهشة وهي تقول:”ايوة طبعا يا ماما,

انتي متخيلة اني ممكن اقبل بعمرو؟ ده لا 

يمكن يحصل ابدا”

“وليه بقى ماله عمرو؟ وال تكوني لسه بتحبي

شادي؟”

سألتها والدتها بقلق لتقول غير مصدقة لما 

تقوله والدتها والتي لا تعلم عما اقترفه شادي 

بحقها:

“لا طبعا حضرك عارفه ان شادي كان جواز

عادي مالوش دعوة بقلبي, ثم اني مش بؤمن 

بجواز الحب اصلا”

“كويس يبقى ايه المانع انك تقبلي بعمرو؟”

(لأن قلبه هو المشغول لا قلبي)

قالتها بداخلها قبل أن تقول لوالدتها:

“مش بستظرفه يا ماما, تقيل على قلبي كده 

لله في لله”

حسنا هي تكذب بعض الشيء فبغضها لعمرو 

ليس دون شيء بل هو موقف بينهما قديما منذ

 مراهقتهما موقف تتحاشى تذكّره دوما حتى لا 

تتذكر غباءها وقتها وجرح أنوثتها الوليدة 

وقتها على يديه!

“يا بنتي فكّري انا ماصدقت واحد مناسب 

جالك على الاقل يريّحك من الشغل وتعبه 

وماتفضليش شايله الهم على طول كده”

زمّت شفتيها بحنق وهي تقول:”حتى لو وافقت 

عليه هفضل اشتغل يا ماما, مش هبقى تحت 

رحمة اي راجل مرة تانيه”

“براحتك يا حبيبتي, بس نصيحتي ليكي 

فكري كويس قبل ما ترفضي, عمرو فرصة 

مش هتتعوض”

أومأت وهي تلوي شفتيها بحنق متمتمة:

“قال فرصة قال”

*****

“ازيك يا ابو نسب عامل ايه؟ والبت نغم عامله

ايه معاك؟ اياك تكون مقصره معاك 

اقصفلك رقبتها؟”

غامت عينيها بالحزن وكبحت دموعها بقوة من

إهانة والدها لها أمام زوجها ليذهلها رد غتوان

الذي أحاط خصرها بذراعه وهو يقول:

“بالعكس يا عمي نغم مو مقصرة بأي شي نهائيا 

هي نعمة من الله لإلي”

وقتها التقت عيناها بعينيه ترمقه بامتنان 

ويرمقها بنظرة لم تستطع تفسيرها لتجد نفسها 

تضم جسدها له كأنها تريد الالتحام به وهي 

تكاد تطلب منه أن يغادرا في التو ليميل عليها

 هامسا:

“اهدي شوي ومنمشي”

لتومئ له بصمت قبل أن تهمس لها:

“ماتسيبنيش”

ولا تعلم وقتها هل كانت تطلب منه ألا يتركها 

بهذا الوقت أم طوال العمر ولكنها شعرت 

بالراحة ما إن همس لها بوعد:”أبدا”

ليقضيا بعض الوقت مع أهلها ولم تفارقه للحظة

قبل أن يعلن عن مغادرتهما لأن لديه عمل 

بالصباح مخبرا والديها أنهما سيسافران على متن 

باخرة لعمل له ليقترح والدها:

“طب ماتخلّي نغم هنا بدل ماتدوشك 

وتوجعلك دماغك وانت اتكل على الله

واهتم بشغلك وسفرك”

أمسكت يديه بذُعر وهي تكاد تتوسله 

بعينيها ألا يتركها ليضمها له مبتسما لوالدها 

قبل أن يقول بصوت حازم:

” ما بقدر استغنى عنها”

لتزفر بصوت مسموع وهي تودّع والديها سريعا

وتتمسك بذراعه مرة أخرى دون وعي وهي

 تغادر معه تتمنى لو لم تعد لهذا المنزل مرة

 أخرى.

****

تجاهل تام منذ استيقظت ذاك اليوم بأحضانه

 ولا تفهم لِمَ؟ هل فعلت شيئا خاطئا؟!

ربما هي لا تريد علاقتهما كزوج وزوجة 

ولكنها شعرت معه بالراحة والأمان اللتين 

افتقدتهما منذ وفاة حسام فلِمَ ابتعد عنها 

مرة أخرى؟ 

أم أنه حقا مشغول كما تعلّل لوالدته بتجهيز

 نفسه للسفر؟!

سفرهما بعد غد والذي بعدما تحمّست له عادت 

لتشعر بالخوف من مرافقته فلو ظلّ على تجاهله 

إياها بهذا الشكل لن تحتمل وخاصة وهي لا 

تعرف سواه على سطح الباخرة!

زفرت بحنق قبل أن تستمع لصوت باب الشقة

يفتح ويغلق دلالة على عودته لتسرع للفراش 

تتظاهر بالنوم تحاول تهدئة أنفاسها 

المتلاحقة وهي تعلم أنه ككل يوم يفتح باب 

غرفتها ويطمئن عليها وهذا ما يثير حيرتها..

كيف يهتم بها ويتجاهلها بنفس الوقت؟!

وبّخت نفسها (ما بكِ نغم؟ ما الذي تريدينه من

الرجل؟ يكفي أنه منذ زواجكما يحترم 

مشاعرك ويلبي طلباتك حتى قبل أن 

تطلبيها.. يكفي الأمان الذي تشعرين به

 بوجوده.. )

(فقط أمان نغم؟)

تساءل هذا الصوت المزعج لتزفر بقوة ليصلها

صوته الساخر:”شو نغم؟ مو قادرة تعملي تمثلية 

النوم الليلة؟”

انتفضت ملتفتة له لتقابلها عيناه الماكرتان 

وابتسامته التي تجعلها تشعر بالدوار وهي 

تتساءل هل هناك من هو أكثر وسامة 

وجاذبية منه؟!

انتبهت لمسار تفكيرها لتوبخ نفسها هل عادت 

مراهقة من جديد؟!

“انا مش بعمل نفسي نايمه ولا حاجه انا كنت 

بحاول انام فعلا بس …”

وصمتت غير قادرة على تكملة كلامها غير

 المقنع حتى لها ليقول لها متجاهلا تلعثمها 

بالحديث:

“جهزي حالك نغم حنسافر بعد يومين ولا

 تاكلي هم شنتايتي انا حجهزها”

استدار مغادرا لتلوي شفتيها وهي تتمتم ساخرة:

“قال يعني هموت واحضّرلك الشنطة”

التفت لها سائلا وهو يرمقها بابتسامة:

“شو حكيتي نغم؟ علّي صوتك حبيبتي”

وعلى الرغم أنها تعلم أنه لا يقصد المعنى 

الحرفي للكلمة (حبيبتي) إلا أنها اختنقت 

بأنفاسها وتوقف قلبها للحظات قبل أن تعود 

للتنفس وهي تلاحظ نظراته الماكرة لها لتصر 

على أسنانها بقوة ليضحك بقوة قبل أن يقول 

بهدوء:

“تصبحي على خير نغم”

لتجد نفسها تجيبه بهدوء يماثل هدوءه:

“وانت بخير غتوان”.

****

انقبضت أصابعها بقوة وهي ترى ما يتم تداوله

بين من كانوا يوما أصدقائها ليصلها بالطبع 

بواسطة فاعل خير لتسيل دمعة على وجنتيها 

جعلتها تشتعل غيظا أنهم نجحوا في اختراق 

واجهتها الباردة وجعلوها تشعر بهشاشتها لأول 

مرة منذ وفاة والدها لتنهض متجهة لغرفة 

والدتها وتدخل بهدوء لترمقها والدتها 

بتساؤل:”فيه حاجة يا تاج؟”

“انا موافقة على عمرو”

نهاية الفصل

الفصل الخامس

لقد وافق!

حدّثت نفسها غير مصدقة لموافقته على 

المبيت هل يظنها ستشاركه الغرفة؟!

سيكون واهم بالتأكيد, لن تستطيع أن تفعل 

أبدا..

ليس فقط من أجل حسام بل لأنه يثير لديها

 نزعة للتمرد غريبة عليها لم تشعر بها من

قبل!

زفرت بضيق وخالتها تقوده للغرفة التي 

سيقضيان ليلتهما فيها وهي تتبعهما كالجرو 

اللطيف..

زمّت شفتيها بقوة حتى لا تتفوه بما لا يليق

 وخالتها تسألهم هل يريدون شيئا ليجيبها هو 

بالنفي.

ما إن خرجت خالتها بادرته:”طبعا انت مش

 متخيل اني هبات معاك في نفس الاوضه,

 لا وكمان..”

وصمتت وهي ترمق الفراش الوحيد الضيّق

بصمت ووجنتيها تتلونان بالحمرة التي تجعله

 يتساءل هل تزوجت قبلا؟!

نفض رأسه وهو يتجاهل الرد عليها لتشعر 

بالغيظ وهي تقبض على ذراعه هاتفة:

“انا بكلمك”

“شو بِدّك؟”

“انا مش هنام معاك في اوضه واحدة”

“وهو انا مسكتك؟”

قالها ببرود دون أن ينظر لها نظرة واحدة 

ليتفاقم غيظها وهي تقف أمامه تضطره للنظر 

لها وقد أغاظها تجاهله لها لتقول بحنق:

“ووافقت ليه تبات هنا وانت عارف اننا هنضطر 

ننام ف مكان واحد؟ الا بقى لو هتنام على 

الأرض وتسيبلي السرير وقتها…”

لوى شفتيه بسخرية وهو يقول:”اخلاقي مو 

كويسة لهي الدرجة نغم, ازا بدك تنامي

 على الارض اكيد ما حمنعك”

رمقته بذهول وهو يبدل ملابسه أمامها دون 

خجل لتشيح بوجهها وهي تصيح:”وقح”

ابتسم بتسلية ثم يقترب منها مهددا متظاهرا 

بالغضب وهو يقول:”شو عم تحكي؟”

رمقته بوجل لتقابلها عيناه الرماديتان لتتيه

 فيهما لأول مرة منذ عاد تلاحظ التغيّرات التي

 طرأت عليه, حسنا بجانب ذيل الفرس الذي

 يجمع به شعره والذي يوحي لمن يراه أن 

رجولته مشكوك بها كان هناك عيناه 

الساحرتين بلونهما الذي يشبه السماء بغيومها.. 

وطوله الذي يفوق المائة وثمانين سنتيمترا 

والذي يجعلها بجواره أشبه بلعبة بطولها

الذي يكاد يبلغ مائة وتسع وخمسون

 سنتيمترا, ملامحه الرجولية التي تحبس 

الأنفاس وجسده المتناسق وكأنه ليس بشخص 

يقضي أغلب وقته بالمطبخ والطعام!

كان واعيا لتأملها له والذي ربما تفعله لأول

مرة منذ قابلته ليبتسم بمكر وهو يقول:

“عاجبك اللي عم تشوفي؟”

انتفضت من قربه الخطير وأنفاسها تتلاحق 

وكأنها بسباق قبل أن تحرّك رأسها برفض

 متظاهرة بعدم الاهتمام قائلة:

“ولا يهز فيا شعره”

ضحك عاليا ليتنفض قلبها بين ضلوعها وهو

 يثير بها أحاسيس لم تشعر بها قبلا حتى مع 

حسام قبل أن يقول بمكر:

“ازا ما عندك اعتراض بالنوم حدي صح؟”

انتبهت لما وصلت إليه بغبائها لترفع رأسها 

بتحدي لتؤكد أنه لا يؤثر بها لتشيح ببصرها 

سريعا ما إن شاهدته دون قميص وهي تهتف:

“انت هتنام كده؟”

“عندك مشكلة؟”

كادت تهتف (أنت هو المشكلة) لتغمض 

عينيها مجبرة نفسها على التظاهر بعدم 

الاهتمام وهي توبخ نفسها (ما بكِ نغم؟ لِمَ 

تتصرفين كالأطفال؟ هو زوجك حتى لو لم 

تعترفي به, ثم إنه غير جذّاب صحيح؟)

(كاذبة, إنه قنبلة جاذبية تمشي على 

قدمين)

هتف صوت بداخلها لتتذمّر بصمت وهي تضطر

لتبديل ملابسها بالحمام الملحق بالغرفة 

لحسن حظها قبل أن تستلقي على الفراش

الضيّق تكاد تسقط من عليه حتى لا تلمسه 

بأي شكل وكادت تسقط بالفعل وهي تتقلّب

 غير قادرة على النوم تحسده على استغراقه 

بالنوم سريعا لتلتقطها ذراعيه حامية

إياها من السقوط لينتفض قلبها بين ضلوعها 

عندما وجدت نفسها بين أحضانه ليهمس لها 

بهدوء:”اهدي ما رح اكلك”

لا تعلم لِمَ تسلل لها الأمان من نبرة صوته 

الهادئة وعلمت أنه لن يؤذيها أبدا لتنام 

لتستكين بين ذراعيه وهي تشعر بالأمان لأول 

مرة منذ وفاة حسام!

****

ظلّت جامدة مكانها للحظات قبل أن يعطيها

عقلها الإشارة لتتحرك تتخفّى منه قبل أن 

يراها وهي تفكر ألم يفقد الأمل بعد؟!

بلحظات كانت تهاتف حازم وهي ترتجف خوفا

وما إن فتح الخط حتى بادرته باكية:

“حازم انت فين؟”

“مالك يا رتيل فيه ايه بتعيّطي ليه؟”

سألها بقلق لتهتف:”عباس هنا”

عقد حاجبيه وهو يتلفت حوله ثم قال:

“وانتي فين؟”

“انا اول ما شوفته استخبيت وكلّمتك”

قالتها ودموعها تسيل على وجنتيها بخوف 

ليصلها صوته المطمئن:”اهدي بس انا في

 الكلية قوليلي انتي فين عشان اجيلك او 

اقولك قوليلي هو كان فين ولابس ايه عشان

 اعرف مشي او لا قبل ما اجيلك”

أخبرته عن هيأته وملابسه التي بالكاد 

لاحظتها في خضم فزعها والمكان الذي رأته 

به ليجده بالقرب من المكان الواقف به

 فأخبرها أن تظل على الخط معه حتى يغادر 

المدعو عباس ويذهب هو لملاقاتها..

ظلّ يتابعه بعينيه يتحرّق لتلقينه درسا لولا 

خوفه على رتيل واكتشافه مكانها لكان له 

شأن آخر.

وبعد فترة بدت له دهرا غادر عباس يريد 

الفتك بأحدهم لينتظر لفترة كافية قبل

 أن يذهب لمكان رتيل التي ما إن رأته حتى 

ألقت بنفسها بين أحضانه ترتجف خوفا

 ليرتجف قلبه من المشاعر التي تجتاحه لأول

 مرة والتي لم يحبها على الإطلاق.

****

عادا للمنزل بصمت هو يتجاهل وجودها تماما

وهي تتحاشى النطق بكلمة أو حتى النظر

 تجاهه وما إن أوصلها للمنزل حتى غادر دون 

كلمة واحدة لتشعر بالغبن وهي تدلف إلى 

الشقة بحزن تشعر أنها تائهة ببحر لا قرار له..

تارة تتساءل ماذا سيقول عنها بعدما فعلته؟!

هل سيفهم أن ما فعلته من جراء التوتر والخوف

أم سيظن بها الظنون؟!

وتارة أخرى تقنع نفسها أنه لا يستحق حبها لو 

أساء بها الظن لتتوقف بمنتصف الردهة تضع

يدها على فمها بجزع وهي تقول:”بحبه!”

نفضت رأسها بعنف وهي تحدّث نفسها:

(لا, ليس حبا بكل تأكيد هو فقط شعور

 بالأمان والحماية يتملكني بوجوده, أجل هذا 

فقط)

ليحاورها صوت بداخلها (وهذه النبضات التي

تتبعثر داخلك حال رؤيته؟ وأحلامك التي

 تتمحور كلها حوله؟! وحزنك عندما يتجاهل

 وجودك؟! ونظراتك التي تتبعه خفية؟ إن 

لم يكن هذا حبا فماذا يكون رتيل؟)

“لا.. مش بحبه لا, مش معقول احبه في الفترة

القصيرة دي!”

هتفت بها بصوت خافت لتنتفض حالما سألتها

والدة حازم:”بسم الله الرحمن الرحيم, ايه يا 

رتيل انتي بتكلّمي نفسك يا بنتي؟”

ازداد ارتباكها لتلقي بنفسها بين ذراعي والدته

تجهش ببكاء حار جعل الأخيرة تنتفض جزعا

وهي تهتف:”فيه ايه يابنتي معرفتي تحلّي 

كويس؟ مش مهم فداكي تعوّضيها المرة اللي 

جايه”

حرّكت رأسها برفض لتقول والدته:

“امّال ايه؟ شوفتي حد من الحارة؟”

لتتلفّت حولها وهي تقول:”امّال حازم فين؟

مادخلش معاكي ليه؟”

وما إن سمعت تساؤلها حتى ازداد بكاؤها وهي 

تشعر بالخجل ممتزجا بالخوف من المشاعر التي

اكتشفت وجودها للتو لتضمّها والدته بحنو 

وهي تخمّن أنه فعل شيئا بجلافته المعتادة 

للفتاة الرقيقة لتجهش بالبكاء هكذا فلا 

يخفى عليها تعلّق الفتاة به وتجاهله المستفز 

لوجودها حتى كادت تجرّه من أذنيه تلك

 المرة فالفتاة شعرت أنها غير مرغوب بها

أو أنه صدّق عنها ما قالته زوجة والدها .

زفرت بحنق وهي تفكر أن ولدها بغبائه 

سيضيع من بين يديه كنزا لن يجد له مثيلا 

ولكنها لن تتركه حتى يقر ويعترف بمشاعره

التي يهرب منها.

ابتسمت وهي تربت على ظهر رتيل بحنو 

وبداخل عقلها تكتمل الخطة التي ستجعله 

يهتف ,

(أريد الزواج من رتيل) 

ووقتها ستخبره أن يمنحها الوقت لتفكر 

فمستقبل الفتاة ليس بلعبة.

****

لم تنم ليلتها جيدا بسبب ما حدث, على الرغم

 من تظاهرها بالقوة أمام عمرو المستفز إلا أنها 

تعلم أنه لولا وجوده وعصام لكان حدث ما لا 

تحمد عقباه.. ولكنها لن تعترف له أبدا.

“المستفز, المغرور!”

هتفت بها بحنق وهي تتذكر كلماته اللازعة,

لم تتوافق مع عمرو أبدا على الرغم من حبها

لوالده وشقيقه عصام إلا أنه كان ومازال 

مغرورا, سمجا, يثير بداخلها رغبة بركله فور 

رؤيته..

أغمضت عينيها تحاول الاسترخاء قبل النهوض

لتنفيذ خطتها التي وضعتها لعطلتها ووالدتها

لتقفز صورة شادي بذهنها وملامحه التي تحوّلت

من النعومة للشر المطلق لترتجف رغما عنها 

وهي تفكر ماذا لو هاجمها مرة أخرى؟!

ماذا بيدها أن تفعل حتى تبعده عن طريقها؟!

رنين هاتفها جعلها تفتح عينيها بغتة بدهشة

قبل أن تزداد دهشتها وهي تجد رقم السيد

فكري والد عمرو لتفتح الخط بوجل وبعد

عبارات الترحيب التقليدية بادرها:

“ها عندكم فطار وال اجيب فطاري معايا؟”

ابتسمت لمرحه الذي ذكّرها بوالدها لتقول:

“أحلى فطار لعيونك يا عمو”

“خلاص ساعة واكون عندك نفطر سوا عشان 

عايزك انتي ووالدتك بموضوع”

أومأت كأنه يراها قبل أن تقول:

“في انتظار حضرتك”

لتنهض تجهز الإفطار ونفسها وهي تتساءل ماذا

يريد منها السيد فكري؟!

*****

“هو ايه اصله ده؟ ايه اللي ماما عندي شغل

وهغيب شهر أو اكتر حسب الرحلة, تعال هنا

اقعد وفهمني الشغل اللي جه على غفلة ده”

قالتها والدة حازم بحزم جعله يزفر بحنق قبل

أن يجلس جوارها كالطفل المذنب وهو يقول:

“بصي يا ست الكل انتي عارفه اني بشتغل بعد 

الظهر في فرقه موسيقيه في فندق كبير 

والفندق رشّحنا لرحلة على باخرة هتلف الوطن

 العربي كله هنعزف هناك وطبعا دي فرصة 

حلوة اوي لينا وفرصة نستغل الاجازة المملة دي 

في حاجة مفيدة اهو منها شغل ومنها فسحه”

أومأت تتشرب كلامه لتقول:”حلو اوي والواد 

أنس وعروسته هيروحوا معاك؟”

ابتسم وهو يقول:”اها, اللي بيشتغلوا على 

الباخرة لهم تذاكر مخفّضة ولحد من طرفهم 

عشان كده قولت الرحله نقوط أنس لجوازه”

“لا طلعت بتفهم يا وَلَه”

قالتها والدته ساخرة ليعبس وهو يقول:

“ايه بس يا ست الكل انتي قارشه ملحتي ليه؟”

“وفيه وظايف ايه كمان على الباخرة؟”

سألت بغتة ليدخل الفخ دون أن يلاحظ وهو 

يجيبها:”كل حاجة ممكن تتخيليها, كأنها 

قرية ماشية على البحر فيها كل حاجة”

أومأت بصمت قبل أن تقول:”حلو اوي شوف بقى 

وظيفة لرتيل معاك واهو تبقى تحت عنيك”

انتفض واقفا وهو يقول بجفاء:”نعم؟ ودي 

هتيجي معايا بمناسبة ايه؟”

“بمناسبة انها مسؤلة منك من وقت ما جيتلي 

بيها هنا وال هترمي مسؤليتك يا حازم؟”

قالتها بصرامة ليغمض عينيه يحاول السيطرة 

على مشاعره التي هاجت بذكر اسمها وتخيلها

 مرافقة له على الباخرة وهو الذي يتحاشى 

رؤيتها منذ ألقت بنفسها بين ذراعيه مثيرة 

بداخله مشاعر لا يريد الشعور بها أبدا!

“يا ماما أنا هشوفلها حاجة هنا واهو تونّسك في

غيابي و…”

قاطعته:”لا انا عايزاها تغيّر جو مش بس عشان

الشغل, انت عارف اني مش عايزاها تشتغل ولا

تتبهدل لولا أن هي اللي مصرّه تشتغل قولت 

أريّحها بس مش هبقى مطمنه عليها الا وهي

 قدام عينك وانت مراعيها زي اختك, 

مش انت قولتلي انك معتبرها زي اختك

 يا حازم؟”

قالت الجملة الأخيرة وهي ترمقه بمكر ليصر 

على أسنانه بقوة وهو يومئ:”طبعا أختي”

أومأت برضا ظاهري وهي تتوعّده بداخلها

ثم قالت:”ها هتشوفلها حاجه؟”

أومأ مرغما وهو يقول:”حاضر”

****

صدمة هي كل ما تشعر به منذ زيارة السيد

فكري لهما صباحا.. هي بالكاد تخطّت 

صدمة وجود عمرو معه ليصدمها بطلبه!

أغمضت عينيها بقوة تحاول عدم التفكير 

بالحديث الذي قيل أمامها ورد فعل والدتها 

عليه..

وكأن حِملا انزاح عن كاهلها وهي تكاد

 تنطق بموافقتها الفورية على عمرو والذي 

كان مهذّبا مع والدتها على عكس تصرفاته

 معها..

من الواضح أنها الوحيدة التي تثير داخله نزعة

الغرور والسماجة فهي تتذكر أن فتيات النادي 

جميعهن كن واقعات تحت سحره بطريقة 

طالما أثارت غثيانها لتقلب هي الموازين 

بازدرائها له والابتعاد عن طريقه حتى بعد 

عودته من السفر وساعدها بذلك أنها لم تكن 

تذهب للنادي بهذه الفترة خاصة بعدما رأته

 يلاحق تلك الفتاة أكثر من مرة

لتسخر منه بداخلها أن وسيم النادي قد سقط

أخيرا كأي عازب آخر.

“تاج, مالك يا بنتي محتاره ليه؟”

قالتها والدتها بحنو لتجفل تاج عندما لاحظت 

أن والدتها تجلس معها منذ فترة ولم تلاحظها 

حتى تحدّثت.. هل كانت غارقة بأفكارها 

لهذا الحد؟

“مفيش يا ماما مش محتاره ولا حاجه, كل 

الحكاية اني بفكر ايه اني هسيب الشغل وانا

 كنت مرتاحه فيه كتير”

قالتها مبررة شرودها لتعبس والدتها وهي تقول:

“معناه ايه الكلام ده يا تاج؟ انتي ناويه 

ترفضي؟”

رمقتها بدهشة وهي تقول:”ايوة طبعا يا ماما,

انتي متخيلة اني ممكن اقبل بعمرو؟ ده لا 

يمكن يحصل ابدا”

“وليه بقى ماله عمرو؟ وال تكوني لسه بتحبي

شادي؟”

سألتها والدتها بقلق لتقول غير مصدقة لما 

تقوله والدتها والتي لا تعلم عما اقترفه شادي 

بحقها:

“لا طبعا حضرك عارفه ان شادي كان جواز

عادي مالوش دعوة بقلبي, ثم اني مش بؤمن 

بجواز الحب اصلا”

“كويس يبقى ايه المانع انك تقبلي بعمرو؟”

(لأن قلبه هو المشغول لا قلبي)

قالتها بداخلها قبل أن تقول لوالدتها:

“مش بستظرفه يا ماما, تقيل على قلبي كده 

لله في لله”

حسنا هي تكذب بعض الشيء فبغضها لعمرو 

ليس دون شيء بل هو موقف بينهما قديما منذ

 مراهقتهما موقف تتحاشى تذكّره دوما حتى لا 

تتذكر غباءها وقتها وجرح أنوثتها الوليدة 

وقتها على يديه!

“يا بنتي فكّري انا ماصدقت واحد مناسب 

جالك على الاقل يريّحك من الشغل وتعبه 

وماتفضليش شايله الهم على طول كده”

زمّت شفتيها بحنق وهي تقول:”حتى لو وافقت 

عليه هفضل اشتغل يا ماما, مش هبقى تحت 

رحمة اي راجل مرة تانيه”

“براحتك يا حبيبتي, بس نصيحتي ليكي 

فكري كويس قبل ما ترفضي, عمرو فرصة 

مش هتتعوض”

أومأت وهي تلوي شفتيها بحنق متمتمة:

“قال فرصة قال”

*****

“ازيك يا ابو نسب عامل ايه؟ والبت نغم عامله

ايه معاك؟ اياك تكون مقصره معاك 

اقصفلك رقبتها؟”

غامت عينيها بالحزن وكبحت دموعها بقوة من

إهانة والدها لها أمام زوجها ليذهلها رد غتوان

الذي أحاط خصرها بذراعه وهو يقول:

“بالعكس يا عمي نغم مو مقصرة بأي شي نهائيا 

هي نعمة من الله لإلي”

وقتها التقت عيناها بعينيه ترمقه بامتنان 

ويرمقها بنظرة لم تستطع تفسيرها لتجد نفسها 

تضم جسدها له كأنها تريد الالتحام به وهي 

تكاد تطلب منه أن يغادرا في التو ليميل عليها

 هامسا:

“اهدي شوي ومنمشي”

لتومئ له بصمت قبل أن تهمس لها:

“ماتسيبنيش”

ولا تعلم وقتها هل كانت تطلب منه ألا يتركها 

بهذا الوقت أم طوال العمر ولكنها شعرت 

بالراحة ما إن همس لها بوعد:”أبدا”

ليقضيا بعض الوقت مع أهلها ولم تفارقه للحظة

قبل أن يعلن عن مغادرتهما لأن لديه عمل 

بالصباح مخبرا والديها أنهما سيسافران على متن 

باخرة لعمل له ليقترح والدها:

“طب ماتخلّي نغم هنا بدل ماتدوشك 

وتوجعلك دماغك وانت اتكل على الله

واهتم بشغلك وسفرك”

أمسكت يديه بذُعر وهي تكاد تتوسله 

بعينيها ألا يتركها ليضمها له مبتسما لوالدها 

قبل أن يقول بصوت حازم:

” ما بقدر استغنى عنها”

لتزفر بصوت مسموع وهي تودّع والديها سريعا

وتتمسك بذراعه مرة أخرى دون وعي وهي

 تغادر معه تتمنى لو لم تعد لهذا المنزل مرة

 أخرى.

****

تجاهل تام منذ استيقظت ذاك اليوم بأحضانه

 ولا تفهم لِمَ؟ هل فعلت شيئا خاطئا؟!

ربما هي لا تريد علاقتهما كزوج وزوجة 

ولكنها شعرت معه بالراحة والأمان اللتين 

افتقدتهما منذ وفاة حسام فلِمَ ابتعد عنها 

مرة أخرى؟ 

أم أنه حقا مشغول كما تعلّل لوالدته بتجهيز

 نفسه للسفر؟!

سفرهما بعد غد والذي بعدما تحمّست له عادت 

لتشعر بالخوف من مرافقته فلو ظلّ على تجاهله 

إياها بهذا الشكل لن تحتمل وخاصة وهي لا 

تعرف سواه على سطح الباخرة!

زفرت بحنق قبل أن تستمع لصوت باب الشقة

يفتح ويغلق دلالة على عودته لتسرع للفراش 

تتظاهر بالنوم تحاول تهدئة أنفاسها 

المتلاحقة وهي تعلم أنه ككل يوم يفتح باب 

غرفتها ويطمئن عليها وهذا ما يثير حيرتها..

كيف يهتم بها ويتجاهلها بنفس الوقت؟!

وبّخت نفسها (ما بكِ نغم؟ ما الذي تريدينه من

الرجل؟ يكفي أنه منذ زواجكما يحترم 

مشاعرك ويلبي طلباتك حتى قبل أن 

تطلبيها.. يكفي الأمان الذي تشعرين به

 بوجوده.. )

(فقط أمان نغم؟)

تساءل هذا الصوت المزعج لتزفر بقوة ليصلها

صوته الساخر:”شو نغم؟ مو قادرة تعملي تمثلية 

النوم الليلة؟”

انتفضت ملتفتة له لتقابلها عيناه الماكرتان 

وابتسامته التي تجعلها تشعر بالدوار وهي 

تتساءل هل هناك من هو أكثر وسامة 

وجاذبية منه؟!

انتبهت لمسار تفكيرها لتوبخ نفسها هل عادت 

مراهقة من جديد؟!

“انا مش بعمل نفسي نايمه ولا حاجه انا كنت 

بحاول انام فعلا بس …”

وصمتت غير قادرة على تكملة كلامها غير

 المقنع حتى لها ليقول لها متجاهلا تلعثمها 

بالحديث:

“جهزي حالك نغم حنسافر بعد يومين ولا

 تاكلي هم شنتايتي انا حجهزها”

استدار مغادرا لتلوي شفتيها وهي تتمتم ساخرة:

“قال يعني هموت واحضّرلك الشنطة”

التفت لها سائلا وهو يرمقها بابتسامة:

“شو حكيتي نغم؟ علّي صوتك حبيبتي”

وعلى الرغم أنها تعلم أنه لا يقصد المعنى 

الحرفي للكلمة (حبيبتي) إلا أنها اختنقت 

بأنفاسها وتوقف قلبها للحظات قبل أن تعود 

للتنفس وهي تلاحظ نظراته الماكرة لها لتصر 

على أسنانها بقوة ليضحك بقوة قبل أن يقول 

بهدوء:

“تصبحي على خير نغم”

لتجد نفسها تجيبه بهدوء يماثل هدوءه:

“وانت بخير غتوان”.

****

انقبضت أصابعها بقوة وهي ترى ما يتم تداوله

بين من كانوا يوما أصدقائها ليصلها بالطبع 

بواسطة فاعل خير لتسيل دمعة على وجنتيها 

جعلتها تشتعل غيظا أنهم نجحوا في اختراق 

واجهتها الباردة وجعلوها تشعر بهشاشتها لأول 

مرة منذ وفاة والدها لتنهض متجهة لغرفة 

والدتها وتدخل بهدوء لترمقها والدتها 

بتساؤل:”فيه حاجة يا تاج؟”

“انا موافقة على عمرو”

نهاية الفصل

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *