التخطي إلى المحتوى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثاني عشر

خُلق القلب عصيًا: -‏كيف لأحدهم أن يأتيك متأخرًا
ثُمّ يكون وحدهُ من تراه في المُقدمة.

بعد معركة طاحنة في نفسها، بعدت عنه فأحس بُعدها، تبسم براحة تامة وهو يقول: -نمتي كويس؟
فاصطدم بردها الجافي: -أنت ليه خبيت عليا اللي عملته هدير،؟
أخذ نفسًا طويلًا بارتياح وقال مستفهمًا: -يادي هدير وسنين هدير السودة. أيه اللي عملته تاني؟
عقد الغضب طفائره بملامحها وقالت بنبرة عالية: -لو سمحت قوم وكلمني زي ما بكلمك.
اعتدل في نومته متأففًا: -ها ياستي، طلقتها امبارح أيه حصل! زعلانة ليه؟

ثرثرت بوجهه: -وانا مالي تطلقها ولا تتجوزها.
-أومال ايه الاصطباحة دي.
وبخته بعتب: -ليه ماقولتش انها حطت لي مخدر في العصير؟
أصدر إيماءة خافتة وأسبل عينيه مستفهمًا: -سيدة اللي قالت لك!
نهضت من جواره وهبت معترضة: -ده كل اللي هامك يعني؟ عرفت وخلاص.
نهض خلفها وحاول إيضاح الصورة: -الموضوع مش مستاهل كل العصبية دي، اللي حصل حصل وهي خدت جزاءها.

لوحت بكفها رافضة كلامه، مستخدمة شخصية رسيل القوية: -الكلام ده مش معايا. لما ضربتني هي ومامتك وخالتك عملت أيه. وأهو لتاني مرة حاولت تأذيني، عملت ايه أنت في كل ده؟
ثم اقتربت منه متحدية: -أنا مبحش العوج، وما دام اديتك ثقتي أعرف أنها حاجة كبيرة أوي، وواضح أنك مش أدها من دلوقتِ، أنا شايفة نفضها سيرة وو.

كظم غضبه في نفسه ملتمسًا لها عذر حالتها الصحية وقال بضيق: -بلاش تقولي كلام يزعل، عشان أنا لحد دلوقتِ مقدر حالتك وظروفك وهعمل نفسي مسمعتش حاجة!
أمسكت رأسها المتصدعة وتحملت على عكاز كبريائها: -والله؟ مش مضطر خالص تستحمل جناني على فكرة، وأنا غلطانة إني وثقت فيك، بس للاسف أنت مش أد الثقة دي، وأنا رجعت في كلامي ومش عايزة مساعدة من حد.

تحاشى النظر عنها كي لا يخدشها بنظرته الحادة: -ماهو مش لعب عيال وقت ما تقابلي حاجة مش عاجباكي تقولي هنسحب. مش لاعبة!
تنهدت بحرقة ولمعت عينيها بدموع حزنها، ارتدى حذائه على الفور عندما قطع شجارهم صوت طرق الباب، جففت حياة دموعها بسرعة وتمتمت: -تعالى يا سيدة!
دخلت سيدة بتردد وخطوات متراجعة وغمغمت: -عيني باردة عليكم، أنا لازم ابخر البيت أنتوا والله محسودين.
تأهب عاصي للذهاب مُلقيًا جملته الأخيرة.

-عقليها يا سيدة عشان شكلها نسيت مين هو عاصي دويدار.
غادر عاصي الغُرفة فركضت سيدة نحو حياة وقالت بلهفة: -حصل أيه بس؟ ليه تزعليه كده ما كان حلو وهادي!
تمتمت حياة بغيظ: -أهو ظهر على حقيقته. من بدايتها بيخبي ويكذب وفي الأخر يتعصب ويقلب الترابيزة ويمشي. أنا ليا كلام تاني معاه، أنا أصلا مش عايزة مساعدته ولا عايزة منه حاجة.
رمقتها سيدة بذهول: -ياست حياة أنت بتكلمي نفسك! أنا مش فاهمة حاجة.

زفرت حياة بضيق وجلست على المقعد تقضم في أظافرها بغلٍ: -هو ازاي يخبي عليا حاجة زي كده؟
ربتت سيدة على كتفها بقلة حيلة: -هدي نفسك وروقي، هروح أعمل لك حاجة تشربيها تهديكي.

(بعد مرور يومين)
أتمنى لو كان بإمكاني حرق كل شئٍ حدثَ بيننا، و نعودُ إلى الوراءِ، إلى ما قبل اللقاءِ و لا نلتقي أبدًا.

تجلس عالية أمام مكتبها منغمسة في الرسم الهندسي المُقترح ل تقديمه في المشروع الجديد التابع للكلية تلهو عن مفاوضات قلبها الحزين‏ المنتقل من مرحلة كيفَ السّبيلُ الى وِصالِكَ دُلّنِي‏إلى كيف السبيل إلى نسيانك؟، نزعت نوران نظارتها الطبية واقتربت منها متسائلة بزهق: -سكوتك ده قالقني؟
تركت عالية القلم الرُصاص من يدها: -ليه بس؟ أنا تمام.
-أشك!

ثم وضعت سبابتها على شفتها متسائلة: -الجدع ده اختفى كده مرة واحدة؟
تنهدت عالية بنبرة فاقدة للأمل: -حاسة أني غلطت يا نوران، واديت لنفسي أمل على الفاضي.
-ليه بتقولي كده؟
أكملت بمرارة: -أنا كُنت معاه وفي عصمته، لو كان عايز كان هيخترع مليون حل، أنما مراد حسم قراره خلاص، وأي محاولة مني هتبقى تقليل من كرامتي.
فكرت نوران في كلامها اليأس طويلًا وقالت بنبرة محاولة منها أن تخلق أملًا جديدًا:.

-مش يمكن يطلع عاملنا مفاجأة في الأخر ويردك بس سايبك تاخدي وقتك وكده.
ضحكت عالية باستهزاء ثم أكملت نوران بحماس: -والله زي ما بقول لك، حصلت كتير في المسلسلات العربي والتركي وأغلب الروايات الهابطة اللي شمس كانت تقراها كان يحصل كده.
ابتسمت عالية ابتسامة مزيجًا من القهر والسخرية وقالت: -ده ممكن يحصل لما يكون الزواج شرعي ومتكامل، أما أنا ومراد كُنا في حُكم المخطوبين. روحي ذاكري يا نوران.

تصلبت تعابير وجه نوران للحظات تحاول فهم ما تشير إليه عالية، وفي تلك اللحظة دخلت عبلة لتقطع حديثهم، تحمحمت نوران بخفوت ثم عادت إلى كتابها مرة أخرى تحت ظل نظرات عبلة الانتقاميه وهي تغمغم: -أنا مش عارفة هنخلص من العك ده أمتى.
ثم نظرت لعالية وقالت بصرامة: -عايزاكي.
-خير يا ماما.
تأففت عبلة على طريقة ابنتها العداونية: -أيه الأسلوب اللي بتكلميني بيه ده.
ردت معترضة: -وأنا قلت أيه بس؟

-أف، قومي نروح النادي سوا.
-مش فاضية، عندي مذاكرة وشغل كتير.
غضبت عبلة برفض قاطع: -مفيش الكلام ده، قومي يلا عشان وليد هو كمان جاي مع مامته النادي وفرصة تتعرفوا على بعض.
وقفت عالية كالملدوغة من مكانها: -ماما لو سمحتي، بلاش الطريقة دي ولا الاسلوب ده، سيبيني أركز في دراستي.
انفجرت عبلة في وجهها: -دراستي دراستي! أيه وأنا أم ومن حقي اطمن عليكي مع شخص يستاهلك!

وبختها عالية: -يستاهلني ولا يمشي لكم مصالحكم وشغلكم، وحضرتك لو خايفة عليا صحيح زي ما بتقولي كُنتِ وقفتي جمبي من وقت ما اجبرتوني اتجوز مراد، وكانت ايه النتيجة!
توترت الكلمات في عينيها قبل لسانها: -ده كان موضوع وانتهى، أحنا في دلوقتِ!
-مفيش حاجة انتهت، نفس الغلط بنفس الطريقة بتتكرر، وكله بيحط على دماغي أنا في الآخر. خلاص يا عبلة هانم أنا مش هقبل أكون لعبة في أيديكم تحركوها زي ماانت عايزين!

جحظت عيني عبلة: -أنتِ أزاي بتكلميني كده! اااه ولا هي قعدتك مع بتاعت شُبرا بوظت دماغك، فوقي يا عالية.
-أنا أول مرة أكون فايقة فيها النهاردة، واللي عندي قلته، ومش هسمح لمخلوق تاني يظلمني.
وُضعت عبلة في مأزق ما بين شخصية ابنتها الجديدة والشخصية التي اعتادت أن تقول سمعًا وطاعة. حاولت تهدأ الأمر معها وقالت: -طيب معلش النهاردة وبس، عشان اديت مامته ميعاد. بلاش تخلي شكلي وحش.

أصرت عالية على موقفها: -مشكلتك مش مشكلتي، أنا ما اديتش لحد مواعيد، من فضلك عايزة اذاكر.
رمقتها عبلة بغل: -طيب يا عالية هتشوفي كلام مين فينا اللي هيمشي…

دخل عاصي المكتب على مراد بدون سابق إنذار، في اللحظة التي أخبره حمدي بالاسم كان عاصي واقفًا خلفه كالشبح، سمح مراد لمدير مكتبه بالمغادرة وتعامل بلطف وهو يفارق مكتبه ويتجه نحوه ليُرحب به:
-عاصي بيه دويدار في مكتبي. اتفضل!
رد بصرامة: -مش جاي اضايف يا مراد، هما كلمتين وهمشي.
أشار مراد ناحية الأريكة الجلدية وقال
-مش معقول هتقولهم وأنت واقف كده، تعالى نقعد.

تحرك عاصي بفظاظته وشموخه المعهود وجلس على المقعد الجلدي، سأله مراد: -تشرب أيه؟
-قولت لك مش جاي اضايف.
تفهم مراد الأمر وجلس مقابله قائلًا: -سامعك؟
دخل عاصي بالموضوع بدون مقدمات: -أنتَ وعالية انفصلتوا، فين حقوق أختي كاملة وورقة طلاقها.
أحمر وجه مراد بدماء الضيق وقال مستسلمًا: -أنا عارف أني اتأخرت في الإجراءات لان المحامي مشغول الفترة دي، مع انتهاء عدتها كُل حقوق عالية هتوصلها.

ثم وضح: -أنا مش ناسي، وعارف أيه اللي ليا وأيه اللي عليا.
هز عاصي رأسه متفقًا وأكمل: -جميل! الموضوع التاني، أرض العلمين اللي جمب أرضي و عيني كانت عليها. تروح تتنازل عنها ويبقى عربون صُلح على اللي عملته معانا. وانا هفكر أذا كنت هقبله ولا لا.
عقد مراد بدهشة: -ارض أيه؟ أنا مشترتش أي أرض جمبك في العلمين، أنا أغلب شغلي في اسكندرية.
بد الغضب يتراكض في صوته: -ال 15 فدان يا مراد، مش عايز لف ودوران؟

أكد مراد موقفه: -أنا بقولك أهو مشترتش أي أرض هناك ولا أعرف عنها حاجة؟
عقد عاصي جبينه مندهشة: -أومال مين اللي أخدها؟

تجلس حياة على بار المطبخ بملل، لم تتحمل الوحدة أكثر من ذلك، أحضرت لها سيدة كوب من الحليب الدافئ:
-اشربي دي بس، أنتِ ليكي يومين مفيش لقمة دخلت بطنك.
تريد أن تبكي وبدون سبب واضح، ردت بفتور: -ابعديها عني ياسيدة، ماليش نفس أكل أي حاجة.
راقبتها سيدة بشفقة واقترحت: -طيب ما تجربي تكلمي البيه، يمكن لما تسمعي صوته نفسك تتفتح.

تأففت باختناق: -البيه ده اللي مفكرش يسأل عليا يومين وقافل علينا بالمفتاح، وموقف رجالته تحت العُمارة؟ دا أنا زي اللي عايشة في سجن.
ربتت سيدة على كتفها: -طيب روقي دمك، دانتي شايلة في قلبك ومعبية من البيه، والله طيب ومايستاهل ده كله. طيب اشربي بس اللبن.

يبدو أنها تفتقده بطريقة تجعلها تريد البكاء وتشعرها أن الكون كله غاضب مثلها. والموسيقى حولها مزعجة. والظلام متسلط على حياتها. نسمات الهواءِ تجرح أكثر ما تُطيب، تركت المقعد بفتور: -يوه بقي يا سيدة قُلت لك مش عايزة.
ضربت سيدة كف على الأخر عندما دخلت حياة غرفتها ثم توارت بأحد جوانب المطبخ وأخرجت المفتاح الذي تركه لها عاصي وخبأته بأحد الأدراج متنهدة: -ربنا يهدي سركم…

وصلت هدير إلى شركة هاشم مدكور بعد تلقيها مكالمة هاتفية منه، عندما وصلت إلى شركته، رحبت بها مديرة مكتبه وسمحت لها بالدخول إليه على الفور. بدون تردد دخلت إليه وصافحته فسألها:
-تشربي ايه؟
-قهوة مظبوط.
ابتسم هاشم وأشار لمديرة مكتبه: -اتنين قهوة مظبوط.
انتظر خروج الفتاة حتى قال مرحبًا: -أنا مش مصدق نفسي؟ المدير الإعلامي لشركات دويدار قاعدة قُدامي!

وضعت هدير ساق فوق الأخرى: -أقدر أعرف حضرتك عايز أي من المدير الإعلامي لشركات دويدار!
فارق مقعده وانتقل ليجلس بجوارها بعد ما قدم لها سيجارة وقالت: -مابدخنش…
اشعل هاشم سيجارته وأكمل: -شغل ومصلحة لينا كُلنا؟
-افهم،؟
-أنا عارف علاقتك بعاصي مش الطف حاجة.
قاطعته بحدة: -حاجة متخصكش.

-اسمعيني للأخر، أحنا الاتنين هدفنا عاصي دويدار. وأنت هنا عشان تساعديني في ده، عاصي لو كمل زي ما هو هيكون الولد اللي هيقُش السوق كله وأحنا نقضيها دومنة في بيوتنا.
وثبت هدير قائمة ومعارضة: -مهما كانت الخلافات بيني وبين عاصي، الشغل بعيد كل البعد عن كل ده، اسفة يا هاشم بيه، بس مشكلتي مع عاصي ما تخصش حد غيري. وحوار أن عاصي ياكل منك السوق ده يتوقف على مدى شطارتك. بعد اذنك.

وقف أمامها ليعيق طريقها قائلًا: -استني، كلامنا مخلصش…

ركل باب غُرفة عبلة بقدمه ودخل عليها كالعاصفة، قفلت عبلة مكالمتها مع فريد وهتفت معترضة:
-أيه ده؟ أنت مالك وأي الطريقة؟
أشار بسبابته محذرًا: -أنا المفروض أقول لك كام مرة شيلي عالية من دماغك.
ارتخت ملامحها المشدوهة إلى أخرى معترضة: -مالكش فيه، بنتي وأجوزها على مزاجي، زي ما أنت كمان بتعمل كل اللي يجي على مزاجك.

كور قبضة يده بغضب حتى برزت عروقه وجهر: -قولتلك شيلي عالية من دماغك، كفاية اللي حصلها من ورا جوازها من مراد؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتحدٍ: -تمام، فكنا من عالية، تتجوز أنت وئام أخت وليد! ونطلع من العيلة دي بأي مصلحة!
-أنتِ مصنوعة من أيه؟ قاعدة بس تقولي مين يتجوز مين والمهم المصلحة! أنت مشبعتيش!

كانت كلماته تنافس الرعد في قوتها، فلم تكن كلماته مجرد غضب بل كل عبارة عن تراكمات. لم يرعبها اندفاعه بقدر ما حرك بنفسها أسلحة الحرب، وقفت أمامه متحدية:
-وأنت شبعت! رد عليا أنت شبعت من الامبراطورية اللي عايش فيها! طول عمرك ماشي بمبدأ البحر يحب الزيادة، والدليل أهو أنك لسه واقف قُدامي بشخصية عاصي دويدار. عاصي اللي أنا عملته.
-انتِ عملتي نفسك قبل أي حاجة. ومش وقته نقلب في دفاتر هتحرقك أنتِ أول واحدة.

ثم أشار بسبابته متوعدًا: -اللي عملتيه فيا مش هسمح لك تعمليه مع عالية. ابعدي عن أختي وده أخر تحذير ليكي.
غلت النيران بعروقها فقذفته قائلة بصدى كلمة وصلت إلى آذان كريم الذي يستمع إليهم من وراء الباب:
-مش أختك، ومتعشش الدور عليا، هي بنت عبلة المحلاوي وشهاب دويدار بنت الحسب والنسب، أما أنت ابن تحية الخياطة وعبدالعظيم الجنايني. فوق، فوق بدل ما افوقك بطريقتي.

تحولت نيرانه المشتعلة إلى جمر يحترق بداخله، انخفضت نبرة صوته وقال بنبرة أخافتها:
-كنت متأكد أن اليوم ده هيجي، خليكي فاكرة أنتِ اللي ابتديتي.
كانت هذه آخر جُملة قالها عاصي قبل ما يُغادر غرفتها، أحس كريم خطواته فتوارى خلف الجدار، سار عاصي بشظايا غضبه مُناديًا على أحد الخادمات وأمرها بتجهيز بناته وضب حقائبهم على الفور…

-في حاجة غريبة بره، عاصي متعصب وواضح أنه اتخانق مع مامته، ده حتى هياخد بناته من البيت ويمشي.
أردفت شمس جملتها الاخيرة بعد ما قفلت الباب بحرصٍ شديد وبيدها مائدة العشاء، وضعتها على الطاولة الصغيرة فقال تميم متعجبًا:
-ماله عاصي! لو سمحتي يا شمس هاتي الموبايل أكلمه.
تدخلت ناصحة: -بلاش دلوقتِ لان واضح الحوار كبير، استنى يهدى وافهم منه.
غمغم بشكٍ: -دي أول مرة يعملها، هياخد بناته ويروح فين طيب!

أخرجت شمس بشكير من الخزانة وبسطته على رجليه وقالت: -مش عارفة، شكله مكنش يطمن بالمرة.
في تلك اللحظة جاء صوت رنين هاتفه، ركضت شمس وأحضرته، رد تميم بعجل: -طمني أيه الأخبار؟
رد المتصل: -تميم بيه، سبب الوفاة جرعة أنسولين زيادة.
-تمام. شكرا لتعبك يا حضرة الظابط.
رمقته شمس بتحير: -خير يا تميم.
رد بحزن وخيم: -عم حسين، اتوفى بسبب جرعة أنسولين زيادة. ده اللي اتكتب في التقرير الطبي.

تسربت براثين الشك إلى رأسها وقالت بشكٍ: -مش عارفة. ممكن يكون صح، بس قلبي مش مطمن معرفش ليه!
أيد شعورها قائلًا: -وأنا كمان، حاسس بكدة.
سبحت شمس في تفكيرها وغمغمت: -تفتكر يكون في علاقة بين الموضوعين! خناقة عاصي مع أمه. ووفاة عم حسين!
-لا مظنش، الموضوع كبير ومقلق!
مرت دقائق من الصمت حتى قطعته شمس لتلطف الأجواء: -طيب أيه مش هناكل!

علي حدى ؛ ركضت جيهان إلى أختها متسائلة: -في أيه يا عبلة؟ عاصي واخد بناته ورايح فين؟
تحججت عبلة قائلة: -مفيش، شدينا بس عشان موضوع طلاقه من هدير، أنتِ عارفة أنا مكنتش عايزة ده يحصل بس هنعمل أيه؟
ثم حدجتها بخبث: -هي هدير لسه حامل ولا دي مسرحية خايبة منها؟

وصل عاصي برفقة بناته إلى الشقة التي تعيش بها حياة، ترك البواب الحقائب لسيدة لتدخلهم، هتفت تاليا بحماس: -أنطي حياة فين؟
ردت سيدة: -جوة في أوضتها. ادخلولها يلا دي هتفرح أوي.
هتف عاصي بكلل: -دخلي الشنط يا سيدة.
سألته سيدة بفضول: -هما البنات هيقعدوا معاكم هنا!
رمى جسده بتعب على الأريكة: -ايوة يا سيدة.
-خير والقصر ماله؟ هو حصل أيه يا عاصي بيه.؟

أغمض عينيه بفتور وجهر: -سيدة دماغي هتنفجر، مش متحمل كلام زيادة.
بلعت سيدة ما تبقى في حلقها من كلماتٍ فضولية، ولكنها لم تتوقف عن الثرثرة بعد، دنت منه قائلة بتخابث: -الست حياة ليها يومين محطتش لُقمة في بؤها، وحالها يصعب على الكافر.
التفت إليها باهتمام: -ليه مالها؟
-أنت لحقت تنسى يا بني؟ ما أنت سايب البنت تضرب أخماس ف أسداس وتكلم نفسها حتى ما هان عليك تطيب خاطرها.

اعتدل في جلسته وأخذ يلوم نفسه بسبب انشغاله عنها الفترة الماضية وقال متعجبًا: -هي لسه زعلانة من وقتها! دا أنا نسيت!
غمزت سيدة بعينها: -والعاشق ينسى ازاي. شوف هتصالحها ازاي بقا لانها على أخرها.
بالغرفة
تناست حياة همومها قليلًا وهي تمازح الفتيات ويتبادلن الحديث، دخل عاصي يحك ذقنه لا يعرف من أين سيبدأ، تحمحم بخفوت وسألها بحاجبيه المنعقدة:
-عاملة أيه!
حدجته بضيق: -بخير.

أخذ يلف في الغرفة بدون مقصد يستمع لتحاورها مع صغاره حتى اقترح عليهم: -أيه رأيكم تيجوا نتعشى بره؟
هلل الصغار بمرح وهتفا بصوت واحد: -yes.
حدجها بعينيه المُتلصصة، فتحاشت النظر عنه. جلس مقابلها وسألها: -أيه رأيك؟
هزت كتفيها مرتدية وشاح التجاهل: -أنا! وانا مالي.
-مالك أزاي؟ أكيد مش هنخرج لوحدنا يعني.
تبادلت الثنائي النظرات حتى قطعتهم داليا: -أيه ده! مش هينفع نخرج من غيرك يا أنطي.

مال عاصي على أذان صغيرته طالبًا: -استوني بره وأنا هقنعها.
نفذت الصغيرة الأمر في الحال وهي تمسك بيد أختها التي هتفت: -اقنعها بسرعة يابابي عشان أنا جعانة أوي.
-دعواتك بالتساهيل، خدوا الباب وراكم.
مُجرد ما انغلق عليهم الباب فارقت مكانها بسرعة معلنة عليه الهرب، أمسك بكفها قائلًا: -على فين؟
نهرته: -مالكش فيه.
-أيه الوش ده بقا؟

ثم وثب قائمًا ليقف أمامها وأكمل: -عارف أنك زعلانة مني. وحقك، قوليلي أيه يراضيكي وأعمله.
سحب كفها من قبضته وقالت بحدة: -مش عايزة حاجة.
مسك ذقنها ورفع وجهه إليه برفق وقال: -بس أنا عايز. عايز أشوف ضحكتك، وحشتني أوي.
ثم عاد ليمسك كفيها مرة أخرى وقال: -غيابي كان غصب عني والله، بس مكنتش أعرف أن قلبك أسود كده.
تحاشت النظر إليه: -وأنا مالي.
دنى منها خطوة سُلحفية وقال: -مش بتاكلي ليه؟

-أنت بتتعامل عادي كأن مفيش حاجة حصلت؟
خرجت حياة عن صمتها وسنت أنياب العتاب التي تلاقاها بلطفٍ: -وكان أيه اللي حصل!
ابتعدت عنه بضيق: -كمان!
اتبع خُطاها بهدوء وقال: -شوفي يا حياة، يمكن لسه معرفتيش طبعي، أنا ما بحبش العتاب، واللي فات مات بالنسبة لي، ولو هنقف لبعض على الواحدة يبقى حياتنا كلها هتبقى مشاكل.
وبخته قائلة: -وهروبك حل!
-عشان لو بقيت أكتر كنا أحنا الاتنين هنزعل بعض.

ردت ساخرة: -ااه تختفي يومين ولا كأني في بني أدمة محبوسة بين أربع حيطان!
اقترب منها أكثر أخذ يداعب شعرها من الخلف الذي اشتاق له كثيرًا وقال بمزاحٍ: -وأنت متعصبة عشان وحشتك ولا سبتك ومشيت.؟
كانت للجملة وقع أقوى من السيف على قلبها خاصة عندما جاء ممزوجًا بلمساته الساحرة التي تعرف ما تفعله جيدًا. حسمت أمرها الحائر معه في طوى صفحات الحديث:
-عايزة أنام.
-وأنا مش عايز.
-حل مشكلتك بنفسك بقا.

كادت أن تخطو خطوة فأوقفها مستخدمًا سلاحًا جديدًا: -طيب أنا مزعلك وأستاهل كل اللي يجرالي، أيه ذنب الأبرياء اللي بره.
رمقته بتوجس تخفي وراءه ابتسامتها على طريقته التي يحاول إقناعها بها، اقترب منها وقبل كفيها متأملًا أن تعفو عنه حتى قالت: -تمام عشان خاطر البنات بس. لكن مشكلتي معاك مخلصتش.
عقد حاجبيه متعجبًا: -قلبك أسود أوي.
شدت كفيها من يديه معترضة: -تؤ.

-تؤ ايه بس. روحي البسي يلا ولما نرجع وعد مني هنكمل خناق للصبح.
-بتاخدني على أد عقلي؟
في تلك اللحظة رن هاتفه فظهر اسم يسري، رد عليه بلهفة كمن ينتظر خبرًا يهمه: -عملت أيه؟
خرج يسري من المستودع المُظلم وقال: -قاسم صفوان تحت أيدي دلوقتِ. تحب نخلص عليه.
هتف بحماس: -لا يا يسري، أنا جايله.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *