التخطي إلى المحتوى

 رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل الحادي وعشرون والثانى وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون  بقلم مريم غريب 


رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل الحادي وعشرون والثانى وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون  بقلم مريم غريب 

( 21 )

_ جنون ! _

في السادسة مساءً … تعود “سمر” إلي بيتها أخيرا

تفتح باب شقتها و تدخل ، لتري “فادي” يجوب الصالة ذهابا و إيابا

بدا أنه كان ينتظرها منذ وقت طويل ، و كعادته كان ثائر و قلق إلي أقصي حد ..

-كنتي فين يا سمر ؟ .. صاح “فادي” بتساؤل حين لمحها و هي تدخل من باب الشقة

بينما أغلقت “سمر” الباب و هي تتحاشي النظر إلي عيناه ، تخشي أن يعرف ما حدث لو طل في وجهها فقط

و لكن لا مفر ، يجب أن تواجهه ..

إستعادت رباطة جأشها و إلتفتت إليه ، ثم أجابت بإبتسامة بسيطة :

-إيه يا حبيبي مالك ؟ عصبي كده ليه بس ؟!

فادي بعصبية ممزوجة بالدهشة :

-بتسأليني عصبي كده ليه ؟ يعني أنا سايبك تعبانة و في السرير أجي ألاقيكي مش موجودة و بتصل بيكي مابترديش . عايزاني أبقي عامل إزاي !!!

سمر بلطف :

-طيب إهدا . ماحصلش حاجة و أنا كويسة قدامك أهو . كل الحكاية بس إني حسيت بخنقة فقلت أنزل إتمشي علي البحر شوية.

فادي بخشونة :

-و ماكنتيش بتردي علي موبايلك ليه ؟ إتصلت بيكي ميت مرة.

سمر ببراءة و هي تخرج هاتفهها من الحقيبة :

-ماسمعتوش و الله ! ما انت عارف الدوشة علي الكورنيش بتبقي عاملة إزاي.

و تظاهرت بتفحص الهاتف ، ثم قالت بأسف :

-آااه صحيح ! ده إنت إتصلت كتير أوي .. معلش يا حبيبي حقك عليا . بعد كده قبل ما أخرج أو أروح في أي حتة هبقي أتصل أقولك علطول.

أشاح “فادي” عنها و نظر في الجهة الأخري معبرا عن ضيقه ..

لتسرع هي و تقوم بالتمويه عن النقاش قائلة :

-بالمناسبة بقي و قبل ما أنسي .. أنا بكره هاروح أبات مع ملك في العيادة.

عاود “فادي” النظر إليها في الحال و قال بخوف :

-ليه ؟ هي مالها ؟ حصلها حاجة ؟؟؟

-لأ يا حبيبي إطمن هي كويسة . بس وحشتني أوي . مش متعودة تبعد عن حضني المدة دي كلها !

إبتسم “فادي” بحنان ، ثم إقترب من أخته و ربت علي كتفها برفق قائلا :

-إن شاء الله هتخف و هترجعلنا . أنا كمان وحشتني أوووي . لولا الإمتحانات بس كان زماني أنا إللي معاها كل يوم و لا كنت سيبتها أبدا.

سمر بإبتسامة حزينة :

-خلاص . هانت فاضل إسبوع . ربنا يعديه علي خير .. ثم قالت بإسلوبها الدبلوماسي :

-خلاص بقي أديك عرفت أهو أنا هبقي فين بكره . و ماتقلقش يا سيدي قبل ما أمشي هكون محضرالك غداك و عشاك و بإذن الله تاني يوم الصبح هتلاقيني رجعت.

فادي بإستغراب :

-طيب و شغلك ؟ هتبطلي تروحي و لا إيه ؟!

-لأ طبعا يا فادي هاروح . أنا كلمت عثمان بيه و إتفقنا هرجع كمان يومين كده.

أومأ “فادي” بتفهم ، ثم قال بإبتسامة :

-ماشي يا سمر . إبقي بوسيلي لوكا جامد بقي و إبقي إتصلي بيا كمان عشان تطمنيني عليكي و عليها.

سمر بإبتسامة مماثلة :

-حاضر يا حبيبي . و إنت كمان إبقي إتصل بيا لو إتزنقت في أي حاجة هنا . لو عوزت تعمل حاجة معينة يعني .. إبقي كلمني.

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في سيارة “عثمان” … يفتتح “مراد” حديثا معه أثناء القيادة

مراد بإبتسامة تهكمية :

-يعني عدوا اليومين بتوع الرهان يا خويا و محدش عارفلك حاجة ! ماقولتليش يعني عملت إيه ؟!

إلتوي ثغر “عثمان” بإبتسامة خبيثة و هو يجيبه و في نفس الوقت يركز علي الطريق أمامه :

-و الله شكلها زي ما قلت يا صاحبي.

مراد و قد تلاشت إبتسامته :

-مش فاهم قصدك إيه ؟ فشلت معاها يعني ؟!

عثمان بغموض :

-يعني .. تقريبا !

-يعني إيه تقريبا ؟ .. تساءل “مراد” بشئ من الإنفعال ، و تابع :

-قولي إيه إللي حصل.

عثمان بفتور :

-ماحصلش حاجة يا مراد . ماوصلناش لحاجة مع بعض لسا.

مراد بفضول :

-يعني كلمتها و لا لأ ؟!

تأفف “عثمان” بضيق و قال :

-يا أخي زهقتني . لو كان حصل حاجة كنت قولتلك إخرس بقي.

تنهد مراد بسرور حقيقي ، ثم قال :

-ماعندكش فكرة أنا فرحان فيك إزاي يا صاحبي . أول مرة تخسر رهان.

تجاهل”عثمان” عبارته تماما و إكتفي فقط برسم إبتسامة شيطانية غير مرئية علي فمه ..

-حقيقي فرحان فيك .. قالها “مراد” بمرح و هو يبتسم بشدة ، ليرد “عثمان” بسخرية :

-إفرح ياخويا .. مرة من نفسك !

و مرت بضعة دقائق أخري … حتي وصلا إلي المشفي

صعدا سويا إلي جناح “صالح” ليطرق “عثمان” الباب و يلج أولا ..

كانت الممرضة بالداخل تعطي لـ”صالح” جرعة دوائه ، بينما هو يتمنع و يظهر لها إسلوبا عدائيا ، لكنها تعاملت معه بحزم حتي نجحت في مهمتها ..

-بــــــس . شفت حضرتك خلصنا بسرعة إزاي ؟ لازم تتعبني كل مرة و خلاص يعني ؟! .. قالت الممرضة بعتاب ، ليأتي “عثمان” من خلفها و هو يقول :

-إيه يا صلَّوحي ! لازم تتعب الـNurse معاك كل مرة ؟ مايصحش كده يا أخي عيب .. ثم أكمل مخاطبا الفتاة :

-إحنا آسفين أوي يا أنسة . بس هو صالح كده متعود علي الدلع من و هو صغير . إستحمليه معلش و سايسيه بالراحة هتلاقيه بقي علي أد إيدك زي البيبي بالظبط.

كانت لهجته مرحة ساخرة ، فحدجته الممرضة بإبتسامة صفراء قائلة :

-إممم لأ ماتقلقش يافندم . إحنا هنا موجودين عشان ندلع النزلا طبعا مش عشان نعالجهم .. ثم تجهمت فجأة و أردفت بصرامة :

-عن أذنكوا ورايا عيانين.

إشتدت عضلات فك “مراد” و هو يداري إبتسامة و يقاوم ضحكة كبيرة في نفس الوقت ، إلي أن خرجت الفتاة ..

إنفجر ضاحكا و هو يقول :

-يخرب عقلك يا عثمان . سحلت البت بكلمتين . آاااخ وحشتني أيام الشقاوة دي !

ضحك “عثمان” بخفة ، ثم إلتفت إلي “صالح” و قال :

-إيه يابن عمي ! أخبارك إيه ؟؟

-إيه إللي جابك يا عثمان ؟ .. قالها “صالح” بجفاء و هو ينظر أمامه مباشرةً متجنبا النظر نحو ضيفيه

تظاهر ” عثمان” بعدم ملاحظة إسلوبه ، و قال بدهشة :

-إيه المقابلة البطالة دي ؟ المستشفي دي بهتت عليك و لا إيه ؟ ده بدل ما تقولي إتفضل ليك وشحة يابن عمي !

صمت “صالح” و لم يرد ..

فسحب “عثمان” كرسي و جلس بجواره ، ثم قال :

-إيه يابني .. مالك ؟

صمت أخر ، ليزفر “عثمان” بضجر قائلا :

-مش عايز تتعالج ليه يا صالح ؟ .. رد عليا ؟ مش عايز تتعالج ليه ؟ إيه إللي إنت عايز تثبته بالظبط … ثم صرخ فيه :

-رددد عليــــــــــــــا !

-عايزني أقولك إيه ؟ .. صاح “صالح” بعصبية ، و تابع :

-عايزني أقولك إنك إنت السبب في إللي حصلي ؟ عايزني أقولك إني مش هعرف أقف علي رجليا تاني بسببك ؟ عايزني أقولك إن حياتي شبه إنتهت و حياتك إنت مكملة عادي ؟ .. ده إنت يا أخي ما سألتش فيا من يوم دخلت الهبابة دي . حتي زيارتك إللي فاتت . عملتها تقضية واجب و مشيت و من ساعتها ماشوفتكش . كأنك بتقولي إنت مش مهم أنا أهم منك . و صحيح عندك حق . ما حظك إنك إبن يحيى البحيري الوريث الكبير للعيلة و إللي بيتحكم في كل حاجة حتي في أخوه و ولاده . سافر يا رفعت . يسافر رفعت . خد هالة معاك و سيب صالح يا رفعت . ياخد هالة معاه و يسيب صالح . صالح ماينفعش لصفية دول ولاد عم و بس و بعد فيييين و فين يتكرم يحيى باشا و يوافق علي الخطوبة . بس أنا بقي إللي مابقتش عايز . أنا إللي فسخت الخطوبة قبل ما يعملها هو و لما هخرج من هنا مش هستني أبويا يشوف صرفة مع أخوه . أنا إللي هقفلكوا كلكوا . بس مش علي رجلي يابن عمي.

كان “عثمان” يستمع إليه بصدمة كبيرة … حتي إنتهي ..

هب من مكانه فجأة و هو يقول بصرامة شديدة :

-أنا مقدر الحالة إللي إنت فيها . و رغم إنك زودتها شوية بس هعذرك .. إنت يعتبر مش في وعيك . عشان كده أنا هسيبك دلوقتي . و بعدين هبقي أجي أشوفك .. يكون عقلك إتردلك ساعتها.

ثم إستدار و غادر بخطوات ثابتة دون أن يضيف حرفا أخر

ليتبعه “مراد” الذي صـُدم بدوره من أقوال “صالح” و بدون أن يفه بكلمة هو أيضا …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في قصر آل “بحيري” … يقوم “رفعت” بجولة روتينية مارا بالطوابق و ما بينها

ليري زوجة أخيه تجلس بالشرفة الواسعة فوق الأرجوحة الساكنة ، بدت و كأنها شاردة في صفحة الليل الحالكة المرصعة بالنجوم المتلآلئة ..

إبتسم “رفعت” و مشي ناحيتها بحذر ، ثم جاء من خلفها و بدأ يدفع بالأرجوحة بصورة مفاجئة

شهقت “فريال” بذعر في بادئ الأمر ، لكنها نظرت ورائها و إكتشفت من الفاعل ..

-رفعت ! .. هتفت “فريال” و هي تبتسم برقتها المعهودة ، ليرد الأخير :

-مساء الخير يا فريال.

-مساء النور يا رفعت . إيه إنت خارج و لا إيه ؟!

رفعت و هو يعاين جمالها بإعجاب ظاهر :

-لا أبدا مش خارج . أنا كنت بتمشي في البيت بس . عادي .. ثم سألها :

-يحيى ماكلمكيش ؟

-كلمني من شوية.

-وصل بالسلامة يعني ؟!

-أه الحمدلله . و وصل للأوتيل كمان.

-كويس !

و أخذ يرمقها بنظرات مطولة غامضة ..

توترت “فريال” حين لاحظت هذا ، فقامت و هي تقول بإرتباك :

-طيب آا أنا هـ هطلع علي الأوضة . عن أذنك.

و تعثرت رغما عنها و هي تخطو بمحاذته ..

ليسرع هو و يسندها بذراعيه صائحا :

-حسبي يا فريال.

-آه . أنا آسفة ! .. قالتها “فريال” بحرج شديد و هي تحاول أن تتوازن بلا جدوي

بينما ضحك “رفعت” و قد كان يمسكها بإحكام ..

-طيب إصبري هسندك . إنتي كده إللي بتوقعي نفسك و هتوقعيني معاكي.

فريال بتوتر :

-آسفة يا رفعت.

و بعد لحظة كانت تقف معتدلة تماما ، بينما لا يزال يطوقها “رفعت” بذراعيه و يرفض إطلاق سراحها ..

حاولت “فريال” التصرف بشكل متحضر ، فإبتسمت بتكلف و هي تقول :

-رفعت ! فـ في حاجة ؟ .. يعني لو تمسح تعديني بس .. و لا إيه !!

غامت عيناه من شدة تحديقه فيها بتركيز قوي ، لكنه تكلم أخيرا ..

رفعت و هو يشدد قبضته حولها :

-فريال .. أنا بحبــــــــــــــــــك !

توسعت عيناها و جحظتا من الصدمة ..

لتتصرف بعنف بعد هذا فورا و تدفعه عنها بمنتهي القوة و هي تصيح :

-إنت بتقول إيـــــــه ؟ إنت مجنووووووون !!!

رفعت و هو يرمقها بغضب شديد :

-لأ أنا مش مجنون . أنا أخيرا بقولك الحقيقة . أنا بحبك يا فريال . بحبك و من زمان أوي من قبل ما تقابلي أخويا و تتجوزيه . هو . هو إللي خدك مني زي ما طول عمره بياخد مني كل حاجة . إنتي المفروض تكوني مراتي أنا . إنتي من حقي أنا . أنا يا فريال لازم تعرفي ده كويس.

غطت فمها المفتوح بكفها ، و لم تنتظر لتسمع المزيد ..

ركضت من أمامه فورا و هربت إلي غرفتها

أقفلت الباب بالمفتاح و هي تشعر بقلبها يكاد يقفز من بين ضلوعها من شدة خفقانه ، ثم تداعت فوق أقرب آريكة و هي تلهث بقوة

و كم تمنت لو كان ذلك مجرد حلم .. و لكن لا ، كان حقيقي و كلماته ما زالت تدوي بأذنيها بصخب و إلحاح شديد

بحق الله ، أي شيطان دفعه لقول هذا ؟؟؟

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

صباح يوم جديد … إستيقظت “سمر” من نوم متقطع مليئ بالكوابيس و الأحلام المزعجة

أولا إنتهت من إعداد طعام اليوم كله لـ”فادي” ثم تناولت هي وجبة خفيفة ، و ليتها أكلت جيدا ..

شهيتها مفقودة تجاه كل شئ ، لا تفكر سوي في موعدها معه بعد قليل

ذهبت “سمر” لتغتسل ، ثم عادت إلي غرفتها و إرتدت ملابسها ..

لم تهتم بإختيار ثوب معين ، و لكنها حرصت ألا يكون مميز أو ملفت

لا تريده أن يغتر بنفسه و يعتقد أنها مسرورة بما حدث البارحة أو بما سيحدث اليوم ، يجب أن يدرك أنها مرغمة علي فعل هذا و أن الخيار لو كان متاحا لها لما رضخت لإرادته أبدا ..

إنتهت “سمر” من تجهيز نفسها ، و أخر شئ

فتحت حقيبتها و تأكدت من وجود ورقة الزواج الخاصة بها و التي مضت عليها بنفسها .. بكامل إرادتها و بدون أي ضغط منه تماما كما قال

إبتسمت بسخرية مريرة و هي تطوي الورقة بكفها ، لكنها عادت و دستها بمكانها مرة أخري

ثم أخذت نفسا عميقا و إستعدت للرحيل !!!!!

يتبــــــع …

( 22 )

_ قصر عائم ! _

تحت نهار شتوي ساطع … تخرج “سمر” من بيتها ، يداهمها خوف غريب من مواجهة الجمهور

تشعر أن كل من سينظر لها و هي تسير سيعرف بالحقيقة .. إلي أين هي ذاهبة ؟ ماذا فعلت ؟ و ماذا ستفعل ؟ .. الجميع سيدري بالجريمة التي إرتكبتها !!!

ضمت ياقتي ردائها الصوفي حول عنقها و هي تشعر بإرتجافة في جسدها بسبب التوتر لا البرد الذي يغلف الأجواء

و بينما هي تمر من أمام محل الجزارة ، سمعته ينادي بإسمها ..

-أنسة سمر !

إلتفتت “سمر” إلي الصوت المألوف ، لتجده “خميس” يبتسم و هو يهرول صوبها بسرعة ..

-إصباح الخير يا أنسة سمر .. قالها “خميس” بنيرة تزخر باللهفة و السرور

لترد “سمر” بصرامة ممزوجة بالجفاء :

-صباح الخير يا خميس . نعم عايز حاجة ؟؟

أجفل “خميس” و هو يجيبها بإرتباك واضح :

-آا لأ مـ مش عايز . أنا بس كنت حابب أتأسف علي إللي حصل بيني و بين الأستاذ فادي . أنا ماكنش قصدي أتعارك معاه و الله بـ آاا ..

-حصل خير يا خميس .. قاطعته “سمر” بجمود ، ثم قالت بإقتضاب :

-أنا لازم أمشي دلوقتي . عن إذنك.

خميس و هو يرمقها بحزن :

-إتفضلي !

مشت من أمامه مسرعة ، بينما وقف بمكانه يتابعها بعيناه في تخاذل حتي توارت تماما ..

-بردو مش هزهق يا سمر .. تمتم “خميس” لنفسه ، و أكمل بإصرار :

-أنا بحبك . طول عمري بحبك و محدش هيقدر ياخدك مني أبدا !

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في قصر آل”بحيري” … يستيقظ “مراد” من نومه و ينزل للأسفل فلا يجد أحد من أهل البيت و مائدة الفطور فارغة بصورة غير إعتيادية

يهز كتفاه بعدم إكتراث ، ثم يتجه إلي غرفة “عثمان” و يدخل دون أذن كعادته

ليجده في غرفة الثياب خاصته يقوم بإعداد حقيبة صغيرة بعد أن إنتهي من إرتداء ملابس عصرية جدا مؤلفة من كـِـنزة صوفية بيضاء ، و سروال من الچينز القاتم ، و حذاء جلدي ذو رقبة أسود اللون من العلامة التجارية Geox ..

أطلق “مراد” صفيرا عاليا و هو يقترب منه و يقول بدعابة :

-إيه الشياكة إللي علي الصبح دي يا جدعان ! أكيد مش ممكن تكون رايح الشركة باللبس الشبابي ده يا چان عصرك . أومال فين البدلة يا عم ؟ و إيه الشنطة دي ؟!

حدجه “عثمان” بنظرة جانبية و هو يقول :

-من الذوق و الأدب إنك تستآذن قبل ما تدخل علي حد أوضته . يا قليل الأدب.

مراد بسخرية :

-يابني أنا الأدب ده معداش من جمبي أصلا ! .. ثم سأله بفضول :

-المهم قولي . رايح فين كده و واخد معاك شنطة هدومك ؟!

عثمان بفتور :

-و إنت مالك يا مراد ؟ إنت مالك أنا رايح فين ! .. ثم أبعده من أمامه بيده و توجه نحو ركن الزينة الخاص به

-لا ياخويا مانا زنان و مش هاسيبك إلا أما تقولي علي فين العزم كده ؟

تآفف “عثمان” بضجر و هو يختار نظارة من مجموعة نظاراته الشمسية الفاخرة ، ثم قال بضيق شديد :

-طيب يا زنان هقولك بس بمزاجي .. هغيب يومين كده و راجع تاني إن شاء الله.

-مسافر يعني ؟!

عثمان و هو ينتقل لقسم العطور الثمينة :

-لأ مش مسافر . و كفاية عليك كده . ماتسألش تاني خلاص.

مراد بشك :

-شكلك رايح تعمل مصيبة ما يعلم بيها إلا ربنا.

ضحك “عثمان” و هو يأخذ من درج العطور قنينة الـJimmy Choo ، ثم قال و هو يرش منها بغزارة :

-بذمتك يا شيخ . ده شكل واحد رايح يعمل مصيبة ؟

-ما هي بتبدأ كده.

-و بعدين !

-و بعدين بضلم بعيد عنك.

إنفجر “عثمان” في الضحك أكثر و قال :

-لأ ماتقلقش ياخويا . مش هضلم . مش هضلم خآاالص .. ثم سأله بجدية :

-صحيح إنت كنت جاي عايز إيه ؟ في حاجة ؟ مش عوايدك تصحي بدري !

مراد بجدية مماثلة :

-أبدا كنت جاي أشوفك عامل إيه ! مانا سايبك إمبارح و إنت في حالة مش حلوة خالص . كلام صالح يضايق أنا عارف . و أنا شخصيا إتفاجئت بيه زيك بالظبط.

تنهد “عثمان” ثم إستدار ليواجهه و هو يقول بعدم إهتمام :

-أنا مش زعلان منه . هو معذور بردو إللي حصله مش قليل . و عموما أنا عارف إنه مايقصدش و هي فترة صعبة عليه و هتمر و في الأخر هيوافق يتعالج.

ثم إتجه نحو حقيبته الصغيرة قبل أن يفتتح “مراد” حديثا أخر و يؤخره عن ميعاده ..

حملها علي كتفه ، ثم قال بإبتسامة مفعمة بالحماسة الملتهبة :

-أوووك يا صاحبي ! بــــــــاي بقي و إلي اللقآااااااء.

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في المركز الطبي الخاص حيث تتلقي “ملك” العلاج هناك … تصل “سمر” و تمر علي مكتب الطبيب أولا

-أنا آسفة جدا علي التأخير .. قالتها “سمر” بإعتذار ، ثم سلمته مظروف ضخم و هي تكمل :

-إتفضل حضرتك . ده حساب الأيام إللي فاتت و معاه باقي حساب الأسبوع إللي فاضل.

الطبيب مبتسما بنفاق :

-أنا إللي آسف إذا تعبتك أو أزعجتك يا أنسة سمر . بس أكيد حضرتك عارفة دي حاجة غصب عني . الإمكانيات هنا مكلفة أووي و كل يوم ببعت أطلب من برا معدات جديدة و آدوية كمان.

سمر بإبتسامة مصطنعة :

-و لا يهمك يا دكتور . أنا فاهمة . و في الأخر ده حقك و لازم تاخده .. ثم إنتقلت للحديث عن أختها :

-و ملك عاملة إيه دلوقتي ؟ حالتها إزيها ؟!

-لا حضرتك الحمدلله . حالتها مستقرة أوي لحد دلوقتي و أحرزنا تقدم كبير معاها . بس أكيد علي أخر الإسبوع لما تنتهي جلسات العلاج هتتحسن أكتر و أكتر و يمكن تروح معاكي كمان.

تنهدت “سمر” براحة شديدة و قالت :

-الحمدلله . ربنا يكمل شفاها علي خير .. ثم أردفت بتساؤل :

-طيب أنا ممكن أشوفها ؟

الطبيب برحابة :

-أه طبعا ممكن . إتفضلي معايا .. و واكبها لغرفة الحضــَّانات المليئة بالعديد من الأطفال الذين يعانون مما تعاني منه “ملك”

دخلت “سمر” خلف الطبيب و راحت تبحث عن أختها

وجدتها أخيرا في المنتصف ، كانت راقدة في سريرها الصغير المغطي بغلاف زجاجي شفاف موصل ببعض الأنابيب البلاستيكية ..

-هي نايمة علطول ؟ .. تساءلت “سمر” و الدموع تترقرق بعينيها ، ليجيب الطبيب بنبرته الهادئة :

-لأ طبعا . بتصحي و بتاكل و بتشرب عادي جدا . بس الممرضة لسا مأكلاها و منضفاها عشان كده نامت.

نظرت “سمر” إلي وجه شقيقتها المستدير ، و تأملت بفرحة خديها البارزين المخضبين بالحمرة ..

و كم أرادت أن تحملها في هذه اللحظة و تضمها بقوة إلي صدرها ثم تبكي بعد ذلك ، و لكنها تماسكت و طردت شعور الوهن قبل أن يطغي عليها كليا و يجعلها تنهار 

ليأتي صوت الطبيب في اللحظة المناسبة تماما :

-علي فكرة طلعلها سنتين من فوق . تعبتنا أوي الأيام إللي فاتت و ماكنتش بتنيم حد خااالص.

نظرت “سمر” له و هي تقول بإبتسامة حزينة :

-بجد ؟ .. أكيد نفسي أشوفهم . حبيبتي وحشتني أووي !

و هنا دق هاتفهها ..

لتتجهم فجأة و كأنه ناقوس الموت هو الذي يدق معلنا عن حلول موعد إعدامها ، أو بالأحري موعد إعدام براءتها ، شرفها ، مبادئها ، أخلاقها !!!

-ألو ! .. هكذا ردت “سمر” بصلابة شديدة ، ليأتيها صوته الكريه فورا :

-إيه يا بيبي ! فينك ؟ أنا واقف مستنيكي في المكان إللي إتفقنا عليه . إتأخرتي ليه ؟؟؟

سمر بإقتضاب :

-أنا جاية.

الأخير بضيق :

-قدامك أد إيه ؟

-عشر دقايق و هكون عندك.

-أوك . مستنيكي !

أغلقت “سمر” الخط و هي تشعر بالحريق ينشب في كل إنش من جسدها ..

ألقت نظرة أخيرة علي “ملك” و تمتمت بصوت منخفض للغاية لا يسمعه إلا هي :

-أنا بعمل كل ده عشانك . إنتي بالنسبة لي أهم حاجة في الدنيا . و مستعدة أفديكي بروحي يا حبيبتي !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

بعد بضعة دقائق تجاوزت العشرة التي وعدته بهم … كانت تستقل سيارة آجرة ، سارت بها في شوارع الإسكندرية الحية المضيئة

حتي توقفت عند إحدي الميادين الشهيرة بحسب تعليماتها ..

نظر إليها السائق من خلال المرآة الأمامية و هو يقول بصوته الخشن :

-وصلنا يا آنسة !

زمت “سمر” شفتيها بشئ من العصبية ، ثم فتحت حقيبتها و أخرجت الآجرة و أعطتها له

نزلت من السيارة و هي تتلفت حولها باحثة عنه ..

كانت تريد أن تعثر عليه بسرعة لتقي نفسها من نظرات المارة ، إذ خيل إليها أن الجميع يترصدها جيدا في إنتظار اللحظة الموعودة ليتم ضبطتها و هي ترتكب الجُرم المشهود !!!

و أخيرا لمحته ..

كان يجلس بسيارته المصفوفة علي جانب الطريق ، ما أن تأكد أنها رأته أخذ يلـوَّح لها بيده و هو يبتسم تلك الإبتسامة الشيطانية

مشت ناحيته و هي تقدم ساق و تؤخر الأخري … جاهدت لتحظي ببعض الثقة ، و لكنها معدومة ..

الثقة معدومة في هذا الموقف الذي وضعت نفسها به ، لا يحق لها التصرف بكبرياء ، لا يحق لها إدعاء العفة أو الشرف ، لا يحق لها التمنع ، حتي لا يحق لها التراجع

لقد سارت بدرب لا عودة منه ..

مسار واحد فقط ، محفوف بالأشواك و الألغام .. إنها الآن تمشي علي الجمر و تدوس في الوحل بنفس الوقت

اليوم ستموت “سمر” البريئة العفيفة ، و ستولد أخري آثمة مهما فعلت ، لن تستطع محو خطاياها ..

-أخيرا وصلتي ! .. قالها “عثمان” عندما إستقلت “سمر” بجانبه في السيارة المكشوفة التي لا تتسع سوي لفردين

-إيه العربية إللي جايبها دي ؟ .. غمغمت “سمر” بحنق شديد و أكملت :

-فين عربيتك ؟ إزاي تيجي بعربية زي دي ؟ إنت متعمد تعمل كده يعني ؟!

عثمان بدهشة :

-إيه إيه إيه ! إهدي شوية . مالك بس ؟ إيه إللي مش عاجبك في العربية ؟؟؟

سمر بغضب :

-مكشوفة حضرتك . مكشوفة . إفرض حد شافني معاك ؟ هقول إيه ساعتها ؟!

إبتسم “عثمان” بخفة ، لتظهر أسنانه البيضاء ، ثم قال بعذوبة :

-سمر يا حبيبتي . Take it easy . ماتخافيش . أولا المكان ده بعيد جدا عن بيتك و عن منطقتك كلها . ثانيا دي مش أول مرة تركبي معايا في عربيتي . و فرضا لو صادف و حد من معارفك شافنا تقدري ساعتها تطلعي مليون حجة مش حكاية هي يعني . و يا ستي لو مضايقك أوي موضوع إنها مكشوفة و لا يهمك . هقفلهالك دلوقتي حاضر.

وضغط علي أحد الآزرار باللوحة المثبتة علي يمين عجلة القيادة ، لينطلق سقف السيارة تدريجيا و يحجب عنهما ضوء النهار ..

رمقته “سمر” ببغض شديد ، ثم أشاحت عنه بسرعة ، بينما إبتسم بإتساع أكبر و هو يشعر بالمرح حيال الوضع برمته

تنهد “عثمان” تنهيدة مطولة ، ثم شغل محرك السيارة و إنطلق عبر الحشود الكثيفة ..

إلي أن بدأ عدد السيارات و الناس يقل ، و بدا أنهما يقتربا من الحافة الغربية للمدينة بإتجاه البحر

أوقف “عثمان” السيارة عند مرسى المراكب و إلتفت إليها قائلا بأمر :

-إنزلي.

إنصاعت له دون أن تفه بحرف ، لينزل هو الأخر و يمشي ناحيتها

قبض علي معصمها برفق ، ثم سار بها علي إمتداد صف طويل من اليخوت البيضاء الراسية في ماء البحر الذي جعله النهار أزرق شفاف كالجواهر المشعشعة ..

توقف “عثمان” عند يخت معين ، بدا أكبر و أكثر جلالا من البقية ..

تركها جانبا و تقدم بضعة خطوات بعيدا عنها

نزع نظارته الشمسية و أخذ ينادي علي سائس اليخت ، ليظهر شاب هزيل في اللحظة التالية ، إبتسم تلقائيا حينما رأي “عثمان” و نزل من اليخت بسرعة و قفز أمامه برشاقة .. 

ليصافحه “عثمان” بود قائلا :

-إزيك يا ناجي ؟ أخبارك إيه ؟

ناجي بإبتسامة واسعة :

-تمام يا عثمان باشا . أنا بخير بفضل سيادتك عليا .. ثم قال مفتخرا بنفسه :

-أنا جهزت كل حاجة و عملت كل إللي حضرتك أمرتني بيه إن شاء الله هتتبسط مني.

ربت “عثمان” علي كتفه بلطف و هو يقول :

-متشكر يا ناجي . أنا علطول مبسوط منك .. ثم أخرج بعض النقود من چزدانه و طواهم بيد “ناجي” مكملا :

-خد دول و مع السلامة إنت بقي . لما أرجع هبقي أكلمك تيجي تستلم مني.

إبتسم “ناجي” و هو يضع النقود بجيبه و يقول :

-ماشي يا باشا . أنا تحت أمرك في أي وقت.

و غادر ..

لينظر “عثمان” نحو “سمر” و يشير  لها برأسه لتأتي

تقدمت صوبه ، فأمسك بيدها و ساعدها علي صعود درجات اليخت ، ثم ذهب ليحل عقدة الحبل الضخم  عن رصيف المرسى و لحق بها بسرعة ..

يتكون اليخت من أربعة طوابق هرمية الشكل … أول طابق به مصعد للتنقل و ثلاث حجرات للضيوف و حمام و قاعة داخلية تتضمن بنشات و مقاعد طولية مصنوعة من خشب السنديان المصقول

الطابق الثاني به حوض سباحة و صالة رياضية و غرفة بخار و بار كبير مزود بكافة و أفخر أنواع الخمور

و الطابق الثالث به جناح المالك مجهز بالكامل ، و غرفة للجلوس و قاعة خارجية تحتوي علي مشمسة كبيرة و شاشة تلفاز بلازما ، و يتميز هذا الطابق بنظام صوتي بصري يتحكم بالإضاءة و الستائر و المكيفات 

أما الطابق الرابع فيتضمن المقصورة و غرف طاقم اليخت ..

صعدا معا إلي الطابق الرابع ، ليتركها “عثمان” و يتجه إلي غرفة التحكم

كانت تراقبه صامته فيما كان يجهز اليخت من أجل الرحيل ، لم تكن تري منه إلا ظهره العريض من خلال الشرفة المفتوحة ..

ليستدير إليها بعد قليل و يقول بإبتسامته الجذابة :

-يلا يا سمر . قاعدة عندك كده ليه ؟ إنزلي الدور إللي تحت ده علطول هتلاقي أوضة و كل إللي إنتي عايزاه . إتصرفي علي راحتك خالص و أنا هظبط شوية حاجات هنا وجايلك.

إبتلعت ريقها بصعوبة ، و غام كل شيء من حولها بسبب عنف صوت نبضات قلبها في أذنيها ، و لكنها و بشئ من الخوف و التردد إستمعت له و هبطت إلي الطابق الثالث ..

لم تكن مأخوذة أو مبهورة بجمال هذا المكان المذهل ، لو لم تكن في وضع كهذا حتما كانت ستسعد برؤية هكذا مناظر ..

و لكن لا .. هي مرتعبة ، فقط مرتعبة ، عقلها لا يعمل

الخوف وحده هو الشئ الوحيد الذي عرفته خلال تلك اللحظات … و أخيرا وجدت صعوبة في التحرك من مكانها ، فظلت واقفة بلا حراك ، حتي آتي هو ..

-إيه ده إنتي لسا واقفة عندك ؟ .. قالها “عثمان” بدهشة كبيرة و هو يتجه نحوها

بينما ثبتت علي وضعها متحاشية النظر إليه ..

-إيه مالك ؟ .. تساءل بغرابة ، لترد بإرتباك :

-مـ مافيش . بس .. بتفرج علي المكان.

إبتسم عثمان و هو يقول بتفاخر :

-المكان فعلا عظيم . المهم يكون عجبك !

سمر بنفس الإرتباك :

-عجبني.

-ماعندكيش فكرة أنا عرفت أشتري اليخت ده إزاي . كنت في إطاليا السنة إللي فاتت و شفت صورته في كتالوج هناك كان غالي أوي بس عجبني و قررت لازم أشتريه . دفعت كتير جدا عشان أشحنه لحد هنا كمان . بس هو يستاهل بصراحة.

أومأت بشئ من العصبية لتجاري حديثه الكريه مثله تماما ، بينما تنهد و قال و هو يشير بسبابته إلي غرفة النوم :

-أوضة النوم إللي هناك دي يا سمر . إدخلي غيري هدومك إعملي أي حاجة عشان نلحق نتغدا سوا قبل ما الشمس تغيب . لسا في حاجات كتير هنعملها سوا.

عقدت حاجبيها و هي تقول بتوتر :

-هدوم إيه إللي هغيرها ؟ أنا ماجبتش معايا هدوم.

عثمان بضيق شديد :

-إنتي بتقولي إيه بس يا سمر ؟ إزاي ماتجبيش معاكي هدوم ؟ يعني هتفضلي كده طول اليوم ؟ إزااي ؟؟؟!!

-زي الناس ! .. قالتها “سمر” بإستهجان ، ليرفع حاجبه بدهشة

بينما تململت بضيق و هي تحاول أن تصوغ عبارتها الفائتة :

-مش مشكلة . أنا مش هكون مضايقة .. عادي.

صمت قصير .. ثم قال “عثمان” بغموض :

-طيب .. إذا كده بقي أنا إللي هغير هدومي . و خليكي إنتي هنا لحد ما أرجعلك . و لا تحبي تيجي معايا ؟

سمر بنفي قاطع :

-لأ ماحبش . إتفضل إنت . أنا هستناك هنا.

أومأ “عثمان” دون أن يتكلم ، ثم أخذ حقيبته متوجها صوب غرفة النوم ..

لكنه غافلها أثناء مروره البارد بمحاذاتها ، و إستدار فجأة قابضا علي خصرها

و بحركة سريعة من يده الماهرة ، حل عقدة حچابها عن رأسها

ليتحرر شعرها الحريري من عقاله ، و ينسدل كشلال أسود حول وجهها  و علي طول ظهرها ..

-واااو ! ده شعرك بجد ؟ .. قالها “عثمان” بإنبهار شديد و هو يعبث بخصلاتها و يشبكهم بين أصابعه

لتصرخ “سمر” بقوة حين شدد قبضته علي شعرها من فرط حماسته ، بينما ضحك بقذارة ، ثم قال :

-أحب أوي العمليات الإستكشافية دي .. يا تري الدور علي إيه بعد كده ؟ هستكشف فيكي إيه تاني الليلة دي يا بيبي ! 

رمقته بتقزز و في نفس الوقت إنكمشت خائفة من إلتماع البريق الشيطاني بعينيه !!!

يتبــــــع …

( 23 ) “جزء ثاني”

_ غادر ! _

تصرفت بجنون مطلق … عندما وقفت علي السور الزلق بحذائها ذي الكعب العالٍٍ غير آبهة بنداء “صالح” المتواصل ، فقد وجدت متعة شديدة في ترويعه و إخافته

و كأنها ترد له ما فعله بها و لكن بطريقة أكثر قسوة ..

-إنزلــــــــــي يا مجنوووونة ! .. صاح “صالح” بعصبية للمرة العاشرة حتي الآن ، لتبتسم “صفية” بإستفزاز قائلة :

-مش هنزل يا صالح . إنت إللي حكمت عليا بكده . يبقي بتلومني و عايز تمنعني ليه ؟!

صالح و هو يزدرد ريقه بقلق :

-صافي من فضلك إنزلي . ماينفعش تهزري في حاجات زي دي . إنتي عارفة إحنا في الدور الكام ؟

أومأت “صفية” و هي تجيبه ببرود :

-أيوه عارفة . في الدور الـ20 !

صالح بإنفعال :

-يبقي بطلي جنان و إنزلي . إنزلي حالا . دلوقتي يا صافي.

صفية بعناد :

-لأ يا صالح . مش هنــــزل ريح نفسك . أنا قررت مصيري زي ما إنت قررت مصير علاقتنا بالظبط !

صالح بعصبية مفرطة :

-صفيـــــــــة بقولك إنزلــــي . إنزلــي دلوقتي ماتجننيش.

صفية بإبتسامة باردة :

-باي يا صالح !

و مدت ساقها للأمام ، ليصرخ “صالح” بقوة و هو يحاول النهوض من السرير :

-لأااااااااااااااااااا !

و بكل ما فيه من غضب و كره للعجز الذي أصابه ، تحرك بعنف

ليسقط من فوق السرير و هو يتآوه بآلم شديد ..

-صالــــــــــح ! .. صرخت “صفية” بهلع  و هي تنزل عن السور و تركض ناحيته

ركعت علي ركبيتيها بجواره و رفعت رأسه عن الأرض قائلة بخوف :

-صالح حبيبي .. إنت كويس ؟ إنت كويس يا حبيبي ؟ رد عليا !

و إختنق صوتها فجأة حين ذرفت عيناها الدموع ، ليرد “صالح” بصوت متألم :

-إنتي مجنونة آااه . إيه إللي كنتي عايزة تعمليه ده ؟ حرآاام عليكي كنتي هتموتيني.

صفية بإبتسامة ممزوجة بدموعها :

-خفت عليا يا صلَّوحي ؟!

صالح بضيق :

-صلَّوحك إيه و هباب إيه بقي ؟ .. أنا كنت ناقص يا صفية ؟ جيتي تكملي عليا !

صفية بحزن شديد :

-أنا ماقدرتش أبعد عنك أكتر من كده . و كنت كل يوم بستناك تكلمني تقولي وحشتيني تعالي أنا آسف .. بس ماكنتش بتتصل يا صالح . فصممت أجي و أوضع حد للسخافات بتاعتك دي.

صالح بحدة :

-تقومي تعرضي نفسك للخطر ؟ إنتي إتهبلتي ؟!

صفية بغضب :

-كنت عايزني أعملك إيه يعني ؟ كنت عايزني أثبتلك إزاي إني بحبك بجد ؟ إنت ظلمتني و رفضت تسمعني . أول مرة أشوفك قاسي بالشكل ده !

صالح بسخرية :

-بتتكلمي عن القسوة ؟ و إللي إنتي كنتي فيه معايا ده كان إسمه إيه ؟ ده إنتي عمرك ما بليتي ريقي بكلمة حلوة.

صفية بتبرير يشوبه بعض الإرتباك :

-آا إنت . إنت عارف . عارف إن أنا بتكسف و آا ..

-بتتكسفي ! .. هتف بدهشة و تابع :

-ليه أنا كنت بقولك كلام أبيح ؟ ده أنا طول عمري كنت حريص في التعامل معاكي و إنتي دايما كان إسلوبك واحد .  النشفـــــــــان . عمرك ما قولتيلي كلمة حلوة يا صفية.

صفية بإنزعاج :

-خلاص بقي يا صالح . إنسي . إنسي عشان خاطري . و أنا أوعدك إني هتغير و هاهتم بيك أكتر بكتير من الأول.

صالح بجدية :

-الإهتمام مابيطلبش يا صافي . الإهتمام لازم يكون نابع من جواكي و لازم تكوني حباني عشان تقدري تاخدي بالك كويس و إنتي بتتعاملي معايا . تعرفي إيه إللي يجرحني و إيه يزعلني منك بجد.

صفية بصدق و نبرة حزينة :

-أنا بحبك.

تنهد “صالح” بثقل ، و قال :

-و للآسف أنا كمان لسا بحبك !

-للآسف ! .. غمغمت “صفية” و هي تضربه بخفة علي صدره ، ليبتسم نصف إبتسامة و هو يقول :

-أه للآسف . بجد كان نفسي أكرهك أوي و أبطل أحبك .. بس إكتشفت إن الحكاية مش بالسهولة دي أبدا يا صافي.

إبتسمت “صفية” بسعادة شديدة ، ثم قالت و وجنتها تتوردان خجلا :

-و أنا إكتشفت إني مش بس بحبك . ده أنا طلعت بموت فيك و أنا مش واخدة بالي . كنت هتجنن بجد كنت هتجنن طول الأيام إللي إتخاصمنا فيها . لا كنت عارفة آكل و لا أشرب . حتي عنتر أهملته جدا و مابقتش أسأل فيه زي الأول.

صالح بضيق شديد :

-ياااادي عنتر و سنين عنتر . أقسم بالله حاسس إن نهايتي هتكون علي إيده في يوم.

صفية و هي تضحك برقة :

-بعد الشر عنك يا قلبي . ده أنا أضربه النار لو بس حاول يخربشك.

صالح بعد تصديق :

-بجد ؟ بجد يا صافي ؟ ممكن تضحي بعنتر عشاني.

-أيوه يا حبييي . حد قالك إن عنتر ده يبقي عمرو إبن أختي ؟ ده مجرد حيوان بعطف عليه .. ثم قالت بجدية :

-المهم إن إنت سامحتني . مش كده يا صالح ؟!

صمت قصير … ثم قال “صالح” بإبتسامة :

-مابعرفش أزعل منك أبدا.

صفية بإبتسامة حب :

-حبيبي يموووت فيك و الله . كده بقي أقدر أرجع أزورك كل يوم و إبقي معاك و إنت في جلسات العلاج.

تجهم “صالح” فجأة عندما جاءت علي ذكر العلاج ، لتكمل “صفية” بجدية ممزوجة باللطف :

-إنت أخدت وقت كتير أوي يا صالح . لازم تبدأ . عشان خاطري . بلاش تعاند . أنا واثقة و متأكدة إن ربنا هياخد بإيدك و هتتحسن و هترجع أحسن من الأول كمان.

-أنا مش عايز أتعلق بأي أمل يا صفية ! .. قالها “صالح” بلهجة حزينة للغاية ، و تابع :

-مش عايز أحلم بحاجة و أصحي في الأخر علي كابوس . أنا كده كويس.

صفية بإستنكار :

-إيه إللي إنت بتقوله ده ؟ كلامك ده ماينفعش علي فكرة و مش منطقي . ده إسمه إستسلام يا صالح و أنا مش هسمحلك تعمل كده .. ثم قالت بصرامة :

-إسمع . إنت هتتعالج و هتبقي كويس . و غصب عنك هكون فوق راسك ليل و نهار لحد ما تقف علي رجليك فاهم ؟

صالح بإبتسامة :

-فاهم.

و هنا دخل الطبيب ، ليجدهم علي هذا الوضع الغريب ..

-إيه ده يا صالح بيه ! حضرتك وصلت للأرض إزاي ؟؟؟؟

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في يخت “عثمان البحيري” … تحديدا عند بنش البـار في الطابق الثاني

يدق هاتف “سمر” و هي تجلس مع “عثمان” في هذا المكان علي مضض ..

بينما يتآفف الأخير بضجر قائلا :

-و بعدين بقي في موبايلك ده ! من الصبح مابطلش رن !!

تجاهلته “سمر” و ردت بصوت هادئ :

-ألو يا فادي .. كويسة يا حبيبي .. أيوه . أيوه إتعشيت .. إنت أكلت و لا لسا ؟ .. هتلاقي الغدا في التلاجة عندك . في تاني رف علطول .. بالهنا و الشفا يا حبيبي .. إن شاء الله علي بكره الصبح .. لأ مش هتأخر .. هنفطر سوا بإذن الله .. ماشي يا حبيبي .. يلا تصبح علي خير.

-لازم تدي لأخوكي تقرير مفصل كل ساعة يعني ؟ .. تساءل “عثمان” بسخرية ، ثم شرب ما تبقي في كأسه دفعة واحدة

لتجيبه “سمر” و هي تشعر بالملل و الضيق الشديد من رفقته المنفرة :

-أخويا و بيطمن عليا . حاجة ماضايقنيش.

عثمان بحدة :

-بس تضايقني أنا . أنا مش عارفة أتكلم معاكي كلمتين علي بعض من ساعة ما جينا . إقفلي الموبايل ده من فضلك.

سمر بإستنكار :

-مش هينفع لو فادي إتصل و لاقاه مقفول هيقلق و ممكن يعمل أي حاجة.

عثمان بغيظ شديد :

-يعني هنفضل كده طول الليل ؟ كل عشر دقايق ألاقي موبايلك بيرن ! بالشكل ده اليوم كله هيروح علي مافيش.

سمر بتوتر :

-هـ هو خلاص مش . مش هيتكلم تاني . لازم ينام بدري عشان عنده إمتحان الصبح.

تنهد “عثمان” و قال :

-يا مسهل . أما نشوف ! .. ثم أردف و هو يصب لها كأسا :

-يلا بقي إشربي معايا بقالي كتير بتحايل عليكي . إشربي ماتخافيش مش هيحصلك حاجة.

سمر بحدة :

-قولتلك مش هشرب خمرة . مستحيل أدوقها حتي.

عثمان و هو يحاول إقناعها :

-يا بيبي ماتبقيش خوافة كده . و بعدين الكاس مليان عصير و أنا يدوب حطيتلك شوية ڤودكا صغيرين . يلا بقي إشربي . صدقيني طعمه هيعجبك أوي.

سمر برفض قاطع :

-لأاااااا.

عثمان بضيق :

-طيب بلاش ده . هحطلك ليكور . ده مشروب خفيف و مناسب ليكي أوي مش هتسكري و الله ماتخافيش.

و هم ليصب لها من هذا المشروب ، لتصيح بحدة شديدة :

-قلت مش هشرب خمـرة . مش هشـــــــــــــرب.

عثمان بنفاذ صبر :

-أووك .. براحتك يا سمر.

و أخذ الزجاجة ليملأ كأسه الفارغ و يشرب هو من دونها

لكنه لم يفرط في الشراب كثيرا حتي لا يثمل و تنتهي الليلة التي خطط لها قبل أن تبدأ ..

-أنا قولتلك قبل إني كنت متجوز صح ؟ .. قالها “عثمان” بتساؤل ، لترد “سمر” بإقتضاب :

-أيوه قولتلي.

عثمان و هو يلهو بكأسه :

-ممم .. بس لسا ماقولتلكيش أنا طلقتها ليه !

سمر و هي تهز كتفاها بعدم إكتراث :

-عادي . أنا مش مهتمة أعرف.

عثمان بإبتسامة خفيفة :

-بس أنا عايز أحكيلك.

صمتت “سمر” و لم ترد ..

ليبدأ “عثمان” روايته :

-چيچي .. چيچي الحداد . بنت الحسب و النسب . أبويا هو إللي إخترهالي . قالي أبوها عنده نفوذ و جوازي منها هيضيف لعيلتنا كتيــــــر .. سمعت كلامه و خطبتها . 6 شهور و أنا معاها . ماحستش إني بحبها و لا إن في قابلية إني ممكن أحبها حتي . هي حلوة و كل حاجة . لكن أنا كنت قافل منها مش عارف ليه . بس برغم كده كملت معاها و قلت مش مهم الحب و خليني راجل عملي أحسن .. بس إتفاجئت قبل فرحنا بإسبوع واحد إنها بتخوني . شوفتي جرأتها ؟ نامت في حضن عشيقها قبل فرحها بسبعتيام و كانت عايزة تنام في حضني أنا و هي فاكرة إنها إستغفلتني .. ثم قهقه فجأة ، و أكمل بإسلوبه الشيطاني :

-المشكلة إني إبن أبلسة أصلا و أنا عارف كده كويس عشان كده ماعرفتش تضحك عليا .. عارفة عملت فيها إيه يا سمر ؟

رمقته “سمر” بوجوم تام و قد إزداد رعبها إزاءه ، ليكمل هو بإبتسامته الشريرة عندما أطالت في صمتها :

-صورتها و هي في حضن حبيب القلب . عندي ليها حتة CD يساوي مبلغ و قدره لو حبيت أستندل معاها أوي و أبيعه لأي منافس من منافسين أبوها هيجبلي ثروة في ساعة زمن مافيش غيرها.

-و إنت بجد ممكن تعمل حاجة زي دي ؟ .. تساءلت “سمر” بذهول شديد

بينما زم “عثمان” شفتاه ، ثم قال بمكر :

-و الله كل شئ وارد . ممكن بنسبة 90% الـCD ده يطلع في يوم من الأيام !

سمر بعدم تصديق :

-بس دي كانت مراتك . و غير كده دي بنت .. معقول هتآذيها بالطريقة دي ؟؟؟

عثمان بسخرية :

-دي واحدة خاينة . تستاهل الموت . آذيتي ليها بحاجة زي دي هتبقي أقل واجب ممكن أعمله معاها .. ثم غير مجري الحديث و قال مبتسما بخبث :

-خلاص بقي كفايانا كلام لحد كده . تعالي نطلع أوضتنا . عايزك تعرفي إنك أول واحدة تحط رجليها في اليخت ده .. هو عزيز جدا عليا . عشان كده مش أي حد ممكن يدخله !

و قبض علي يدها بقوة ، لتنتفض و هي تنظر له بخوف ..

-إيه يا سمر ! خايفة ؟ .. سألها “عثمان” بمكر ، لترد بشئ التوتر :

-لأ . مش . مش خايفة !

-طب يلا . تعالي معايا.

و شدها خلفه إلي غرفة النوم في الطابق العلوي

أغلق الباب و إلتفت إليها ..

بينما وقفت “سمر” مسلفة إليه ظهرها .. أعصابها مشدودة تكاد تكون علي حافة الإنهيار ، و الغرفة شديدة الدفء بعكس الجو العاصف بالبرودة في الخارج

لم تسمعه و هو يقترب منها ، لكنها شعرت بيداه و هما تحطان علي وسطها ..

فأحست أن كل عصب في جسدها صار مثل سلك كهربائي حي

إرتجفت بقوة ، ليطوقها هو بذراعيه و يلصق ظهرها بصدره قائلا بصوت متمهل :

-سمر .. ماتخافيش يا حبيبتي .. إنتي في إيد أمينة !

و مست شفتاه رقبتها ، تحت أذنها تماما ..

دغدغت أنفاسه الحارة عنقها ، فتململت قليلا محاولة الفكاك منه ، ليتركها هو بحركة مفاجئة و هو يقول بصوته العميق :

-يلا بقي .. إقلعــــــــي !

ضربها الرعب عند نطقه بها ، فإبتلعت ريقها بصوت مرتفع و هي تنظر له بذعر شديد ..

-إيه مستنية إيه ؟

سمر بإرتباك و قد تسارع وجيب قلبها بسرعة مميتة :

-آا أنا . أنا .. لأ . لأ مش . مش هقدر !

و راحت تهز رأسها سلبا بلا توقف ، ليقترب منها بخطوة و يمسك بوجهها قائلا بهدو :

-إهدي . إهدي يا حبيبتي . أنا معاكي أهو واحدة واحدة .. مش مستعجل.

و أمسك بسحاب ردائها و أنزله ، ثم قال بخفوت :

-يلا . كملي إنتي بقي.

حاولت “سمر” بصعوبة … و لكنها لم تستطع !!!

-لأ .. صرخت برفض

ليتنهد “عثمان” بصبر ، ثم يقول بإقتراح :

-طيب .. عندي فكرة . أنا هطفي النور . تمام . و مش هفتحه خاااالص .. و إنتي خدي راحتك علي الأخر . بس ما طوليش أوك ؟ عشان أنا بمل و أنا لوحدي . إتفقنا ؟!

أومأت “سمر” ببطء

فذهب هو و أطفأ نور الغرفة … ليسألها بعد خمسة دقائق بالضبط :

-ها .. خلصتي خلاص ؟

سمر بنبرة مهزوزة :

-لـ لـ. آ. ـ..ـسا لسـ.ا !

و بعد ثلاث دقائق إضافية :

-هاااااه ! .. لم يصدر عنها صوت

فإلتوي ثغره بإبتسامته الشيطانية ، ليغدرها و يضئ النور فجأة فينكشف له كل شئ ..

و هنا صرخت “سمر” ملء حنجرتها و هي تقول :

-يا كدااااااااااااااااااب . يا حيوااااااااان كدبت علياااااا كدبت عليااااااااااااااااا.

و حاولت أن تستر ما ظهر منها دون فائدة ، فحاولت أن تشد ملاءة السرير ، لكنه قبض علي ذراعيها و هو يقول بنعومة خبيثة :

-تؤ تؤ تؤ .. إوعي يا بيبي . إوعي تستخبي مني . إوووعـــــي !

ثم شدها برفق و حزم في آن نحو الفراش الأكثر عمقا !!!!!

يتبــــع …

( 24 )

_ آثمة ! _

كانت الشمس حارة علي جلد ظهرها المكشوف فإيقظتها عند الصباح … بل لعله قبل الظهر بقليل ، ليست متأكدة !

لكنها كانت متأكدة تماما من أشياء أخري ، مثلا كانت تعرف تماما أين هي ..

تلك الغرفة المتألقة بسريرها العريض الوثير مع شلال من ضوء الشمس اللامع يدخل من النافذة المفتوحة

لم تستطع أن تفتح عينها ..

فقد كانت تعيسة و مكسورة فلم ترغب في زيادة الأمر .. ما كانت تسمع أي صوت غير صوت الأمواج في الخارج ، و صوت تنفسه الثقيل ، و صوت قلبها

بعد قليل وجدت أن التظاهر بالنوم ليس حلا جيدا للهروب من الواقع

يجب أن تستيقظ لترحل من هنا بسرعة ، لتعود إلي بيتها مجددا و تبتعد عنه ..

فتحت عيناها بتثاقل فكان أول ما شاهدته وجهه المشعر بلحيته الكستنائية

أطلقت شهقة مكتومة و هي تنظر له ، فرغم أنه كان نائم و قد بدا شكله مسالما تماما كالأطفال ، لكن مجرد رؤيته علي أي وضع أمر يبث الذعر فيها بقوة و خاصة بعد الليلة الماضية ..

إنزلقت بحذر من السرير ، لتجد قميصها القطني ملقي تحت رجليها تماما

أخذته و قامت بإرتدائه بسرعة ، ثم هربت إلي المرحاض الملحق بالغرفة ..

 وقفت تحت رذاذ المياه الساخنة لتستحم و تزيل آثاره الكريهة من عليها

و لكنها كانت تعلم جيدا أنها لن تستطيع محو أي شئ فعله هو أو فعلته هي من داخلها مهما حاولت ..

إنتهت من حمامها ، و راحت تنظر إلي جسدها في المرآة الكبيرة

بالطبع كانت الهالات السوداء تحيط بعيناها ، و بخلاف هذا كانت شفتاها متورمتين قليلا ، و كانت المنطقة بين رقبتها و صدرها مزينة ببقع من اللون الأحمر و البنفسجي ..

-يانهارد إسود ! .. تمتمت “سمر” بخوف ممزوج بالتوتر الشديد و هي تتلمس تلك البقع بأناملها

ماذا لو شاهدها “فادي” ! .. ماذا ستقول له ؟ .. كيف ستبرر ظهور علامات كهذه ؟؟؟

هو ليس غبي بالتأكيد ، و إذا لمح شيئا كهذا لن تنطلي عليه أي كذبة تختلقها و سيعرف فورا السبب و ينكشف كل شئ

تنهدت “سمر” بضيق و هي تشد علي قبضتيها بقوة و تدعو في سرها ألا تزداد مصائبها أكثر من ذلك ، فإذا حدث شيئا أخر و لو صغيرا لن تتحمل أبدا .. ستنهار ..

إرتدت قميصها القطني مجددا و عادت إلي الغرفة

لتجده قد إستيقظ و يجلس مسترخيا في السرير يدخن سيكارته بفتور شديد

إرتعشت و هي ترمقه بنظرة جانبية و بحركة غريزية أحاطت كتفيها العاريين بذراعيها ، ثم إنطلقت لتنقب عن بقية ملابسها وسط كومة الثياب المتناثرة فوق الأرض ..

-صباح الخير يا سمر ! .. قالها “عثمان” بصوت ناعم ، لترد “سمر” بإقتضاب :

-صباح الخير.

كان صوتها متحشرجا بعض الشئ ، فسألها بقلق مصطنع :

-مالك يا حبيبتي ؟ إنتي تعبانة و لا إيه ؟ إوعي تكوني أخدتي برد !

حمحمت “سمر” لتنظف حنجرتها ، ثم قالت :

-أنا كويسة.

و باشرت بإرتداء ملابسها علي عجالة ، بينما أطفأ “عثمان” السيكارة ، ثم قام بتكاسل و توجه صوبها ببطء

لتدير له ظهرها بسرعة و هي تغمض عيناها بشدة متمنية ألا يضع يده عليها الآن

لا تريده أن يلمسها مجددا ..

لكن أملها قد خاب ، لأنه لمسها فعلا

أمسك بكتفيها ، و أقحم وجهه في شعرها المبتل الذي تفوح منه رائحة الصابون الفاخر ممتزجة برائحتها الطبيعية الطيبة ..

تنشق خليط العبير هذا بقوة ، ليشعر بالإنتشاء و يهمس في أذنها بعذوبة :

-ماعندكيش فكرة أنا إتبسطت أد إيه إمبارح ! .. إنتي تجنني يا سمر . بجد عمري ما حسيت كده مع أي واحدة قبلك .. إطلبي مني إللي إنتي عايزاه . أي حاجة نفسك فيها هعملهالك . إحلمي.

سمر بإزدراء :

-ليه ده كله ؟!

عثمان و هو يسير بكفاه صعودا و هبوطا علي كتفيها بهدوء و رقة :

-إنتي إدتيني متعة ماكنتش أحلم بيها و نستيني الدنيا بحالها . نسيت معاكي حاجات كتيييير أوي . إنتي بقيتي حاجة Especially بالنسبة لي خلاص و أنا عايز أكافئك.

سمر و هي تذكره بجمود :

-علي فكرة أنا ماعملتش أي حاجة . إنت إللي عملت كل حاجة.

ضحك “عثمان” بخفة ، ثم قال بخبث:

-أيوه عارف . بس ده مايمنعش إنك جامدة أووي بردو و تتاكلي من أي حتــــــــــة !

تنشجت “سمر” بعصبية و إلتفتت له و هي تقول بغضب شديد :

-بقولك إيه ! ماتكلمنيش بالإسلوب ده تاني سامع ؟ أنا مابحبش كده و مابحبش أسمع كلام زي ده . إوعي تقولي كده تاني.

عثمان بإبتسامة مرحة :

-إيه يا بيبي حصل إيه بس ؟ هو أنا قلت حاجة وحشة ؟ ده أنا بمدحك !

سمر بإنفعال :

-مش عايزاك تمدحني.

عثمان بضحك :

-طيب طيب . خلاص ماتضيقيش هبقي أخد بالي من كلامي بعد كده .. ثم قال بجدية :

-يلا بقي معايا علي المطبخ عشان نعمل الفطار سوا أحسن أنا ميـــــــت من الجوووع.

و أمسك بيدها ليخرجا معا ، لكنها شدتها منه بقوة و هي تقول :

-لأ مش هينفع . أنا لازم أرجع دلوقتي حالا . قلت لفادي إني هرجع بدري و هفطر معاه.

عثمان بإستنكار :

-ترجعي إيه ! إنتي فاكرة إننا هنرجع إنهاردة أصلا ؟ أنا عامل حسابي علي يومين !!

سمر بحدة :

-بس أنا مش عاملة حسابي و لازم أرجع بسرعة و إلا كل حاجة ممكن تتكشف.

عثمان بضيق :

-اففف بقي . كده ماينفعش خــــالص علي فكرة شوفي حل في قيودك دي أنا مابعرفش أصبر كتير.

لم ترد عليه … فإستطرد بحنق :

-أوك هنرجع . بس إعملي حسابك المرة الجاية هتقضي معايا كام يوم مش بس يومين فاهمة ؟

حدجته بمقت شديد ، ثم إبتعدت عنه و أخذت تكمل إرتداء ملابسها

بينما زفر هو بنفاذ صبر و ذهب ليرتدي ملابسه هو الأخر علي مضض …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في قصر آل”بحيري” … أخذ “مراد” يختبر شاحن هاتفهه المرة تلو المرة دون فائدة ، فقد إنتهي عمره الإفتراضي و أصبح تالفا

يتآفف بضيق ، ثم لا يجد بديل سوي “عثمان” ..

حتما لديه شاحن مثل هذا و لا مشكلة إذا إستعاره حتي يشتري واحد جديد

خرج “مراد” من الغرفة المخصصة له ، ثم ذهب إلي غرفة “عثمان”

فتح الباب ليجد “هالة” بالداخل ..

كانت متكئة علي سرير إبن عمها و ممسكة بقميصه تحتضنه بحب و تتشمه بهيام

إنتفضت حين إقتحم “مراد” الغرفة فجأة و بسرعة رمت القميص من يدها و قامت و هي لا تعرف كيف تبرر وضعها !!!

-هالة ! .. هتف “مراد” بدهشة ، و تابع :

-إنتي بتعملي إيه هنا ؟

هالة بإرتباك شديد :

-آاا آا أنـ أنا كـ كنت بـ بدور علي عثمان . كنت عـ عايزاه في حاجة مهمة !

مراد بنبرة تشكك :

-عثمان مش هنا من إمبارح.

كانت تعلم هذا ، لكنها لا تجهل سبب غيابه ، فتساءلت :

-أومال هو فين طيب ؟

مراد و هو يهز كتفاه بخفة :

-ماعرفش . مارضيش يقولي بس قالي راجع بعد يومين.

أومأت “هالة” بتفهم ، ثم قالت بإبتسامة متوترة :

-أوك . أنا . أنا هروح علي أوضتي دلوقتي بقي و لما يرجع هبقي أشوفه !

و خرجت مسرعة ..

ليقطب “مراد” بإستغراب و يفكر بصوتٍ عالٍ :

-هو إيه إللي بيحصل ؟ .. هالة تيجي ليه لحد أوضة عثمان ؟ .. ماتكلموش في التليفون ليه مثلا ؟ و إتخضت ليه لما شافتني !!

ثم مط شفتاه بعدم إهتمام و مضي يبحث عما جاء من أجله …

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

علي رصيف المرسى … يقف “عثمان” و يسلم مفاتيح اليخت للسائس “ناجي” ثم يأخذ “سمر” و يذهبا إلي حيث ترك سيارته

إستقلا بجانب بعضهما ، ليقلع “عثمان” بروية في بادئ الأمر ، ثم يزيد السرعة لتبلغ الحد الغير مسموح به قانونيا ..

-ممكن تهدي السرعة شوية من فضلك ! .. غمغمت “سمر” و هي تنظر بهلع إلي الطريق و السيارات التي تجري من جانبهم في إتجاه معاكس

بينما رد “عثمان” بإبتسامة عريضة :

-بتخافي من السرعة يا سمر ؟ دي أمتع حاجة في الدنيا و بتدي ثقة في النفس أوي.

سمر بنبرة مرتعشة :

-لو سمحت هدي السرعة !

كان الهواء يصفق وجهها بمدي سرعة السيارة و كانت عيناها تحترقان ، لكن رغم ذلك أبقتهما متسعتين

بينما ضحك “عثمان” منها ، ثم إمتثل لرغبتها في الأخير و قلل من سرعة السيارة إلي حد مناسب جدا ..

-هاه ! . كده معقول ؟ .. سألها بنبرة ودية ، لتومئ دون كلام و هي تتنفس الصعداء

بعد ذلك راقبت الطريق جيدا و لما إقترب “عثمان” من المنطقة التي تسكن بها ، صاحت :

-بـــس .. نزلني هنا.

عثمان بإستغراب :

-بس لسا شوية علي بيتك !

-ماينفعش حد يشوفنا مع بعض .. ثم قالت بتهكم مرير :

-الناس منغير حاجة بتتكلم.

تنهد “عثمان” و قال بإستسلام :

-أووك . إللي تشوفيه.

و ركن علي جانب الطريق ..

مدت “سمر” يدها لتفتح باب السيارة ، ليستوقفها “عثمان” فجأة :

-إستني يا سمر !

إلتفتت له متسائلة :

-إيه ؟

أخرج بعض النقود من چزدانه و مد لها يده قائلا :

-خدي دول.

نظرت للنقود بيده ثم له و قالت :

-إيه دول ؟!

عثمان بسخرية :

-إنتي شايفة إيه ؟ فلوس يا حبيبتي هيكونوا إيه يعني !!

-بمناسبة إيه الفلوس دي ؟؟

-منغير مناسبة . و بعدين أكيد هتحتاجيهم.

سمر بإبتسامة إستخفاف :

-وفر فلوسك . أنا مش محتاجاهم . بس لو إخواتي إحتاجوا حاجة أكيد هطلب منك.

زم “عثمان” شفتاه ، ثم قال بنفاذ صبر :

-إزاي مش محتاجة فلوس ؟ إنتي مابتبصيش في المراية و لا إيه ؟ بقي ده منظر بنت ؟ خدي الفلوس و إنزلي إشتري هدوم لنفسك علي الأقل.

إبتلعت الإهانة بمرارة كبيرة ، لكنها نظرت له بغضب و قالت :

-أنا راضية عن منظري جدا و مش مضايقة و لازم تعرف كويس إني ماوطتش راسي ليك و وافقت أبيعلك نفسي غير عشان مصلحة إخواتي .. و أكملت بتحد :

-و عموما لو مش عاجبك إبعد عني أنا كده و هفضل طول عمري كده مش هتغير.

ثم نزلت من السيارة بسرعة تاركة إياه في حالة من الذهول و الغيظ الشديد ..

-مااااشي يا سمر .. غمغم من بين أسنانه المطبقة ، و أردف :

-و حياة أمي لأربيكي عشان تبقي تتحديني كويس بعد كده !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

مشت “سمر” في الشوارع مطأطأة رأسها … كانت لديها رغبة شديدة في البكاء ، لكنها قاومت و تماسكت بإعجوبة

لا يكفيه أنه ذلها و كسرها و إستغل فقرها لرغباته القذرة ، إهانها قبل قليل أيضا و لم يهتم بمشاعرها ..

ليس عليه حرج كل حال .. هي المذنبة الأولي و الوحيدة في حق نفسها !

فتحت “سمر” باب شقتها ، لتجد “فادي” يرص أخر صحن من صحون الإفطار ..

-حبيبتي جيتي ؟ .. قالها “فادي” بإبتسامة ، لترد “سمر” بنفس الإبتسامة :

-أه جيت يا حبيبي .. ثم نظرت للطاولة و قالت بدهشة ممزوجة بالإعجاب :

-إيه ده مش معقول ! إنت إللي عملت الفطار ده و لا إيه ؟؟

أومأ “فادي” و هو يقول بحركة مسرحية :

-الشيف فادي تحت أمرك يا هانم . إتفضلي لو سمحتي.

سمر بضحك :

-أه يا مجنون . أول مرة تعملها وريني إللي حضرته !

و ذهبت عنده لتري الأصناف التي قام بإعدادها ..

-بطاطس و جبنة بالطماطم و جبنة منغير طماطم .. و إيه ده ؟؟؟

فادي بحذاقة :

-ده يا ستي إختراع جبته من علي النت . بيتزا بتتعمل من البيض.

سمر بإستنكار :

-إيه ياخويا ؟!!

أجفل “فادي” و هو يرد :

-في إيه يا سمر أنا نقلتها بالنص . بيقولك نفس تحضيرات البيتزا بس بدل العجينة بيض.

-بيض !!

-أه بس ماتقلقيش أنا إتوصيت أوي في البيض و كسرت يجي عشر بيضات مع بعض.

سمر و هي تنظر له بجزع :

-طيب ربنا يستر يا فادي . أنا هاكل معاك بس إدخل هتلنا من علي النت رقم الإسعاف بقي.

تلاشت إبتسامته ، ليقول بضيق :

-ده إنتي بجد بقيتي فصيلة . مافيش أي تشجيع خآاالص . ماكنش العشم و ربنا يا ريتني ما كنت تعبت نفسي.

سمر و هي تضحك بمرح :

-خلاص يا حبيبي . خلاص ماتزعلش شكرا و تسلم إيدك من قبل ما أدوق . أنا هدخل أغير هدومي أهو و هاجي أمسح الأطباق دي كلها مسح.

فادي بإبتسامة باهتة :

-ماشي ياختي سجديني بكلمتين .. ثم قال بجدية :

-قوليلي صحيح ملوكة عاملة إيه ؟ مابقتش كويسة ؟

سمر بشئ من التوتر :

-لأ يا حبيبي طبعا بقت كويسة الحمدلله عن الأول !

فادي بسرور :

-الحمدلله .. طيب الدكتور ماقالكيش ممكن تخرج إمتي ؟؟؟

-لسا قال هيشوف علي أخر الإسبوع .. ثم تهربت من أسئلته بسرعة غير ملحوظة :

-أكلك ريحته طالعة و أنا جعانة أووي.

فادي بغرور مصطنع :

-أومال إيه يابنتي إحنا بنلعب و لا إيه ؟ و لسا كمان لما تدوقي هتشكري فيا للصبح.

سمر و هي تضربه علي كتفه بخفة :

-ماشي ياخويا هنشوف . هدخل أغير هدومي بسرعة و راجعة.

و فرت إلي غرفتها متحججة بتبديل ملابسها .. علي الأقل ستختلي بنفسها عدة دقائق لتهدئ أعصابها تماما

لا يجب أن يلاحظ “فادي” أي شيء !!!!!!

يتبــــع …

( 25 )

_ تودد ! _

في منزل “سمر” … يجلس “فادي” علي طاولة الطعام في إنتظارها ، بينما تقف هي بالمطبخ تقوم بإعداد وجبة العشاء

-يلا بقي يا سيدي كُل و نضف معدتك من العك إللي عملتهولنا الصبح ! .. قالتها “سمر” و هي تضع علي الطاولة طبق المعجبنات اللذيذة

ليرد “فادي” بغيظ و هو يتنشق الرائحة الشهية المنبعثة من الأطباق :

-و لما العك إللي عملته ماعجبكيش ياختي كلتي معايا ليه ؟!

سمر بإبتسامة ساخرة :

-كلت عشان ماتزعلش يا حبيبي لكن ربنا يستر و أعرف أنام إنهاردة . حاسة إن هايجيلي تلبك معوي !

فادي بإبتسامة صفراء :

-بقيتي ظريفة أوووي يا حبيبتي .. ثم أعترف علي مضض :

-هو الأكل كان في شوية عك و فعلا تعبني شخصيا . بس أنا حاسس العشا ده في الشفاء العاجل بإذن الله.

سمر بضحك :

-قليت شيخ يا واد و لا إيه . كُل طيب . كُل قبل ما الأكل يبرد.

و جلسا الشقيقين قبالة بعضهما يتناولان الطعام بشهية كبيرة ..

-ماقولتليش عملت إيه في إمتحانك إنهاردة ؟ .. تساءلت “سمر” وسط الطعام ، ليجيب “فادي” من خلال مضغه المستمر :

-الحمدلله . كان كويس . صحيح في تكات بس ماشي حاله.

سمر بقلق :

-يعني هتعدي من المادة دي و لا إيه ؟!

فادي بثقة :

-ماتقلقيش يا سمر أنا كنت مذاكر كويس و طبيعي تيجي أسئلة غير مباشرة يعني.

-طيب حليت الأسئلة دي ؟؟؟

-طبعا يابنتي هو أنا مجنون هسيب حاجة ! .. ثم قطب بإستغراب و هو يسألها :

-سمر .. إنتي من الصبح لابسة الطرحة ليه ؟ من ساعة ما جيتي ماقلعتيهاش !!

سمر بشئ من الإرتباك :

-عادي . مش عشان حاجة يا فادي بس . حاسة إني ممكن أدخل علي دور برد فبلحق نفسي . ماتنساش إني نمت برا البيت إمبارح و أنا مش متعودة و كمان الدنيا برد أوي اليومين دول !

أومأ “فادي” بتفهم ، ثم قال بجدية :

-طيب يا حبيبتي خلي بالك من نفسك بقي و إبقي إقفلي شباك أوضتك كويس و إنتي نايمة . و لو عاوزة دوا أنزل أجبلك.

-لا لا يا حبيبي مافيش داعي أنا كويسة . أقعد إنت إستريح شوية بعد العشا عشان تعرف تذاكر بتركيز ساعتين كده و لا حاجة و بعدين تدخل تنام و إن شاء الله هبقي أصحيك الصبح بدري.

فادي مبتسما بسخرية :

-تصحيني الصبح بدري ؟ خلاص يا حبيبتي أنا بطلت أصحي بدري . إنهاردة كان أخر يوم في الإمتحانات !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في قصر آل “بحيري” … يشعر “عثمان” ببعض الخمول و الرغبة في الراحة بعد قضاء يوم شاق و ممتع في نفس الوقت بالنسبة له

يطلب إحضار وجبة العشاء إلي جناحه ، ثم يلج إلي حمامه الفاخر

ينزع ثيابه ، ثم ينزل في المغطس الساخن ( الچاكوزي ) و يجلس في إسترخاء و هدوء لمدة نصف ساعة

بعد ذلك يأخذ دوشا سريعا ، ثم يخرج و هو يرتدي ثوب الإستحمام السميك ..

-إيه ده ! إنت إيه إللي جابك هنا الساعة دي ؟ .. قالها “عثمان” بتساؤل و هو ينظر إلي “مراد” المدد علي السرير بأريحية شديدة

-أعملك إيه ياخويا ؟ .. تمتم “مراد” بصوت متمهل ، و أكمل :

-أحوالك مش متظبطة اليومين دول و بقيت غامض أوي . ده أنا مش عارف أتلم عليك خالص يا راجل !

عثمان بفتور وهو يجفف فورة رأسه بالمنشفة :

-غامض إيه و بتاع إيه بس ؟ بيتهئلك . بيتهئلك يا مراد.

-كنت فين إمبارح يا عثمان ؟ .. سأله “مراد” مباشرةً ، ليرد “عثمان” ببرود :

-حاجة ماتخصكش يا مراد و قولتلك قبل كده.

قام “مراد” من مكانه و مشي ناحيته و هو يقول بعدم إرتياح :

-أنا مش مطمنلك يا عثمان . حاسس إنك بدبر حاجة مش كويسة أبدا !

عثمان بنفس البرود :

-بردو حاجة ماتخصكش يا مراد . أنا حر يا أخي إنت من إمتي كنت واصي عليا ؟!

مراد بجدية :

-أنا صاحبك و طبيعي تهمني مصلحتك.

عثمان بضيق ممزوج بالحدة :

-أنا عارف مصلحتي كويس مش مستني حد يعرفني.

مراد ببطء و هو يضيق عينيه بتركيز :

-عثمان .. إنت . كنت مع سمر ؟!

تفاجأ من تخمينه الدقيق ، لكنه تظاهر بالبلاهة و هو يصيح بإستنكار :

-إيه ؟ بتقول إيه ؟ و أنا هشوف سمر فين برا الشركة ؟؟؟

-إنت حاططها في دماغك . ماتنكرش.

عثمان بضيق شديد :

-طيب مش بنكر . بس أنا ماكنتش معاها . قولتلك ماكلمتهاش في حاجة أساسا.

-خالص ؟

عثمان بنفاذ صبر :

-خالص يا مراد زهقتني يابني في إيه ؟ و مهتم أووي بالموضوع ده كده ليه أفهم يعني ؟؟؟

مراد بإبتسامة نصر :

-مهتم عشان قولتلك البت دي كويسة و ماشية عدل و إنك مش هتعرف تميلها .. و أكمل بخبث :

-و كمان مهتم عشان الرهان يا حلو . و لا إنت نسيت وعدك ؟

عثمان بإبتسامته الشيطانية :

-لأ مش ناسي . حتة عربية مش هتآثر معايا يا مراد .. بكره الصبح لما تنزل الجراچ عم جابر السايس هيسلمك المفتاح .. ثم قال و هو يدير عيناه معبرا عن ضيقه :

-و يلا بقي هويني عايز أتعشا و أنام ورايا شغل الصبح !

مراد بحزن مصطنع :

-بتطردني ؟ بتطردني يا صاحبي ؟ بقي دي أخرتها ؟!

-أه دي أخرتها و يلا بقي حل عنـــــــــي . كان يوم إسود يوم ما عزمت عليك تيجي تقعد هنا.

و أخذ يدفعه إلي الخارج وسط قهقهات “مراد” المرحة ..

-يا ساتر ! .. غمغم “عثمان” بإنزعاج شديد و هو يغلق الباب  ، و لكن سرعان ما تبدل مزاجه ليقول بإبتسامة ماكرة :

-قال ماشية عدل قال ؟ هههههههه و قال مش هعرف أميلها ! هههههههههههههههههههه !!

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

كانت تقف في ركن مظلم بالرواق الطويل … تنتظر بصبر نافذ لحظة خروج “مراد” من عنده

و بعد أكثر من نصف ساعة ، خرج أخيرا ..

إختبأت “هالة” جيدا حين مر إزاءها و حبست أنفاسها لزيادة الأمان

و لما تأكدت أنه ذهب إلي غرفته ، إنسلت بحذر من مكانها ثم مشت علي أطراف أصابعها متوجهة إلي غرفة “عثمان” ..

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

كاد يضع أول لقمة بفمه ، حين سمع طرق خافت علي باب غرفته ..

عثمان و قد تحول ضيقه إلي حنق شديد :

-و بعدين بقي في الليلة إللي مش فايتة دي ؟ مش مكتوبلي أتعشا يعني !!

و قام بغضب ، ثم ذهب ليفتح الباب ..

-هالة ! .. هتف بدهشة ، و تساءل :

-في حاجة يا هالة ؟

هالة بتوتر و نبرة خفيضة :

-ممكن أدخل ؟!

أجفل “عثمان” بإستغراب ، لكنه قال :

-إتفضلي !

و أفسح لها مجالا للدخول ، ثم أغلق الباب من خلفها ..

-خير يا هالة ؟ كنتي عايزة حاجة ؟؟

أخذت “هالة” نفسا عميق ، ثم إلتفتت له و رفعت عيناها ببطء حتي إلتقت بعينيه ..

-أنا بحبك ! .. رغما عنها ، خرجت منها هذه الكلمة بصدق و تلقائية شديدة

هو يعرف ذلك منذ فترة طويلة جدا ، و لكنه لا ينكر الصدمة و الإرتباك الذي إنتابه لحظة نطقها بهذا ..

حمحم “عثمان” ثم قال بثبات ممزوج باللطف :

-حبيبتي و أنا كمان بحبك . إنتي عارفة كده كويس.

هالة و قد إلتمعت عيناها بحب :

-بجد ؟ بجد يا عثمان بتحبني ؟؟؟

عثمان بإبتسامة خفيفة :

-أيوه طبعا . إنتي بنت عمي و بعدين زيك زي صافي بالظبط.

-صافي ! .. تمتمت “هالة” و قد تلاشت إبتسامتها تماما

عثمان بشئ من الإرتباك :

-أه يا حبيبتي . إنتي أصغر بنوتة في العيلة و أنا من زمان بعتبرك أختي الصغيرة . إنتي غالية عليا أووي يا هالة !

هالة بدموع :

-عثمان بقولك أنا بحبك . بحبك مش حب الاخوات لبعضهم . بحبك .. إنت حبيبي . عايزاك حبيبي مش أخويـ آا.. 

-هالة من فضلك .. قاطعها “عثمان” بحزم ، و أردف بجدية :

-أنا مقدر مشاعرك و صدقيني كنت أتمني لو ينفع . بس للآسف أنا مش مناسب ليكي خالص.

هالة بإندفاع :

-مين قالك كده ؟!

-إنتي عارفة أنا أكبر منك بأد إيه ؟ إنتي 19 سنة و أنا 30 .. الفرق بينا مش قليل . إنتي أختي الصغيرة زي ما قولتلك و بجد تستاهلي واحد أحسن مني.

هالة بآسي :

-بس أنا مش عايزة غيرك.

و سالت الدموع من عينيها بغزارة

ليعبس “عثمان” بضيق و يحاول إحتواء الموقف ..

إقترب منها و أمسك بكتفيها قائلا بهدوء :

-يا حبيبتي . Please ماتعيطيش . أنا ماحبش أزعلك طبعا بس الوضع فعلا صعب .. هالة صدقيني أنا مانفعكيـ …

قاطعته بقبلة مفاجئة علي شفتاه ..

أبعدها “عثمان” و هو يقول بصدمة :

-إيه إللي عملتيه ده ؟ إنتي إتجننتي ؟!

هالة ببكاء حار :

-عثمان أنا بحبك .. بحبك أوووي . عشان خاطري إوعي تقولي ماينفعش إووعي ..

رمقها “عثمان” بتأثر ممزوج بالحيرة و قال :

-هالة لو سمحتي ماتصعبيش الوضع أكتر . مش هينفـ ..

قاطعته بقبلة أخري ..

بدأ يضعف أمامها و يتجاوب معها ، فهي “هالة” أولا و أخيرا ، الفتاة الجميلة الرقيقة و التي تملك سحرا خاص بها وحدها

لكنه بعد لحظات ، أبعدها عنه بعنف و قال بحدة :

-ماينفعـــــــــش . ماينفعش إللي بتعمليه ده . إنتي بنت عمي ماقدرش أعمل معاكي كده !

هالة و هي تزيد في البكاء :

-أنا عايزاك . مش هقدر أعيش منغيرك أنا سيبت هنا و سافرت مع بابي لما خطبت چيچي . ماكنتش قادرة أتقبل فكرة إنك تبقي لغيري . بس لو سيبتك المرة دي هموت . هموووت بجد يا عثمان .. إنت مش حاسس بيا ليه ؟ لو طلبت تتجوزني بابي مش هيقول حاجة صدقني هيوافق علطول . و أنا مش فارقة معايا حكاية السن دي . أنا هفضل طول عمري أحبك بنفس الدرجة و أكتر.

أعطاها “عثمان” ظهره و قال بصرامة شديدة :

-إطلعي برا يا هالة . من فضلك إطلعي برا و مش عايز أشوفك هنا تاني.

نظرت له بقهر و عيناها لا تكفان عن ذرف الدموع ، ثم توجهت نحو الباب و خرجت بسرعة من غرفته و هي لا ترى أمامها ..

بينما نظر “عثمان” إلي عشاؤه الذي بهت من الإنتظار ، ثم قال بحنق شديد :

-كأنهم حالفين إني ماتعشاش الليلة دي .. طب و ربنا ما أنا واكل !

و ذهب إلي فراشه لينام و يضع حدا لتلك الليلة العجيبة …

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

في غرفة “فريال” … تتحدث مع زوجها في الهاتف منذ وقت طويل ، لا تريد أن تغلق معه أبدا و كلما ينتهي حديث تفتح أخر

مما أثار إستغراب “يحيى” و قلقه في نفس الوقت ..

-فريال ! في حاجة يا حبيبتي ؟ في مشكلة عندك .. قالها “يحيى” بتساؤل مرتاب ، لترد “فريال” بنبرة شبه ثابتة :

-مافيش حاجة يا يحيى . إنت بس وحشتني أووي.

يحيى بحب :

-و إنتي كمان وحشتيني جدا جدا جدا .. ثم قال بقلق :

-بس مش عارف حاسك مضايقة ليه ؟ لو حصل حاجة قوليلي !

تنهدت “فريال” بحرارة و حارت ماذا تقول له ؟!!

هل تقول له عما فعله أخيه ؟ هل تقول له أن حاول إنتهاك حرمة منزله ؟ هل تقول له أنه حاول خيانته أثناء غيبته ؟

لا بالطبع لن تقول ذلك أبدا ..

-حبيبي صدقني مافيش حاجة و الله ! .. تمتمت “فريال” بشئ من الضيق ، و أكملت :

-إنت وحشتني بس . أول مرة تبعد عني المدة دي كلها.

يحيى بضحك :

-مدة إيه يا فريال هو أنا لحقت ؟ دول كلهم كام يوم إللي سيبت فيهم البيت.

-إرجع بسرعة و خلاص . أنا مابعرفش أعيش من غيرك.

يحيى بحب شديد :

-حاضر يا عمري . أوعدك هعمل المستحيل و هقصر المدة عشان خاطر عيونك !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

صباح يوم جديد … تعود “سمر” إلي مؤسسة ( البحيري للتسوية و التجارة ) رغم شعورها ببعض التعب و أنها في حاجة لفترة راحة إضافية

لكنها لم ترغب أن يلاحظ “فادي” أي شئ خاطئ فيها ، ففضلت الإتيان إلي هنا علي أن تبقي معه في المنزل طوال النهار و الليل بعد إنتهت إمتحاناته ..

يرن جرس مكتبها ، فتأخذ الملفات التي طلبها “عثمان” و تقوم و تذهب إلي مكتبه

تطرق الباب مرتين ، ثم تدخل و تمشي ناحيته بخطوات ثابتة ..

-إتفضل ! .. قالتها “سمر” و هي تضع الملفات أمامه علي سطح المكتب ، ليرفع “عثمان” حاجبيه بدهشة و يقول :

-بجد مش فاهمك ! .. قولتلك طول ما إحنا لوحدنا ماتعملنيش برسمية . خدي راحتك.

سمر بإزدراء و هي تتحاشي النظر إليه :

-هو أنا قلت حاجة غلط يعني ؟ إتفضل بقت كلمة وحشة و أنا ماعرفش ؟!

ضحك “عثمان” بخفة و رد :

-لأ يا سمر . إتفضل مابقتش كلمة وحشة و لا حاجة.

ثم فتح الملفات و أخذ بعض العقود منها ، لتتحول ملامحه إلي جدية و هو يقول :

-العقود دي متأخرة ليه ؟ ماجتليش قبل كده ليه ؟؟

سمر بجدية مماثلة :

-حضرتك ماكنتش فاضي الفترة إللي فاتت . كنت مشغول في الصفقة الألمانية و بعدين .. بترت عبارتها فجأة ، ثم تنفست بعمق و أكملت :

-و بعدين أنا خدت أجازة كام يوم و نجلاء مسكت مكاني و حضرتك كمان خدت من أول إمبارح أجازة . عشان كده العقود وصلتلك متأخر.

أومأ “عثمان” بتفهم ، ثم قال بصرامة :

-طيب بعد كده يا سمر أي عقود تطبعيها ترجعيهالي فورا ماتخليهاش عندك . أنا مابحبش شغلي يتأخر.

-حاضر.

أمسك “عثمان” بقلمه و نقش إمضته الأنيقة علي العقود ، ثم أغلق الملف عليهم ثانيةً و قال و هو يرجعه إلي “سمر” :

-تبعتي منهم نسخة للطرف التاني و تقوليلهم إننا جاهزين و تتابعي معاهم بنفسك لحد ما يتحدد ميعاد وصول البضاعة.

-حاجة تاني .. تساءلت “سمر” بلهجة فاترة ، ليومئ “عثمان” قائلا :

-أيوه . لحظة بس !

و فتح أحد أدراج المكتب و أخرج زجاجة تحوي كبسولات علاجية ..

-خدي ! .. قالها “عثمان” و هو يمد لها يده بالزجاجة ، لتقطب متسائلة بإستغراب :

-إيه دي ؟

عثمان بجدية :

-دي حبوب منع الحمل نسيت أديهملك و إحنا في اليخت . هتبتدي تاخديهم من المرة الجاية . خلي بالك بقي و إوعي تنسي مالكيش حجة أهو . لو جيتي في يوم تقوليلي أنا حامل هقولك و لا أعرفك.

شعرت “سمر” بغصة مريرة بحلقها ، فإبتلعت ريقها بصعوبة لترد عليه بسرعة ..

سمر بإنفعال ممزوج بالغضب :

-و إنت فاكرني هموت و أخلف منك ؟ إنت مش حاسس إني ضاغطة علي نفسي عشان أقدر أستمر في القرف ده معاك !

صر “عثمان” علي أسنانه بغضب شديد ، و قال ضاغطا علي الأحرف :

-منغير قلة أدب يا سمر . إحنا كده متفقين يبقي تاخدي مني من سكات و حسك عينك صوتك ده يعلا عليا تاني .. فاهمة ؟

رمقته بنظرات عنيفة جدا ، ثم إلتفتت و غادرت مكتبه دون أن تأخذ منه تلك العقاقير التي تكمل خطته الدقيقة ..

بل خطته القذرة التي أقحمت فيها نفسها بنفسها !!!

يتبـــــــع …

تكملة الرواية من هنااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *