التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثلاثون

تيا:
تعالت اصوات السيارات وضوضاء المدينة في الخارج، تقلبت على السرير بإنزعاج حتى فتحت عيناي بكسل وتثاقل.
نظرت للمكان أتأمله للحظات، لمحتُ الوعاء الشفاف الموجود على المنضدة والذي كان بداخله منشفة صغيرة بيضاء لأشهق بتدارك! إيثان في الغرفة المجاورة.

اعتدلت ببطء وانا ابعد شعري الملتصق على وجهي بسبب تعرقي جراء بداية زوال الحمى، ارتديت الخفين وقد ارتجفت للبرودة التي اعترت جسدي، اتجهت للحمام لأستحم بسرعة. وعندما انتهيت وقفت الف المنشفة حول جسدي ونظرت لوجهي في المرآة فبدوت في حالة أفضل من الأمس بكثير.
اختفى الشحوب تقريبا وهذا جيد.
كما أشعر أن الحرارة قد انخفضت ومع ذلك لازلت أشعر بتكسر عظامي وبثقل في الحركة!

لولا مساعدة إيثان بالأمس لي. لربما فقدت وعيي في المنزل ولم يدركني أحد.! أنا حقاً ممتنة له. ولكن، بالتفكير بالأمر فلماذا كان هنا أصلا؟ اتذكر انه قال شيئا يخص الضجة في الأمس. وللأسف كنت في حالة صعبة لا تسمح لي بالتركيز بما يقوله جيداً!
أود لو أفهم ما الذي أتى به؟ أياً يكن السبب فأنا شاكرة جداً لمجيئه، لا يسعني وصف سعادتي!

حسنا، في الأمس كنت في وضع مريع، أولا بسبب الحُمى وثانيا بكائي كالبلهاء أمامه، لذا على اليوم ان أبدو في إطلالة أفضل ومظهر أجمل.
ارتديت ملابسي القطنية الدافئة بسرعة وجففت شعري ووضعت أحمر شفاه بلمعة شفافة وبدوت وكأنني في مراهقة تتأنق لموعد مع الفتى المتيمة به!
الأمر ليس بيدي.
إنه إيثان.
بدأت أدرك أنه من الضروري أن أسترده مجدداً.
لن يفهم أي شخص كم أتوق لكلماته المعسولة والنظرة المميزة التي يرمقني بها.

ابتسمت لنفسي في المرآة أتذكر مقتطف سريع لموقف قد حدث في نفس هذه الغرفة قبل ثلاثة سنوات تقريباً.
وضعت الحقيبة على كتفي وحدقت إلى نفسي في المرآة برضى، جيد.

طُرق الباب ودخل إيثان الذي ظهر انعكاسه على المرآة مرتديا ملابسه الصيفية المناسبة لهذا الطقس الحار، ابتسمت له وقبل ان استدير كان قد اقترب واحاط بخصري ليحني رأسه ويسند ذقنه على كتفي متمتماً بابتسامة هادئة: أخبرني أن أرى لماذا تأخرتِ ولكنه لا يعلم أنني هنا لنختلي قليلاً. كريس هذا مزعج حقاً!

ابتسمت بسخرية ولكن سرعان ما تبددت السخرية إلى لطف وانا اهمس: عليك أن تفهم هذا، هو يحب فصل الصيف ويستغل كل ساعة فيه، لا تنسى معاناته مع الشتاء وحرمانه من أمور كثيرة فيه. لذا يبدو متحمسا بعض الشيء على غير عادته.
أومأ مبتعداً قليلا: صحيح. ولكن من الضروري ان ابعده عن الساحة قليلاً لنجد الوقت مساءً، ماذا عن الذهاب إلى أحد المطاعم؟

فكرت متمتمة: لا مانع لدي. ولكن ماذا عن تناول العشاء هنا؟ أنت تجيد الطهي أيضا ماذا لو تشاركنا معاً، أعتقد بأن الأمر سيكون ممتعاً أكثر؟
ابتسم لتظهر أسنانه اللؤلؤية وقد اقترب مجددا: أي شيء سيكون بالنسبة لي جيد ولا اعتراض فيه طالما سنكون وحدنا.
قالها وقد انحنى ليطبع قبلة هادئة على شفتاي لأغمض عيناي وما ان فعلت حتى سمعنا صوت مشمئز: اللعنة عليكما! افعلا هذه الأمور القذرة بينما أكون بعيداً.

اجفلت مبتعدة عن إيثان بسرعة اتظاهر بالنظر إلى حقيبتي وقد اعتراني الإحراج، بل ولم أقوى على النظر إلى كريس الذي تقدم نحو إيثان وزمجر بغضب ممسكا بياقة قميصه: اسمع. موافقتي على مواعدتكما لا تعني ان تتمادى!

زفر إيثان بملل شديد وتهكم رافعا يديه بلا حيلة، حسنا قد يكون له الحق في ذلك فكريس بالنسبة لي ليس مجرد صديق، إنه الأخ والأب الذي اتكئ عليه. ويرى انه وقبل مواعدتي لإيثان عليه ان يكون شخصا مناسباً ومع ذلك فهو لم يقل هذا او يوضحه!
هو فقط يتظاهر بأنه لا يرتاح لإيثان ويتحرى بشأنه، ليخفي رغبته في التأكد من كون إيثان يستحقني وما شابه من الأمور التي يفكر بها!

تمتم إيثان بشيء من الإمتعاض: ماذا الآن؟! شخصان يتبادلان المشاعر وتعلم انت بنفسك ذلك فلماذا تواصل حشر انفك في علاقتنا بحق الإله!
رمقه كريس بنظرة غاضبة قبل ان يتجه للباب ويخرج: لا أريدها ان تزعجني لاحقا ببكائها وهي تتحدث عن خيانتك وغدرك وما شابه لذا على ان اخلص نفسي من هذا البؤس قبل ان يبداً. فليكن، لنسرع وإلا غادرت وحدي.
همس إيثان بغيض شديد: من يظن نفسه ليتدخل بهذه الطريقة!

هدأته بنبرة لطيفة مواسية: اصبر قليلا بعد. اعرفه منذ زمن وربما يشعر بالمسؤولية بعد ان اعتمدت عليه بشكل كُلي.
قلب عينيه بنفاذ صبر ثم ما هي إلا لحظات حتى ابتسم بشرود ينظر بعينيه الخضراوان إلى الفراغ قبل أن يحدث نفسه هامساً: أنا أيضا على التأكد من شيء ما. وبعدها سأعترف بأمر مهم لصديقك المتعجرف.
ارتفع حاجباي بعدم فهم: أمر مهم؟
نفي برأسه ليتجه إلى الباب متمتماً: لا شيء، لنسرع.

عدت إلى الواقع أردد بصوت منخفض: أمر مهم! أدركت بعدها فقط أنه يشير إلى هويته الحقيقية. يا تُرى، ما الذي ستكون عليه الأحداث لو لم يختلس براد أموال الشركة، وما الذي سيحدث لو لم يسمع كريس حديث والده وإيثان في المكتب وقد انقلب عليه تماما وشعر بالحقد نحوه!

تنهدت بعمق شديد والقيت آخر نظرة قبل ان اخرج بغية الذهاب إلى المطبخ، على تحضير الفطور، إيثان يحب تناول شطائر المُربى بنكهة التوت. كما سأعد كوب من الحليب ال.
ولكن استوقفني الباب المفتوح للغرفة المجاورة!
اقتربت من الغرفة ببطء لأجد الباب مردود قليلا.
دنوت لأتفحص الوضع حتى تفاجأت بأن الغرفة فارغة تماما!
اتسعت عيناي قليلا واتجهت إلى حمام الغرفة والذي كان خاليا كذلك!

زميت شفتاي وقد انتبهت لملابسه التي كانت مبللة في الأمس، وضعها على الطاولة الصغيرة في الغرفة، هل نسيها! هل رحل حقاً؟!
تقدمت نحو الملابس بوجه يائس، رفعتها لأجدها قد جفت ولكن ليس تماما فهي لا تزال رطبة قليلاً.
علي أن أقوم بغسلها حتى لا يتسبب الماء بأي رائحة سيئة فيها.
لماذا غادر! لماذا لم ينتظر؟

أغمضت عيناي اتمالك نفسي وأمنع دموعي من التحكم بي، لا يجب أن أبكي الآن. فأنا عازمة على استرداد علاقتي به. على التمسك به مهما كان الثمن!
فليذهب كل شيء إلى الجحيم. أعلم أنني لا أستطيع الإستمرار في هذه المسرحية الهزلية التي اكذب فيها على نفسي، سأتصرف لاحقاً وأعمل جاهدة. مع أنني اعتذرت له في الأمس ولكن هذا لم يكن كافي.

زفرت وقد التقطت قميصه وبنطاله وبدأت بغسل ملابسه ريثما يجهز كوب الحليب والفطور الخفيف الذي أعددته لنفسي.
لن أكون قادرة على الذهاب للعمل اليوم، ولا على زيارة كريس، ثم لا يجب ان اغادر حتى يزول الرشح تماماً. أخشى ان تصيب أحدهم العدوى.
شارلوت:
أنا وكلوديا وأولين، وكذلك أوليفيا ووالدها نجلس في غرفة كريس منذ أكثر من نصف ساعة.

وبصراحة لم يكن الأمر بيدي ولكن لقائي بكريس كان جافا بعض الشيء، فتلك الإشعارات في هاتفه لازالت تتردد في ذاكرتي وصداها يزعجني كثيراً.
وما ان دخلت غرفته ورأيته حتى قلت له صباح الخير بنبرة متهكمة ممتعضة هو نفسه قد استنكرها ولكنه لم يعلق.
الأهم من هذا. إنه يتصرف مع جوزيف وابنته ببرود شديد وبالكاد يلقي عليهم نظرة خاطفة!
ليت السيد ماكس هنا.

علي الأقل كان سيلطف الأجواء ويتداركها، كلوديا هنا ويجب ان اكون حذرة من نشوب أي شجار بينها وبينهم.
مع أن أوليفيا ليست من الصنف الذي يرد على الجدالات ولا والدها، من يعلم كيف ستكون عليه الأوضاع لو كان رين هنا!
ما ان استيقظت صباحا حتى اخبرت السيد ماكس بأن يسمح لآنا بالراحة نظرا لنومها في وقت متأخر، ولم أوضح له تفاصيل ما حدث ومع ذلك لم يعترض على الإطلاق.

رين هذا لا يستيقظ مبكرا أصلا، إنه يجبر الخدم على وضع الفطور مرتين على التوالي! لما لا يلتزم بالوقت المحدد وحسب؟! إنه يزعجني كثيراً.
انتشلني من أفكاري صوت كلوديا التي كانت تجلس متكتفة: آه نعم، اتصلت بستيف في الأمس وقال بأن صوتها بدى مبحوحا بطريقة ما، ولكنها تقول بأنه مجرد رشح.
عقد كريس حاجبيه بشيء من الحيرة ثم قال بهدوء: هي تقول ذلك دائما عندما تكون متعبة ثم تهمل نفسها وتحتضر.

أردف متنهداً: عمتي اتصلي بها لاحقا واطمئني عليها.
أومأت برأسها في حين قالت أولين بإهتمام: ارجو ان تكون على ما يرام.
هي ليست طبيعة كريس التي اعتدت عليها. ولكن.
أعتقد بأنه يبدو عفويا ومهتما عندما يتعلق الأمر بتيا، لا أظنه سيقول شيء مشابه عني.
ربما أشعر بالغيرة من اهتمامه بتيا بالفعل ولكن هذا ليس بيدي.
فهذا الخائن يجلس وكأن شيئا لم يكن، أنا انتظر فرصة تسنح لي لأنفجر في وجهه، سيندم حتماً.

لمحته يمد يده بغية أخذ قارورة الماء من على المنضدة ولكنها كانت بعيدة قليلا، وقفت بتلقائية لأجلبها له ولكنني تسمرت في مكاني للحظة عندما وقفت أوليفيا مبتسمة بهدوء وناولته القارورة: تفضل.
نظر إليها ببرود ثم نحوي فأسرعت أجلس مجددا بصمت.
حركتُ قدمي اضربها في الأرض بخفة في حين عادت أوليفيا لتجلس متسائلة: ماذا قال الطبيب؟
رمقها بنظرة سريعة ثم رشف من الماء ونظر إلى بهدوء: كيف هو جيمي؟

اتسعت عيناي وكذلك أوليفيا، في حين اخفضت أولين عينيها بتوتر شديد!
ابتسمت كلوديا بانتصار تهز رأسها بسخرية.
يا الهي هل كان عليه تجاهلها هكذا! بحق الإله ألا يوجد القليل من اللباقة!
ابتسم والدها بإحراج شديد وبدى متضايقا بعض الشيء، لا أدري هل أجيبه او هناك تصرفا آخر على اتباعه!
أشعر بالخجل وكأنني من تم تجاهلها للتو.
ومع ذلك أجبته بتردد: إنه بخير، يستمتع بقضاء وقته مع بريتني. كما أنه مشتاق إليك كثيراً.

انهيت جملتي اختلس نظرة سريعة لأوليفيا التي اعتلى الهدوء الممزوج بالضيق ملامحها قبل ان تؤيدني مبتسمة: صحيح. بريتني وجيمي على وفاق تام، حتى انها نامت في الأمس في غرفة جيمي.
أغلق غطاء القارورة وظل ممسكاً بها يعبث بورقتها الملتصقة عليها متمتماً: بالمناسبة يا شارلوت أنا بحاجة لهاتفي. احضريه معكِ غداً.
توترت أزدرد ريقي بصعوبة وكأنه قد تم بناء سد في حنجرتي! لقد تجاهلها مجددا هذا حقا قاسي وصعب جداً.!

أصدرت كلوديا صوت هازئ وهي تضحك بخفوت وقالت تمرر يدها في شعرها المنسدل: لا تقلق سأذكر شارلوت في حين نسيت.
ثم اخرجت نظارتها الشمسية من حقيبتها وامسكت بها لتقول موجهة حديثها إلي: عزيزتي شارلوت لنعد إلى المنزل. لا يجب أن نطيل هنا لأن كريس بحاجة إلى الممرضين لمساعدته على الحركة حتى يلتئم الجرح.
ابتسمت نافية: يمكنكِ الذهاب قبلي كلوديا، سأجلس لعشرة دقائق فقط وبعدها سأعود للمنزل.

ارتفع حاجبيها بحيرة: من سيوصلك؟ هل أرسل مايكل؟
أومأتُ مفكرة: سيكون هذا لطف منك. ولكنني سأعلمك بالأمر أولا فلربما أغير رأيي.
ابتسمت لي ثم القت نظرة على أوليفيا وقالت بنبرة واثقة: حسنا لا بأس، من الطبيعي ان نترك الأزواج بمفردهم قليلاً. سأعود للمنزل قبلك إذاً. إلى اللقاء أولين، أراك غدا كريس.

خرجت كلوديا تمشي بخطى شامخة والإبتسامة لا تفارق شفتيها، وقفت أوليفيا وقالت بصوت منخفض دون ان تنظر إلينا: أبي. لنغادر.
وقف جوزيف مميلا برأسه: هيا، أتمنى ان تتحسن يا كريس.
أومأ له كريس حتى خرج الإثنان.
أغلقا الباب وما ان فعلا حتى زمجرت أولين بغيض: هل كان عليك التصرف هكذا!
رمقها بغيض مماثل: من طلب منهم زيارتي أصلاً! ما الذي يفعلونه هنا بحق الإله، لا تخبريني أنهم سيطيلون المكوث في منزلنا!

أولا هو منزل العائلة، ثانيا لا حق لك في الإعتراض، اترك الخلافات بعيدا وحسب وترصف معهم بلطف ولباقة وكف عن هذه الوقاحة!
أخبريهم انني لا أريد أي زيارة مجدداً.
لن أفعل!
سيدة أولين أنا لا أرغب في رؤيتهم مجدداً، لا يمكنني مجاملتهم أو حتى تقبل وجودهم! ليس وكأنني سأموت في هذا المشفى إنها بضعة أيام وسأكون قادراً على الخروج من هنا.
هم ضيوفك وانت حر فيما تريد فعله ولكن لا تقحمني في الأمر معك.
ولكنني لم أعد أ.

قاطعتهما بحيرة: ع. عذرا لا زلت هنا!
نظرا إلى بالنظرة المنزعجة نفسها فأجفلت بريبة! لتستوعب أولين الأمر بسرعة قبل ان تتنهد: اعذريني يا شارلوت. سأترككما معا قليلا.
وقفت امرر يدي على كتفها: اسفة سيدة أولين ولكنني لن أطيل أعدك.
ارتفع حاجبيها: ما المشكلة في ذلك حتى! خذي كل وقتك يا عزيزتي.

خرجت السيدة أولين وتركتنا، عندما أغلقت الباب تنهد متكتفاً بهدوء: تريدين ان نتبادل القُبل مجدداً؟ لا أمانع ولكن ربما عليك ان توصدي الباب هذه المرة حتى لا ي.
زمجرت أقاطعه بحدة: أخبرني حالاً هل أنت زير نساء أم لا بحق السماء!

ظهرت تقطيبة بين حاجبيه لهنينة وبدى مستنكرا لغضبي لأكمل بحزم: حسنا توقعت أنك لن تقع في حبي وما شابه لا تقلق أنا لست غبية او مغفلة ولكن، اعتقد بأنك تتمادى يا كريس في علاقاتك مع النساء بينما أنت متزوج! لننفصل أولاً ثم افعل ما يحلو لك ولكن لا تجبرني على لعب دور الفتاة الساذجة التي لا تعي ما يحدث خلف الكواليس.
ما الذي تقولينه!

ما الذي أقوله؟ أرجوك لا تتظاهر بالبراءة، تجاوزت مكالمتك مع تلك المرأة يا كريس ووجود فستان أحمر مثير بالكاد يستر الجسد في منزلك، ولكن الا تعتقد بأن هذا كثير جداً؟
بدأ الغضب يأخذ مجراه على ملامحه ليقول بجفاء: عن أي براءة تتحدثين! تحدثي بوضوح!
حسنا. لكَ هذا! ما خطب الرسائل الغرامية التي تصل إلى هاتفك هاه؟
من سمح لكِ بتفتيش هاتفي أو العبث به!

لم أكن لأفعل. رأيتها صدفة على واجهة الهاتف، لا تغير الموضوع يا كريس!
بحق الإله أي نبرة هذه التي تخاطبينني بها!
قالها بإنفعال أرعبني للحظة وجعلني أتسمر في مكاني!
بل وأدركت أنني وخلال جدالي معه استخدمت نبرة عالية لم أنتبه لها تكاد تهز أرجاء الغرفة!
ومع ذلك شعرت بالغيض ارص على أسناني: اي مبرر ستقوله ايها الخائن أطربني!

لمعت عينيه العسلية بالحزم وقد همس يحكم قبضة يده بقوة: صدقيني لو كنتِ قريبة لما أفلتكِ حتى تعتذري.
رفعت حاجبي الأيسر بتهكم: هل هذه هي طريقتك في التهرب من السؤال! حسنا سأصيغه بطريقة أسهل. يوجد من تراسلك وتريد الإطمئنان عليك. هل تسمح لي بإخبارها في أي مشفى أنت ورقم غرفتك حتى يرتاح قلبها وضميرها؟ ثم لماذا رقمها غير مسجل؟ لا تخبرني الآن بأنك لا تعرفها لأن.
وما دافعك أنتِ؟

قالها بنبرة باردة مستفزة فعقدت حاجباي أحاول فهم مغزى سؤاله!
ما الذي تقصده؟
لماذا تبدين غاضبة! إن كنت تشعرين بالغيرة فيمكنك قول هذا دون مراوغة.
عن أي غيرة تتحدث! أتُراك تظن أنك بالفعل محور الكون يا كريس؟
ربما نعم. بالنسبة لكِ أنتِ.
اتسعت عيناي بذهول أهمس بإشمئزاز: اللعنة على هكذا ثقة وغرور! لا يمكنك أن تكون جاداً.
حتى الأحمق الغبي سيفهم أن غضبك قد سيّرته الغيرة.

عضيت على شفتي بقوة حتى انني شعرت بالألم! أغمضت عيناي أتمالك نفسي.
أكاد أنفجر! هذا بالفعل كثير جداً.
قد أكون بالغت في غضبي ولكنه محق! لم أعد أحتمل بسبب شعوري بالغيرة!
ومع ذلك ارتديت قناع الهدوء وجلست على الكرسي المجاور له وقلت بكل برودة أعصاب: لماذا قبلتني في الأمس؟
ضاقت عينيه قليلا قبل ان يشيح بوجهه متمتماً: أحسنتِ في قلب الموضوع لصالحك.
لماذا فعلت ذلك؟
لا سبب محدد.

هاه! كيف ذلك؟ الا يوجد أي دافع قد وجهك لتقبيلي! كريس. لا تخبرني أنك فعلت ذلك بالفعل دون سبب!
هل ستكون معضلة؟
اتسعت عيناي مرددة: معضلة؟ هل تظن ان تقبيلي دون سبب سيكون أمرا أتجاوزه بسهولة حقاً؟ بربك ألا يوجد سبب دفعك للتصرف بتلك الطريقة بالأمس!
ألن يقول مثلا بأنه فعل ذلك لأنه بدأ يكن لي مشاعراً ولو عابرة؟ ان كان قد فعل ذلك وجعلني أعيش تلك اللحظة اللطيفة دون أي دافع فسأصاب بخيبة أمل لا توصف!

مشاعري نحوه بدأت تفيض وتجعلني أتصرف بلا وعي، إنني غاضبة ولا يمكنن كبح إنفعالي أكثر! بل أدرك أنني توصلت إلى خيارين! إما ان يبادلني مشاعري أو اجد حلاً لمشاعري نحوه وقد ادفع نفسي للزواج بأي شخص تقع عليه عيني لأتزوج وأنجب وانسى كريس تماماً.
سألته مجدداً وأنا على أمل أن أجد إجابة تشفي خيبتي وخوفي: لماذا طلبت مني البقاء معك؟ لماذا قبلتني! إن كنت لا تزال تتواصل مع النساء فلماذا قبلتني!

زفر بنفاذ صبر: ها قد عدنا مجددا، إلى أي تواصل تشيرين!
ألم أخبرك للتو؟ ألم أكن واضحة بما يكفي!
أغمض عينيه قبل ان ينفجر غاضبا في وجهي: لا يوجد نساء في حياتي، واللعنة هل يرضيكِ هذا الآن؟
انتفضت في مكاني لصوته ونظرته الساخطة التي جعلتني لبرهة اتمنى لو كنت مجرد كرسي في غرفته! أو حتى حوض الإستحمام في الحمام، أقسم بأنني لن أمانع!

بل أنني أدركت أن خفقات قلبي قد تسارعت تحت تأثير عينيه الغاضبة والمنفعلة! بدى وكأنه تدارك الأمر فأسرع يشيح بوجهه بعيداً هامسا محاولا تهدئة نفسه: سحقاً لغبائك.
غ. غبائي!
اتسعت عيناي ولم أكد أجادله حتى التفت نحوي واستأنف بإنزعاج: يؤسفني أنه لا حدود لغبائك هذا! اكتشفت انكِ مرشحة لجائزة العقل الأغبى دون شك وقد تأخذين المركز الأول على التوالي!
كفاكَ سخفا!

أنا لا أمازحك! غبائك سيفقدني عقلي وإنسانيتي! أشعر فجأة برغبة في إيساعك ضرباً!
ب. بحق السماء! تجاوزت حدودك كثيرا يا كريس!
تجاهلني يمرر يده على جبينه وبدى متألما وكأنه قد أصيب بصداع!
عن أي غباء يتحدث.!
كل ما سألته عنه هو سبب تقبيلي ثم انهال على فجأة بغضب! ولكنني لن أنسى تلك النظرة! لازلت أخشى رؤيتها مجدداً. سحقا إنه يجعلني عاجزة عن تفجير غضبي!
ربما سأتجاوز الأمر هذه المرة فقط.

تكتفت أجلس بإنزعاج وقد أطرقت رأسي.
وشيئا فشيئا تملكني اليأس، قال بأنه لا نساء في حياته. كيف أصدق ذلك وقد سمعت كل شيء بنفسي بل ورأيت بعيني تلك المرأة وفستانها القذر!
وتلك الرسائل التي رأيتها.!
يا الهي لم أعد أفهم شيء.

همستُ بهدوء: اسمع. أنا لم أقصد الصراخ قبل قليل، ولكن لا يمكنك لومي فحتى لو كنا لن ننفصل الآن وسنؤجل الأمر لوقت لاحق. فلا حق لك بخيانتي! عليك وضع القليل من الإعتبار لي. هذا أقل ما أطالب به ولا أريد شيئا أخر.
لم يعلق فأكملت وانا أقف: سأحضر لك هاتفك غداً. سأغادر الآن.
مهلاً.

قالها بسخرية واسترسل: تصرخين فجأة بغضب وانا الذي تساءلت لما كنت هادئة عندما كان الجميع هنا، هل كنتِ تقومين بتجهيز هذا الحوار؟ فليكن. أنا أيضا سأتجاوز صراخك وغبائك الذي لا يطاق. إلى أين ستذهبين؟
إلى الغرفة المجاورة.
رفع حاجبه بحزم فزفرت بإمتعاض: واين عساني أذهب! إلى المنزل بالطبع!
لا زال الوقت مبكراً.

سأكون صريحة معك يا كريس. أنا أدرك جيداً انني سأتشاجر معك لو أطلت البقاء هنا، حافظ على ما تبقى من حياتك ودعني أغادر.
اجلسي.
اشار للكرسي بملل فترددت اتظاهر بالملل: وعدت السيدة أولين انني لن أطيل.
لم تطلب منك ان تعديها بهذا الشأن.
في النهاية جلست على مضض وحينها رفع جسده قليلا يعتدل في جلسته وقد وضع الوسادة الأخرى على حجره وبدى جديا وهو يتساءل: كيف هي الأوضاع في المنزل؟
أتقصد جوزيف وأبناؤه؟

أومأ فأجبته مفكرة: حسنا كيف أصف الأمر. يبدو الأمر وكأن عائلتك عبارة عن فصلين في المدرسة وُجدا في العالم لينافسا بعضهما! عمتك وستيف ليسا على وفاق أبدا مع رين. وحتى أوليفيا تتلقى بعض التعليقات الجارحة. أرجو ان ينتهي كل هذا بسرعة لأن الأجواء مشحونة جداً!
هز رأسه بفهم وقد اخذ شهيقا عميقاً، حينها لم أستطع منع فضولي وأنا أسأله باستغراب: كريس هل تهتم بالأمور التي تتعلق بالزراعة! هل هذه هي ميولك؟

بدى مستغربا جداً لما قلته بل وأنه وجه كل إهتمامه لي راغبا في التوضيح: كيف علمت بذلك!
إذاً هذا صحيح. أخبرتني أوليفيا بأنكما اعتدتما قضاء الوقت في الزراعة.
أردفت بحيرة: كم عمرها على أي حال؟
أخفض عينيه قليلا وقد زفر: لا أعلم. ربما في الرابعة والعشرون أو الخامسة والعشرون.
شبكت يداي أحدق إلى أناملي وانا أهمس: الزراعة أمر ممتع.
الأمر ينحصر حول إعجابي بالطبيعة وحسب.
قالها رافعاً كتفيه فاستغربت مرددة: الطبيعة؟

نظر للنافذة مجيباً: أكره الأماكن المكتظة وضوضاء المدينة لذا أفضل البقاء على منزلي المطل على الشاطئ حتى لو كنت أكره البحر.
هكذا إذاً.
بعدها ساد الصمت في المكان وتربعت السكينة في الغرفة، إذ كان يحدق إلى النافذة بشرود بينما استمريت بالنظر إلى أناملي التي أحركها بصمت.
ينتابني شعور غريب جداً.

لا أدري ما السبب ولكنني. بدأت أشعر برغبة عارمة من الصعب كبحها بشأن الصراخ لأعترف بمشاعري! بصراحة بدأت تنهكني وتتعبني. لم أتصور ان كتمها سيشعرني بالإختناق هذا!
لن أنسى ردة فعلي والوعود التي قطعتها عندما ظننت بأنني سأفقده.
رغبت حينها بفرصة واحدة فقط لأعترف له.
ما الذي أنتظره؟

يوجد من تحاول لفت انتباهه. ترسل له تلك الرسائل في أوقات متأخرة! ما الذي على فعله بشأنها؟ ألا يفترض ان اضمن جعل كريس لي أنا؟ ماذا لو نالت منه تلك المرأة؟
هل على البوح بمشاعري حقاً؟ ثم ماذا! ما الذي سيحدث؟
يوجد صوت عميق في داخلي يخبرني بأنه قد طفح الكيل، وكأنني لم أعد أبالي بردة فعله وكل ما أريده هو ان اكون صريحة معه وحسب!
يا ترى ما الذي على فعله؟ أريد ان اتقدم في علاقتي معه! لا أريد ان ننفصل!

ولكن. هذه المشاعر غير متبادلة، إنها من طرف واحد فقط. فما الفائدة التي سأجنيها إذاً؟
ربما سأجني فائدة واحدة. قد يفكر بالأمر مثلا ويبدأ بالوقوع في حبي مع الوقت اليس كذلك؟!
يا الهي انا حقا مشتتة.
أخبريني.
قالها لينتزعني من خططي، نظرت إليه بترقب فقال بهدوء وهو يتمعن التحديق إلي: هل حقا لا تذكرين أي شيء بشأن مجيئك إلى منزلنا في طفولتك!؟ ألا يوجد أي شيء قد علق في ذاكرتك؟

نفيت ببلاهة: إطلاقاً. هل هناك أمر مميز قد حدث حينها؟
ظل ينظر إلى بهدوئه ذاك حتى أشاح بوجهه: انسي الأمر. لم يحدث شيء مميز، ولكنه كان لقاؤنا الأول ظننت بأنه سيُحفر في رأسك الفارغ.
هنيئا لرأسك الذي تمكن من الحفاظ على اللقاء الأول إذاً. بدأت أعتقد بأنك كاللعنة التي التصقت بي منذ طفولتي.

رفع حاجبه بعدم رضى فزفرت بملل: ربما لو انفصلنا وتزوجت برجل آخر وكونت عائلة، فسأُرزق بطفل يحمل ملامحك بشكل مفاجئ أو حتى يخرج من العدم لقيطا مسكينا أضطر للإعتناء به وبجانبه ورقة كُتب عليها كريس . حينها سأجلب كاهنا ليخلصني من هذه اللعنة التعيسة.
ابتسم بإستخفاف قبل ان يضحك بخفوت فاسترسلتُ ضاحكة بسخرية: هل حقا تشك بهذا؟
حسنا من يدري. ربما أنتِ من فرضت نفسها على في البداية.
هاه!
لما لا؟

رفع كتفيه مردفاً: ربما انتِ من اقتحمت حياتي ورفضتِ الخروج منها، الذنب ليس ذنبي. ثم لما لا تنظرين إلى هذا الشأن كما لو أنه قدر؟ فكري بالأمر. عليكِ إعمال عقلك المسكين قليلاً، لقد كان كلا والدينا أصدقاء من زمن بعيد، وبعد ان كون كل منهم عائلته الخاصة التقينا للمرة الأولى في الطفولة. وتكرر اللقاء بعد سنوات وها نحن الآن معاً. لا تخبريني أنكِ ظننت الأمر صدفة عابرة!

من سيفكر بهذه الطريقة! حسنا فكرت بطريقة أخرى. بأنها كانت خطة قمت بحياكتها منذ البداية لتنتقم من عائلتي عن طريق الزواج بي وجمعنا القدر بخطأ لا ذنب لنا فيه.
اخرجي يا شارلوت، غادري.
قالها بنفاذ صبر وانزعاج فضحكت بخفوت نافية: كنت أمزح. اعترف بأنني فكرت بهذا مسبقا ولكنني لم أعد أفكر على هذه الوتيرة الآن.

رمقني بنظرة سريعة قبل ان يمرر يده في شعره وقد لمعت عينيه العسلية بالهدوء وهو يبتسم ينظر للنافذة قبل ان يحول نظره إلى عندما سألته: لماذا قبلتني في الأمس؟
ها قد عدنا مجدداً.
بدت نبرته متبرمة كثيراً فعقدت حاجباي: لماذا تراوغني كثيراً يا كريس؟ إنه مجرد سؤال بسيط أحتاج لإجابته!
أنت مُلحة.
هل اعتبر صمتك عن الإجابة. بأن دافعك كان لا شيء؟!

قلتها بشيء من التوجس والقلق الذي لم أعد استطيع قمعه. هو لا يدري كم ستتغير الحال لو أخبرني بسببه! كل ما أريده ان يكون صريحا معي! حتى لو أخبرني بأمر لا أتمنى سماعه فسيكون هذا كافيا، على الأقل لن أبني أحالاً تُردم لاحقاً.

لا زال يلتزم الصمت! وهذا ما جعلني أقف لأقول بحدة: سأعتبر صمتك يشير إلى دافعك للنيل من أخي يا كريس! سأعتبره رغبتك في بث شعور الإنتصار أمام إيثان! لا يمكنني رؤية أي سبب آخر! لا استطيع استنتاج شيء مختلف! تحدث أرجوك وأخبرني لتريحني. أنا لا أطلب شيئا صعباً!
إلى متى ستواصلين الثرثرة حول الموضوع نفسه!
أشعر بأن تلك القبلة كانت.

بترت حديثي وقد غلب الإستياء على غضبي. بل وأكملت بنبرة ضعيفة: لقد اكتفيت. لا أدري لماذا لم أعد صبورة كفاية، ولكن هذا كثير جداً! لا تجرؤ على فعلها مرة أخرى، إياك وفعلها أبداً! انا لن أسمح لك بتقبيلي كالمغفلة مجدداً، اكتفيت من افعالك!
نفيت بنفاذ صبر وبلا حيلة: يكفي، انت محق لقد كنت ملحة حول هذا الأمر، فليكن لم أعد أهتم، هذا لن يتكرر مجدداً أبداً.

تبادنا النظرات المترقبة، كنت أنتظر منه ولو حرف واحد! أن يسوغ الأمر ولو بسبب مثير للضحك! ولكنه لم يتحدث. كل ما يفعله هو النظر إلى بعينيه العسليتان بصمت!
فهمت.
أولا لا يريد توضيح ما سيّره لتلك القبلة، ولا يريد التنازل ليشفي غلي ويتفوه ولو بكلمة.
كنت أعلم انني وبوقوعي في حب كريس لن أنال سوى المتاعب، كنت أعلم جيداً أنني سأتألم لهذا الحب.

بغض النظر عن أنه حب غير متبادل هو يجيد استغلال مشاعري وهذا أمر لم أعد أحتمله أكثر! أنا أيضا لي طاقة محدودة.
ابتسمت بشيء من السخرية أخفي المرارة التي شعرت بها، كما توقعت. كل هذا ليشعر بنخوة الإنتصار على إيثان الذي يرفض علاقتنا. حاولت مرارا وتكرارا تكذيب نفسي ولكن طفح الكيل بي.

استدرت مبتعدة عن سريره لأتجه للباب، ولكنني سرعان ما توقفت فجأة وبدوت وكأنني اتصرف كالثملة التي تتحدث بلا وعي وقد صرخت منفجرة بنفاذ صبر أذهلني شخصياً: اسمع أيها الخائن المخادع. مشاعري القاسية والمتهورة نحوك هي الشيء الوحيد الذي دفعني للتنازل عن كل شيء، اللعنة عليك يا كريس أنا أحبك لدرجة أنني تناسيت أمورا كثيرة في حقي! قررت العودة والبقاء إلى جانبك لأنني أردت ذلك، خشيت أن أفقدك ومنذ ذلك الحين وأنا أبدو عجولة بشأن هذه المشاعر التعيسة! إنها مشاعري وعلى الأقل أعلم إلى أي اتجاه أسير، لست أنكرها وإنما اعترف بها ولا أستطيع أن أتغاضى عن شعوري بالندم كذلك، لا فكرة لديك عن الندم الذي يعتريني كلما أتذكر وقوعي في شباكك. فأنا أعلم مسبقا أن خوالجي هذه ستهوي بي إلى القاع، لقد بت تتصرف بطريقة مختلفة عما سبق بالفعل، لم تعد ذلك المتعجرف الذي يلقي بسيل من الكلمات الجارحة ومع ذلك ازدتَ غموضا! أنت تشتتني كثيرا وتضعني في لغز محير متسائلة عن سبب معاملتك هذه لي! أحبك لدرجة أمقت فيها نفسي بسببك! أنا أنحني أفتش في التُراب عن خطوة واحدة خطوتها نحوي يا كريس وكنت واضحاً وصريحاً فيها تجاهي!

اتساع عينيه العسليتان بذهول جعلني أدرك ان كل هذه الكلمات التي فكرت فيها قد تُرجمت على لساني وانهالت دون رحمة او منحي فرصة للتراجع وقد فات الأوان!
بلا شك.
لم يعد هناك مجال للعودة! لقد اعترفت بمشاعري الآن ولا أدري كيف فقدت أعصابي!
أعلم كل كلمة قلتها.

وأستوعب كل حرف قد نطقت به للتو.! أليس حلماً؟ هل هذا حقا واقعاً؟ اعترفت له؟! يا الهي لا أصدق التهور والطيش الذي بذر مني! أي حماقة هذه التي اقترفتها في حق نفسي؟ أنا بحاجة لإبداء كم أرغب من قلبي ان يُحيل إلى التقاعد فوراً، جميع قراراته خاطئة، جميع رغباته متهورة، وكل الحروف التي يجبرني على التفوه بها لا يستأذن بشأنها أولاً. وهذا ما أجنيه الآن!
كريس بات يعلم بأنني أحببته! كل ظنونه أصبحت يقيناً.

لأول مرة في حياتي كلها أشعر بالمعنى الحقيقي للندم! عملت جاهدة بنفسي لأخفي مشاعري ولكن كل ما اجنيه من قلة صبري هو هذا الموقف الساذج!
وبالرغم من كل هذا، فأشعر في قرارة نفسي أن الاعتراف كان ضروريا.
شيء في داخلي يخبرني انني كنت سأنفجر عاجلا أم آجلاً، إن لم يكن الآن فلاحقاً. وكلما أجلت الأمر كلما تفوهت بكلمات أكثر سأعض على أناملي فيها من الغيظ والحنق.

لذا أدرك في الجهة المقابلة المناقضة والمخالفة لندمي، أنني في الواقع لست نادمة إلى هذا الحد!
لست متحسرة كثيراً على اعترافي المباشر بمشاعري او على ما قلته.
إن حركتني مشاعري لقول شيء فانا لن أندم. فلربما أُرهق قلبي في الكبت والكتمان وقرر أن ينفجر ليهون عن نفسه قليلا.

حدقت إليه بفم مطبق تمنيت لو قمت بخياطته قبل ان يتحرك من تلقاء نفسه فظل على حاله ينظر إلى بذهول، عيناه قد تسمرتا على وكأن ما قلته الآن كان أمرا غير متوقع البتة! وكأنه ليس ذلك الشخص الذي بدى دائما واثق من مشاعري تجاهه!
لا مفر. اعترفت له للتو بأنني أحبه!

استأنفت الحديث اقترب للحائط استند عليه اشبك يداي خلف ظهري بهدوء: على الأقل أنا اعرف ما أفعله، وأعرف بأنه لا مهرب لي. وأخبرك بأنني أحبك بكل مساوئك الكريهة والمستفزة، ولكنني في النهاية اتقبلك كما أنت. في المقابل انظر إليك، انت مجرد خائن تتلاعب بي وتستهين بمشاعري.

أضفت بشرود وقد تحولت الآن من تلك الثملة الغاضبة إلى المهمومة المشردة على أحد الأرصفة: كان كبريائي يمنعني من الإعتراف المباشر. خشيت على نفسي أمامك، شعرت بأنني سأتحطم إلى أجزاء ضئيلة ما ان تدرك الحقيقة، كنت تسحقني بحديثك الجارح أحيانا وكأنك تلقي بتحية اعتدت عليها!، تساءلت حينها. ماذا لو علم بمشاعري نحوه؟ سيستغلها؟ سيسخر؟ سيرفضني؟

نظرت إليه ابتسم بشحوب: لو كان بإمكاني العودة بالزمن لعدت وخرجت من الغرفة ما ان يتملكني الغضب، كل غضب يبدأ بالجنون وينتهي بالندم. سحقاً هذا حقا مخيب للآمال، أشعر بالخجل من نفسي. أدين لكبريائي باعتذار حقيقي صادق، أدين له بعذر مقنع بعد أن ضربته بعرض الحائط للتو. من أجل الشخص الذي وقعت في حبه وأهان هذا الكبرياء مرارا وتكراراً. عذرا لكبريائي الذي دائما ما يكون الضحية أمامك.
مازالت عينيه.

تحدقان إلى بدهشة! لم تكن هذه ردة الفعل التي انتظرها! إنه يجبرني على الشعور بالإرتباك والتوتر الشديد ولا أدري كيف اسيطر على نفسي!
انني انتظر رده! تعليق، كلمة، حرف واحد على الأقل!
ما الذي سيقوله الآن؟ هل سيقول. أنا أيضاً ، بصراحة تنتابني رغبة في الضحك، بل الكركرة كالمخبولة لمجرد تخيل الأمر. يكفي أحلاماً!
أنا بحاجة لقسط من الراحة.

بعد جملته هذه. لو وصفت الحال ب توقف الزمن. لكان أهون بكثير، ولكن العالم الآن فقد كل عناصره بالنسبة لي! المكان والزمان وحتى الأصوات من حولي. أبدو وكأنني في عَمّاء! في فراغ لا حياة فيه.
عالم لا الوان له ولا طعم فيه!
فجَرت مشاعري كلها. وكل ما اسمعه هو تلك الجملة!
بل وعندما أصبحت ملامحه بالنسبة لي غير واضحة ومشوشة أدركت المصيبة الأخرى!
إنني أذرف الدموع المذهولة والخائبة بصمت.

قابلت عيناه التي أسرع يشيح بها بعيداً عني بل واستلقى بصعوبة على جانبه الأيمن لأواجه ظهره.!
لقد.
قتلت قبل لحظة فقط كبريائي الذي يعني لي كل شيء، تخليت عنه بوحشية وانا أدرك جيداً أن اعترافي لشخص مثل كريس هو عقوبة إعدام أطبقها على نفسي!
إنه يرفضني. يرفض اعترافي، نكرني بل وجحد جهودي في كل حرف تفوهت به، انتزعت الكلمات من جوفي انتزاعا في لحظة غضب وفي الوقت آنه ضعف.

لأنني شعرت بالتهديد وانا ارى تلك الرسائل على هاتفه، ولأنني ضقت ذرعا من كتم هذه المشاعر!
الخيبة التي أشعر بها الآن لا يمكن وصفها.
كل ما فعلته هو تحريك قدماي المرتجفتان نحو الباب. أي ثانية سأبقى فيها في الغرفة ستُعتبر تعذيبا نفسيا لا يمكنني احتماله.
لقد اعترفت. ورُفضت!
أولين:.

كنت متكتفة اتنفس بانتظام وبعمق أجلس على أحد المقاعد في الممر، سمعت قبل لحظات صوت شارلوت، إذ كانت نبرتها عالية وشعرت بالقلق بعض الشيء ولكنني عزمت أمري على عدم التدخل وعلى الثقة بكريس.
سأثق بأنه سيكون أكثر ليونة ويحاول إيضاح مشاعره ولو قليلاً، نصحته بألا يترك الأوضاع كما هي.
أخبرته ان الفتيات يرغبن في سماع كلمة اعتراف ولو غير مباشرة!

ابتسمت بهدوء عندما شعرت بأن نبرة شارلوت انخفضت ولم أعد اسمع شيئاً. ربما فجر المفاجأة وأخبرها بمشاعره أخيراً.
لن أقاطع أي شيء وسأبقى هنا حتى تخرج شارلوت.
فُتح باب الغرفة ورأيتها تخرج تطرق برأسها تنظر إلى الأرض وبدت تجر قدميها بصعوبة!

وقفت فوراً باستغراب وانتابني هاجس غريب. ولا سيما عندما رفعت عينيها نحوي ما ان اعترضت طريقها، كانت اطراف عينيها الخضراوان متوردتان ورأيت لمعة وكأن دمعة كانت متحجرة فيهما للتو فقط!
عقدت حاجباي بقلق وقبل ان افتح فاهي قالت بنبرة مرتجفة وهي تبتسم بشحوب وتكمل طريقها: عذرا سيدة أولين.
اجتازتني بخطاها المتثاقلة فحدقت إليها وهي تبتعد دون توقف!
ما الذي يحدث بحق الإله؟ لماذا بدت وكأنها قد بكت؟

يا الهي، لا يمكن أن هذا الأحمق قد.
نفيت برأسي فوراً وانا اتوعد في نفسي له لو كان ما أفكر به صحيحاً!
اقتحمت الغرفة واغلقت الباب خلفي، وجدته يستلقي وظهره مواجهاً لي فزمجرت بحزم مقتربة: من الواضح انك اقترفت حماقة ما، ارجو ان تخبرني بالأمر وتكسر الأوهام في رأسي قبل أن أغضب يا كريس.
بعد كلمتي الحادة والعالية اعتدل بصعوبة ليستلقي على ظهره لأتفاجأ بالتورد الطفيف والزهيد الذي اعتلى وجهه!

جلست على طرف السرير متسائلة بحذر واهتمام: ما الأمر!؟ لماذا خرجت شارلوت وتلك الهالة التعيسة تحيط بها؟
اغمض عينيه للحظة قبل ان يفتحها مجددا يحدق الى السقف وقد لمعت ببريقها العسلي وهو يهمس: اعترفت بمشاعرها.
هاه! شارلوت من بادرت؟ هذا حقا فاجأني كثيرا. لماذا؟ الم تطلب مني التكتم على الامر؟ كانت ترفض الفكرة وتحاربها بشدة!

تمتمت انفي برأسي بعدم تصديق: لا تخبرني أنك قد تظاهرت مجدداً وارتديت قناعا من اقنعتك السخيفة! بماذا اجبتها؟
اخبرتها بأنني بحاجة لقسط من الراحة.
اتسعت عيناي بذهول: قسط من الراحة! سأرتكب جريمة لو اخبرتني انك جاد الآن!
لوى شفته يعقد حاجبيه بإنزعاج: وماذا عساني أقول لها؟ قالت ذلك فجأة ولم أستوعب الأمر بسرعة! اللعنة كان ذلك محرجاً! أردت البوح انا ايضا ولكن الكلمات بدت ثقيلة جدا على لساني!

ولكنه كان خفيف جداً وانت تجرحها بردك الغبي هذا!
اردفت بغضب: هل تعلم ما الذي فعلته؟ تلك الفتاة ذات كبرياء منيع! لا بد وانها تنازلت لأجل إخبار أحمق مغتر بنفسه بحقيقة مشاعرها! انها صعبة المراس يا كريس والاعتراف بالنسبة لها ليس سهلا أبداً، لقد حطمتها تماما!
ليس وكأنه قد كان من السهل بالنسبة لي الرد عليها بتلك الطريقة! انا فقط.

انت تجيد تعليل كل شيء تقترفه! لقد طفح الكيل. دعني أخبرك أنك وبردة فعلك قد تخسرها. لم تعد النصائح تجدي نفعا معك! أنا أستسلم.
ما الذي تستسلمين بشأنه سيدة أولين! عليكِ تصحيح الوضع وتداركه!
لقد امضيت في تربيتك سبعة وعشرون عاماً ولم أسمع يوماً اوقح من هذه الجملة! تريد مني تصحيح خطأ غبي قد اقترفته بنفسك؟ تعترف لك بمشاعرها وفي المقابل تتجاهلها وتطلب مني تدارك الأمر؟ أي جنون هذا!

بدى الغضب جليا على ملامحه وهو يرص على أسنانه: أنتِ تقفين في صفها كثيراً! الا ينبغي ان تخبريني بالخطوة التالية على الأقل؟
ثم ماذا؟ تقوم بدورك أيها الشهم بتطبيق خطوة أخرى يختلقها رأسك؟ اخبرتك بالطريقة المُثلى لمعاملتها ولكن أنظر إليك! سأخرج من الغرفة حتى تعود اوتار اعصابي لحالتها الطبيعية لأنني لم أعد أحتمل.
تيا:
استلقيت على الأريكة في غرفة الجلوس مرتدية الملابس الثقيلة لتدفئة جسدي.

كنت أحتضن الوسادة واتابع التلفاز، تارة أسعل وتارة اشعر بالإنهاك من العطاس المتواصل، لقد انهيت علبة المناديل واحضرت الأخرى. كما انني تناولت الدواء الذي اشتراه لي إيثان.
ما فعله معي هو أكبر دافع ومحفز لي لبدء المحاولة من جديد. فليذهب الإعتذار إلى الجحيم، ان لم أسترد علاقتي معه بالطيب فلا استبعد ان اقوم باختطافه!

المشاعر التي انتابتني في الأمس من الصعب وصفها. كل ما أعرفه انني وبرفقته أكون تلك العفوية المتحررة التي لا تشعر بأي ثقل على عاتقيها.
افسد طقوس أفكاري المتعمقة عطستي التي جعلت جسدي ينتفض وقد اغمضت عيناي بتثاقل، ولكنني سرعان ما اعتدلت باحثة عن هاتفي الذي اسمع رنينه.
وجدته لأسرع بالإجابة بعد ان رأيت رقم أرضي غير مسجل: مرحبا؟
لقد اعترفت لي للتو ولكنها غادرت باكية!
كريس؟!

ارتفع حاجباي وقد قلت بصوت مبحوح: شارلوت اعترفت لك؟ من الصعب تصديق هذا لماذا فعلت ذلك على اي حال! تلك الغبية.
السيدة أولين تحاول ترهيبي بشأن ما حدث، تقول بأنها قد تتوقف عن حبي وما شابه!
هي لا تحاول ترهيبك. هذا واقع! شارلوت من الصعب التنبؤ بتحركاتها، يكفي ان اعترافها كان معجزة لم أصدق حدوثها.
ينقصني انتِ الآن يا تيا! انا غاضب ولست بحاجة إلى سماع هذا الهراء.

تنهدت بلا حيلة اعاود الإستلقاء على الأريكة بملل، لقد اكتفيت من افعال كريس الصبيانية. لم تعد النصيحة ذات نفع فهو لا ينصت إلى أصلاُ! ما الفائدة التي يجنيها من سؤالي انا او غيري؟ فهو في النهاية يتصرف من تلقاء نفسه.!
افقت بذعر على صراخه الغاضب: هل أتحدث مع نفسي؟
أجبته على مضض: اسمع. انا اليوم لست صديقتك أو حتى زميلة عمل. اتركني وشأني انا حقا متعبة وبحاجة إلى الرا.

لقد كنت أرغب في قول شيء لطيف ولكن. ذلك كان صعب جداً!
آه نعم، ولكن من السهل تفجير سيل من الشتائم الجارحة بالنسبة لك، اليس كذلك؟
ما الذي على فعله! هي تظن أنني رفضت ذلك الإعتراف!
نعم هذا ما يتضح من ردة فعلك الغبية.
قالتها فجأة بشكل غير متوقع فماذا عساني أفعل!
هيا اعطني قائمة تعليلاتك الأخرى.
ابعدت الهاتف عن اذني عندما ارتفعت نبرته أكثر: هي لن تتنازل بسرعة على أي حال!

أضاف بغيض واضح: سأنتظرها لتقولها مجدداً وحينها سأجيبها برد آخر الطف.

يا الهي! قل بسرعة بأنك تمزح. تريدها ان تعترف لك مجدداً في حين تجلس انت كالملك الذي ينظر إليها مفكراً بالأمر؟ أرجوك. ارحمني قليلا يا كريس من هذا الغرور المرعب! لو استمر الوضع هكذا وتصرفت معها بهذه الثقة فستخسرها بكل تأكيد، حينها ستكون انت من يثمل ويبكي كالأحمق المثير للشفقة، خلاصة القول يا أخي وصديقي المقرب اتركني ارتاح بينما انا محمومة أرجوك.
تبا لك! ليس أنتِ أيضاً!

سأغلق. كما انني سآتي لزيارتك في الغد صباحا عندما أشعر بتحسن.
قلتها وانهيت المكالمة فوراُ وأغلقت الهاتف أزفر بلا حيلة.
كل ما يفعله كريس هو إيقاع نفسه في مواقف سخيفة ثم يهرع متصلا ويطلب النصيحة التي لا يطبقها.
يا ترى كيف هي شارلوت الآن بعد ما حدث!
شارلوت:
للحظة وفي طريقي إلى منزل السيد ماكس شعرت برغبة عارمة في الذهاب إلى حانة قريبة لأحتسي شراب يفقدني عقلي وينسيني ما حدث!

انا تحت تأثير الصدمة إلى درجة أنني لازلت أذرف الدموع واحاول التوقف بصعوبة!
اعترف له ثم وبكل بساطة يدير ظهره لي ويتجاهلني، هذا أكثر مما تخيلت.
اشعر بالحقد الشديد تجاهه. لا يمكنني الموازنة بين خيبتي وحنقي! أحدهما سيطغى على الآخر وعلى الأغلب هو شعوري بالحنق والغضب تجاه ردة فعله الغير متوقعة.
رفضني! هذا اللعين الخائن رفضني حقاً!
أود لو اترجل من السيارة والقي بنفسي أسفلها وانهي حياتي التعيسة هذه!

انا حتى لم أتوقف عن التفكير منذ أن خرجت! وكل تفكيري ينحصر على آلاف الطرق للتخلص من كريس نهائياً أو العودة بالزمن.
يا الهي يا شارلوت ما الذي فعلته بنفسك. كيف تهينين نفسك بهذه الوحشية!
هذا الكائن البغيض عديم الرحمة. على التفكير بحل فوري!
بعد دقائق من وصف المكان للسائق، أوقف السيارة وترجلت منها، وبالطبع طلبت منه ادخالي حتى المدخل كي لا اضطر للمشي كل هذه المسافة.

صعدت درج المنزل كالمخدرة التي لا تعي ما يحدث حولها، حتى انني اصطدمت بجسد صلب ومع ذلك لم أتأوه وإنما سمعت صوت متهكم بارد: ألا يوجد اعتذار على الأقل أيتها الحكيمة المثالية؟

إنه صوت رين الذي لم اكلف نفسي برفع رأسي لأنظر نحوه حتى، وإنما اكملت طريقي وعندما وصلت إلى نهاية الدرج، شعرت بيده التي ضرب بها مؤخرة رأسي بخفة محاولا لفت انتباهي أو استفزازي، ومع ذلك تجاهلت وقاحته لأنني لو انفجرت في وجهه فسيكون أول ضحية لي. هو لا يعلم انني امقت ابن خالته الآن ومستعدة لإرتكاب جريمة انفس فيها عن غضبي.
الصبر. قليل من الصبر فقط!

ولكنه لا يزال يزعجني ويطالبني بإعتذار. حتى عندما دخلت المنزل وصعدت الدرج المؤدي للغرف. ولحسن الحظ كان ستيف ينزل وعندما رآه خلفي وقف في وجهه ونشب بينهما شجار، جيد، على الأقل هما يتشاجران مع بعضهما ولست طرفا في الموضوع، من يدري قد يكون ستيف أحد الضحايا أيضا لذا على عزل نفسي.
العزلة هي أفضل حل الآن.

دخلت الغرفة وأغلقت الباب، أوصدته بالمفتاح وأول ما قمت به هو الإستلقاء على السرير أغمض كلتا عيناي وقد التقطت اذني صوت شجار ستيف ورين الذي تسببت به للتو.
أريد الخوض في هذا الشجار معهما لعله يريح أعصابي قليلاً.
مرت فترة طويلة وانا على السرير كالجثة الهامدة، بل جيفة مر عليها دهر نظرا لعدم إبداء أي حركة بجسدي!
حتى عندما سمعت طرقات على الباب كنت قد تجاهلت الأمر تماماً.

ومرت دقائق أخرى حتى طُرق مرة أخرى وهذه المرة سمعت صوت عالي: شارلوت، هل من خطب ما!
إنه ستيف.
حسنا من الجيد انه هنا، سأفرغ كل طاقتي به.
تحركت ببطء لأفتح الباب، تبادلنا النظرات بصمت، كان ينظر إلى بتمعن وحيرة في حين نظرت إليه بهدوء.
تجاوزني ليدخل مبعثرا شعره وقد زفر: ذلك الوغد رين، بالكاد تخلصت منه! أشكركِ على توريطي معه.

واصلت التحديق إليه بهدوء حتى عندما جلس على الأريكة متنهداً: ما الذي أصابك فجأة؟ تبدين غريبة!
دفعت الباب قليلاً ولكنني لم أغلقه وإنما تقدمت نحو ستيف وجلست بجانبه كالبكماء.
ظل يختلس النظرات إلى وتساءل بتردد ونبرة متوجسة: ما خطبكِ بحق الإله!
همستُ دون شعور: ستيف. اقتلني، تخلص مني، تصرف!
هاه!
تصرف.
ما الذي يحدث معك!

أضاف بشك وهو يوجه جُل اهتمامه لي: لقد عادت أمي وحدها، وكذلك وجوزيف وابنته، لماذا تأخرتِ؟ هل تحدث أمر ما بينكِ وبين كريس؟
اعترفت له.
اتسعت عيناه وبالكاد طرف بهما مرددا: اعترفت له؟ اتذكر أنكِ كنت ضد الفكرة تماماً! ولما أنت مستاءة هكذا على أي حال؟
تجاهلني تماماً. اعترفت له يا ستيف ولكنه أدار ظهره لي. هو حتى لم يطلب مني البقاء!
تقولين بأنه تجاهلك!

بسؤاله هذا جعلني أنفجر باكية فجأة حتى انه فزع وتوتر كثيراً، كنت أبكي كطفلة تعجز عن إغلاق فاهها وبالفعل لا أدري كيف استمر الوضع وانا مستمرة في البكاء المنفعل.
تورد وجهي بشدة وتعالت شهقاتي وهو يحاول مواساتي وظل مرتبكاً كثيراً.
حتى شعرت بيده التي جذبتني نحوه ليعانقني ممررا يده على رأسي مهدئا: هذا يكفي. لا أدري لماذا تبكين!

استرسل بنبرة لطيفة هادئة: لا تخبريني أنكِ توقعتِ اعتراف لطيف من كريس! أرجوك لا تدهشيني وتجيبي ب نعم !
وماذا عساني اتوقع بعد ان تنازلت واعترفت له؟ ماذا اتوقع وانا أتجاوز أمور كثيرة! ذلك الخائن الحقير لا يدري كم حطمني. هل كان عليه تجاهلي وكأنني تفوهت بذلك بكل سهولة؟ أي قلب يملك!
شارلوت هو ليس ذلك الشخص الذي سيغمرك بكلمات حانية، كريس صعب جداً عندما يتعلق الأمر بالصراحة والوضوح، عليك فهم هذا!

لا أريد فهم شيء. أريد التوقف عن حبه وحسب.
انظري إليك! هل بكاؤك بهذه الطريقة يعني سهولة التوقف عن حبه؟
أشعر بالإهانة.
ليست إهانة، صدقيني قد يكون كريس مُحرجا لسماع اعترافك!

أردف ممازحا: قضيت أغلب سنوات عمري في إزعاجه والإلتصاق به أينما ذهب، ثقي بي كنت أراقبه وأراه يحدق إلى أي قطة صغيرة أسفل قدميه وينظر من حوله وكأنه يخشى ان يراه أحد متيم بتلك الكائنات الصغيرة، أدرك جيداً ان طباعه من الصعب التعامل معها والإعتياد عليها، ولكن لا تتسرعي بالحكم على دافعه وراء ردة الفعل تلك.

بدأ بكائي يخف تدريجيا وقد همست بصوت مبحوح: ولكن هذا كثير جداً. في البداية لم يكف عن التجريح والإهانات والآن وبعد ان بذلت جهدي والقيت بكبريائي جانبا حطمني!
دعيني أسألك إذاً. هل تنوين التوقف عن حبه أصلا.
نعم.
هل تستطيعين.
لا أظن.
إذاً.؟
ماذا!
لا مجال للتراجع، عليك التقدم وحسب. أنا أفهم جيداً أنه قد يكون واقعا في حبكِ أيضا.
لا تحاول مواساتي بهذه الطريقة أرجوك.
شارلوت عليكِ أن.

ولكنه بتر كلماته عندما طُرق الباب وفُتح فوراً وقبل أن أبتعد عنه سمعت صوتاً محتارا مرتبكاً: أ. أرجو المعذرة!
ابتعدت امسح دموعي بسرعة وقد اعتدل ستيف في جلسته أيضا، لم تكن سوى أوليفيا التي تنظر إلينا وتطرف بعينها بشيء من الدهشة.
قالت وهي تستدير لتخرج بخطى مضطربة بوضوح: عذرا على المقاطعة. سآتي لاحقا.
اغلقت الباب خلفها فهمستُ بصوت مرتجف ولا تزال وجنتي رطبة من الدموع: أعتقد أنها أساءت الفهم.

تكتفت بلا اكتراث: وما المشكلة؟ من الواضح انكِ كنتِ تبكين وأواسيك.
نظرت إلى الأرض بصمت وقد امتلأت نفسي المنكسرة والمحطمة بنخوة الرغبة في الإنتقام لكرامتي من كريس بطريقة أو بأخرى.
أنا ممتنة لستيف حقاً!
كلماته المواسية البسيطة هذه كانت كفيلة بتغيير نظرتي قليلاً، حتى أنني بدأت أخطط إلى إجبار كريس على الاعتراف لي لأشعر بلذة تجاهله بل أنني سأرفضه حينها!

علي من أكذب؟ انا اعلم جيداً أنني أتوق لسماع تلك الكلمة منه. والتي أشعر بأنها ستكون مستحيلة سوى في أحلامي فقط.
شارلوت. كيف أتوقف عن الإنجذاب إليك!
أجفلت بدهشة ونظرت إليه بعدم استيعاب، وقف وقد رسم ابتسامة مضمرة مردفاً دون أن ينظر إلي: جدِي لي حلاً.
انهى جملته واتجه إلى الباب ليخرج وقد تركني أسيرة لدوامة وزوبعة من الإضطرابات!

أنا حقا لا أفهم كيف ينظر ستيف إلي، ما الذي يجذبه نحوي حتى! كيف لي أن أتصرف؟! هل يوجد ما عليه فعله حتى!
الكل يواصل نعتي بالغبية الحمقاء. بل وأنني لم أسمع من كريس ولو شيء بسيط يدل على أنني قد أكون مميزة في نظره.
اللعنة لا زلت أفكر به.
تيا:
انها السابعة صباحا. كما أخبرت كريس بالأمس ها أنا ذا اتجه إلى المشفى، أشعر بتحسن اليوم.

سأرى ما يمكنني فعله في موضوع مع شارلوت، حتى أنه اتصل بي في الأمس مرة أخرى وأكد لي ضرورة مجيئي اليوم.
أوقفت السيارة في مواقف المشفى في الطابق الأرضي وترجلت منها، اتجهت الى المدخل.
ولكنني وقبل ان أدخل لمحته يخرج من مدخل المشفى وبرفقته ممرض وممرضة يساعدانه على الحركة!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *