التخطي إلى المحتوى

رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الثاني للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع عشر

(هتافات حارة!، ).

صرخاتها المتقطعة وهي تحرك جسده الملقى أرضاً بإهمالٍ ذبحت قلوبهم جميعاً، فترقبوا ما يحدث بلهفةٍ وخوف على من قدم حياته فداء لهم، ربما كانت طائفة كبيرة منهم لا يحبذن أن يتولى ديكسون العرش بعد أبيه كونه ابن بشرية من عالم أخر غير عالمهم؛ ولكن ما حدث أمام أعينهم من تضحية قامت بها الملكة وابنها في سبيل إنقاذ حياتهم قلبت الموازين، تجمعوا من حوله والدموع تسري على الخدود وبعضهم يتابع ما يحدث بحزنٍ شديد، وخاصة حينما دفعته روكسانا وهي تصرخ بقهرٍ: ديكسون. انهض الآن هذا أمراً مني.

تماسك لوكاس وهو يحاول أن يكون صامداً أمام تلك الوخزة الحادة التي كادت بقسم ظهره، فجذبها بعيداً عنه ثم احتضنها بقوةٍ، ليعيق حركتها من الوصول إليه مجدداً، فانتباها نوبة حارقة من النواحٍ، لتدفعه بعيداً عنها وهي تشير له بجنونٍ: لم يمت ابني. سينهض.
أمسك بها لوكاس وبصوتٍ يطعنه الألم فجعله شاحباً: أعلم ذلك. تماسكي روكسانا.

ثم جذبها بعيداً عن تلك الصخرة المفتتة، ليشير للوثر الذي أتى مسرعاً ليبعدها عنه، فأنحنى لوكاس تجاهه، جز على شفتيه بأسنانه وهو يحاول إحتمال ذاك الخنجر الذي تلاقاه بموضع قلبه حينما وجد ابنه ممدد هكذا، فمد أصابعه المرتجفة تجاه جسده الذي يتخلاله دماء حمراء لا تشبه لهما، فخرج نبرته المذبذبة: ديكسون!

وجذبه إليه وهو يتفحص جسده المصطبغ بلونٍ الدماء، أسرع إليه سامول وهو يحاول تفحص نبضه، حتى إيمون حاول جاهداً باستخدام طاقته بالسلب عله يتمكن من الشعور بالألم جراء ما يتعرض له فيكن خير الدليل بأنه مازال على قيد الحياة، تعكرت الوجوه بالحزن القاتم، الا ألماندين كانت تتجول بين الحضور بابتسامةٍ ساخرة قطعتها حينما صاحت بأعلى صوت تمتلك: ماذا حدث لكم؟ أرى الحزن يتنقل بين وجوهكم بعد فراقه!

ثم أشارت بيدها على ديكسون وهي تستطرد باستهزاءٍ: أليس هذا نفسه ابن البشرية الذي حاربتموه بكل ما أمتلكتم! أليس هذا هو نفسه الذي اعترضتم على أن يكون خليفة الملك؟
وصرخت بعنفٍ شديد وقد احتدت نبرتها: الآن حينما رأيتم بأعينكم ماذا فعل خلق الحب فجأة بين ضلوعكم!

ثم ابتسمت رغم الدموع التي تهبط توجعاً وحسرة على ألم قلبها: لطالما كنت أول من حاربه، فعلت كل ما بوسعي لأجعله منبوذاً بينكم، وحينما تمكنت من ذلك علمت بأنني كنت مخطئة.

ثم استكملت ببكاءٍ مزق قلوبهم: رأيتم اليوم ديكسون ابن الملك يحارب تلك اللعينة، أما أنا فرأيت ملكاً شجاع إخترق كهف يحوم حوله الموت ورغم إنه قد جرد من قواه ليصبح بشري ضعيف الا أنه صمم على استكمال رحلته حتى يتمكن من إنقاذ شعب مملكته الذي يبغضه.
وبفخرٍ أضافت: ما رأيته اليوم مقاتل شجاع لا يخشى الموت ولا يبالي لما تعرض له من جروح عميقة، كل ما يفكر به هو أن لا يطول الأذى شعبه.

وسقطت أرضاً جواره، تتمسك بيديه، لتردد بانكسارٍ: هذا هو من مقته في يوم مضى واليوم كل ذرة بداخلي تعشقه!
تعالى صوت بكاء روكسانا، ليخرج صوتها المتحشرج مرددة بعدم وعي: لم يمت ابني. سيعود وعدني بذلك وسيوفي.
احتضنتها إيرلا وهي توزع نظراتها بين أخيها والجميع في صدمةٍ لم تتمكن من استيعابها بعد!

تحامل الملك شون على ذراع بيرت، فهبط للأسفل حتى أصبح قريباً منه، غامت عينيه في صدمةٍ، وهو يرى أقرب أحفاده لقلبه يتمدد أرضاً هكذا، فجحظت عينيه في صدمة لا مثيل لها، وإنحنى ليتمسك بيديه ثم قال وهو يبكي كالطفل الصغير: لقد جفت عيني بالبكاء على رحيل زوجتي فأخبرني ماذا سأفعل إن لحقت بها؟

وهز جسده المتصلب، ليخبره بقهرٍ: ألم يكن بوسعك البقاء حتى يرحل جدك العجوز! من سيشد على يدي الآن ليخبرني بأنه لجواري! إلى من سأتودد ليلاً لأقص له عن قصة حبي وشبابي؟
وإنحنى برأسه على صدره ليبكي ولأول مرة يرى لوكاس أبيه هكذا، حاول قدر المستطاع أن يوقفه على قدميه، فهناك سمات يجب أن لا تترك الملوك أبداً تخلى هو عنها حينما رأى حفيده هكذا، فبقى على موضوعه، يستند برأسه على صدره.

من الوهلة التي خرج بها ديكسون من الكهف قد بدأ يستعيد قواه بالفعل، ولكن حينما تعرض لتلك الضربة القاضية جعلته يفقدها مجدداً، وها قد عادت لتسكن جسده لترد له غيبته، تحركت أصابع يديه برعشةٍ خفيفة ومن ثم بدأ بمحاربةٍ ثقل أجفانه، ففتحهما على مهلٍ وهو يحاول أن يرفع يديه ليحتضن جده الحبيب، وحينما فشل أجلى صوته الضعيف: لا تقلق لن أرحل قبل أن أستمع لباقي مغامراتك وبالأخص تلك التي تربطك بملكة الحوريات، ربما حينها أفكر مرتين قبل أن أفعلها.

تطلع له الملك شون بصدمةٍ، فأسرع أركون و إيمون إليه ليعاونه على النهوض، التئمت جروحه وسرعان ما استعاد نشاطه، فأشار لهم بأن يتركوه حينما شعر بأنه قادر على الوقوف، في تلك اللحظة انطلقت الهتفات بين الشعب المتجمهر حولهما ولأول مرة، تلاحمت أصواتهم وكأنهم صوت واحد يرددون بفرحٍ وسعادة: فليحيا ديكسون العظيم.

شملت نظراته ما يحدث من حوله في دهشةٍ وذهول، كان هذا حلم ثمين يتمناه، أن يكون محبوباً بين شعب مملكته، ويراه الآن حقيقة ملموسة، ابتسامة فخر تسللت لوجه لوكاس وهو يتأمل ما تمكن ابنه من فعله، إقتربت منه روكسانا فوقفت من أمامه وهي تتحسس وجهه بخوفٍ من أن تكون متوهمة ذلك، فرسمت شفتيها ابتسامة من وسط سيلان الدموع التي لا حصر لها وهي تهمس بخفوتٍ: ديكسون، ابني.

احتضنها ديكسون ثم قال باستياءٍ على الحالة التي تسبب بوضعها بها: أنا بخيراً أمي.
وأضاف بابتسامة أنارت وجهه: مازال أمامنا متسع من الوقت للتتقل لعالمك!
احتضنتها بفرحةٍ وهي تهمس بصوتها المتعب: كنت أعلم بأنك سننهض مجدداً.
ربت على ظهرها بحنانٍ، وانتبه لإيرلا الباكية، التي إقتربت منه بدموعٍ متحجرة بحدقتيها اللامعة، فأمسكت بيديه قائلة بابتسامةٍ تسللت لشفتيها: مازال هناك حروباً عليك أن تخوضها.

ضحك وهو يشير لها ساخراً: أعلم ذلك.
ثم تحرك تجاه لوكاس الذي يتأمله بابتسامةٍ يملأها الفخر والإعتزاز، وقف مقابله فاحتضنه لوكاس ثم قال بحزنٍ: كنت على يقين بأن ابني ليس ضعيفاً ليمت على يد تلك الحقيرة بسهولة.
ابتعد عنه ثم رفع حاجبيه بشكٍ: هل هذا إطراء أم سخرية!
ضحك وهو يشد على كتفيه: وهل تمكن أحداً منها غيرك؟

ثم أشار الملك ل سامول، و أركون و إيمون بالإقتراب، ليخبرهما بإطراء: ما فعلتموه لإنقاذ المملكة دين لن يرد.
أجابه سامول بلهجةٍ صارمة رغم حداثة سنه: لا دين يرد لأمير يدافع عن مملكته.
ابتسم لوكاس ثم عاد ليصحح جملته: أنت على صواب ولطالما كنت كذلك.

وفتح ذراعيه ليشير له، فأحتضنه الأخير بفرحةٍ، انتبه ديكسون لألماندين التي تتأمله من بعيدٍ بدموعٍ تلمع بحدقتيها، تعجب من وقوفها كذلك، كان يتوقع أن تسرع إليه، تحتضنه بقوةٍ وشوق، دموعها ونظراتها الغامضة أوحت له بشيءٍ أبشع مما تخيله، فهرع ليقف أمامها، منحته ابتسامة باهتة وهي تتعمق بالتطلع إليه، رفع يديه ليقربها من وجهها، فتراجعت خطوة للخلف وهي تشير له بالا يقترب، إزدادت شكوكه فقال: ماذا فعلتي ألماندين؟

تشوشت الرؤيا أمامها، ورغم الألم الذي يعتصرها الا أنها كانت تمنحه ابتسامة مشرقة، سقط من بين يدها زهرة الموت القاتلة، فجحظت عينيه في صدمةٍ، ومن ثم انتقل ليحيل بينها وبين الأرض، ثم حملها واختفى بها لكهفه السري حتى لا يشعر بهما أحداً فتتبدل الفرحة لقلقٍ وتوتر من جديد، ارتفع صوت أنفاسها الثقيلة، فقرب رأسها من صدره وهو يصيح بها بانفعالٍ: ماذا فعلتي بنفسك أحمقاء أنتي؟

إسودت يديها التي كانت تقبض على تلك الزهرة الحاملة لرسوخ الموت بين طياتها، فأنتفخت وتورمت بشدةٍ، جاهدت ألماندين لرفع يدها الأخرى، فلامست وجهه وهي تجيبه على أسئلته التي لا تتوقف: أخبرني أنت كيف سألتقط أنفاسي وأنت لا تشاركني به؟
وغزاها الألم فتآوهت وهي تجاهد لإستكمال كلماتها: انتهيت بتلك اللحظة التي رأيتك بها صريعاً أمامي.

وبابتسامةٍ صغيرة، أضافت: أخبرتني من قبل بأن قلبي يعرفك جيداً بل روحي متعلقة بك، وحينما أوشكت على الرحيل رفضت البقاء بمفردها دون صحوبتك.
اسودت عينيها وتغلب منها السم القاتل، فانتفض جسدها بين ذراعيه، أمسك بها ديكسون جيداً ثم صرخ بها بتعصبٍ شديد: لن أسمح لكِ بذلك.

لم تفهم مقصده الا حينما رفع كف يدها المنتفخة بالسمٍ الذي ينتشر بجسدها رويداً رويداً، فتوهجت عينيه قبل أن يغرس أسنانه الحادة بمعصمها، فصرخت وهي تحاول أن تبعده عنها بإلمٍ، إمتص ديكسون السموم من جسدها بإكمله، فإنتقل الإلم من جسدها لجسده الذي سيحتمله بصدرٍ رحب رحمة له عن رؤيتها تنازع الموت أمام عينيه التي عشقت رؤية السعادة على وجهها الرقيق!

تغلب السواد الباهت على حدقتيه المنيرة، وتارة تتغلب هي عليها وكأنهن في صراع قاتل بين قوة السم وقوة محاربته لها، انتهى من امتصاص كل السم الموجود بأوردتها، فترك يدها وتنحى جانباً، لم تحتمل رؤيته يواجه الموت مجدداً فأغلقت عينيها بيدها معاً وهي تصيح من بين بكائها الحارق: لا تفعل أرجوك.
ومن ثم همست بصوتها المذبوح من فرط بكائها: أبقى معي.

شعرت بيديه تلامس يدها، فأبعدهما عن وجهها وهو يردد بابتسامةٍ شغفها العشق المتودد لقلبه: أنا جوارك.
تقوست حاجبيها بنظرةٍ صادمة، فكانت ترى السم يتمكن منه منذ دقيقة، أجبرت لسانها على الحديث أخيراً: كيف حدث ذلك؟
ابتسم وهو يجيبها بمزحٍ: إن كنت تغلبت على زهرة الموت القاتلة وأنا ببطن أمي جنيناً صغير كيف لا أتغلب عليها وأنا بريعان شبابي!

نهضت لتتعلق بأحضانه بفرحةٍ وعدم تصديق، شعرت بتلك اللحظة بأنها قد استعادت روحها التي غابت عن جسدها، مرر يديه على طول خصرها وهو ينعش رئتيه برائحتها المقربة إليه، فهمس بأنفاسٍ لفحت بشرتها فألهبتها: لم يبقى شيئاً الآن سوى إعلان زواجنا.
ابتعدت وهي تحدق به ببلاهةٍ: زواج!
منحها نظرة مشككة، قبل أن يسألها: أوه أميرة الحوريات المتعجرفة لا ترغب بالزواج من ملك السراج المستقبلي!

لكمته بيدها بقوةٍ ألمته، فرفع يديه يشير لها مازحاً: لا أريد العودة لذاك الجزء اللعين من جديدٍ، كفانا قتال يا فتاة.
ثم قربها إليه وهو يغمز لها بمكرٍ: ألم يحن الوقت حوريتي الشرسة لتخطفنا أمواج العشق فنسلم أمرنا لها ونتركها ترشدنا هي!
منحته ابتسامة أشرقت وجهه، فتراجعت بعيداً عنه حينما رأيته يقدم على فعل شيئاً سيزدادها خجلاً، ثم قالت بدلالٍ: حسناً، فلنتزوج إذن.

ثم أسرعت لخارج الكهف لتنادي عالياً: كاديان.
أتت إليها بحجمها الصغير الذي تضاعف حينما انخفضت أمامها، لتشير له بأطراف أصابعها بعدما إعتلت ظهرها: أراك بالمملكة قريباً.

وما أن إنطلقت للمملكة حتى وجدته ينتظرها هناك، وكأنها لم تودعه منذ قليل، فضحكت بصوتٍ مسموع، وقفت لجواره وهي تتأمل التجمع الغفير الذي يعلو هتافاته دون توقف تمجيداً للوكاس و روكسانا، منحتها ألماندين نظرة ملأها الإعجاب، فكيف لبشرية أن تحظى بكل ذلك الحب من جنسٍ أخر لا تنتمي إليه، من المؤكد بأنها عظيمة لتفعل ذلك، تحولت الهتافات لديكسون فور رؤياه فمنحهم ابتسامة واسعة قبل أن يلحق بالجميع للقصر.
بالقصر.

جلسوا جميعاً متعبين بعد تلك الحرب التي استنزفت طاقتهما، فأشرفت عليهما ضي، و روكسانا وهي تحاول تقديم المساعدة الطبية، أتى دور ألماندين فقالت ل روكسانا بخجلٍ: أنا بخير.
قالت بابتسامة مرحة: ولكني أرى خدوش بوجهك، أتخشين العقاقير الطبية لا تقلقي ليست مؤلمة!

تعالت ضحكاتها على دعابتها التي أسعدتها، فأشارت لها بأن تفعل ما يحلو لها، جلست مقابلها وهي تحاول تضميد جرحها، فقالت ألماندين بإرتباكٍ: أعلم بأنني تماديت بكرهك، ولكني الآن لم يعد بقلبي بغض تجاه البشر.
منحتها ابتسامة صافية، قبل أن تمسك بذقنها وتردف قائلة: ليس هناك ميثاق يؤكد لكِ معدن الشخص الذي أمامك سوى العشرة ألماندين.

ثم أضافت بتوضيحٍ لكلماتها المختلفة على مسمع ألماندين: حينما أتيت إلى هنا كنت أرى بأنني سقطت بين وحوش قاتلة ستلتهمني، وحينما أحببت لوكاس واختلطت بالجميع باتت الأمر يترسخ بذهني، فعشرة الأشخاص تمكنك من تقيمهما جيداً.
هزت رأسها بإقتناعٍ، فقالت روكسانا بابتسامةٍ خبيثة: ولكني مازلت أتساءل هل أحبك ابني بعد عشرة أم من النظرة الأولى؟

ضحكت على استحياءٍ، فأتاها الرد من جوارها حينما احتضنها ديكسون ليجيبها بهيامٍ بمن أمامها: منذ اللحظة التي تخلى عنها وشاحها ليكشف عن شعرها الرماي وعينيها الفيروزية.
اصطبغ وجهها بحمرةٍ الخجل، فتعالت ضحكات روكسانا وهي تستند برأسها على رأسه ثم قالت: لا أنكر ذلك. فهي جميلة مثل راوند.
علي أثر ذكر اسمها، تساءلت ألماندين بإرتباكٍ من نطق تلك الكلمة: أين أمي؟

أشارت لها روكسانا، فوجدتها تجلس جوار بيرت بالقرب منهما، لتشير لها بأن تأتي إليها، استأذنتهم وتوجهت سريعاً إليها، لتحتضنها راوند طويلاً بعدما كانت تخشى فقدانها.
أما سامول فحرص أدلر على تضميد جرحه، فقال بعدما انتهى مما يفعله: داويت جرحي ببراعةٍ أبي. معتاد على جروح الحروب أنت!
أطبقت الفرحة على شفتيه وهو يستمع لكلمة أبي تردد على لسانه، فأجابه: العرش يجعلك تعتاد أموراً مختلفة عنك سامول.

هز رأسه باقتناعٍ، فالتفت تجاه زمرد التي تجلس بسعادةٍ جوار أركون، تلقائياً بحثت عينيه عن حبيبته، فوجدها تضمد جرح إيمون، منحها ابتسامة جعلتها مشوشة، فعبثت بخصلات شعرها كمحاولة لتجهل نظراته الفتاكة، أما لوكاس فكان يجلس جوار أبيه و لوثر، هبطت إريكا من الأعلى بعدما حرصت على تبديل ملابسها المتسخة، فإرتدت فستان وردي يصل لبعد ركبتيها، تاركة العنان لشعرها الأصفر يتدلى من خلفها، وزعت نظراتها بينهما باستياءٍ، فكل منهم مشغولاً بالأخر، لمع عقلها بفكرةٍ مجنونة قليلاً، ولكنها ستوفي بالغرض، جذبت أحد السيوف الملقاة أرضاً ثم صعدت على إحدى الصخور، لتطرق بالسيف على الطاولة القريبة منها وهي تصيح عالياً: انتباه يا سادة، فهناك أموراً هامة أود طرحها عليكم.

انتبه لها الجميع، فاعتدل إيمون بجلسته وهو يردد بتعجبٍ: ماذا؟
ابتسم لوكاس فهو يكن لتلك الفتاة معزة لا يعلم سببها، ربما لأنها بشرية تذكره بزوجته أم لأن روكسانا تحبها كثيراً، فأشار لها بثباتٍ: لكِ ذلك إريكا.
أشارت بيدها وهي تخبره بإمتنان: شكراً لك أيها الوسيم.

ضحك الجميع على لقبها الذي نسبته للملك الذي لا يجرأ أحداً على تجاهله لمركزه، فتابعوا ما ستقول بدهشةٍ: أرى أن ما حدث هنا يستحق إحتفال ضخم، ربما يزيل ذكريات تلك الرحلة المأساوية.
اقترب ديكسون منها ليشير لها بسخريةٍ: منذ اللحظة التي بدأت بها صداقتنا إلى الآن لم تنطقي بشيئاً صائباً هكذا.
لوت شفتيها بغضبٍ، وخاصة حينما قال: ولكن هناك بعض التعديلات ربما ستضيف رونق خاص للإحتفال.
سأله إيمون باهتمامٍ: ما هي؟

قال وعينيه تدرسان ردة فعل الملك: حفل زواج.
ضيق أركون عينيه باستغرابٍ: زواج من؟
أشار بيديه وهو يجز على أسنانه من غبائه: زواجنا جميعاً ما بك!
استقام سامول بجلسته باهتمامٍ، ثم ردد بلهجةٍ حاول أن يخفي بها لهفته: أؤيد ديكسون فلنعلن زواجنا غداً إن كان الملك لا يعترض ذلك.
سُلطت النظرات تجاه لوكاس الذي يتأملهم بمكرٍ، ففالت روكسانا بضيقٍ من صمته المبالغ به: هيا لوكاس!

كسر صمته حينما التفت برأسه تجاه لوثر و بيرت: رتب المملكة إذن لهذا الزواج.
تعالت الصيحات المتحمسة فيما بينهما، فعادت إريكا لتطرق بسيفها مجدداً وهي تعيد نفس تلك الجملة: انتباه يا سادة، مازال هناك ما أود قوله!
تساءلت إيرلا بمللٍ: ماذا هناك بعد؟
تنحنحت وهي توضح بغرورٍ: تحدثتما عن حفل زفاف ولم يستمع أحداً لإقتراحاتي بشأن ذلك.
صاح إيمون بشراسةٍ بها: إقتراح ماذا؟ أمازلتي لا ترغبين بالزواج مني؟

نفت سريعاً: لا، ولكني أود طرح بعض الأمور المتعلقة بالزفاف.
قالت زمرد بابتسامةٍ رقيقة: حسناً لا تقاطعنها مجدداً.
ثم أشارت لها بحماسٍ: أخبرينا إريكا.
قالت موضحة لهما: الزفاف سيكون مختلف إن تخليتما عن عادتكم تلك وإرتديتم مثلنا.
ثم أشارت على ما تريديه: بذلة سوداء أنيقة وفستان رائع باللون الأبيض سيجعل الحفل مختلف تماماً.
تساءلت إيرلا بدهشةٍ: ومن أين لنا بملابس كهذة.

أجابتها سريعاً: لا تقلقي سأذهب برفقة ديكسون لشراء ما يلزمنا جميعاً.
ثم نقلت نظراتها تجاه سامول و إيمون و أركون وهي تردد بحيرةٍ: وإن كنت سأواجه بعض المتاعب بإيجاد المقاس المناسب لهم، ولكني سأحاول أن أجد ما يناسبهم.
همس سامول ساخطاً: جيد، بالصباح سنصبح أضحوكة أمام الشعب بأكمله!
تدخلت روكسانا بالحديث، لتجيبه: الأمر ليس بهذا السوء سامول، فحينما ترتدي ما تخبرك به إريكا ستبدو رائعاً.

منحها ابتسامة تكن لها الإحترام، فقالت ألماندين هي الأخرى: أجد الأمر ممتعاً إريكا، أحب التميز والإختلاف لذا سأترقب ما ستحضرينه برفقة ديكسون.
غمزت لها إريكا وهي تشير عليها: أحب تلك الحورية الجذابة.
تعالت ضحكاتهم جميعاً، فقالت زمرد بعد تفكيراً: وأنا سأرتدي نفس الشيء.
حتى إيرلا رددت بعد تفكيراً: حسناً، ولكني سأجربه أولاً!
أشارت لها بثقةٍ: بكل تأكيد عزيزتي.

ثم التفتت تجاه ديكسون لتشير له بالإقتراب وهي تردد بكلماتٍ عشوائية: لدي أكثر من عمل هام لذا علينا الإسراع، هيا فلتحملني إلى الأرض الآن.
تعالت ضحكاتهم على ما حالة التشتت التي أصابتها، فتخفى بها ديكسون سريعاً ليعود بها لعالمها.

انتقت إريكا ما يناسب كل فتاة من فستان زفاف أبيض يليق بشخصها وهوسها، حتى الأحذية ومساحيق التجميل، قضت يومها بأكمله تتسوق و ديكسون يحمل ما تشتريه ليصعد به للأعلى ومن ثم يهبط إليها حتى زفر بها بتعصبٍ: كفى إريكا، لقد مللت من حمل تلك الأشياء الغريبة!
استكملت رحلة تسوقها وهي تردد بانزعاجٍ: الرجال جميعهم متشابهين، يكرهون التسوق!

أغلق عينيه بمللٍ، ثم قال بابتسامةٍ مصطنعة: حسناً لا تغضبي، فلنعد إذا كانت أغراضك مكتملة!
أشارت له بكفيها: سنغادر، ولكن أليس من المنطقي أن ندعو أبي وأمي على زفافي.
ابتسم ساخراً: وكيف ستخبرنهم بذلك؟
حكت رأسها بتفكيرٍ: لا أعلم، ولكني سأحاول وإن فشل الأمر سأركض للشرفة ولنهرب سريعاً.
كبت ضحكاته وهو يشير لها بإعجابٍ: جيد، لننطلق.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *