رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الخامس عشر
وَحدها الزُهور التي تَتغاضى عن ماضي الفَراشات.
هجمت الكوابيس على رأس حياة التي تتقلب في مرقدها كالسمكة الذي فارقت النهر للتو. تتمتمت بكلمات غير مفهومة. مشاهد قاسم تطاردها هنا وهناك وتغتال ما تبقى من جمال أيامها، صورتها وهي تحمل السلاح بوجهه، أكاذيبه التي سودت حياتها، كل ذلك بات كالأشباح تركض ورائها حتى انقطعت أنفاسها. فزعت من نومها صارخة بصرخة الرفض والاستغاثة، نهض عاصي النائم بجوارها بلهفة وهو يمسح على رأسها:.
-حياة. في أيه مالك. اهدي طيب، أهدي أنتِ كويسة؟
أشاحت بعيونها إليه طويلًا حتى ارتمت بحضنه لترمم جسدها المرتجف، الهارب من أشباح الماضي، استقبلتها يداه بدفء وأخذ يمسح على شعرها ويهمس في أذانها: -أنتِ هنا بأمان متخافيش أنا جمبك.
قبضت يدها المرتجفة على ملابسه وقالت برعشة: -كان كابوس صعب أوي. أنا، أنا خايفة أوي.
ضمها إلى صدره أكثر: -متخافيش، أنا معاكِ ومش هسيبك، أهدي أنتِ، مجرد حلم، أنتِ هنا جمبي وبخير.
ثم جذبها إليه وتراجع للوراء متخذه من صدره مسكن لخوفها، ثنى رأسه تجاهها حتى برزت ثنايا عنقه وقال لها: -أحكي لي شوفتي أيه.
قفلت جفونها وأخذت تسرد أهوال ما هاجم نومها: -كان بيجري ورايا في كل مكان! هو ليه ظهر في حياتي طالما هو شخص مؤذي كده! ليه الناس بقيت وحشة أوي كده،! عاصي أنا مكنتش كده! أنا عايزة أرجع رسيل البنت القوية اللي كلمتها كانت تمشي على الكبير قبل الصغير. حتى لما الحيوان ده ووو يعني حصل واستغلني انا قررت مستسلمش، و عشت مرفوعة الرأس، محدش قدر يهزمني.
ثم بللت حلقها وأكملت: -دورت عليه كتير. سنين وانا ادور عشان أخد حقي منه، ولما شوفته حسيت بالنفور، لا أنا مش هلوث ايدي بدم حيوان زي ده!
ثم ارتعشت بشدة بين يديه وقالت راجية: -ما تقولش حاجة، احضني بس، أحضني أوي، عايزة اقتل الخوف اللي بيجري في دمي.
سأُخبركَ حين أُعانُقك كيفَ أحبك. منحته وسام الأمان كي يدسها بين ضلوعه، أن يُخفيها عن البشر، حاوطها بكلتا يديه ودفنت رأسها بجدار عنقه بعد ما طبع فوق جبينها قبلة اعتذار: -انسي يا حياة عشان تقدري تكملي. كل ده اتبخر من الواقع، لازم تحرقيه أنت من جواكي، ارمي الماضي ورا ضهرك.
أحس بارتخاء يدها المتشبثة به وتباعدها عنه تدريجيًا سألها بتوجس: -بقيتِ أحسن دلوقتِ؟
فولت أنفاسها بعيدًا عنه: -لو سمحت متقربش مني!
-نعم! أيه اللي حصل فجأة؟
ردت بضيق: -مش مستحملة ريحة البرفيوم بتاعك. قلت لك متحطش منه تاني.
امرأة لا تملك أجابات لنها تُثير فيك مجموعة من الأسئلة. رفع حاجبه مندهشًا:
-ماله البرفيوم بتاعي بس! أنا مش فاهم حاجة؟ أحنا في أيه ولا أيه!
تركت الفراش بأكمله وذهبت ناحية الشرفة ركضًا كي تستنشق هواءً نقيًا متحررة من رائحة عطره، ضرب كف على الأخر متعجبًا: -ده أيه الجنان ده!
آنذاك سمع صوت طرق الباب فدخلت منه تاليا وداليا وهن يركضان نحو والدهن، قالت داليا: -بابي هنخرج أمتى؟
-حالًا. عشان حياة محتاجة تخرج هي كمان قبل ما تجنني معاها!
بالنادي
-إفردي وشك ده؟
قالت عبلة جملتها بصيغة آمرة خاصة بعد رؤيتها لوليد ووالدته يقتربان منهما. تجاهلتها عالية ونظرت للهاتف مرة أخرى تُقلب بحساب مراد الفارغ. اقتربت منهم تلك السيدة الأنيقة بصُحبة ابنها الوسيم الذي يبدو عليه الوقار، وثبت عبلة لاستقبالهم وقبلتها، وصافحت وليد: -ماشاء الله، أنتِ القمر ده كنتِ مخبياه عننا فين بس.
فردت أمه: -متحفظين عليه في السفارة.
قالت عبلة: -أنتوا واقفين ليه؟ تعالوا اتغدوا معانا. ااه أعرفك يا وليد، دي المهندسة عالية بنتي. سلمي على طنط ووليد يا لولي.
طالعتهم عالية بضيق بعدما أدركت الفخ الذي سقطت فيه بواسطة أمها التي حملقت بها كي ترحب بهم. وثبت عالية ورحبت بلطف مصطنع، وجاءت عند وليد الذي مد يده ليصافحها فاعتذرت: -سوري، ما بسلمش.
أحمر وجهه بخجل ثم طوى يده الممدودة وقال: -ده شيء يُحترم يا بشمهندسة.
ردت بجحود: -مرسي.
جلسوا جميعهم وشرعوا في تبادل الأحاديث المملة والرسميات الثقيلة، لاحظت عالية بنظرات إعجاب شديدة من وليد فتعمدت تجاهلها. تدخلت عبلة مقترحة: -وليد أي رأيك خد عالية وروحوا هاتولنا غدا من بره. اكل النادي مش حلو.
-من عينيا يا طنط، اتفضلي يا عالية.
جزت على أسنانها بضيق ثم رسمت ابتسامة سخيفة: -تمام. يالا.
شرع وليد وعالية بالتمشية وحاول أن يخلق معها الكثير من الأحاديث التي لم تفتح له طريقًا للتحاور معها حتى قال:
-طيب أنا مبحبش اللف والدوران، آكيد عارفة أنهم رتبوا للصدفة دي عشان نتعرف على بعض ويكون في مابينا حاجة رسمي.
هزت رأسها متفهمة: -ااه واخدة بالي، أنت كام سنة يا وليد؟
-33.
أصدرت إيماءة خافتة: -متجوزتش ليه لحد دلوقت!
-أنا كنت خاطب قبل كدة ومحصلش نصيب ومن وقتها وانا مركز في الشغل. بس افتكر كفاية بقا والواحد يبدأ يستقر.
-واشمعنا أنا! يعني أيه يجبرك تتجوز واحدة مُطلقة!
فكر للحظة ثم قال: -أنا مش بتفرق معايا المسميات دي أهم حاجة الشخصية. وغير كده يعني اللي عرفته أنك جوازك كان له ظروف خاصة، ولا أيه!
-يعني بردو أيه يجبرك تتجوز واحدة مطلقة وبعد كام شهر هيكون معاها طفل وأنت لسه شاب وفي بداية حياتك؟
تسمر وليد بمكانه محاولًا استيعاب ما قالته، فسألها متحيرًا: -أنتِ قصدك أيه؟ بس والدتي ما قالتش كده! اللي أعرفه أنك…
قاطعته عالية بثقة وثبات: -إني أيه؟ أنا لسه عارفة حوار الحمل ده، وأكيد مامتي ملحقتش تقول لمامتك، عموما أنا حبيت بس أوضح لك الصورة. مالك انصدمت ليه كده! مش كانت المسميات ما تفرقش معاك!
بدت الحيرة على وليد وهو يبرر: -بس مش لدرجة طفل! عالية أنا متأسف جدًا بس.
قاطعته بفرحة: -لا عادي، حقك. وأنا فاهمة ده كويسة.
ثم نظرت بساعة يدها: -معلش مضطرة استأذن عشان عندي ميعاد مع الدكتور…
بعد تردد وتفكير طويل حسمت حياة قرارها وقبلت مصاحبتهم والتسوق معهم، أحست أن الجلوس بمفردها سيجن عقلها. وقفت السيارة أمام أحد المولات الضخمة والعملاقة فدلف عاصي الجالس بجوار السائق ثم تابعته حياة برفقة بناته. ألقى عليها نظرة سريعة ثم عاد إلى السيارة وأحضر المعطف القطني ووضعه على كتفيها حرصًا عليها ألا تبرد، فشكرته بعينيه وسبقت خُطاه إلى داخل المتجر التجاري.
بدأت باختيار الكثير من الملابس الأنيقة للفتيات وحرصت على تناسق الشكل والألوان في أجواء جميلة خيم عليها الضحك والمرح، شدت تاليا الفستان وركضت ناحية والدها لتستشيره:
-بابي. حلو ده!
سارت حياة خلفها وبيدها الفستان الأخر وقالت بإصرار: -بس ده أحلى. قول حاجة!
ردت تاليا بحماس طفولي وقالت باستعجال: -اختار بقا يا بابي.
تفحص الاثنين بعناية ثم قال ليهرب من ذلك المأزق الذي وقع فيه من نظرات حياة المتحدية ونظرات ابنته المتحمسة لتشجيعها وقال بدهاء: -هيحصل حاجة لو اخدتى الاتنين!
تبادلت النظرات بين الاثنين بخيبة أمل، فعادت تاليا لتندس بين الملابس مرة أخرى بإحباط، أما عن حياة دنت منه وسألته: -على فكرة ده أحلى ومناسب لسنها أكتر. أنت ليه ماقولتش كده؟
بدت ابتسامة المراوغة ترتسم على شدقه ودنى منها قائلًا متحيرًا: -لاني مركزتش غير مع جمالك وبس.
تراجعت خطوة للخلف وأخذت تفحص الملابس بعشوائية كي تهرب من سطو نظراته المُربكة، وتخفي وجهها المُلطخ بحُمرة الخجل، سقطت أحدى القطع من بين يدها بتوتر ف فرت من جواره كي تتحاشى النظر إليه.
خرجوا من قسم الأطفال وهو يحمل العديد من الحقائب والمشتريات بيده ويخيم المرح على وجوههم الضاحكة. أشار إلى أحد المحلات الحريمي وقال: -خليكم هنا، هودي الشنط العربية وأرجع لكم.
خرج عاصي و دخلت حياة إلى أحد المتجرات العالمية في الأزياء النسائية، أخذت تراقب الفساتين كأنها بعالم ديزني . كل قطعة أجمل مما تسبقها، كان الانبهار يتدفق من عيونها خاصة عندما وقفت أمام فستان رأته كثيرًا بالأفلام وتمنت أن ترتديه يومًا ما. اقتربت منها الموظفة وسألتها بالفرنسية:
-هل تُريدين المساعدة؟
أجابتها بتردد وبنفس لغتها: -لا. شُكرًا.
ما كادت أن ترحل ف جاء عاصي من خلفها يتأمل معها الفستان الذي سلب ذهنها وشغلها للحد الذي لم تلتف فيه لرائحته. همس بحب:
-جميل، وهيجنن عليكِ.
رجها صوته المفاجئ وهي تبرر بارتباك: -لا أبدًا، مش عايزة. أنا بتفرج بس.
جاءت تاليا حاملة فستانًا قصيرًا للغاية باللون الذهبي وعرضته أمام والدها: -بابي، ده جميل على حياة. أيه رأيك!
تفحص الفستان العارٍ بنفور وقال متعجبًا وهو يقلبه على وجهيه: -ده بيغطي أيه!
قرأت بعينيه عدم تقبله للفستان، فشدته من يده وأبدت إعجابها: -واو! يجنن يا تاليا. اااممم أنا ممكن اشتري ده.
ثم رفعت جفونها بخجل: -ده لو مصمم يعني إني لازم اشتري حاجة!
عقد حاجبيه باستنكار: -ااه، هتروحي بيه فين بقا!
هزت كتفيها بخفة معتمدة إثارة غضبه: -بارتي أو أي فرح. حقيقي يجنن.
شد الفستان من يدها بضيق: -روحي رجعيه مكانه يا تاليا بلا مسخرة.
طالعته باستغراب وهي تكتم الضحك بداخلها: -بس عاجبني.
-ومش عاجبني.
-أنا اللي هلبسه مش أنت. الله! دا انت غريب أوي. كُنت مفكرة أنك سبور وفري عن كده.
جز على فكيه قائلًا: -هو أنا نسيت أقول لك إني من الشرقية، يعني فلاح ودماغي دي جزمة قديمة!
ثم طالع الفستان الذي عجبها من قبل ذو أكمام طويلة، وبخامة من القطيفة باللون الأسود، ذو فتحة طويلة من الخلف. نادى على العاملة وطلب منها أن تحضر الفستان فسألته عن المقاس ف رد بعد ما ألقى نظرة سريعة عليها:
-هاتي L.
عارضته حياة: -بس أنا بلبس XL.
كرر بثقة وقال: -قلت L.
أخذت الفستان من الفتاة وذهبت لتقيسه بتحدٍ، كي تخيب أمله في تقديره للمقاس. عدت دقائق قليلة حتى خرجت الموظفة وأخبرته بإعجاب: -إنه لطيف للغاية.
امتدت أنظاره إليها وهو يدقق النظر في جمالها الذي برز بواسطة الفستان والذي أضافت إليه رونقًا خاصًا، أطلق صفيرة هادئة وهو يرمقها من الكاحل لرأسها وشعرها الذي تكوم على كتفها. فسألته بخجل:
-حلو!
أطلق تنهيدة عالية وقال في سره: -يخربيت كده!
ثم عاد إلى وقاره وقال بفظاظة: -ااه. بس ناقصه حاجة.
ثم وقف أمام قسم الفرو الفاخر واختار واحد باللون الرمادي القاتم وعاد إليها، وضع الوشاح على كتفيها حتى باتت أكثر جاذبية وأنوثة. ثم دارها ناحية المرآة ووقف خلفها لتتأمل صورتها الأخيرة للفستان الذي فُصل خصيصًا ليكون لها. باغتها بحركة عفوية وهو يجذبها من خصرها النحيل إليه وقال منتصراً:.
-المقاس ولا غلطة! عيب لما تشككي في نظرتي لحاجة مهمة زي دي.
تملصت من حصاره المُربك وفرت هاربة من غرفة المعاينة وخرجت بسرعة لتهرب منه وقالت لتاليا: -أيه رأيك؟
رمقتها تاليا بإعجاب شديد وصفقت مبدية إعجابها: -ذوقك يجنن يا بابي.
ثمّ نظرت لداليا: -وانتِ أيه رأيك يا دودو.؟
-very nice.
مر وقت طويل في المتجر الذي أصر عاصي أن يشتري لها المزيد والمزيد من الماركات العالمية التي تليق بزوجة عاصي دويدار، تحت نظرات الشوق الذي جذبه من ياقته إليها واستكشافه للمزيد والمزيد من جمالها المدفون. خرجوا أخيرًا من المحل. فجاءت تاليا بفكرة:
-وأنت يا بابي!
رد بعدم اهتمام: -أنا أيه؟
-لازم تشتري زينا.
-لا أنا عندي كتير، المهم تكونوا اتبسطوا أنتوا.
اجتمعت أعينهم المدججة بالحُب وقالت بدلال: -وده ينفع. على فكرة استايل لبسك كله عايز يتغير، ده يعني لو سمحت لي.
رفع حاجبه بخبث: -لو استايلي بس اللي مش عاجبك، سهله نغيره.
جذبوه الصغار من يده إلى المتجر الرجالي بشغب وحماس، وشرعت كل واحدة منهما في اختيار الأفضل له، حتى شتتن رأسه من كثرة مقترحاتهم، وكل واحدة تجلب له المزيد والمزيد من الموديلات الغربية ولم يمنحونه الفرصة للاعتراض. دخل عاصي ليرتدي الملابس واقعًا في فخهم النسائي. فشردت حياة إلى قسم البرفيوم حتى سقطت عينيها على النوع المحبب إليه. نثرت نفحة خفيفة على يدها و استنشقتها بغرام حتى خرج مرتديًا قميصًا باللون الأسود وبنطال حديث بنفس اللون وفوقه معطفًا باللون الرمادي مما عكس مظهرًا أصغر سنًا وجاذبية.
لمعت نظرات الإعجاب من مقلتيها وتحت انبهار صغاره وهن يمدحان صورته قال ممازحًا: -وزعيم العصابة بتاعكم ممكن أعرف رأيه!
ضحكت بجاذبية واقتربت منه بخفة وقالت: -وهو في رأي بعد رأي القمرات دول!
ثم وضعت الوشاح الشتوي على رقبته وقالت برقة: -أي رأيك كده.
أخذ يهندل اللاسة على كتفيه بشموخ حتى أصدر ابتسامة إعجاب. ثم نفثت القليل من عطره على رقبته وقالت: -البرفيوم بتاعك أهو.
في تلك اللحظة تدلى سِتار الغرفة التي جمعتهم بالمتجر، وأصيبت بسُكر عطره من جديد، فتعلقت كفوفها بشاله وأخذت تُجر إليه جرًا حتى دفنت أنفها بجدار عنقه. كور قبضة يده كي يتمالك أعصابه التي بعثرتها بحركة جنونية منها وقالت بانتشاء يرتد صداه حرارة بجدار عنقه:
-ريحته تجنن.
تحولت معالم وجهه لعلامات استفهام وقال: -مش ده اللي كنتي مش طايقه ريحته من كام ساعة!
استوعب أنه أمام امراة متقلبة كالطقس، كل ساعة بحالة عجيبة لما يتوقعها، فتحمحم محذرًا: -أنا بقول كفاية كده لأن نتيجة الجنان ده مش هتعجبك.
افترقت عنه بعناء وهي تشعر بالخجل مما فعلته وقالت مبررة: -اسفة، بس ريحته قوية وقصدي أقول انه مميز ولايق عليك. أمممم مجرد رأي. أنا هخرج أشوف البنات.
-وليد! اتأخرتوا ليه وفين عالية؟
أردفت عبلة بجملتها الأخيرة عندما عاد إليها وليد بعد غيابه قرابة الساعة، كان الغضب يُقاسم ملامحه فلاحظته أمه فوقفت متسائلة:
-مالك ياحبيبي.؟
رد بضيق: -ولا حاجة، يلا نمشي.
عبلة بفضول: -تمشوا أيه؟ هي عالية زعلتك؟ وهي فين!
تأفف وليد باختناق: -ولا حاجة حضرتك، بس الذوق إني أعرف أنها حامل قبل مااجي، مش اتفاجئ بحاجة زي دي.
اتسعت عيني عبلة من هول ما سمعته: -مين دي اللي حامل! أنتَ بتقول أيه!
وعلى حدى وصلت عالية لمنزل سوزان تستغيث بها وقالت بخوف: -طنط، مفيش غيرك هيخرجني من الورطة دي.
-اتفضلي يا حبيبتي مالك. ووشك مخطوف كدة لية؟
-هحكي لك كل حاجة، بس من فضلك كلمي مامي وقوليلها أني هقعد عندك يومين…
مر يومان بسرعة و برقة النسيم على عاصي وحياة، تحت أجواء أسرية يملأها الحب والمشاركة والضحك واللعب، مزيج من المشاعر المفقودة بقلب كل منهما عاشوها الجميع سوياً، فكان كل طرف يسد الفراغ الموجود بقلب الأخر.
أدت حياة دور الأم ببراعة لكل من تاليا وداليا، والمسرحيات اللطيفة والاتفاقيات التي كان يقع عاصي ضحيتها. أحيت بقلبه دور الأبوة والانتماء إلى اسرته وشق طريق الحياة من جديد بصدره. كانت له أنيسة ليله، ورفيقة خطواته وحافظة أسراره التي عهد على حملها بمفرده. كانت تترجم ما يُريد بنظرة واحدة بعينيه.
كان جدارها الصلب الذي تتكئ عليه وتلقي حمولها فوقه، تخلصت من عبء تحمل الهموم والمسئولية والقيادة، مارست عليه أخطر مظاهر الأنوثة والدلال. كان لها بمثابة كل الأشخاص التي تحتاجهم.
جاء المساء وبعد ما غرق الفتيات في نومهم بعد يوم شاق من التنزه، اقترب منها وهي أمام الشُرفة ترتشف مشروبها الدافئ. جذب الكوب من يدها وأكمل شُربه، وسألها: -هتنامي!
ردت بتوجس: -مش عارفة، بس ماليش مزاج أنام.
-تحبي نخرج!
ردت ساخرة: -هنروح فين! افتكر اننا روحنا كل الأماكن اللي هنا.
ترك الكوب من يده وقال ناكرًا: -مين قال كده! لسه في أماكن حلوة كتير، بس ماينفعش البنات يكونوا معانا. خاصة الفترة دي، واحتفالات أخر السنة.
ثم أسبل عينيه بتردد: -تجربي!
-الوقت مش متأخر!
-وأيه يعني؟ ده هو ده وقت السهر التمام. يالا اجهزي.
ما كادت أن تخطو خطوة فتراجعت: -ألبس كاجول!
-بقول سهر واحتفالات. ممكن تلبسي الفستان اللي جبناه من المول.
ابتسمت بحماس وركضت كي تعيش معه تجربة جديدة مما عاشتهم بين سطور كلماتها، لا تدرك سبب استسلامها التام إليه ألا أنه الوحيد الذي تمسك بها في ظل حروبها الكثيرة.
فرغ الثنائي من ارتداء ملابسهم واستعدا للرحيل تحت نظرات الهيام والانبهار برقتها التي طاحت برأسه. وصل الاثنان إلى مكان خاص بالسهر فنزعت حياة وشاحها الفرو من فوق كتفيها وطلبت مشروبًا خاليًا من الكحول وأصرت أنه يشرب مثلها، فحاول أن يقنعها بالعكس ولكنه بالنهاية استسلم لرغبتها.
كانت الأجواء يملأها المرح والرقص والسعادة، حتى جاء صوت الرجل المختص بالمسابقة الاسبوعية لأفضل ثنائي ويدعو الجميع للاستعداد فوق الساحة، فهمس عاصي بعدم فهم:
-الجدع ده بيبرطم بيقول أيه.؟
ترجمت له حياة: -بيقول أنها مسابقة أحلى كوبل، من خلال رقصة هيقدموها، والفائز له جائزة ورحلة بحرية على حساب المكان.
رفع حاجبه بإعجاب وكأن الفكرة راقت له: -تحبي نجرب!
ردت بجفاء مصطنع: -وأحنا مالنا، دي مسابقة لأكتر اتنين بيحبوا بعض، وحبهم هو اللي هينجح الرقصة آكيد.؟
-طيب وفين المشكلة، أنتِ كاتبة موهوبة وأحساسك جميل، وأنا بعرف أمثل كويس.
رمقته بخبث: -أنت عايز أيه؟
رد على الفور: -عايز اكسب كل الجوايز دي. أصلي متعودتش أخسر.
ضحكت بسخرية: -بالتزوير!
-المهم اكسب…
تمنعت بدلال: -وتاخد حاجة من حق حد تاني؟
-دي مسابقة! فين المشكلة.
-ولو! بس في حد يستحقها بجد، وأنت عايز تاخد مكانه.
عارضها قائلًا: -ويمكن استحقها بجد! أنتِ بتعقديها ليه. واحد ومراته، والرقص اللي هيعكس حقيقة المشاعر جواهم. أنت خايفة ولا أيه!
-هخاف ليه؟
-تضعفي مثلًا!
تعمدت أن تثير غضبه وتذكره بحقيقة مسرحيتهم: -أنت أكتر حد عارف أن وجودي في حياتك وجود مؤقت، يعني مش هنخدع بعض.؟
فارق مقعده ووقف ملاصقًا بها بعد ما طوق خصرها وقال: -ما تسيبي الرقص يقول رأيه؟ ويحكم ما بينا؟
-ازاي؟
-يعني ممكن نكسب وممكن نخسر، لو خسرنا يبقى متفقين، أما لو كسبنا يبقى في حاجة مهمة ما بينا لازم ناخد بالنا منها.
ثم مد يده ليستقبل موافقتها، راقت لها الفكرة ولبت طلبه بأناقة ووثبت قائلة بتحدٍ: -حتى لو حسمت قراري!
-الل هو؟
-هرجع الغردقة أول ما ننزل مصر.
ضمها من خصرها وحملها بيمينه فألتف ذراعيها حول عنقه بتلقائية وهو يجيبها بحسم وثبات: -ده في أحلامك،!
التعليقات