رواية رُحماءٌ_بينهم
“كمثلِ الأُترُّجة”.
]]الفصل الرابع والثلاثون]]
•~•~•~•~•~•~•
تشخصت الأبصار إليه من قِبلهم جميعًا يُطالعون وجهه الحانق المليء بالنقم في تعجب ودهشة من تصرفه الحاد مع ابنته حينما بدأ يجذبها من ذراعها بعيدًا عن مائدة الطعام دون الالتفات إلى شقيقه أو صاحب هذا الحفل وحتى دون تهنئته أو إلقاء السلام على شقيقه الذي انتظر سلامه له وظن أنه جاء من أجل المباركة ومشاركتهم هذه الأُمسية السعيدة.
-اتحركِ قدامي، بقى كلامي مش مسموع وبتكسريه كمان؟!
صرخ فيها بصوت هادرٍ، احمر وجهها في حُزنٍ واحراجٍ وهي تجده يوقفها عُنوة أمامه كطفلة صغيرة ويبدأ في توبيخها أمام حشدٍ من الناس، اِبتلعت ريقها على مضضٍ بينما نهض الشيخ “سليمان” وكذلك تليد وكاسب حتى يقنعوه بالتريث قبل الانفعال دون داعٍ، تنهدت “سكون” تنهيدة مخنوقة ثم ردت بصوت متهدجٍ يهتز بصورة توشك فيها على البكاء:
-بابا.. محصلش حاجة لكُل دا.. إحنا بنشارك عمي وتليد فرحتهم ودا حقهم علينا!!
قطب حاجبيه ثم صاح بامتعاضٍ كبيرٍ:
-مبقاش ليهم عندنا حقوق من لحظة ما ساووا الخدم بينا ومن لحظة ما ابنه تكاتف مع أعدائي ضدي، تيجي إنتِ واخوكِ العاجز دا تصغروني وتكسروا كلمتي؟!
سكون وقد ارتفعت نبرة صوتها فجأة في ضيق:
-لو سمحت يا بابا، أنا أخويا مش عاجز!
اِغرورقت الدموع في عينيها بينما استشاط “عثمان” غضبًا وراح يرفع ذراعه عاليًا وقبل أن ينهال على وجهها صافعًا إياهُ، وجد ذراع “كاسب” يقبض على كفه يمنعه أن تطولها براثن غضبه، كان وجه “كاسب” يتأجج لهيبًا من شدة الغضب ولكنه حاول كبح غضبه وتدبر لهجة حازمة جاهد فيها أن يكون هادئًا:
-إحنا صعايدة يا عثمان باشا، مش بنمد إيدينا على حريم!.
رمقه “عثمان” بنظرات يقدح الشرر منها ثم جذب كفه بقوة من بيد كف الأخير وقال وهو يدفعه في منتصف صدره بقبضته المضمونة:
-مش إنتَ اللي هتعلمني أتعامل إزاي مع بنتي، إنتَ آخرك تسوق وبس.
سكون وهي تمحو قطرة سقطت من عينها:
-بابا، بعد إذنك مفيش داعي لكُل دا، يلا خلينا نمشي ونسيب الناس تفرح، هم ملهمش ذنب في مشاكلنا!!!
عثمان بلهجة شديدة:
-اتفضلوا!!
أسرع بالتوجه خارج بوابة المزرعة من جديد فيما أسرع “كاسب” بحمل “عُمر” كما أحضره من القصر وسارت “سكون” بجوارهما وبعد أن تحركوا خطوتين، وجدت صوت الشيخ يناديها بودٍ:
-سَكَنْ!
استدارت تواجهه بعينيها الدامعتين اللاتي تأبى التحرر من محجريهما، فتح “سليمان” ذراعيه لها فيما تحركت بسرعة وألقت بنفسها بين ذراعيه ليربت على ظهرها وهو يقول بصوت هادئ ينبعث منه السكينة والدعم:
-اوعي تزعلي يا قلب عمك، ربنا يصلح حالنا وحاله.
سكون بصوت مضطرب:
-آسفة، إن فرحة تليد باظت بسببي، أنا بجد آسفة.
سليمان وهو يلتقط وجهها بين كفيه ثم يُقبل جبينها بحنوٍ كبيرٍ:
-أنا اللي آسف على كُل شعور سلبي حسيتي بيه بسبب عثمان، ادعي له بالهداية.
سكون وهي تبتسم رغمًا عنها:
-ربنا يهديه، ربنا ينور بصيرته.
سليمان وهو يودعها بابتسامة حانية:
-يارب يا بنتي، يهدي من يشاء.
غادرت خلف البقية على الفور قبل أن تُثير حنقه مرة أخرى، هز “سليمان” رأسه يُمنة ويُسرى غير راضٍ عما يتعرض له هؤلاء الشباب من قيود قاسية وتصرفات غليظة وكلمات لا تربت على قلبٍ إنسان بل تُلقي الشوك في كُل ذرةٍ به، يدعوا لهم بالصبرٍ على أُبوة كهذه، أبٌ لا ينتقي ما يُقال خشيةً أن يتأذى أطفاله بخدوش بسيطة بل يُلقي بكلماته الجمر المتأجج في صميم قلوبهم ولا يُبالي أو يُدرك ما يفعل؛ فقد أُغشيت عيناه عن تمييز الصواب من الخطأ وصار الاثنان سواء!!
كانت “شروق” جالسةً في مكانها مُنذ مجيء والدها تضع رأسها الثقيل بين كفيها في هم وغم حتى أن حُزنها بلغ أشده حينما أساء التصرف قولًا وفعلًا مع أشقائها ولكنها فضلت الصمت حتى لا تبقى نفس المصير وهي لا تحتاج إلى ألمٍ جديدٍ ينضم إلى آلامها الناضرة التي لم يفت عليها وقت طويلٍ.
سقطت دموعها ما أن غادروا، فحاوط “عِمران” كتفيها بذراعه ثم همس بالقرب من أذنها:
-اهدي علشان خاطري، علشان خاطر وَميض وتليد؟!
أومأت بتفهم واقتناع حتى أنها أبعدت دموعها عن عينيها فورًا وحاولت أن تتدبر ابتسامة هادئة أثناء عودتها الجلوس باستقامة، ظلت لفترة طويلة تبحث عن قرطها وما أن غادر “عثمان” حتى وجدته، صعدت إلى كرسيها مرة أخرى وهي تنظر إلى خياله الجامح مغادرًا المزرعة حيث نظرت إليه نظرات مُظلمة وحادة وهي تضع القرط إلى أذنها مرة أخرى تنظر إلى الفراغ الذي خلفه تارة وإلى ابنته ذات الوجه الشاحب تارة أخرى.
عاد “سليمان” إلى كرسيه، تنحنح مُحاولًا تخطى اللحظات الماضية ثم قال بهدوء:
-كملوا أكلكم يا شباب، عثمان أخويا مش غريب عنكم أكيد، بألف هنا وشفا.
التقط ملعقته وحاول أن يبدو طبيعيًا وهو يتناول طعامه إلا أن نظرات الحُزن في وجه “عُمر” كانت كفيلة أن تكسر الفرحة فيه، رمقهُ “تليد” بضيقٍ وقد فهم أن والده ليس على ما يُرام وأن الأمرَ أخذ حيزًا كبيرًا داخل قلبه حتى لو لم يُظهر ذلك، ربتت “وَميض” على ظهر صديقتها تواسيها بنظرات صامتة وعاد الجميع إلى تناول الطعام من جديد، تنحنحت “نجلا” بملامح ثابتة وقالت:
-أنا آسفة على التدخل بس يقصد أيه بأن الخدم تساووا بيه؟!
قالت كلمتها الأخيرة وهي تنظر إلى “علَّام” نظرات مليئة بالتشفي، فيما تابعت “وَميض” بابتسامة باهتة:
-علشان تليد السروجي قرر يتجوز بنت علَّام الجندي مُدبر قصر سعادة الباشا “عثمان السروجي” ودي طبعًا كارثة بالنسبة له، أصله مريض طبقية.
امتقع وجه “نجلا” بتبرم ثم ردت بحنقٍ:
-ياي، هو لسه في ناس بالتفكير العقيم دا، سوري بس دا شخص طبقي وراجعي!
سليمان بهدوء وثبات:
-ربنا يكرمه الصلاح والهداية، خلينا نركز في ليلتنا الجميلة مع أجمل عروسين.
وَميض وهي تنهض عن المائدة عقب كلامه ثم تقول بهدوء:
-بعد إذنكم هتمشى شوية، بألف هنا وشفا على قلوبكم.
تحركت من أمامهم فورًا مقررةً أن تنسحب من هذه الأجواء الصامتة المكدسة بمشاعرٍ الحُزنٍ، بينما بدأ العمال في رفع الصحون عن المائدة وتفريغ المكان تمامًا من الموائد والكراسي وجاء ضاربي الدُف مرة أخرى لتبدأ الأجواء في الارتفاع من جديد، قرر الشيخ “سليمان” جمع الرجال والجلوس برفقته أمام موقده العزيز ليقوم بضيافتهم أكواب من الشاي اللذيذ الذي يصنعه بمهارة وكأنك تتذوق هذا المشروب للمرة الأولى في حياتك؛ فيما قررت الفتيات المكوث في الحديقة التي زُينت بالورد والياسمين ووُضع داخلها دراجة من الورد وكذلك أرجوحة ثابتة يجلس عليها العرسان، التفت الفتيات والسيدات نحو “وَميض” التي كانت تبتسم بين اللحظة والأخرى حتى لا يلاحظ أحدُ مشاعر التيه التي تعيشها، كانت “نجلا” تُراقب الأجواء المرحة بين الفتيات بمزيج من الحنين والكسرة فهي على الأغلب لم تُعاصر لحظة حالمة كهذه ولم ترتدٍ الأبيض سوى في أحلامها.
في هذه اللحظة، قرر “نوح” أن يدفع صديقه إلى الحديقة التي تجتمع فيها الفتيات وأن يكون برفقة زوجته كي يُشاركها بعض اللحظات الفريدة التي تجمعهما، دفعه حتى باب الحديقة ثم ألقى له غمزة من عينيه وغادر لأن وجوده في منطقة الناس قد تثير حنق الشيخ سليمان، تحرك “تليد” داخل الحديقة مُترددًا يسير على مضض وسط نظرات الفتيات المتحفزة بشأن قدومه إلى عروسه، استقام في مِشيته إلى أن وصل أمامها مُباشرة وقت أن كانت تجلس على الأرجوحة، تنحنح بتريث قبل أن يمد ذراعه نحوها ثم يقول بثبات:
-نرقص؟!
نظرت “وَميض” إلى ذراعه الممدود بتعجبٍ وحيرةٍ؛ فبالرغم من أنها لا تكن له مشاعرًا في الحقيقة إلا أن قلبها في الآونة الأخيرة يرتبك حينما يراهُ وتنتشر الحُمرة على وجهها كلمة كان أكثر قُربًا منها، أومأت بهدوء ثم وضعت كفها على كفه تستجيب لعرضه، جذبها برفق إلى منتصف الحديقة لتبدأ الفتيات في الابتعاد تاركين مساحة كافية لهما، كان “نوح” يُتابع ما يجري من بعيد وحينما وجد صديقه يجذبها إلى منتصف الحديقة أسرع بتشغيل موسيقى هادئة جدًا تتناسب مع لحظة رقيقة تاريخ في الأذهان كهذه اللحظة، توقف فجأة ثم وضع ذراعه أسفل ظهرها ودفعها بخفة إلى صدره بينما ذراعه الآخر كان يقبض على كفها، لحظات قليلة مرت ولم تُدرك هي بعد لك غير أنها سبحت في عالم لطيفٍ من الودٍ وحُسن الرفقة معه، لم تكن تعي ما تفعله حينما بدأت تضع كفها على وجهه ورقبته تتأمله بابتسامة صادقة تنم عن لطافة وتأرجح مشاعرها معه وكأنها تُحلق كعصفورٍ نجح في الحصول على حريته بعد سنوات من السجن والضياع.
لاحظ ملاطفتها له بوجه شارد وابتسامة ناعمة فأسرع بوضع جبينه على جبينها ثم ردد بصوت هامسٍ:
-مفيش داعي تمثلي إنك مبسوطة يا وَميض، دي مُجرد رقصة!!
زمت شفتيها بقليل من الضيق قبل أن ترفع كفها إلى خده تلامسه برقة شديدة وهي تقول بهدوء:
-يمكن أكون لسه ملحقتش أحبك بس جوايا ليك مشاعر إيجابية كلها امتنان وحُب، أنا مشاعري اللي بتحركني ناحيتك ودا مش تمثيل أبدًا.
اِفتر ثغره عن ابتسامة أنيقة ثم أضاف بلهجة لينة:
-وأنا عايزك تاخدي وقتك في مشاعرك ناحيتي ولو معرفتيش تخلقي مشاعر في علاقتنا فأنا هكون وقتها مُجرد ضيف خفيف زارك ومالوش اختيار غير إنه يمشي ويا بخت من زار وخفف، مش كدا ولا أيه؟!
أطرقت برأسها قليلًا ثم ردت بنبرة متحشرجة:
-بس أنا خايفة!!!
تليد وهو يميل برأسه واضعًا رأسه على كتفها هامسًا بالقُرب من أذنها:
-اطمني مفيش حد يقدر يجبرك على حاجة مش عايزاها حتى لو الحد دا أنا.
تنهدت تنهيدة الخلاص من شيء كان يشغل بالها طوال الوقت ثم أومأت وهي تقول بابتسامة مشرقة:
-شُكرًا جدًا.
توقفت الأغنية في هذه اللحظة لترتفع التصفيقات الحارة تشجيعًا لهما، ابتعد عنها في الحال ثم رفع كفها نحو فمه وراح يُقبله بهدوء ثم غادر الحديقة فورًا، بينما بدأت الفتيات تلتفتن حولها مرة أخرى للاحتفال، في هذه اللحظة قررت “نجلا” الرحيل فتوجهت خارج الحديقة ثم تبعتها “مهرة” التي تابعت وهي تقترب منها:
-مدام نجلا، حضغتك هتمشي؟!
نجلا بابتسامة هادئة:
-مبسوطة جدًا إني كُنت معاكم في يوم لطيف زيّ دا بس جه ميعاد نومي.
أومأت “ُمهرة” بتفهم ثم قالت:
-تمام، لحظة هبلغ الأستاذ اللي كان معاكِ.
أسرعت “مُهرة” نحو الدائرة التي يجلس بها الرجال ثم اختبأت خلف حائطٍ ما وبدأت تُشير بذراعها أمام عينيه عله يراها ويأتي إليها وبعد لحظات من المحاولة والمُعاناة وجدته قد رآها ثم استجاب لندائها:
-اللي واخد عقلك يا دكتوغ، ساعة بشاوغلك.
نوح وهو يبتسم بعفوية مُجيبًا:
-دماغي مش فيا وقرفان والله مأخدتش بالي وإنتِ بتشاوغيلي.
زمت “مُهرة” شفتيها مُمتعضةً ثم صاحت بضيقٍ:
-بطل سخغية، هتتجوز وتخلف سحالي.
نوح وهو يرفع حاجبيه بابتسامة عابثة:
-مش هيكونوا سحالي، هيبقوا فغاغي عادي جدًا زيّ أمهم وهتغيأ عليكم كلكم.
لون شدقها وردت بتبرم:
-أنا مش أم حد!!!
نوح بضحكة هادئة:
-يا بت إنتِ أُم عيالي!!!
مُهرة بملامح حانقة:
-أما إنك سغسجي.
انطلقت ضحكة من بين شفتيه وهو يقول بسخرية لطيفة:
-سغسجي دي اللي هي سرسجي وكدا!!!
زوت ما بين عينيها وهي تضرب الأرض بقدمها قائلاً بغضب:
-نوح، بلغ الغ… المان اللي جه مع مدام نجلا إنها عايزة تمشي!
نوح وهو يكتم ضحكته بالكاد:
-هبلغ الغاجل حاضر.
احمر وجهها غيظًا ثم انصرفت من أمامه، أبلغت “نجلا” أن “ماكسيم” ينتظرها أمام بوابة المزرعة فانطلقت في الحال بعد أن ودعت العروسين، همَّت “مُهرة” أن تعود مرة أخرى إلى الحديقة إلا أنه أوقفها ينادي عليها بنبرة مرحة:
-يا دكتوغة!!
صكت أسنانها ببعض قبل أن تستدير نحوه بجسدها لتجده يقف أمامها ثم يقول بلهجة لائمة:
-إنتِ ليه مسألتنيش أيه اللي مضايقك؟!
مُهرة بعصبية خفيفة:
-لأنك مُتنمغ وتستاهل كل اللي بيحصل معاك.
نوح بضحكة ماكرة:
-طيب بلاش تسأليني مالك، ممكن جطعة “مصاحبش الفغافيغ حتى لو غاكبين فغاغي؟!” بالله عليكِ أختي في الله.
كورت قبضة يدها وهي تقول بصراخ مكتوب من شدة استفزازها:
-بص، أنا استحملت كتير أبقى دكتوغة مُهذبة بس جه الوقت تشوف العنيفة اللي جوايا، التفتت حول نفسها قبل أن تميل نحو الأرض ثم تلتقط سكينة مُلقاة بجوار أقدار الطعام، حدق فيها بعينين مصدومتين وما كان أمامه حينما شعرت السكين نحوه إلا أن يلتقط غطاء القدر كي يحمي نفسه من هجمات المعتدي عليه ليقول بصوت ضاحك مصدوم:
-إنتِ مجنونة يا بنتي، أقسم بالله ألبسك الغطا في وشك أخنفك خالص لا هيكون في أمل تنطقي حرف الغاء (الراء) ولا باقي الحروف.
مُهرة وهي تقترب بالسكين منه أكثر:
-مش بتهدد ونهاية الحغب هي اللي تحكم بينا.
نوح بضحكة عريضة:
-حرب مسلوبة الغاء (الراء)
قاربت السكين أن تُصيب ذراعه فصاح بدهشة:
-إنتِ بتلوشي وعايزة تقتليني يا دكتوغة البقع!
في هذه اللحظة تجاوزها بعينيه وهو يقول بنبرة متلعثمة:
-هي اللي بدأت يا شيخ سليمان والله!!
ابتلعت “مُهرة” ريقها على مضض ثم استدارت تنظر صوب الشيخ سليمان ولكنها لم ت أحدًا فقد خدعها للمرة التي لا تعرف عددها، ضغطت أسنانها بغيظٍ وما أن التفتت نحوه مرة أخرى حتى وجدته قد فر من أمامها فورًا يضحك ملء شدقيه.
أسرعت داخل الحديقة تستر غضبها منه، وقفت على البوابة تتأمل العروس الجميلة حتى أنها تخيلت نفسها بالأبيض يتم زفها إليه، تنهدت باشتياقٍ حقيقي للحظة التي تجمعها به، لحظات وجاء “تليد” مرة أخرى بعد أن قرر الشيخ “سليمان” اختتام الحفل بزف العروسين إلى عشهما، تأبطت العروس ذراع زوجها يقفان بالمُقدمة بينما يقف الجميع خلفهما من الأحباء وفرقة ضاربي الدُف يودعاهما إلى خارج المزرعة حتى وصلا إلى البيت المجاور للمزرعة تمامًا وما أن دخل العروسان البيت حتى شكر الشيخ الجميع على قدومهم ليغادروا في الحال، دخل الشيخ “سليمان” وراءها ثم ودعهما بابتسامة ودودة ليقبل “تليد” كفه ثم يصعد الدرج برفقة زوجته.
كان قابضًا بكفه على كفها بينما تشير هي خلفه على استحياء إلى أن وقفا أمام باب الشقة ليقوم “تليد” بفتحه بحماس شديد، ارتجف قلبها هلعًا أمام هيبة هذا الموقف، جذبها “تليد” برفق إلى الداخل رغم تسمرها الواضح أمامه إلا أنها تحركت خلفه بخطوات مأخوذة في تيه ومع ارتفاع صوت وصد الباب بدأ قلبها ينتفض بقوة مهيبة ولم تعُد أنفاسها مستقرة البتة لتبدأ في الارتفاع بصورة ملحوظة، استدار إليها حينما سمع صوت أنفاسها المرتبكة ليبتسم بهدوء قائلًا:
-أنا لسه عند وَعدي، اوعي تخافي، أنا هنا ضيف وإنتِ صاحبة البيت دا، تمام؟!
أومأت باستلطاف لكلماته العذبة الحانية لتجده يشير إلى الغرفة قائلًا:
-اتفضلي غيري وتعالي علشان نتعشى سوى، ولا عندك اعتراض على العشا كمان؟!
وَميض بتنحنح وخجل:
-لأ خالص، تمام هغير وأجي.
انصرفت من أمامه على الفور تتحسس خطواتها إلى الغرفة بينما توجه هو إلى غرفة الاطفال ليُبدل ملابسه بأُخرى أكثر راحةً وما أن فعل حتى توجه إلى المطبخ يكتشف أمر الصينية التي أعدتها له الخالة “رابعة” من أجل عشاء العروسين، بدأ يزيل غطاء الصينية الكبيرة ليُحدق بدهشة وجوع:
-أيه التبذير الأوفر دا، بس عفارم عليكِ يا خالة رابعة ولو إن الحمام مالوش لازمة بقى.
فرك كفيه بحماسٍ ثم بدأ يسحب الصحون من الأدراج ويرص الواحد يليه الآخر على الطاولة التي تتوسط المطبخ بعد أن يضع الطعام في كل صحن، توجه إلى الثلاجة يتفحص محتوياتها باحثًا عن بعض المخللات التي لا يستغنى عنها في طعامه إلى أن سمع صوتها تقول بهدوء:
-أساعدك في حاجة؟!!
استدار ينظر إليها ليستوقفه هيئتها الفاتنة بعد ارتدائها منامة قُطنية ظريفة وتركها العنان لشعرها ينسدل بتموجٍ رقيق على كتفيها، حاول أن يسحب نفسه من بؤرة سحرها القاتل الذي يقتص من قلبه العفيف الذي لم يرَ في حياته فتنة كسحر فتنتها على قلبه وكأنها سلبته عُذرية قلبه حينما شعر برغبته فيها للمرة الأولى مما جعله يُمعن النظر في تفاصيلها دون أن يخشى أن يعصي الله ودون قيود تمنعه من الالتقاء بها حتى ولكنه يرثي حاله لأن قيود الله على قلبه قد زالت بينما ثمة قيودٌ وضعها غياب المشاعر من طرفها نحوه، حاول مجاهدًا نفسه أن يستفيق قبل أن يندم على فعل لا يليق بمروءته فأسرع يقول وما يزال تحت سُكرة سحره بها:
-دوسي على البويلار (السخان الكهربائي) علشان الشاي.
أومأت تنفذ ما قاله بينما أعد المائدة دون أن ينقصها شيئًا ثم جلس على كرسيه وهو يقول بهدوء:
-أنا قررت إننا ناكل الأكل بارد لأني جعان فوق ما تتخيلي، أتمنى تكوني مبسوطة بالقرار دا!!!
ابتسمت ابتسامة هادئة وهي تجلس قبالته ثم رددت تنهيدة استسلام:
-هو قرار لا يروقني بس ماشي.
باغتها بضحكة عريضة قبل أن يبدأ تناول الوجبة في صمت تامٍ جعلها تتنحنح في مللٍ ثم تقول:
-شكلك بتحب الحمام أوي؟!
تليد يومىء بتأكيد:
-جدًا وكمان البانيه مع المكرونة بالوايت صوص، أكلاتي المفضلة.
وَميض ترد بحماس وتحدٍ:
-أيه رأيك بكرا أعمل لك بانيه ووايت صوص.
تليد مصطنعًا الدهشة:
-خير؟ ناوية تكوني ست بيت من اليوم الأول!!!
وَميض بضحكة مشرقة طفولية:
-لأ عادي يعني من باب إدخال السرور على قلب مُسلم.
تليد يرمقها بنظرات شغوفة:
-السرور دخل قلبي فعلًا طول ما إنتِ قاعدة قدامي وعيني شيفاكِ.. قعدتك قدامي حتى وإنتِ ساكتة بدون أي أفعال نوع خاص من أنواع إدخال السرور على قلب العبد لله.
تخضبت وِجنتاها خجلًا وحولت نظراتها إلى الطعام تجنبًا لنظراته الفاتنة نحوها، تأملها للحظة قبل أن يتكلم مرة أخرى:
-إنتِ بتعملي أيه يا وَميض؟! متسمعيش عن آداب أكل الحمام؟!!
رفعت بصرها إليه تحدق فيه باستفهام ودهشة ثم تابعت بتوجسٍ:
-لحظة!، هو الحمام له آداب معينة علشان ناكله؟!!
تليد مومئًا بتأكيد:
-طبعًا يا روحي، إنتِ كدا بتفليه لكن الحمام دا بيتاكل بحالته كدا كله على بعضه بعضمه.
وَميض تردف بدهشة واستنكار:
-نعم؟! بعضمه؟! لا لا، لا يمكن أعمل اللي إنتَ بتقول عليه دا.
رفع “تليد” حاجبه ثم أردف وهو يلتقط حمامة بين كفيه ثم يُقربها من فمه ويلتهم نصفها مرة واحدة:
-بصي الحمام بيتاكل إزاي واتعلمي.
وَميض وهي تغرب بوجهها عنه ثم تقول بتبرم:
-تليد مش بالطريقة دي، كدا هرجع!
تليد بابتسامة عابثة يرد:
-ترجعي أيه؟! هو أنا كُنت لمستك؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة من شدة الاحراج وأطرقت برأسها تغض الطرف عن ابتسامته العابثة معها بينما تابع هو بتراجع وضحكة خفيفة:
-خلاص كُنت بهزر معاكِ، كُلي براحتك ويلا علشان تنامي.
أومأت تقول بخفوت وابتسامة متوارية:
-تمام.
•~•~•~•~•~•~•~•
-خلاص يا بني ما إنتَ وصلتنا لحد البيت أهو، كتر خيرك، روح بقى علشان ترتاح!
أردفت “رابعة” بتلك الكلمات في هدوء فيما أومأ “نوح” سلبًا وهو يمشي معهما سيرًا إلى بيتهما فيقول بإلحاح:
-لازم أوصل لكم لحد باب البيت واطمن إنكم دخلتوا كمان.
اِفتر ثغر “مُهرة” عن اِبتسامة متوارية ولكن الأخيرة نجحت في إدراكها بسهولة، تجذفت “رابعة” سيرًا حتى وصلت إلى باب البيت ثم نظرت إلى الأخير وقالت:
-أدينا وصلنا لحد باب البيت، كدا اطمنت؟!
نوح بضحكة مشرقة:
-آه، كدا اطمنت عليكم الحمد لله، هتعزمي عليا أدخل ولا أمشي؟!
رابعة وهي تلزم شفتيها بغضب طفيف:
-لأ أمشي، هي دي محتاجة كلام!!
نوح قائلًا بضحكة عابثة:
-طول عُمرك صاحبة واجب وكرم يا حماتي، كُنت عارف إنك هتطرديني ومش متفاجئ.
زمت شفتيها ثم ردت وهي تتجه داخل البيت:
-أنا مش حماة حد.. وإنتِ انجزي ويلا ورايا!!
مُهرة بتلعثم:
-حـحـ حاضر
نوح بابتسامة مستفزة:
-شريرة أوي الست دي، المهم عايز مشورتك في الموضوع بتاع المركز دا، أنا عندي كشوفات للصُبح بكرا والسكرتيرة مشيت وحالي ما يعلم بيه إلا ربنا.
رفعت “مُهرة” أحد حاجبيها ثم تابعت بلهجة حازمة:
-أنا عندي حل.
تليد بأمل:
-أيه هو بسرعة قبل ما أمك تخرج تزقلنا بالطوب!!
مُهرة بنبرة ثابتة:
-أنا ممكن أشتغل معاك كسكرتيرة يعني استقبل المرضى واحجز لك الكشوفات بس لمدة كام يوم لحد ما تلاقي سكرتيرة تانية.
حدق فيها بدهشة ثم هتف بفرحة عارمة غير مُصدقٍ:
-احلفي بالله؟!.. الكلام دا بجد؟!!.. مش عارف أقول لك أيه ولا أيه.. أمشي من قدامي بسرعة قبل ما أبوسك.
انتفضت ذُعرًا ثم هرولت من أمامه فورًا وهي تصيح بنبرة مستنكرة:
-باسك حنش يا شيخ.
أسرعت إلى داخل البيت لتجده يغمز لها بإحدى عينيه وهو يقول بسعادة غامرة:
-اوعي تتأخري عن شغلك بكرا يا سكرتيرة دكتوغة البقغ إنتِ وإلا هيتخصم منك يوم!
أسرعت بإخراج لسانه له بطريقة طفولية ثم أسرعت بغلق الباب في وجهه ليُتابع بتنحنح:
-من ساعة ما بقيت مديرها وهي بتحترمني موت.
•~•~•~•~•~•~•~•
دثرت نفسها داخل الفراش وراحت تتأمل جدران وسقف الغرفة منذ ساعة ولم تغفل عيناها قط، كان تغيير موضع نومها يشكل عائقًا في أخذها قسطًا كافيًا من الراحة وما زاد الأمر صعوبةً وجودها في غرفة وحيدة بمفردها دون وجود من يؤنس وحدتها، اِبتلعت غِصَّة مريرة في حلقها وهي تشعر بوحدة موحشة جدًا، تفاقمت الهواجسُ داخل رأسها وما هي إلا ثواني حتى كانت تنهض عن فراشها وتتوجه بخطوات مُرتبكة خارج غرفة النوم.
نظرت إلى الأجواء المُظلمة من حولها بارتباكٍ فأضواء الغرف جميعها مُقفلةً، تمشت بتحسس وهدوء على أطراف أصابعها حتى وصلت إلى الغرفة التي ينام فيها لتجد الباب مواربًا إلى حد ما، وقفت تسترق النظر إليه من خلف الباب بمشاعر مُترددة، هل تذهب إليه باكيةً تُخبره أنها تخشى الظلام والنوم وحدها فيظنها طفلة وهي التي تُجاهد في إظهار المرأة المسؤولة داخلها؟!، عضت شفتها السُفلى في حيرة وتردد ولكنها في النهاية قررت أن تدخل إلى الغرفة وتنام في زاوية ما بالقرب منه لعلها تقتبس من وجوده بعض الامان.
تحركت بخطوات حذرة للداخل حتى وقفت أمام السرير الذي ينام عليه، وقفت تتأمله بعض الوقت ثم بدأت تبحث عن مكانٍ تجلس فيه داخل الغرفة لتستقر بقرارها على أريكة يلتصق طرفها بالسرير بشكل عرضي، أسرعت تجلس فوقها شاعرةً ببعض النسمات الباردة التي اقتحمت خلايا جسدها.
قررت أن تفرد جسدها على الأريكة وأن تُبقي رأسها بالاتجاه المجاور لوسادة السرير حتى تستطيع أن تستأنس بصوت أنفاسه المنتظمة بالقرب منها، للحظة حاوطت ساقيها بذراعيها في انكماشٍ وراحت تتأمل وجهه القريب من وجهها وتدور التساؤلات في عقلها كالنملٍ الذي يحشد جموعه المؤلفة حول قطعة من السكر فكان عقلها قطعة السكر هذه التي تجمع حولها جيشًا هائلًا من التساؤلات، هل أساءت الظن به كما يبدو وأن شخصه لم يكن يستحق كُل هذه الأحكام الجائرة عليه أم أنه يصطاد سمكته إلى شباكه حتى تكون وجبته لطعام العشاء؟!! هل يا تُرى سيتغير عليها أم سيبقى جميلَ القلبٍ والطباع كما رأت منه في آخر الأيام؟! هل ثمة حبٌ يصل إلى هذه الدرجة من التسامح والغفران؟ كادت أن تهدم حياته الشخصية والمهنية وأن تلوث السمعة التي عاش يبنيها وفي لحظة ضعف منها قرر أن ينتزع قوته ويمنحها لها دون أدنى مُقابل، لقد أنار عُتمة التيه فيها بمصباح تسامحه، هل توجد درجة غير مشروطة من الحب كالحبٍ الذي رأته منه منذ أيام؟ وإن كانت قد بُهرت بمشاعره الصادقة معها لأيام قليلة؛ فماذا سوف تفعل حينما تُشاركه الباقي من الحياة؟!!
ظلت تسأل وتسأل إلى أن غطت في سُبات عميقٍ ولم تمُر دقائق حتى فتح “تليد” عينيه مُبتسمًا في هدوء؛ فلم يكن نائمًا طوال هذا الوقت حتى أنه كان يسترق النظر إلى عينيها من خلف أهدابه المفتوحة قليلًا، أبعد الغطاء على الفور بعد أن تأكد من نومها ثم قام بحملها بين ذراعيه ووضعها على الفراش ثم دثرها بالغطاء جيدًا؛ ليلتي بغطاء آخر له وينام على الأريكة مكانها وهو يضع رأسه بالقرب من وجهها يتأملها بنفس الطريقة أيضًا.
•~•~•~•~•~•~•
“في صبيحة اليوم الموالي”.
خطت أقدامه داخل المركز بخطوات سريعة بعدما أبلغته “مُهرة” عبر الهاتف ألا يتأخر لأن المركز يعج بالحالات، توجه مُباشرة داخل غرفته بينما كانت تجلس هي على مكتبها في صالة الانتظار التي يجلس بها المرضى، قررت أن تتجه إلى غرفته وما أن دخلتها وأغلقت الباب حتى وجدته يقول بملامح يطغى عليها السرور أثناء جلوسه إلى مكتبه:
-أحلى صباح دا ولا أيه؟! الواحد أول مرة يصطبح في شغله على جطعة من القمر.
افتر ثغرها عن اِبتسامة هادئة ثم قالت:
-عيب يا دكتوغ، وبعدين أنا عايزة أفهم ليه مفيش مواعيد للنساء ومواعيد للرجال على حدا!!
نوح تنهيدة سريعة:
-لأن دي مش عيادتي الخاصة يا فندم، دا مركز خاص وله قوانينه وبعدين كل ست بتكون جايبة جوزها معاها فبنعتبرهم كشف واحد، يعني بنبدأ نشوف حالة الزوج الأول قبل اتخاذ أي إجراءات في حالة الزوجة؛ فطبيعي تكون العيادة فيها النوعين لأن حالات العقم عند الرجال سواء موجودة أو لأ مرتبطة ارتباط وثيق بتأخر الحمل عند النساء وأنا كطبيب نساء وتوليد وحالات عقم عند الجنسين مطلوب مني علشان أشتغل في مكان محترم زيّ دا إني استقبل أي حالة هتيجي لي طول اليوم واسمع شكواها بدون ملل لأن اليوم دا في المركز حسب الجدول فهو يومي لوحدي ومش هتلاقي في المركز حد غيري.
مُهرة تحدق فيه في صدمة:
-نعم؟ يعني المركز دا كله مش هيكون فيه كشف غير معاك؟؟ مفيش دكتور تاني غيرك النهاردة؟ أمال هنمشي إمتى؟!
نوح بضحكة مشرقة:
-المركز شغال النهاردة استقبال حالات ولادة بس فالدكاترة مشغولين مع حالاتهم وأنا اللي بستلم اليوم دا الكشوفات، معانا ربنا، بس تفاءلي يا دكتوغة.
مُهرة بتنهيدة مهمومة:
-طبعًا كُلي تفاءل.
نوح بابتسامة مكتومة:
-تمام، دخلي أول كشف.
أومأت على مضض ثم خرجت للحظات وعادت من جديد مع الحالة الأولى، جلست السيدة برفقة زوجها أمامه بينما أسرعت “مُهرة” خارج الغرفة، تجاوزت الحالة الأولى من الوقت عشر دقائق، فنظرت “مُهرة” حولها وهي تسأل إن كان الكشف يأخذ قرابة الربع ساعة فمتى ستفرغ العيادة من هذا الكم الهائل من الحالات؟؟ تنهد تنهيدة ممدودة بعُمقٍ وهي تقول بخفوت:
-ما أنا مكنش ينفع أتطوع بقلب جامد أوي كدا، يا مغاغي (مراري)، دول مش هيخلصوا ولا الصبح.
في هذه اللحظة، قطع شرودها صوت رجل يقف أمامها مُباشرةً ويمد يده لها بروشتة طبية قائلًا بصوت ناعسٍ خشنٍ:
-بقول لك أيه يا مزمزيل، أمال فين الدكتور المسؤول عن الحُقن؟!
زوت ما بين عينيها ثم تابعت بنبرة ثابتة:
-دكتوغ مسؤول عن الحقن!!، لا مش عاغفة الحقيقة، الدكتوغ اللي موجود حاليًا هو دكتوغ نوح!.
الرجل بمتابعة:
-ودا بيدي حقن؟!
مُهرة بنبرة متوترة:
-دكتوغ نسا وتوليد وحالات عقم.. تقدغ تاخد الحقنة دي في أي صيدلية!
الرجل بعصبية وصوت فظٍ:
-يعني أنا دافع ألوف في المركز هنا علشان أخرج لأي صيدلية أخد حقنة، وبعدين بقول لك أنا تبع حالة ولادة محجوزة هنا وتعبت وعايز أخد الحقنة دي كان الدكتور كاتبها لي!!
التقطت منه الروشتة ثم أمعنت النظر في اسم الدواء وراحت تقول بثبات:
-أه دي حقنة للسخونة، حضغتك دغجت خغاغتك عالية؟!!
حدق فيها الرجل ببلاهة ثم صاح بغضب:
-إنتِ بتقولي أيه؟ أنا مش فاهمك؟!
تنحنحت “مُهرة” بتوتر وهي تخشى صوته العالي فتابعت مرة أخرى:
-إنتَ سُخن؟؟؟
الرجل بغمزة ماكرة:
-طب ما تجسيني وتشوفي بنفسك!! وبعدين هو مش إنتِ ممرضة، اديهالي إنتِ؟!
توترت بشكل ملحوظ وراحت تُبعد نظراتها عنه تتجنب فظاظته وصوته المُزعج قائلةً:
-أولًا أنا دكتوغة، ثانيًا الحُقنة دي حُقنة عَضل ومش هينفع أديها لك، الحل الوحيد إنك تلجأ لأي صيدلية يا فندم!
رفع الرجل حاجبه ثم تابع بمكرٍ:
-يعني أيه عَضل وبتتاخد فين دي؟!!
ارتجفت أطرافها ما أن وجدت الباب يُفتح وتخرج منه أول حالة، أسرعت مُبتعدةً عنه وهي تقول بتوتر:
-لحظة.
ودعت الحالة بابتسامة هادئة ثم هرولت داخل غرفة “نوح” تقول بأنفاس لاهثة متوترة:
-نوح، في واحد بيضايقني وعايزني أدي له حُقنة وبيقول لي يعني أيه حُقنة عَضل!!
انكمشت قسمات وجهه في غيظٍ ثم نهض فورًا عن كرسيه وأسرع خارج غرفته بغضب طفيف حرص ألا يُظهره أما المرضى، نظر من بعيد فوجد الرجل يقف أمام مكتبها فأشار له بذراعه أن يأتي وما أن وصل الرجل إليه حتى تابع “نوح” بصوت حانقٍ:
-خير يا باشا مالك؟!
الرجل ببرود:
-عايز أخد الحُقنة دي!
أومأ “نوح” ثم وضع كفه خلف ظهر الرجل ثم قال بلهجة ثابتة:
-طيب يا فندم اتفضل معايا لأوضة الكشف!!!
عقد الرجل ما بين عينيه ثم قال بلهجة شديدة:
-أوضة الكشف أيه يا دكتور، إنتَ شايفني لابس طرحة؟؟؟
نوح وهو يجز على أسنانه ثم يقول بلهجة صارمة ثم يدفعه داخل الغرفة بقوة وسط ذهول “مُهرة” التي فُزعت من تحوله:
-لا سمح الله يا فندم، تعالى بس أنا هقول لك حُقنة العَضل بتتاخد فين!!!!!!
يتبع
رُحماء_بينهم
التعليقات