لايك قبل القراءة
ريفيو بعد القراءة يا شباب
-أتمنى الفصل يحقق تفاعل مُرضي لتعبي ومجهودي.
(قراءة مُمتعة)
———-
رواية رُحماءُ_بينهم
“كمثلِ الأُترُّجة”.
]]الفصل الخامس والثلاثون]]
•~•~•~•~•~•~•
الأُمنياتٌ في حياة الكثيرين حافزٌ ممن لا يمتلكون في هذه الحياة سوى قلبٍ يودع أمانيه بين يدي الله تاركين مشيئته في تحقيقها عاجلًا كان أو آجلًا، لا يمتلكون سوى القناعة واليقين ويرغبون عن أمورٍ شتى يمكنها تحقيق أمانيهم بسرعة البرق ولكنهم يخشون ألا ينظر إلى ما اودعوه في قلوبهم من أماني تجعلهم قادرين على الاستمرار والمسير”.
•~•~•~•~•~•~•
“-يا علَّام، ارمي الزبالة دي برا مش عايز أشوفها في القصر دا تاني وإلا العقاب هيطولك إنتَ.
هاج صارخًا في وجه الأخير الذي تسمر واقفًا ينظُر إلى تلك الفتاة الضعيفة الواقعة بالأرض تنتحب في ألمٍ ولا تملك مثقال ذرة من قوة أو إرادة، قطب السيد حاجبيه حينما لم يجد ردًا من الأخير فهاج مُجددًا بأنفاس تغلي:
-سامع ولا لأ!
انتفض جسد “علَّام” وعلى الفور أومأ مُنصاعًا؛ فيما صرخت هي بكل ما تحمله من طاقة مُستهلكة:
-حرام عليك، يا أخي ربنا ينتقم منك ومن أمثالك، ليه عملت فيا كدا؟! سيرتي بقيت على كل لسان بسببك.
أسرعت تلتقف ساقه ثم تتشبث بها في نحيب بينما بدأ يركلها بغضب وطغيان قائلًا:
-هو أمثالكم هيفرق مع الناس أصلًا؟! يا بنتي محدش مركز معاكم لأننا كأسياد مش شايفينكم.
اجهشت باكيةً بحُرقة حينما ركل ركلته الأخيرة التي أصابت جنبها الأيسر فصرخت بانهيارٍ:
-أبويا بيموت بسببك، طب علشان خاطري يا بيه انقذني من عيون الناس وكلامهم اللي زيّ السم، علشان خاطري!!.. أبويا بيموت من الحُرقة والكسرة!
اِفتر ثغره عن ابتسامة ساخرة ظهرت بوضوح على جانب فنه وانحنى قليلًا ناظرًا داخل عينيها مُباشرة ومُضيفًا بسخرية:
-انقذك إزاي؟! يا بنت البواب!
هي بدموع مُنهمرة:
-قول لجوزي إني اتغصبت على اللي حصل لي لأنه مش مصدقني، أبوس إيدك، أنا بيتي بيتخرب!!!
ضحك ملء شدقيه ثم باغتها بقبضة قوية على فكها قائلًا بغيظٍ:
-ملعون جوزك على أبوكِ، إنتِ شكلك عبيطة وأنا مش فايق لك.
أسرعت بالقبض على ياقته ثم جاهدت أن تتكلم رغمًا عن قبضته الضاغطة على فكيها:
-أنا مش مجنونة، أنا اتهتك عرضي من واحد خنزير وألسنة الناس مش سايباني في حالي حتى جوزي مش عايز يصدق إني بريئة وأبويا من القهرة بيموت!
أسرع بالقبض على ذراعيها ثم أجبرها على ترك ياقته وهو يقول بلهجة شديدة يغمرها التهديد والوعيد:
-إنتِ تخرجي من هنا ومش عايز أشوف وشك تاني وإلا قسمًا بالله المرة الجاية هتكوني بين عداد الموتى، سامعة يا بت ولا لأ!
أجهشت بحُرقة وهي تُخفي وجهها بكتفيها تتفادى اعتدائه عليها بالضرب حيث بدأ يلطم وِجنتيها بقسوة بينما تصرخ هي بقهرٍ:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك.. ربنا ينتقم منك يا ظالم.. ربنا يكسر فرحتك بكُل غالي عليك.. ربنا يكسر قلبك زيّ ما كسرت نفسي وكسرت كبرياء أبويا وسرقت شرفه وشرف جوزي بالقوة.
كانت تصرخ داعياً عليه بكُل ما يأتي إلى رأسها بينما يزداد ضربه المُبرح لها حتى اقترب “علَّام” منه وراح يسحب ذراعه عنها قائلًا بنبرة مُتلعثمة يملأها الحُزن والضعف:
-كفاية يا بيه، سيبها لحال سبيلها.
وكأنه عُمي تمامًا عن رؤية شيء سوى تفريغ طاقته المشحونة فيها وما كان من علَّام إلا أنه أسرع بجذبها من بين ذراع الأخير ووقف حائلًا بينهما ليجد عثمان يهدر في وجهه بصوت أجشٍ:
-ارمي الكلبة دي برا.
أومأ “علَّام” حتى لا يثور الأخير مرة أخرى؛ فيما رمقتهُ الفتاة بكُره وما أن نهضت عن الأرض حتى بصقت في وجهه مما أثار حنقه من جديد وهم أن يقبض على حجابها ليُسرع علام بدفعها بعيدًا عنه بينما قالت هي بحُرقة قبل أن تتحامل على نفسها مُغادرةً للقصر:
-افتكرني كويس يا بيه لأني راجعة لك تاني في يوم من الأيام علشان نصفي حسابنا!
حدجها بعدوانية ولكنها تحركت بخطوات متباطئة خارج بوابة القصر رغم شعورها بالعجز المهين حول استكمال سيرها إلى البيت وكذلك شعور الوضاعة التي تشعر به نتيجة نظرات الجميع لها؛ فلم تفعل شيئًا حتى يتم نبذها من الجميع حتى زوجها؟! لا يُصدق أن زوجته الضعيفة قد وقعت فريسة لسيد قوي البنيان لا يخشى أحدًا ولا يُمكن مقاومته من قِبل رجل عتي فكيف لها أن تفلت من تحت براثنه!!
سارت تجر ساقيها بعجزٍ حتى أنها تحايلت على نفسها ألا تخذلها وتنهار أمام مرأى الناس وأن تكون عونًا لها حتى تسترد حقها المنتهك، نهرت نفسها لكونها ضعيفة سلبية تنتمي لعائلة فقيرة لا تمتلك سوى الشرف وحتى هذا استكثروه عليها!!.. ترجت دموعها ألا تسقُط وأن تناصرها حتى تحقق النصر!.
-استني!!
ناداها بصوت مُتهدجٍ، توقفت في الحال دون أن تستدير نحوه ففعل هو حتى وقف أمامها مُباشرة وقال بضيقٍ:
-انسي اللي حصل، لأن اللي زينا لازم يتنازلوا علشان يعيشوا!!
رمقتهُ بنظرات صامتة بينما تابع بتنهيدة حارة:
-كان بودي أساعدك بس مش عارف إزاي!!!
أجابته بثبات وصوت مُتحشرج:
-اشهد معايا ضده يا علَّام، ساعدني أفضحه، أبوس إيدك!!!
أومأ سلبًا على الفور وقال:
-مش هقدر، سامحيني، دي لُقمة عيشي الوحيدة!
أومأت بدموع محبوسة وقالت:
-لُقمة عيش طعمها صبَّار، خلي بالك وإنتَ بتحافظ على لُقمة عيشك مع ظالم زيّ دا ييجي الدور عليك في يوم من الأيام وتكون مراتك مكاني؟!!
أنهت كلامها وتحركت من أمامه بينما نكس رأسه بقلة حيلة شاعرًا بالحُزن على حالها واليأس على حياة صعبة لا يمكنه فيها أن يقول كلمة حق لأن الحق لن يجني له رزق بل سيقطع عنه كُل سُبل الحياة”.
-علَّام ساعدني، قول كلمة الحق، اتكلم، كاتم شهادة الحق ظالم، هنتقم منك ومنه يا علَّام، انتقامي قريب».
ارتجف قلبه بقوة وهو يستيقظ من نومه فزعًا بفعل كابوسٍ داهم نومه وكتم أنفاسه حتى كاد أن يحتضر، جاءت إلى أحلامه وحولتها كابوسًا وهي تعده بانتقام ساحقٍ عما بدر منه من صمتٍ مُخزي تجاه حقها المنتهك، اعتدل في نومته جالسًا ثم بدأ صدره يعلو ويهبط بغير انتظامٍ حتى جبينه بدأ يتصبب عرقًا.
اِبتلع “علَّام” ريقه بصعوبة بالغة قبل أن يستدير بجذعه العلوي ويلتقط كوبَ الماء ثم يتناول ما به على فم واحدٍ، لم تهدأ خفقات قلبه المتسارعة بفضل الكابوس ليتذكر نظراتها له بالأمس، لقد كانت نظرات تدينه بكثير من الاتهامات رغم براءته الكاملة من أذيتها إلا أنه يُدرك أن صمته أُعتبر سهمًا شارك به في جريمة شنيعة اقترفت في حقها.
في هذه اللحظة قطع شروده، دخول “سهير” التي تابعت بصوت مخنوقٍ:
-علَّام، عايزة أشوف بنتي!!
قطب حاجبيه لثواني قبل أن يُدير ظهره لها ويدثر نفسه داخل غطائه مرة أخرى وهو يقول بلهجة شديدة:
-بنتك مع جوزها ومفيش زيارات هتتم في الوقت الحالي، اخرجي واقفلي الباب وراكِ.
•~•~•~•~•~•~•~•
-سكون!!
نادى عليها بصوت خشن قبل أن يفتح مقبض الباب وينظر داخل الغرفة، كانت تجلس على فراشها تتفحص حاسوبها في حالة من الخمول والركود، تحرك واقفًا أمام الفراش ثم تابع بملامح جامدة عندما وجدها تتجاهل وجوده وقال بصوت صارمٍ:
-إنتِ هتفضلي قافلة على نفسك باب الأوضة!!
قررت أن تتوجه بنظراتها إليه وبنبرة ثابتة ردت:
-حابه أكون لوحدي شوية يا بابا، فيها مشكلة دي؟!!
عثمان عاقدًا ذراعيه أمام صدره ومُجيبًا بلهجة حازمة:
-طبعًا فيها مشاكل لأن الشركة مش هتستنى سعادتك لمَّا تخرجي من وحدتك!
زمت شفتيها قليلًا قبل أن تقول بتبرم:
-بس أنا مش آلة ومن حقي أخد فاصل أجدد بيه طاقتي علشان أقدر أكمل!!
نبج صوته بقوة وقال:
-أنا ليه حاسس أن أوامري مش مسموعة عندك!!
وضعت الحاسوب جانبًا ثم نزلت عن الفراش واقتربت منه تقول بهدوء:
-بابا، أنا بنتك مش سكرتيرة عندك واللي بتطلبه مني مش أوامر ولكن مُساندة علشان أنا بنتك وسندك زيّ ما بتقول ولكن مينفعش تعاملني على إني شغالة عندك بستقبل أوامر واشتغل عليها وبس!
عثمان بسخرية:
-عرفتي ليه قُربك من عمك وابنه مش صحي؟!
سكون وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها وتسأل بحنقٍ:
-ليه؟!!!
عثمان بلهجة حادة:
-بيخلوكِ تتمردي عليا، سليمان بيوهمك إنه ممكن يحبك أكتر مني.
افتر ثغرها عن ابتسامة مُتهكمة وردت:
-عمو سليمان مش بيجيب سيرتك إلا بكُل خير، الراجل دا بيدعي لك بس، جرب تفتح صفحة جديدة معاه لأنه أخوك، هو إنتَ مش بتحن له زيّ ما أنا بحن لكُل لحظة مع شروق وعُمر؟!! طيب إنتَ ليه يا بابا قاسي مع اخواتي؟! ليه بتكسر عُمر بكلامك، ليه وإنتَ عارف إن روحي فيه؟! قلبك مش بيوجعك عليه وهو مكسور وحاسس بالوضاعة لأن اللي المفروض يكون مصدر قوته هو مصدر تهشيمه!!، إنتَ بتكسر فيه كُل يوم حاجة، أنا مش عايزة أصحى في يوم ألاقي أخويا بقايا إنسان، أنا بتنفس اخواتي، أكيد إنتَ مش هتفهم إحساسي دا طبعًا!
في هذه اللحظة، أسدى لها لطمة قوية جدًا على وجهها جعلتها ترتد بغير اتزان للخلف، انفرج فمها في صدمة كبيرة وانسابت دموعها فورًا على وِجنتيها فيما تابع هو بانفعال شديدٍ:
-القلم دا علشان يفوقك ويعلمك إزاي تتكلمي مع أبوكِ.
اِبتلعت غِصَّة مريرة في حلقها ثم تابعت بصوت مخنوقٍ:
-شُكرًا لحضرتك يا بابا، لأني فعلًا فوقت.
حدق فيها بعينين يملأهما الغيظ وغادر الغرفة فورًا بينما ألقت بنفسها على فراشها وبدأت تبكي بانهيارٍ وضيقٍ؛ فهي في النهاية تخسر علاقتها بوالدها التي لطالما كانت هادئة ولكنها لا ترضى أن تُجاريه حينما تكون أذيته هذه موجهة لأشقائها؛ فهي تخشى عليهما متاعب الحياة ولن تكون سوى الحامي لهم حتى لو تعارض هذا مع قيود والدها الصارمة؛ فعاطفة الأبوة عنده مشكوك بها لقلة ما يتمتع به من حنين لرؤيتهم أو حتى رغبة في القبض على تلابيب السعادة وإحضارها إلى حجرهم.
اضطربت أنفاسها في حُزن دُفن بين ضلعيها وما أن وصل صوت بوق سيارته إلى أذنها حتى قررت مُغادرة الغرفة تمامًا قبل أن تخنقها أفكارها المُتشائمة بين أربعة جدران، التقطت معطفها بسرعة كبيرة ثم هرولت تهبط الدرج مُقررةً تفقد حال شقيقها أولًا وقبل خروجها، تجذفت سيرًا إلى غرفته وقبل أن تهم بطرق الباب سمعته يقول في انفعال وصوت مهزوز:
-أنا بحاول معاه يا رويدا، اهدي هاجي في أقرب وقت، مش هتخلى عنك، صدقيني!
صمت لوهلة قبل أن يقول مرة أخرى:
-رويدا.. أنا بقاوم في الحرب لوحدي.. حرب ضد نفسي وضد أبويا.. متكونيش طرف في الحرب دي.. خليكِ الملاذ الآمن فيها!.
تراجعت فورًا وقد أصاب قلبها غِصَّة مريرة وهي تعود مرة ثانية إلى بهو القصر ومنه إلى الخارج، ترددت كثيرًا قبل أن تلجأ إليه خاصةً بعد تعرضها للإهانة أمامه من قِبل والدها؛ ولكنها لم تشعر بالغربة والاستغراب في قربه فقد وجدت منه ما أسرها ولم يخذلها مُطلقًا في أمورٍ احتاجته فيها ويتواجد إن لم تحتجه حتى.
فركت كفيها قبل أن تتجه إلى غرفته القائمة بجوار مبنى القصر، طرقت الباب وانتظرت للحظات حتى وجدته يفتح بعد لحظاتٍ وعلامات النوم بادية على قسمات وجهه لتقول بتأفف:
-كاسب، أنتَ لسه نايم؟!
كاسب يقطب حاجبيه مُضيفًا بهزل:
-أه، في حاجة؟! عندكم بتصحوا في ميعاد مُعين!
زوت ما بين عينيها ثم استدارت كي تتحرك من أمامه وهي تقول بفتورٍ:
-آسفة أزعجتك، نام تاني.
كاسب باستغراب من تعكر مزاجها:
-طيب استني بس، إنتِ زعلتي؟! أنا بهزر معاكِ.
استدارت إليه مرة أخرى وقالت بلهجة حازمة:
-كاسب أنا عايزة أتعلم السواقة دلوقتي؟!
حدق فيها وصاح مُتعجبًا بمزاحه المعهود:
-حالًا بالًا فالًا… دلوأتشي؟!!!
ضربت الأرض بقدمها ثم تابعت بتأفف:
-أه، هتعلمني ولا أركب عربيتي وأتعلم بنفسي!!
خرجت ضحكة ساخرة من بين شفتيه وقال بتوجسٍ:
-هرمونات انتحار دي؟! ماما، مش عايزها تهب منك.
التوى شدقها ثم سألته باستنكار:
-هي أيه دي؟!
كاسب بثبات:
-دماغك اللي مسوحاكِ، شايفة المُرجيحة اللي هناك دي!!
أومأت في صمتٍ فضرب على كتفها بكفه الثقيل وقال بصرامة:
-تقعدي تلعبي عليها شوية لحد ما أطص وشي بشوية ماية وألبس هِدمة.
تسألت باستنكار وعدم فهم:
-أطص!!!
كاسب وهو يشير إلى حلقه بأصبعيه السبابة والإبهام ثم يضيق بحنقٍ:
-ولا متعصبنيش ياض، اسمع كلامي وبس.
حدقت فيه بذهول ولكنه انصرف داخل الغرفة مرة ثانية دون أن يأبه بصدمتها بينما تابعت “سكون” بغيظٍ واختناقٍ:
-بس أنا بنت!!.. كاسب؟ إنتَ إزاي تكلمني بصيغة المُذكر؟! وكمان مشيت وسبتني وأنا بتكلم.
ضغطت على أسنانها ثم قررت أن تبتعد عن الباب حتى يتجهز لخروجهما، ظلت تروح وتأتي أمام الباب حتى خرج لها في خلال دقائق، تنهدت تنهيدة ممدودة بعُمقٍ قبل أن تقف أمامه مرة أخرى وتقول بحزم ونبرة سريعة:
-بص بقى أنا عايزة أروح عن أُختي علشان وَحشتني، فأية رأيك تعلمني السواقة واحنا في طريقنا ليها!!!
انطلقت ضحكة عالية من فمه ثم قال مازحًا:
-لا دا السلوك عندك لمست خالص، هل أنتِ عبيطة؟! ولا غابت منك؟!
زوت ما بين عينيها وصرخت باستنكارٍ:
-هي أيه؟!
كاسب بتنهيدة ملولة:
-ما قولنا دماغك اللي مسوحاكِ، ياما السواقة دي عايزة مكان لا يعيش فيه كائنات حية ولا غير حية، لكن تقولي لي على الطريق وأختي وَحشاني؟ دا كدا إحنا اللي هنوحش الناس.
سكون وهي ترد بانفعال واندفاع:
-خلاص براحتك، خليك.
اندفعت تتحرك من أمامه على عجلة من أمرها بينما أسرع خلفها ثم قال بلهجة مازحة:
-سلم على الشُهدا اللي معاك، سلم على كُل اللي هناك!!
صرخت بانفعال:
-كاسب، أنا حقيقي مش عايزة أشوفك تاني.
كاسب بضحكة عريضة:
-كدا كدا هنموت.. لا حد هيشوفنا ولا هنشوف بعض.. بس هناك سأُخبر الله بكُل شيء.
اقتربت من سيارتها ثم ضغطت زر الريموت ليرتفع إنذار السيارة وينفتح الباب، ما أن وجدها تركب السيارة حتى استدار مهرولًا يفتح الباب المُقابل ويجاورها في المقعد بينما تشكلت الجدية على ملامحها وراحت تقول بحسم:
-دلوقتي أعمل أيه؟!
قطب حاجبيه مندهشًا من سؤالها وتابع بحذرٍ:
-تعملي أيه؟! إنتِ مش عارفة خالص!!
سكون بغيظٍ تصيح:
-أمال أنا جيباك ليه؟!!
أومأ بهدوء ثم تابع بحسم:
-أنا آسف، بصي يا ستي هتدوري العربية في البداية.
حدقت فيه سكون وردت ببلاهة:
-هدورها بأيه؟!
كاسب يضغط على عينيه ثم يُتابع:
-باختراع كدا اسمه المُفتاح، بندخله في مكانه علشان العربية تدور ونقدر نحركها من مكانها.
التوى شدقها وقالت بامتعاض:
-ليه كُل الشرح دا، إنتَ شايفني مبفهمش!!
كاسب بضحكة مكتومة ينفي:
-لا سمح الله يا فندم، اتفضلي دوري العربية بس قبل ما تعملي كدا رجعي الفتيس لورا واضغطي على دواسة البنزين بالراحة خالص.
أومأت بحماس شديد ثم أرجعت مقبض التحكم للخلف بعد أن فعلت نظام السيارة وراحت تضغط بقوة مفاجئة على دواسة البنزين لتنطلق السيارة بسرعة البرق وسط ذهول “كاسب” الذي صرخ بصدمة:
-يا بنت العنيفة، دوسي فرامل بسرعة.. بسرعة.. هنرشأ في عامود الكهربا وهنتكهرب ونموت!!!
انفتح فمها على وسعه ثم صرخت بفزع:
-فين الفرامل؟! انطق فين!!!!
أوشكت السيارة أن تصطدم بالعامود وقرر “كاسب” أن يوفر الشرح في وقت آخرٍ ليسرع بالنزول عن المقعد ثم يضغط بقوته على دواسة الفرامل وهو يصرخ بغيظٍ:
-شيلي رجلك عن دواسة البنزين، يا أغبى أخواتك.
رفعت قدمها عن الدواسة فتوقفت السيارة على الفور قبل أن تصطدم بالعامود، تركت تارة القيادة وراحت تعود بجسدها للوراء وهي تتنفس الصعداء بأنفاس لاهثة بينما تحامل “كاسب” على نفسه وعاد جالسًا على المقعد من جديد وهو يضغط على أسنانه قائلًا بغضب طفيف:
-هي دي بالراحة اللي قولت لك عليها؟! ها؟
سكون بتلعثم:
-كُنت حابة أبهرك!!
كاسب بضحكة مغتاظة:
-أيوة طبعًا أنا فعلًا انبهرت، دا حتى شعر راسي انبهر أهو وواقف كمان علشان يضرب لك تعظيم سلام!
سكون وهي تلوي شدقها بامتعاض:
-إنتَ بتتريق؟!
كاسب بتنهيدة قصيرة:
-أبدًا يا روحي، بصي إحنا نصرف نظر عن حوار السواقة دا النهاردة وخلي اليوم يعدي على خير، أيه رأيك؟!
سكون تهز ساقها بانفعال كبيرٍ:
-لأ، أنا ميتة على الدريكسيون لحد ما أتعلم السواقة.
كاسب وهو يضرب كفًا بالآخر:
-يا ماما بالآي كيو بتاعك دا مش هتتعلمي سواقة في عُمرك، دا في بغلة داست على دواسة البنزين وجريت زيّ الجمل اللي بيجري في الحبشة!!!.. يا بت خليكِ فهيمة.
رمقتهُ شزرًا وهي تقول بحنقٍ:
-بترمي لأية؟! إن نسبة ذكائك أعلى مني؟! دا بُعدك، اتفضل قول وأنا هفهم بسرعة.
أومأ ضاغطًا على أسنانه وقال مُتحدثًا إلى نفسه بصوت مسموعٍ:
-امتص يا كاسب المجاري اللي طافحه من بؤها دي وروح أعصر نفسك على جنب زيّ السفنجة، قدرك، معلش.
رمقتهُ بتمرُد وغيظٍ فيما تابع شرحه مُحاولًا تهدئة نفسه:
-بصي يا ستي، عندنا دلوقتي تلت مرايات للعربية المرايتين اللي على الجنب والمراية اللي قدامك دي طبعًا، تعرفي استخدامهم أيه؟!.
رفعت حاجبها وردت بثقة:
-المراية اللي قُصادي دي مثال حي على التحرش بالنظر لأن السواقين بيستخدموها للبصبصة وأنا شايفة إن وجودها زي عدمه.
حك “كاسب” ذقنه ثم أومأ ببرود:
-طبعًا، ما شاء الله على بنتنا الذكية، والمرايتين التانيين لأيه؟!
سكون بهدوء:
-للبصبصة بردو، يعني لو العربية راكب فيها تلت مُزز، السواق يعاكس واحدة والباقي لأ؟!
كاسب بنفي قاطعٍ:
-لا طبعًا، الناس تقول عليه أيه؟! أدائه في المعاكسة مش أد كدا؟؟؟
أنهى كلامه ثم برق بعينيه داخل عينيها بقوة؛ فابتلعت ريقها على مضضٍ وقالت:
-في أيه؟
كاسب بصوت أجشٍ مغتاظ:
-متعصبيش أمي علشان مظرفكيش قلم تفقدي السمع بعده.
كشرت عن أنيابها وهي تصرخ في وجهه بغضب:
-إنتَ بتهددني؟!
شرع يكور قبضة يده محتدًا من الغيظ قبل أن يترجل من السيارة فيما صاحت هي بغيظٍ:
-دي المرة التانية اللي تسيبني فيها وتمشي، ماشي يا كاسب، أنا هخلي بابي يرفدك يا عديم الذوق والمشاعر يـ….
قطع تمتمتها انفتاح الباب المجاور لها لتجده يقف أمامها بوجه مُكفهرٍ ثم يقبض على ياقتها ويسحبها تدريجيًا خارج السيارة قائلًا بنبرة صارمة:
-لفي الناحية التانية ومش عايز أسمع نفسك، وحذاري تهبهبي يا سكون يا بنت عثمان الأقرع.
سكون بغيظٍ وهي تبتلع ريقها:
-شخص غير آدمي وغير مُتحضر.
كاسب وهو يبرق لها بحدة:
-ومعايا شهادة مُعاملة أطفال، اخلصي!
انكمشت على نفسها ثم هرولت منصاعة لرغبته وجلست فورًا بجواره لينطلق بسرعة كبيرة حيث تقطن شقيقتها.
•~•~•~•~•~•~•~•
-فاضل كام حالة؟!
أردف “نوح” بتلك الكلمات وهو يعود بجسده للخلف في انهاكٍ فيما تابعت “مُهرة” بابتسامة هادئة:
-تلاتة، هانت يا دكتوغ، أنا طلبت لك أكل لأني واقعة من الجوع وأكيد إنتَ، فاصل ونواصل.
اِفتر ثغره عن ابتسامة عريضة وتابع باستسلام:
-أنا عارف إنك تعبتي معايا جدًا النهاردة بس بردو الست الأصيلة بتقف جنب جوزها وحبيبها في الأوقات العصيبة.
رفعت حاجبها أثناء تفريغ كيس الطعام على الطاولة وقالت ببرود:
-جوزها وحبيبها مش واحد مُتنمغ مالوش أي صلة بيها.
نوح وهو يغمز لها بعينيه:
-بُكرا يبقى له صلة ومسيرك يا قطة تقعي في شباكِ!!
مُهرة بابتسامة هادئة:
-سخيف.
التفا سويًا حول الطاولة، همَّ “نوح” أن يضع أول لُقيمة في فمه ليجد شابًا يقف أمام الباب ثم بتنحنح قائلًا بثبات:
-دكتور نوح، سيادة المُدير عايز حضرتك!!
أنزل “نوح” كفه ثم قال بلهجة حانقة وهو يضع اللُقيمة في مكانها:
-عيني يا حبيبي، جاي وراك.
أومأ الشاب وغادر على الفور، بينما نفض “نوح” كفيه وراح يقول بنبرة هادئة وهو يعدل من هيئته:
-خير يارب.
مُهرة بهدوء:
-إن شاء الله.
انطلق نحو غرفة المدير العام للمشفى والتي تستقر في نهاية الممر التي تقبع فيه الغرفة المخصصة للكشف، طرق الباب في خفة فجاءه السماء وما أن فتح الباب ودخل حتى وَجد الرجل يجلس أمام المُدير بوجه كاشرٍ ويقدح الشرر من عينيه، تحرك “نوح” نحو المدير يُصافحه ثم جلس على المقعد المقابل للرجل وقال بلهجة ثابتة:
-خير يا فندم؟!!
المُدير بنبرة ثابتة:
-الأستاذ بيشتكي عليك يا دكتور وبيقول إنك تهجمت عليه وضربته!!
تصنع “نوح” الدهشة ثم قال برسمية:
-لا سمح الله يا فندم، معقول الكلام دا؟! ليه هو إحنا في غابة؟ دي مستشفى مُحترم، اسمحي يا فندم، اسأله ضربته فين؟ وفين آثار الضرب!!!
انتقل المدير بعينيه إلى الأخير الذي رمق نحو شزرًا ثم صاح بانفعال كبيرٍ:
-دا كمان بينكر كُل اللي عمله، فين مصداقيتكم كمُستشفى خاص وبعدين إحنا بندفع بالآلاف علشان نتهان ونضرب؟!
نوح بابتسامة متوارية:
-يا فندم، كلامي واضح، فين الضرب اللي حضرتك تعرضت له، دا إنتَ حتى وشك مفيهوش بشلة واحدة.
الرجل بانزعاج يهتف:
-نعم؟! دا إنتَ بلطجي بقى مش دكتور!!!
انفعل “نوح” بصورة واضحة فمال بجذعه العلوي قليلًا وسند كفيها على الطاولة التي تتوسط المقعدين وراح يقول بلهجة شديدة:
-أحسن ما أبقى مُتحرش وبِجح!!
المدير يتدخل في حيرة:
-أيه اللي بيحصل يا دكتور نوح، أنا مش فاهم حاجة؟!!
عاد “نوح” بجسده للوراء مرة أخرى ثم أضاف ببرود:
-الأستاذ حاول يتحرش بخطيبتي لفظًا، تخيل راجل شحط في سنة مش عارف حُقنة العَضل بتتاخد فين؟! كان عايز ياخد حُقنة عَضل وأنا اديتها له وكسبت فيه ثواب وعرفته الحُقنة بتتاخد فين وأضفت معلومة جديدة لموسوعة معلومات سيادته، أنا كدا عندي عيب؟!
رفع المدير حاجبه ثم التفت إلى الرجل وقال بحزم:
-إنتَ جاي تشتكي يا أستاذ من مسؤولي المكان وإنتَ محترمتش العاملين بيه؟!
هبَّ الرجل واقفًا في مكانه ثم هدر بصوت أجشٍ:
-بقول لك الدكتور اللي مشغلة عندك إداني الحُقنة غلط، أنا مش عارف أقعد ولا أتعامل، دا أنا هوديكم في ستين داهية!!
نوح مُتابعًا ببرود وهو يضع ساقًا فوق الأخرى:
-يا فندم مفيش داعي للعصبية المُفرطة وبعدين أنا ممكن أكتب لك على مرهم للتورم وفي ظرف يومين هتكون زيّ الفل!!
حدجهُ الرجل بنظرات متوعدة ثم خرج على الفور وصفق الباب خلفه، ضرب المدير كفًا بالآخر بينما وقف “نوح” في مكانه وقال بلهجة حازمة قبل أن يتكلم الأخير:
-متحاولش تتكلم عن سُمعة مكانك على حساب أهل بيتي والناس اللي تخصني يا دكتور عمرو علشان منخسرش بعض!!!
تنهد دكتور “عمرو” تنهيدة ممدودة بعُمقٍ فيما غادر الأخير الغرفة فورًا خشية أن يتجه الرجل لمضايقتها مرة ثانية، تجذف في سيره حتى وصل إلى غرفة الكشف ليجدها تجلس بسلام خلف مكتبها بين الحالات، تنفس الصعداء ثم أشار لها بعينيه أن تأتي لتتحرك خلفه نحو غرفة الكشف:
-مالك، ليه متضايق؟! في حاجة حصلت!!
نوح بابتسامة هادئة وهو يجلس إلى الطاولة المفترش عليها أطباق الطعام:
-ولا حاجة يا ستي، مش فاهم الناس بتزن علشان نقدم لهم معلومة ولما ياخدوها بيشتكونا مش بيشكرونا ليه؟!!
حدقت فيه صدمةً وقالت:
-الحيوان دا اشتكاك للمُديغ!!
نوح بابتسامة عريضة:
-معذور، ما هو بيتألم ومش قادر يتكلم.
أسرعت بحبس ضحكتها التي كادت أن تنفلت من بين شفتيها ثم قالت بصوت هادئ:
-بس إنتَ لازم تتعود على التحكم في أعصابك عن كدا!!
نوح وهو يرفع حاجبه مُضيفًا بلهجة حادة:
-نعم ياختي، دا أنا أكله بإيدي وسناني لو يطولك بكلمة أو نظرة، وبعدين أنا حاولت على أد ما قدرت أحترم هيئتي كطبيب.
مُهرة بضحكة هادئة:
-دا إنتَ طلعت شغس.
رمى لها بغمزة من عينيه ثم قال:
-فدا لعيون المهغة.
•~••~~•~••~•~•~•~•~•~•
تحرك في نومته بكسل وفتورٍ، شرع يتقلب بحدود لأن الأريكة ذات اتساع محدود إلى أن بدأ يفتح عينيه تدريجيًا وما هي إلا لحظات حتى تذكر ليلة أمس فرفع بصره نحو الفراش ليجده فارغًا، قطب “تليد” ما بين حاجبيه لغيابها عن فراشها وهي التي تفضل النوم لساعات متأخرة، دقائق وبدأت حواسه تعمل بوضوحٍ ليعتدل جالسًا من نومه ثم يبدأ في استنشاق رائحة غريبة تسللت للحظة إلى أنفه، تبدو رائحة حريق؟!!!
هرول مُسرعًا خارج الغرفة ليجدها تجلس على الأريكة أمام التلفاز وكُل حواسها مُكرسة له لدرجة أنها لم تلحظ قدومه، كانت تضحك ملء شدقيها أثناء تناول الفشار بينما تركها “تليد” سابحًا في عالم ديزني الخاص بها وهي تُشاهد المسلسل الكرتوني الذي مضى على ظهوره قرن “القط والفأر” حتى أنه أقسم إنها بالتأكيد رأته مرات عديدة من قبل ومع ذلك يجدها تضحك وكأنها المرة الأولى، أسرع خلف الرائحة إلى أن وصل للمطبخ.
خرجت عيناه من مقلتيه في جحوظٍ وهو ينظر إلى القدر الموضوع على البوتاجاز الذي يفور على جانبيه، لم تكن هذه المشكلة أبدًا بل الكارثة الحقيقية في احتراق عيدان المعكرونة لأنها لم تقم بوضعها كاملة داخل القدر لتطول النار أجزاءً منها وهنا صاح “تليد” بغيظٍ وهو يهرول لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه:
-وَميـــــــض!!!!!
برقت بعينيها فجأة وكأنها انتشلها من الضياع، نهضت مهرولةً صوب صوته لتجده قد أغلق البوتاجاز ويحاول وضع القدر داخل الحوض، ابتلعت ريقها على مضضٍ ثم تساءلت ببلاهة:
-في أيه؟! المكرونة اتحرقت؟!!!
التفت “تليد” لها ثم قال بلهجة مغتاظة:
-تخيلي، قولتي لي إنك بتعرفي تطبخي!!
مطت شفتيها بتبرم وقالت:
-والله بعرف شوية.
أومأ برأسه إيجابًا ثم تحرك نحوها وراح يحاوط كتفيها بذراعه وهو يقول بنبرة ساخرة:
-بصي يا وَميض يا بنتي، متطبخيش تاني مش علشان معدتي تشبع أتجلط، مش كدا ولا أيه!
وَميض بامتعاض وصوت مخنوقٍ:
-أمال هتاكل فين؟!
تليد يضغط أسنانه بغيظٍ متواري:
-بيت أبويا مفتوح يا روحي، بصي إحنا ناكل عند أبويا علشان نقدر نعيش لنا كام سنة كدا ولا حاجة قبل ما نولع، قولتي أيه؟!!
رفعت كتفيها ثم أنزلتهما مُجيبةً باستسلام:
-تمام.
أومأ ثم قال وهو يتجه إلى الأريكة المقابلة للتلفاز:
-شاطرة.
رمى بنفسه على الأريكة فيما جلست هي بجواره تمامًا وما أن همَّ بالتقاط الريموت حتى صرخت فيه بصوت طفولي عنيدٍ:
-لا بص بقول لك أيه، أنا كُنت مرتاحة من عدم وجود اخوات في حياتي بسبب الحركة دي، أنا بتفرج على كرتون يبقى الريموت يفضل معايا والقناة متتغيرش لحد ما الكرتون يخلص.
رفع “تليد” حاجبه ثم أضاف بغيظٍ:
-وأنا أتفرج على كرتون من أيام جدي دعدع ليه يعني؟! أنا متجوزك علشان تكدريني؟!
رمقتهُ شزرًا ثم رفعت أحد كتفيها أمامه وقامت بوضع الريموت في حجرها كي لا يتمكن من الحصول عليه وعادت تشاهد التلفاز مرة أخرى باندماجٍ وما هي إلا ثواني ووجدها تمد يدها له بطبق الفشار ليلتقط قبضة بيده ويتناولها مُستسلمًا لرغبتها في مشاهدة فيلم كرتوني وهو الذي عاش طفولته وشبابه ينبذ هذه التفاهات من وجهة نظره.
-تليد!
نادته ومازال بصرها مُعلقًا بالتلفاز، التفت لها بعينيه؛ فتابعت بهدوء:
-لو مكنش بيربطك بيا رابط عاطفي من طفولتنا، كُنت تفكر في يوم من الأيام تتجوزني؟!!
اِبتسم في خفة ثم أجابها بصراحة مُتناهية:
-لأ، بس كُنت مُتخيل إني لمّا هقابلك تاني بعد ما نكبر هتكوني زيّ ما رسمتك في خيالي وحلمت بيكِ ولكن كُل ما كُنت بتكبري كانت مشاعر الغيرة بتكبر معايا والغضب لأن الأمانة بتاعتي اديتها لناس أساؤوا حفظها.
زوت ما بين عينيها وردت بتساؤل واهتمام:
-إزاي مش فاهمة؟!!
تليد مُضيفًا بابتسامة عذبة دافئة:
-يعني كُنت كُل يوم بشوفك بتكبري قدام عيني بكون مشتاق أشوفك بالحجاب وحجابك مكانش زيّ ما اتمنيت، كُنت مُشتاق أشوف ستر لتفاصيل جسمك أكتر من كدا وكان بيخيب ظني في كُل مرة، كانت الغيرة بتاكلني بس مبقاش ليا حاجة فيكِ.
أومأت بهدوء ثم سألته بمشاعر مُرتبكة:
-وأيه شكل البنت اللي نفسك فيها؟!
تحول بنظراته عليها ثم أجاب بلهجة ثابتة:
-مش فارق معايا الشكل، يفرق لي الستر، يعني حجاب كامل ولبس فضفاض، أحلامي مش صعبة أوي، وبعدين أيه اللي إنتِ بتلبسيه في راسك طول الوقت دا!!!
زمت شفتيها قليلًا ثم سألته بحيرة:
-طرحة!!!
تليد بنفي:
-لا يا بنتي، هو بتاع شبه الطاقية كدا تلاقي قفاكِ باين منه ورقبتك.
وَميض بابتسامة عريضة:
-آآآآه، بونيه!!!
تليد وهو يضغط على شفته ثم يكور قبضة يده ويرفعها في وجه زوجته:
-أقسم بالله إنتِ اللي عايزة بونيه في وشك تعقلك.
انطلقت ضحكة عالية من بين شفتيها فيما فرك هو كفيه وقال بصوت حاسمٍ:
-بقول لك أيه؟! ما تيجي نسافر!!!
ما لبث أن أنهى كلامه حتى وجدها تقف أمامه في غمضة عين وتقول بلهجة سعيدة وحماسية:
-هجهز الشنطة حالًا.
تليد بضحكة عريضة:
-في أيه يا ست الكُل، وحدي الله!!
•~•~•~•~•~•~•~•~•
وقفت أمام مجموعة من الصور المُعلقة أمامها على الحائط لمجموعة أشخاص، سالت دموعها بغزارة وسال كُحل عينيها أيضًا وشرعت تُمزق صورته بُحرقة واختناقٍ حتى أن شهقاتها أخذت ترتفع بصوت عالٍ للغاية وما هي إلا ثواني حتى دخل “ماكسيم” الغرفة ليجدها مازالت على حالتها.
-نجلا، كفاية كدا لو سمحتِ!!!
أسرعت بمحو عبراتها المُتساقطة ثم ردت بنبرة ساخنة يطغى عليها مشاعر الانتقام:
-نفذ اللي قولت لك عليه يا ماكسيم.. نفذ خلي ناري تبرد وإلا هنفذ أنا بنفسي!!!
تنهد “ماكسيم” تنهيدة طويلة ثم رد بانصياع:
-تحت أمرك أكيد.
استدارت نحوه ثم تابعت بلهجة آمرة:
-البنتين يكونوا عندي في ظرف يوم، الولد لأ، ماليش شغل معاه.
أومأ “ماكسيم” فأشارت له أن يخرج ثم تجذفت باندفاع نحو الهاتف وقامت بإجراء اتصالًا به وما أن أجاب حتى تابعت بلهجة حادة:
-عثمان السروجي، معقول تشوفني إمبارح في حفلة ابن أخوك ومتسلمش عليا!!!
برقت عينيه في ذهول وتابع بلهجة مصدومة:
-لحظة!!.. إنتِ كُنتِ في الحفلة؟!!!!
التعليقات