التخطي إلى المحتوى

عودة من جديد وسطور كُتبت بالحُب، التفاعل يا حلوين

الفصل السادس والثلاثون

#رواية #رُحماء_بينهم

~علياء شعبان~

•~•~•~•~•~•~•

“أيا ليتنا نختتم الباقي من العُمرٍ ونحن ننثر مياه ترغد قلوبًا جفت وتصحرت، ولكن المرء مهما كَثُرَ خيره لن يقدر على انتزاع غرائز مبطنة في سجية بني البشر”.

•~•~•~•~•~•~•

تشنجت فرائصه وهو يستمع إلى صوتها المتهكم عبر الهاتف حيث بدا من نبرتها أنها قد بدأت حربًا معه مُنذ زمنٍ، وما أصابه من ذهولٍ وصدمة آخر جملة تفوهت بها وهي تبتسم ابتسامة مُستفزة تخيلها بسهولة:

-معقول يا وحش، معقول تشوفني ومتسلمش عليا!!

حدق في الفراغ يدقق للمرة الأولى في نبرتها التي بدت في هذه اللحظة مألوفة للغاية، قطب حاجبيه ثم تفوه بكلمات سادرة:

-للأسف مشوفتكيش.. خليكِ متأكدة إني لو كُنت شوفتك.. كُنت هسلم عليكِ أوي.

أخرجت قهقهة عالية يغلفها الاستهزاء بحديثه وهذا ما أثار جنونه تمامًا فقال بلهجة أكثر حدةً:

-إنتِ عايزة أيه يا مدام نجلا؟ حمدي ومات وللأسف إنتِ مُجبرة تتقبلي الهزيمة وإني أصبحت بلا منافس على الساحة دلوقتي ولو كُنت بحاول أجاريكِ في العبط اللي بتعمليه دا.. فدا لأني مش عاوز وجع دماغ من نسوان لأني في البداية بحذرك وبتعامل معاكِ باللين بس لمَّا رصيدك بيخلص عندي همحي اسمك من على وش الدنيا كلها!!.

تعالت أصوات القهقهة وكأنما يلقي نُكتة كوميدية على سمعها، بدأت تهدأ قليلًا قبل أن تتحول نبرتها إلى أخرى تعبق بحرارة عميقة وتحمل بين طياتها الكثير من الغل:

-إنتَ مُجرد صوبة إزاز تبان قدام المجتمع إنها مُنتجة وقادرة على تحقيق أحلامهم طول السنة ولكن إنتَ في الحقيقة مش هتاخد في إيدي وقت علشان أدمرك.. لو سحبنا منك النفوذ والفلوس هتبقى مُجرد حثالة التاريخ حتى مش هيفتكرك.. إنتَ مسكين أوي.. أضعف مخلوق على وجه الأرض النفوذ مقوية قلبه.. يا ترى هتعمل أيه لمَّا تصحى في يوم متلاقيش حاجة من الكلام دا.. مفكرتش في اليوم دا أبدًا؟ ولا ناوي تستعد له!!!

عثمان وهو يردف بنبرة نارية من بين أسنانه المُطبقة:

-ناوي بس أذلك وأكسر نفسك وإنتِ شايفة أمنياتك كلها بتتبخر قدام عينك وبتروح هباءً.

ابتسمت ابتسامة ساخرة وهي تقول بحزمٍ:

-إنتَ غلطان.. الدُنيا مش دايمة لحد طول الوقت.. وبعدين ما إنتَ كسرتني وذلتني فعلًا.. هسيبك تكررها تاني؟! هي زريبة يا عثمان!!

انتفخت أوداجه واستحال لون وجهه في غضب ثم تابع بحنقٍ:

-حمدي مات علشان دي نهايته ودا أجله حتى لو مش قادرة تفهمي دا واعتبري إن الحرب قامت بينا من اللحظة دي.

نجلا بلهجة صلبة تصرح:

-الحرب قايمة بينا من زمان أوي يا عثمان.. إنتَ مش واخد بالك ولا أيه!!

سكتت هنيهة ثم أكملت:

-عارف أنا عايزة أيه منك؟!!

قوبل سؤالها بالصمت فتابعت بنبرة أكثر حُرقةً:

-أنا هاخد عُمرك بس في الآخر.. بعد أعمار كُل واحدٍ روحك متعلقة بيه ولو إني أشك إن روحك تكون متعلقة بحد لأنك أناني خبيث.. تبيع الدنيا كلها وتخلد على وِش الدنيا.

صرخ فيها بصوت هادرٍ:

-إنتِ فاكرة إني باخد كلام واحدة ست زيك مخها ضارب على محمل الجد؟! إنتِ حشرة أدعكها برجلي.

نجلا بكلمات غاشمة مُتحدية:

-وولادك بالنسبة لي نفس الحشرة والبادي أظلم.

أطلق هو ضحكة ساخرة هذه المرة ثم ردد باستنكار:

-إنتِ بجد بتهدديني بعيالي اللي معديين العشرين؟! حاسك بتهدديني بعيال في أولى ابتدائي!!

ابتسمت بمكرٍ وردت:

-مش بالسن يا عثمان يا سروجي.. وإنتَ أكبر مثال على دا.. وإلا مكنتش حاولت توصل لي كُل دقيقة وكل ثانية علشان تتفاوض معايا!!

عثمان مُجيبًا بحسمٍ:

-أنا بقول إنك أخدتي وقت أكبر من وقتك وحجمك.. أعلى ما في خيلك اركبيه ومبروك عليكِ موقع الشركة الجديد!!

باغتتهُ بسؤال شل حركته ولجم لسانه عن الكلام وهي تردف بصوت ناري ذات مغزى:

-وصل عدد ضحاياك كام لحد دلوقتي يا سروجي؟! قول متتكسفش؟.. استغليت كام ست لحد دلوقتي.

صمتت قليلًا ولكنها لم تجد سوى الصمت ردًا عليها؛ فتابعت مرة أخرى بابتسامة متهكمة:

-طبعًا مش عارف عددهم.. هتعد أيه ولا أيه بس!!

ابتلع ريقه على مهلٍ ثم تابع بشك وريبة:

-إنتِ بتقولي أيه؟!

ردت ببغض شديدٍ:

-بفكرك بحقيقتك.

كانت هذه آخر كلمة نطقتها في هذه المكالمة لتقرر في النهاية إسكات صوته بضغطة من زرار هاتفها الذي أنهى المكالمة دون انتظار رده أو تفقد حالته المندهشة من تصريحاتها التي ترمي إلى أشياء كثيرة يصورها له عقله الذي نشط لوهلة وهو يتجول قليلًا في ذاكرته بعيدة المدى.

رفعت أحد حاجبيها وهي ترمي الهاتف بانفعالات قوية فبالرغم من تلاعبها على أوتار أعصابه بكُل سهولة إلا أن جبروته ما يزال يستفزها ويشعل فتيل نيرانها التي تبتغي الانتقام بكُل جوارحها.

أطبقت أسنانها ببعض وراحت تزمجر زمجرة مختنقة تشي بمقدار هائلٍ من الضغط والصراع اللاتي تتعرض لهما بفضله، تحركت نحو النافذة المفتوحة تنظر من خلالها إلى الفضاء من حولها وقد بدأ عقلها في التخطيط لاستدراج ضحاياها وبدء الحرب الفعلية بينهما!!

•~•~•~•~•~•~•~•

أنزل قدميه من السيارة وعكازه أولًا قبل أن يستند عليه مُقتبسًا منه بعض القوة الجسمانية للخروج من السيارة دون مساعدة أحدٍ، وقف أمام البوابة المهيبة في اشتياقٍ لتتحرك “رابعة” نحوه على مهلٍ بينما دب كفه داخل جيب عباءته وأخرج مفتاح البوابة وأعطاه لها، تناولته منه ثم تابعت قبل أن تتجه إلى البوابة:

-أستاذ تليد هيزعل أوي يا شيخ لمَّا يعرف إنك جيت هنا لوحدك؟!

أومأ مُدركًا لهذا ولكنه باشر سيره للأمام يقول بابتسامة هادئة يتوارى فيها خلف مشاعره التي وَهِنت حالما وطئت قدماه المكان وهنا تكلم بصوته اللين:

-سيبيه يا بنتي يتهنا مع مراته، هم كانوا بيخططوا لسفرية بلاش أضايقه أنا وأفكره بذكريات توجع قلبه، وبعدين أنا جاي هنا أفضفض شوية وهمشي على طول.

ابتسمت “رابعة” بهدوء ثم توجهت إلى البوابة تفتح قفلها الكبير الذي أصابه الصدأ بمرور الزمان عليه، انفتحت البوابة على مصراعيها فيما تحرك الشيخ بخطوات وَجِلة وقلب يرتجف، وقف متسمرًا في مكانه ينظر إلى هذه اللحود في اتعاظٍ وعظة لعله يكون غدًا أسفلها يتلاقى بأحبائه في حياة أفضل من هذه، قادته قدماه إلى أحد هذه اللحود فوقف أمامه بأعين تتجمع الدموع فيها ثم تابع بصوت عالٍ قليلًا وهو يتحرك بناظريه بينهم أجمعين:

-سلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون.

لم يستطع السيطرة على دموعه التي اندفعت فورًا من مقلتيه فشعرت “رابعة” بارتجاف نبرته لتقرر الخروج والانشغال بشيء آخر تاركةً له القدر الذي يحتاج من الخصوصية؛ شعر بمغادرتها فأجهش بنبرة ترتجف من شدة البكاء:

-أنتم السابقون ونحن اللاحقون.

أسرع في هذه اللحظة بالجلوس على ركبتيه بالأرض بينما أبقا ذراعيه يحتضنان الحجارة التي تحيط اللحد وبشهقة خافتة تابع:

-إزيك يابـا، يا بختك بحياتك اللي إنتَ فيها، إنتَ عارف إنك مش بتفارق عقلي لحظة بس أنا المرة دي جاي اشتكي لك وأعيط.

أطبق بأنامله على طرف كمه ثم محى العَبرات في حالة من الاسترخاء وراح يتابع بعد تنهيدة ممدودة بمشاعر الحُزن والأسف:

-جاي اشتكي لك من لحمي ودمي، عثمان أخويا يابا ماشي ينهش في كل اللي حواليه ومش عامل حساب آخرة ولا إن في رب قادر يخسف بنفوذه الأرض!!

تنهد مرة أخرى تنهيدة قوية قبل أن يتابع بصوت يتخلله القهر:

-أنا بعمل بوصيتك يا حبيبي، بحاول أوده بيرد ودي، بيكسر خاطري رغم إني نفسي يبقى لي أخ، حاولت معاه بكُل اللي أقدر عليه، بالله حاولت احتويه وأكون أبوه وأخوه بس هو بيردني، لو كُنت أعرف يابا إن الميراث والفلوس هتعمي عينه كُنت اديته حقي وكسبت وده بس خايف عليه من عقاب ربه، “تلك حدود الله فلا تقربوها”، صعبة عليا أخد حق ابني وأديه لعمه؛ فأكون ظلمت ابني وظلمت أخويا اللي خد حق مش حقه.

أطرق برأسه قليلًا شاعرًا بالخجل ثم تابع:

-سامحني لو كُنت مقدرتش أوفي بوعدي ليك وأكون أنا وأخويا حصون لبعض بس هو مبقاش عايز غير أذى كُل اللي حواليه، أنا فوضت أمري لرب العالمين واستودعته قلبي الحزين على حال أخويا ومبقاش بإيدي غير إني أدعي له.

عسى الله يهديه.. عسى الله يهديه.. 

التفت بعينيه إلى لحد آخر يقع على الجهة الأخرى من هذه الرقعة حيث انقسم الحوش إلى رقعتين؛ واحدة للسيدات وأخرى للرجال كانت هذه المرة نظراته تختلط بدموعٍ الحنين الجارفٍ فاستند إلى ساعده ثم نهض بظهر يسيطر عليه بعض الانحناء الي أتى به الزمان بينما الشيخ ليس سوى صاحب قامة مهيبة لا يعرف عن الانحناء مُطلقًا، تحرك بساقين يجتاحهما الوجع والثقل إلى أن وصل إليها، نظر إلى اللوح المدون اسمها عليه ثم غمغم بصوت مخنوقٍ:

-حورية.. سليمان حبيبك جه وجايب لك معايا أخبار سعيدة أوي.

فرَّت عَبراته تتساقط رغمًا عنه فقال بنبرة مهزومة:

-والله إن بُكايَّ ليس اعتراض على قضاء الله، ولكن فراقك شعوره ما يزال محفور في قلبي كأنه إمبارح.

تماسك قدر أن استطاع وهو يزيل الدموع عن عينيه مُقررًا أن يتابع بلهجة ثابتة:

-تليد كِبر يا حورية.. كِبر ومن يومين جوزته أكتر بنت حبها في الدنيا.. أكيد إنتِ حاسة بمقدار الفرحة اللي أنا فيها.

سكت هنيهة ثم تابع بابتسامة عريضة:

-تعرفي إن تليد نسخة تانية منك؟ حتى في عصبيته، طول الوقت أقول له أكظم غيظك يا ولدي ولكنه مش بيقدر يتحكم في نفسه، بس مش مهم يكفي إنه هدية حلوة منك وهبة من الله.

مسح على الثرى بكفه ثم تابع بتنهيدة مرتاحة:

-اشتقت لأيام كُنتِ فيها معي، عسى اللقاء قريب يا أم تليد.

لحظات ودخلت “رابعة” الحوش مرة أخرى وهي تمشي على استحياءٍ لقطعها حديثه مع زوجته، حملت دورق المياه بيد كفيها وما أن اقتربت منه حتى ناولته الدورق ليبدأ هو في إرواء الورود المزروعة على حواف اللحد وما أن انتهى حتى وقف مستقيمًا في مكانه مرة أخرى واضعًا كفيه على بعضهما أمام صدره ثم يتلو في خشوع بعض آيات القرآن الكريم.

•~•~•~•~•~•~•

تمكن من تحقيق جُزءٍ بسيطٍ من أحلامها حيث اشتاقت كثيرًا للذهاب إلى البحر والجلوس على شاطئه ومُراقبة غروب الشمس عن كثب ثم يتناولان العشاء على ضوءٍ القمرٍ ويدغدغ نسيم الهواء وِجنتيها في ابتهاجٍ، قرر في لحظة جنونية أن يصحبها حيث تريد احتفالًا بزواجهما السريع وتعويضًا عما تعرضت له من آلام نفسية أرهقت تفكيرها وأخلت باتزانها.

-أنا حرفيًا ضمنيًا كُنت محتاجة البحر، شكرًا بحجم البحر!

مالت نبرتها إلى الامتنان وهي تشكره بحماس فيما ترجل من سيارته بعد أن توقف أمام مجموعة عقارات تستقر بجوار البحر، استدار حتى وقف أمام بابها ثم فتحه وهو يفرد ذراعه ويقول بابتسامة هادئة:

-لا شُكر على واجب وأتمنى أكون قدرت أسعدك بجد.

ترجلت بحماس من السيارة وابتسامتها تصل إلى أذنيها وهي تتجول ببصرها في المكان وما أن أغلق باب السيارة حتى سألته بفضول:

-أمال فين البحر!

تليد وهو يمد يده إليها:

-متستعجليش، هتشوفيه حالًا.

أنهى جملته ثم قبض على كفها وباليد الأُخرى جر الحقيبة خلفه، بينما سارت خلفه على مضض وهي تقول بشفاه ملتوية:

-بس أنا لسه مجبتش المايوه بتاعي؟!

قبض حاجبيه ثم قال بهدوء:

-أيه دا فعلًا؟!!

أومأت بحركات سريعة فتابع بثبات:

-طيب تمام، في مول على بُعد خطوتين فيه كُل مُستلزمات البحر تحبي نتمشى له ونجيب كُل اللي ناقصنا؟؟؟؟

قفزت فجأة كطفلة يُغلفها الحماس ويقتلها الانتظار ثم سبقته بعدة خطوات وراحت تجره من ذراعه كي يتمكنان من الوصول إلى المبنى التجاري في أسرع وقت قبل أن تفوتها رؤية غروب شمس اليوم وهي تجلس على الشاطئ وتتعرف على أُناس جُدد، وما أن خطت قدمها المبنى حتى هرولت بسعادة غامرة بين أروقته وبدأت تنتقي ثوبًا للسباحة وعوامة تُعينها على الإبحار في عرض البحر ولم تنسَ الكريم الذي يقي بشرتها من الشمس ولم تنسَ مُطلقًا سوى شيءٍ وحيدٍ!

وقف “تليد” بجوار آلة الدفع في صمتٍ يضع كفًا على الاخر ويُتابع تحركاتها فبدا كما لو كان حارسًا شخصيًا لها وفي هذه اللحظة وجد فتاة تقترب منه على استحياءٍ ترتدي ملابسًا فضفاضةً جدًا وقد تخضبت وِجنتاها وهي تقول بابتسامة خَجِلة:

-الشيخ تليد!!

التفت نحو الصوت ثم تدبر اِبتسامة بسيطة فقد اندهش من تعرفها عليه رغم ارتدائه ملابس عصرية عكس زيه الرسمي الذي يظهر به في التلفاز وكذلك ارتدائه نظارات شمسية، أومأ بهدوء ليجدها تقول بسعادة:

-سعيدة جدًا إني شوفت حضرتك يا شيخ، ممكن صورة؟!

تنحنح بهدوء وراح يومىء موافقًا على مضض لتقترب منه ثم تخرج هاتفها المحمول وتفعل كاميرته وتبدأ في التقاط بعض الصور معه، جاءت “وَميض” في هذه اللحظة ووقفت تتابع ما يحدث ببرود بينما تابعت الفتاة بابتسامة ناعمة:

-أنا حقيقي بحبك في الله، إنتَ مثلي الأعلى من كُتر الطاقة الإيجابية والجمال الروحي اللي عندك، رؤيتك بعثت السرور على قلبي.

تليد وهو يبتعد بحكمة وثبات:

-مفيش داعي لكُل دا، شُكرًا أختي.

الفتاة بإصرار تتابع:

-جزاكم الله خيرًا عن كُل حاجة راقية بتقدمها أخي في الله.

تليد برباطة جأش وابتسامة هادئة:

-وإياكِ.

قرر إنهاء النقاش فورًا فأعطاها ظهره يبحث عن زوجته التي وجدها تتابع ما يدور عن كثبٍ بملامحٍ عدوانية تنبيء عن بوادر بركان حيث تعقد ذراعيها أمام صدرها وتهز ساقها في كمون وثبات، فتابع بهدوء:

-وَميض، خلصتي؟!

تحركت تقترب منه بعد أن وضعت مستلزماتها على آلة الدفع ثم تابعت بنبرة متبرمة:

-نعم أخي في الله.

أخفى ابتسامته في الحال ودفع مقابل المشتريات ثم حملهم وتوهجا خارج المبنى لتتابع “وَميض” بحنق:

-مقولتليش بقى يا أخي في الله، هو دا النوع اللي كان نفسك تطلب القُرب منه؟!

تليد بابتسامة ماكرة:

-بصراحة آه، لابسة دريس واسع وعليه طرحة طويلة، يعني الواحد هيتمنى أيه أكتر من كدا في شريكة حياته؟؟؟

وَميض وهي ترمقه شزرًا ثم تردف بحنق:

-واتجوزت واحدة بتلبس مايوه على البحر قصاد الناس ليه؟!

تليد بضحكة ماكرة تحوي الكثير من الخطط:

-مايوه على البحر قصاد الناس!

وَميض بتبرم:

-أه!

تليد بثبات:

-أصل الإنسان المؤمن بيتقال عنه مؤمن لما يصبر على الابتلاءات ويجلد ذاته، وأنا متجوزك جلد ذات لنفسي علشان أجني الثواب من وراكِ.

رفعت ذراعيها عاليًا ثم أنزلتهما ببرود وردت وهي تخطو بشكل سريع أمامه:

-أنا حُرة أعمل اللي يعجبني وأعيش حياتي بالطول والعرض، إنتَ مش هتدخل القبر معايا.

هرولت مسرعةً أمامه حتى وصلا إلى المبنى الصغير الذي استأجره تليد، قام بفتح قفله وما أن دخلا حتى أسرعت هي تتجه للداخل وتقول بابتسامة حماسية:

-أما ألحق ألبس المايوه علشان نروح البحر بقى.

-تروحي البحر؟؟ ما أنا جايبه لحد عندك أهو؟؟؟

توقفت فجأة تبرق بعينيها وهي تنظر حيث يشير وسرعان ما صرخت بثورة وغيظ:

-نعم؟؟؟؟؟؟ أنا هصيف في حمام السباحة لوحدي زيٌ كلب البحر؟؟؟ ومن غير ناس كمان؟؟؟؟

تليد بثبات:

-أه

وَميض وهي تجز على أسنانها بغيظٍ:

-إزاي؟ فين الشمس؟ فين الرمل؟ فين البحر؟ دا أنا أروح فيك في داهية!!

رفع حاجبه ثم تابع بنبرة حادة عالية بعض الشيء:

-أمال عايزة تلبسي المايوه وتروحي البحر؟؟

وَميض بتحدٍ وعنادٍ:

-أه، دا حقي، إنتَ هتدفني بالحيا!!!!

كشر عن أسنانه وهو يقول بصوت حاد:

-هدفنك بالحيا لو فكرتي تتجنني أو تهب منك، اخفي من وشي على جوا، عايزة تتنيلي تلبسي المايوه يبقى في الشالية المقفول دا، عايزة تروحي البحر يبقى تلبسي اللي هختاره أنا.

أردفت بانفعال حادٍ:

-لو عليك عايز تلبسني إسدال الصلاة.

تليد بابتسامة عريضة:

-تصدقي فكرة ولا أعظم وتقعدي تصقفى على الشط زيّ كلب البحر.

صرخت بغيظٍ:

-يعني أيه الكلام دا؟؟؟

تليد يرفع حاجبه باستفزاز:

-البحر مُقترن بالأسدال والمايوه مُقترن بحمام السباحة، اختاري؟؟؟

دبت قدمها بالأرض اعتراضًا ثم أسرعت برمي الحقيبة بالأرض وراحت تفتح سحابها وتُفرغها حتى عصرت على ثوب السباحة ثم تابعت بتحدٍ:

-لو مش عاجبك نتطلق وروح اتجوز أختك في الله، أما أنا فهروح البحر وهلبس المايوه.

تليد بانفعال:

-دا على جُثتي حتة عيلة زيك لسه بتعمل حمام في البوتي صوتها يعلى عليا أو تتحداني.

في هذه اللحظة أسرع بالاقتراب منها ثم حملها على كتفه وسط صراخها الهادر به:

-نزلني إنتَ واخدني على فين؟

تليد بحدة:

-العرض مبقاش مُتاح دلوقتي، يا حمام السباحة يا أوضة العقاب!!!

وَميض تبتلع ريقها ثم تصرخ بانفعالٍ:

-أوضة العقاب؟؟؟

تليد بثبات:

_أوضة في الشالية متفتحتش من قرون والعنكبوت عشش فيها والفيران عايشة وبتتكاثر كل يوم.

وَميض بفزع:

-لاااااا.. خلاص.. خلاص!

تليد وهو يتوقف عن السير قائلًا:

-خلاص أيه؟!

وَميض مغلوبةً على أمرها تردف باستسلام وتبرم:

-إسدال الصلاة.. وحسبي الله فيك.

حمحم بانتصار وهو ينزلها عن كتفه إلى الأرض فيما ضيقت هي عينيها ووقفت ترمقه بنظرات سوداوية، باغتها بغمزة سريعة من إحدى عينيه ثم قرر أخذ جولة سريعة في المكان.

-حلو الشالية مش كدا؟

التوى شدقها في امتعاض وأجابته وهي تلملم ملابسها التي أفرغتها من الحقيبة ثم تتحرك نحو إحدى الغُرف:

-ميختلفش حاجة عن شقة المزرعة غير حمام السباحة، ما كُنت وفرت على نفسك المصاريف ولا كُنا جينا مطروح علشان تحبسني في شقة تانية

دخلت الغرفة ثم صفقت الباب بعدها بقوة، ابتسم ابتسامة هادئة ثم تحرك خلفها وبدأ يطرق على الباب قائلًا بثبات:

-ادخل؟

ردت ببرود:

-ادخل.

فتح الباب فوجدها تجلس إلى طرف السرير مُتجهمة الوجه، جلس بجوارها مُباشرةً ما أن شعر بتغير مزاجها وتملك الحزن منها ليتابع بصوت هادئ:

-أنا آسف يا ست الكُل لو كُنت خيبت أحلامك اللي رسمتيها للسفرية دي ولكن اسمحي لي أوضح أسبابي ومُبرراتي!!!

طالعتهُ بنظرات ثاقبة فتابع على نفس الوتيرة الهادئة:

-أنا داعية ومُقدم برامج تعليمية دينية يعني وجودي قدام عموم الناس مش هيكون فيه أي شيء من الخصوصية وطبعًا دا وارد جدًا يضايقك.. دا أولًا.. أما ثانيًا فأنا أموت في سبيل إني أستر شعرة واحدة تخرج منك ويشوفها راجل تاني غيري وطبعًا طبيعي بالنسبة للراجل المسلم الغيور على عرضه وأهل بيته.. أيه بقى الغريب والمتطرف في فِكري!!.. أو السؤال بمعنى آخر.. أنا غلطان في أيه؟!

أولته ظهرها فورًا ما أن ذيل حديثه بهذا السؤال ثم تابعت بلهجة مُعترضة حانقة:

-وأنا بقى أتدفن بالحيا؟ لا فُسح ولا خروج ولا بحر ولا حتى أماكن اجتماعية فيها ناس، علشان حضرتك بتغير!!

أكمل بابتسامة هادئة:

-لأ.. في فُسح وخروج وبحر وأماكن اجتماعية ولكن بانضباط وداخل الحدود المسموح بيها، أنا راجل عادي جدًا عايز مراتي تلبس وتعيش وتنبسط بس مش في معصية.

أخرجت زفيرًا طويلًا قبل أن تقول متبرمة:

-بس إنتَ كُل حاجة عندك حرام!!.. إنتَ ناسي إن دي حاجة غريبة وجديدة عليا؟ 

صمت لوهلة قبل أن يسألها باهتمام:

-بصي أنا مش مع المايوه الإسلامي بس خليني أشوفه يمكن أقتنع بيه!!

في هذه اللحظة أسرعت بالالتفات إليه بجسدها كله ثم تابعت باستنكار وفم مفتوحٍ:

-مايوه إسلامي؟؟ هو إنتَ حابسني هنا علشان ملبسش على البحر مايوه إسلامي؟! 

رماها بنظرات ثاقبة ينتصر الشك عليها حينما رمت إلى حجره هذا السؤال المُريب، خرجت منه ضحكة متصنعة محاولًا استيعاب المغزى من وراء سؤالها؛ فقال وهو يخشى الإجابة:

-ليه؟ هو مش إسلامي؟!!

اِبتلعت ريقها على مضضٍ ودب الخوف أوصالها حينما حدق فيها بنظرات نارية وهي تهز رأسها مؤكدة ظنونه التي خاف من مواجهتها؛ ليصرخ بهلعٍ ناهضًا في مكانه:

-نعم ياختي؟! عايزة تروحي البحر لابسه بكيني؟ 

فتحت فمها متسمرة في مكانها ما أن رأت الغيظ يملأ خلجات وجهه والشرر يقدح من عينيه، كان صوت ابتلاع ريقها ينبعث مكتومًا من حلقها فأسرع على الفور بالتقاط الحقيبة ثم تفتيشها حتى عثر على ثوب السباحة فاردًا إياه بملامح صُعقت من الصدمة وبصوت حادٍ أكمل:

-عايزة تلبسي دا يا وَميض؟! على البحر؟ قدام أمة محمد بأكملها؟ طيب يا حبيبتي كُنت قولي لي من الأول على الأقل كُنت عملت حسابي واستعرت من أبويا قرون العِجل اللي دبحه يوم الفرح!!

أطبق أسنانه بقوة ثم أكمل بعينين ناريتين:

-بالله عليكِ.. أنا دلوقتي مش تليد السروجي.. يعني مش راجل مُتدين ولا بطلب من الناس يقربوا من ربنا.. أنا نكرة.. واحد عادي خالص.. مين النطع اللي هيسيب مراته تلبس الفُجر دا؟!.. يا شيخة دا الكُفار كان عندهم نخوة ورجولة وغيرة على عرضهم.. يا شيخة ارحمي مرارتي وقولوني.. يا شيخة منك لله.

مال بجسمه قليلًا نحوها وبنبرة ينبعث منها الشر صرخ:

-عارفة إنتِ محتاجة أيه؟!.

انكمشت على نفسها وهي تُطالعهُ بعينين جاحظتين في فزعٍ تترقب ردة فعله وما أن سألها حتى تمتمت بنبرة مرتابة خافتة:

-أيه؟!!

صرخ بحدة في وجهها:

-القُنبلة اللي في شنطتي تتفجر في دماغك اللي تعباكِ دي.

انتفض جسدها فزعًا ثم صرخت في ذُعرٍ ما أن نبج صوته بكلمات حادة مهددة، نهضت من أمامه بسرعة البرق وأخذت تتراجع بخطواتها مرددة في ذهولٍ:

-يعني إنتَ إرهابي فعلًا!!

أومأ بهدوء وغيظٍ:

-أه.. وإنتِ مخطوفة حاليًا وفي ظرف يومين هتكوني في العاصمة داعش.

اتسعت عيناها أكثر عن ذي قبل ثم صرخت والدموع تتدفق تباعًا في انهيار:

-مش عايزة أروح العاصمة داعش.. رجعني لأهلي!!

بدأ يقترب منها بعد أن أمسك حقيبته ثم تابع بملامح جادة:

-لأ هتروحي العاصمة داعش ودا آخر كلام عندي، ماذا وإلا….!!

غرس كفه داخل الحقيبة ثم أخرج مفرقعة صغيرة وكذلك قداحة وراح يمررهما أمام عينها قائلًا بنبرة حادة:

-حافظة الشهادة طالما مش عايزة تروحي العاصمة داعش!!

غابت علامات الصدمة عن وجهها ما أن رأت ما يحمل بين يديه وراحت تقول بنبرة خفيضة مستنكرة:

-أيه دا؟ ديناميت؟

انفجرت شفتيه بضحكة ماكرة وهو يشغل القداحة ثم يشعل المفرقعة ويرميها بالقرب من قدميها، صرخت بغيظٍ شديدٍ وهي تهرول نحوه واضعةً كفيها على كلتا أذنيها وما أن وصلت إليه حتى ارتمت بين ذراعيه ثم بدأت تضرب صدره بكفيها علها تؤلمه وتنتقم لنفسها من سخافة مزحه معها لتردد بصوت باكٍ:

-منك لله يا شيخ، في حد يهزر كدا؟! أنا بكرهك يا تليد ومش مسامحاك.

لم يتوقف عن الضحك وبدأ يردد تعليقًا على براءتها المريبة في تصديق الأمور:

-مش عايزة تروحي العاصمة داعش!!.. دا إنتِ لُقطة.

ما تزال تختبئ بين ذراعيه حتى انفجرت المفرقعة وقبل أن تبتعد عنه وجدته يشد ذراعيه على جسدها يحتويها بين أحضانه قسرًا لتتابع هي بنبرة غاضبة:

-ابعد عني!!.. اوعى!.

حدق ناظرًا داخل عينيها مُباشرة فأشاحت بسرعة تتجنب نظراته في خجلٍ بينما قرب فمه من أذنها وهمس بصوت دافئ:

-ما تلبسي المايوه وتوريني!!

أسرعت بدفن وجهها بين ذراعيه ثم أجابته بنبرة مضطربة من شدة الخجلٍ:

-لأ.

أضاف بنبرة مُستنكرة وهو يرفع أحد حاجبيه:

-يعني حرام ليا وحلال للبقية؟ ما تسيبيني أكل البسبوسة من غير ما الدبان يشاركني فيها!!

ابتعدت عنه مسرعةً ثم دفعته وهي تتملص من بين ذراعيه وتقول بتحدٍ:

-لا إنتَ ولا الدبان.

 ألقى بنفسه جالسًا على السرير مرة أخرى ثم تابع بنبرة مُتأففة:

-كُل قادر ربنا قادر عليه.. شكيتك لربنا وأخبرته بكُل شيء.

خرجت منها ابتسامة وارتها خلف الثوب وهي تهرول حثيثة الخطى خارج الغرفة تمامًا هربًا من تلميحاته للإيقاع بها في شباكه، غمغمت عقب خروجها وهي تتنفس الصعداء:

-كلام معسول فيه ريحة إرهاب، صبرًا يا ابن عمو سليمان!

•~•~•~•~•~•~•

حركت عنقها يمينًا ويسارًا في إرهاق احتل عظام جذعها العلوي كله، أمعنت النظر في الأوراق الموضوعة أمامها باهتمام بالغٍ؛ فمنذ يومين وهي تنكب على أعمال الشركة التي لا تنتهي، عَبرت عن ألم داهم عنقها النحيل وهي تقول بصوت ناعسٍ:

-آه يا عضمي.. كفاية عليَّ أوي كدا!!

همَّت تضغط زرار الهاتف الأرضي القابع بجوار الأوراق ليأتيها صوت السكرتيرة تقول بإنصات:

-مع حضرتك يا سكون هانم!!

سكوت بإيجاز:

-تعالي لي المكتب.

رفعت إصبعها عن الزر ثم زفرت زفرة طويلة تشي بمقدار ما تحمله من أعباء تتجمع على كاهلها، أغلقت الأوراق على الفور وما هي إلا ثوانٍ حتى وجدت السكرتيرة تقف أمامها؛ فقالت “سكون” بصوت هادئ:

-اختارت ملفين بس من الملفات دي، ياريت تعرضيهم على الـHR  وهو بقى يحسن التفضيل بينهم.. الأهم إنه يبلغ المهندس اللي هيختاره إننا مستعجلين وعايزين نبدأ في التنفيذ في أسرع وقت.

أومأت السكرتيرة ثم تابعت قبل أن تغادر:

-تحت أمرك.

بدأ الصداع ينخر عظام رأسها لأنها لم تحصل على راحة منذ يومين ولم تمهل عقلها فرصة كي ينشط من جديد، رجعت برأسها ترميه على ظهر مقعدها وأغلقت عينيها مقررة أن تنال قسطًا من الراحة على هذا الكرسي الذي ينبسط للوراء بصورة مريحة.

صدح الهاتف بصوت عالٍ انتشلها من الغفوة التي أوشكت على الانغماس فيها لتضغط أسنانها غيظًا وهي تنظر إلى شاشته نظرات خاوية، رفعته إلى أذنها وأردفت بهدوء:

-نعم؟

أتاه صوته يقول بصرامة:

-تعالي المكتب دلوقتي.

ردت على أوامره بإيجاز:

-تمام.

تحاملت على نفسها وهي تنهض منصاعةً لِندائه فمذ أن نَهَرَ شقيقها ذلك اليوم وهي لا ترغب سوى في اجتنابه حتى وإن كان أباها فقد نَخَر قلبها لا مُباليًا حين وصمه بالعاجز؛ فلا تصالح إن كانت القضية أشقائها هؤلاء نور عينيها ولكن والدها مُصر على جعلها تتخذ موقفًا منه وفي حقيقة الأمر لقد ضاقت بالأمر ذراعًا وأضحت لا تتحمل المزيد من تصرفات والدها نحو مَنْ تحب.

غمغمت بضيقٍ قبل أن تدق الباب ليأتيها صوته آمرًا إياها بالدخول، سارت إليه ثم وقفت أمامه تقول بلهجة ثابتة:

-نعم يا عثمان بيه؟!

رفع أحد حاجبيه بعد أن ترك القلم من يديه مكررًا كلماتها باستنكارٍ:

-عثمان بيه؟ إنتِ لسه زعلانة؟!

سكون وهي تتابع بنفس الثبات ناظرًا إلى عينيه:

-المفروض مزعلش؟!

ابتسم ابتسامة هادئة قبل أن يقول ببعض اللين:

-إنتِ بالذات مقدرش على زعلك.

ابتلعت غِصَّة مريرة في حلقها ورددت بتبرم واستنكار:

-وعُمر يزعل عادي مش كدا؟! عُمر يزعل عادي يا بابا؟ يتقال له يا عاجز من أكتر إنسان المفروض يحميه من سكاكين الناس؟ بابا، إنتَ مش عارف إنتَ عملت فيا أيه بكسرتك لعُمر وكسر فرحته!!

ضرب سطح المكتب بقبضته ثم أخرج زفيرًا حانقًا وهو يرد:

-تاني الموضوع دا؟!  أنا ظني في ابني خاب من اليوم اللي قَعد فيه على الكرسي دا وبقيت من غير ضهر!

خرجت عن صمتها وهي تصرخ بانفعال هائجٍ لم تستطع مجابهته:

-وهل دي كانت إرادته؟ اختار يكون عاجز؟ عُمر محسش لحظة بعجزه إلا بكلامك له، كلامك بيدبحه، ارحمه علشان أنا مش هسمح لأي مخلوق على وجه الأرض يضر أخواتي حتى لو الحد دا إنتَ على فكرة!!

نهض منتصبًا في مكانه ثم هدر فيها بصوت جهوري:

-إنتِ مش فاهمة يعني أيه أعدائك يستغلوا إنك من غير ضهر وسند وعِزوة وبدل ما ألاقي اللي يقف لهم.. بيهددوني بيكم.

انكمشت ملامح وجهها وهي تتساءل بوجومٍ:

-مين بيهددك بينا؟

أخرج ابتسامة ساخرة من جانب فمه قائلًا:

-نجلا المُغفلة.. بتقول لي هتاخد روحكم قبلي.. طبعًا ما هي شايفة ولادي مفيش أمل ولا رجا فيهم.. من حقها تقول أكتر من كدا.

انطلقت قهقهة قصيرة من بين شفتيها تحمل الكثير من السخرية ثم قالت باستخفافٍ:

-خيالها جامح أوي الست دي، مُضحكة.

أنهت كلامها ثم تنهدت تنهيدة ممدودة بعُمقٍ قبل أن تردد بلهجة حادة تحسم من خلالها هذا الجدال الذي طال كثيرًا وانتهى به المطاف إلى بعض الترهات والكثير من العين:

-عن إذنك يا عثمان بيه، عندي مشوار لازم أعمله وهرجع البيت لأني مطبقة من يومين ومحتاجة أستريح.

أومأ وهو يعود جالسًا إلى مقعده مرة أخرى، اندفعت بقوة تسير في الطرقة الطويلة بخطوات منذرة بكارثة توشك أن تمور، انذرعت في سيرها أكثر حتى وصلت إلى أحد الأبواب، وقفت قبالته مُباشرة فرأته يمرح مع أصدقائه داخل مكتبهم وما أن أبصرها حتى تابع بنبرة متريثة يتحدث فيها إلى أصدقائه:

-شوية وراجع.

خرج إليها فوجدها تقف في اضطرابٍ يظهر على هزات قدمها المتوترة، ضيق عينيه مردفًا بتوجسٍ:

-سكون، مالك؟ في حاجة حصلت؟!

أغمضت عينيها في محاولة مضنية للسيطرة على الحريق الذي نشب داخلها فتابعت بنبرة متحشرجة:

-عايزة مفتاح عربيتي يا كاسب.

رفع أحد حاجبيه وقال باستعجاب:

-عايزة مفتاح عربيتي يا كاسب!.. دا على أساس أيه؟ إنتِ اللي هتسوقي مثلًا.. مالك يا سكون ورايحة فين؟!

نبج صوتها في هذه اللحظة وهي تتحدث إليه حانقةً:

-طالما مضطرة إنك تكون معايا علشان مبعرفش أسوق يبقى مش لازم تسأل عن كل حاجة وأي حاجة متخصكش!!

استحالت قسمات وجهه من الانبساط إلى التجهم والحدة وبصوت محفوف بالصرامة صرح:

-لأ ما هو أنا مش بتساق، احسبي لكلامك مليون مرة قبل ما يخرج لي يا سكون علشان نقدر نتعامل مع بعض، أنا سألت سؤال ومش هكرره وليكِ حُرية الاختيار!

أصاب ملامحها الفتور وشابه جسدها على نفاد طاقته فتابعت بنبرة عليلة توشك فيها على البكاء:

-آسفة يا كاسب بس أنا حقيقي مخنوقة، ممكن بعد إذنك ننزل من هنا وبعدين أشرح لك!!

أومأ في صمت، التقط مفاتيحه من درج مكتبه ثم خرج من الشركة معها وما أن ركبا السيارة حتى التفتت إليه وتابعت بصوت مغلولٍ:

-وديني شركة حمدي زهران، أنا لازم أقابل اللي اسمها نجلا دي.

تنفس بتريث قبل أن يقول بحنقٍ:

-نجلا تاني؟ إحنا مش هنخلص من حوارات الست دي؟! عملت أيه تاني؟

سكون بابتسامة ساخرة تصرح:

-قال بتهدد بابا بينا، خليني أشوف آخرها أيه؟

زفر “كاسب” بحنقٍ وهو يضع قدمه على دواسة البنزين لتنطلق السيارة بسرعة كبيرة، صعدت الدماء إلى رأسها فقررت المواجهة والاصطدام وجهًا لوجه؛ فسكون لا تحب المناوشات الخفية بل المواجهة الحتمية واستلال السيف من غمده والمقاتلة بشرفٍ.

لحظات مرَّت عليها ثقيلة وهي تود كثيرًا أن تُنهي هذه التهديدات إما بمعاهدة سلام أو بداية حرب مُعلنة صريحة وما أن استقرت السيارة أمام بوابة الشركة حتى خرجت منها مُندفعة داخل الشركة دون انتظاره، انذرعت في سيرها تأكل المسافات حتى وصلت إلى مكتب الأخيرة لتقف أمام السكرتيرة وتقول بلهجة صارمة:

-بلغي مديرتك إن سكون عثمان السروجي عايز تقابلها دلوقتي حالًا!!

زوت ما بين عينيها وردت باستغراب:

-في ميعاد سابق؟!

صرخت “سكون” في وجهها بغوغاءٍ:

-أنا مش محتاجة أخد مواعيد علشان أأقابل حد، يلا بلغيها.

أحدثت جلبة كبيرة بالمكان؛ حثها “كاسب” على التريث والتحكم في أعصابها قليلًا ولكنها أبت التحلي بالهدوء وفرضت العصيان على كُل مَنْ تسول له نفسه المساس بها أو بمن تحب.

سمحت لها بالدخول بعد أن تجمعت قوات الأمن بالمكتب، اندفعت إلى الداخل في ثبات وتبعها “كاسب” لتستقبلها “نجلا” بملامح باردةً لا يظهر عليها الضيق نتيجة لما أحدثته الأخيرة من فوضى، تحولت بنظراتها إلى أفراد الأمن ليبدؤوا في الخروج واحدًا يليه الآخر بينما بقى فرد واحد فقط، تنهدت “نجلا” بثبات ثم سلطت نظراتها على “سكون” الواقفة أمامها كالبركان الذي حمد لسنواتٍ وحانت لحظة فورانه، وضعت “نجلا” كفها أسفل وِجنتها بهدوء شديد استفز الأخيرة التي تابعت بلهجة حادة:

-سمعت إنك عايزة تخلصي مني أنا وإخواتي فقررت أسهل المهمة عليكِ وأجي لك عُقر دارك، ها؟ عايزة أشوف آخرك وتقدري تعملي أيه؟!.

افتر ثغر “نجلا” عن ابتسامة هزلية عريضة ثم تابعت محافظةً على هدوءها:

-عاجبني فيكِ طاقة الشباب يا سكون.. بتفكريني بنفسي وأنا عشرينية.. كان عندي نفس الطاقة دي لحد ما جه اللي فصل شحني بس الحمد لله لسه محافظة على ثباتي.. أمال هواجه الأوغاد بأيه؟

سكون وهي ترمقها بنظرات نارية ثم تقول ممتعضة لا مبالية:

-باللي تواجهيهم بيه.. شيء ميخصنيش.. ودلوقتي هقول كلامي مرة واحدة.

سكتت لوهلة قبل أن تندفع نحوها ثم تميل إليها حتى قربت وجهها من وجه الأخيرة وراحت تسلط نظراتها بقوة داخل عينيها وبنبرة ينبعث منها التهديد والوعيد قالت:

-هقتلك لو لمستي شعرة واحدة من إخواتي.

في هذه اللحظة تحرك فرد الأمن نحوها بعجلة، همَّ أن يقبض على ذراعيها يدفعها بعيدًا ولكنه وجد قبضتي “كاسب” تسيطران على كتفيه وتسحبانه للوراء مرة ثانية وما أن نظر إليه حتى رأى الشرر الذي يتطاير من مقلتيه الحادتين فتراجع في سكوت.

أطرقت “نجلا” قليلًا في صمتٍ قبل أن ترفع وجهها مرة أخرى وتقول بإصرارٍ وكلمات تحرق سامعها:

-اللي بيني وبين أبوكِ حرب مش هتقف غير بالدم أو بطريقة تانية!

حدقت فيها “سكون” بعينين ثاقبتين تحثاها على الاستمرار فيما تابعت الأخيرة بصوت عميق تفوح منه رائحة  الغدر:

-إنه يرجع ليّ شرفي اللي أخده مني زمان في مقابل إنهاء الخصومة.

رأرأت عينيها من أثر الصدمة وبقيت مقلتاها عالقتين بعيني الأخيرة ثم غمغمت بنبرة مُتحشرجة خرجت من بين شفتيها بالكاد:

-نعـــــم!!.. بابا!!.. مستحيل.. إنتِ ست كذابة ومُضللة.. بتوقعينا في بعض.. استراتيجية انتقام فاشلة تمامًا!

تنهد “نجلا” بحُرقة قبل أن ترد بثبات:

-إنتِ مش مُجبرة تصدقي وأنا مش مُضطرة أثبت لك صحة كلامي.

سكتت هنيهة ثم أكملت:

-واتفضلي من غير مشاكل يا سكون!

استقامت واقفةً في اعتدالٍ ترمقها بنظرات تائهة أخيرة قبل أن تعطيها ظهرها وتتجه خارج المكتب ويتبعها “كاسب” الذي تلقى الصدمة مثلها تمامًا وأوجد سببًا طبيعيًا الكراهية هذه السيدة لعثمان السروجي، التفت “كاسب” بعينيه نحوها ثم تابع أثناء خروجهما:

-تفتكري الست دي هتدعي على أبوكِ وتغامر بسمعتها؟!!

رمقتهُ بنظرات خاوية، تجمعت العَبرات في عينيها قبل أن تقول بنبرة خافتة لا روح فيها:

-بابا!!

توقف “كاسب” عن السير فجأة ثم تجهم وجهه وراح يقول بلهجة صريحة وقاسية:

-وليه لأ!.. إنتِ عارفة كويس إن دا ممكن يكون حصل.. لأني مش شايف منه اعتبار لأي حاجة حواليه حتى ولاده.

أغمضت عينيها تستقبل هذه الحقيقة المُرَّة بقلب مُمزق؛ انسكبت الدموع على وِجنتيها ثم ردت:

-أتمنى يكون لأ.

~•~•~•~•~•~•~•

تهللت أسارير وجهها ما أن تجولت بعينيها في صالة الانتظار ولم تجد سوى حالتين تنتظران دورهما؛ تنفست الصعداء في حماسٍ واستعداد لإنهاء يومٍ مُرهقٍ للغاية والذهاب إلى البيت أخيرًا للاستجمام، ولكن لم تدم سعادتها كثيرًا وهي تجد امرأة شابة تدخل من الباب تلتفت حولها قبل أن تتجه صوبها وهي تقول بصوت ناعسٍ متمايل:

-دكتور نوح موجود؟!

أومأ “مُهرة” بهدوء وسألت:

-الحجز باسم مين؟!

ردت الأخيرة ببرود وهي تستهدف باب الغرفة الخاصة به بعينيها:

-أنا مش حاجزة.. ممكن تبلغيه إني موجودة؟

زوت “مُهرة” ما بين عينيها وسألت باستفهامٍ وتعجبٍ:

-وإنتِ مين بقى؟!

تنهدت الأخيرة تنهيدة سريعة وردت:

-ميان.. بلغيه بس وهو عارفني.

حدقت فيها باستنكار قبل أن تهز رأسها ثم تنطلق فورًا إلى غرفة الكشف، رأته يصف الدواء للمريض فانتظرت حتى خرج ثم قالت بملامحٍ مُكفهرة يملأها الغيظ:

-في واحدة اسمها ميان بتسأل عنك، تستني دوغها ولا أدخلها؟!

اعرب عن دهشته وهو يقول بحسمٍ:

-طبعًا دخليها.

حدقت فيه مصدومةً وكاد الغيظ يقفز من مقلتيها وهي تقول مستنكرةً:

-أدخلها طبعًا، وبالنسبة للناس اللي جايين قبلها؟

افتر ثغره عن ابتسامة عريضة وقال:

-يا بنتي دي مش حالة جاية تكشف، هتسلمني حاجة معينة وهتخرج على طول.

أكل الغيظ والفضول داخلها وودت أن تسأله بشأن ما جاءت من أجله ولكنها قررت ألا تُبالي بما يفعل أو على الأقل تتظاهر بذلك، طلبت منها أن تأتي فهو بانتظارها وما أن دخلت الفتاة إلى الغرفة حتى تابع “نوح” بابتسامة هادئة ناظرًا إلى “مُهرة”:

-خلي الحال التانية تستعد!

أدركت أنه لا يريد وجودها فخرجت فورًا وأغلقت الباب خلفها، لا يغضبها وجود امرأة بالمكان لأنه بالفعل مكانًا مخصصًا للسيدات ولكنها امرأة مُتباهية وملابسها جريئة جدًا ولا تفهم بَعد كيف وافق على التعامل مع امرأة مُتبرجة مُجرد النظر إليها يدفعه إلى الوقوع في المعصية!!

وقفت خلف مكتبها تهز بقدمها في انفعال كُبت أمام المرضى وظلت تترقب لحظة خروجها التي لن تطول كما أخبرها إلى أن مر قليل من الوقت ووجدتها تخرج متبخترة الخطى حتى اختفت عن ناظرها.

-اتفضلي يا مدام!

طلبت من المريضة أن تتعقبها إلى غرفة الكشف وبدأت في تجهيزها له، اقترب “نوح” من الجهاز الخاص بأشعة السونار وبدأ يتفحص بدقة حالة الجنين وإلى أية حالة وصل نموه وما حال نبضه لتنفرج شفتيه بابتسامة ودودة وهو يقول:

-ما شاء الله، كُل حاجة تمام، النبض والوزن كمان.

سعدت المريضة بكلماته فيما استحضرت كلماته صورة “شروق” التي أخبرتها ذات مرة برغبتها الجامحة في الحمل فأوصتها الثانية أن تأتي إلى “نوح ” وقتما تستطيع وتبدأ رحلة علاجها معه، تنهدت بهدوء ثم غمغمت بنبرة خافتة تتحدث فيها إلى نفسها:

-“ربنا يغزقك يا شروق”.

وصلتها غمغمته رغم دقته في العمل الماثل بين يديه فابتسم ابتسامة صافية قبل أن ينهض عن الجهاز ويعود مرة أخرى إلى مكتبه بالغرفة قائلًا بنبرة بسيطة:

-هنحتاج فقط شوية ڤيتامينات وبعض التحاليل.

أومأت السيدة في صمتٍ ثم أغلقت “مُهرة” الستار وتركت لها بعض الخصوصية لتعديل ملابسها والنهوض عن سرير الكشف، أعطى المريضة الروشتة فغادرت في الحال وهنا التفت إليها وتابع بابتسامة عريضة:

-قولي إن إحنا خلصنا!!.

ردت باقتضاب:

-باقي حالة واحدة بس.

قطب حاجبيه ما أن رأى الوجوم على وجهها وسأل بتوجسٍ:

-مالك؟ 

لم تمنحه الفرصة لاستجوابها فغادرت الغرفة وهي تقول بغيظٍ:

-ثواني والحالة هتكون عندك يا دوك.

انفلتت ضحكة بسيطة من بين شفتيه على حالتها المجنونة ولكنه قرر التزام الصمت حتى ينتهي من عمله، قام بالكشف على الحالة الأخيرة وما أن فرغ المكان حتى تابع هو بتنهيدة مُنهكة:

-أخيرًا.. دا أنا واقع من الجوع.

أسرعت نحو الجهاز تفصل عنه الكهرباء دون أن تحفل بما يقول، رفع أحد حاجبيه قبل أن يردد أثناء وقوفه في مكانه:

-دكتوغة؟ بكلمك!

رمقتهُ بنظرة ساخطة قبل أن تعطيه ظهرها متجهة خارج الغرفة:

-وأنا سمعت كويس ومغدتش، يبقى تسمعني صمتك.. أنا ماشية.. محتاج حاجة!!

حدق ناظرًا إلى الفراغ الذي خلفته من وراءها بعد خروجها، تعجل في سيرهِ حتى لحق بها فصاح بلهجة آمرة:

-إنتِ ياما؟ رايحة فين لوحدك الساعة 11 قبل منتصف الليل!!.. اقفي مكانك وأنا بكلمك.

استدارت فورًا تجابهه بعينين ناريتين وهي تعقد ذراعيها أما صدرها ثم تقول بسخطٍ:

-بيتنا.. تعبت طول اليوم وعايزة أخد قسط من الغاحة، في مشكلة؟!

ضيق عينيه بمكرٍ وقال:

-وأنا اللي كُنت هحكي لك عن ميان وإحنا بنتعشا مع بعض!!

استرخت عضلات وجهها المكفهر قليلًا ثم تنحنحت بفضولٍ:

-أه بقى، مين ميان؟! مين ميان اللي من ساعة ما دخلت عندك وإنتَ بؤك طايل ودانك من السعادة؟ 

سكتت هنيهة ثم مثلت طريقتها بعفوية نابعة من شدة انفعالها فبدأت تمشي بخطوات متمايلة تحاول فيها تقليد الأخيرة مما أثار ضحكه وهي تقول بحنقٍ:

-دكتوغ نوح موجود.. بلغيه إني جيت.. مالها بتغطس تحت الأغض ليه وهي بتتكلم، هي الفاتنة الوحيدة على الكوكب كدا يعني!!

-مسخرة.

قهقه عاليًا وسط حديثها الساخط فاستعرت النار بداخلها وصرخت عاليًا:

-مين دي بقول لك!!

تصنع الجدية والحزم وكشر عن أنيابه وهو يقول بلهجة صارمة عالية:

-بت صوتك يخفى وإنتِ بتتكلمي معايا، وعليا الطلاق لو صوتك علي تاني لأحبسك في المركز هنا تموتي جوعًا وعطشًا.

رفعت أحد حاجبيها ثم تخصرت باحتجاجٍ وبنبرة ماكرة صاحت:

-والله!!!!

هو بتحدٍ:

-كلمة كمان وهتوصلك ورقة طلاقك.

أومأ تنظر إليه بعينين يملأهما الشر ثم رددت بنبرة متوعدة:

-طييييييب.

قطب حاجبيه محاولًا فهم سر ضغطها على كلمتها الأخيرة ليجدها تلوذ بالفرار من أمامه ثم تهرول نحو الباب وقبل أن تخرج منه تابعت بغيظ:

-خليك هنا بقى للصُبح تموت جوعًا وعطشًا ووغقة الطلاق دي تبلها وتشغب ميتها وبالشفا المقلب.

هرع بسرعة نحوها إلا إنها تمكنت من الخروج وغلق الباب بقوة لتجده يتابع بنبرة أقل حدةً عن تلك التي كان يتكلم بها قبل قليل:

-بت عيب افتحي الباب، لو حد شافني محبوس كدا برستيجي هيترمي على الأرض!

مُهرة بضحكة مُتشفية ترد:

-انزل جيبه لو وقع، سهلة أهي.

ضغط على أسنانه وهو يتصنع ضحكة عالية مُحاولًا مجاراتها حتى تفتح له الباب وبنبرة ماكرة قال:

-عسل أوي ما شاء الله.. افتحي الباب يلا وإلا ورحمة أمي ه…..

قاطعته تقول بلهجة حادة من بين شفتيها المبتسمتين:

-تاني؟؟؟؟

نوح متراجعًا بابتسامة خفيفة:

-حقك عليا معتش أحلف عليكِ تاني.. افتحي الباب بقى وأوعدك هزود لك جرامات الدهب في القايمة!

ابتسمت “مُهرة” بمكرٍ ثم وضعت أناملها أسفل ذقنها وقالت:

-هو إنتَ متعرفش التعديل الجديد اللي عملوه!!

قطب حاجبيه وسألها باهتمام كبيرٍ:

-عن مين اللي عملوه؟!

مُهرة بابتسامة خجلة ترد:

-أنا.

رفع أحد حاجبيه وقال متوجسًا:

-تعديل أيه بقى إن شاء الله!!

مُهرة بابتسامة متشفية تتابع:

-القايمة دلوقتي بقيت بالدولاغ، يعني الصيغة الصحيح في قائمتي هتكون ‘ثلاثمائة ألف دولاغًا ومائة جغام من الذهب”.

فتح “نوح” فمه على وسعه ثم هدرٌ باستنكارٍ:

-ليه ياختي؟ هتجوز سيدة الأقمار؟! دا إنتِ لادغة يا بت.

همَّت أن تعترض في غيظٍ ولكنها سمعت صوتًا يأتي من الخارج وما أن وصل الصوت إلى مسامعه أيضًا حتى هرول مسرعًا إلى الغرفة ثم التقط حقيبته بينما تعجلت في فتح الباب مرة أخرى وما هي إلا ثوانٍ حتى وجدت أحد الأطباء بالمكان يقول بابتسامة هادئة:

-دكتور نوح مشي؟!

ابتلعت ريقها على مهلٍ وقبل أن تتكلم وجدته يخرج من الباب بهيبة ووقار حاملًا حقيبة يده بكف وواضعًا كفه الآخر داخل جيب بنطالونه يمشي في شموخٍ لا يليق مع أسره قبل قليل وبنبرة ثابتة يرد:

-في حاجة يا دكتور تامر!!

كتمت ضحكاتها داخل ما أن رأته يمشي معتزًا بنفسه وكان قبل قليل يترجاها ولكنها لم تستطع مقاومة هستيرية الضحك التي داهمتها فأسرعت تخرج من المكان فورًا.

•~•~•~•~•~•~•~•~•~•

أسندت جسدها بارتخاءٍ على النافذة وبقيت تنظر منها بخواءٍ وصمت رهيبين، تتصاعد أنفاسها المضطربة في هياجٍ بينما تبدو من الخارج صامدةً لا تعيش معركة من الداخل، شعرت للحظة بقرصة برد تداهم جسدها فبدأت تحتويه بذراعيها وسيناريو الحوار الذي دار بينها وبين تلك الفتاة لا يبرح عقلها قط.

فرَّت عَبراتها في حالة استسلام لشعور الاختناق الذي داهم حلقها وهي لا تُدرك من أين تبدأ بالضبط حتى أنها تخشى النتيجة، هل ما تُفكر به صحيح وسوف تلتقي ما فقدته منذ زمن بعيد في نهاية هذه اللعبة أما اللعبة سوف تنقلب عليها فلا تلتقي بهدفها الغالي ولا تنتصر على سالب عذريتها!!

انفتح باب المكتب فجأة فأسرعت بحركات متوترة مُضطربة تزيل الدموع عن عينيها وقررت ألا تلتفت حفاظًا على صلابتها وتماسكها الدائم الذي لم يخنع أمام مخلوقٍ من قبل، في تلك اللحظة وجدت صوته يأتي من خلفها قائلًا ببعض الانتصار:

-كلفت حد من اللي جوا القصر يقوم بالمهمة وعينة الحمض النووي هتوصلك قريب جدًا.

يتبع

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *