رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثاني والثلاثون
هل تتمنين لو نعود كما كنا؟ إلى تلك الأيام في سابق عهدها.
رفعت عيناي نحوه أنظر إليه بتشتت وضياع، هذا السؤال. ما الذي من المفترض ان يعنيه به؟
همستُ بشفة مرتجفة: أما زلت منزعجا مني؟
وهل سأقول عكس ذلك؟
يالسؤالي الغبي. بالطبع لا يزال منزعجا!
ابتعد قليلا ونظر إلى ليهمس بهدوء ويديه لا تزالان على كتفاي: انصتِ إلى يا تيا. تلك المشاعر ليس من السهل دفنها. ليس من السهل نسيان كل شيء بيننا!
زميت شفتاي دون أن أعلق فأكمل: أنا مستعد للتنازل عن كل شيء. ومستعد لنعود مجدداً كما كنا.
ظ. ظننت بأنك ت.
بشرط أن نعقد اتفاقا بسيطاً.
ارتفع حاجباي بإستغراب وعدم فهم: اتفاق؟ ب. بشأن ماذا؟!
بدت الجدية على ملامحه وهو يتمعن النظر إلي، ثم ابتعد تاركا مسافة كافية وقال بهدوء: ستعرفين الآن.
نظر إلى قليلا قبل أن يتجه نحو غرفة الجلوس بهدوء وقد نزع معطفه وظل ممسكا به ليضعه على حجره، ساد الصمت للحظات كنت قد تقدمت فيها بتوتر وسألته بتلعثم: هل أحضر لك شيئا لتشربه؟
نظر إلى متأملاً فشبكت يداي ببعضهما أفركهما بقوة، أخفضت نظري قليلا قبل أنا أعاود النظر إليه أطرف بسرعة.
نفي برأسه وهو ينزع الوشاح عن عنقه: لا. لنتحدث.
أومأت وتحركت لأجلس على الأريكة المقابلة، عيناه الخضراوان لا زالتا تلاحقانني مما دفعني لأهمس مخفية إضطرابي بجهد بالغ: إنني أنصت.
طرف ببطء ونظر للشقة من حوله بتمعن بعين متأملة هامساً: لاحظت هذا مسبقاً. لم تتغير الشقة إطلاقاً.
من الصعب تغييرها. أثاثها وأبسط تفاصيلها تعني لي الكثير.
لم يعلق بل ظر يتأمل المكان حتى تنهد، لم أعلم ما على قوله ولكنني وجدت أمرا لأفتتح به حوارا قائلة: متى ستعود إلى عملك؟ أنت في إجازة مؤقتة اليس كذلك؟
قرابة الأسبوعان. ثم سأعود للعمل مجدداً.
هل تستمتع به؟
بلا شك.
أومأت متمتمة دون شعور: ألا تحن إلى العمل معنا؟
لن أحن بالطبع.
قطبت حاجباي فأكمل بهدوء: الوظيفة الحالية تناسبني وأجدها مريحة، لا أظنني سأجد هناك من يورطني في قضايا لا ذنب لي بها. على سبيل المثال اختلاس أموال وما شابه.
تمالكت نفسي وحاولت ألا أسمح للدموع في التحجر بعيناي بصعوبة شديدة، احتضنت وسادة الأريكة وقد ابتلعت ذلك التلميح الواضح في كلماته.
استأنف محدقا إلي: ولا أعتقد بأنني سأقابل من يدعون الإهتمام نحوي ثم يغدرون بي.
إيثان أنا حقاً.
كما لا يوجد وضع مريب سيجبرني على تحمل بعض الشخصيات النرجسية. كمغرور بذاته يعتقد أنه محور الأرض.
أضاف بسخرية: صديقك ذاك لا شيء دون أمواله أو نسبه.
ازدردت ريقي بصعوبة، هل على التعليق أو الإكتفاء بالصمت؟ لا يمكنني سماع كلمات مهينة على كريس! ومع ذلك. أشعر بأنه لا زالت لدي فرصة مع إيثان.
ولكنني لست مرتاحة وأشعر بالغرابة لتصرفاته وطريقته في الحديث، إيثان الذي أحببته لم يكن هكذا يوماً!
نظرت إلى قدماي أحرك الخفين وارتديهما ثم انزعهما بتوتر، حتى قلتُ بهدوء: قم بلومي أنا ولكن تجاهل كريس أرجوك، أنتما متعادلان ولا أجد مبررا لكل هذا، لقد تقربت إليه لأنك خشيته، بينما أوقعك في ورطة واتهمك ظلما، كلاكما كان قاسِ على الآخر لذا هذا يكفي!
ظلت تعابيره هادئة فأكملت بأسى: لا ادري إلى متى يجب أن تستمر هذه الحرب الباردة، شقيقتك الآن زوجته. لا يجب أن.
شارلوت لن تكون لكريس.
إنها تحبه! وهو كذلك يحبها فأين المشكلة؟
أنا لن أقبل به جزءاً من عائلتي.
زميت شفتاي بغيض ولم أعلق، ما عساي أقول فهو قادر على الرد على كل شيء، تماما مثل شقيقته!
أشاح بوجهه قليلاً قبل ان يعاود النظر إلى وبدى جدياً: لنعد إلى موضوعنا.
موضوعنا!
لا بد وأنه يقصد ذلك الإتفاق الذي ذكره قبل قليل.
وجهت كل إهتمامي له وظهرت تقطيبة بين حاجباي دلالة التركيز، وقف مبتعدا عن أريكته واتجه نحوي فأسرعت اعتدل ارخي يداي على الوسادة الصغيرة، جلس بجانبي فرمقته بطرف عيني بتوتر.
ولكنني سرعان ما أجفلت عندما أمسك بيدي اليسرى بين يده.
بللت شفتاي بإرتباك وإحراج والقيت عليه نظرة خاطفة ثم نظرت إلى يده.
ارتخت ملامحي كثيرا وقد تعلقت عيناي على يده الدافئة، لم أشعر بنفسي وأنا أمرر بأنامل يدي الأخرى على يده.
مررت أناملي بخفة على أحد عروق يده البارزة، حتى همست بصوت مبحوح: يدك دافئة جداً، ولطالما كانت كذلك.
رسم ابتسامة هادئة قبل أن يقول: وأنتِ يدك باردة. كالعادة!
أومأت مبتسمة ثم اتسعت ابتسامتي: هل تذكر عندما كنت تجبرني على إرتداء القفازات حتى في فصل الصيف.
كان على فعل هذا لتصبح يدك دافئة.
ضحكت بخفوت: ولكنها كانت تتعرق بشدة.
تيا أنتِ لم تنسي أي شيء. لم يكن علينا الإنفصال منذ البداية، لا نزال نحتفظ بكل ذكرياتنا التي جمعتنا معاً!
لم أكن لأنسى لحظة واحدة قضيتها معك.
الا تعتقدين بأنه علينا أن نعود كما كنا؟ لقد بدأنا المواعدة بالفعل ولكن ذلك لم يدم طويلاً.
أومأت دون تفكير ولكنني تساءلت بأسى: ولكن. هل حقا لا تزال منزعجاً!
لنفتح صفحة جديدة. سأنسى كل شيء.
حقاً! إ. إيثان أنا أعدك بأنني لن أغدر بك مجددا أو أت. ، م. مهلاً! ماذا عن الإتفاق الذي ذكرته؟!
نظر إلى يدي قليلا وقال وقد تسمرت عيناه عليها: لقد ذكرت الإتفاق للتو. أقنعي كريس بأن يترك شقيقتي وشأنها. هذا كل ما أريده!
اتسعت عيناي هامسة: تريد مني إقناعه؟
تيا. شارلوت لديها من يحبها بالفعل منذ سنوات! جاري جوردن قد صارحني مرات معدودة بشأن رغبته في التقدم إليها بعد تخرجها من الجامعة فوراً!
تريد ان ينفصل كريس وشارلوت لأجل جارك الذي لم يسعفه القدر؟
هذا الزواج لم يكن جديا منذ البداية! ليس وكأنه لم يرغمها على الزواج لينتقم لنفسه!
ولكنه أدرك الآن أن والداك لا ذنب لهما!
ولكنني لا أزال شقيقها. وهذا لا يغير ما وقع بيني وبينه ورغبته في الثأر لنفسه معتقدا أنه الشخص المظلوم!
كريس لا يفكر بشأنك يا إيثان صدقني!
كما أخبرتك للتو، جوردن انتظرها طويلاً.
ماذا عن كريس بحق الإله! إن كان جارك قد انتظرها لبضعة سنوات فكريس أيضا قد.
بترت كلماتي بتردد مفكرة ما إن كان على البوح بالأمر أو لا، نظر إلى بتمعن وترقب فقلت متنهدة: متى ستخرج الأمر من رأسك؟!
هل حقا ما اطلبه منكِ بهذه الصعوبة!
عقدت حاجباي بحزن: علاقتي بكريس دامت أربعة عشر سنة. إيثان الأمر ليس بهذه السهولة، على الأقل أنا أعلم جيدا أنه يحب شقيقتك بصدق.
هراء.
إنها الحقيقة! أقسم لك بأنه ي.
كنت أعلم بأنك تفضلينه على في كل شيئ، دائما كريس له الأولوية في كل شيء! الكثير من الأمور قد تجاوزتها قبل سنوات بينما نتواعد ولا تزالين ترينه الأول في كل زاوية في حياتك! اجتهدت كثيراً لأحظى بإهتمامك ولكن.
قطع كلماته المنزعجة وأشاح بوجهه بعيداً، ترك يدي ببطء وقال دون أن ينظر إلي: ألا تعتقدين أنكِ لا تعطينني مكانة خاصة كما فعلت أنا!
زميت شفتاي بتضايق وإستياء، هل حقا كنت أفضل كريس على إيثان طوال هذا الوقت؟ هل كنت أوليه كل الإهتمام؟
استرسل ينظر للفراغ: عندما كنت أقترح أن نخرج معاً كنتِ دائما ما تشيرين إلى الأماكن التي يفضلها كريس، حين كنتِ تخرجين معي يتضمن كل حديثك اسمه فقط! حتى عندما كنت أريد أن نطهو معاً تعدين الطعام الذي يحبه، وكذلك ابسط الأمور! الهدايا التي كنت تقتنينها لي وأفرح بها كنت أكتشف لاحقا أنها مشابهة تماما لهدية احضرتها له، لقد حاولت كثيراً أن أكون أول من يخطر على بالك ولكنني لم أفلح! ولآخر لحظة كنت أكبت الأمر في نفسي كثيراً!
ضاقت عيناه الخضراوان وقد مرر يده في شعره هامساً: ذلك الكريس الوغد. لطالما شعرت بأنه يرغب في ان يكون محور إهتمامك. مهما تكن الصداقة التي جمعت بينكما إنه أناني ومتملك جداً!
إيثان شعر بكل هذا؟! هل حقا. بالغت بشأن كريس أمامه؟
ازدردت ريقي وحدقت إليه بتشتت، تفاجأت به يقف ووضع يده على جبينه والأخرى على خصره وقال: أعلم بأن الحديث لن يأتي بنتيجة، وأدرك أنه يعني لكِ كل شيء ولن تتنازلي لأجله، ولكنني أردت أن أجرب لعلني أبالغ بالتفكير ليتضح أنني كنت محق.
وقفت أمامه ونفيت بقلق: صحيح أن كريس له مكانة خاصة ولكنك يا إيثان الشخص الذي أحبه! أرجوك لا تفعل هذا مجدداً.
مجدداً؟
تساءل وقد ارتفع حاجبه الأيسر فوضحت بحزن أعيد خصلات شعري القصير خلف أذني: أتحدث عن تخييرك لي بينك وبينه! أنت تفعلها مجدداً.
شقت ابتسامة مضمرة ثغره وانعكس بريق من الإنكسار الذي أذهلني في عينيه!
ليقول بنبرة ساخرة: وأنتِ تختارينه للمرة الثانية. انسي الأمر، انسي كل ما قلته وتظاهري بأنني لم أدخل شقتك اليوم.
دمعت عيناي نافية وقلت ببكاء: لماذا لا يمكننا أن نعود إلى ما كنا عليه لأجل سوء فهم بينك وبينه! لماذا يجب أن تقحم علاقتنا نحن الإثنان بعلاقتك به؟ إيثان أنت تريد مني إقناعه بالتخلي عن شارلوت، وأخبرتك للتو أنها تحبه! ألا تعي بأنك تستغل مشاعري أنا وشقيقتك لتشعر بنخوة الإنتصار على كريس؟ أفق أرجوك واخرج من عتمة الحقد!
ابعد يده عن خصره واتجه للأريكة الأخرى ليأخذ معطفه ووشاحه، القى على نظرة سريعة وهمس: هذا يكفي.
لا يمكن.
لقد غادر!
انتفضت لصوت الباب وشعرت وكأنها صفعة قوية موجهة لي، ما ان خرج حتى انهار جسدي على الأريكة وجلست بضعف شديد!
أن يتحدث إيثان بهذه الطريقة، هل هذا واقع؟ وكأنه شخص آخر تماماً!
إيثان لم يكن أنانيا ذو اهداف خبيثة كهذه! لماذا تغير هكذا بحق الإله؟!
أنا أتألم كثيراً، لا يمكنني إستيعاب كل هذا.
الآن وأنا أفكر بعمق بشأن تصرفاتي اكتشفت حقيقة غفلت عنها، كنت بالفعل أقحم اسم كريس في كل حديث مع إيثان. كنت أبالغ في اهتمامي ولم أراعي مشاعره!
أنا. لم أشعر بنفسي! لقد كان يخفي مشاعره الخائبة ويكبتها لنفسه.
لأفكر بالأمر قليلاً! لو فعل إيثان ذلك لي في المقابل. سأنزعج بلا شك بل وستحرقني الغيرة حتى لو كنت أدرك أنها مجرد صداقة لا أكثر.
يا الهي. أنا حقا متعبة! ظننت بأننا سنعود إلى ما كنا عليه وتنتهي كل هذه المشاكل!
شارلوت:
مرَ أكثر من أسبوع منذ أن امتنعت عن زيارة كريس، لم يكن هذا لأن السيد ماكس اقترح ذلك فقط بل هي إرادتي ورغبتي أنا.
لقد اكتفيت.
أنا حقا مكتفية وقد ضقت ذرعا من تصرفاته المستفزة.
وبالرغم من أنني اعتقد أنها الطريقة الأمثل لأحافظ بها على ما تبقى من كبريائي الذي أهانه، إلا أنني أشتاق إليه كثيراً وعاجزة عن الشفقة على عقلي الذي أنهكه التفكير به.
وحتى جيمي الذي بات يسألني كثير عن غياب والده الذي طال كثيرا هذه المرة، واضطر لأخبره انه في رحلة عمل.
نعم. رحلة عمل بدأت باللكمات التي وجهها كل من إيثان وبراد على وجهه، ثم تلك الطعنة واستلقائه الآن في المشفى، هذا اللعين المثير للشفقة أشعر برغبة في الذهاب إلى غرفته وأحقنه بجرعة زائدة من المخدر.
تنهدت بعمق ومضغت الطعام بملل، نظرت لجيمي الذي يتناول طعامه ويتحدث مع بريتني بحماس لأتأكد من كونه يتناول العشاء ولا يضيع وقته ويهمل وجبته.
ثم عاودت انظر إلى طبقي بصمت.
ولكنني سرعان ما رفعت عيناي نحو ستيف الذي يجلس مقابلي و قد زفر بغيض وهو يلقي بنظرة خاطفة على رين الذي ابتسم باستفزاز.
كالعادة. تشاجر رين وستيف وكلوديا قبل ان ندخل إلى غرفة الطعام، كما أن من حل الشجار هذه المرة لم يكن ماكس بل أولين ألتي أتت من المشفى نظرا لتحسن حالة كريس وقدرته على الإعتماد على نفسه. بالإضافة إلى أنه سيخرج غدا أو بعد غد.
لقد جهزت له أطول قائمة للشتم سيشهدها التاريخ، ولا أمانع ان اضيف اي شتيمة أخرى بلغة مختلفة من لغات العالم.
ولكنني بدأت أتساءل حول ما سيكون عليه الوضع عندما يعود كريس للمنزل ويكون هو ورين تحت سقف واحد!
هل سيتشاجرا طوال الوقت أيضاً؟ حينها أراهن على ان الخدم سيقدم كل منهم استقالته تلو الأخر فهم الضحايا هنا، إنهم مضطرون للتنظيف وترتيب الفوضى التي تحدثها كلوديا عندما تغضب وتكسر الزجاج أو اي مزهرية تقع عينها عليها، ورين الذي يقلب الأطباق بدم بارد، وستيف الذي يتصرف بصبيانية ويدخل غرفة رين ويقلبها رأسا على عقب.
رين هذا أنا أيضا لم أعد أحتمله!
ولم أعد أطيقه.
إنه يتلذذ برؤية الجميع غاضبون! إنه يستفزنا ويخرج ويعود متأخراً متسلطا على الخدم ولاسيما آنا التي ذاقت ذرعها ولابد وأنها تفكر في التخلص منه بطريقة ما.
نظرت إليه وهو يتناول الطعام بملامح باردة.
انتبه لي فأسرعت أشيح بوجهي فشعرت به يبتسم.
تجاهلته وانتبهت لجيمي اللذي بجانبي وقلت أحثه على شرب الحليب: هيا يا جيمي. الحليب سيساعدك على النوم بعمق.
ظننت بأنه علينا شرب الحليب صباحاً فقط!
قالها رين بتبرم واستخفاف فرمقته بإنزعاج، تدخل والده جوزيف: لا يشترط يا رين. هناك دراسة تؤكد أن شرب الحليب ليلاً يساعد على النوم بعمق بالفعل.
تنهد ماكس وتمتم: هيا يا جيمي فلقد استيقظت صباحا في وقت مبكراً جداً! يا الهي. الا تمل اللعب كل يوم مع شارلي؟
نفي جيمي بحماس: لا يا جدي. شارلي أخبرني أنه علينا أن نستمر في اللعب دائماً حتى تصبح علاقتنا أقوى. بريتني كذلك تستمع معنا كثيرا. اليس كذلك؟
أمالت بريتني رأسها فقالت كلوديا مفكرة: بالتفكير بالأمر. شارلي أصبح كثير القدوم لهنا ما ان اتت بريتني!
عندما انهت جملتها استوعبنا الامر وانفجرنا ضاحكين!
سوى رين بالطبع الذي ظل يرمقنا بلامبالاة وبرود.
تمتم جيمي بعدم فهم: لماذا؟
علق ستيف ضاحكا بسخرية: ستفهم يا جيمي ما أن تكبر وتنضج!
نظر جيمي نحو بريتني وتساءل: لماذا يا بريتني؟!
رفعت كتفيها قائلة ببراءة: لا أدري! ولكنه أخبرني أن أستمر في المبيت هنا ولا أغادر المدينة.
ضحكت أوليفيا بخفوت وأومأت معلقة: شخص ما معجب بك يا بريتني.
رددت شقيقتها بعدم فهم: معجب بي؟
ستفهمين أنت أيضا بعد سنوات قليلة.
قال جوزيف بلطف: بريتني. انت تستمرين في العبث بالطعام، هل شبعتِ؟
اجابت مميلة برأسها: نعم.
علق جيمي: وأنا أيضاً.
أشار ماكس مبتسما بهدوء: حسناً إذا ما رأيكما بتفريش أسنانكما ثم قراءة بعض القصص المصورة قبل النوم؟
تحمسا بالطبع وأسرعا يغادران الغرفة مع آنا. وحينها دخلت السيدة أولين لتتفقد الوضع ووقفت خلف كرسي ستيف الذي رفع رأسه ينظر إليها بطريقة عكسية وقال بنبرة محبة: سيدة أولين لا فكرة لديك كم اشتقت إليك في الأيام الماضية. وجودك أمر ضروري بالفعل.
ابتسمتْ له وضربت رأسه بخفة فابتسم هو كذلك وانزل رأسه يتناول طعامه، لحظات حتى تساءلت أوليفيا بحيرة: سيد ماكس. أتساءل متى يحين وقت خروج كريس من المشفى؟!
أجابها: كما قال الطبيب اليوم، الجرح قد التئم ويمكنه الخروج غداً أو بعد غد كحد أقصى. ولكنني أظنه سيخرج في الغد لأنه لن يصبر أكثر. ومن يعلم ربما يكون الطبيب أكثر إصراراً منه.
كان يتحدث براحة فتنهدت كلوديا: وأخيراً. أشعر بأن نقص شخص ما في المنزل يضايقني كثيراً!
أتى صوت بارد: وهل وجوده في المشفى يشكل فارقاً حقا؟
حسنا لم يعد هناك أي داع للتعريف بشأن المتحدث، رمقته كلوديا بإنزعاج وقبل أن ترد عليه أسرعت أتدخل ببرود ساخر: لا لن يشكل فارقا فوجودك بجانبها يكفيها ويعوضها عن كريس. أتصدق هذا؟
ارتفع حاجبيه لثوان ثم همس بتحذير: تشبيهي بذلك الوضيع هو آخر ما أرغب به.
احتدت عينا السيد ماكس قليلا ونظر لطبقه بإنزعاج.
لابد وأنه غضب لنعت كريس بتلك الكلمة أمام الجميع!
تدخلت السيدة اولين الواقفة خلف ستيف بحزم: أرجو الإلتزام بالصمت أُثناء تناول الطعام على المائدة واحترام كل شخص للآخر. إن كنت قد شبعت فيمكنك أن تغادر الغرفة وتترك الباقين يتناولون طعامهم يا رين، وأنتِ يا شارلوت تناولي طعامك بصمت!
زميت شفتاي ولم أعلق، نظر إليها بشيء من الإستخفاف ووقف قائلا: حسنا. آسف على ما قلته بشأن إبنك المدلل اللطيف، فقط لو بذلت جهداً أكبر في تربيته لكان شخصاً أفضل مما هو عليه الآن، أو ربما لو كنت قد أنجبت أطفالاً تهتمين بهم بدلاً من ذلك المدلل لكانت الامور بخير.
اتسعت أعين الجميع بذهول، أسرع جوزيف يقف بتوتر شديد وقد فرغ فاهه بإضطراب وقلق.
ما الذي يقوله بحق الإله وكيف يجرؤ على قول هذه الكلمات الجارحة المهينة للسيدة أولين! هي عاجزة عن الإنجاب والأمر ليس هيناً بالنسبة لها! هذا الوقح. تجاوز حدوده كثيراً!
إنها تنظر إليه بعين متسعة وهو يخرج من الغرفة و يدندن بصوت خافت لا مبالي، تورد وجه جوزيف وقال بإنزعاج: يا الهي. سيدة أولين أرجوك اقبلي اعتذاري نيابة عنه! أرجوك سامحينا على.
ولكن وقوفي فجأة بطريقة مصدرة للضجة جعلته ينظر نحوي فقلت هامسة وأنا أخرج متوعدة: أرجو المعذرة.
خرجت من الغرفة غير قادرة على تمالك نفسي وقد التقطت اذني زمجرة كلوديا الغاضبة وكلمات ستيف المواسية لأولين.
تقبلت جميع إهاناته ولكن ما قاله لأولين من الصعب تجاوزه!
من أين أتى بهذه الجرأة بحق الإله؟ السيدة أولين إمرأة عقيم ولابد وأنه لمس الوتر الحساس! هذا يكفي. احتملته كثيرا ولكنني لن أقبل بهذا الرد القاسي على أولين!
كنت قد اتجهت للجناح الذي تقع فيه غرفته ولمحته متجه لهناك.
فتح الباب ليدخل فأسرعت بخطاي وقبل أن يغلق الباب فاجأته بدفعي للباب بحزم.
بدى مستغرباً قليلاً ونظر إلى لثوان حتى ابتسم بثقة: ماذا؟ اشتقت إلى بهذه السر.
قاطعته بصفعه قوية وأنا أحدق به بغضب شديد! أنا أعي ما أفعله تماماً ولست نادمة ولا أرى فعلتي تهوراً!
كان ينظر إلى بذهول وعدم استيعاب وقد ارتفعت يده ببطء نحو وجنته! أخفض عينيه للفراغ بصمت وشيئاً فشيئاً بدأت عيناه الزرقاوان تلمعان بالحزم وتقدحان شرراً.
صرخت بغضب: اذهب واعتذر للسيدة أولين عما قلته للتو! كيف تجرؤ على قول أمور كهذه لها؟ سيدة في عقدها الخامس تتعرض لموقف كهذا أمام الجميع؟ لماذا تستمر في جرح مشاعر من حولك بلامبالاة بهذه الطريقة!
استنكرت تحديقه الغاضب بي حتى همس وهو يرص على أسنانه: من تكونين لتقومي بصفعي وتوجيه نصائحك الفارغة هذه؟!
ومن تكون لتتهجم على الجميع هكذا؟ إن كان الباقيين قد تجاهلوك لتتمادى فأنا لن أسمح لك. لم تترك شخصا إلا وقمت بإهانته! أولين وكريس، ستيف وكلوديا وحتى الخدم! أي قلب تملك وأي مبادىء تتبعها؟
انتفضت بدهشة عندما صرخ بإنفعال: اخرسي. لقد القيت بكل مبادئي خلف ظهري وتجاهلت أمور كثيرة بسبب زوجك اللعين، إن كان هناك شخص عليك لومه فمن الأفضل أن تلوميه هو. آسف لقول الحقيقة ولكنك جبانة جداً وضعيفة أمام الإعتراف بالحق، تستمرين في الدفاع عنه والتستر على تصرفاته الخاطئة بحجة المغفرة والقلب الأبيض الطاهر! أفيقي فأنت لست في عالم مثالي فلا تجعلي الامر وكانك قادمة من ارض السعادة. زوجك مجرد طاغية لم يسلم منه شخص في ماضيه، هل أنا الآن الملام على بعض الجمل التي لا تساوي شيئا مقابل ما فعله بي وبغيري؟
كانت عيناي متسعة وأنا أحدق به بدهشة!
أ. أنا أتستر على تصرفات كريس؟! متى فعلت هذا بحق الإله؟!
ازدردت ريقي بصعوبة مفكرة في كلماته حتى تساءلت: م. متى تسترت على أخطائه! أنا لم.
حقاً؟ وقوفك في صفه دون أن يدرك عقلك الصغير حقيقة أفعاله، دفاعك عنه طوال الوقت في الأيام الماضية. ماذا تسميه؟
كان قد همس بذلك بحقد أخافني، أضاف وعينيه الزرقاوين تلمعان بمكر: أنا أعرف كيف أكسر جناح كريس. وأعرف كيف أنتقم منه.
ما أن قالها حتى تفاجأتُ به يشدني نحوه ودفع الباب بقدمه، أجبرنه على التحرك خلفه فقلت بذعر: ماذا تريد!
لماذا أدخلني غرفته!
شهقت بخوف عندما دفعني على السرير وانحنى فوقي مباشرة وقبل أن أصرخ عليه مهددة قبلني دون أن أدرك!
ه. هذا المجنون! ما الذي يفعله بحق الجحيم؟!
حاولت إبعاده بقوة وعنف ولكنه أمسك بيدي فحاولت إبعاد وجهي ولكنني عجزت.
مستحيل! لا يمكن أن يكون جاداً!
هذه الفعلة الدنيئة، هذه الفعلة التي لا تغتفر، بأي حق يقبلني! اللعنة. لماذا هو قوي إلى هذه الدرجة! ألا يمكنني خلق فرصة لنفسي لأبعده عني وألقنه درساً!
ابتعد عني فجأة ولكنني شهقت بذهول حين ابعد يده ومزق قميصي فدمعت عيناي دون شعور!
ابتسم برضى ووقف مبتعداً مقابل دهشتي وضعفي وارتجافي.!
ا. الحقير المنحرف!
كيف سولت له نفسه؟ يقبلني ويمزق قميصي بهذه الطريقة!
وقفت بإنفعال متجهة إليه ورفعت يدي بعين دامعة محاولة صفعه ولكنه أمسك بها متمتما: ماذا؟ الم تتعلمي درسك بعد؟
ابعد يدي بحزم وبالرغم من هذا همس بخبث: أتساءل كيف قد تكون ردة فعل زوجك اللطيف عندما يدرك أن شفتيك لم تعودا ملكه!
اتسعت عيناي لوقاحة لفظه في حين أشار بيده ملوحاً وهو يأخذ مفتاح السيارة من على المنضدة وقال مبتسماً: أراكِ لاحقاً…
خرج من الغرفة فجلست على طرف السرير وقد سمحت لدموعي المتوترة بأن تخرجا من وكرهما قليلاً، ولكنني أسرعت أمسحها بحنق وسخط.
سيندم. هذا اللعين سيندم على ما فعله! أن يقبلني بكل بساطة وكأنه لم يفعل شيئاً. هذا لا يغتفر!
ع. على أن أسرع قبل أن يراني أي أحد بمظهري هذا!
قبل ان أنهي تفكيري تفاجأت بالباب يُفتح لتطل منه أوليفيا قائلة: رين؟
ولكنها تسمرت في مكانها وقد اتسعت عينيها هامسة بإسمي بدهشة وقلق!
ازدردت ريقي بصعوبة ووقفت مبتعدة عن السرير و أسرعت أخرج من الغرفة دون ان أقول كلمة واحدة، اتجهت لغرفتي وأغلقت الباب بالمفتاح مستندة عليه حتى جلست على الأرض محدقة إلى الفراغ.
حتى عندما يكون كريس بعيداً تتواجد المشاكل وتتربص بي.
هل هذا ما يقودني إليه حبي؟
زفرت بضيق شديد وأغمضت عيناي بإستياء. كيف سمحت له بتقبيلي هكذا! حاولت إبعاده ولكن. ولكنه يفوقني قوة! أردت تلقينه درساً ولكنني لم أستطع! لقد قاومته ولكن. ولكنني كنت خائفة وغاضبة في الوقت آنه!
غير معقول ما قام به قبل قليل.
لامست أناملي شفتاي متضايقة بشدة. لماذا ينتابني شعور غريب. وكأنني قد قمت بخيانة كريس؟
ح. حسنا هذه حماقة لأن هذا قد حدث رغما عني. ثم هو لا يستحق أن أشعر نحوه بهذه الطريقة فهو خائن في جميع حالاته أصلاً.
تيا:
خرجت من شقتي على عجلة دون أن أتناول طعام الفطور حتى، لا وقت لدي لقد تأخرت!
علي أن أسرع للشركة إنها تشير إلى الثامنة والنصف!
قدت سيارتي كالمتهورة المخبولة وأوقفتها في مواقف الشركة و اتجهت لمكتبي فوراً وشرعت في العمل وأخرجت الأوراق التي انهيتها في المنزل بالأمس.
مرت لحظات حتى سمعت الموظفة بجانبي تقول: السيد كريستوبال تأخر في المشفى كثيراً. الن تذهب معي لزيارته؟
أجابها الموظف: بالطبع سأذهب. كنت سأقترح عليك ان نزوره معاً اليوم بعد العمل مباشرة.
ليسوا أول من اتفق على ذلك فطوال هذه الأيام سمعت الموظفين يتشاورون في زيارة كريس.
في الأمس زاره أربع موظفين من قسم آخر مساءا، وفي اليوم الذي يسبقه زاره كذلك بعض الموظفون من قسمنا هذا.
بالرغم من معاملته لهم بطريقة رسمية جداً إلا أنهم يحترمونه ويقدرونه كثيراً، فمنذ أن بدأ كريس بإدارة الشركة أثبت أنه يستحق هذه الإدارة بجدارة.
لاسيما وأن ماكس كان يعاني من تلك المشكلات الصحية وأثرت على طريقة سير العمل.
الجميع قد شعروا بالقلق على ما حل بكريس عدى ذلك الفابيان الوغد الذي لم يكلف نفسه عناء السؤال عنه حتى! بل وأنه سأل السيد جوش بكل وقاحة عن سبب جلوسه على مكتب كريس واقترح عليه ان يترك له مهمة إدارة الشركة مؤقتا.
إنه مجرد جشع يسعى للوصول إلى مكتب الإدارة التنفيذية وحسب.
تنهدت بعمق وأكملت عملي وعندما حان وقت الإستراحة شعرت بأهمية الذهاب لتناول شيء ما فغادرت مكتبي وأخذت هاتفي ومحفظتي واتجهت لإستراحة الشركة.
طلبت وجبة خفيفة وجلست أتناولها وحدي.
مفكرة في إيثان. وفي ما قاله.
فكرت كثيراً في الإتصال به ولكنني.
لن أجرؤ ولا سيما أن آخر حوار لنا كان مليئا بالعواطف الغريبة ولازال الأمر يربكني ويضايقني.
أحب إيثان كثيراً. وكذلك أحب كريس!
قضمت من الشطيرة بضيق شديد.
كلما أتذكر أن إيثان أراد استغلال مشاعري مقابل الإنتقام من كريس أنزعج كثيراً!
هناك ألم عنيف يعتصر قلبي منذ الأمس! لا أحب شخصية إيثان هذه ولا أستطيع استيعابها حتى الآن.
أريد أن أرى إيثان الذي كان معروفا بمرحه وابتسامته.
ولكن. أعتقد بأنني أطلب أمراً لا يحق لي طلبه حتى.
نظرت للشطيرة التي لم أنهي نصفها والعصير الذي لم أقترب منه ولو قليلاً.
أشعر بنفور من الطعام. الهذه الدرجة أنا متأثرة بما حدث؟
لماذا أريد البكاء الآن وفجأة؟
تركت الطاولة وعدت لعملي وأكملت ما لدي حتى انهتى موعد العمل أخيراً.
وبالطبع سأعود لشقتي فهناك من الموظفين من قرر زيارة كريس.
سأزوره مساءا عندما يرحل الجميع من عنده.
أنا بحاجة للحديث معه قليلا لأرتاح. بالطبع لن أخبره بما قاله إيثان أو بمجيئه لشقتي.
أريد فقط أن اتحدث معه وانسى ما يشغل رأسي.
فهو بارع في استفزازي واخراجي من هالتي الكئيبة حين تحيط بي وتكاد تأكلني.
شارلوت:.
قبل ساعات عديدة، عندما حان وقت الفطور كنت وبكل صراحة أشعر بالخوف من النظر إلى رين ولو صدفة!
أتجنب حتى أن تأتي عيناي عليه ولو كانت نظرة لا تتجاوز النصف ثانية!
كلما تذكرت فعلته الشنيعة أشعر بالإرتباك والقلق الشديد.
لا أريد أن أجلس معه على إنفراد أو ان اتحدث معه. هو أيضا شعرت به يتجنبني بطريقة ما وهذا ما استنكرته!
وبالنسبة لأوليفيا.
فظلت تسألني بقلق ما أن فعل رين لي أي شيء سيء. بالطبع سأقول لها بأنه لم يفعل!
وبالتأكيد هي لم تقتنع.
أنا الآن أجلس مع السيد ماكس وجوزيف في الحديقة بينما السيد جوش لم يعد بعد، أما ستيف فهو مع والدته في غرفة الجلوس العلوية.
أوليفيا مع بريتني وجيمي، إنهم يجلسون في غرفة الألعاب في الأعلى.
بالنسبة لأخيها الوغد فأنا لا أدري أين هو!
شارلوت؟
نادى السيد ماكس بإسمي بحيرة فنظرت إليه بترقب ليسألني: أنت شاردة الذهن منذ الصباح هل من خطب ما؟
أيده جوزيف بإهتمام: هذا صحيح. هناك أمر مختلف بشأنك اليوم، هل هناك ما يزعجك؟!
نفيت برأسي فوراً: لا تقلقا كل شيء على ما يرام، ربما لم أحصل على كفايتي من النوم في الأمس ولهذا أشعر بالخمول!
ابتسم جوزيف وتنهد: أعلم بأنني شخص غريب عنك وقد لا تستلطفين تقديمي للنصائح، ولكن إن كان هناك ما يزعجك فأخبري الأشخاص المقربين منك ولا تكبتي شيئا في داخلك يا ابنتي.
نظرت إليه وأنا في حيرة من الاختلاف الجذري بينه وبين ابنه؟!
حسنا إنه كالإختلاف بين جيمي وكريس.
بحق الإله ما الذي يحدث في هذه العائلة، كل فرد فيها لديه من يناقضه تماماً!
شردت بذهني مجدداً فهمس السيد ماكس بقلق وجدية: هل أنت حقاً على ما يرام؟
انتفضت وأسرعت أقول: أ. أنا آسفة! أعتقد بأنني أبالغ في التفكير ببعض الأمور.
تنهد بإحباط ولم يعلق فقلت واقفة: أرجوا المعذرة سأعود لغرفتي.
قال السيد ماكس أن الطبيب أصر على كريس أن يخرج في الغد ولا يتعجل ويخرج اليوم ويبدو أنه مضطر للبقاء وقد ينفجر من الغيض!
أشعر بالحماس لعودته. و بالقلق كذلك!
كنت واقفة أرتب ملابسي في الخزانة فلقد أصبحت في حالة فوضى بسبب إهمالي مؤخراً. كما أن الخدم قد أُنهكوا لترتيبها فهي كل ما لدي لأفرغ غضبي به. كلما شعرت بالقهر أفتح الخزانة وأخرج الملابس وأشدها بأقوى ما لدي لعلها تريحني.
أظن بأنه على أن أجلب المزيد من الملابس!
تنهدت وأكملت الترتيب حتى سمعت طرقاً على الباب فقلت: تفضل!
فُتح فوجدت جيمي يطل منه فابتسمت: تعال يا جيمي.
اقترب مني بعد ان أغلق الباب فتساءلت: ما الأمر؟
أمي. هل سيعود أبي في الغد حقاً؟
ومن أخبرك بذلك؟
ستيف.
هل انت متحمس وسعيد لعودته؟
كثيراً!
ثم جلس على الكرسي وتمتم: أمي. أخبرني رين بأنه على أن أنتبه عليك حتى لا تسرق امرأة أخرى مكانك! لماذا يقول هذا يا أمي؟
رمقني بحيرة وإستياء بينما ارتفع حاجباي ثم سرعان ما اجتاحني الغضب.
ذلك ال. آه يا الهي!
لم أعد أحتمل! ما الذي يريده بطفل بالخامسة؟!
من منهما الطفل أصلاً؟
زفرت وابتسمت متمالكة نفسي: لا يا جيمي تذكر بأنني والدتك وصديقتك ووعدتك أن نبقى معاً! لن يسرق شخص ما مكاني! اليس من الجميل ان نبقى معاً؟
نعم!
اقتربت منه وجثيت على ركبتي، كان لا يزال يجلس على الكرسي فرفعت يدي أداعب شعره: أنا متعلقة بك وبوالدك أكثر مما تتصور يا جيمي.
وأنا أيضاً.
دعك مما يقوله رين يا عزيزي وتجاهله تماماً. إن أراد أن يقول لك أمراً سيئا كهذا فكل ما عليك أن تقوله له هو أنني سأحميك ولن أسمح له بأن يقول أموراً تضايقك. حسناً؟
حسناً.
أخبرني إذاً. الم يأتي شارلي بعد؟
لا.
هذا غريب!
قال بالأمس بأنه لن يأتي!
لماذا؟
ذهب مع عائلته للتخييم.
آه! هكذا إذاً. لابد وأنه يقضي وقتاً ممتعاً!
قالت عمتي كلوديا بأننا سنذهب كذلك ما أن يعود أبي. وقد نلتقي بشارلي هناك.
ظل جيمي يتحدث معي وساعدني في ترتيب الملابس، بالطبع لم يكن يجيد ترتيبها ولكنه حاول مساعدتي واستمتع بذلك.
اغلقت الخزانة واستلقيت على السرير فقلدني.
كنا مستلقيان على ظهرنا ورأسه بجانب رأسي تماما. نظرت إليه فنظر إلى بصمت.
مررت يدي على معدتي متسائلة: ما رأيك أن ننزل؟ إنه موعد الغداء تقريباً وأتضور جوعاً، قد اتناول منك قضمة يا جيمي!
ضحك بخفوت ومازحته متظاهرة برغبة في أكله.
وهكذا مضى الوقت في أمور اعتيادية ككل يوم.
وبلا شك وبشكل بديهي. استمر رين في استفزازه للجميع. وهكذا اكتشفت أنه يستحق جائزة الشخص الأطول نفساً وبالاً، والمتفرغ والأكثر إزعاجاً للبشر من حوله.
أصبح روتين يجب ان يُكسر حالاً!
أشارت الساعة للتاسعة والنصف، خرجت من غرفة جيمي وأغلقت الإنارة، ثم اغلقت الباب بحذر حتى لا يستيقض.
تنهدت بعمق والتفت لأغادر ولكنني أجفلت بشدة وأنا أرى رين يقف خلفي!
نظرت إليه للحظات فبادلني النظرات بتململ. إنه يستند على الحائط خلفه متكتفا ويبدو ضجراً!
طال الأمر حتى استغربت وتجاهلته وابتعدت ولكن الباب المجاور فُتح.
نظرت فإذا بي أرى بريتني تخرج من الحمام! لماذا لم تدخل حمام غرفتها؟
ارتفع حاجباي بينما اتجهت هي نحو رين الذي تمتم وهو يسير إلى جانبها بإمتعاض وضجر: إلى متى سأكون مضطراً لانتظرك عند باب الحمام يا بريتني!
أخي أنا أخاف من الدخول وحدي في المساء!
ما مشكلة حمام غرفتك بحق الإله! ثم لما لا تطلبي من أوليفيا بدلاً مني!
أنت رجل وستخيف الأشباح الموجودة.
أضافت بنبرة متوجسة: كما أنني أشعر بالخوف من حمام غرفتي، قال ستيف أن الحمام قد يكون مسكوناً بالأشباح لأن الغرفة كانت مغلقة لوقت طويل.
لا تصدقي ما يقوله ذلك الطفل! من الواضح أنه يحاول اخافتك، ممازحتك. أياً يكن.
غادرا الجناح فطرفت بعيناي متنهدة ووجدت نفسي أهمس: لطيف مع شقيقتاه فقط. ليته هكذا مع الجميع.
حسنا ستيف يتولى أمر إزعاج بريتني، بينما رين يتولى أمر جيمي! المنزل وللأسف الشديد مليء بذوي العقول الصغيرة وهذا أمر مخيب للأمال بالفعل. إنهما يتنافسان في ذلك وكأن كل منهما ينتقم من الآخر عن طريق هاذان الصغيران البريئان!
عدت لغرفتي وأخذت كتابا لأقرأه بإندماج. وهذا ما ساعدني على الإسترخاء ثم النوم.
صوتُ طرقات على الباب جعلني أفتح عيناي بتثاقل.
نظرت من حولي فوجدت اشعة الشمس تتربص لي كعادتها من سقف الغرفة الذي لم أرغب في إغلاقه لأنه يذكرني بكريس كثيراً وهو الأمر الوحيد الذي يستفزني ثم سرعان ما يساعدني على استعادة نشاطي بسرعة.
اعتدلت قليلا فعاودت الطرقات تزعجني.
أسرعت أقول: من هناك؟
أتى صوت لطيف: إنها أنا يا آنسة شارلوت.
آه. إنه صوت آنا.
أضافت بهدوء: هناك اتصال لك اتحبين أن أحول المكالمة على الهاتف الموجود في غرفتك؟
قلت بنعاس وتثاقل: سأكون شاكرة لكِ يا آنا.
وقفت متجهة إلى الحمام اغسل وجهي بأسرع ما يمكن واتجهت للهاتف لأرفع السماعة: مرحباً؟
أتى صوت قلق ومتضايق: شارلوت.
أ. أمي!؟
تمتمت بحيرة: صباح الخير أمي! ما الأمر؟ هل هناك خطب ما!
شارلوت. إيثان أخذ حقيبة ملابسه وغادر المنزل للتو.
هاه!
غادر قائلا بأنه سيعود للمدينة التي كان فيها وأخبرني ألا ننتظر عودته! ما الذي حدث بحق الإله يا شارلوت ألا فكرة لديك؟
أمي ما الذي تعنيه! هل سيسافر أم.
لا أدري! خرج وحسب وقرر كل شيء وحده، حاول والدك إيقافه ولكن بلا جدوى، سام أراد أن يتبعه ولكن كل شيء حدث بسرعة.
إلى أين! اتصلي به فوراً يا أمي واسأليه عن.
إنه يتجاهل مكالماتنا.
هذا المجنون! أيعقل بأنه. كان جاداً في تهديده!
اتسعت عيناي وقلت بحزم: أين سأجده؟ ألا فكرة لديك!
أيكون قد ذهب للمطار؟
عضيت شفتاي وأسرعت أقول: سأتصل بك لاحقا.
أغلقت الهاتف وغيرت ملابسي بأسرع ما لدي وخرجت من الغرفة لأنزل الدرج حتى أنني ضربت كتف رين الذي كان يصعد الدرج ووقف يحدق إلي!
تجاهلته وعندما وصلت إلى الردهة دفعت إحدى الخادمات دون قصد كذلك ليقع الكوب الذي كانت تمسكه فصرخت على عجلة: آسفة!
فتحت باب المنزل وفي طريقي للخروج من المنزل سمعت ستيف يتساءل: إلى أين يا شارلوت!
لم أجبه بل أسرعت متجاهلة كل شيء.
إيثان المختل.
لماذا! لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟! لا يمكنه أن يكون جاداً هكذا. ظننته مجرد تهديد سخيف!
سمعت ستيف يقول بصوت عالي: شارلوت أيتها الحمقاء! كريس سيأتي بعد قليل إلى أين أنت ذاهبة!
كريس سيأتي! أنا لم أجد الوقت لأرسم ابتسامة سعادة على ثغري حتى!
زميت شفتاي وأكملت طريقي لأخرج من المنزل.
ركبت سيارة أجرة ومن الجيد أنني أملك بعض المال. أخبرته أن يتجه للمطار الذي يقع على نهاية حدود مدينتي.
أحمق. أحمق وبشدة!
ظننت بأنه هددني بذلك لأبتعد عن كريس فقط.
تصرفاته باتت غير معقولة!
شعرت بالدوار قليلا بسبب حدوث كل شيء فجأة فأرحت رأسي على المقعد وتنهدت بعمق شديد.
تحركت دون شعوري مني. وركضت مسرعة.
إنه أخي في النهاية.
ولا أريد أن أكون السبب في إبتعاده عن أمي وأبي وسام.
لا أريده أن يشعر بأنني لا أبالي به أو بمشاعره.
علي أن أتفاهم معه.
ويجب أن أردعه عن السفر ليتراجع ان أفكاره المتهورة هذه!
لا أضمن تمالكي لأعصابه أمامه فربما أفقدها تماما وينشب شجار بيننا، أخيراً بعد زمن من الانتظار أوقف السائق السيارة فأعطيته النقود ونزلت لأدخل المطار بخطوات واسعة.
أخرجت هاتفي من جيبي واتصلت به لعلني اسمع رنين هاتفه بالقرب مني مثلاً.
أين هو!
لا أراه!
كنت مستمرة في النظر من حولي في وجوه الجميع حتى أن بعضهم كانوا يرمقونني بحيرة وإستنكار.
أيكون هاتفه على الوضع الصامت؟ تسارعت أنفاسي جراء التوتر وتبعثر شعري لتحريكي لرأسي بسرعة دون توقف.
لماذا لا أراه؟ ازدردت ريقي بصعوبة مفكرة. ماذا لو غادر وانتهى الأمر؟ ماذا لو لم يكن هنا أصلاً وتأخرت!
عقدت حاجباي بإستياء شديد ورفعت الهاتف مرة أخرى على أمل أن يجيب. وبينما أنتظر التفت قليلا إلى زاوية ما، تحديداً نحو شخص يرتدي معطفا أزرقاً طويلا وداكناً، ممسكاً بحقيبة يجرها معه متوسطة الحجم.
لا داع لرؤية وجهه. أعرفه جيداً! إنه هو. لا شك في هذا!
ناديت بإسمه بصوت عالي دون شعور فوقف يبحث من حوله عن مصدر الصوت حتى انتبه لي واتسعت عيناه قليلاً.
ظل ينظر إلى وكأنه غير مستوعب. ولكن سرعان ما قلب عينيه بملل واكمل طريقه!
ركضت نحوه وعندما وصلت إليه اعترضت طريقه لأقول بغضب: ما معنى هذا؟
ولكنه فاجأني بقوله ببرود: ماذا؟
لماذا قررت أن تسافر فجأة؟!
لم يكن القرار مفاجئا. أخبرتك قبل أيام بأنني سأفعل هذا! ليس وكأن كل شيء قد حدث على غفلة!
لم أكن لأتخيل أنك مختل إلى هذه الدرجة يا إيثان!
أنتِ تعرقلين الوضع وحسب.
قالها وهو يتجاوزني فأسرعت أقف أمامه بعين غاضبة، زفر بإنزعاج وقال بتحذير ممتعض: ابتعدي.
لا! أتعلم بأن أمي قلقة وخائفة؟! لماذا تتصرف بهذه الطريقة؟ بسبب كريس فقط؟ أنت غير معقول البتة!
احتدت عيناه الخضراوين ثم قال بحزم: لست مستعداً لأعيد كل كلمة قلتها مسبقاً. ابتعدي يا شارلوت.
ماذا عن أمي وأبي؟
وقف لبرهة ونظر إلى بطرف عينه ثم همس: أنا لا أتجاهلهما، ولكنني بحاجة للإختلاء بنفسي.
ضاقت عيناي متمتمة: هكذا إذاً.
أردفت بسخط مفاجئ لفت الأنظار من حولنا: لماذا أشعر بأنك تشير إلى أنني أصبحت سبب تعاستهما الآن؟ هل تحاول التلميح إلى أنني السبب في رحيلك وأنا السبب في مشكلتك مع كريس وأنا السبب في كل شيء! الن تتوقف عن إقحامي في مشكلتكما؟ الن تفهم أن هذا لا يعنيني؟
ظل يحدق إلى بصمت وثبات غريب فبللت شفتاي مشيحة بوجهي.
إن غادر.
فوالداي سيستاءان بالفعل ولاسيما وأننا لم نرى إيثان منذ فترة طويلة.
وإن وافقت فأنا بلا شك سأبتعد عن كريس.
ولكن.
في المقابل أمي وأبي. انا لن أقدم مشاعري عليهما بالطبع!
ينتابني شعور. إنكسار وإستياء. ، أن يكون أخي هو العقبة الأكبر لهو أمر مؤلم حقاً! اليس بوسعي فعل أي شيء يقنعه بأن يتركني وشأني ولا يقحمني في مشكلته؟ يا الهي.
وجدت نفسي أهمس بيأس: أنت لم تكن هكذا.
أنا هكذا الآن.
أردف بإنزعاج: إن كنت قد انهيت حديثك فأرجوا ان تتركيني أكمل طريقي حتى لا أتأخر.
رفعت عيناي نحوه وبعثرت شعري الذي لم أستطع حتى رفعه لعجلتي وخروجي مسرعة.
أدرك إلى أي مدى هو عنيد، وأدرك أنه لن يتنازل ولو رجوته آلاف السنين الضوئية، هل هذا يعني بأنني من ستتنازل مجدداً! ألم أفعل هذا مسبقا عندما خشيت ان يكتشف أمر زواجي بكريس؟ لقد كنت أهتم بردة فعله طوال الوقت!
ان انفصلت عن كريس. فربما سأغدو مجنونة وهذا أمر لا يقبل الشك! لأنني أفهم جيداً كم أسر عقلي وجوارحي.
هل على فعل هذا مؤقتاً؟ الموافقة على الإنفصال منه ظاهريا فقط؟ هل أخاطر؟
ماذا لو فشلت!
ولكن. ليس وكأن كل شيء يسير في طريق مستقيم، الوضع ليس على ما يرام ومتوتر كثيراً. ربما على التصرف بالفعل.
لنعد يا إيثان للمنزل.
رفع حاجبه الأيسر فقلت: ماذا؟
ما الذي تعنينه؟
اليس واضحا ما أعنيه.
جمدت ملامحه قليلا ثم نظر من حوله لبرهة وبدى يفكر ثم تمتم: أتعلمين ما يعنيه هذا؟
نعم.
أضفت متنهدة: أنا مدركة تماماً لما أقوله. لنعد.
لمعت عينيه بشيء غريب جداً عجزت عن تفسيره! ظل واقفا يحدق إلى وشعرت به غير مقتنع، أخفيت إرتباكي وأمسكت بالحقيبة التي معه متمتمة: هيا.
سبقته في العودة وشعرت به يتبعني بخطوات هادئة جداً.
حسناً. كان هذا قراري في النهاية، لا يمكنني لوم أحد.
يكفيني أن أعرف ان كريس سيخرج اليوم ويعود للمنزل. ولكن، أن يعود وأنا غير متواجدة! كيف ستكون نظرة عائلته لهذا الوضع المريب؟ أن يخرج من المشفى ولا تكون زوجته في استقباله. هذا أمر غير معقول! كيف قد يفكر جوزيف وأبناؤه؟ السيد ماكس الذي لم أخبره عن خروجي.
لماذا أشعر أنني أسقط باستمرار ولا أخرج من هاوية المشاكل؟
ركبت بجانب إيثان والتزمت الصمت طوال الوقت.
شارلوت. موافقتك تعني ابتعادك عنه تماما حتى ننهي موضوع زواجكما رسمياً، إن كنت قد قررت بنفسك فإياك وتخييب أملي لاحقا.
نظرت إليه لثوان ثم قلت وأنا أرخي المقعد للخلف: كف عن الثرثرة فأنا أشعر بالنعاس الشديد. استيقظت فزعة من النوم بسببك.
رمقني بطرف عينه لبرهة ثم عاود ينظر للطريق بينما أغمضت عيناي واخذت وضعية الإستلقاء وأعطيته ظهري مخفية الدموع التي تسللت لعيناي.
اهذه هي نهاية الأمر؟ ببساطة هكذا؟
لقد.
تعبت كثيرا وتنازلت عن أمور لا تعد ولا تحصى من أجل البقاء مع ذلك المختل.
وفي النهاية.
أبتعد دون أن أستقبله حتى! حتى لو كنت أفعل هذا كحل مؤقت. ماذا لو دام طويلاً بعدها!
فتحت عيناي قليلاً انظر للنافذة بضيق شديد.
حسناً.
إنها نهاية الأمر كما يبدو. لم يكن ليستمر على أي حال.
الكثير من المشاكل والخلافات كانت بيننا.
كما أنه رفض مشاعري واعترافي له فما المشكلة إذاً؟ ليس هذا وحسب. لقد خرجت من المنزل دون إعلام أحد ما وسيستاء جيمي كثيراً ويظنني قد تركته مجدداً! كيف عساني أقنعه بعد ان خيبت أمله مرة؟
عندما وصلنا إلى حيّنا اعتدلت ورتبت مظهري، أوقف السيارة أمام المنزل و ترجل دون كلمة وكذلك فعلت. ولكنني احترت كثيرا لصمته طوال الطريق! لم ينبس ببنت شفة! الا يفترض ان يكون مسروراً وهو يشعر بالإنتصار مثلاً؟
عندما فتح باب المنزل ودخل، تبعته وحينها قابلنا أمي التي كانت تجلس على الدرج المؤدي للغرف بوجه شاحب وهي تحدق إلى شاشة هاتفها، انتبهت لنا فوراً وحينها انفجرت بغضب وقالت بحزم: ما الذي تظن نفسك فاعل! تخرج بحقيبتك وتعود فجأة ل.
ولكنها استوعبت وجودي كذلك فحدقت إلى بعدم إستيعاب.
أتى سام من المطبخ و نظر إلى وإلى إيثان بعدم فهم! حتى تمتم بحيرة: شارلوت! ما الذي تفعلينه هنا؟
تساءلت ممازحة: هل أعود من حيث أتيت؟
نفيت أمي بعدم تصديق: كيف أقنعت هذا المتهور المدلل بالعودة.؟
تجاهل إيثان حديثنا وصعد للأعلى فنظرت إليه بصمت.
تركني في هذا الموقف وحدي!
يعتمد على أم يورطني وحسب؟! ثم ما خطبه يتصرف بغرابة هكذا؟ لماذا لا يبدو سعيداً بعد تحقيق رغبته؟
زفرت بملل: أمي الطريق كان طويلا ولا نية لدي في شرح شيء الآن.
شعرت بنظرات سام المتمعنة فتقدمتهم نحو المطبخ أمرر يدي على معدتي: أنا جائعة جداً.
أردفت بحيرة: بالمناسبة أين أبي؟
أجابتني أمي بتلعثم: خ. خرج مبكراً للعمل. شارلوت هل أقنعته بالعودة أم أنكِ هنا لسبب آخر؟ كيف حدث هذا!
ابتسمت لها بهدوء: أقنعته بطريقتي يا أمي. لا تناقشيه في الأمر حتى لا ينزعج، كما أنني أتضور جوعاً وجسدي لم يعد يحتمل!
بللت شفتيها ونظرت لسام الذي بادلها النظرات بهدوء واتجه لغرفة الجلوس قائلا: عائلة مزعجة. على ان أسرع لأجد زوجة تريحني من هذه المشاكل.
ابتسمت لتعليقه بينما اقتربت أمي هامسة: أخبريني. هل كان حقا سيسافر؟
أومأت برأسي بصمت وأنا أفتح الثلاجة باحثة عن شيء أسد فيه جوعي.
ما الذي قلته له ليتراجع؟
أمي. أريد ان نؤجل هذا الحديث قليلاً.
بدت منزعجة والفضول والقلق يغلفها ولكنها تنهدت بإستسلام: اذهبي انت وسأعد لك فطوراً سريعا.
لم أعترض وإنما خرجت وخلعت سترتي وذهبت لغرفة الجلوس ورأيت سام الذي يشاهد التلفاز بإندماج.
رميت السترة عليه فأنزعج والقاها على بقوة.
جلست بجانبه بصمت واسندت رأسي على كتفه فابتسم بسخرية: أعلم أن إيثان استخدم حيلة ما لتعودي برفقته إلى المنزل.
لم أعلق فأردف: شارلوت. عليك أن تفهمي أن تأديتك لدور الفتاة التي تضحي لأجل الآخرين ستكون سبب لتعاستك وحسب. قد تندمين على هذا!
ابتعدت عنه قائلة بإستخفاف أخفي توجسي: هذا على غير المعتاد. منذ متى تتحدث كالحكماء؟
انزعج معترضا: أنا حكيم ورزين، لكن لا أحد منكم يقدر هذا!
فليكن.
أردفت برجاء بنبرة عالية وانا اسند رأسي على الأريكة: أسرعي يا أمي أرجوكِ أنا جائعة حقاً!
همس متثائباً بملل: أنا أيضا لم أتناول شيئا بسبب أخيك الأحمق. كما أنني استيقظت مبكرا بسببه.
سمعنا صوت إيثان الذي قال من الأعلى: سام. أحضر الحقيبة من السيارة رجاءاً.
صرخ سام: هاه! ولماذا أحضرها لك؟ لديك قدمين وذراعين اذهب واحضرها بنفسك كما اخذتها.
تدخلت قائلة بصوت عالي وأنا أجاري الوضع: إنه محق! فلتذهب بنفسك وكف عن الإعتماد عليه في كل شيء!
أتى صوته منزعجاً: اللعنة عليكما.
صرخ سام وهو يلحن كلماته: أمي شخص ما يتفوه بألفاظ سيئة.
ضحكت ساخرة: حسنا يا معسول اللسان.
أصمتِ أنتِ.
بعدها نزل إيثان ليحضر الحقيبة بنفسه بإذعان.
وتساءلت حينها إن كان يجاري الوضع، أو يتظاهر بأن لا شيء قد حدث.
أي خيار يا ترى؟
ولماذا أتصرف أنا وكأن شيئاً لم يكن؟!
كريس قد يكون في المنزل الآن. ربما عاد وتفاجأ بغيابي.!
أردت رؤيته واستقباله بشدة! حسنا لن أستقبله بحفاوة ولكن.
بتر أفكاري سام الذي وقف مسرعا: آسف يا شارلوت ولكنني سأتناول حصة كبيرة من طعامك.
هاه!
أسرعت أقِف لأتبعه بإمتعاض: لقد أعدته من أجلي يا سام.
سام يعلم أنني أتألم بصمت، وأنا أدرك أن إيثان يبدو غريبا بتصرفاته على عكس المتوقع، وربما هو يفهم أنني لن أتوقف عن حب كريس ببساطة!
مع أنني أتصرف بطريقة طبيعية ولكن. أنا مهزوزة بشدة من الداخل وتنتابني رغبة في الفضفضة لأي شخص!
انقضى الوقت حتى عاد أبي ودُهش بوجودي في المنزل.
بالطبع لم أخبره بما حدث وإنما قلت بأنني عدت لأجلس مع الجميع وحسب.
ظل يسألني عن كريس وكل شيء متعلق به. وأنا اراوغ حديثه أو أجيب بما يناسب فقط وبإختصار تام.
إنها الثامنة الآن. كنا على مائدة العشاء حين تعالى رنين هاتف المنزل.
ليقف إيثان ويتجه للهاتف في الردهة، تساءلت أمي مفكرة بحيرة: من يكون يا ترى.
رفعت كتفاي بلا إكتراث ظاهري.
وأكملت تناول العشاء. لحظات حتى عاد إيثان.
ليسأله أبي بهدوء: من المتصل؟
أجابه وهو يجلس: صديق ما.
اكتفى بقول ذلك وعاد ليأكل الطعام دون أن يعلق بشيء.
نظر سام نحوه بتمعن خفية ثم نظر للطبق بهدوء.
أما أنا.
فلا أدري لماذا القيت بكل شيء خلف ظهري.
لربما اكتفيت ولم أعد أريد الإهتمام في أي شيء.
لا أريد. عقلي لم يعد يحتمل المزيد والإضراب عن التفكير هو الحل الأمثل الآن.
بعدها شعرت بالشبع دون أن أنهي طعامي. وغادرت المائدة قبلهم.
لحظات حتى انتهى الجميع وساعدت أمي ثم أخبرتها أن تترك أمر الأطباق وغسلها لي.
وبينما كنت أغسل الأطباق وأمي تمسح الطاولة وترتبها أتى سؤالها بهدوء: شارلوت. الن تخبريني بما حدث اليوم.؟
أمي.
قلتها بهدوء وجدية مردفة: لقد عدت للمنزل برغبة مني وصدقيني لا داعي لذكر أمور أخرى.
ما الذي تقصدينه.؟
أقصد. بشأن كريس والمغادرة وإلى آخره من أمور مشابهة.
هل تشاجرت مع كريس؟!
لا. كل شيء بخير لا تقلقي.
كيف لا أقلق يا ابنتي وانت تتحدثين بطريقة مبهمة! ماذا عن إيثان؟ لماذا عاد ببساطة؟
اقنعته بالعودة.
وكيف ذلك؟
تنهدت بعمق: أمي. أرجوكِ.
ثم نظرت إليها برجاء: دعي هذا الموضوع جانباً لفترة مؤقتة. أعدك سأوضح لكِ الأمور لاحقاً.!
وضعت يدها خلف عنقها بتعب: ستفقدانني عقلي!
ثم خرجت من المطبخ والإنزعاج والقلق على باد على وجهها.
أكملت غسل الأطباق بإستياء، لا أريد لها أن تقلق ولكن إخبارها بما حدث سيفقدها عقلها. لو علمت انني عدت لأجل إيثان فربما ستطردنا نحن الإثنان من المنزل! لا سيما وأنها تقتنص الفرص لتعويض كريس عن كل شيء.
عندما أنهيت غسيل الأطباق أسرعت بالإستحمام بماء دافئ.
استلقيت فيما بعد على السرير تحت الغطاء، لم أغلق إضاءة الغرفة وإنما خففتها فقط، كما لم يكن هذا بيدي فعيناي تدمعان مفكرة بشأن كريس وإن كان بأفضل حال الآن.
طُرق الباب فقلت بتكاسل: تفضل.
دخل سام الذي كان محتارا ليقول: شارلوت! اتصل السيد ماكس منذ لحظات ليسأل عن سبب مغادرتك فجأة! هل حقا خرجت دون معرفة أحدهم؟! هل تعلمين أن أمي وأبي قد يقتلانك لو اكتشفا الأمر؟!
اتسعت عيناي واسرعت أعتدل! السيد ماكس اتصل بنفسه؟! يا الهي.
أسرعت أقول بهدوء: ستيف يعلم بالأمر مسبقا!، أقصد. لقد رآني أخرج!
ماذا عن البقية؟
لم أخبرهم.
هااه!
أضاف بعدم استيعاب: الن تتصلي به؟ يقول بأنه عليك التحدث معه.
سام. سأتصل به بنفسي فيما بعد.
ثم همست بحيرة: بذكر ذلك. أين وضعت هاتفي يا ترى.
زفر بنفاذ صبر وخرج من الغرفة فبحثت عن هاتفي حتى وجدته في جيب معطفي الذي علقته خلف الباب.
إنه مغلق. لقد فرغت بطاريته، لذا قمت بشحنه وانتظرت قليلاً.
لم يكن قد انتهى شحن البطارية ولكنني فتحته بإهتمام واستلقيت على بطني على السرير، بحثت فيه لأرى الكثير من الإتصالات الواردة.
وبعض الرسائل.
فتحت أول رسالة ليتضح أنها كانت قبل ساعة من الآن فقط!
قرأتها بحيرة.
إلى أين ذهبتِ بحق الإله؟
سحقاً! إنه كريس، خفق قلبي بشكل متسارع جداً.
ازدردت ريقي بتوتر. وأنا أقرأ الرسالة الأخرى الواردة عند العاشرة صباحاً أين أنتِ تحديداً؟!
وكذلك أخرى عودي قبل أن أجبرك!
بالرغم من أن جملته تلك كانت مجرد تهديد وتسلط.
إلا أنني. لسبب ما شعرت بالسرور!
عاودت أقرأها مِراراً وتكراراً.
حتى انتفضت بدهشة عندما بدأ هاتفي بالرنين واسم كريس على الشاشة! اتسعت عيناي واعتدلت جالسة بقلق، هل أجيب؟
لا. الحل الأمثل هو هذا.
لحظة. م. ما هذا الغباء الذي قمت به.
كان على ان أنتظر قليلا قبل أن أغلقه! لقد فعلت هذه الفعلة الغبية فيما مضى ولم أتعظ بعد!
تنهدت بعمق وقد كانت تنهيدة مرتجفة دلالة على رغبة مكبوتة للبكاء، وضعت الهاتف على المنضدة ووقفت أمام النافذة أتأمل السماء الملبدة بالغيوم الداكنة التي تنذر بهطول المطر.
يا تُرى ما الذي يفعلونه الآن؟ أيكون كريس يتشاجر مع رين؟
أو رين يستفز الجميع كعادته؟ هل تناولوا عشاءهم معاً؟
أو يجلسون جميعهم في غرفة الجلوس يتبادلون أطراف الحديث؟ أو ربما يوجد حرب وضحايا في المنزل الآن.
استندت على طرف النافذة وانحنيت أحدق إلى الشارع بشرود.
أستطيع سماع هاتف المنزل بسبب الهدوء الشديد.
إنه يرن!
وسام بالطبع من أجاب. هل السيد ماكس اتصل مجدداً؟
علي أن أقول لسام ألا يجيب.
فأنا ليس لدي ما أقوله لهم!
كيف أبرر رحيلي هذا؟ بأنني رحلت لأجل أخي وتركت المنزل؟
إيثان كان سيرحل فأسرعت لأوقفه؟
يا الهي. هذا الأخ الأحمق بحاجة للنظر إلى الأمور من زاوية أُخرى.!
إلى متى سيحقد على كريس؟ وإلى متى كريس سيرفض التنازل؟
هاذان الإثنان. يقودانني للجنون!
انتشلني من أفكاري صوت الرعد المُفاجئ فابتسمت بشكل تلقائي بحماس أنتظر اللحظة الحاسمة لهطول المطر.
لحظات قليلة حتى سمعت باب غُرفة أمي وأبي يُغلق.
إنه موعد نومهما.
أبي يذهب للعمل عند السابعة والنصف ولن يقوى على السهر، في حين سام سيسهر وحده لوقت متأخر كعادته ويستيقظ قرب الثانية عشر ظهراً.
لفت انتباهي سيارة وقفت أمام البيت المجاور. إنه منزل السيد أورتن.
حدقت إلى السيارة التي أعرف جيداً من يكون صاحبها، انه جوردن.
ترجل من السيارة ممسكاً ببعض الأكياس وأسرع ليدخل للمنزل واضعا إياها في الداخل ثم عاود يخرج ليركب سيارته ويضعها في الموقف.
بالتفكير بالأمر.
جوردن بدى مذهولاً جداً عندما علم بأمر زواجي، شعرت حينها بأنني خائنة قاسية القلب!
أراد رؤيتي والإطمئنان على ولكن كان يقف أمام موقف صعب أمام لسان كريس الوقح! كل هذا بسبب الأحمق إيثان.
هذا لؤم منه!
رأيته يدخل المنزل ويغلق الباب فتنهدت بعمق هامسة بشرود: ربما لو قدرت مشاعر جوردن مبكراً قبل لقاء كريس لكنت وقعت في حبه بلا شك. إنه على كل حال طيب ولطيف والأهم أنه ليس مغرورا بذاته وواثق من نفسه إلى درجة مثيرة للغثيان.
غريب هو الحب. أنا أحب كريس، في حين لا يبالي بمشاعري أو يقدرها، جوردن يحبني بينما لا أنظر إليه سوى نظرة أخوية، تيا تحب أخي المدلل الذي لا يريد التنازل لأجل إعادة المياه إلى مجاريها، ما كل هذا السخف! ما هذه التشابكات السخيفة!
أجفلت قليلا حين شعرت بشيء بارد يستقر على شعري. وشيئا فشيئا ازداد وادركت أن المطر بدأ يهطل.
أعشقه إلى حد الجنون وأعشق صوته، والرائحة التي ينشرها في الأجواء حين يبلل الأرض ويرطب المكان.
ابتسمت بهدوء وراحة. ولكنني سرعان ما تذكرت أمر الهاتف فأسرعت لأفتحه، وما أن فعلت حتى استنكرت صوت إشعار لوصول رسالة إلى هاتفي مسبقاً.
من يكون الآن! لا يمكن أنه كريس مجدداً!
زميت شفتاي وعدت إلى النافذة المفتوحة ممسكتاً بالهاتف بيد مرتجفة.
كما توقعت.
ما الذي يحدث! لماذا أغلقت الهاتف؟ ماذا تظنين نفسك فاعلة؟
وأخرى تليها سأمهلك فرصة للغد فقط، إن لم تعودي فسأجلبك بنفسي و القنك درساً
مع كل حرف في رسائله قلبي يخفق بشدة وبسرعة غريبة!
هل هذا. شعور سعادة أم قلق. ماذا يكون تحديداً؟!
كالعادة رسالته كانت تهديداً آخر ولكنني لم أشعر بذلك!
بل سررت وحسب، حتى لو كان يطلب عودتي لمجرد إرضاء غروره. فكل ما أريده هو رؤيته. أنا لا أبالغ لو قلت بأن كل ما أتمناه في هذه اللحظة هو الإرتماء في أحضانه دون ان ابتعد!
بدأت أعي أنني أصبحت متهورة بشكل غير معقول، لا سيما بعد اعترافي المشؤوم ذاك! هل من ردة فعل مجنونة قد تبذر مني لاحقا يا ترى؟
تيا:
استيقظتُ بفزعْ عندما تهاوى على مسامعي طرقات سريعة على الباب والجرس يرن دون توقف!
اعتدلت محاولة الإستيعاب متأكدة ما إن كان أحد أصوات التأثيرات في الحلم أم واقع!
ولكنه. واقع!
ركضت لأغسل وجهي ثم اتجهت للباب فوراً لأقول بإنزعاج: من هناك؟
أتى صوت ممتعض: افتحي يا تيا.
كريس!
فتحت الباب بدهشة فدخل بملامح منزعجة!
كنتُ قد أوصلته في الأمس للمنزل فور الإذن بخروجه من المشفى وكان في مزاج عادي وهادئ فما خطبه الآن!
جلس على طرف الأريكة فقال بحدة: هل تعرفين لماذا غادرت شارلوت؟
ارتفع حاجباي بعدم فهم: شارلوت قد غادرت!
حين رأى ردة فعلي زفر وهمس: هذا ما ينقصني.
أغلقت الباب وأسرعت نحوه: أخبرني ما الأمر! اوصلتك للمنزل في الأمس ولكنني لم أجرؤ على الدخول، لا رغبة لي في الإحتكاك بعائلة جوزيف كما تعلم. اشرح لي ما الذي حدث!
لقد تركتْ المنزل فجأة ولم تخبر أحد! لماذا بحق الإله غادرت هكذا!
متى غادرت؟
قبل أن توصليني. لم تكن هناك.
هل اتصلت بها؟
اتصل ماكس في منزل عائلتها، إيثان من أجاب وقال له ألا يسأل عن شارلوت! ما الذي يعنيه هذا؟
هاه!
عاود يتصل مجددا فأجابه سام ولكن يبدو أن شارلوت رفضت التحدث. اتصلت بنفسي لاحقا فلم يجب أحدهم على الهاتف. راسلتها على هاتفها فأغلقته تماماً! إنها تتجاهل رسائلي كذلك! لماذا لم تكن في المنزل؟ لماذا غادرت هكذا!
كان يتحدث بغضب ونفاذ صبر فأسرعت بتهدئته: اهدأ يا كريس ربما غادرت من أجل أمرٍ طارئ.
احتدت عيناه العسليتان وشبك يديه هامساً: سأرى إن كان الأمر يستحق المغادرة، على أن أذهب بنفسي لأرى ما حدث.
أردف مفكراً بإقتضاب: ولكنني قدت السيارة بصعوبة.
فهِمتُ ما يرمي إليه فتنهدت: حسناً سأذهب معك ولكن من الأفضل أن تخبرهم بزيارتك!
لا.
ماذا؟ ستقتحم المنزل فجأة؟
ربما. تبدو فكرة جيدة.
تنهدت بإستسلام واتجهت للمطبخ وسكبت بعض الحليب لأشربه مفكرة في ما فعلته شارلوت!
هذا غريب.
إيثان قال للسيد ماكس ألا يسأل عنها.
لماذا؟ ما الذي أقنع شارلوت بالمغادرة هكذا.
أيعقل؟ هل فعل إيثان ذلك متعمدا؟ هل لجأ بنفسه إلى إرغامها؟
عدت لغرفة الجلوس بصمت فرأيته يلمس مكان الجرح بتقطيبة خفيفة بين حاجبيه.
قلت نافية بلا حيلة وبتبرم: أخبرك الطبيب أن تتحرك بهدوء وألا تقف فجأة أو تصرخ لأن هذا سيؤثر على الجرح.
لقد التئم.
ولكن الألم لن يختفي بهذه السرعة! أنت لست الرجل الأخضر أو الحديدي! يا الهي الرحمة قليلاً. استيقظ مبكرا قبل ان يرن منبه الهاتف وأصبح على جسارتك وغضبك!
تجاهلني مشيحاً بوجهه ثم أرخى ظهره على الكرسي هامسا بغضب: يكفي أنني أمسيت في الأمس على وجه رين، استيقظت مبكرا لأتجنبه.
لا تقل لي بأنك تشاجرت معه!
لست متفرغا له.
أملت برأسي: هذا أفضل. تجاهله دائماً ولا تجعله يستفزك.
حسنا إنني أسدي النصيحة بالرغم من غياب السبب عني، فأنا لا زلت لا اعلم شيئا عن حقيقة علاقتهما! ولأكن أكثر دقة أنا لا أعرف شيئا عن كريس قبل لقائي به منذ أربعة عشر سنة. ما حدث قبل بناء هذه الصداقة هي أمور يرفض التحدث عنها.
بعثر شعره بينما تساءلت: متى ستذهب إليهم؟
بعد عودتك من الشركة مباشرة.
حسناً إذاً.
ثم حدقت إليه لبرهة ووجدت نفسي أقول: أخبرني. لماذا أنت منفعل جداً لمغادرة شارلوت؟ كنت تتصرف بلامبالاة تجاهها فلماذا الآن فقط؟ الا بأس بالتلميح بمشاعرك الآن؟
رمقني بنظرة سريعة والتزم الصمت ولم يعلق ولو بكلمة.
حسنا هو لن يقول شيء.
رفعت كتفاي بإستسلام و دخلت غرفتي لأستحم ثم ارتديت ملابس العمل الرسمية وعرض على أن يوصلني للشركة.
قلت بسخرية: أتمازحني؟ ماذا عن.
لم يعد يؤلمني!
أردف بهدوء: سأوصلك وأعود للمنزل. ثم سأمر عليك لنذهب معاً. وفي طريقنا إلى هناك قومي بقيادة السيارة عني.
هل أنت متأكد؟
أمال برأسه بصمت وهكذا أوصلني بالفعل.
شارلوت:
كنت أساعد أبي في غسل السيارة ونحن نتحدث ونمازح بعضنا.
شهقت مجفلة حين سكب الماء على وابتسم بسخرية فقلت بإنزعاج: أبي! الجو بارد لماذا فعلت ذلك.
أنتِ من بدأ. أخبرتك ان تنتبهي إلى ما توجهين الماء عليه ولكنك بللتني.
لم أكن أقصد كما تعلم!
نحن الآن متعادلان.
امتعضت وأمسكت بالقماش المليء بالماء ورميته عليه كانتقام سريع.
هل تعلمين بأنك ضربت والدك للتو؟
ضحكتُ بخفوت: نعم.
أمضينا الوقت ونحن نغسل السيارة حتى أتى سؤاله بهدوء وهو ينظف العجلات: شارلوت. هل أخبرك إيثان بشيء ما؟
نظرت إليه لبرهة ثم مسحت زجاج النافذة هامسة: مثل ماذا؟
لا أدري. ولكنك تتصرفين معه بغرابة!
لم ألاحظ هذا. كيف تراني أتصرف يا أبي؟
أنا حقا لا أعلم. ولكن هناك أمر ما في تصرفاتكما معاً. أنتِ تبالغين بالضحك منذ الأمس يا شارلوت وكلما سألناك بشأن كريس تراوغين الموضوع.
لم أكن أعلم أن مبالغتي في الضحك أمر مزعج.
قلتها بسخرية محاولة عدم إظهار أي شيء لأبي.
ولكن.
لا فائدة فلقد القى بنظرة سريعة على وتنهد: انت حرة. لن أجبرك على قول أي شيء. كنت قلق لا أكثر. يمكنني استدراجك في الحديث كما تعلمين. لقد كنت ولا زلت الوسيم الذي يجيد اسر الفتيات بكلماته!
لما لم تأسرني وتستدرجني إذا!
الم تنتبهي لما قلته؟ لقد قلت الفتيات فقط.
عضيت على شفتي بغيض فضحك بسخرية.
لحظات حتى رأينا سام الذي خرج من الباب ونظر إلينا متمتما بتسلط: يوجد بعض الطين على العجلات يا أبي، امسحه جيداً، وأنتِ يا شارلوت النافذة مازالت متسخة.
هدده أبي برش الماء عليه وإفساد مظهره المتأنق فانسحب بسرعة وغادر ذاهبا لمكان ما.
بينما أكملنا ما نفعله حتى انتهينا أخيراً.
عاد أبي للداخل وتبعته لأدخل أنا أيضا.
شارلوت.
سمعت إسمي بصوت مألوف فالتفت لليمين لأرى جوردن الذي كان قد خرج للتو من المنزل.
فغرت فاهي قليلا قبل أن ازدرد ريقي بصعوبة، كان يتقدم بوجه هادئ وهو يرسم ابتسامة صغيرة! كيف على التصرف معه؟ بطريقة طبيعية؟! أم على تغيير اسلوبي بطريقة ما! ماذا لو جرحته أكثر؟
أتى سؤاله المحتار ليقاطع حبل أفكاري: منذ متى وأنتِ هنا؟
نبرته طبيعية.
هل يتظاهر؟ وجدت نفسي أجيبه بوجه بشوش: عدتُ في الأمس فقط.
لماذا!
اشتقت إلى عائلتي.
قلتها وأنا أرفع شعري الذي تناثر بعد حرب الماء مع أبي في هذا الجو البارد، ثم تنهدت: جوردن أنا آسفة لما قاله لك كريس ذلك اليوم. وبالمناسبة الكعك كان لذيذ جداً. كما أنني لم أقصد إخفاء الأمر عنك وما شابه، كل ما حدث أنني لم أجد فرصة وحسب.
ظل يحدق إلى بشيء من الشرود حتى اجفلت ليده التي رفعت خصلة من شعري أعلى جبيني و بدى وكأنه استوعب ليقول مبتسما بمرح: خصلة متمردة.
أردف بحيرة: هل أعجبك حقاً؟
ن. نعم. كان هشا ولذيذا بالفعل.
قلتها بتلعثم وارتباك، ثم أخفيت هذا التوتر مبتسمة بهدوء، لقد تجاهل ما قلته بوضوح. هل أتجاوز الأمر أنا أيضاً؟
شارلوت ما الذي تفعلينه في الخارج؟
كان صوت ابي الذي صرخ متسائلا فأجبته بصوت عالي: أتحدث مع جوردن يا أبي.
بعدها شعرت بوجوده خلفي فاستدرت بينما كان ينظر لجوردن بحيرة وتساءل: جوردن. صباح الخير، كيف حالك يا بني؟
ابتسم جوردن: أنا بخير سيد مارك. الم تتأخر عن عملك؟ بعدها ستقود سيارتك تاركا أثار عجلاتها على شارع الحي بسبب سرعتك كالعادة.
ضحكتُ مؤيدة: أنت محق.
تنهد أبي: لقد طلبت من سام ان يغسل السيارة في الأمس ولم يعترض ولكنه غدر بي ولم يفعل، لذا كنت مضطرا لغسلها اليوم في هذا الصباح والبرد القارس. وابنتي القاسية بللتني بالماء كما ترى لذا سأسرع لأستحم بماء ساخن.
ارتفع حاجباي: هل انت مضطر لذكر هذا التقرير المفصل؟
ضرب رأسي بخفة: اذهبي لتغيير ملابسك قبل ان تمرضي.
ثم نظر لساعته وقال: حسنا على أن أسرع.
دخل مجددا فتنهدت وقد رسمت ابتسامة هادئة على ثغري، بادلني إياها ثم نظر لمنزله وقال: سأعد الفطور لأبي ثم أغادر.
ثم نظر إلى مجددا وأكمل: بالمناسبة. سأكون في إنتظارك دائماً، لن أتدخل في حياتك أو إختياراتك أبداً. ولكنني لن أيأس من الإنتظار.
ارتخت ملامحي بإستياء قبل أن يرتجف صوتي متجنبة النظر إليه: لا بد وأنك تفكر بأن ذوقي فظيع.
أفكر فقط في مدى الإختلاف الشاسع بينك وبينه. سأحترم قرارك ولن أظهر في وجهك كعقبة.
جوردن. أنا حقاً أسفة، أعلم أنني أدين لك بالإعتذار.
إطلاقاً. إنه شأني وحدي.
ثم ابتسم وتراجع للخلف هامساً: إلى اللقاء، أراكِ لاحقاً. لا تفكري بالأمر كثيراً.
تابعته بعيناي وهو يتجه للمنزل يمرر يده في شعره والقى على نظرة أخيرة فزميت شفتاي بقوة، كم أتمنى لو لم التقي بكريس وقبلت بمشاعر جوردن منذ البداية!
اشعر بزوبعة قد جعلت من خوالجي فوضوية. كما لو كنت خائنة كذبت على جوردن، أو مخيبة للآمال! كريس واقتحامه لحياتي وقلبها رأسها على عقب أمر يزيد من صعوبة إحتمالي للوضع أكثر. كما ان الوضع بات معقد أكثر بعد اعترافي ذاك! حتى انني لا زلت اعاني من التناقض الداخلي بين الشعور بالندم والعكس.
عاد سام قبل المساء، في حين كنت من تعد الغداء هذه المرة وهذا ما اقترحته على أمي. انتظرنا عودة أبي من العمل حتى وضعت الطعام على الطاولة وجلس الجميع بإستثناء إيثان الذي مازال في غرفته ولم ينزل بعد.
قال أبي: شارلوت. اذهبي ونادي شقيقك قد يكون نائما أو مشغولاً في شيء ما ولم ينتبه للوقت.
تمتمت أقف بحيرة: إيثان لن ينام في وقت الظهيرة.
اتجهت لغرفته في الاعلى وطرقت الباب فأتى صوته بهدوء يأذن بالدخول.
ادخلت رأسي لأراه يقف أمام النافذة فدخلت بإستغراب: الغداء جاهز.
أومأ برأسه دون أن يعلق وظل ينظر خارج النافذة بعين شاردة.
ما خطبه؟!
انتابني قلق فاقتربت متسائلة: ما الأمر؟
لم يجبني فعاودت أسأله: إيثان. ما خطبك!
تنهد بعمق ووضع يديه في جيبه: لا شيء.
قالها وهو يخرج من الغرفة فارتفع حاجباي بإستغراب شديد!
ما. ما الذي حدث معه يا ترى؟
يبدو متضايقاً أكثر من الأمس!
رفعت كتفاي مستسلمة وخرجت أنا أيضاً ونزلت لنتناول جميعنا الغداء.
الغريب أن إيثان كان يتحدث ويضحك وكأنه لم يكن منزعجا ومتضايقا للتو!
أنا لم أعد أفهم مزاجه الحقيقي أو ما يدفعه للتصرف بهذه الطريقة الغامضة!
رفعت رأسي أنظر إليه فواصل حواره مع سام وهما يضحكان ويلقيان على بعضهما الإهانات الساخرة كالعادة.
عاودت أنزل رأسي وأتناول طعامي بصمت.
ثم سمحت لنفسي بالانخراط في حديثهما بطريقة ما.
عندما انتهينا من الغداء غسلت الأطباق ثم أعددت كوبان من الشاي لأمي وأبي الجالسان في غرفة الجلوس أمام التلفاز.
وضعت الشاي على الطاولة فتساءلت أمي: أخبريني يا شارلوت هل لديك ما تفعلينه بالغد؟
غداً! لا. لماذا؟
حسنا هذا جيد. اذهبي معي لشراء حاجيات المنزل اللازمة للمطبخ.
أيدتها: لاحظت نقص أغراض كثيرة.
ثم احتضنت الوسادة ورفعت مستوى الصوت لنتابع البرنامج الذي يُعرض.
أتى سام وهو يضع يده خلف عنقه متأوها.
تساءلت أمي باستغراب: ما خطبك؟
أجابها بإنزعاج: لا أدري. أشعر بألم في أعلى ظهري وعنقي.
هذا بسبب إطالتك للسهر لوقت متأخر.
ما شأن السهر بظهري يا أمي!
بالطبع يوجد علاقة. أنظر إلى وضعية جلوسك السيئة وإلى نوع الأفلام التي تتابعها!
هاه! وما شأن نوع الأفلام بحق الإله!
أردف بإمتعاض: أنا آسف لأنني اشتكيت لكِ.
ابتسمت بسخرية وتابعت التلفاز بإندماج متجاهلة الحوار المعتاد حتى جلس بدوره أمام أمي على الأرض فبدأت تدلك ظهره بحركات دائرية مريحة وهي تهمس: دعني أدلك ظهرك قليلا لعلك ترتاح. ومن الأفضل أن ترتدي شيئا دافئاً فالجو أصبح بارداً جداً.
سأفعل.
قالها مستسلما بإذعان، دخل إيثان وجلس على الأريكة المجاورة لي فنظر سام نحوه وقال: إيثان أريد أن أستعير سيارتك غدا.
أتى سؤاله باستغراب: لماذا؟
علي شراء أجزاء جديدة لآلة التصوير.
بمناسبة ذكر التصوير. هل قررت شيئا بخصوص المعرض؟
علق أبي: صحيح! ماذا فعلت بشأن الصور؟ هل وجدت معرضا يشتريها؟
ابتسم سام بتهكم: شكرا على اهتمامكم المتأخر جدا.
ثم تأوه بسبب تدليك أمي وأكمل: سيتم عرضها خلال ثلاثة أشهر كحد أقصى، وجدت مشتري بالفعل واتفقت معه على بيع الصور. بصراحة شعرت بالراحة له وأعتقد بأنني اخترت المكان المناسب. إنه في المدينة المجاورة.
تدخلت مشجعة: ستعرضها وستلفت أنظار الجميع بلا شك.
أمضينا الوقت في حديثنا هذا حتى حان دوري ليسألني أبي: ماذا عنك؟ هل أنت جاهزة معنويا للعودة للجامعة؟ لم يعد هناك متسع من الوقت كما تعلمين!
زفرت بأسى: لا تذكرني بالدراسة يا أبي.
أضفت بإنزعاج: سأنتهي قريبا لم يبقى سوى بعض المشاريع البسيطة والاختبارات النهائية.
تنهد سام: حمداً لله أنني أنهيت دراستي قبل أن أبتلع حبوبا وأقع منتحرا!
علق إيثان بإستخفاف: أنت بالتحديد من بين الجميع أتوقع أن تنتحر بالفعل!
أصمت أنت! لا تتحدث وكأنك كنت طالب العلم المجتهد. كل ما كنت تفعله هو اعتمادك على الغش!
أردف بألم: أمي هذا يكفي. أشعر أني عظامي العلوية حلت مكان النخاع الشوكي!
دفعته أمي برفق وقالت: هيا ابتعد من هنا.
ابتعد وهذه المرة جلس أمامي أنا فتمتم إيثان بتبرم: ايكون تواضعا منك جلوسك على الأرض أمامنا هكذا؟
لا شأن لك! أنا مرتاح في جلوسي لا تحشر أنفك!
بل تبحث عن خدمات مجانية، أراهن أنك ستطلب من شارلوت أن تداعب شعرك حالاً.
وما المشكلة؟ هل لديك اعتراض يا ترى؟
تدخل أبي بإمتعاض: أصمتا أريد المتابعة لا تفسدا الأجواء بحديثكما الفارغ.
أملت برأسي مؤيدة: صدقاً ليصمت الجميع لنتاب.
ولكن صوت جرس المنزل قطع حديثي فقال إيثان: افتح الباب يا سام.
اعترض سام: ولماذا أنا؟
أضاف يرمقني بملل: اذهبي انت يا شارلوت.
ارتفع حاجباي: ولما لا تذهب أنت؟
أنتِ الأصغر هنا.
زفر أبي بغيض: هذا يكفي سأفتحه أنا.
انزعج بشدة لإفسادنا المتابعة واتجه ليفتح الباب فالقيت بنظرة لوم على سام فتجاهلني.
دفعت رأسه بالوسادة بخفة فانزعج ولكنه لم يعلق.
كريس؟!
كان هذا صوت أبي المحتار فرددت بدهشة وأنا أقف دون شعور: ك. كريس؟
لقد قال ذلك بالفعل!
تفاجأت بإيثان الذي وقف فجأة وخرج من غرفة الجلوس.
لحظات حتى سمعته يقول بحزم: ما الذي تفعله هنا؟
ي. يبدو أن كريس أتى وما أسمعه ليس من مخيلتي!
أسرعت أقف لأخرج أنا أيضا ووقفت عند طرف الباب لأرى أنه كريس بالفعل!
كان قد دخل إلى المنزل مسبقا ولكنه واقف أمام الباب فقط وخلفه تيا التي بدت متوترة!
لقد اختفت الكدمات من وجهه! إنه يقف ويبدو بصحة جيدة! لقد كان يقف مقابل إيثان مرتديا معطفا ثقيلا كالمعتاد ووشاح يلفه حول عنقه. عيناه العسليتان تنظران إليه بهدوء.
إنه. يبدو بخير.
خفق قلبي بشكل متسارع والسرور ينتابني!
مجرد وقوفه هكذا يشعرني بالسعادة.
لقد تحسن وهذا يسرني كثيراً.
انتفضت حين قال فجأة بشيء من الحدة موجها حديثه إلى أخي: من المفترض أنك تعلم لماذا أتيت.
سمعت أمي تهمس خلفي بحذر: شارلوت. هدئي الوضع قبل أن يتشاجرا.
رمقتها بتردد وعاودت أنظر لهما فقال أبي بجدية: تفضل يا كريس، تفضلي أنت أيضا يا تيا.
ولكن إيثان قال بثبات: لا يا أبي.
أضاف بجدية: عد من حيث أتيت.
احتدت عينا كريس ولكنه قال بسخرية: غريب! تبدو منفعلا جداً!
ولما لا أنفعل؟ وجودك بحد ذاته قد عكر صفو مزاجي.
آسف لهذا ولكنني لن أخرج من هنا حتى أفهم ما حدث وتعود شارلوت معي.
ردد أبي ما قاله بحيرة ثم تساءل: ما الذي تقصده؟ هل اتت شارلوت إلى هنا دون معرفتك؟
سيد مارك عليك أن تعلم بأنني لن أفوت فعلتها هذه!
يا الهي.
ما هذه الورطة الآن! سيقتلني أبي!
انتفضت حين نادى أبي بإسمي بحدة!
تملكني الخوف ولا أنكر أنني أردت الفرار من المنزل بدلا من مواجهة الجميع الآن!
أجفلت حين انتبه كريس لي وهو يلتفت لليمين وهمس بتبرم وامتعاض شديد: إنها هنا مسبقاً.
استدار أبي نحوي وقال بحزم: هل ما سمعته صحيح؟! لماذا أتيت دون معرفة زوجك؟
ازدردت ريقي بتوتر ولكنني وجدت نفسي اتمالك أعصابي واقتربت منهم قائلة بهدوء وثبات: ه. هذا صحيح.
تدخلت تيا بقلق: أعتقد بأنه من الأفضل أن نجلس ونتفاهم حول الأمر.
علق إيثان بإنزعاج: لا يوجد ما نتفاهم حوله.
تساءل كريس بإمتعاض: ماذا؟ أتعتقد بأنني سأخرج ببساطة؟ لقد أتيت لأعود للمنزل برفقتها وحسب لم أت لهنا للتفاهم وما شابه لذا أرح نفسك.
تنهد أبي: لنجلس من فضلكم.
اعترض كريس: سيد مارك لا داعي لهذا.
ثم نظر نحوي بحزم: لنعد.
توترت كثيراً ووجدت نفسي أقول مشيحة بوجهي: أ. أعتقد بأنه عليك المغادرة فلا يوجد ما نتحدث بشأنه.
ارتفع حاجبيه لمهية ثم سرعان ما قال بغضب: ما الذي يعنيه هذا؟
تدخل إيثان: اليس هذا واضحا؟ إنها ترفض العودة! لا حق لك في إجبارها وإرغامها على الذهاب معك.
وما شأنك أنت؟
لا أدري. يُقال بأنها شقيقتي.
قالها بسخرية فنظر كريس نحوي للحظات ثم إلى إيثان وقال: إنها زوجتي. وهي ليست مخيرة في ترك منزلي فجأة وبدون مبرر!
التعليقات