رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الثاني للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس عشر والأخير
(ملاحم العشق الأربعة! ).
ولأول مرة تشهد المملكة هذا التجمع العتيق، حيث يتعاون الجميع بمحبةٍ كبيرة لتزين القصر والمملكة بأكملها إستقبالاً لزفاف بتلك الضخامة، وتعد تلك المرة الأولى التي يشارك بها الشعب لتزين المملكة بنفسه، فما فعله ديكسون حصد به محبتهم جميعاً، اصطفت أكاليل الزهور، وعبقت المملكة برائحتها الذكية بعدما نثرت لتفترش الأرض جميعاً، حتى المقاعد المميزة الخاصة بملوك الممالك المجاورة زينتها الحوريات بقماشٍ سحري جعلها في غاية الجمال، مرت الساعات لتبدأ الحشود بالتجمع واللهفة تسكن الأعين بترقبٍ لرؤية الملوك، وبالرغم من تلك المناسبة الهامة مازال لوثر يتمم على عمله على أكمل وجهاً، حتى راوند كانت تشرف على التحضيرات بنفسها متناسية بهذا اليوم كونها ملكة لا يليق بها العمل، فكانت بين الحين والأخر تحمل طرف فستانها الأحمر الطويل بين يدها، توقفت راوند عن المضي قدماً حينما رأت بيرت يقف من أمامها بابتسامةٍ حالمة، عينيه تتطلع لكل أنشن بوجهها، فإقترب منها ثم همس بإعجابٍ شديد: كيف ساًحارب جمالك حوريتي!
أشرق وجهها بابتسامةٍ أينعت نضرته، فاستدارت جوارها قبل أن تجيبه: أراك متفرغ للغزل ونحن نعمل على قدمٍ وساق.
حك طرف أنفه وهو يتابع عمل الحوريات، مؤكداً بمكرٍ: أرى ذلك.
سألته ساخرة: لماذا لم يكلف الأمير نفسه عناءاً ويساعدنا؟
لوى فمه بعبوسٍ فردد قبل أن يتحرك: لن أتغزل بكِ مجدداً.
ضحكت بصوتٍ مسموع وهي تراه يحدجها بنظراتٍ مغتاظة، فتجاهلته وعادت للعمل سريعاً.
علي الرغم من معارضة إيرلا لإقتراحها بإرتداء فستان زفاف أبيض من عالمها الا أنها سحبت رأيها حينما ارتدته، شعرت بإختلافها وتميزها حقاً بما ترتديه، فكانت تشعر بالبهجةٍ وهي تتطلع لذاتها بهذا اللون الذي جعلها تشعر بالصفاء والراحة الغريبة، دنت منها إريكا ثم أشارت لها قائلة: هيا لنضع لكِ بعض المساحيق التجملية.
استدارت إيرلا تجاهها، ثم قالت بخوفٍ: أرى أن هذا يكفي!
تعالت ضحكات زمرد وهي تتابع ما يحدث بينهما، فنهضت بفستانها الأبيض الرقيق لتشير بمزحٍ: هيا إيرلا لا تكوني جبانه!
حدجتها بنظرةٍ قاسية قبل أن تستلم للوضع الحالي، فتركتها تزينها كما يحلو لها، ناولت زمرد التاج لإريكا التي وضعته على خصلات شعرها الأحمر بعدما ثبتت الطرحة البيضاء الطويلة، ثم أشارت لها بنظرةٍ إعجاب: لتري بنفسك ذلك.
نهضت عن الصخرة المجوفة ثم وقفت أمام المرآة القريبة منها، لتتطلع لذاتها بنظرةٍ إعجاب شديدة، وهي تلامس الطرحة التي يتدلى طرفها من خلفها، فوزعت نظراتها بين إريكا وإنعكاس نفسها بالمرآة، فابتسمت وهي تردد بإعجابٍ شديد: رائع حقاً.
ثم التفتت تجاهها وهي تخبرها بحرجٍ: لقد كنت سخيفة بحقك إريكا.
احتضنتها ببسمةٍ يحفها المحبة: لا عليكِ، فاليوم بأكمله مربك.
وعند ذكرها لهذا اليوم الهام، انتفضت إريكا بوقفتها وهي تتطلع على ذاتها في صدمةٍ: التهيت بكما ونسيت أمري.
ثم حملت فستانها الموضوع لجوارهما لتركض بإتجاه السجوف التي تفصل الجناح عن مكان تغير الملابس، ضحكت كلاً منهما حينما رأوها تركض هكذا، ثم تساءلت إيرلا في دهشةٍ: أين ألماندين؟
أنا هنا!
قالتها بعدما خرجت من الغرفة الداخلية للجناح، فتعلقت أعينهم بها بانبهارٍ، منحها الفستان طالة شتت العقول، فباتت غير قادرة على مدحها أم التعلق بها، ضيقت عينيها وهي تباغتهم بسؤالٍ حائر: ماذا هناك؟
أجلت زمرد أحبالها الصوتية: أنكِ فاتنة حقاً ألماندين.
ردت عليها بابتسامةٍ هادئة: كلنا فاتنات بهذة الفَسَاتِينُ الجذابة.
ظهرت ضي من أمامهما لتقطع حديثهما، فقالت بفرحةٍ: إنكن رائعات الجمال حقاً!
ثم استدارت باحثة بالجناح باستغرابٍ: أين إريكا؟
خرجت وهي تغلق سحاب فستانها، مرددة بمشاكسةٍ: هل يسأل عني أحداً.
عاونتها ضي على إغلاقه وهي تردد بدهشةٍ: لم تستعدي بعد!
ردت عليها بغرورٍ وهي تشير عليهما: كان لدي عملاً هام.
ثم وزعت نظراتها بينهما، لتنهدل شفتيها بحزنٍ طفولي: الجميع يرتدي تاجاً مميزاً ما عدا أنا. أولست أميرة مثلهن!
تعالت ضحكاتهم، فخلعت ضي تاجها ثم وضعته على رأسها، قائلة في حبورٍ: أمازالت أميرتنا البشرية حزينة بعد؟
تأملت إريكا نفسها بالمرآة، بعدما ارتدت تاج ضي المميز، فهمست بسعادةٍ: إنه رائع!
ثم استدارت لتحتضنها بحبٍ: أشكرك كثيراً.
ربتت بحنوٍ على ظهرها، ثم قالت: لا داعي للشكر ابنتي، أنتِ الآن أميرة من أسرة المملكة الحاكمة ولن يفرق أحداً أبداً بمعاملتك.
أحاطتها السعادة لتجعلها أسعد عروس بشرية تزف بعالمٍ هكذا، أشارت لهم ضي قائلة بخبث: هيا لنخطف الأنظار بجمالنا هذا.
أمسكت ضي، إريكا لتتخفى بها سريعاً للإحتفال الذي بدأ بانضمامٍ الملك وزوجته، بينما تخفت كلاً منهن لتتابعها، وقفت إريكا مشدوهة مما ترأه، فما تراه يصعب العقل البشري على تصديقه، فكان الزفاف، وكأنه على بساط من السحبٍ شعرت به من أسفل قدميها، فكان مرئي من أسفلها، وكأنها تقف على شيئاً ليس ملموساً، لوهلةٍ شعرت بأنها ستسقط فتماسكت بيد ألماندين التي ربتت على يدها لتبث لها الآمان، قائلة: لا تقلقي. لن يحدث شيئاً.
أومأت برأسها بهدوءٍ ورغم ذلك ظلت متشبثة بها، فأمسكتها الاخرى حتى يبتعد عنها هذا الشعور المرجف، انتبهوا جميعاً للدرج الطويل الذي ينتهي بعرش مهيب إعتلاه لوكاس و روكسانا، تعلقت الأعين بها، فكانت حقاً فاتنة بكل ما تحمله الكلمة، فستانها الأسود الذي يتدلى أطرافه على بساطٍ الرياح، شعرها المعقود بالمنتصف ويعلوه ذاك التاج الذي لم يوضع الا على رأس الملكة بُوران ومن خلفها لملكته البشرية التي حطمت قواعد مملكة بأكملها، لتغزو قلب شعبها وملكها!
نهض لوكاس عن مقعده ثم بدأ بالحديث الذي يترقبه شعب مملكته: اليوم أعلن لكم زوجات أمراء مملكة السراج الأحمر.
ثم قدم يديه تجاه الفتيات، ليردد بصوتٍ صارم رغم بشاشة وجهه: أميرة الحوريات ألماندين.
هتفات حارة طافت بها، حينما لفظ الملك إسمها، تخفت لتظهر من أمامه، فأمسك بيدها تجاه القاعدة الصغيرة من أسفل عرشه، حيث كان على يمينه أربع مقاعد يجملها الزبرجد الأخضر المميز بلونه الساحر ومطعم بالكوارتز الزهرث الوردي المعروف بحجر الحب اللطيف، وكل مقعد مخصص للأمراء يوجد أمامه شعبه، فمقابل مقعد سامول شعب مملكة الشارق، و إيمون شعب البيتراء، و أركون شعب الغورة، أما ديكسون فكان يقف من أمامه وفود شعب السراج الأحمر المهيب، رفعت ألماندين طرف فستانها الأبيض ثم إنحنت قليلاً وقاراً للملك، لتتجه ليمينه وبالأخص بالمقعد المخصص لديكسون، انتهت التصفيقات الحارة ليبدأ بالمنادة مرة أخرى: أميرة مملكة الشارق، الأميرة زمرد.
تخفت لتظهر من أمامه، ثم أمسكت بيديه ليوجهها للجهة اليسرى من عرشه المهيب، فجلست على أحد المقاعدين المخصص لها، ومن ثم استكمل قائلاً: أميرة مملكة السراج الأحمر، الأميرة إيرلا.
صعدت هي الأخرى لتحتل مقعدها المجاور لمقعد ألماندين بالجهة اليمنى، ثم بابتسامةٍ بشوسة أعلن: وأخيراً البشرية الفاتنة، الأميرة إريكا.
تعالت التصفقات الحارة والهتافات التي تعلو بإسمها، فارتبكت إريكا من هذا التجمهر الهائل الذي يهتف بإسمها، فصعدت تلك البشرية على درج لم ترأه أعينها من قبلٍ، وكأنها تصعد سلم المجد لنيل جائرة أو تكريم لطالما حلمت به، إتخذت وقتاً كبير حتى إنتهت من الدرج، فكادت ضي بمساعدتها، ولكن إشارة الملك إستوقفتها، بل وقف لوكاس بهيبته ووقاره ينتظر صعودها حتى وإن كان بطيء نسبياً عنهما، أمسكت إريكا بيديه وقبل أن يشير لها، قالت بتوترٍ: هل أصبحت أميرة حقاً؟
ابتسم لوكاس وهو يجيبها: بالطبع أميرة لتلك المملكة بأكملها.
ضحكت بفرحةٍ ثم اتجهت لمقعدها، فخرج الملك شون بصحبة الأمراء، تمكنوا جميعاً من لفت الأنظار إليهما، بتلك البِذَل الأنيقة التي بدت للجميع مختلفة كلياً عما يرتدونه، حتى الفتيات سحرت الأنظار بذلك القماش النادر لهما، تخفى كلاً منهما ليجلس على مقعده بجوار زوجته لتسلب العقول من تأثيرٍ ما رأت.
جلس أدلر بجوار الملك شون، وهو يتابع الحفل بسعادةٍ وفرحة غمرته، فكان يوزع نظراته بين أبناءه براحةٍ وسرور، أما شون فكان شارداً بالفراغ وإبتسامة شوق تداعب شفتيه، فحينما يتعلق عقلك بشيئاً تفتقد إليه، يتشكل أمامك مثلما تفكر به، وهكذا ما حدث معه، رسم صورة لملكته التي عشقها بجنونٍ، فتشكل طيف بُوران من أمامه، بفستانها الطويل وعينيها التي تسبل بها إليه بحبٍ، إبتسامته خففت من وجعه القابع بالداخل، فحينما يشعر بالحنين إليها، يمنح ذاته الصبر بأنها لجواره تسمعه وتشعر به حتى يلحق بها!
«أركون، زمرد»
جلس لجوارها مشدوهاً من جمالها الآخاذ، فتعلقت عينيه بها لدقائقٍ معدودة، يحاول أن يطبع صورتها بداخل صمام قلبه الخافق على طربٍ عشقها، فتحرر صوته الهامس بأعذوبةٍ حبها: أبحث عن كلمة دقيقة تخبرك بما يحدث لي حينما أراكِ، وبالنهاية لا أجد.
إبتسمت زمرد ثم قالت بتريثٍ: كأنك تبالغ قليلاً!
أمسك يدها وهو يردد بعشقٍ: لا أبالغ أبداً، أنتِ مصيري بأكمله زمرد.
ارتجف جسدها من لمساته وهمساته التي تخترق منتصف قلبها، ذاك المحارب الشجاع الذي لا يعهد الرحمة الا حينما رفع سيفه على عنقها، فولد بداخله أحاسيس مرهفة ولأول مرة، ملك الغورة وملك قلبها العذري!
«إيمون، إريكا».
عبثت بخصلاتٍ شعرها بإرتباكٍ، فحاولت أن لا تتطلع له قدر ما استطاعت، فالحصار الذي أحكمه عليها بنظراته جعلتها تنفعل بحديثها، حينما قالت: لا تنظر إلى هكذا إيمون. تربكني نظراتك كثيراً وأنا متوترة من دون شيء.
رفع حاجبيه وهو يسألها باستنكارٍ: وما الذي يربك ملكة البيتراء إذاً؟
تطلعت له باستغرابٍ من لقبه الأخير، ثم رددت بتشتتٍ: ملكة! أخبرني الملك منذ دقائق بأنني أميرة؟
ابتسم وهو يوضح لها: لا ملك هنا بحضور الملك لوكاس العظيم ؛ ولكن كل منا بمملكته ملكاً.
لم تفهم مقصده الا حينما تابع ليوضح ما عجزت بفهمه: مثل سامول، لا حاكم للشارق سواه لذا فهو ملكهم؛ ولكن هنا بمملكة السراج الأمور مختلفة فهو هنا الآن وبحضور الملك، يخسر لقبه كملك ويصبح أمير، وبالنهاية كل تلك الممالك تابعة للمملكة السراج الأحمر هل فهمتي شيئاً؟
أشارت برأسها وهي تردد بحماسٍ: فهمت ذلك.
ثم اعتدلت بجلستها لتمسك يديه وهي تخبره بفرحةٍ: حسناً، بما أنني ملكة أريد تاج مرصعاً مثل الملكة روكسانا، وملابس مثل التي ترتديها.
تعالت ضحكات إيمون، ثم قال بصعوبةٍ بالحديث: سأحقق كل أمانيكِ إريكا.
انحنت برأسها على كتفيه وهي تخبره بسعادةٍ: أنت تعلم بأنني أحبك، أليس كذلك؟
استند برأسه على رأسه ليهمس ماكراً: سنرى لاحقاً.
ابتعدت عنه ومن ثم لكزته بكتفيه بشراسةٍ إنقلبت لغيظٍ عظيم حينما وجدته لم يتأثر من ضرباتها، فعادت لتكرر ما فعلته، كتف يديها ليضمها لصدره ثم قال وهو يرسم ابتسامة واسعة: ستكسرين هييتي أمام شعبي.
وزعت نظراتها بينه وبين من يقف مقابلهما على بعدٍ منه، فجلست على المقعد بإستقامةٍ، ثم وضعت ساق فوق الآخرى لتشير له بتعجرفٍ: أتعلم، أنا أيضاً على الحفاظ على هيبتي كملكة بشرية رقيقة، حينها سأجعلهم يعشقون البشر، ومن ثم سأجعل ديكسون يختطف عدد منهم لنجعلهم يتوغلون بالكوكب.
تعالت ضحكات إيمون وهو يجاهد في محاولاتٍ بائسة بالسيطرة على زمام أموره، فما يفعله يعد جريمة بحضور الملك، أطبق على شفتيه وهو يحاول رسم جديته وعينيه تتابعها بعشقٍ لكل ذرة بها، حتى كلماتها العفوية تلك تجعله يذوب عشقاً بها.
راقب كيفن، و لينا ابنتهما بسعادةٍ وفرحة، ربما بالبداية كانوا سيعترضون طريقها، ولكن فرحتها التي تلمع بعينيها والوقار الذي حظت به وسط هذا العالم، جعلهم فخورين بموافقتهم تلك وخاصة بأن حب ابنتهما يسطع كالشمس المشرقة بعين إيمون، فقال كيفن وهو يحتضن لينا بحبٍ: وما الذي سيهمنا سوى سعادتها!
أومأت برأسها بإقتناعٍ ثم أضافت بحماسٍ: ستعش حياتها بمغامرة سعيدة بصحبةٍ روكسانا.
منحها ابتسامة صغيرة، ثم ربت على ظهرها وهو يتابع ابنتها بفرحةٍ.
«ديكسون، ألماندين»
انقطعت أنفاسها خوفاً حينما جذبتها قوة شرسة لتصبح بعيداً عن الحفل، التفتت ألماندين حولها فوجدت ديكسون يقف لجوارها، منحته نظرة غاضبة وهي تصيح به بإنفعالٍ: سينزعج الجميع من رحلينا، فمازال الحفل ببدايته!
ثم تطلعت تجاه الحفل القريب منها، فجحظت عينيها في صدمةٍ حقيقية حينما رأت نسخة متطابقة منها تجلس جوار ديكسون، استدارت تجاهه وهي تشير له على العرش بخوفٍ: كيف ذلك؟
حاوط خصرها بتملكٍ ليقربها منه، ومن ثم همس بمكرٍ: مازال هناك الكثير لتعرفينه عني!
ثم وضع يديه على شفتيها المرتجفة من أثر لمساته، ليستطرد: هذا الحفل لا أجده ممتعاً فما الممتع بسهرةٍ يتشاركها الجميع!
ومن ثم تخفى بها ليصبح أمام الكهف الذي جمعهما كل مرة، وكأنه يحتضن قصة حبهما الغريبة، وزعت ألماندين نظراتها الحائرة بين الكهف الذي تحيطه هالة حمراء مشعة على غير عادته ثم تطلعت له، فوجدته يمسك بيديها معاً، ثم إنحنى ليطبع قبلاته الرقيقة على كفيها، مردداً بأنفاسٍ كادت بإحراق جلد يدها: لن يشاركنا أحداً بهذا اليوم سوى عشقنا.
«سامول، إيرلا».
راقبته بضيقٍ شديد، فكان يجلس بثباتٍ، وكأن أحداً لا يجلس لجواره، عينيه تتطلع لشعبه بكبرياءٍ وعظمة تصاحبه أينما تواجد، تأففت بعصبيةٍ ثم أردفت ساخرة: هل أقاطعك عن مراقبة هتافات شعبك المبجل!
التفت تجاهها وإبتسامة ماكرة تحل على ثغره: هل يزعجك ذلك؟
لوت شفتيها بسخطٍ: لا، فربما على الإعتياد على الأمر.
ثم رددت بصوتٍ منخفض سمعه سامول جيداً: إن كنت لم تعترف بحبك لي الا بساحة المعركة ما الذي سأنتظره أكثر من ذلك؟
اتسعت ابتسامته، فرفع يديه ليشير للملك لوكاس بأنه سيغادر الحفل، فهز الأخير رأسه ليسمح له بذلك وإن كان على إنتهاء الحفل باكراً، نهض سامول ليتمسك بيدها ومن ثم تخفى سريعاً للمملكة، ليتبعه شعبه وجيشه، وقف سامول أمام قصره ليشير لشعبه بثباتٍ: أعتقد بأنكم مازلتم تتذكرون ما حدث بالمعركة الساحقة بيننا وبين الخائن بيلين، ومن المؤكد بأنكم تتذكرون جيداً تلك المقاتلة الشجاعة التي تصدت للحوريات واستطاعت أن تقلب مسار المعركة من الهزيمة للإنتصار.
إرتبكت إيرلا من سماعها لتلك الكلمات، فأخذت تراقبه باهتمامٍ وعدم تصديق بأنه يمجد بها، فاسترسل سامول بفخرٍ: تلك المقاتلة هي ذاتها زوجتي وملكتكم إيرلا.
انحنت مقدمة رأسهم للأسفل قليلاً تحية صريحة لها، فتطلعت إيرلا إليه بتوترٍ حينما استكمل ونظراته الجريئة تشملها: الفتاة التي تحدت قوانين سامول العظيم وإخترقت حواجز مملكته أكثر من مرة، وهي نفسها التي سحبت قلبه الضعيف من جسده القوي لتجعله متيم بها!
نبضات قلبها القوية كادت بأن تكون مسموعة، لمسة يديه التي أحاطت بخصرها بتملكٍ ليتنقل بها بين شعب مملكته ومن ثم صعدا بها لجناحه، وقفت إيرلا أمامه وهي تستجمع كلماتها التي غابت عنها لأول مرة، فقال هو بنظرة توغلت لأعماقها: أين ذهبت كلماتك اللازعة؟ هل ابتلعتي لسانك الغليظ!
ابتسمت وهي تشير له بالنفي، فأبعد خصلات شعرها الأحمر بعيداً عن وجهها ثم قال بعشقٍ: أراكِ دائماً إيرلا. حتى ولو لم تكوني لجواري.
ضيقت عينيه بذهولٍ: كيف ذلك؟
غمز لها بمشاكسةٍ: لكل منا أسراره الخاصة.
بعدت يديه عنها وهي تخبره بتحدٍ: أخبرني الآن سامول.
سألها بمكرٍ: أتودين حقاً معرفة سري!
هزت رأسها بعدم مبالاة: وماذا سيكون؟
إبتعد سامول عنها، ثم رفع صوته منادياً: إخرج الآن.
ما أن إستمع لأمر سيده حتى خرج الأوربوروس، بجسده العملاق الذي يلتف حول نفسه بحلقةٍ دائرية، جحظت أعينها بخوفٍ مهيب، فتراجعت للخلف وهي تصيح رعباً: سامول!
حاوطها بذراعيه، ثم هدأ من روعها قائلاً: إهدئي إيرلا.
ثم أشار له بصرامةٍ وقوة: إنحني طاعة لسيدتك!
تقلص حجم الأوربوروس، لينحني أسفل قدميها ومازالت تتشبث هي بملابسه، فقال الأخير بحزمٍ: إتركنا الآن.
ما أن أنهى كلماته حتى إختفى من الجناح بأكمله، أبعدها سامول عنه ثم قال بابتسامةٍ ساخرة: أين ذهب حماسك؟
قالت إيرلا بإرتباكٍ: توترت قليلاً حينما رأيته.
رفع يديه ليمررها على وجهها برفقٍ، فجعلتها لمساته تتعلق بعينيه كمن تتشبث بأحضانه بقوةٍ، فأسند جبينه إلى جبينها وهو يردد بهمسٍ لفح مشاعرها: دعك من كل هذا، فاليوم هو خاص بنا فقط.
منحته إبتسامة صغيرة، أسرته ليقترب منها متناسياً كل شيء، فروى عشقهما توثيقاً بدفتر التاريخ!
تخفى إيمون ليظهر أمام الملك، فأنحنى قليلاً وهو يردد بإرتباكٍ: هل يسمح لي الملك بالرحيل لمملكتي؟
منحه لوكاس إبتسامة هادئة، ثم قال: لك ذلك إيمون.
ابتسم وتخفى سريعاً ليحمل إريكا بين يديه ثم إختفى بها لمملكته، فزعت للغاية، فأخر ما تتذكرته بأنها كانت تجلس على مقعدها، حدجته بنظرةٍ قاسية قبل أن تنفجر به: كنت أود الإستمتاع بالحفل، كيف لك بإتخاذ قراراً عني!
رفع حاجبيه بصدمةٍ: أي قرار هذا؟
الرحيل من الحفل!
مرر يديه على جبينه، ومازالت هي منغمسة بحديثها الذي لا ينتهي، فاجئها إيمون حينما قربها منه بشدةٍ، فتعلقت عينيه بشفتيها المرتجفه، وتارة تتعلق بعينيها الزرقاء ثم قال: كفى إريكا، ألا تودين أن نكون بمفردنا قليلاً؟
أخفضت عينيها بخجلٍ من قربه منها، فلعقت شفتيها وهي تجيبه بتلعثمٍ: بلى، ولكني كنت آآ.
بترت كلماتها حينما سحبها بلهفةٍ لعالم مخبئ بين طيات عالمه الغامض، أبلغها بإقترابه عن ثمرة صبره التي طالت لعهد من الزمانٍ، أبلغها عما أخفاه طويلاً وعن ألمه حينما كانت تفكر بأحداً أخر، سمحت له بالتسلل لأواصرها، حتى صارت معشوقته وزوجته!
في اللحظة التي غادر بها إيمون، أشار الملك بها لأركون بالمغادرة هو الأخر، فيبدو أن الحفل الرائع لم يستطيع أن يشتت شرارات العشق المشتعلة بين قلوب الأحبة، غادرت زمرد معه لمملكة الغورة فقدم لها شعبها الترحاب والوقار، ومن ثم تتبعته للقصر الذي أعاد بنائه مجدداً لأجلها هي، إزدادت فرحتها حينما وجدت جناحهما مبني على طراز مملكة الشارق، وقفت زمرد تتطلع لكل ركناً بها بإعجابٍ شديد، فخفق قلبها بعنفٍ حينما شعرت بيديه تتسلل على طول ذراعيها، ومن ثم إنحنى على رقبتها ليهمس بشرارةٍ ألهبت جوارحها: أهلاً بكِ بمملكتك وجناحك الخاص ملكتي الفاتنة.
تقدمت خطوة للأمام وهي تجاهد تلك المشاعر التي إجتاحتها، عاد ليقترب منها من جديدٍ، حتى صار مقابلها، فسألها بأعين تصفن بملامحها: هل أعجبك؟
هزت رأسها، ثم قالت وهي تتحرك بحركاتٍ عشوائية: لم أرى بحياتي بمثل هذا الجمال.
تخفى ليصبح أمامها، ثم تخفى بها ليصبح جوار الفراش، هامساً بعشقٍ: لا أراه أجمل منكِ!
تلاحمت المشاعر فيما بينهما، لتفتتح طريقاً جديد بعلاقتهما، فإشتد ذاك الرباط الذي يجمعهما!
«لوثر، ضي. »
بالحفل.
تعالت ضحكات ضي وهي تستمع لهمسات لوثر التي ذكرتها بالذي مضى، فقالت بضجرٍ: لا تبالغ لوثر، أنا كنت أحبك بطبيعة الحال ولكني كنت مشوشة قليلاً.
أجابها ساخراً: أعلم ذلك.
توسطت بيدها خصرها وهي تهتف به: أتعاتبني الآن عما مضى!
لوى شفتيه وهو يتابع بمرحٍ: وهل وجدت الوقت المناسب ولم أفعلها!، المختبر وإختراعاتك الحمقاء تلك تأخذ أكثر من نصفه.
ضيقت عينيها بغضبٍ علم ما الذي سيترتب من بعده، فإحتضنها مردداً بخوفٍ مصطنع: حسناً، تماديت بالحديث قليلاً لا تؤاخذيني.
كبتت ابتسامتها، لتنحني على صدره، فحاوطها وهو يمرر يديه على ظهرها بحبٍ وحنان.
«بيرت، راوند. ».
ابتسمت رواند وهي تتابع إتحاد الحوريات من بعد وقتاً طويل، فقد نجحت رودوليت بزرع العداء والكراهية بينهما، إرتاح قلبها لذلك وقد بدأ ينتباها شعوراً بالفرحة، هز بيرت يدها وهو يتساءل بدهشةٍ: ماذا بكِ راوند؟
بابتسامةٍ واسعة قالت: ما الذي بي بيرت! فاليوم إختبرت أحاسيس إفتقدتها، رأيت ابنتي عروس تزف لعريسها والآن أرى إتحاد الحوريات من جديد.
وأغلقت عينيها وهي تسترسل بفرحةٍ: أنا اليوم سعيدة للغاية.
إحتضنها بشوقٍ لرؤية فرحتها تلك، ثم همس بعشقٍ: ليت السعادة تصاحب دربنا للأبد.
تشبثت به بعشقٍ عاد ليلمع من جديدٍ، بعدما تفتت جوارحها المعتمة!
«لوكاس، روكسانا. »
تعلقت أعين روكسانا بديكسون طويلاً، فتساءلت باستغرابٍ: غادر سامول والجميع وظل ديكسون الا يرغب بالصعود؟
التفت لوكاس تجاهها ثم رسم إبتسامةٍ ساخرة وهو يخبرها: لقد غادر ابنك الحبيب الحفل منذ الدقيقة الأولى.
تهدجت ملامحها بذهولٍ، فأشارت بيدها عليه: ربما أنت مخطئ. مازال يجلس محله!
تلك إحدى خدائعُ ابنك الماكر، استنساخ أي صورة لما يريده.
ضحكت روكسانا على طريقته المندفعة بالحديث، فقالت بخبثٍ: وهل يزعجك ذلك؟
بملامحٍ ممتعضة أجابها: لا
بلى، لأنه يشبههك كثيراً.
قالتها روكسانا بتحدٍ صريح، فمنحها نظرة قاتمة قبل أن يعود لجلسته الوقورة من جديدٍ، فشاكسته من جديدٍ: يغار من ابنه!
ماذا؟
كما سمعت تغار من جراءته، لأنك تعلم جيداً بأنه يكره مثل تلك الحفلات لذا راقبته طوال الوقت لإنك كنت تعلم بما سيفعله!
ابتسامة تسللت لوجهه فزادته وسامةٍ، ثم قال بلهجةٍ هادئة: أعلم ومع ذلك لم أوقفه لأنني أعلم جيداً بأنه ليس مخطئ برغبته بالبقاء بمفرده مع حبيبته.
ثم أمسك يدها ليتابع بلهجةٍ عاشقة: هيا لنصعد للجناح، علنا نستريح قليلاً.
إعترضت قائلة بإختناقٍ: لا، لا أرغب بالصعود الآن.
ثم استطردت مشيرة له على المنصة البعيدة التي تكن لها الكثير من العاطفة والمشاعر: بل أريد الذهاب إلى هناك.
ضيق عينيه باستغرابٍ ومن ثم حملها ليتخفى بها هناك، فهرعت روكسانا لأسوار المنصة بفرحةٍ طفولية، ثم مررت أصابعها على حافةٍ السور باشتياقٍ، تعجب لوكاس مما يحدث معها من تقلبات غريبة، فسألها باهتمامٍ: هل يعجبك المكان لهذا الحد؟
أجابته بطاقةٍ من الحماس أشعلت أنفاسها: أعشقه كثيراً.
ثم أوضحت كلماتها المبهمة: من هذا المكان أعلنت علاقتنا أمام شعبك.
وأشارت على الفراغ المجاور له، قائلة: كنت تقف هنا بالتحديد وأنت تقول.
وحاولت تقليد لهجته وهي تردد بنبرة جاهدة لجعلها خشنة: اليوم أعلنت ملكاً لكم، وأنا أعلن زواجي أمامكم، من تقف يدها بيدي هي ملكة السراج الأحمر، لذا من يجرأ على إهانتها مصيره الإعتقال.
تطلع لها باسترابةٍ، فمالت برأسها على كتفيه وهي تخبره بعشقٍ: مازلت أتذكر تلك الكلمات، من الصعب نسيانها.
ثم أشرأبت بعنقها لتطبع قبلة صغيرة على جبينه وهي تردد: أحببتك كثيراً وأحببت كل ذكرى جمعتني بك.
مرر يديه على وجهها الرقيق بين أصابعه الكبيرة وهو يهمس لها بما طاب من حبه: وأنا أعشقك ملكة قلبي.
ومن ثم تخفى بها ليصبح جناحهما نقطة لقاء، وإسترداد لمشاعر مازالت تلتصق بهم، تلك البشرية التي هدمت حواجزه لتجعل كأس الحب معسول حتى بعد تلك السنوات، فخلد عشقهما بفتاة وصبي كانوا لهما أوسام شرف بقوتهم وبما قدموه لأجل المملكة.
«ديكسون، ألماندين. ».
انتصب ديكسون بوقفته، ثم مرر يديه على خصلات شعرها الرمادي ببطءٍ شديد، وكلما حاولت التهرب من نظرات عينيه الفتاكة حاصرها متغزلاً بها من جديدٍ، لف يديه حول خصرها ثم قربها منه وهو يهمس لها برغبةٍ تلتاع إليها: ما المميز بكِ عن باقي الحوريات حتى يختارك هذا القلب.
أسبلت بعينيها بتوترٍ من قربه الخطير منها، فقيد حركتها بسهولةٍ ليستطرد وعينيه تتأمل شفتيها المرتجفة: كيف ولد الحب من شعلة الكره والإنتقام!
أخفضت عينيها أرضاً، فرفع ذقنها بأصابعه، ثم قال: لن أسمح لكِ تلك المرة بالتهرب مني ألماندين.
ثم جذبها للداخل، فأسرع بإغلاق عينيها بيديه، ثم قال: أتتذكرين حينما سألتك ذات مرة عن معنى إسمك وحينها لم تعرفي الإجابة.
أومأت برأسها فادرها إليه ليجعل ظهرها للكهف ورأسها مقابله، ثم قال: الألماندين هو جوهر خالد، لونه أحمر بلوري لا يقدر بثمنٍ ونادراً وجوده هنا على كيبلر.
ثم أخرج من جيبه حجر بلوري أحمر اللون، يخطف الأنظار من شدة جماله، إلتقطته منه ألماندين ببهجةٍ زرعت بداخلها فور رؤيته، ثم قالت بحبٍ شديد: أتيت بها لأجلي!
منحها ابتسامة سلبت عقلها، ثم جذبها ديكسون لتستدير للخلف، فتصنمت محلها وهي تتابع ما فعله بالكهف الذي إمتلأت حوائطه أحجاراً لا حصى لها من الألماندين الذي يشع بضوئه الأحمر اللامع، فأعطى بضيائه توهج ممتع للكهف، إنحنى ديكسون على رقبتها وهو يهمس ببطءٍ: يدعى عقيق الألماندين!
ثم جذبها ليحملها بين ذراعيه: ذاك الإعجاب اللامع بعينيكٍ تجاهه لا يقارن بما داخلي تجاهك.
ثم جلس بها على حافة المياه المرجانية اللامعة، يعبث بخصلاتٍ شعرها ليقربها منه وهو يشم عبيرها مردداً برغبةٍ جامحة: ليتك تشعرين بما يحدث لي حينما أقترب منك.
ثم استطرد بحزنٍ: هيا أخبريني بما تخفينه بداخلك تجاهي!
أغلقت عينيها وهي تردد بإستسلامٍ: لا شيء أخبئه سوى حبي لك ديكسون، أشعر بأن الفرحة تحتضنني حينما تكن أنت لجواري، حتى وإن خفق قلبي سريعاً.
تعلقت عينيه بشفتيها فإقترب وهو يهمس بحبٍ: عشقي لكِ سيخلد بكتب التاريخ، واليوم ستكتمل أول صفحاته!
وسمح لنفسه بفتح أبواب قلبها المنغلقة بقوةٍ، توحدا عالمهما الذي لطالما إختلف كثيراً، عالمين متنفرين. هي وهبت التحكم بالبرودة والثلج وهو منح هبة التحكم بالحرارة والنار، تنافرت قلوبهم ما بين المحبة والإنتقام لتجمعهما بالنهاية شعلة العشق وعقيق الألماندين!
تمت
التعليقات