التخطي إلى المحتوى

رواية الفتاة التي حلمت ان تكون ذئبة الفصل الخامس 5 – بقلم اسماعيل موسى 

         ٥

حدّق رعد في الذئبة الجالسة أمام نوار، عيناها تلمعان بحدة، وشعرها الأسود الطويل ينسدل بحرية فوق كتفيها،كانت مختلفة، واثقة، وعلى وجهها لمحة من الغموض الذي لا يحبّه.

باتريكا، الاسم وحده لم يعجبه، لم يكن يثق في الذئاب التي تمتلك الكثير من الأسرار،ثم إن هناك شيء غريب حول تلك الذئبة

” لا يستطيع رعد قرائتها ”

لأنه ذئب ملكى يمتلك القدره لاختراق عقول الجاما لكن تلك الذئبة وجد فى عقلها حائط يصده.

تقدّم ببطء حتى صار أمامها ثم همس:

“أي معلومات لديكِ عن رفيقتي؟”

ابتسمت باتريكا ابتسامة خفيفة، ولم ترد فورًا، وكأنها كانت تستمتع بتعذيبة

 ثم رفعت يدها فوق القماش الممتد أمامها على الطاولة، ومرّرت أصابعها على الخريطة كأنها تداعب صدر رجل عارى 

“أعرف أين كانت آخر مرة قبل أن تختفي.”

شعر رعد بأنفاسه تتباطأ للحظة،لا أحد يعرف أين ذهبت، لا أحد وجد أي أثر لها، منذ أن رحلت، كان كل شيء غامضًا، فارغًا، خانقآ، مميتأ، لكنه لم يكن مستعدًا لإظهار أي ضعف أمام باتريكا. 

“تكلمي.”

مرّت لحظة من الصمت، ثم انحنت باتريكا قليلًا للأمام وهمست:

“لكن المعلومات ليست مجانية.”

كانت الجملة كافية ليشعر رعد برغبة في تحطيم الطاولة بينهما فى سحق جمجمتها اللعينه 

“تريدين صفقة؟”

 سألها بصوت هادئ، لكنه كان ممتلئًا التحذير :

“ليس صفقة بالضبط.” قالت وهي تميل برأسها قليلًا، وهى تراقب ردة فعلة، اعتبرها خدمة صغيرة. تفعلها من اجلى ، أخبرك بكل شيء.”

نظر نوار بينهما، مستشعرًا التوتر في الهواء.

“وما الذي تريدينه؟”

ابتسمت باتريكا ببطء، ثم أشارت بإصبعها إلى بقعة صغيرة على الخريطة

“أريدك أن تحضر لي شيئًا من هنا، لا تسألني لماذا، فقط افعلها.”

نظر رعد إلى النقطة التي أشارت إليها، كانت في عمق أراضي لم يجرؤ أحد على دخولها منذ سنوات، مكان كان محرمًا، حتى على الذئاب الملكية

ثم 

رفع رعد عينيه إلى باتريكا، لكنه لم يقل شيئًا.

 حدّق في النقطة على الخريطة، ثم في عيني باتريكا. كانت تراقبه بتركيز، تنتظر قراره.

نوار لم يكن مرتاحًا، ولم يكن عليه أن يقول شيئًا حتى يدرك رعد ذلك، لكنه لم يقاطع، فقط ظل يراقب بصمت.

“أراضي الغرباء؟” همس رعد أخيراً بنبرة صوت بارده 

“أراضي المهجرين.” صححت باتريكا وشفتيها ترسمان شبه ابتسامة.

لم يعجبه المصطلح، لكنه لم يناقشها فيه، كل ذئب يعرف أن من يعيش هناك ليس له ولاء، ليس له انتماء، فقط مجموعات مشتتة، ضائعة، تعيش على الحافة، ولا تثق بأحد، هناك حيث تعيش حتى كائنات لم يسمع عنها احد، أرض ضياع مهجوره وموحشه

“ماذا يوجد هناك ؟”

“شيء يخصني، هذا كل ما تحتاج معرفته.”

نوار زفر بصوت خافت، ثم استقام واقفًا:

“هذه ليست لعبة يا باتريكا.”

“ولا أنا هنا للعب يا نوار قالت بهدوء، ثم عادت لتنظر إلى رعد، الذي لم يكن قد قال نعم بعد، لكنه أيضًا لم يرفض.

كان بإمكانه أن يرفض، ببساطة، كان يمكنه أن يخرج من القبو ويدعها تغرق في أسرارها، لكنه لم يفعل، لأن اسم رفيقته قيل على لسانها، ولأن حتى أضعف خيط قد يقوده إلى إجابة

مرّر أصابعه فوق الطاولة، فوق الخريطة، فوق النقطة التي أشارت إليها.

ثم رفع عينيه وقال:

“كم لديّ من وقت؟”

ابتسمت باتريكا.

“خمسة أيام.”

كانت باتريكا صبورة، لم تستعجل رعد ليقبل، لكنها أيضًا لم تخفِ ارتياحها حين سأل عن الوقت، هذا يعني أنه سيذهب، أو على الأقل يفكر بالأمر.

أخرجت من جيبها صورة مطوية، وضعتها أمامه ببطء، لم تكن صورة واضحة، مشوشة بالأبيض والأسود، وكأنها مأخوذة من كاميرا مراقبة رديئة.

“أريد هذا الرجل.”

نظر رعد إلى الصورة،كانت لشخص يقف في زاوية شارع ضيق، ملامحه غامضة، لكنه بدا بشريًا تمامًا، لا شيء يوحي بأنه ذئب أو أنه يشكل تهديدًا واضحًا.

رفع رعد عينيه إلى باتريكا، ينتظر تفسيرًا.

“إنه هناك، في أراضي المهجرين.” قالت وهي تضغط بأصابعها على الصورة، “وأريده حيًا.”

نوار عبس، بدا مستعدًا للاعتراض، لكن رعد سبقه بسؤال آخر:

“لماذا؟”

هنا فقط، للمرة الأولى منذ بداية الحديث، تلاشت ابتسامة باتريكا. تراجعت في جلستها قليلًا، نظرت إلى الصورة نظرة قصيرة قبل أن تعود إليه.

“هذا ليس من شأنك.”

راقبها رعد بصمت، لم تعجبه الإجابة، ولم تعجبه الطريقة التي تفادت بها النظر إليه بعد قولها، كان بإمكانه أن يسحقها، ان يعذبها حتى يحصل على المعلومات ، لكنه لم يفعل. ليس الآن.

“خمسة أيام؟” كرر ببرود.

“خمسة أيام.” أكدت باتريكا.

وقف رعد، التقط الصورة ووضعها في جيبه، ثم استدار نحو الباب.

قبل أن يخرج، أضاف دون أن يلتفت إليها:

“إذا كان هذا الرجل يستحق العناء، فعليه أن يكون حيًا حين أصل إليه.”

ثم غادر.

 •تابع الفصل التالي “رواية الفتاة التي حلمت ان تكون ذئبة” اضغط على اسم الرواية 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *