الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة
8
راقب رعد الذئبة الصغيرة وهي ترتجف، غارقة في رؤيتها، قبل أن تفتح عينيها ببطء، كأنها عادت من عالم آخر
لم يكن من النوع الذي يؤمن بالخرافات بسهولة، لكنه لم يكن أحمق ليتجاهل تحذيرًا كهذا.
قال بهدوء: “أكملي.”
همست الذئبة، وكأنها تخشى أن يسمعها شيء آخر غيره: “الطريق مفتوح، لكن هناك ظلال تراقب ليست ذئابًا، وليست بشرًا. شيء آخر…”
رفع رعد رأسه، يتأمل الجبال أمامه، الصخور الحادة تكدست فوق بعضها كأنها أسنان وحش نائم،الكهف كان هناك، يختبئ بين الظلال، لم يكن بحاجة إلى أن يكون مستبصرًا ليشعر بأن المكان يرفضه.
“ابقِ خلفي.” أمرها بصوت منخفض، وانطلق إلى الأمام بخطوات حذرة
اذا كنت سأذهب لمكان لا أعرفه للبحث عن رجل لا أعرفه لابد أن أعرف ماذا كانت باتريكا تفعل هنا؟
كل شيء كان هادئًا… أكثر مما يجب، لا أصوات حيوانات، لا حفيف أوراق، حتى الرياح بدت وكأنها حبسَت أنفاسها،وصل إلى مدخل الكهف، فتحسس الصخور بأصابعه باردة… أكثر برودة مما ينبغي، كهف لازيخ!!
همست الذئبة من خلفه: “هذا ليس مكانًا عاديًا، يا سيدى
“أعلم.”
تقدم إلى الداخل كانت الرائحة أول ما ضربه—رائحة عتيقة، كأن المكان لم يفتح منذ قرون، الجدران كانت ملساء في بعض المواضع، خشنة في أخرى، كأن شيئًا قد حفرها بأيدٍ ليست بشرية.
ثم… سمعه.
صوت…
لا كانت همهمة.
شيء يتحرك في الظلام، ليس صدى خطواته، وليس الرياح، توقف، والذئبة تجمدت خلفه.
“من هناك؟” قال بحدة.
الصوت لم يجب، لكنه اقترب.
وفجأة، اشتعل الكهف بلون أحمر خافت، كأن الدم سال عبر جدرانه، رأى الظل لأول مرة—لم يكن جسدًا واضحًا، بل كيانًا يتشكل في الفراغ، كأنه مصنوع من دخان أسود، لكن عيونه… عيونه كانت حقيقية، متوهجة كجمرة تحت رماد.
“أخيرًا، جئتَ إليَّ.”
الكلمات لم تصدر من فم، بل انبثقت من الهواء نفسه، كأن الكهف تحدث معه.
لم يتراجع رعد، لكن شيئًا داخله أخبره أنه على حافة شيء لم يفهمه بعد.
“من أنت؟”
الظل لم يتحرك، لكن صوته كان كابتسامة خبيثة: “أنا ما كان يجب أن يُنسى.”
ورأى رعد ما لم يكن مستعدًا لرؤيته—رأى وجه رفيقته كارا داخل الظلام، عيناها مفتوحتان، لكن نظرتها… لم تكن نظرة كائن حي
تيبس رعد فى مكانه لشهور، كان ظن انه نسى ومع اول لحظه شعر ان قلبه ينفجر
الروح التى تسكن الكهف تتلاعب بك سيد رعد همست جود بخوف
مرت الكلمات خلال سمع رعد لكنه لم يكن مستعد ان يفقد الذكرى
تجمد رعد في مكانه، عيناه مثبتتان على وجه كارا المحاصر داخل الظلام، لم تكن ميتة… لكنه لم يكن متأكدًا إن كانت حية، نظرتها خاوية، كأنها ترى من خلاله، وكأن روحها قد امتصها شيء أعمق من الموت نفسه.
همست جود الذئبة الصغيرة من خلفه: “هذا… ليس طبيعيًا، يا سيد.”
لم يجبها. كان يعلم ذلك بالفعل.
“كارا !” صرخ باسمها، لكن لم يكن هناك رد، لم يرمش وجهها، لم يتغير تعبيرها، حتى مع صدى اسمه الذي ارتد بين جدران الكهف.
لكن الكيان المظلم ضحك، ضحكة لم تكن بشرية، بل كانت أقرب إلى تمزق شيء ما داخل الهواء نفسه.
“إنها تسمعك، لكنها ليست لك بعد الآن.”
“أعدها إليّ.”
“أعدها؟” تكررت الكلمة داخل الكهف وكأن الأصوات تتلاعب بها، حتى أصبحت همسات مشوهة، “لقد جلبتَها إليّ بنفسك، حتى لو لم تدرك ذلك.”
شعر رعد بأن الكهف أصبحت أصغر، كأن الصخور تنحني ببطء لتحيط به أخذ خطوة إلى الأمام، لكن الأرض تحركت تحت قدميه كأنها ليست ثابتة تمامًا.
همست الذئبة من خلفه: “يا سيد… هذا المكان يحاول أن يبتلعنا.”
كان على رعد أن يتصرف بسرعة، نظر إلى كارا مجددًا—إذا كان جسدها هنا، فمن الممكن أن تعود روحها، لكن كيف؟ لم يكن يعرف ما هذا الشيء الذي يقف أمامه، ولم يكن متأكدًا إن كان يمكن قتله بالطريقة التقليدية.
“ماذا تريد؟” سأل أخيرًا.
الكيان لم يتحرك، لكنه تحدث بنبرة كأنها آتية من أعماق الجبل نفسه.
“تريدها؟” قال بصوت خافت لكنه يحمل ثقلاً كأنه يدعوه لاختيار طريق لا رجعة فيه، “إذن، أجبني أولًا: لماذا قتلت الساحرة؟”
رعد تراجع خطوة. “الساحرة؟”
“المرأة التي اختفت، التي ادّعيتم أنها ماتت.”
تذكر القصة، قالوا إن والد رعد قتل ساحرة كانت تعيش هنا، لكن لم يعثروا على جثتها أبدًا. لم يكن مهتمًا بالقصص القديمة، لكن الآن… الآن أدرك أن هذا المكان لم ينسَ.
“لا علاقة لي بذلك.” قال ببرود، رغم أنه بدأ يشعر أن هذا الظل لم يكن كائنًا بسيطًا.
“لكن دمك يحمل إرثه، أليس كذلك؟”
عندها، شعر بشيء يتغلغل داخله—ليس جسديًا، بل كان كأن شيئًا خفيًا يمر عبر عروقه، يزن أفكاره، يختبره.
“أنت وريث الدم الذي سُفك هنا،والآن، إما أن تُعيد ما سُلِب، أو أن تصبح أنت وقومك مَن يُسلبون.”
ثم، ولأول مرة، تحرك الظل، تمدد، انشق، وكأن داخله كان بوابة إلى مكان آخر.
وعندها رأى رعد الحقيقة—
رأى الساحرة.
لم تكن ميتة، لم تكن حية، كانت عالقة، مثل كارا في شيء بين الحياة والموت، وجهها مشوه، نصفه بشري والنصف الآخر كأنما تآكل بفعل الظلام.
وهمست له: “لقد أعدتموني.”
لكن بأي ثمن؟
شعر رعد بقشعريرة زحفت على عموده الفقري، لكن ملامحه لم تتغير
أمامه، كانت الساحرة تحدّق به بعيون نصفها بشرية، والنصف الآخر كأنه ثقب مظلم في الوجود نفسه.
“أعدنا ماذا بالضبط؟” سأل، رغم أنه شعر بأنه يعرف الإجابة مسبقًا.
الكيان المظلم هو من أجاب، صوته يلتف حوله كالأفاعي: “الدم لا يموت… إنه فقط ينتظر.”
رفعت الساحرة يدها ببطء، وأشارت إلى كارا “كما سُلب مني جسدي… سُلب منها روحها، الآن، يجب أن يتم التوازن.”
رعد قبض يده، لم يعجبه الاتجاه الذي تسير إليه الأمور. “ما التوازن الذي تتحدثين عنه؟”
ابتسمت الساحرة ابتسامة ملتوية، لكنها لم تجب،بدلاً من ذلك، انبعث صوت آخر… همهمة، لكن ليست بشريّة. كانت أكثر قدمًا، كأنها لغة قادمة من عصور لم تترك أثرًا خلفها.
وفجأة… تحرك جسد كارا
لم يكن تحركًا سلسًا،كان كأن أوتارها تُشدّ من الداخل، كما لو أن قوة خفية تحاول إحياء دمية مكسورة.
“إن لم تسترد روحها، ستصبح لي.”
كلمات الساحرة كانت باردة، حاسمة، كأنها حكم صدر بالفعل.
لكن رعد لم يكن من النوع الذي يقبل بالأحكام.
“وما الثمن؟” سأل، رغم أن حدسه أخبره أنه لن يعجبه الجواب.
رفعت الساحرة يدها… وأشارت إليه.
“دمك.”
الهواء نفسه بدا وكأنه تجمّد
الذئبة الصغيرة خلفه شهقت بصمت، لكنه لم يلتفت إليها.
“دم الألفا، دم ابن القاتل، دم الذئب الذي لم يحنِ رأسه.” الساحرة تقدمت خطوة، عيناها تلمعان بشيء أشبه باللذة. “أنت وحدك قادر على كسر ما بدأه والدك. إما أن تعطي جزءًا منك… أو تأخذ منها للأبد.”
كان يعرف أنها لا تكذب. كان يمكنه أن يشعر بالحقيقة تزحف في عظامه.
التعليقات