لفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة
١١
حدّق رعد في الرجل أمامه، يحاول تحليل كل تفصيلة في وجهه، في جلسته، في تلك الابتسامة التي لم تكن سخرية، بل كانت شيئًا آخر… شيئًا لا يطمئنه.
كان المكان حولهما غريبًا—لم يكن مجرد فضاء مظلم، بل كان يتحرك، يتنفس، كأنهما داخل مخلوق حي، أو ربما داخل حلم شخص آخر.
لم يتحرك الرجل من عرشه، لكنه مال قليلًا للأمام، وعيناه الثابتتان على رعد لم ترمشا أبدًا.
“هل تعرفني؟” سأل رعد، محاولًا اختبار رد فعلة
ضحك الرجل، بصوت لم يكن مرتفعًا لكنه تردد في الفضاء كأنه صدى آلاف الأصوات.
“المعرفة كلمة مضللة،” قال، ثم أضاف: “لكن، نعم… أعرفك أكثر مما تعرف نفسك.”
لم يرد رعد على الفور، لكنه شعر أن هذه الإجابة لم تكن مجرّد لغز فارغ.
“ما علاقتك بباتريكا؟”
هذه المرة، لم يضحك الرجل، بل صمت لثوانٍ، كأنه يقيس كلماته.
“أنت ترى الأمور من منظور صغير، يا رعد ” أشار إلى الفراغ حولهما، وقال: “العالم أوسع مما تتخيله، وهناك أشياء أكبر من صراعات القطيع.”
“أنا لم أسأل عن العالم.” شدّد رعد على كلماته “سألتك عن باتريكا.”
ابتسم الرجل، وكأنّه أعجب بإصراره.
“باتريكا تحتاجني، لأنني آخر من يحمل ذاكرة هذا المكان.”
“أي مكان؟”
“عالمي، الذي دُفن تحت عالمكم.”
صمت رعد، لكنه شعر بقشعريرة تجتاح جسده.
“لماذا تحتاج ذاكرتك؟”
“لأنها تريد استعادته.”
كان قلب رعد ينبض بقوة.
“استعادته؟”
“هذا المكان… لم يكن كما تراه الآن، كان مدينة، كان وطنًا، كان مملكة قديمة قبل أن تتحول إلى سجن للمنسيين، وقبل أن يُحكم علينا بالاختفاء، أخفينا شيئًا هنا—شيئًا لا يجب أن يقع في اليد الخطأ.”
“وباتريكا تريد هذا الشيء؟”
“إنها تبحث عنه، لكن السؤال الحقيقي، يا رعد…” نظر إليه نظرة عميقة، “هل ستسمح لها بالحصول عليه؟”
رعد لم يجب.
كان يعلم أنه إذا أراد الحقيقة، فعليه أن يخطو خطوة أعمق داخل هذا اللغز.
كانت كلمات الرجل تتردد في عقل رعد، تترك خلفها صدى لا ينطفئ. مدينة قديمة؟ ذاكرة مدفونة؟ شيء لا يجب أن يقع في الأيدي الخطأ؟
لكن الأهم من ذلك كله… وعده لباتريكا.
لم يكن من النوع الذي يطلق وعودًا عبثًا، ولم يكن من النوع الذي ينكث بها.
أخذ خطوة للأمام، عيناه ثابتتان على الرجل الذي جلس كأنه ملك على عرش من الظلال.
“لا يهمني الماضي الذي تحاول إخفاءه.” قال رعد أخيرًا، نبرته كانت هادئة لكنها مشحونة بالقوة، “لقد منحت كلمتي لشخص، ولن أتراجع عنها.”
“وهل تعتقد أن كلمتك لها أي وزن هنا؟” سأل الرجل، صوته هادئ لكنه يحمل تحذيرًا خفيًا.
“كلمتي هي الشيء الوحيد الذي لا يستطيع أحد انتزاعه مني.”
للحظة، صمت الرجل، ثم انحنى قليلًا إلى الأمام، كأنه يحاول رؤية ما بداخل رعد، ما خلف قناعه، ما خلف غضبه.
ثم قال: “إذا كنت حقًا مصممًا على الوفاء بوعدك… فعليك أن تجدني أولًا.”
قبل أن يتمكن رعد من الرد، بدأ العالم من حوله ينهار.
الجدران الحية، الظلال المتراقصة، العرش نفسه—كل شيء بدأ يذوب، وكأنّه دخان يتلاشى في الريح.
رعد شعر بقوة غريبة تجذبه إلى الخلف، نظر حوله، بحث عن الرجل، لكنه كان قد اختفى بالفعل.
ثم—
عاد إلى العالم الحقيقي.
—
شهقت جود وهي تراه يسقط على ركبتيه، العرق يتصبب من جبينه، عينيه متسعتان كأنه خرج من كابوس حي.
“سيدي!”
رعد تنفس ببطء، ثم نظر إلى جود.
“علينا العثور عليه.”
“من؟”
وقف، مشدودًا كوتر قوس.
“الرجل الذي تبحث عنه باتريكا.”
جود ترددت. “هل… هل تعرف أين هو؟”
رعد.. مسح العرق عن جبينه، وأخذ نفسًا عميقًا.
“ليس بعد، لكنه لن يختبئ مني طويلًا.”
رفع عينيه إلى الأفق، حيث تمتد أرض المهجرين أمامه—أرض لا تخضع لأي قوانين، حيث يختبئ المنفيون والمنسيون، وحيث تتلاشى الفوارق بين الأسطورة والواقع.
إن كان الرجل هنا…
فلا شيء سيمنعنى من العثور عليه، كارا تستحق الأفضل وحتى لو مت وانا احاول فلن اكفر عن فقدانها
التعليقات