رواية عشق تحت القيود الفصل الرابع 4 بقلم هاجر عبدالحليم
رواية عشق تحت القيود الجزء الرابع
رواية عشق تحت القيود البارت الرابع
رواية عشق تحت القيود الحلقة الرابعة
ف منزل عادل
الجو في البيت كان مشحونًا بالهدوء الذي يسبق العاصفة. وسام وقفت أمام النافذة، عيناها ضائعتان في الفراغ، بينما كان عادل جالسًا على الأريكة، يشبث بالسكوت الذي يفصل بينهما. نظراته تتنقل بين يديها وبقية الغرفة، لكنه لم يجرؤ على الكلام.
بعد لحظة من الصمت الثقيل، قطعت وسام الكلام بلهجة ثابتة، رغم التوتر الذي يعصف بها:
مفيش مفر ياعادل ارجوك ريحني منك ومن وجعك شوية انا مبقتش حتى قادرة انام كويس كل يوم بحس انه في مصيبة هتحصل بسبب جوازنا انا مش اد ابوك لو عرف ممكن يمحيني من ع وش الدنيا خالص
كأن الكلمات سقطت على رأسه كالصاعقة، ارتعش في مكانه ونظر إليها بدهشة واضحة، لم يستطع أن يصدق ما سمع
“انتي مش بتزهقي ياوسام بقا اسهل حاجة عندك تهدديني اي لبانة ف بقك لو فاكرة انك ضامنة حبي ليكي تبقى غلطانة طريقتك دي كفيلة تهدم حب سنين ومش كل مرة امسك فيكي
وسام لم ترفع عينيها عنه، بل ظلّت تطالع الأرض كأنها تبحث عن شيء هناك. قالت ببطء، لكن كلماتها كانت قاطعة:
“إحنا مش عايشين مع بعض زي اي اتنين ياعادل
عادل نهض من مكانه بسرعة، وعينيه مليئة بالدهشة والألم:
” وانتي عايزة تتجوزي واحد يكون ليكي لوحدك صح ومتضطريش تتهاني ويكون هو قدامك ساكت مش قادر يدافع عنك مش كدا؟
وسام نظرت إليه بوجه خالي من المشاعر، ثم أضافت بوضوح:
“وفر كلامك دا ياعادل والله مش هيغير حاجة
ألم في قلبه، لكنه حاول أن يتمسك بأي خيط أمل.
“يعني إيه؟ هتسيبيني؟ الطلاق ده هو الحل الوحيد اللي يرضيكي ياوسام؟
وسام شالت حقيبتها بهدوء، وملامحها جادة.
“أيوة، الطلاق. ده الحل الوحيد. وأنا مش هفضل هنا ولا ثانية زيادة في حياة مليانة كذب هروح، ومش هرجع تاني وانت ياريت متحاولش تدور عليا
عادل، وهو يحاول أن يتمالك نفسه، قال بصوت منخفض مليء بالرجاء:
“وسام، لو في أي حاجة ممكن نعملها، حتى لو كانت صعبة، أنا مستعد أعملها لو عايزاني اروح اتكلم مع ابويا حالا ونواجه سوا مستعد اخدك من ايدك دلوقتي
واللي يحصل يحصل
وسام رفعت عينيها عليه، وعينيها كانت مليئة بالحزن الذي لا يمكن كتمه. نظرت له للحظة طويلة، وكأنها كانت تحاول أن تقرأ في عينيه ما كان قد ضاع منها. ثم قالت، صوتها كان ثابتًا رغم الألم الذي يعتصر قلبها:
“وضعفك قصاد داليا وتاثيرها الجسدي عليك هتعرف تغير دا؟
عادل انتفض وكأن صاعقة ضربته، لم يصدق ما سمع. حاول أن يقترب منها، وقال بصوت مليء بالدموع:
“وسام، إزاي؟ إحنا عشنا مع بعض أجمل لحظات حياتنا، في الاخر عايزة النهاية دي؟
وسام كانت واقفة، عينيها على الأرض، وكأنها تسترجع كل لحظة وكل ذكرى. بعد لحظات من الصمت، رفعت رأسها وقالت، والنبرة في صوتها كانت حزينة لكنها حاسمة:
“لما تعيش مع شخص طول الوقت بيخدعك، وبيكسر فيك حاجات ما كانتش لازم تتكسر، ما بترجعش تاني. يمكن لو كنت أدركت من البداية، كنت هسكت، كنت هقبل، لكن دلوقتي كل شيء مات ومبقاش ف قلبي حاجة تشفعلك؟ وصدقني
الحب لوحده ما بيشيلش الألم، . كنت بحبك لدرجة أني كنت بنسى كل حاجة ، حتى نفسي. لكن دلوقتي خلاص
عادل شعر كأن قلبه تمزق، وبدون أن يستطيع منع نفسه، قال، صوته هادئ ولكنه مليء بالوجع:
” انا مستعد اسيبك بس مش هطلقك هخليكي تروحي تهدي نفسك وتصفي خالص وترجعي لحضني من تاني
وسام، بدموعها التي أخفتها، ردّت بحزنٍ عميق:
“كل لحظة معاك كانت حرب، وكل لحظة كنت فيها معاك كانت بمثابة جرح جديد. أنا مش هقدر أعيش في دوامة الألم دي تاني. أنا لازم أمشي نهاءي من حياتك
عادل نظر إليها في صمت، وعينيه مليئتين بالحزن، وكأن جزءًا من حياته قد ضاع إلى الأبد. لكنه حاول أن يتمسك بأي شيء، فقال بصوت مخنوق:
“أنا بحبك يا وسام. أنتِ نصي التاني، عمري من غيرك ملوش طعم.”
لكن وسام كانت حازمة في قرارها، وقالت بصوت مكتوم، كأنها تفجر كل ما في قلبها:
“وأنا كنت بحبك يا عادل، أكتر من أي حاجة في حياتي. لكن الحب ما بيمحيش الجرح، ولا بيشيل الخيانة. قراري ده مش سهل، بس لازم أمشي، لازم أعيش بعيد عن كل اللي كنت بعيشه.”
ثم، قبل أن تلتفت للخروج، قالت بنبرة أخيرة، مليئة بالمرارة:
“أنت كنت كل شيء، كل شيء لكن دلوقت انت ولا حاجة
وسام فتحت الباب، وخرجت من دون أن تلتفت وراءها، تاركة عادل في مكانه، قلبه محطم، يحاول أن يستوعب أن كل شيء انتهى.
ف الكوافير
كانت وسام واقفة أمام المرآة، تسرح شعر الزبونة بيدين مرتجفتين. عيونها كانت تائهة في الفراغ، لا تركز فيما تفعله، كل أفكارها تذهب إلى عادل، وكل لحظة كانت تذكره بها، تعيدها إلى الوراء. كانت أصوات المجفف والمقص تتداخل مع همساتها الداخلية، ولكن الألم الذي كانت تشعر به كان أكثر حدة من أي صوت آخر.
فجأة، لمحت في عيون الزبونة نظرة استياء، وقد شعرت بأن شعرها لم يعد يظهر بشكل جيد. كانت قد ارتكبت خطأ في تسريح الشعر، ولكنه كان بسيطًا في البداية. لكن الزبونة بدأت تعترض بصوت مرتفع:
“إيه ده؟ ده مش الشكل اللي طلبته! انتي بوظتي شعري خالص بقا انتي وسام اللي الكل ببشكر فيها دا انا جاية وضامنة اني هنبهر بشكلي دا مش منظر خالص دا انا هخرب بيتك
وسام، التي كانت في حالة فقدان تام للتركيز، تجاهلت كلمات الزبونة في البداية، لكن الزبونة كررت شكواها بحدة:
“إزاي تسرحي شعري بالشكل ده؟ ده مش اللي أنا طلبته، ده فشل زريع منك وبصراحة انتي عار ع المكان دا ولازم تمشي فورا
الغضب بدأ يشتعل في قلب وسام، شعرت وكأن كل شيء حولها ينهار، وكانت الكلمات تخرج منها بشكل مفاجئ وبدون تفكير:
“في اي؟ بتزعقي ليه؟ مش عاجبك روحي، واعملي في شعرك في مكان تاني!”
الزبونة، التي كانت غاضبة بالفعل، ردّت عليها بتحدي:
“أنتِ اللي مش فاهمة شغلك، يا فاشلة. أنا مش جايه هنا علشان تبوّظي ليا شعري!” وانتي لو فضلتي قاعدة هنا ثانية واحدة هرفع قضية ع البيوتي سنتر واقفلو خالص
في لحظة فقدت فيها وسام أعصابها، أمسكت بكأس العصير الذي كان على الطاولة بجوارها، ورمته على وجه الزبونة، مما جعل السائل ينساب على وجهها. الغرفة سكتت فجأة، وعين الزبونة كانت تدمع من الغضب. كانت هذه اللحظة هي بداية تهدم كرامتها، وكل شيء بداخلها انفجر في لحظة واحدة.
داليا، التي كانت تراقب الموقف من بعيد، اقتربت ببطء. عيونها مليئة بالتركيز، لم تبدِ أي تعبير، لكنها كانت تستمع لكل كلمة، تراقب كل حركة. وقالت ببرود شديد:
“وسام، إيه اللي عملتيه ده؟ ده غير مقبول. اعتذري للزبونة فورًا.”
لكن وسام، التي كانت تعيش في حالة انهيار داخلي، لم تتمكن من تقبل الفكرة. قالت بصوت حازم:
“لا! أنا مش هعتذر ليها. هي اللي استفزتني. وكله الا كرامتي وانا مش ملزمة استحمل كلام حد مش ع هوايا
داليا، بهدوء قاتل، نظرت لها وقالت:
“لو مش هتعتذري، يبقى خلاص… استقيلي.”
وسام كانت متفاجئة من رد داليا، شعرت وكأن الأرض تهتز من تحت قدميها. لم تعتقد أبدًا أن الموقف سينتهي بهذه الطريقة، وقالت بصوت متقطع:
“تمام اوي حضرتك انا ماشية ومش هرجع تاني اعتبريني مستقيلة
وخرجت من الكوافير، محطمة، عيونها مليئة بالغضب والإحباط. وبينما هي تتجه نحو الباب، اصطدمت فجأة بشخص ما. رفعت رأسها لتجد عادل أمامها. وقفت للحظة وكأن الزمن توقف، كانت ملامحه تروي عن مدى الدهشة التي أصابته. هو لم يكن متوقعًا أن يراها هنا، في هذا الموقف.
نظرت له وسام بنظرة مختلطة بين الحقد والعتاب، عيونها مليئة بالآلام والذكريات التي لم تقدر أن تنساها. نظرت إليه دون أن تنطق بكلمة، وعينها كانت تغلي من الألم. لكن فجأة، تراجعت بخطوات سريعة، وبدون أن تقول أي شيء، ابتعدت عنه وخرجت من المكان.
عادل، الذي كان يقف في مكانه غير قادر على الرد، كان يشعر بثقل ما وقع في قلبه. كان يراقبها وهي تبتعد عنه، وكل خطوة كانت تزيد من حسرته على ما حدث.
ف مكتب داليا
كانت داليا تجلس وراء مكتبها، مسترخية تمامًا، ابتسامتها تحمل لمسة من السعادة. كانت تشعر بأن الأمور بدأت تتحسن بعد رحيل وسام. كانت تدرك جيدًا أنها أخذت خطوة جريئة وأنها نجحت في تحريك الأمور لصالحها، لكن وجود عادل أمامها الآن، قلقًا ومتوترًا، جعلها تشعر بشيء من التسلية. عادل كان يقف أمام المكتب، يحاول أن يتمالك نفسه، وعينيه مليئة بالهموم.
عادل قال بصوت متوتر:
“داليا، لو سمحتي، لازم نرجع وسام… هي مفيش ليها مصدر دخل غير هنا، وإنتِ عارفة الظروف.”
داليا نظرت له بثقة، ابتسامة خفيفة على وجهها، ثم ردّت ببرود:
“وأنت شايف إن ده شغلي؟ ما تحاولش تخليني أرجع وسام علشان مصلحتها. إذا كان عندها مشكلة، ده مش شغلي أبدًا.”
عادل تنهد، يحاول أن يجد طريقة لإقناعها، لكن قلبه كان مشغولًا بمشاعر متضاربة. قال بحذر:
“أنا مش جاي عشان أضغط عليكِ، لكن هي كانت جزء من شغلك. لو مش هترجعيها ممكن تكون فيه مشاكل تانية ويبقي ذنبها ف رقبتنا
داليا بدأت تراقب تعبيرات وجهه، وعينيها مليئة بالتحدي. فاجأتها محاولته لإقناعها بما يبدو أنه حرص على مصلحة الآخرين، وبدأت تشعر أنه يحاول إخفاء شيء آخر. فقالت بحدّة:
“مش فاهمة إيه العلاقة بيني وبين مشاكلها الشخصية. لو كانت عندها مشاكل معاك أو مع حد تاني، ده ميخصنيش . أنت المفروض تدير حياتك الشخصية بنفسك، مش جاي تحطها على اكتافي لوحدي
عادل بدأ يتوتر أكثر، وكان يلتفت يمينًا ويسارًا، يبحث عن طريقة لتغيير الموضوع، محاولًا الخروج من الموقف المحرج الذي وضع نفسه فيه.
“أنا مش أقصدي أزعجك، بس أنا مش عارف ابطل تفكير البنت دي لازم ترجع ولو محصلتش منك انا بنفسي هروح اجيبها
داليا، التي بدأت تستمتع بتوتره، قررت أن تنتهز الفرصة. اقتربت منه بسرعة، وجلست بجانبه، وأمسكت بيده بشدة، مما جعله يشعر بالارتباك. لم يمهلته، وسحبته على الكرسي، ثم، في لحظة مفاجئة، قبلته بشدة.
عادل، الذي لم يكن يتوقع هذا التصرف المفاجئ، تجمد في مكانه، شعر بخفقان قلبه يتسارع، لكنه لم يقاوم. بدا أن تأثير داليا عليه كان أكبر مما يتصور، وبدلاً من أن يبتعد، بدأ يبادلها القبلة، بطريقة غير مفهومة.
داليا نظرت إليه بابتسامة غامضة، وقالت بنبرة هادئة لكنها مليئة بالثقة:
“إنت مش لوحدك، ياحبيبي. إنت ممكن تكون معايا… هتكتشف ده قريب.”
لكن، قبل أن يستطيع الرد أو أن تستمر اللحظة، فجأة فتح الباب بقوة. دخل شخص لم يكن في الحسبان، وصدم الجميع. عادل نظر إليه بصدمة، ووجهه تغير بالكامل. كان هذا الشخص هو…
ف مكتب داليا
وقف الجميع في المكان لثانية، قبل أن يظهر رجل قوي البنية، بوجه صارم وعينين حادتين، رجلٌ كان من المفترض أن يكون غائبًا تمامًا عن المشهد. دخل الرجل بهدوء، ملامحه مليئة بالجدية، ووقف عند الباب وكأنه تمثال من الصخر. كانت هيبته تملأ المكان، وكل من في الغرفة شعر بالصدمة والدهشة في اللحظة نفسها.
كان كمال، والد عادل، يدخل في تلك اللحظة!
كان هذا ظهورًا صادمًا أكثر من أي وقت مضى.
كل شيء توقف. نظرات عادل كانت مليئة بالمفاجأة، لم يستطع تصديق أنه يراه هنا، في هذا المكان، في هذا التوقيت. لم يكن يتوقعه أبدًا، وارتباكه كان واضحًا في عينيه. أما داليا، فقد كانت تبتسم ابتسامة غامضة، وكأنها تعلم أن لحظة الحقيقة قد حانت.
كمال، الذي دخل بهدوء، نظر إلى عادل أولاً، ثم إلى داليا، وكأن نظراته كانت تقيم الموقف بشكل سريع، وحجم الاضطراب الذي حلّ في الغرفة. ثم، بصوت حاد وعميق، قال:
“إيه اللي بيحصل هنا؟”
كلمات كمال كانت كالصاعقة. كانت مليئة بالقوة والتحدي، ولا شيء في المكان يمكن أن يخفي حجم المفاجأة التي خلقها دخوله المفاجئ.
عادل، الذي كان يحاول التماسك، نهض من مكانه بسرعة، لكن قلبه كان ينبض بسرعة غير طبيعية. حاول أن يبتسم قائلاً:
“بابا..غريبة عمري م توقعت اني الاقيك هنا ف الوقت دا بالذات
كمال تجاهل حديثه تمامًا، واكتفى بنظرة جادة على داليا، وقال، بلهجة مليئة بالسلطة:
“وأنتِ، كنتِ متوقعة إننا هنسكت على كل حاجة؟ تفتكري إننا هنسيب الأمور تمشي كده؟” انتي متاكدة اني بظهر ف الوقت اللي الامور بتبوظ مش معني انك المديرة هنا تنسى انه الامر الناهي ف اي مكان هو انا
داليا لم ترد فورًا، بل حافظت على ابتسامتها، وكأنها استعدت لهذه اللحظة. كانت تراقب بعناية رد فعل كمال، ولكن في أعماقها، كانت تدرك أن الأمور الآن أصبحت خارج السيطرة.
كمال، الذي شعر أن الموقف بدأ يخرج عن نطاق السيطرة، اتخذ خطوة أخرى، وقال بحزم:
“اللي حصل ده مش مجرد حادثة بسيطة. لو كانت وسام مش جزء من هذا المكان، يبقى أنا لازم أعرف السبب حالا انها ليه مش موجودة تحت وانتي متاكدة انها اساس نجاح البيوتي سنتر. وده مش سؤال ممكن تتجاهليه واي كان السبب وسام هترجع وبكرة لازم تكون موجودة بتباشر عملها انتي فاهمة؟
اللحظة كانت على حافة الانفجار، وعادل شعر أن الأرض تكاد تبتلعه.
ف مكتب داليا
بعد أن غادرت داليا المكتب، ساد الصمت بين كمال وعادل. كانت الغرفة مشحونة بالتوتر، لكن عادل، الذي كان يعاني من صراع داخلي، شعر بشيء من التخفيف بعد خروجها. نظر إلى والده بعينين متوترتين، ولم يدرِ من أين يبدأ. كمال، الذي كان يراقب ابنه عن كثب، قرر أن يتحدث أخيرًا.
“إنت مش هتقدر تتهرب من القرارات الصعبة، يا عادل. زي ما قلت لك قبل كده، لازم تحط شغلك في الأول. مش ممكن تسيب مشاعر الناس تلهيك عن مصلحة العمل.”
عادل، الذي كان يضع يديه على الطاولة ويحاول تهدئة نفسه، تنهد وقال:
“يا بابا، أنا فاهم كل حاجة. مفيش حاجة أهم من الشغل، بس أنا مش قادر أتصرف كده مع وسام. أنا عارف إنها غلطت، بس مش لازم نظلمها كده.”
كمال نظر إليه بدهشة، ثم قال بحزم:
“إنت فاكر إنك بتعمل الصح؟ أنت مش جاي تشتغل عشان تشيل هموم الناس، ده شغل كبير، وفيه حاجات لازم تتعامل معها بحزم. وسام غلطت، ولازم تتحمل تبعات غلطها داليا مغلطتش معاها
عادل شعر أن والده بدأ يضغط عليه أكثر من اللازم. نظر إليه بعينين مليئتين بالشكوى، لكنه قرر أن يرد بصوت ثابت، بعد أن كبح نفسه لفترة طويلة:
“أنا مش هخلي شغلي يدمرني يا بابا. وسام كانت معانا واشتغلت بجد، ومفيش حاجة خلتني أقرر أسيبها كده. لو رجعتها، هتبقى فرصتها ونصيبها وحرام قطع اكل العيش
كمال، الذي كان يظن أنه قادر على فرض رأيه على ابنه، شعر للحظة بشيء من الغضب. لكن صوته ظل هادئًا وهو يرد:
“إنت مش قادر تفصل بين الشغل والمشاعر الشخصية. الشغل مش مكان للرحمة،
عادل رفع رأسه، عينيه مليئة بالعزم، وقال:
“أنا عارف إني مش هخلي المشاعر تسيطر عليّا، لكن مش هسمح لنفسي أظلم حد بسبب غلطته. وسام محتاجة الفرصة دي. ولو مش هترجع، هخسرها. قصدي الشغل هيخسرها”
كمال فكر للحظة، ثم قال بصوت جاف:
“إنت شايف إنك عارف الأفضل؟ بس ماشي اتحمل قرارك انا اه حكمت عليها انها ترجعها لكن مش معني كدا تكون قادر تسلم نفسك لقلبك
عادل شعر بشيء من الراحة بعد كلمات والده. كان يعلم أن عودته إلى وسام قد تكون خطوة غير متوقعة، ولكن قلبه كان يطلب ذلك. لم يكن يريد أن يخسرها، ولم يكن مستعدًا لمواجهة ما قد يحدث إذا تركها تذهب.
“أنا هارجعها يا بابا، ده قرار نهائي.” قال عادل بصوت هادئ، لكنه كان مليئًا بالعزم.
كمال نظر إليه لفترة، ثم تنهد قائلاً:
“لو ده اللي أنت عايزه، يبقى اعمل اللي تحس إنه الصح. لكن لو الأمور ما مشيتش زي ما توقعت، مش هتكون ليك أعذار.”
عادل، الذي شعر أنه اتخذ قراره النهائي، أومأ برأسه وقال:
“أنا مستعد لتحمل كل تبعات القرار ده.
في تلك اللحظة، كانت اللحظة الحاسمة قد مرت، وعادل شعر أنه بدأ يأخذ الأمور في يدَيْه، ولكن لا يزال هناك شعور داخلي بالقلق. كمال، الذي أدرك أن ابنه قد اختار طريقه، لم يعترض أكثر، لكنه لم يكن راضيًا تمامًا عن القرار.
بينما كان عادل يستعد للقيام بالخطوة التالية، شعر أنه على وشك تغيير شيء كبير في حياته، لكنه كان يعلم أن هذا القرار لن يكون نهاية القصة، بل بداية جديدة مليئة بالتحديات.
كانت وسام جالسة على السطح، جسدها يهتز من البرد وغضبها يغلي كبركان على وشك الانفجار. الدموع لم تتوقف عن الانهمار، كأنها تغسل حطامًا متراكمًا بداخلها. كل شيء حولها بدا باهتًا، كما لو أن الحياة قررت الانسحاب من عالمها.
دُفع الباب بقوة، وظهر عادل، ملامحه صارمة ونظراته لا تعرف الهزيمة. اقترب منها بخطوات هادئة لكنها محسوبة، وكأنه يحكم قبضته على زمام المشهد. وقف أمامها، عيناه مسلّطة على وجهها الذي يفيض بالألم، وقال بصوت ثابت:
“وسام، قومي معايا. كفاية هروب.”
التفتت إليه بعنف، ووقفت بوجهه بكل غضبها المكبوت، وقالت بحدة:
“عايز إيه تاني؟! لسه مش فاهم إن وجودك هنا أكتر حاجة بتوجعني؟ أنت خنتني، وما عندكش الشجاعة حتى تواجه العالم عشاني. مش عايزة أشوفك تاني
ظل عادل ثابتًا في مكانه، نظراته اخترقتها كالسهم. اقترب خطوة نحوها، يسيطر على الموقف، وقال بنبرة باردة لكنها تخفي تحتها نيرانًا:
“أنا ما جيتش أطلب إذنك. جيت أخدك معايا. مش هسمح لك تضيعي نفسك أو تضيعيني.”
وسام صرخت بغضب، وصوتها ارتجف وهي تقول:
“مش هتتحكم فيا أكتر من كده! أنا خلاص خلصت منك. ضعيف… خاين… ما فيش حاجة تربطني بيك غير الندم!”
اقترب عادل أكثر، حتى أصبحت المسافة بينهما تكاد لا تُرى، عينيه ثابتتان على عينيها، وقال بنبرة حادة لكنها مليئة بالثقة:
“ضعيف؟! أنتِ اللي ضعيفة، وسام. بتحاولي تهربي بدل ما تواجهي. بتلوميني وأنا الوحيد اللي لسه واقف معاكي، مهما قلتِ أو عملتِ. ما تخدعينيش، أنا أعرفك أكتر من نفسك انتي من غيري ضايعة فاهمة ف تعالي بدل م اعمل حاجة تندمنا احنا الاتنين يازوجتي السرية.”
رفعت يدها في لحظة تحدٍ لتصفعه، لكنه أمسك بمعصمها قبل أن تصل إليه. قبضته كانت قوية، لكنها لم تؤلمها، وعينيه أصبحتا أكثر قتامة وهو يقول:
“أنتِ فاكرة إنك تكسري عزيمتي؟ غلطانة. أنا ما أتهزمش بسهولة. وإنتِ، ياروحي بتاعتِي… مهما حصل، هترجعي معايا.”
حاولت الإفلات من قبضته، لكن يده الأخرى كانت أسرع. أمسك بها وشدها لتصطدم بالحيطة خلفها، جسده قريب جدًا منها لدرجة جعلتها تشعر بأنفاسه الحارة. نظرت إليه بعينين يملؤهما الحنق والتحدي، لكنها لم تستطع الهروب من هالة قوته.
قالت بصوت مرتجف لكنه مليء بالغضب:
“أبعد عني، يا عادل! أنا مش لعبة في إيدك. فاهم؟ أنا مش هسمح لك تتحكم في حياتي تاني!”
ابتسم ابتسامة باردة لكنها مليئة بالثقة، وقال:
“أنا ما بلعبش،. ومش بحاول أتحكم فيكي. أنا بحمي اللي يخصني، حتى لو كان ضد رغبتك. إنتِ فاكرة إنك لو رفضتيني هسيبك؟ ده أكبر غلط ممكن تعمليه.”
تجمعت كل شجاعتها في تلك اللحظة، رفعت يدها الأخرى لتصفعه مجددًا، لكنه أمسك بها بنفس السهولة. أصبح الآن يمسك كلتا يديها، عينيه تتوهجان بإصرار، ثم قال بصوت هادئ لكنه يقطر قوة:
“إنتِ عنيدة… لكن ده مش هيفرق معايا. هخليكِ تفهمي بالطريقة اللي أنا عايزها. وأول خطوة… إنك تيجي معايا دلوقتي.”
انحنى نحوها، وقبل يدها رغم رفضها، ثم همس بجانب أذنها:
“هروح بيكِ، مش بمزاجك… بمزاجي أنا.”
ترك يدها بعد أن أحكم سيطرته على الموقف، نظرت إليه بصدمة، لكنها لم تستطع الكلام. وقف منتظرًا للحظة، ثم قال بنبرة أخف لكنها حازمة:
“معندكيش خيار، وسام. قومي… وخلي العند ده لنفسك.”
كانت تعلم أنه لا يتراجع، وكأن عنادها قد اصطدم بجدار لا
يمكن هدمه. ظلت صامتة للحظة، ثم أخذت نفسًا عميقًا، وبدأت تتحرك ببطء، وهي تعرف أنها، رغم كل شيء، لا تستطيع الهروب من قوة حضوره.
بعد لحظات من وصولهم أمام الباب، وقبل أن يتمكنوا من الدخول، صُدموا بمشهد غير متوقع. كان سامي يقف في الردهة، عيناه مشدوهتان، وكأنما كان ينتظرهم. عادل ووسام توقفا في مكانهما للحظة، ولم يستطع أي منهما فهم ما يحدث. الجو كان متوترًا بشكل غير طبيعي.
سامي، الذي كان يبدو غاضبًا جدًا، نظر إليهما بحدة وقال:
“مفاجأة، صح؟ كنت مستنيكم.”
عادل، الذي كان يحاول أن يتماسك، سأل باندهاش:
“إزاي عرفت؟”
سامي ابتسم ابتسامة ساخرة وقال:
“عرفت من نظراتكم لبعض، عادل. واضح إنكم مش قادرين تخبوا حاجة. البيت ده مش مكان للسرية مجرد مراقبة بسيطة جبت ارارك
عادل تنهد، وكانه شعر بوزن الكلمات يتساقط عليه، ثم قال بصوت منخفض:
“إنت متابعنا؟! من إمتى؟”
سامي رد بحزم:
“من يوم ما بدأت ألاحظ التغيرات بينكم. من يوم ما دخلت على الحياة دي كلها، وأنا عندي إحساس إن في حاجة مش تمام. وكنت في البداية مش عايز أصدق، لكن دلوقتي شايف كل شيء بعيني.”
وسام، التي كانت تحاول إخفاء مشاعرها، قالت بصوت منخفض:
“إنت عايز إيه؟”
سامي رد عليها بحدة، عينيه تشع بالنار:
“عايزكم تواجهوا الحقيقة. عايزكم تدفعوا التمن اللي لازم تدفعوه. جوازكم السري، اللي كنتوا بتخبوه، مش هيعدي على خير. داليا مش هتغفر لكم، وأنا مش هسمح لكم تكملوا لو مش هتكونوا صريحين.”
عادل، الذي كان يختنق من حجم الصدمة، قال بصوت متألم:
“إنت عارف إن ده مش ب ايدنا إحنا في موقف مكناش نقدر نتحكم فيه.”
سامي نظر إلى عادل وكأن كل كلمة كانت تقطع بينهما، وقال بغضب:
“أنتوا مش فاهمين. كلكم بتلعبوا بالنار، وبعدين تجيوا تقولوا مش قادرين. الجواز ده كان لازم يحصل بطريقة صحيحة، لو كنتوا حاسين ببعض، كان لازم تواجهوا كل الناس وتبقوا صريحين. مش لوحدكم، مش على حساب الجميع.”
وسام، التي شعرت بضيق شديد، ردت بصوت خافت:
“ما كنتش عايزة كل ده يحصل. مش دي النتيجة اللي كنت بحلم بيها.”
عادل، الذي كان يحاول أن يوازن بين غضب سامي وبين المشاعر التي يخفيها، قال بهدوء:
“إحنا ما كناش بنحاول نخدع حد، بس لما حبينا، ما كانش عندنا خيار غير السرية.”
لكن سامي قاطعه قائلاً:
“ما كانش عندكم خيار؟! ولا كنتوا خايفين من مواجهة الحقيقة؟! لو كنتوا صريحين من البداية، كان كل شيء هيكون مختلف. لكن دلوقتي، لو بتفكروا إنكم هتعيشوا في السرية للأبد، فإنتوا غلطانين.”
عادل كانت ملامحه مشوشة، وكان يحاول إيجاد الكلمات المناسبة لشرح الموقف، لكنه شعر بأن سامي كان قد كشف لهم كل شيء. كان لديهم الآن خيار واحد فقط: مواجهة الواقع.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عشق تحت القيود)
التعليقات