رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الرابع و الثلاثون 34 – بقلم شمس حسين
حرب باردة وصدمة غير متوقعة
صوت المنبّه قطع آخر خيط في نومي، صحيت وأنا مش عارفة إزاي هقدر أواجه أسبوع جديد في الشركة، خاصة بعد اللي حصل بيني وبين أحمد من يومين، كان التوتر خانقني، والضغط كان كتير عليا، بحبه، دي حقيقة مش هقدر أهرب منها، لكن مضطرة أخبي ده وأتصرف وكأنه مجرد زميل، لما قررت أبعد عنه، كنت فاكرة إن كل حاجة هتنتهي بكلمة “إحنا أصحاب وبس”، وإنه هيصدقني ويكمل حياته عادي، بس لا… أحمد كان أذكى من إنه يصدق كذبة زي دي، كنت متأكدة إنه مش هيسيب الموضوع يعدي بالساهل، قمت من علي السرير بالعافية، لميت حاجتي وجهزت بسرعة، قررت أركز في اللي أنا شاطرة فيه: الشغل، هو الحاجة الوحيدة اللي بتعرف تخرجني من اللي جوايا، أول ما وصلت الشركة، قعدت في مكتبي وفتحت اللابتوب، قررت مخرجش من مكتبي نهائيًا، مش عايزة أشوف أحمد ولا أواجه أي حد، وعدّى وقت وأنا مركزة في جدولي، لكن فجأة الباب اتفتح بعنف، صالح دخل متوتر بشكل غريب: “شمس! عايزين تقرير عن مشروع المركز التجاري الجديد فورًا!”، بصيت له باستغراب: “بس المشروع ده مش تحت إيدي يا بشمهندس”، قال بحزم: “أيوة، بس هو فكرتك في الأساس”، رديت بسرعة: “آه، بس بشمهندس أيمن سلمه لحد تاني ولسه تحت الدراسة”، ملامحه كانت متوترة وهو بيقول: “معرفش، جهزي اللي تعرفيه وخلاص، وكمان جهزي تقارير عن مشاريعك كلها خلال الشهر ده، في اجتماع مهم مع أحمد النهارده”، اتسعت عينيّ: “اجتماع إيه ده؟”، قال بنبرة مش مطمّنة: “اجتماع مفاجئ… لما أحمد بيعمل اجتماع زي ده الدنيا بتتقلب، شكله مش هيسكت، أكيد في حاجة كبيرة، ربنا يستر”، خرج صالح بسرعة وهو مش على طبيعته، وأنا فضلت واقفة مكاني، قلبي بيدق بسرعة، فهمت فورًا إن أحمد قرر يعلن الحرب عليا… بحجة الشغل.
وصل وقت الاجتماع، وكل واحد بدأ يدخل القاعة على مهل، والجو كان مشحون بوضوح، الهمسات كانت كلها عن أحمد، والكل كان شايف التغيير الواضح فيه، ملامحه كانت جامدة جدًا، عيونه ثابتة، مفيهاش أي لمحة من التسامح، أول ما دخل القاعة، الكل سكت، وهو كانت خطواته تقيلة وواثقة، والجدية اللي كان فيها خلت الكل يتوتر أكتر، حتى صوته كان رسمي جداً، مكانش في ضحكة ولا هزار زي ما كان بيعمل أحيانًا، كان بيتكلم بنبرة صارمة، والكل قاعد مدهوش من التحول المفاجئ في شخصيته، حاولت أكون بعيدة عن نظرته، مركزه في الورق اللي قدامي كأنه أهم حاجة في العالم، مكنتش عايزة ارفع عيني، لكن كنت حاسة بيه، كنت بحاول أهرب من عيونه، لكنه كان مصمم يخليني أواجهه، عيونه كانت كلها تحدي، وكل لحظة كانت بتزيد من توتر الموقف اكتر، الاجتماع كان زي ما الكل توقع، مليان أوامر وتعليقات حادة من أحمد، المشاحنات بينه وبين المهندسين كانت بتزيد، لكن في النهاية كان رأيه هو اللي بيترسخ، ولا حد كان يقدر يعترض، وكل حاجة انتهت لحد ما وصل عندي، حاولت أتماسك قدام أسئلته، وكنت برد بحذر على كل سؤال بخصوص المشاريع اللي أنا شغالة عليها، الورق كان جاهز بفضل صالح اللي نبهني علطول، لكن المشكلة كانت في مشروع المركز التجاري، أحمد كان مستني الفرصة عشان يضغط عليّا، بصيت له، وقلت بصوت ثابت: “أنا مش شغالة على المشروع ده، دي فكرتي بس”، ملامحه متغيرتش، لكن كان في عيونه لمعة تحدي، وكأننا في حرب صامتة وقال بثبات: “هتمسكي المشروع، عايز دراسة كاملة ومخطط مبدئي النهارده ضروري”، اتسعت عيني من المفاجأة، وقلت بسرعة: “الوقت مش هيكفي، ولسه عندي شغل تاني”، قال بهدوء مستفز وهو بيبص عليا: “أنا هساعدك… هنشتغل سوا”، كان بيعلن تحدي قدام الكل، والناس كلها مش فاهمة إيه اللي بيحصل بيننا، لكن أنا كنت عارفة… هو عايز يقعد معايا أطول وقت ممكن تحت حجة الشغل، عشان يضغط عليا أكتر، بعد ما خلصنا الاجتماع، حاولت أهرب بسرعة، لكنه نده عليا بصوته الثابت: “هستناكي في مكتبي… هاتي حاجتك وتعالي علشان نبدأ”، مقدرتش أقول حاجة، بس هزيت راسي وسكت، مشيت لحد مكتبي، وبعد شوية جمعت حاجتي ورجعت تاني عنده، دخلت مكتبه، وقعدت قدامه، عيونه كانت كلها تحدي، وابتسامته المستفزة كانت واضحة كأنه بيقول لي “هنشوف مين اللي هيكسب”.
“مسكت القلم علشان ابدأ التصميم، أحمد كان قاعد قدامي، كل حركه من إيده بترتبط بنظراته المتحدية اللي كانت بتخترقني، كان حاسس إنه ماسك الورقة وبيتفرج عليا، وأنا مش قادرة أبدأ، كل مرة أمسك فيها القلم، إيدي بتترعش بشكل ملحوظ، ومش عارفة ليه، كل ثانية بتعدي وهو قدامي معناها إنه بيزيد قوة في الحرب دي، حاولت أتماسك وأشد حالي، لكن الضغط كان بيزيد، بعد شوية زهقت من السكوت وقلت له: “هو انت هتفضل قاعد كده؟ معندكش شغل تاني؟”، ابتسم ابتسامة فيها مزيج من السخرية والجدية وقال: “مستني أشوف المخطط اللي هتعمليه”، سكت… ملقيتش كلام أرد بيه، وقلبي كان بيزيد ضرباته بشكل أسرع، حاولت أركز وأرسم، لكن مفيش فايدة، كان بيشد انتباهي بحركاته الصغيرة، حركاته كانت بتخلي تركيزي يتلاشى، وبعد شوية قمت وقفت وقلت له، وأنا كل محاولات التماسك بتروح مني: “أنا هروح مكتبي أجهز المطلوب وأرجع لك”، رد بسرعة، وبصوت حاسم: “مفيش وقت… مش هنفضل رايحين جايين بين المكاتب، عايز المخطط النهارده، ومفيش تأجيل”، قرب مني فجأة، المسافة بينا بقت قريبة بشكل غريب، كنت حاسة بحرارة وجوده، اتحركت لورا بشكل لا إرادي، لكن هو قرب اكتر، وقال لي بنبرة كلها تحدي: “إيه؟ مش عايزة تقعدي هنا ليه؟ مش احنا صحاب؟ وبعدين فيها أي لما اقعد مع زميلتي وأشوفها وهي بتشتغل؟”، قلت بتوتر: “مفيش مشكلة… أنا بس…” وسكت، ابتسم ابتسامة منتصرة وكأن المعركة بدأت تتغير لصالحه وقال: “يلا يا بشمهندسة… وريني إبداعك”، بصيت له بقلة حيلة، مسكت القلم، وصوت ضربات قلبي كان عالي جدًا لدرجة إنه كاد يغطي صوت أي حاجة تانية، ورجعت تاني أحاول أركز في الورقة قدامي، بس هو فضل يشغلني بحركات صغيرة، بملاحظات عابرة، وكأنه بيستفزني علشان أقطع التركيز بتاعي، مع مرور الوقت، كنت حاسة أن كل كلمة منه بتزيد من التحدي بينا، كان مستني مني خطأ عشان يهاجم، لكني أخيرًا خلصت وسلمته المخطط، عينيه كانت مليانة تحدي، خرجت وانا عارفة أن اه اليوم الأول عدّى بسلام… بس أكيد أحمد مش هيبطل يضغط عليا، وكل يوم هيكون أصعب من اللي قبله.
تاني يوم صحيت بدري، قررت أوصل الشركة قبل ميعادي علشان أدخل مكتبي علطول ومشفهوش، بس أول ما فتحت باب مكتبي… كان قاعد!، اتخضّيت، عيني راحت للساعة في إيدي، ازاي جيه بدري؟! المفروض إني جاية بدري علشان أتجنبه، ابتسم ابتسامة انتصار خفيفة كأنه متوقع رد فعلي، وقال بهدوء مستفز: “كويس إنك جيتي بدري، عندنا مشوار مهم”، حسّيت بتوتر، رفعت حاجبي وقلت: “مشوار إيه؟”، قال ببرود: “هنروح نتفقد الموقع اللي هيتم إنشاء المركز التجاري عليه، وهنقابل المستثمر علشان نعرض عليه المخطط اللي عملتيه امبارح”، استغربت، ازاي يعني؟ أنا ممنوعة من نزول المواقع، فقلتله بسرعة: “بس أنا مش مسموح لي أنزل المواقع!”، رد بنبرة ثابتة، وكأن الموضوع محسوم: “ده استثناء، أخدت إذن من بشمهندس أيمن ووافق”، أنهى كلامه وخرج وهو بيقول: “هستناكي تحت، متتأخريش”، أسلوبه كان فيه ضغط غريب، حسّيت إن ورا الكلام ده حاجة مش مفهومة، تنفست بعمق وقلت بيني وبين نفسي: “صبرني يا رب”، مشيت وراه ونزلت، أول ما وصلت لقيت عمو فكري السواق، سلمت عليه باحترام، وبعدها ركبت العربية، كنت قاعدة ورا جنب احمد، كان طول الطريق بيعمل حركات توترني، وأنا كنت بحاول أتماسك وأتجاهله تمامًا، وبعد وقت، وصلنا الموقع، المكان كان لسه أرض فاضية، كلها حجارة وعربيات نقل وآلات ضخمة وعمال شغالين، فجأة وإحنا واقفين لقيت أحمد بيقلع نضارته وبيركز مع عربية وصلت المكان، بصيت في نفس الاتجاه… نزلت واحدة شقراء، لابسة جيب قصيرة فوق الركبة، بوط طويل بكعب عالي، وبليزر شيك، فاردة شعرها وحاطة ميكب كامل، شكلها كان ملفت لدرجة إن كل الموجودين في الموقع عينيهم راحت عليها، عكسي تمامًا… كنت لابسة بنطلون وايد ليج، جاكت بامب، كوتش سنكرز، وكاب على الطرحة، نظرة سريعة منها ومن أحمد كانت كفاية علشان أفهم لعبته الجديدة… الغيرة!، اتقدم ناحيتها وسلّم عليها بحرارة، وبعدها جابها ناحيتي وقال:
“بشمهندسة شمس، دي أستاذة سيلا، المدير التنفيذي لشركة المستثمر”، مدت إيديها وسلّمت عليها عادي جدًا، وأنا مديتش أي ردة فعل، ودخلت في الشغل على طول، وقُلت لها: “أنا جهزت المخطط المبدئي، ممكن أوريهولك”، رفعت إيديها وكأنها بترفض وقالت بتكبر: “لا لا، أنا عايزة بشمهندس أحمد يعرفني إحداثيات المكان الأول، ممكن؟”، طريقة كلامها كانت مستفزة، بس مدتهاش أي اعتبار، وقلت بهدوء: “تمام، شوفوا اللي هتعملوه، وأنا هنا لو احتاجتوني، ابقى شاورلي يا بشمهندس أحمد”، مشيوا سوا وأنا وقفت مكاني، وبعد وقت رجعوا، وكانت طريقة سيلا كلها تعالي وفوقية، وكأنها بتحاول تستفزني، أحمد قال: “استنوا، بيجهزوا لنا مكان نقعد فيه علشان نوضح الفكرة أكتر، وكمان مستنيين بشمهندس يوسف، هيشوف المخطط معانا علشان يضيف اقتراحاته”، سألت بهدوء:”هيتأخروا؟”، رد:”شوية”، الشمس كانت حرارتها حامية اليوم ده رغم إننا كنا في الشتاء، وقفت شوية، لكن سيلا بدأت تحس بتعب من الكعب العالي اللي لابساه، بصيت حواليا، لقيت حجر كبير في مكان قريب في الضل، رُحت قعدت عليه، تحت نظرات استغراب سيلا وابتسامة أحمد، عرضت عليها تيجي تقعد، لكنها رفضت بطريقة متكبرة، قلت في سري: “براحتك!”، بعد شوية، يوسف وصل، أول ما نزل من عربيته، جيه عندي، وبعدين عينه راحت على سيلا اللي كانت واقفة جنب أحمد، رفع حاجبه وقال لي وهو بيبتسم بمكر: “إيه ده؟! مين الصاروخ ده؟”، بصيت له بطرف عيني ورديت ببرود: “دي أستاذة سيلا، المدير التنفيذي لشركة المستثمر”، حك دقنه وهو بيبص لي نظرة تفحص كأنه بيقارن بيني وبينها، وبعدها قال وهو بيضحك:”يا حول الله يارب و دي اي اللي جابها دي؟…دي البوهيا ساحت في الشمس”، فهمت تريقته على سيلا اللي مكياجها كان بدأ يسيح تحت الشمس، حاولت أمسك ضحكتي، لكن مقدرتش، وقلت له وانا بضحك: “يابني بس اسكت”، ضحك بصوت واطي، وقال لي:”بس سيبك انتي….شايفة البنات! ده احنا شغالين مع جعفر يا جدع!”، ضحكت أكتر وخبطه بالورق اللي في أيدي وقلت: “ربنا يعدي اليوم ده على خير”، مشينا أنا وهو في اتجاه احمد اللي كانت نظراته متعلقة بينا احنا و مراقب المشهد من اوله، كنت عارفة أنه اكيد غضبان لأن يوسف كان سبب لشعور احمد بالغيرة عليا دايما.
بعد ما المكان اللي هنقعد فيه جهز، ابتدينا نشرح المخطط ونراجع التعديلات، وبعدها بدأنا نتحرك نشوف الموقع نفسه، كل ما سيلا تمشي خطوة، تتسند على أحمد بحجة إنها هتقع، وأنا ويوسف كنا بنبص لبعض ونكتم ضحكتنا، أثناء ما كنا بنشوف المكان، كان فيه جزء في الأرض مليان حجارة كبيرة، واللودر كان بيشيلها، كنت واقفة قريب من يوسف، وأحمد كان مركز جدًا مع اللودر… و واضح عليه القلق، فجأة، حجر بدأ يتدحرج… أحمد نده بصوت عالي: “شمس، تعالي هنا!”، اتخضّيت من صوته، بس مكانش فيه حاجة حصلت فعلًا، هو كان قلقان بزيادة، مشيت ناحيته، وقبل ما أتكلم قال: “ارجعي انتي، اقعدي في الاستراحة، يوسف موجود وهيكمل”، كان صوته حاسم، ولما حاولت أعترض، قالها بطريقة قاطعة: “شمس، من فضلك، ارجعي”، حسّيت بالإحراج، سكت، ورجعت وأنا بجاهد علشان دموعي متنزلش، فضلت قاعدة مستنية، الحرب اليوم ده مشيت بطريقة عكسية و خطة احمد فشلت من جهه الغيرة بس نجحت من جهة أنه عرف يوجعني.
مشينا من الموقع، طول الطريق كنت قافلة على نفسي، باصة من الشباك وساكتة، أحمد كان ساكت هو كمان، باصص للناحية التانية، حسيت إن السكون اللي بينا أعمق من مجرد صمت، كان مليان كلام مش مسموع، أول ما وصلنا الشركة، نزلت بسرعة ودخلت على مكتبي، كنت حاسة إن جسمي سخن من الشمس، ودماغي بتوجعني، وده بسبب التغيرات اللي حصلت، حر شديد في الموقع وبعدها تكييف بارد في العربية، قعدت وأنا حاسة بدوخة، وحطيت إيدي على راسي، سما كانت واقفة جنبي وبصالي بقلق وقالت: “إنتي وشك أصفر كدا ليه؟ مالك؟”، رديت:”مفيش، صداع بسيط بس”، كانت لسه هتتكلم، بس سارة دخلت، وطلبت مني اروح لبشمهندس أيمن، حاولت أقوم رغم إن جسمي كان تقيل، وصلت المكتب، خبطت ودخلت، وبعدي بثواني أحمد دخل ورايا، حسيت إني كل ما أحاول أهرب من وجوده، ألاقيه قدامي، أيمن كان مستنينا، عيونه مليانة جدية، كأنه بيحاول يقيس كل حاجة بعينه قبل ما يتكلم، بص علينا وقال بصوته اللي دايمًا هادي بس مليان حزم: “طمنوني، عملتوا إيه مع سيلا؟ لازم نبقى فاهمين إن المشروع دا مهم جدًا، والمستثمر مش سهل”، بدأت أحكي عن اللي ناقشناه معاها، وأنا بحاول أبان طبيعية رغم إن الدنيا بتلف بيا، كنت بتكلم، بس صوتي كان أخف، وحسيت كأن الطاقة بتنسحب مني، أحمد كان قاعد جنبي، مركز معايا بطريقة غريبة، وبعد لحظة قال بقلق واضح: “مالك؟”، قلت: “مفيش”، هو مقتنعش، بس رجع كمل كلامه عن التعديلات اللي طلبتها سيلا، وقال إن يوسف سجلها وهيشوفها معايا، أنا كنت لسه قاعدة، الصداع ماسك فيا، وكل حاجة قدامي كأنها بتتحرك ببطء، بعد ما خلصنا مع أيمن وخرجنا، أحمد وقفني عند باب المكتب، عيونه فيها نظرة مش مفهومة، حاجة بين القلق والاستغراب وقال بهدوء: “إنتي كويسة؟ شكلك تعبان أوي”، قلت منغير ما ابص له:”كويسة”، رد بسرعة: “لا، مش كويسة، تعبتي من الشمس، صح؟ بقالك كتير منزلتيش المواقع، جسمك متعودش على الجو دا”، سكت لحظة، وبعدها قال بصوت هادي: “أنا آسف”، ابتسم بسخرية ممزوجة بألم وبصيت له بنظرة كلها تحدي ووجع وقلت: “عادي، مش ده كان هدفك؟”، عقد حواجبه باستغراب، وقال: “هدفي؟”، قلت له بتأكيد: “آه، تنتقم مني… تاخدني الموقع وانت عارف إن ده كان نفسي فيه، وفي نفس الوقت تحرمني منه، تخليني أتفرج عليكم من بعيد! عايز تشوفني موجوعة، صح؟ أهو، موجوعة، خطتك نجحت، مبروك يا بشمهندس”، قلتها وأنا صوتي فيه نبرة مرارة مش قادرة أخبيها، ولفيت عشان أرجع مكتبي، لكنه سبقني ودخل ورايا، وقف قصادي، عيونه كان فيها حاجة غريبة، مش مجرد زعل، كان فيها حاجة تانية مش مفهومة، قرب مني خطوة وقال بصوت أهدى، لكنه محمل بمعنى تقيل: “مفيش أي حاجة من اللي بتقوليها دي يا شمس، انتقم منك ليه؟ إنتي مش عدوتي، ولا في يوم كنتي كدا، أنا مقصدتش أخدك وأخليك تتفرجي، زي ما بتقولي، بالعكس، أنا خوفت عليكي، لما شفت الحجارة بتقع، أول حاجة فكرت فيها إنك واقفة قريب! علشان كدا بعدتك، مش أكتر”، عينه كانت مركزة فيا، وكأنه بيحاول يوصل لي حاجة بس مش عارف يعبر عنها بالكلام، وبعد لحظة صمت، قال بهدوء بس نبرته كانت تقيلة: “بالمناسبة، آه، كان ليّا غرض لما أخدتك هناك، بس فشلت، لأني مكنتش عارف إنك عنيدة اووي كدا”، حسيت بجسمي يتجمد، عيني جات في عينه لحظة، وبعدها سحبت نظرتي بسرعة، فضل ساكت شوية، كأنه بيحاول يقرر هيقول إيه بعد كدا، وبعدين قال بحسم: “هلغي كل شغلك النهاردة، روحي البيت وارتاحي”، وبعدها خرج من المكتب، وأنا فضلت واقفة مكاني، وقلبي بيخبط في ضلوعي… مش بسبب كلامه، بس بسبب طريقته وهو بيقوله.
مرّ كام يوم وأحمد مكمل حربه الباردة عليا، بقى يتعمد يقرب مني في كل موقف علشان يظهر توتري، يحضر الاجتماعات بدري علشان يقعد جنبي، وأول ما أقعد أحس بنظراته عليا، مش مجرد نظرات عادية، لا… نظرات كلها تحدي وتركيز، كأنه بيتحداني إني أفضل ثابتة من غير ما أتأثر، في يوم، كنا بنناقش تفاصيل تعديلات المخطط، وأثناء ما كنت بشرح، وقف جنبي مباشرة، كان بيسألني عن نقطة في الرسمة، وأول ما قربت أشاور عليها، لقيت إيده بتلمس إيدي من غير قصد، سحبت إيدي بسرعة، حسيت بسخونة في وشي، وسمعته بيهمس بهدوء: “مالك يا شمس؟ ليه وشك احمر كده؟” رديت بسرعة وأنا بحاول أخبي توتري: “حر… الجو حر هنا.. مخليني مش مركزة”، ابتسم ابتسامة مستفزة وقال: “آه، فعلا… الحر بيخلي الواحد يتلخبط” كان بيقولها وعينه بتلمع بسخرية، كأنه بيقول لي: “إنتي اللي متلخبطة مش الجو”، في يوم تاني، دخل مكتبي وهو ماسك ملف كبير، وقف قدامي وهو بيقلب في الورق، وقال ببراءة مستفزة: “بصي معايا هنا… شايفة الرسمة دي؟”، حاولت أركز في الرسمة، بس عقلي كان مشوش من قربه، قرب أكتر وهو بيهمس: “إيه يا شمس؟ مركزة ولا سرحانة؟” سحبت نفسي بسرعة: “مركزة… مركزة طبعًا” ابتسم ابتسامة عارف بيها إنه هز ثباتي وقال: “كويس، علشان محتاج رأيك في كل تفصيلة”، بقى يدخل كل يوم الصبح، يسلّم عليا بتركيز زيادة: “صباح الخير يا صديقتي” بنبرة فيها سخرية، وأنا بتوتر وأرد عليه بسرعة من غير ما أبص في عينيه: “صباح الخير” وأهرب بعيوني لأي ورق قدامي، في اجتماع مهم، قعد جنبي، وطول الوقت كان مركز معايا أنا، مثبت عيونه عليا حتي معظم الموجودين كانوا ملاحظين ده، وكل ما كانت تيجي عيني في عينه وأشوف النظرة اللي بيبصلي بيها، ساعتها وشّي يحمر من التوتر، واسمعه بيهمس بصوت خافت: “حر برضو النهاردة؟”، كان بيقصد يتعامل بلطف زيادة قدام زمايلنا، يتكلم معايا بصوت هادي ومريح، يضحك على أقل حاجة بقولها، وأكتر حاجة كانت بتوترني لما كان يقول: “شمس دايمًا ليها رأي مختلف… ومميز” كان بيقولها بنبرة فيها تقدير، بس نظراته كانت بتقول حاجة تانية، حاجة بتخليني أتوه في الكلام وأنسى اللي كنت عايزة أقوله، حتى لما كنت بحاول أتجنبه، كان بيظهر من حيث لا أدري، مرة كنت خارجة من المكتب، لقيته واقف مستنيني، ضحك وقال: “صدفة غريبة، أنا كمان رايح في نفس الاتجاه” وطول الطريق كان بيتكلم عن حاجات عادية جدًا، لكن طريقته في الكلام، صوته الهادي، ونظراته اللي كانت بتسرقني، كل ده كان بيكشف ضعفي، أحمد كان بيتفنن في الضغط عليا، مش علشان يثبت حاجة لنفسه، لكن علشان يثبت لي أنا… يثبت لي إني كدبت لما قلت له إني مش بحبه، كان بيحاربني بقربه، بوجوده اللي مالي كل تفصيلة في يومي، بنظراته اللي كانت بتخليني أتهرب، وبضحكته اللي كانت بتربكني أكتر ما بتفرحني، وأكتر حاجة كانت بتقتلني… إنه كان عارف، عارف إني بحبه، وعارف إني كدبت، ومش ناوي يسيبني أهرب.
في يوم، وأنا لسه في الشغل، رن موبايلي،
“نور!”… أول ما شفت اسمها قلبي وقع، كنت عارفة إن لحظة المواجهة جت، رديت بصوت متحفظ: “ألو… أيوه يا نور”، ردت بسرعة، وصوتها فيه غضب مش متعودة عليه منها: “عايزة أشوفك دلوقتي حالًا… في الكافيه اللي بنقعد فيه”، حاولت أهرب: “دلوقتي؟ طب ما تخليها بليل عندي أو عندك؟”، ردت بحدة: “لا يا شمس… دلوقتي” وقبل ما أرد، كانت قفلت، قلبي كان بيدق بسرعة، كنت عارفة إن الحوار مش هيعدي بالساهل، وإنها أكيد عرفت من أشرف إني رفضت أحمد، خرجت بسرعة ورحت الكافيه، أول ما دخلت لقيتها قاعدة مستنياني، أول مرة أشوف ملامحها بالشكل ده… غضب واضح ومشاعر مش مفهومة في عنيها، سلمت عليها بحذر: “إزيك يا نور؟”، ردت بجمود: “اقعدي يا شمس… ممكن بقى أفهم إيه اللي انتي عملتيه ده؟”، حاولت أتماسك وقلت: “اهدي طيب”، نظرة الغضب زادت في عنيها: “إزاي ترفضي أحمد؟ إزاي بعد كل اللي حصل، تقولي له إنك مش بتحبيه؟”، حاولت أهدّيها: “اهدي يا نور… علشان نعرف نتكلم”، صرخت: “أهدي؟! انتي عارفة أحمد كانت حالته عامله إزاي بعد ما سمع الكلمتين دول منك؟ انتي عارفة أننا بقالنا أسبوع احنا التلاتة بنلف حوالينا نفسنا علشان نعرف في اي؟”، حاولت أحافظ على هدوئي، وأنا بقول: “اسبوع!.. انتي مش قلتي إنك مش فاضية و كل أما اكلمك تقولي عندك شغل.. طلعتي بتتفقي عليا معاهم يا نور؟”، نور انفجرت فيا: “شمس من فضلك متغيرش الموضوع، احنا عارفين إنك عنيدة و مش بتقولي اي حاجة، بس خلاص صبري خلص، يلا قولي ليه؟ إيه السبب؟”، قلت لها:” حاضر يانور هفهمك كل حاجة بس اهدي الاول علشان نعرف نتكلم و انا والله هقولك كل حاجة”، قبل ما أكمل، سمعتها بتقول: “اهم وصلوا كويس … خلينا نفهم بقى كل حاجة”، اتصدمت وأنا ببص ورايا، لقيت أشرف… وأحمد! ببص لنور بصدمة وقلت: “إيه ده؟ انتي عاملة لي كمين؟”، ردت بحدة: “أيوه، كمين… علشان تحكي لنا كل حاجة… علشان نفهم انتي مخبية إيه”، حسيت إني واقفة في قفص الاتهام، وكلهم مستنيني أبرر وأوضح، حاولت أتمالك نفسي، وبصيت لنور: “ممكن تهدي بس؟”، ردت ببرود: “مش ههدى غير لما أسمع كل حاجة… انتي مخبية إيه يا شمس؟”، اتوترت أكتر، وحاولت أهرب بالكلام: “مفيش حاجة غير اللي قولته لأحمد”، نور زعقت: “كذابة! انتي كذابة يا شمس… وانتي عارفة ده كويس”، الكل لاحظ ردة فعل نور الزيادة، كنت قاعدة مصدومة، بصيت لأشرف، لقيته بيحاول يهديها: “اهدي يا نور”، بصيت لأحمد… كان واقف وساكت، عنيه مثبتة عليا، وكأنه مستني يسمع مني حاجة تانية، مستني اعتراف ما، قلت لهم: “ممكن تسيبونا لوحدنا؟” أشرف مسك أحمد وسحبه بعيد، وفضلوا واقفين بعيد بيراقبونا، بصيت لنور وقلت بهدوء: “عارفة إنك زعلانة… بس اهدي وهفهمك كل حاجة.. ممكن؟”، نور اتنهدت وقالت: متتعبيش نفسك أنا حفظاكي.. عارفه هتقولي اي، لأنك خايفة.. خايفة تحسي.. خايفة تحبي…خايفة تعيشي… انا عايزة اقولك حاجة انتي أصلاً مش عايشة! بتدفني نفسك في الشغل وبتقولي إنك سعيدة؟ دي مش حياة يا شمس، ده سجن انتي حبستي نفسك فيه علشان متحسيش بأي وجع، بس guess what؟ الوجع جزء من الحياة، ولو مش هتعيشيه مش هتعرفي تحسي بالفرحة لما تيجي”، قلت لها:” نور ممكن تهدي و تسمعيني انتي مش عارفة انتي بتقولي اي اصلا”، قالت بنبرة غريبة عمري ما سمعتها منها ابدا:”عارفة إيه مشكلتك يا شمس؟ إنك مش مستاهلة كل اللي في إيدك! آه، مش مستاهلة كل الناس اللي بيحبوكي وواقفوا جنبك رغم إنك طول الوقت بتبعديهم! واحدة جبانة مش عارفة تقدّر النعمة اللي في حياتها! عندك أم بتحبك وبتخاف عليك، شغل بتحبيه وناس بتحترمك فيه، وأحمد… أحمد الشخص اللي مفيهوش غلطة…حلم أجمل البنات، لكن لأ… حضرتك قررتي تدفعيه تمن مخاوفك اللي محدش ليه ذنب فيها!”، وقفت قدامها مذهولة، كل كلمة كانت بتنزل عليا زي السهام، قلبي بيتقطع ودموعي بتتحجر في عينيّ، مش مصدقة إن نور… نور اللي كانت أختي قبل ما تكون صاحبتي، بتقول كده، كملت و قالت: “أصلاً كل اللي دخلوا حياتك كانوا ناس كويسة وحلوة، بس إنتي دايمًا بتتآمري عليهم وبتدفعيهم بعيد، مع أن غيرك نفسه في حاجة و احدة منهم، أنا مثلاً… علطول جنبك بدور علي شخص يكون كويس و يحبني بجد و يكون مثالي، بيسبوني و يروحوا عندك… مع انك بترفضيهم… بس برضو انتي في نظرهم أحسن.. وانا بيرجعوا عندي بعد ما بترفضيهم و ياريت بيكملوا، حتي أشرف اللي قلت خلاص حياتي ممكن تتظبط بيه مع أنه مش المثالي اووي يعني، كان متجوز و معاه بنت بس اهو يلا احسن من غيره، جيتي انتي بسبب رفضك لاحمد قطعتي مننا أسبوع كانت ممكن علاقتنا فيه تتطور اكتر بسبب أننا قاعدين نفكر شمس هانم ممكن تكون عملت كدا ليه”، صوتها كان مليان غلّ وحقد، نبرة مسمعتهاش منها قبل كده أبدًا، قالت:” عارفة انتي عايشة دور….” لما قربت تقول كلام مش هقدر استحمله اكتر، كان أشرف وأحمد قربوا مننا، وحسيت إني مش قادرة أسمع أكتر، فصرخت فيها: “اسكتي! اسكتي خالص! كفاية… كفاية مش عايزة أسمع حاجة تاني… كفاية اللي قولتيه”، كانت دموعي نازلة بحرقة، قلبي كان بيتقطع، حسيت إني اتكسرت، أخدت شنطتي وطلعت أجري برة الكافيه، تحت نظراتهم المصدومة، ونور اللي كانت واقفة متجمدة، مش مصدقة اللي قالته، كنت بحبها… كانت أكتر واحدة قريبة مني، لكن النهاردة اكتشفت إن أقرب الناس ممكن يوجعونا أكتر من أي حد.
التعليقات