التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الرابع والثلاثون

تيا:
الغضب قد أعمى بصيرتي، أعلم أنني تهورت عندما قررت المغادرة فجأة!
المطر غزير. الطقس بارد جداً وأشعر ببرودته تتخلل عظامي بقسوة، الريح شديدة وسريعة ذات اتجاه معاكس حتى انني شعرت في بعض المرات ان جسدي ارتد للوراء جراء ذلك.
ادخلت يدي في جيب معطفي وتجاهلت دموعي وبكائي المستمر وانا ابحث من حولي عن أي مكان يحميني من المطر مؤقتاً.
لن أعود.
لن أعود حيث أتلقى كل تلك الإهانات منه.

لو كان شخص آخر لابتلعتها كلها مهما كانت مراراتها ولكن.
أن يقول إيثان لي كلمات قاسية كتلك وأمام عائلته! هذا أمر فاق قدرتي على التحمل ولا يمكنني التوقف عن البكاء.

كدت اخرج يدي من جيبي أمسح بها دموعي ولكنني تذكرت أن المطر قد أدى واجبه وأخفاها بين طياته، ثم ليس وكأنني سأخجل من شيء فأنا الوحيدة التي تمشي في الحي في هذا الطقس ولا أحد حولي، إنارات المنازل مُضاءة ولكنني لم ألمح ولو شخصا واحداً مما بث بي شعور موحش!
لا يمكنني التوقف عن البكاء والشعور بالخيبة!
أنا حتى لا أدري إلى أين أتجه! لا أعرف شيء عن اتجاهات هذا الحي او هذه المدينة.

لقد ظننت أنني سأتقرب إليه وإلى عائلته وقد احتملت إهاناته أمام الجميع ولكنه لا يكف عن التمادي!
إن كان وجودي بالفعل يزعجه فسأخرج وحسب.
أعلم أنني غدرت بإيثان في الوقت الذي كان بحاجتي فيه ولكن. أشعر بالحزن والإحراج ولم استطع تمالك نفسي!
الهذه الدرجة بات يكرهني؟! الم أعد اعني له أي شيء؟
ينتابني ألم قوي في قلبي لا يمكنني التحكم به!
توقفت عن المشي قليلاً التقط انفاسي للحظة قبل ان يتعالى صوت بكائي.

اسرعت اخرج يدي من جيبي وابعدت شعري المبتل عن وجهي ولكنه عاود يلتصق مجدداً فبكيت أكثر وكأن أمر بسيط كهذا قد افقدني صوابي وصبري.
جلست على الرصيف عاجزة عن المشي أكثر، ضممت معطفي نحوي بقوة وواصلت بكائي. أو انتحابي إن صح التعبير…
خسرت الفرصة.
لا يمكن ان نعود انا وإيثان كما كنا! لم يعد هناك شيء يجمعنا. هو بنفسه أبدى هذا لي.

ولكنني أدرك أنه من الصعوب ان اقبل هذا. لا أستطيع! إيثان يعني لي الكثير وليس من السهل طرده من رأسي.
ظننت أنني سأتقرب إلى والديه وشقيقه وأبني معهم علاقة سعيدة دافئة! ولكن اتضح انني مجرد ساذجة تفكر كالمراهقة التي تستبق الأحداث ولا تتأنى بالتفكير. هذا ما أوصلتني إليه حماقتي!
انتفضت بذعر وقد شهقت مجفلة لصوت الرعد القوي، ولكنني اعترفت انه لم يكن مخيفا بقدر شعوري بالغضب والإستياء!

ومع ذلك اوجست خيفة عندما لمحت جسداً بعيدا يتحرك.
نظرت نحو ذلك الجسد بعين دامعة، وللحظة أدركت من يكون!
إنه هو. يمشي بخطى سريعة ومن الواضح أنه قد لمحني أجلس هنا.
أغمضت عيناي بقوة ورفعت كلتا يداي أمسح بهما وجهي بقوة قبل أن أقف بحزم.
ابتعدت عن المكان بسرعة وبعصبية، سمعت صوته ينادي بإسمي ولكنني تجاهلت الأمر واكملت طريقي أطبق شفتاي بقوة.
أسمع خطواته تقترب مني! لا بد وأنه قد أسرع.

لا أريد التحدث او الجدال أكثر، أنا حقا متعبة!
ولهذا نظرت من حولي قبل ان اعبر الرصيف واتجه إلى الطريق الآخر، ولكنني ما ان وصلت حتى شعرت فجأة بيد تحكم القبض على ذراعي وتجبرني على الالتفات بقوة.
ارتطم رأسي بصدره ومع ذلك ابتعدت انظر إليه بغضب، قابلت ملامحه التي بدى الصبر فيها قد نفذ وتحرك فاهه رغبة في قول شيء ولكنني سبقته ووجدت نفسي أبتعد عنه لأصرخ بحزم: ما الذي تريده؟! لماذا تبعتني؟

أجابني بغضب مماثل: لا أريد شيء. لنعد للمنزل وحسب!
فلتعد وحدك، لقد خرجت من منزلك يا إيثان وغربت عن وجهك الم يكن هذا ما تريده؟! ما المشكلة الآن إذاً!
أضفت بغضبي الذي بدأ يزداد شيئا فشيئا: الم تقل بأن وجودي مزعج؟ ما الذي تريده مني تحديداً!
زفر باقتضاب ورفع شعره المبتل بعصبية: لنعد، لست في مزاج جيد يسمح لي بخوض حديث كهذا.
لا ترهق نفسك إذاً وعد من حيث أتيت. يمكنني تدبير أموري وحدي أنا لست طفلة مغفلة.

قلتها واستدرت مبتعدة عنه بخطى قليلة قبل ان يعاود امساكي بقوة وهذه المرة لم يقل شيئا بل اجبرني على ان اتبعه فحاولت ابعاد يده بقوة وأنا أصرخ: دعني! قلت لك دعني وشأني. لا أريد العودة! أنا لن أعود مهما حدث. أفضل أن أتمسك بأسلاك الكهرباء العارية المبتلة على أن أعود معك! اتركني يا إيثان وإلا فقدت أعصابي.!
واصلت تذمري بغضب ولكنه لم يكن يعطني أي إجابة أو ردة فعل.
ولكنني.

نجحت في إبعاد يده جراء رطوبة اجسادنا وابتلالها الشديد.
ما ان حدث هذا حتى وجدت نفسي اسرع مبتعدة بخطوات سريعة!
لم أكد اجتاز مسافة كافية حتى شهقت مجفلة عندما ارتفع جسدي وادركت انه استقر فوق كتفه ويده تثبتني، ماذا يفعل بحق الإله وماذا يريد بحملي فوق كتفه هكذا!

ارخيت رأسي قليلا وقد لامست وجنتي معطفه المبتل وحينها صرخت بسخط: طفح الكيل يا إيثان، دعني لأخرج من حياتك نهائيا واريحك! أتركني وشأني سأبذل جهدي لئلا ازعجك مرة أخرى ولن اتطفل عليك، الا يكفيك هذا؟ دعني ارحل بسلام، ان كان كريس او والديك قد اجبروك على ان تعيدني للمنزل فأخبرهم أنها رغبتي الخاصة ولم أعد أس.
ولكنني قطعت كلماتي منتفضة بذعر عندما أنزلني فجأة وأمسك بذراعي يجرني خلفه ولم ينبس ببنت شفة!

انا أعلم جيداً ان شخص ما قد طلب منه إعادتي للمنزل، هو حتى لم يخرج بإرادته انا واثقة من ذلك!
إيثان. أعلم ان علاقتنا قد انتهت لقد استوعبت هذا أخيرا وإن كنت قد تأخرت! ارجوك لا طاقة كافية لدي دعني وشأني لا اريد العودة إلى منزلك.
ولكنه لم يستجب لي وظل يجبرني على التحرك معه، لحظات حتى وصلنا إلى أحد المتاجر الصغيرة المغلقة والتي كان امامها على ارتفاع بسيط مظلة متصلة بسقف المتجر.

توقف أسفلها واجبرني على التوقف انا ايضاً.
ترك يدي وخلع معطفه وهو يشد عليه بيده ليجففه قليلاً، نظرت إليه بحاجبين معقودان مترددة ما إن كان على الغضب او تجاهله وإكمال طريقي إلى المجهول وحسب!
ومع ذلك ظهر خيار لم أخطط له.
بقيت واقفة إلى جانبه احتضن نفسي احدق بشرود إلى الدخان الكثيف الذي يخرج إثر تنفسي.
ارتدى معطفه الخفيف مجددا وهمس بشيء من الإنزعاج: نسيت جلب مظلة.

هل سيكون بخير؟ خرج اليوم مرتان في هذا الجو الممطر، مرة مع شقيقه سام والآن بسببي.!
زميت شفتاي ثم قلت بهدوء دون ان انظر نحوه: أنا بخير، اخبرتك انني قادرة على تدبر اموري وحدي. عد إلى منزلك من فضلك.
الم تنتهي بعد من اسطوانة التذمر بحق الإله!
نظرت إليه بغضب: أريد ان اختلي بنفسي قليلا هل أطلب الكثير؟!

حينها لا أدري كيف أكملت وقد بدت نبرتي باكية: اعلم بأنني أدفع ثمن خطأي وغدري بك، وأدرك جيداً أنني استحق كل كلمة قلتها. ولكنني لم استطع الهرب من شعوري بالخيبة والإنكسار! لقد استوعبت ان التوقف عن حبك أمر في غاية الصعوبة! إنها مخاطرة أعلم ان الجنون ناتج عنها.

أضفت ببكاء ابعد شعري ببطء: كنت أقول لنفسي. هو سيثأر لنفسه عن طريق هذه المعاملة القاسية، انا استحقها ولكنها تدمرني! كان على ان اصبر وانصت إلى ما تقوله لا أن اخرج من المنزل غاضبة ومع ذلك انا عاجزة عن سماع كلمات كهذه منك انت.! هذا حقاً صعب. لا يمكنني التوقف عن حبك ولا عن تقبل هذه الكلمات او عن تعويضك، انا عاجزة امام كل الخيارات.
اطلق تنهيدة عميقة وظل ينظر للأمام بصمت.

لمحت يديه ترتجفان قبل ان يدخلهما إلى جيبه، معطفه ليس ثقيلا او مناسبا لهذا الطقس!
عليه ان يعود ويدفئ نفسه.
ارجوك. عد إلى المنزل.
لنعد.
اريد التفكير وحدي قليلاً. سأعود إلى المنزل بعد لحظات، فقط اتركني وسأعود أدراجي وحدي، ايثان لا داع لتتظاهر امامي هكذا!
رسم ابتسامة جانبية هازئة قبل ان يتمتم: لا اتظاهر؟

ثم نظر إلى وقد ظهرت تقطيبة بين حاجبيه متسائلا باستنكار وغيض: ما الذي تعرفينه أنتِ؟ اتظاهر بماذا تحديداً؟ انتِ حتى لا تملكين أدنى فكرة كم كنت ارغب في الضحك وانا ابدو مسالما أمام الجميع. لماذا أنتِ هنا بحق الإله؟ لأجل كريس فقط؟ حسنا وها قد تصالح مع شارلوت. ما الدور الذي على تأديته أنا الآن؟ اليس من الواضح انني لم اتدخل في جدالهما! حسنا اعترف. اعترف بأنني كنت أنوي هذا ولكنني تراجعت وحسب! السبب الوحيد هو شقيقتي.

أشاح بوجهه بغضب مردفاً: في البداية ظننته قد نال مني بالزواج بشارلوت، اعتقدت انه اراد الإنتقام بطريقة أو بأخرى، ولكنه يعلم بحقيقة علاقة والداي بوالديه ويدرك ان والدته تسببت بالكثير، وهذا ما جعلني اراجع نفسي قليلاً وأدركت حينها انه قد تمسك بعلاقته بشارلوت بالرغم من كل شيء. رأيتها مختلفة وتبدو أسيرة لذلك المتغطرس وهذا جعلني أفكر مئة مرة في الثانية! أدركت أنني لن أتجرأ على تدمير سعادتها وأنني ربما سأكون قلقاً من اللاشيء.

اتسعت عيناي وقد ارتجفت شفتاي وحينها تذكرت ما قاله أخيه سام!
وسألته فورا بتردد: ماذا عن السفر، بصراحة. ظننت في البداية انك اردت ارغام شارلوت على الابتعاد عن كريس وهذا ما دفعك لتلك الحيلة ولكنني فهمت انني كنت مخطأة، لماذا لم تقم بإلغاء سفرك! لماذا قمت بتأجيله؟ كيف تكون مصرا حتى الآن على السفر مجدداً!
هذا الموضوع يخصني وحدي.

عقدت حاجباي أحدق إليه بترقب فظل يشيح بوجهه بعيداً، ما أشار إليه سام هو انني قد أكون السبب في تأجيل هذا السفر. ولكنني أخشى ان اتحدث بهذه الصيغة الواثقة ثم أنكسر وأتبعثر تماماً.
نظرت للأرض بصمت مترددة كثيراً، هو كذلك لم يعقب كلماته الأخيرة، وهنا كان صوت المطر والريح سيدان لهذا الموقف، أضاء البرق السماء وحينها قلت دون شعور: هل حقا لم يعد بإمكاننا العودة كما كنا؟

نظر إلى بطرف عينه فارتبكت بشدة وأسرعت أنظر للجهة الأخرى بتوتر شديد! ما هذا السؤال؟ ما الذي. فعلته!
لم يكن هذا ما ينبغي على قوله!
ما الذي تريدينه تحديداً يا تيا؟
نظرت إليه بإستياء: انسى الأمر، لقد تحرك لساني من تلقاء نفسه لم أكن أ.
هل تريدين الحفاظ على علاقتك بكريس بشدة أو تلك العلاقة العاطفية التي جمعتنا؟ أم تُراك تريدين الإثنان معاً بالرغم مما حدث!
هل تمني الأمران معاً. خاطئ؟

ابتسم ابتسامة مضمرة ولم يعلق، فأكملت بإنزعاج: أنا لا أفهم لماذا تقحم اسم كريس دائماً! لماذا تواصل مقارنة نفسك به! كريس أخي وصديقي وحسب!
مقارنة نفسي؟ هل انا من يفعل هذا حقاً!
هاه؟!

هل كنت من أقارن نفسي به؟ قومي بتنشيط ذاكرتك جيداً. كان ولا يزال يعني لكِ كل شيء! هو دائماً ضمن أولوياتك، هو دائما له الأحقية في كل شيء، هو دائما من تتجاوزين أخطاؤه وتتجاهلينها! بينما أنا. سأظل في المرتبة الثانية حتى لو عادت هذه العلاقة إلى ما كانت عليه، اليس كذلك؟
إ. إيثان!

صرخ بحزم: أنا لا أدري منذ متى كنتُ هذا الشخص الحقود ولكنني لا أستطيع التوقف عن الشعور بالحقد تجاهكما أنتما الإثنان ولاسيما ذلك المتعجرف المدلل! أنتِ لم تخسري أي شيء يا تيا بعد انفصالنا. كان لديك كريس طوال الوقت يعوضك عن كل شيء في حين كنت الوحيد الذي يعاني ضريبة تلك القضية السخيفة التي ورطني بها! خسرت وظيفتي التي تعلقت بها، خسرت انتمائي للعمل، خسرتكِ وخسرت الأوقات التي قضيناها معاً!

ارتجفت شفتاي بدهشة ليقف امامي مباشرة وقد سلك الغضب مجراه أكثر على وجهه، امسك بكتفي وأكمل حانقاً: في حين كنتما تقضيان اوقاتكما معاً كنت أبحث عن عمل يناسبني في مدينة بعيدة! كنت أبذل جهدي في التنقل بين شركة وأخرى وبين مؤسسات لا تعد ولا تُحصى لأجد الراتب الأنسب! قضيت أيامي وحدي بعيداً عن عائلتي يا تيا! كنت أستيقظ صباحا وأمسي دون ايجاد الشخص الذي يملي على شعوري بالغربة او الوحدة! في حين. كنتِ أنتِ وهو تكملان حياتكما بصورة طبيعية! كان لديكِ من يعوضك عن كل شيء!

دمعت عيناي بينما زاد من قوة يده على كتفي ليضيف هامسا بصوت مرتجف: لقد كنت أحاول اسعاد نفسي بشتى الطرق! كنت أكذب على نفسي طوال الوقت، سأجد فتاة أخرى تحبني وتتمسك بي عندما أكون في حاجة ماسة إليها! سأجد من تستطيع تقديري ولو قليلاً وترى كم أحاول جاهدا أنا ايضا لأرضيها! ولكن. ولكنك لم تتوقفي عن اقتحام مخيلتي في كل لحظة! كنتِ كالضيفة الثقيلة التي تطرق باب أفكاري في كل وقت أو حتى بشكل مفاجئ!

إ. إيثان. أنا حقاً. لم أكن.
أعترف أن حذري المبالغ به من كريس كان خطأ فادحاً، ولكنني نويت التحدث معه على إنفراد بهذا الموضوع! إلا ان كل شيء كان ضدي فجأة! ليس وكأنني لا أشعر بأي شيء تجاه ما حدث بيني وبينه! أنا أيضا اعتبرته صديق واللعنة على هذا الحظ!

استرسل مبعدا يديه ونظر للسماء للحظة قبل ان يردف بصوت خافت: حاولت ان اعوض نفسي بشتى الطرق إلى درجة انني بدوت مثيرا للشفقة بعين نفسي! كنت أعمل على اسعاد ذاتي ولكنني كنت حينها اتذكر انه لا يوجد من اقتسم معه سعادتي في غربتي هناك! اليس هذا مستوى عالي من الوحدة بحق السماء؟
مستوى. عالي من الوحدة!
بينما كنت اجد كريس بجانبي. كان إيثان يحاول انتزاع نفسه من الفراغ الذي يحيط به!

كريس كان يعلم إلى أي مدى تأثرت بالإنفصال عن إيثان ولم يتركني وقتها وظل إلى جانبي!
سالت دموعي بصمت، أما هو فابتسم بهدوء وهمس ولا يزال ينظر للسماء بشرود: ولكنني وبطريقة ما. بدأت اعتاد على الأمر، أظنني سأكون قادراً على المضي قدماً دونكما.
ضاقت عيناي وبكيت بصوت خافت فتنهد بعمق: لن يكون الأمر سيئا جداً في المستقبل، ربما ستجعلني هذه الوحدة أكثر نضجاً، أفكر بالأمور بعمق أكبر، متريثاً وصبوراً أكثر.

نفيت برأسي بقوة: انت مخطئ. إيثان لا أحد قادر على العيش وحيداً! لماذا برأيك خُلق الناس من حولنا! لو بقيت وحيدة بعد وفاة أبي لربما فقدت عقلي منذ زمن! لو لم أقع في حبك لربما كنت فارغة من الداخل. إيثان. هل حقاً لا يوجد فرصة أخرى لنا؟ الا ترغب ان نحاول مجدداً! الا يمكننا ان نبدأ مجددا من اللحظة التي توقفت عندها اللحظات السعيدة! لنكمل وكأن شيئا لم يكن. ثلاثة أعوام لم تكن فترة قصيرة وكلانا يفهم انه لا يستطيع اكمال مسيرته دون الآخر.

اقتربت منه وامسكت بمعطفه هامسة بضعف وبكاء: لم أعد احتمل أكثر. لنوقف كل هذه التشابكات المعقدة، لنضع حداً لهذه الحرب الباردة أرجوك. لنعد إلى ما كنا عليه!
حدق إلى بعين خضراء قد لمعت إثر انعكاس ضوء البرق للحظات متتالية، لمعتا ببريق منكسر أذهلني.
تشبثت بمعطفه بقوة مستمرة في التحديق إليه عن قرب حتى همس: لم أعد أفهم نفسي. أشعر برغبة في الثأر منك، ولكنني لن أجرؤ على أمر كهذا!

نظرت إليه بأسى وتوتر فأضاف دون أن ينظر إلي: لم أعد أحتمل. كرهت أن اضطر لرؤيتك مرارا وتكرارا دون أن يتغير أي شيء، كرهت أن أقف مكتوف الأيدي وكل ما يمكنني فعله هو التفوه بأمور جارحة، فضلت أن أسافر وأريح عقلي تماما ولكنني مازلت متردداً، وكأن نفسي تزداد تعقيداً ولا أعلم إلى أي إتجاه ينبغي ان أسير! أنا بالفعل منزعج جدا، غاضب وأريد التنفيس عن غضبي.
يسافر ويريح عقله؟! كان أخيه محقاً تماماً.

لم تكن شارلوت السبب! ولم يكن ليرغمها على الإبتعاد عن كريس! كان هذا بسببي حقاً!
أسندت رأسي على صدره باكية ومتمتمه بيأس: يمكنك تفريغ جُل َ غضبك يا إيثان.! انا استحق ان أُلقن درساً.
تفريغ غضبي. بكِ؟ كيف يكون هذا ممكناً.
ابتعدت عنه قليلاً، نظرت إليه مباشرة ورفعت يده اليمنى هامسة بنبرة ضعيفة: اضربني بها لو أردت. يمكنك تفريغ غضبك انا جادة يا إيثان!

ارتخت ملامحه كثيراً وهو يحدق إلى ثم حول نظره نحو يده التي أمسك بها، ابتسمت له متأملة: لن أعترض.
كفاكِ سخفاً.
انت تريدني ان اعاني من تأنيب الضمير. اليس كذلك؟
أضفت اقرب يده إلى وجهي: اضربني. قد يبدو هذا جنونياً، ولكنني أستحق هذا! سأعتبر اللكمة او الصفعة او أيا يكن. بداية جديدة لنا.
ظل يحدق إلى وعيناه تجوبان على وجهي، تحركت أنامله بين يدي ببطء وحينها تسمرت في مكاني.

عندما مرر يده على وجنتي، انزلقت يدي ووضعتها جانبي وقد أسرت ملامحه وعيناه كل تحركاتي.
بل وأننا واصلنا التحديق إلى بعضنا ولأول مرة كنت أسمع صوت الرعد ولا أشعر بهيبته! لم ينتابني الخوف. بل بدى صوته بعيدا جدا عن مسامعي. بدى العالم يحتويني أنا وإيثان فقط!
لمعت عيناه الخضراوان ببريق يميل إلى السخرية وهو يهمس بهدوء: لكمة أو صفعة. أي جنون هذا.
أضاف يجذبني نحوه بيده الأخرى: ماذا عن قبلة نبدأ بها من جديد؟

شعرت بحرارة الدموع على وجنتاي وأنا ابتسم وقد مازحته بصوت مبحوح: ليكن في علمك أنني لازلت عند كلمتي.
انسي الأمر. لن أجرؤ على فعلة سخيفة كالتي تفكرين بها!
ولكن عليك على الأقل أن.
توقفي عن إهدار الوقت أكثر.
وحينها انحنى ممسكاً بوجهي بكلتا يديه وأطبق بشفتيه على خاصتي!
أغمضت عيناي أغلق على نفسي وعليه هذا العالم الخاص الذي بات يخصنا، قبلته اللطيفة هذه. أشعر بها تتحدث.
يخبرني من خلالها أمور كثيرة!

وكأنه يترجم شوق.
رغبة في كسر الوحدة، وتوق!
رفعت كلتا يداي اتشبث بمعطفه بقوة رافضة الإبتعاد ولو خطوة واحدة. وكأنني أخشى أي تغير ولو طفيف في سير هذه الأحداث!
مرت لحظات شعرت من خلالها بأنني عدت إلى تيا القديمة. إلى حيث قبل ثلاثة أعوام!
تنتابني رغبة عارمة في البكاء ولكنني لن أفسد هذه اللحظة أبداً.
كان من ابتعد قليلاً ينظر إلى بعينيه الخضراوان اللتان تجوبان على وجهي وقد همس: أشعر بالبرد.

ضحكت بخفوت أعانقه بقوة: ما الذي نفعله هنا على أي حال؟
هل توجهين هذا السؤال لي؟
أيها الذكي. الم نتفق على أننا سنبدأ صفحة جديدة؟ دعني أتظاهر أنني أجهل السبب وراء تواجدي في الخارج تحت المطر وفي هذا الطقس البارد!
تعالت ضحكاته المستمتعة وقد ابعدني عنه نافيا برأسه: حينها دعيني أسألك ما الذي تفعلينه في مدينتي أصلاً؟
ضحكت اضرب كتفه بخفة: لا تتمادى.

أردفت بإهتمام: لقد خرجت للمرة الثانية في هذا الطقس، عليك ان تدفئ نفسك جيداً وإلا وقعت طريحا في الفراش!
أومأ دون أن يعترض وقد أمسك بيدي يشبك أناملي بين أنامله لأتحرك معه.
أسرعنا في خطواتنا حتى لا نبقى تحت المطر أكثر، بل وهرولنا وحينها كنت أضحك وأنا أركض بسعادة!

لو كان الأمر بيدي. لوصفت الأمر بالنسبة لي وهو يبدو وكأننا نركض في جو مشرق وصافِ! إنها الحقيقة. لم أعد أشعر بالبرد او اعير اهتماما للمطر والريح! يوجد صورة خيالية تسيطر على عقلي. تريني مشهداً لكلانا ونحن نركض الآن في طقس دافئ.
لا شك ان خوالجي قد أثرت وبشدة على جسدي وعقلي بشكل كُلي.

افهم جيداً الآن. ضرورة أن أتوقف عن التفكير بما حدث مسبقاً وبأخطائي أو حتى أخطاء إيثان. التفكير بهذه الطريقة سيحول حاضري ومستقبلي لحطام لا قيمة له، لذا على أن أبدأ صفحة جديدة وبكل جدية!
من الواجب ان اتعلم من هذه الأخطاء التي ارتكبناها، سواء انا أو إيثان أو حتى كريس. ربما على ان اكون أكثر دهاءً أيضا لتصحيحها بدلا من طمسها وحسب.

مثلا ان اوضح لإيثان كم هو شخص مهم بالنسبة لي، أن أُبدي له مرتبته في أولوياتي. أن تكون علاقتي به هذه المرة واضحة وصريحة!
علي ان أبذل جهدي.
إيثان ومنذ اللقاء الأول وحتى قبل انفصالنا لم يطالبني بأي شيء، نعم. لا شيء!
لماذا استوعب هذه النقاط الآن فقط؟ لماذا لم أكن أشعر بلذة ان يقع شخص في حبي دون أن يطالبني بشيء. سوى أن أكون بخير فقط!

ذلك الحقد الذي كان يكنه إيثان. شعرت به يهتز أمام رغبته الحقيقية في تحطيم كل هذا ليخلص نفسه مما يمر به.
وذلك التردد الذي كنت أعيشه في الآونة الأخيرة. تبعثر تماماً لبضعة كلمات القاها موضحاً حقيقة ما عانى منه بعد انفصالنا.
انا شاكرة لقلبي الذي ظل متمسكا بالفرصة لآخر لحظة! ذلك ان عقلي اراد أن يتظاهر بالتعقل ويدفعني للأمام في حين هو يعيدني للوراء وحسب.

عندما اقتربنا من المنزل وبينما نحن نمشي نتشابك الأيدي قال بهدوء: هناك ما أريد توضيحه.
ما هو؟
سألته بإهتمام فتنهد متمتماً: هل تذكرين مجيئي إلى شقتك آخر مرة؟
بالطبع.
عندما قلتِ لي أنتَ تستغل مشاعري أردت حينها ان أصرخ بشدة وأخبرك الا تقفزي باستنتاجك كما يحلو لكِ.
ارتفع حاجباي فأكمل يرمقني بطرف عينه: كان هذا لؤم منكِ. لم أكن أنوي استغلال مشاعرك، وإنما الموقف فقط.
الموقف؟! لم أفهم.

ما أقصده واضح. ظننت أنني عندما اظهر فجأة في شقتك وتبدين راغبة في ان نعود كما كنا فستوافقين حينها على أي شيء. أردتُ ان يتحقق ذلك ولكنني لم أجد في رأسي سوى المشكلة الحديثة التي نمر بها. أقصد زواج كريس وشارلوت، لهذا اقترحت الأمر وكنت واثقا كالمغفل انكِ ستبدين موافقتك. ومع ذلك لم أكن أفكر بجدية بذلك الشرط وإنما تفوهت به على غفلة مني.

آ. آه! هذا ما تقصده باستغلال الموقف إذاً. لا تقم بلومي أي شخص آخر كان سيفكر بالطريقة مثلها.!
بلا شك.
شارلوت:
منذ أن خرجت تيا وتبعها إيثان ونحن نجلس منتظرين عودتهما، لماذا لم يعودا حتى الآن؟ اليس من المفترض ان يجلبها إيثان إلى المنزل فوراً؟ أيكونا الآن يخوضان شجاراً؟ جدالا او حواراً حاداً؟

كنت أجلس بجانب ابي الذي يتنهد بعمق وهو ينظر إلى الساعة على الحائط، كريس مقابلي يبدو متوتراً منذ ان خرجت تيا. إنه لا يكف عن هز قدمه مما أربكني أنا أيضاً.
بل أنه شعر بالقلق عندما اتصل بتيا واتضح انها نسيت هاتفها هنا على الأريكة.
كذلك إيثان لم يأخذ هاتفه معه!
مررت أمي يدها على رأسها وهي تعقد حاجبيها بألم، هي عادتها ما ان تشعر بالإضطراب او القلق، ينتابها الصداع ويظل يلازمها حتى يخف تدريجياً.

همس أبي بغيض: إيثان يتصرف بغرابة بالفعل. أرجو أن الأوضاع قد هدأت بينهما.
كنت أرجو ذلك أنا أيضا. مفكرة فيما يقولانه الآن!
ورجوت ألا يكون قد اكمل اهاناته وكلامه الجارح لها!
نظرت للساعة ووجدتها تشير للعاشرة والنصف.
وقفت أمي وقالت بهدوء وهي تأخذ شهيقا عميقا: سأذهب لأتناول حبوب مسكنة للصداع، أشعر بأن رأسي يكاد ينفجر.

أومأنا برؤوسنا بصمت فصعدت للأعلى، نظر كريس للساعة في معصم يده بوجه منزعج فتمتم سام: لا داع للقلق، إيثان سيعيدها إلى المنزل بلا شك.
علقت متكتفة: لم يأخذ معه مظلة، ولم يرتدي معطفا مناسباً.
نظر سام إلى بخبث فهمست له بخبث مماثل: هذا يعني انه كان قلقاً جداً ولم يهتم بنفسه وخرج دون تفكير بعد ان غضب والداي عليه، كان بانتظار دفعة جادة وحسب!
أيدني بمكر: يمكنني تخيل ما يدور بينهما الآن!

نظر كريس نحونا بإمتعاض ولم يعلق، في حين ابتسم أبي بسخرية: هل هناك علاقة عاطفية تجمع هاذان الإثنان؟
أطرقت برأسي متظاهرة أنني لم أسمع شيئاً، ظل يحدق إلى بترقب فرمقته بتردد ومع ذلك لم أعلق.
لا أريد أن أتفوه بأمر لم يبادر إيثان بالبوح به بنفسه.
ارتفع حاجبا أبي ونظر هذه المرة إلى سام الذي يتظاهر بالتحديق إلى السقف متمتماً بحيرة: هل كان سقف منزلنا بهذه الأناقة مسبقاً!
امتعض أبي: كفاكما سخفاً!

هذا صحيح، جمعتهما علاقة عاطفية فيما مضى.
قالها كريس ببرود فنظرنا إليه بسرعة!
عقد أبي حاجبيه مرددا: علاقة عاطفية. كان هذا واضحا بطريقة ما ولكنني أردت التأكد، لماذا لم أعلم بهذا سوى الآن؟ كيف يكون هذا ممكنناً! متى حدث هذا أصلا؟!
أجابه كريس واضعا قدما على الأخرى: اليس هذا واضحا سيد مارك؟ هو لم يخفي هويته الحقيقية عنا قبل بضعة سنوات أثناء عمله معنا، وإنما علاقته بتيا كذلك.

تدخل سام بهدوء: أبي. لو علمتَ حينها بأمر مواعدتهما فسيكون من السهل ان تعلم أيضاً ان كريس يكون صديقها. هذا ما لم يرد إيثان كشفه.
زم أبي شفتيه ينظر للأرض للحظات قبل أن يهمس: ربما علينا ان نتصرف وكأن شيئاً لم يكن.
ثم بدى شارداً قليلاً قبل ان يتمتم بنبرة تميل إلى التضايق: أن يخفي علاقته بتيا طوال تلك الفترة. إلى أي مدى كان يرهق نفسه بالتفكير والقلق بشأننا؟!

نظر إليه كريس بتمعن قليلا قبل ان يشيح بوجهه ببطء، تنهدتُ بإستياء واكتفيت بالصمت.
حينها وقف أبي وقال بهدوء: سأصعد إلى الغرفة، إن كان لا يزال لم يقرر البوح بالأمر فربما عليه ان يفعل ذلك عندما يكون مستعداً حتى لو انتهت علاقتهما بالفعل. لا يوجد ما أفعله هنا، سأتفقد ستيفاني.
وقفت فوراً بإعتراض وقلق: أبي! لا يجب ان تستاء فإيثان لم.

قاطعني سام بجدية: إنه محق! قد يكون الإثنان قد تصالحا، لو دخلا المنزل بصورة طبيعية الآن فسيكون إيثان محرجا بطريقة ما وهو يضطر لإخبار أبي الحقيقة. لذا دعيه يقرر الطريقة والوقت المناسب الذي سيكشف الأمر فيه لأمي وأبي.
شعرت بكلماته منطقية جداً فلم أستطع الاعتراض او التعليق وإنما حدقت إلى ابي الذي قال لكريس بمكر: بما أنه من الصعب ان ترحلا في هذا الطقس فسنتناول الفطور معاً كذلك.

رسم كريس ابتسامة هادئة: بكل تأكيد.
آه! بشأن المبيت هنا. ربما عليك ان تستعير ملابساً من سام أو إيثان. أنتم في القامة نفسها تقريباً.
أيدته مقترحة: سأعير تيا من ملابسي إذاً، كما على تجهيز الحمام لتستحم بماء ساخن.

قلتها وصعدت فوراً إلى الغرفة لأجهز ملابسا للنوم ملائمة لتيا وكذلك الماء الساخن، وعندما نزلت وجدت سام يجلس على آخر درجة بينما كان كريس يقف يسند ظهره على الحائط المقابل لباب المنزل متكتفاً ويحرك سبابته بملل وترقب.
جلست بجانب سام وتساءلت: متى سيعودان تحديداً! بدأت أقلق كثيراً.
تعالى صوت طرقات على الباب فجأة فأسرعنا نتجه للباب، فتحه سام وحينها دخلت تيا بجسد مرتجف مبتل كلياً.

اتجهت نحوها بسرعة: هل أنتِ بخير؟
أومأت وفكها يرتجف مجيبة: نعم. أحتاج فقط لتغيير ملابسي.
حينها دخل إيثان مغلقا الباب خلفه وقال بهدوء: تيا. اذهبي واستحمي بماء ساخن.
حدقنا إليه ببلاهة واستغراب بينما أومأت تيا برأسها لتسألني: هل يمكنني الإستحمام في غرفتك؟
أ. نعم بالطبع.
قلتها أحول بنظري بينها وبين إيثان الذي نزع معطفه وابعد قميصه الملتصق بصدره منزعجا من رطوبته وعندما انتبه لتحديقنا به طرف بعينه بإستنكار!

بدت تيا متوترة قليلاً بل و تورد وجهها بسبب نظراتنا المتمعنة والمستغربة!
هل قال تيا. اذهبي و. نعم!
ظننت بأنهما تشاجرا! هل هذا يعني. بأنهما قد تفاهما أخيراً؟
شعرت حينها بالسعادة وأسرعت أقول بتدارك: ص. صحيح، اتبعيني لأعيرك بعض الملابس، لحسن حظك أنني جهزت الماء الساخن مسبقاً.
أمالت برأسها وتبعتني بملابسها المبتلة، القيت نظرة للوراء فوجدت كريس يرمق تيا بإستغراب ثم نظر إلى إيثان بترقب وقد ضاقت عينيه بشك!

تبعتني تيا لغرفتي ودخلت قبلها احاول الا ادوس بقدمي على الباب وضحكت بخفوت: لا يوجد ما نفتحه فالباب خُلع من مكانه.
ابتسمت بدورها وهي تنظر للباب المخلوع من أطرافه وهمست مرتجفة: أشعر انني على وشك التجمد!
أسرعي إذاً. جهزتُ لكِ الملابس مسبقاً ووضعتها في الحمام.
لم تعترض واسرعت للحمام، حينها تذكرت ان اخرج لها جوارب لتدفئة قدميها، هذا ضروري كذلك.

سمعت صنبور الماء وعلمت أنها بدأت بالإستحمام فقلتُ بصوت مسموع: تيا ستجدين المنشفة في الداخل لديكِ أيضاً.
أتى صوتها: حسناً.
خرجت من الغرفة وعدت للأسفل ولم أجد إيثان فعلمت أنه ذهب ليغير ملابسه ويستحم أيضاً.
كان سام يضحك بسخرية معلقاً: الهذه الدرجة أنتَ غاضب؟ يا الهي.
عقدت حاجباي بعدم فهم أنظر إليه ثم نحو كريس الذي كانت ملامحه ممتعضة بشدة.
تساءلت محتارة: ما الأمر؟

بدى سام يحاول كبت ضحكته وهو يجيبني: إيثان نجح في استفزاز كريس ببساطة.
أضاف مغيرا نبرة صوته وهو يبدو جدياً: لقد عدنا إلى بعضنا البعض، ليس من السهل تجاهل المشاعر التي جمعتنا. لنرى أي نوع من القضايا الملفقة قد تلجأ إليها الآن.
عندما انهى جملته انفجر ضاحكا فرمقه كريس بطرف عينه بإنزعاج: لا أرى الأمر مضحكاً! ليكن في علمك أنني قادر على اختلاق شجار عنيف معه ولكنني لن أفعل.

جادله سام بسخرية: أو ربما لأنك لا زلت مصاباً وأي لكمة ستؤدي بحياتك.
ثم اشار للهواء من حوله: إلى الفناء.
تنهدت بلا حيلة: من الطبيعي ان يحاول استفزازك عندما تعود علاقتهما، حاول تجاهله وحسب.
لم يعلق وإنما وقف بغيض وبدى بأنه سيتجه للدرج قبل ان يقف ويستوعب الأمر متسائلا: أين سأستحم تحديداً؟
أجبته ببساطة: حمام غرفتي بالطبع.

أومأ دون أن يعلق وصعد الدرج فوقفت اتبادل النظرات أنا وسام الذي همس لي بإستخفاف: صدقيني قد ينفجر في أي لحظة، تظاهر أمام إيثان ان الأمر لا يعني له أي شيء ولكنه ما ان صعد لغرفته حتى اتضح الغضب على ملامحه فجأة.
ابتسمتُ بملل: دعكَ منهما، لن تجد اثنان يتصرفان بصبيانية وطفولية أكثر منهما، ثم كريس عليه ان يتوقف عن حشر انفه في علاقة إيثان وتيا، كما على إيثان ان يتوقف عن خلق هذه الاجواء المثيرة للإستفزاز!

فليكن. سأخرج له ملابساً ملائمة، إيثان لن يفعل هذا بلا شك.
وكأن كريس سيوافق على ارتداء ملابسه. أتساءل إلى متى ستستمر هذه الحرب السخيفة!
لنصعد.
أومأت بصمت وصعدت لغرفتي بينما ذهب سام ليجلب الملابس، وجدت كريس يجلس على سريري ينظر إلى هاتفه ويبدو منهمكا في كتابة شيء ما.
زميت شفتي قليلا قبل ان أسأله بتردد: لقد بذلت جهداً اليوم مقارنة بالراحة المطلوبة لإصابتك.

ابعد عينيه عن شاشة الهاتف ينظر إلى فأكملت: هل أنت بخير؟
ظل يحدق إلى حتى وقف مبتعدا عن السرير، اخفضت عيناي عندما وقف أمامي مباشرة وتساءل بهدوء: ولماذا برأيك بذلت هذا المجهود؟
ارتفع حاجباي أرمقه بحيرة قبل ان استوعب الأمر.
قطع هذه المسافة ليعيدني للمنزل. حقيقة هذا الامر لازالت تربكني بطريقة ما.

انتابني شعور الإحراج وأنا أنظر إلى الجهة الأخرى، ولكنني تفاجأت به يدير وجهي نحوه وقد استقرت انامله على ذقني هامساً بإستنكار: عندما أعود إلى المنزل ولا تكونين متواجدة. ألا تدركين كم كان الأمر مزعجاً!
لمعت عيناه العسليتان بالترقب وهو يحدق إلى بتمعن، بدأ التوتر ينتابني!
المسافة الصغيرة بيننا ويده التي لا زالت تمسك بذقني. كل هذا جعلني ازدرد ريقي بصعوبة.

وحينها همست وقد تسمرت عيناي عليه: تنزعج من مغادرتي؟ لا زلت تقول هذا. ومع ذلك فكل ما تفعله هو التسلط على والتصرف بتعجرف طوال الوقت! كريس أنا لن أسامحك على تجاهل اعترافي ذلك اليوم! الأمر ليس هيناً بالنسبة لي إن كان كذلك بالنسبة لك.
ماذا لو كنت أرغب في سماع ذلك الإعتراف مجدداً؟
إلى أي مدى تحب إرضاء غرورك! أنا عاجزة عن فهم هذه النقطة! لم أرى في حياتي شخص يحب ذاته بقدرك!

ابتسم بهدوء وقرب وجهه مني بشكل مفاجئ ليهمس في أذني: أعترف بأنني أناني أحب إرضاء نفسي بكل الطُرق. ولكنكِ كذلك تجيدين إرضائي دون قصد منكِ يا شارلوت. اليس هذا جميلاً؟
عقدت حاجباي بإشمئزاز: أنت مختل!
هيا قوليها مجدداً! قولي بأنكِ واقعة في حبي. من يدري ربما تتلقين رداً مختلفاً الآن!
اسمح لي أن أذكرك بأمر مهم للغاية.
ابتسم بثقة: ماذا؟
أولا أنت لست الهواء الذي أتنفسه.

رفع حاجبه الأيسر فأكملت بحزم: ولا الماء الذي أشربه أو الطعام الذي أتناوله ولا حتى أي عنصر مهم في الطبيعية لا يجرؤ البشر على الإستغناء عنه، لذا توقف عن لعب دور هذه العناصر كلها يا كريس!
ظل وجهه قريب وقد اتضح الإنزعاج عليه حتى سمعنا صوتا: ها هي الملابس يمكنك ارت.
لم يكن سوى سام الذي قطع كلماته فاسرعت ابتعد عن كريس فوراً بتوتر.

ظل ينظر إلى في حين قال سام بوجه مشمئز: تذكرا على الأقل أن الباب لا يزال مخلوعا تماماً، ثانياً إنه منزل عائلة قديرة وهذه التحركات والتصرفات ممنوعة منعاً باتاً!
رمقه كريس بملل وهو يتجه نحو ليأخذ الملابس منه متمتماً: سأستعيرها منك مؤقتاً.
ظل سام مشمئز الملامح وهو يستدير متمتماً: يوجد قواعد لا يجب التعدي عليها وإلا أخبرت أمي وأبي.

عندما خرج وابتعد صوته زفرت بحنق ارمق كريس متكتفة، وما هي إلا لحظات حتى خرجت تيا من الحمام مرتدية الملابس التي اعرتها إياها والمنشفة على رأسها.
اسرعت اخذ الجوارب وامدها إليها ليسألها كريس بهدوء: أين ستنامين يا تيا؟
حينها فقط استوعبنا الأمر!
أين ستنام؟
يوجد أربع غرف فقط في المنزل!
وجدت نفسي أقول متداركة: ل. لا بأس، سأطلب من إيثان أن يتشارك الغرفة مع سام. أمهليني لحظات وسأعود بسرعة.

خرجتُ من الغرفة وطرقت الباب على إيثان ولم يجب!
ربما مازال يستحم.
توجهت لغرفة سام وطرقت الباب ثم دخلت فوجدته على وشك ان يتجه للسرير، نظر نحوي بحيرة فابتسمت هامسة: أخشى أن أطلب منك ان تتشارك الغرفة مع إيثان!
هاه!
قالها بإستغراب فتنهدت: لا مكان لتيا لتنام فيه يا سام!
بعثر شعره واعترض مفكرا: لا مانع لدي ولكن. أنا لا أريد أن أنام مع إيثان في الغرفة نفسها!
أضاف بغضب: إنه حركي جدا يا شارلوت ولن أحتمله!

حينها سمعنا صوتا من الخلف: وأنت تتحدث أثناء نومك.
إيثان!
قلتها بحيرة ثم أضفت: اسمع يا إيثان فليتنازل أحدكما من أجل تيا!
اعترض سام نافيا بغيض: أنا أتنازل منذ اربعة وعشرون عاماً. فليتنازل هو اليوم.
رمقه إيثان بملل وهو يجفف شعره بالمنشفة الصغيرة ثم زفر: اسمع، سأنام في غرفتك على السرير، وتيا ستنام في غرفتي، ليس وكأنها ستحتمل النوم في غرفتك الفوضوية هذه.
أمال سام برأسه حتى استوعب: على السرير؟

أضاف ضاحكا بسخرية: أتمازحني؟ بالطبع لا! أحضر فراشك ولتنم على الأرض، انت هو الضيف الغير مرحب به في غرفتي لماذا على ان انام على الأرض!
زفرت بإنزعاج وأنا أخرج: تفاهما معاً، سأخبر تيا أن تنام في غرفتك يا إيثان.
وهذا ما حدث بعدها إذ أخذ إيثان فراشاً له وذهب لغرفة سام.

عدت لغرفتي ووجدت كريس قد دخل للحمام مسبقاً. ، طلبت من سام مساعدتي في رفع الباب عن الأرض لنغلقه بصعوبة بسبب خلعه. وعندما خرج سام من غرفتي نظرت إلى سريري بهدوء.
استوعبت الأمر وشهقت مجفلة!
س. سريري لفرد واحد فقط!
لن يحتمل شخصين!
م. ما الذي على فعله؟
أنا لم أتشارك معه سريره لأنه كان يرغمني على النوم على الأريكة! ولكن الآن. أريكتي هذه صغيرة جداً!
لا خيار آخر. سأنام على الأرض لأنني لن أجرؤ.

نظرت للغرفة مفكرة قليلاً قبل أن أخرج من الخزانة فراشاً لي وبعض الأغطية. مرت فترة حتى فُتح باب الحمام فرفعت رأسي ولم أراه!
أخرج رأسه ينظر إلى ليقول بهدوء: اقتربي قليلاً.
هاه! ماذا تريد؟
رمقني بهدوء: إنني أواجه صعبة في ارتداء القميص، ساعديني بسرعة لا يمكنني الوقوف طويلا دون تدفأة جسدي!
اتسعت عيناي بإستغراب.
وحينها فقط. تذكرت أمر إصابته والتي سيواجه على إثرها صعوبة رفع يديه!
لا خيار آخر.

تقدمت نحوه ودخلت الحمام بعد ان ناولني القميص، ساعدته في ارتدائه وانا اختلس النظرات نحو مكان الجرح وقد انتابني ضيق شديد لتذكر تلك الحادثة، هذا الجرح سيترك أثراً. هل حقا لن يشعر بالحقد تجاهي كلما نظر إليه؟
فيما أنت شاردة؟
نفيت برأسي بصمت ثم ناولته المنشفة ليضعها على شعره ويجففه وقد خرجت من الحمام اجلس على الأريكة بإنزعاج.
أعتقد أنني لا زلت اواجه صعوبة في قبول الأمر. ولا زلت نادمة على ما تسببت له به!

رأيته يجفف شعره أمام المرآة وقد بدت ملامحه ناعسة قليلاً.
جابت عينيه في الغرفة وهو لا يزال يحرك المنشفة فوق رأسه حتى لفت انتباهه الأغطية التي وضعتها على السرير، تذكرت أمرها فاسرعت لأفرشها على الأرض على بعد مسافة كافية من السرير.
ترك المنشفة وهو يحدق إلى بترقب حتى تساءل: ما الذي تفعلينه!
ماذا أفعل برأيك؟
لماذا!

ارتفع حاجباي قليلا انظر إليه بسخرية قبل ان اوجه تركيزي إلى الأغطية متمتمة: تسألني لماذا؟ هل تعتقد أنني سأشاركك سرير لشخص واحد فقط؟ اتكون قد حلقت بأفكارك إلى درجة انك اعتقدت بأنني سأرحب بان نتشارك السرير معاً؟
ما المشكلة!
طرفت بعيني ببلاهة ليكمل مقتربا بإستنكار: ما المشكلة تحديداً؟!
هل يمكنك تقدير المسافة التي تفصلنا عندما نتشارك هذا السرير يا كريس؟
قد لا تفصلنا مسافة اصلاً!

انتفضت بإحراج لجرأته وهمست بعدم تصديق: هل انت جاد! فليكن. لا أريد.
الستِ زوجتي بحق الإله؟
لقد انهيت ترتيب الاغطية وسأنام بعد لحظات أرجو انك انتهيت من تجفيف شعرك.
لازلنا نتحدث بهذا الأمر لا تغيري الموضوع!
زفرت بلا اكتراث ولم أعلق بل تركت شعري منسدلاً واستلقيت على الأغطية واندسيت تحتها ولا يزال واقفا ينظر إلى بإنزعاج: ابتعدي عن هذه الأغطية السخيفة يا شارلوت!
تثاءبت بنعاس: اسرع واطفئ الإنارة.

انتِ تجبرينني على مشاركتك هذه الأغطية إذاً.
اجفلت بغيض وقد اعتدلت جالسة: كفاك سخفا وإلا طردتك من غرفتي!
ابتسم بثقة: هل سيكون والديك راضيان عن ردة الفعل هذه؟
فغرت فاهي قليلا قبل ان ازمجر حانقة: كنت أعلم أنك تحاول كسبهما في صفك طوال الوقت! انت تستمتع بهذا حقاً!
أضفت بحزم: اخبرتك ان السرير لن يستوعب شخصين لذا كف عن ازعاجي.
أشار نحو السرير بحدة: إذاً قرّبي هذه الأغطية نحو السرير على الأقل.
هاه!

كما سمعتِ. وإلا ستشرق الشمس دون ان اتوقف عن هذا الجدال صدقيني لن أيأس!
امتعضت بشدة احدق إليه بعدم تصديق! إلى أي مدى تصرفاته صبيانية هكذا!
لماذا على ان اكون على مقربة منه، انا اعلم أنه من الضروري ترك مسافة كافية بيني وبينه لا سيما وانه يدرك مشاعري نحوه الآن ومن السهل ان يستغلني!
هذا اللئيم. ما الذي يفكر به تحديداً؟

بتر أفكاري صوته المنزعج وهو يضع المنشفة على طرف الكرسي: لا أفهم لماذا قد تبدين انزعاجك بهذا الشأن بالرغم من أنك تحبينني.
اتسعت عيناي بذهول قبل ان اصرخ بغضب: لقد طفح الكيل!
وقفتُ لأتجه إليه واقفة أمامه مباشرة بحدة: لماذا تقحم مشاعري في كل شيء! متى ستتوقف عن هذا؟!
ظل ينظر إلى بثبات حتى أمسك بياقة قميصي يشدني إليه ويرفعني متمتما ببرود: لن أتوقف. أتعلمين لماذا؟ لأنك بحاجة إلى شخص ما يذكرك بمشاعرك هذه!

حاولت ابعاد يده بإمتعاض: انا بحاجة لمن يقدم لي غسيل للدماغ مجانا وبالسرعة القصوى لأن الأمر بدأ يستفزني أكثر مما تتخيل. أرجوك ارحمني من هذه النرجسية قليلا بات الأمر مقرفا يا كريس.
ياللوقاحة!
دعني.
قلتها وقد ابعدته عني فتأوه بخفة، تسمرت في مكاني بقلق ليقول هازئا: هل هكذا تتصرفين مع الشخص المصاب الذي تحبينه!
قلبت عيناي بنفاذ صبر وبلا حيلة، حسنا على ان افقد الأمل.
لن يتوقف عن تذكيري كلما سمحت له الفرصة.

لن يتغير. وهذه النقطة خصيصا لن تتغير بشأنه!
تجاهلته واستلقيت مجددا على الأغطية وحينها قال بهدوء: شارلوت. أنا جاد هذه المرة قرّبي الأغطية من السرير، أنا بحاجة للحديث معكِ ولن يكون الوضع مريحاً مع هذه المسافة!
استغربت كثيراً ونظرت إليه بحيرة، الحديث معي؟
كان المسيطر في هذه اللحظة هو فضولي الذي أجبرني على التحرك لأقرب الأغطية لتستقر بالقرب من السرير.

تمتمتُ وانا استلقي عليها: كن حذرا يا مريض النوم الثقيل، انا أنام اسفل السرير إياك وان تتقلب وإلا سقطت على وأصابتني جروح بليغة.
ظريفة.
تمتم بها بملل وهو يغلق الإنارة ويتجه إلى السرير، كانت الستائر مفتوحة والإضاءة الصادرة منها كفيلة بإمداد الغرفة بإنارة بسيطة.
رأيته يستلقي على السرير ويدفئ نفسه لأقول فوراً: ما الذي تريد التحدث بشأنه؟
دعيني أرتب أفكاري أولاً.

لويت شفتي ولم أعلق، رفعت الغطاء نحو وجهي لأغطي أنفي وثغري انظر بعيناي إلى السقف أترقب ما سيقوله.
يا ترى ما الذي يريد التحدث بشأنه؟
أشعر بالحماس والتوتر! عليه ان يتحدث بسرعة وإلا قادني فضولي لتفجير سيل من التساؤلات اللامتناهية!
كنت أنتظره وقد مللت من هذا الصمت المطبق، لا أسمع سوى الغيث وضرباته على النافذة وكذلك صوت الريح الخافت.

حتى أنني ظننت للحظة بأنه قد نام فنظرت إليه باستغراب لأجده يحدق إلى فأجفلت بشدة!
ل. لماذا تحدق إلي! منذ متى وانت تنظر إلى هكذا أصلا؟
بدت نظراته شاردة ومتأملة إلى درجة شعوري بالخجل!
طرف بعينه متنهداً: تبدين حذرة جداً. اليس كذلك؟
هذا يعتمد على مدى رغبتك في استغلال مشاعري.
حمقاء.
متبلد، أخبرني بسرعة بما تريده وإلا غطيت في نوم عميق!
لن تفعلي. أعلم أن الفضول ينهشك بشدة.

زفرت بنفاذ صبر فابتسم مستمتعاً بذلك حتى قال أخيراً: سأتحدث بجدية الآن.
أرجو هذا.
نظر للسقف قليلا قبل ان يعاود النظر إلى متسائلا بهدوء: أولا أنا لا أستغل مشاعرك وما شابه، ولست أتعمد تذكيرك بالأمر ولكنني سأسألك هذا السؤال لأنني أرغب في معرفة ردة فعلك وحسب.
ارتخت ملامحي ابادله النظرات بإهتمام فاسترسل يشد الغطاء للأعلى ولا يظهر سوى عينيه العسليتان اللتان تحدقان إلي: هل يمكنك الإستمرار في حبي. دائماً؟

طرفت بعيني ببلاهة قبل ان اضحك بخفوت!
الاستمرار. في حبه!
ما هذا؟
انزعج متسائلا: ما المضحك؟ أخبرتك انني جاد.!
نفيت برأسي بلا حيلة: انت حقا مثير للشفقة، ليكن في علمك ان الإجابة ليست عندي. أنت المسؤول عن هذا!
ما الذي تقصدينه؟
استمراري في هذا الحب السخيف يعتمد عليك.
ما الذي قد أفعله ويتسبب في توقفك عن حبي مثلا!؟
ما تفعله دائما.
هاه!

انظر إليك! انت تسخر من مشاعري وتستغلها يا كريس، تعتقد ان الأمر ممتع بالنسبة بل وتسألني هذا السؤال اللئيم بالرغم مما فعلته لي عندما اعترفت لك.
دعيني إذا أغير صيغة السؤال بعد ان اتضح لي ان غبائك تجاوز الحد المعقول.
اتسعت عيناي بدهشة ليكمل بغضب: هل ستسمرين بحبي بالرغم من الأخطاء التي اقترفها او الأمور التي ارتكبتها.
عقدت حاجباي واعتدلت جالسة انظر إليه باستغراب شديد!
لماذا يطرح هذه التساؤلات الغريبة؟!

مع ذلك أجبته بهدوء: تذكر أنني وقعت في حبك بالرغم من شخصيتك السيئة وأفعالك التي لا تغتفر. هل هذه الإجابة تشفي فضولك الآن؟
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه وبدى يفكر مطولا حتى اعتدلت في جلستي اترقب ما سيقوله.
ابعد الغطاء عن وجهه قليلا هامساً: هل يمكنكِ أن تسدي إلى خدمة؟
ألا وهي؟
الأمر متعلق بجيمي.

اعتدل ليجلس هو الآخر على السرير مردفاً بتردد لم يُخفى علي: أعلم انني وضعت حواجزا بيني وبينه. أريد ان تكون علاقتي به أقوى. ولكن.
اكمل يرمقني بإنزعاج: لا أعلم أي طريقة هي الأمثل! أشعر بانه على تدارك الأمر وتحسين علاقتي به.
ابتسمت أنفي برأسي بإستخفاف: يبدو انك فكرت بعمق بعد تلك الحادثة. ربما كان علينا الإستعانة ببراد ليطعنك في وقت أبكر.
أكملت بحيرة: المطلوب مني هو مساعدتك في تحسين هذه العلاقة إذا. هاه؟

أومأ بصمت فلويت شفتي مفكرة: هذا يعتمد على جهودك انتْ. جيمي مدرك جيداً لما ينبغي ان تكون عليه علاقتكما، لذا لن يكون التقرب إليه صعبا كما تظن. عليك ان توضح له أولا انه لا دافع لك يجبرك على التقرب إليه سوى الرابط القوي بينكما. نحن لن نتحدث عن الطريقة المناسبة للحديث معه وإنما على ما ينبغي عليك فعله أيضاً، كمشاركته في أنشطته على سبيل المثال، او الجلوس معه والتنزه برفقته. إنها أمور لا أذكر انك فعلتها معه!

ثم ابتسمت بلطف: انا سعيدة حقاً! أعلم أنك تحبه كثيرا ولكنك الأسوء في إبداء حقيقة مشاعرك.
شرد بذهنه وهو يهمس: لقد كنت مجبرا على الزواج من كلارا بسبب جيمي، اعترف بأنني شعرت بالحقد نحوه لمرات عديدة. ولكنني في الآن نفسه تمسكت به بكل ما أملك. كاد ان يصيبني الجنون في كل مرة يتعرض بها لأي شيء.

أضاف يرمقني بابتسامة صغيرة: عندما كنت أحدق إليه ولا يزال رضيعاً، كان ينتابني شعور غريب بين السعادة والقلق. أدركت حينها انني بالفعل أصبحت أباً نتيجة لتهوري ولا يمكنني لوم أي أحد على ذلك الخطأ.
ولكنك لا تعتبره خطأً بوجود جيمي في حياتك الآن.
نفي ببطء: لن أجرؤ. ولكنني أشعر بأنني لا أستحقه!

لا تقل هذا. القدر لن يمنحك هبةَ لا تستحقها، لا تكن سلبيا هكذا واجتهد في تحسين علاقتك به وحينها لن تفكر بهذه الطريقة أبداً. او اجعله حافز لك ان كنت عاجز عن اخراج الفكرة من رأسك، اعتبر عدم استحقاقك له دافعا لك لتتغير معه!
بدت كلماتي مقنعة بالنسبة له وهو يومئ براسه بصمت.
فكرت قليلا قبل ان أسأله بإهتمام: ماذا عن والدك؟ الا تنوي إحداث بعض التغييرات حقاً؟

استلقى على ظهره وشبك يديه خلف رأسه متمتماً: بذكر ماكس. فأنا عاجز عن كبت أمر ما، لم أعد قادرا على إخفاء حقيقة تتعلق بوالديكِ.
هاه! ما خطبهما؟
اشعر بأنني أكذب على نفسي. التصرف معهما بطريقة طبيعية لا يزال غريبا جداً بالنسبة لي! ألا يمكنني معاداتهما مؤقتا؟

ضحكت بخفوت: ياللتفكير السخيف! لم يجبرك أحد على اللجوء إلى التصرف بطريقة طبيعية معهما، كان ذلك بإرادتك الخاصة وهذا يعني انك ترجمت حقيقة مشاعرك دون وعي منك. أيها الساذج!
زم شفتيه ثم استلقى على جانبه الأيسر هامساً: لنعد إلى نقطة البداية. ماذا لو اكتشفت انني شخص أسوأ مما تظنين؟
رفعت كتفاي بلا حيلة: من يدري. لا يمكنني الإجابة على هذا السؤال.

ثم تنهدت لأسند رأسي على السرير بجانبه رأسه هامسة بشرود: ربما من الصعب تصديق هذا ولكنني بدأت أدرك أمراً. أنا في الواقع ادافع عنك في قرارة نفسي كلما اكتشفت أمرا سيئا بشأنك، هذا يجعلني شريكة في جرائمك. كما انني لا أشعر بالنفور بالتفكير في اخطائك او تصرفاتك المستفزة، عندما لا تكون بالجوار فأشعر بشوق يحرقني ببطء. عندما تستغلني وتتسلط على احاول تجاهل الأمر او البحث عن أي عذر ولو كان سخيفاً. هذا بالفعل جنون.

همس بإسمي فرفعت رأسي قليلا أنظر إليه عن قرب ليقول بصوت هادئ منخفض: قد أكون في الواقع شخص سيء جداً. ألا يغير هذا شيئاً بالنسبة لكِ؟
نفيت ببطء: أبداً. وقعت في حبك تحت ظروف صعبة وبمعاملتك القاسية، ما الذي قد يتغير إذاً.
أمور ماضية؟!
لا علاقة لي بماضيك. وقعت في حبك في هذا الحاضر فلماذا انبش في أمور مضى عليها سنوات!
بعد جملتي تلك ظل يحدق إلى بشرود وتأمل فأسرتني عينيه بشدة وشلت حركتي تماماً!

رفع يده ومررها في شعري هامساً: لقد تصرفت بجنون فيما مضى. هل هذا لا يغير شيء حقاً؟
اتعترف بأنك مجنون؟
أومأ بصمت فابتسمت: هذا يعني ان القلم مرفوع عنكَ تماماً. الأمر بسيط اليس كذلك؟
اتسعت عيناه قليلا قبل ان يبتسم وقد رأيت بريق الإعجاب الذي ادهشني: يا له من تفكير بسيط ومنطقي.
أردف يحدق إلى ثغري: هل يمكنني تقبيلك؟
أغمضت عيناي ابتسم ثم ضحكت بسخرية خافتة: لا تحاول ان تبدو مهذباً. ماذا لو قلت لا؟

لقد أغمضتِ عينيك بالفعل.
شعرت بشفتيه اللتان لامستا شفتاي.
إنه يتصرف بلطف غريب. تناقضاته بالنسبة لي بدأت تجذبني إليه أكثر!
ولكنني أدرك أمرا الآن.
ليس من السهل عليه ان يتصرف بهذه الطريقة ولكنه يبذل جهده.!
اعترف بأنني لا أفهم كريس. ولكن.
حتى لو فضل لعب دور الشخص الغامض صعب الفهم فسيبدو هذا بالنسبة لي جذاب أكثر ومميز بشأنه!
اعتقد. بأنني بدأت اتعرض لعدوى الجنون أنا أيضاً بسببه.

بل وأنني ذكرت مشاعري بنفسي أمامه عدة مرات وكأنني أصبت بفقدان ذاكرة بعد ان عزمت ألا ابوح بها مجدداً.
وتناسيت تحذيري له وتهديدي بشأن تقبيلي ولكنني بادرت بنفسي وقد أغمضت عيناي!
ما أفعله خرج عن سيطرتي.
هو يعلم بمشاعري، وانا اعلم انه لا مجال للعودة ولا فائدة من المماطلة.
إذاً ما الخطوة التالية.؟
إيقاعه في حبي.
عندما ابتعدنا عن بعضنا همس ولا يزال وجهه قريباً: الا زلت مصرة على النوم على الأرض؟

ابتعدت عنه متنهدة: تصبح على خير.
اعطيته ظهري وانا أنام على الأرض وارفع الغطاء اشده على وجهي أخفي ابتسامتي.
صحيح بأنني أحبه.
ولكن لا يزال على تنفيذ خطوتي التالية على الأقل.
لأنني أدرك جيدا أنني لن أصبر على ألا يبادلني مشاعري هذه!
تيا:
تقلبت على السرير بكسل، منزعجة من أصوات العصافير التي من الواضح انها استقرت على طرف النافذة كما أشعر بأشعة الشمس التي اكتسحت الغرفة!

اعتدلت بنعاس وانا ابعثر شعري القصير بتثاؤب.
نظرت من حولي بنصف عين إلى الغرفة، غرفة ذات طابع رجولي شبابي! استوعبت أنني في غرفة إيثان وجلست فوراً انظر إلى هاتفي.
ظننت بأنني سمعت صوت وصول رسالة في الأمس ولكنني كنت في مرحلة بداية النوم العميق ولهذا نسيت ان اتفقدها.
فتحت الهاتف وحينها رسمت ابتسامة دافئة على ثغري.
لم تكن سوى من إيثان!
هل السرير مريح كفاية؟

وبعدها بدقائق رسالة أخرى يبدو أنكِ تنامين بعمق، أتوق لنجلس معاً ونتحدث قليلاً
اتسعت ابتسامتي وكان لهاتين الرسالتان أثر تنشيطي وانا اقف وقد اسرعت للحمام لأغسل وجهي وأرتب مظهري جيداً، خرجت من الغرفة لأجد سام وإيثان قد خرجا في اللحظة نفسها ووقفا أمام غرفة سام!

كان سام ذو مظهر مهمل وشعره الأسود متطاير مبعثر وهو يقول بإنزعاج: أنت آخر من يتحدث يا إيثان لأنني لم أستطع النوم حقا، هذه أخر مرة نتشارك فيها الغرفة هل تفهم هذا؟!
تمتم إيثان بإنزعاج مماثل والنعاس قد سيطر على ملامحه: سأخبر أبي أن يرسلك لمصحة نفسية تتعالج فيها بدلا من التحدث أثناء نومك كالمختل طوال الوقت!
ماذا عنك؟ لم تتوقف عن لكمي وركلي! إنه خطأي منذ البداية حين سمحت لك بالنوم على السرير بجانبي. وغد!

أنا الأحمق المغفل الذي اقترح ان ينام في غرفتك أصلاً، كان على أن انزل لغرفة الجلوس وانام بعمق هناك! هل حقا ستفكر في الزواج لاحقا؟! فلتتراجع عن فكرتك حالاً!
ماذا عنك؟ ستنام وتستيقظ لتجد زوجتك ملقاة على الأرض بسببك.
انفجرت ضاحكة دون شعور بعد ان حاول جاهدة كبت ضحكتي!
نظرا نحوي بإستيعاب وحيرة.
حاولت أن أكف عن الضحك تدريجيا!

ابتسم سام ورتب مظهره ولكن شعره مازال مبعثرا فابتسمت ساخرة: من الأفضل أن تلقي نظرة على المرآة. بالمناسبة أنا آسفة إنه خطأي منذ البداية. لم يكن هناك سوى أربع غرف ولم تحتمل أي زيادة. ربما كان علينا وضع ترتيب مختلف، اتشارك الغرفة مع شارلوت في حين يتشارك كريس الغرفة معك يا سام. صدقني لن ينزعج منك لأنه من الصعب ان تتخيل كم يبدو نومه ثقيلاً.

تنهد إيثان: لا بأس، سام على كل حال من الضروري أن يكون له غرفة خاصة.
رمقه سام بإمتعاض ثم تساءل باستغراب: الم يستيقظ كريس وشارلوت بعد؟
رفعت كتفاي: لا أدري استيقظت للتو فقط.
نظرنا للغرفة التي كانت مغلقة فاتجه سام للباب ليطرق عليه وما أن فعل حتى سقط الباب وسط دهشتنا!
صحيح!
الباب كان مخلوعا تماما!

ابتسمت محاولة ألا أضحك مجدداً بينما توتر سام قليلا فاقتربت لأنظر للغرفة فبدى أن شارلوت استيقظت فزعة وهي تنظر من حولها بخوف، أما كريس.
حسنا أعتقد أنه لا زال في عالم الأحلام ولم يأخذ إذناً بالخروج منه بعد.
شارلوت كانت تنام على الأرض!
من منهما اقترح الفكرة تحديداً؟
علق سام بإستخفاف: ما هذا يا شارلوت؟ باب غرفتك سريع التلبية للخدمات، اطرق الباب فيسقط!

تقلّب كريس وبدأ ينزعج من أصواتنا في حين قالت شارلوت بنعاس: اخرج يا سام لا زلت أشعر برغبة في النوم.
حينها بدأ كريس يستيقظ وقد اعتدل ببطء فقلت: لنخرج.
أومأ سام وخرجنا من الغرفة، كان إيثان يلقي نظرة على هاتفه واقفا في الممر وعندما مررت بجانبه همست مبتسمة: قرأت الإشعارات على هاتفي للتو فقط.
نظر إلى مبتسما بهدوء: استيقظت فزعا بسبب حديث سام أثناء نومه ولم استطع النوم مجدداً وحينها ظننتك مستيقظة.

نفيت برأسي: لم أشعر بنفسي وأنا أغط بنوم عميق، بالمناسبة أنا أيضاً ارغب في ان نجلس معاً لنتحدث قليلاً.
تقدمنا سام وقال بملل: يكفي غزلاً في الصباح الباكر. دعوني أذكركما انتما أيضا بقواعد هذا المنزل، إنه منزل عائلة قديرة وتجاوز الحدود فيه امر ممنوع منعا باتاً.
نزل الدرج فرفع إيثان حاجبه الأيسر متمتما: لم أسمع بهذه القواعد في منزلنا يوماً!
ضحكت بسخرية: اليس المسؤول عن سن القواعد وتشريعها.

زفر بلا حيلة: يبدو هذا!
حينها أمسك بيدي لننزل الدرج معاً وقد قال بصوت عالي موجها حديثه لسام: جد حلاً واصلح باب غرفة شارلوت.
تثاءب سام الذي علق بملل: ليست غرفتي ولست مسؤولا عن إصلاح ما فيها.
حينها أتى صوت من المطبخ: هل استيقظتم أخيراً؟ لنتناول الفطور معاً قبل ان يخرج مارك إلى العمل.

إنها ستيفاني، أتى صوت آخر من الحمام الموجود أسفل الدرج وقد خرج مارك: إنها المرة الرابعة التي أغسل فيها وجهي ولكن النعاس قد أقسم على ألا يفارقني اليوم. ألا يمكنني أخذ إجازة مرضية اليوم فقط!
أجابه سام بغيض: الم تكتفي بالرحلة التي ذهبت إليها مع أمي قبل فترة قصيرة؟ لا ترغمني على الإتصال بمدير عملك يا أبي لأخبره بخططك هذه!
رمقه مارك بإمتعاض: كن مهذبا يا فتى. هل ستوشي بوالدك بدافع الغيرة؟

نظرت إلى يد إيثان التي لا تزال تمسك بيدي، ابتسمت وقد انتابني شعور الدفء وعندما رفعت رأسي وجدت السيد مارك ينظر إلينا.
تحديداً إلى أيدينا.
اسرعت انتزع يدي بتوتر فنظر إيثان إلى باستغراب ثم نحو والده وقال بهدوء: أبي. هناك ما علينا التحدث بشأنه.
تقدم السيد مارك بهدوء: لا بأس. أعلم بالأمر مسبقاً، أنتما تتواعدان.
طرفت بعيني بإرتباك، ليقول إيثان: لا بد وأنك منزعج من إخفاء الأمر عنك. لقد كنتُ.

هل انا مضطر لسماع ثرثرتك في الصباح الباكر! هل أتأخر عن عملي وأفسر الأمر للمدير وأقول له سامحني كنت أنصت إلى قرار إبني الأكبر في المواعدة! حسنا هنيئا لكما فتيا تبدو بالفعل لطيفة طيبة القلب وستحتملك، ثم أين شارلوت وكريس بحق الإله إنني أتضور جوعا وعلى المغادرة حتى لا أتأخر.
هو ليس متضايقا من إيثان لإخفاء الأمر عنه مسبقاً؟
هذا يعني أنه يرحب بي!
من الصعب وصف سعادتي، ما كنت أحلم به دائما بات اليوم حقيقة!

افقت من شرودي عندما قال السيد مارك بأسى: أعتذر يا تيا لإضطرارك إلى النوم في غرفة إيثان.
علق إيثان بإستنكار: وما المشكلة في غرفتي!
زفر أبيه بملل: أين المشكلة؟ إنها فوضوية وتفوح منها رائحة الشاب العازب!
ضحك سام بسخرية فانزعج إيثان: حسنا لا تتحدث يا أبي وكأن غرفتي حضيرة للحيوانات! إن كانت غرفتي فوضوية فماذا عن غرفة سام؟ إنها غرفة قذرة من الصعب ان تجد فيها مكانا لتضع فيه قدمك!

ضحكت بخفوت بينما توقف سام عن الضحك وزمجر: لم أجبرك على النوم فيها، ثم هي ليست قذرة! إنها الصور التي لم أجد لها مكانا ملائما بعد.
خرجت السيدة ستيفاني من المطبخ تنظر إلينا بحيرة ممسكة بملعقة الطهو، حتى قالت: أين كريس وشارلوت؟ الم يستيقظا بعد؟ الفطور جاهز!
سمعنا صوتاً على الدرج: أنا مستيقظ.
استغرب سام: ماذا عن أختي؟
أجابه مبعثرا شعره: قلت لها استيقظي. ولكنها تبدو نعسة جداً.

ابتسمت ستيفاني: لا بأس هذا ما يتسبب به الشتاء لأغلب الناس، ليأخذ كل منكم مقعده على طاولة الطعام. وانت يا سام ايقظ شارلوت من فضلك.
وجدت سام يقول بحماس وخبث وهو يركض للأعلى: حسناً، دعي أمرها لي.
سمعت إيثان يهمس متجها للمطبخ: ستغضب منه حتماً.
لم أفهم ما يعنيه حتى جلسنا جميعنا في المطبخ على طاولة الطعام ومرت لحظات سمعت فيها صراخ شارلوت بغضب واضح وهي تنادي بوالدها!

ارتفع حاجباي باستغراب بينما ابعد كريس عينيه عن الطبق بإستنكار، نفي إيثان برأسه بلا حيلة حتى عاد سام بلامبالاة ليجلس بجانب السيدة ستيفاني وما هي إلا ثوانِ حتى دخلت شارلوت التي صرخت بغضب وإنزعاج: أبي! لقد أخبرته مئة مرة أن يكف عن إيقاظي بهذه الطريقة!
كان شعرها ووجها مبتلان تماماً!
أضافت بغضب: افعلها مجدداً يا سام وستندم!
ضحك بإستفزاز: أخبرتني بهذا مئة مرة أيضا. ولكنني لم أندم بعد!

ابتسمتُ بهدوء وحينها فقط.
شعرت مجددا بأجواء غريبة في هذا المنزل.
غريبة بالنسبة لي أنا!
حتى شجارهم وكأنه نابع من حبهم لبعضهم!
هل هذا ما تكون عليه الأجواء العائلية في الحقيقة؟
إ. إنه شعور رائع! أتمنى لو يدوم. اتمنى لو أخوضه وأكون طرفا فيه!

حين نظرت لكريس وجدته ينظر إليهما ويبتسم بهدوء قبل ان يختلس نظرة إلى هاتفه، وحينها استغربت النظرة المنزعجة في عينيه وهو يحدق إلى الشاشة بانهماك، بل أنه اطلق زفرة مغتاظة خافتة قبل ان يتجاهله ويضعه في جيبه بحركة عدائية.
ما خطبه؟ أيكون أمرا متعلقا بالعمل؟
بعد ذلك جلست شارلوت لتتناول معنا الفطور، ومع ذلك فهي لا زالت منزعجة من فعلة سام كثيراً.
وبينما نتناول الطعام بإنهماك قال إيثان بهدوء: أمي. أبي.

نظرنا جميعنا نحوه بإستثناء كريس الذي رمقه بنظرة خاطفة وأكمل تناول طعامه بلا اكتراث.
أكمل ينظر إلى مبتسماً قبل ان يعاود تركيز اهتمامه إليهما: أنا وتيا نتواعد. كما أنني وبكل جدية أحبها.
غصيت بشدة وكدت أختنق فأسرعت شارلوت التي تجلس بجانبي تضرب ظهري بحركة سريعة: هل أنتِ بخير؟
أومأتُ بوجه متورد إثر تلك الغصة، أو ربما الإحراج!
لقد. قالها فجأة دون مقدمات! انا حقا مندهشة!

أصدر سام صوتا كالاحتفال بفمه بطريقة ساخرة فابتسمت شارلوت وقالت: وأخيراً!
طرفت ستيفاني بعينها بعدم استيعاب ونظرت إلى زوجها الذي كان مبتسما بهدوء، حتى قالت بنبرة منخفضة: فهمت! هذا يفسر تصرفاتكما الغريبة في الأمس والتي أصابتني بذلك الصداع الحاد!
أضافت بحماس فجأة: وأخيرا تبدو جديا بالنسبة لي يا إيثان! فمواعدتك لتلك الكاترين كاد يصيبني بنزيف حاد في القلب! ألا ينبغي ان نعد غداءً مناسباً إذاً؟

تدخل كريس متكتفا بحزم: لا داع لهذا سيدة ستيفاني.
أضاف يرمق إيثان بغيض واضح: علينا المغادرة مبكراً.
نظر الأخير نحوه باستفزاز وانتصار وهو يرفع يدي يمسكها متمتماً: أردت ان تكون مواعدتنا رسمية، كما أنني وبصراحة أخفيت الأمر عنكما قبل بضعة سنوات لبعض الظروف والأسباب. ولكنني الآن أعلن عن علاقتنا وأردت ان تعلما بالأمر فوراً.
تمتم كريس بسخرية ينظر للسقف بتهكم: لبعض الظروف والأسباب.

رمقته شارلوت بإنزعاج فأشاح بوجهه بعيداً.
كريس. وبتصرفاته الطفولية سيفسد هذه الجلسة بكل تأكيد.
علي تدارك الأمر!
ابتسمت أشد على يد إيثان وقلت بلطف اوجه حديثي إلى والديه: أرجو ان أكون عند حسن ظنكما سيد مارك وسيدة ستيفاني. سأبذل جهدي!

اومأت ستيفاني بسعادة: ابني الأكبر بدأ يكون جدياً أخيراً، وابنتي الجميلة شارلوت قد تزوجت! عليك يا سام أن تترك الطيش والتهور انت أيضاً فلا تعتقد انني أجهل الكم الهائل من ارقام الفتيات في هاتفك.
بالرغم من انها تحدث بسعادة ولكن جملتها الأخيرة كانت مليئة بنظرة الوعيد والتهديد لسام الذي شرب من الماء بتوتر.

حينها تعالى صوت إشعار من هاتف كريس بينما أكمل الجميع حديثهم، لمحت تلك النظرة المنزعجة مجددا على وجهه فاستغربت الأمر كثيراً!
إن صحَ التعبير. فهي نظرة قلقة أكثر من كونها منزعجة!
ارجو ان يكون كل شيء على ما يرام!
شارلوت:
لمجرد رؤيته يحدق إلى هاتفه فأنا لا أكف عن التفكير بشأن تلك الرسائل التي رأيتها ذلك اليوم.
تعكَّر مزاجي بشدة ووقفت لأقول: سأذهب للإستحمام.

أضفتُ وانا اخرج من المطبخ: أبي أرجوك لا تنسى إصلاح باب غرفتي من فضلك!
أومأ ليقول بصوت عالي: لا تقلقي، سأخذ تكاليف التصليح من محفظة سام.
اتى صوت سام المتذمر وقد كان خافتا نظرا لإبتعادي عن المطبخ.
لقد نسيت أمر تلك الرسائل بطريقة ما ولكنني تذكرتها الآن فقط.
بدى قلقاً.
او متوتراً، شيء من هذا القبيل!
هذا الموضوع لن يكف عن اقتحام أفكاري ومخيلتي بهذه الطريقة المزعجة لذا على ان اتفاهم معه بشأنه.

انهيت استحمامي وارتديت ملابسي، جففت شعري وخرجت من الغرفة بغرض الحديث إلى إيثان.
كان في غرفة الجلوس مع الجميع فناديته بهدوء، نظر إلى بحيرة فأشرت له مبتسمة ان يقترب وأنا لا أزال بعيدة قليلاً.
وقف واتجه نحوي متسائلا: ما الأمر؟
نظرت إليه بجدية ثم إلى الأرض بتردد، عزمت أمري لأقول هامسة: إيثان. بشأن السفر. ما الذي تنوي فعله؟

أغمض عينيه متنهداً: سأقوم بإلغائه. وتوقفي عن التفكير والقلق لأن الأمر لم يكن يتعلق بكِ!
ابتسمتُ براحة شديدة!
قام بإلغائه! وأخيراً.
يمكنني المغادرة مطمئنة! لابد وان عودة المياه إلى مجاريها بينه وبين تيا قد حلت هذه المشكلة أيضاً.
ولكن. هذا لا يزال يعني بأنه سيعود للعمل بعد انقضاء اجازته المؤقتة التي اقتطعها من اجازته السنوية، ما الذي ستفعله تيا بعد ذلك؟
تلك المدينة بعيدة، وعمل إيثان يحتاج إلى جهد كبير!

أتساءل كيف سيتفاهمان بهذا الشأن.
بعد نصف ساعة تقريباً، كنا نقف عند مدخل المنزل ليودع كل من تيا وكريس أمي وسام.
بالنسبة لإيثان، فهو يتصرف وكأن كريس غير موجود أصلا وكل ما يفعله هو إبداء اهتمامه نحو تيا وحسب!
كريس كذلك يتظاهر ان إيثان جسد خفي كجزيئات الهواء فهو لم يلقي عليه ولو نظرة خاطفة حتى!
هل سيدوم هذا طويلا يا تُرى؟

هذا ما كنت أفكر به عندما قالت أمي بأسى: عليكما تكرار هذه الزيارة مجدداً، ولكن في المرة القادمة احضرا جيمي معكما.
أيدها سام بحب: صحيح! اريد سماعه يناديني بخالي الوسيم الجذاب بكل براءة ولطف.
رمقته ببلاهة: من فضلك ضع علامة التنصيص حول كلمة خالي فقط. جيمي لن يقول أمرا كهذا ليرضي غرورك، يا الهي انت تذكرني بشخص ما!

قلتها انظر لكريس الذي ابتسم يكبت انزعاجه وقد وضع يده على كتفي بقوة بطريقة غير ملحوظة فكتمت تأوهي أمام أمي بغيض شديد.
سحقا هذا مؤلم!
ابعد يده اتظاهر بالتبّسم، ثم نظرت إلى سام: دعني أذكرك بالأمر طالما أبي قد غادر إلى العمل. من فضلك اصلح باب غرفتي لا يمكنني النوم ليلاً كلما تذكرت انك قادر على الولوج إليها بكل بساطة!
ابتسم بثقة: لا يوجد ما أحتاجه من غرفتك.

أومأت بملل أجاريه لتقول تيا بلطف: حسنا سيدة ستيفاني استميحك عذرا، ارجو ان تتكرر هذه الزيارة أنا أيضاً.
ثم نظرت بدورها إلى إيثان وواصلا اختلاس النظرات السريعة.
حسنا أعتقد ان هذا التوديع اللطيف سيطول كثيراً، وهذا ما جعلني انتزع مفتاح السيارة من يد كريس على غفلة منه واسبقه إلى السيارة لأجلس على المقعد الخلفي وانتظرهما.

كان لا يزال يقف هو وتيا يتحدثان مع أمي وسام، وعندما ابتعد كريس متجها للسيارة ظلت تيا تقف أمام إيثان الذي قد خرج مبتعدا عن المدخل قليلا ليتحدثا على إنفراد.
نظرت إلى كريس الذي يقترب وحينها ضغطت على زر إغلاق الأبواب بعناد لأستمتع قليلا بردة فعله الغاضبة.
عندما اراد فتح الباب وجده مغلقا فنظر إلى باستغراب.
ابتسمت له بثقة فوضع يديه في جيبه وقال مقربا وجهه من النافذة: افتحي الباب.

رفعت كتفاي بضجر: سأفعل. فقط عندما تعود تيا، ابقى منتظرا قليلاً فقط.
ابتسم بملل واستند على السيارة وزفر وقد سمعته يتمتم: ما سر هذه الظرافة فجأة؟
ربما منزعجة منك لإفساد اللحظات السعيدة بين أخي وتيا.
ياللدافع النبيل. افتحي الباب أكره الوقوف في الطقس البارد!
تنهدت بملل: لن أفعل. لا تقلق سنتعامل معك فور ظهور أعراض الحساسية، من الضروري ان نستفيد من التجارب اليس كذلك؟ بالمناسبة ع.

انتفضت بذعر عندما ضرب النافذة بيده فأبعدت وجهي بطريقة تلقائية ليبتسم بانتصار: جبانة.
تكتفت مبتسمة حتى وصلت تيا ففتحت الأبواب، دخل ليجلس على المقعد المجاور للسائق هامساً: طفلة.
تمتمت ُ بلا اكتراث: اعترف انني اعتدت على الشجار معك.
استدار بصعوبة ينظر إلى بسبب تلك الإصابة ثم عاود ينظر للأمام بصمت، دخلت تيا لتجلس خلف المقود وحينها غادرنا المكان.

خرجنا من المدينة ووصلنا إلى الأخرى المجاورة، استمرت تيا في القيادة حتى وصلنا إلى المبنى الشاهق الذي تقطن فيه.
أوقفت السيارة أمامه وترجلت قائلة: هل انت واثق بأنك تستطيع القيادة؟
أومأ بهدوء: نعم.
ثم نظرت بدورها إلى وقالت مشيرة للمقعد: ماذا تنتظرين؟
ترجلتْ من السيارة وكذلك فعلنا، استقر كريس على المقعد خلف المقود فجلست بجانبه، حدقتُ إلى تيا وهي تدخل المبنى ثم نظرت للأمام بصمت.

مرت لحظات طويلة لم نتحدث بها لكنني استنكرت كثيرا أمر هاتفه الذي لم يكف عن الإعلان عن وصول الإشعارات والنظرة القلقة تارة والمنزعجة تارة أخرى، أوقف السيارة في إحدى الإشارات الحمراء فنظرت إليه بطرف عيني ليقول فجأة: ما الأمر؟
عقدت حاجباي لثوان بتردد: هل كل شيء على ما يرام؟ أراك تختلس النظرات نحو هاتفك في كل حين.
كان ينظر للأمام بصمت وقد زم شفتيه قبل ان يتمتم: على العودة إلى العمل.

اتسعت عيناي: ولكن. لم يمضي على خروجك من المشفى فترة كافية! لماذا ترهق نفسك وت.
يوجد أعمال مهمة على إنجازها، كما انه لدي صفقة على إنهاؤها خلال يومان نظرا إلى موعد محدد. لا زال على العمل على إنهاء تقارير كثيرة واهدار الوقت لن يكون في صالحي.
ماذا عن تفويض المهمة إلى شخص ما؟
نفي برأسه وهو يحرك السيارة وقد اصبحت الإشارة خضراء: لا أريد. أرغب في إنهاء العمل وحدي وبصيغتي الخاصة.

هل هذا يعني انك ستعود للمنزل وتباشر بالعمل فوراً؟
أومأ بهدوء: نعم.
هذا سيكون منهكاً له بلا شك!
ولكن.
هل حقا انزعاجه بشأن الهاتف كان لأجل العمل فقط؟
فكرت في هذا بصمت وبعد فترة وصلنا إلى الحي ثم إلى المنزل فدخل بسيارته وعبر الطريق الزراعي حتى أوقف السيارة أمام النافورة.
ترجلنا من السيارة وصعدنا الدرج، فتح الباب ودخل فتبعته والتوتر قد بدأ يجتاحني قليلا متذكرة مغادرتي من المنزل فجأة وسط دهشة الجميع.

اسرعت بأخذ نفس عميق ومشينا لغرفة الجلوس.
طرق كريس الباب اولا وسبقني، دخلت خلفه ببطء وقد ادخلت رأسي أولا، الجميع يجلسون معاً ولكنني لم ألمح رين، انتبهوا لكريس الذي قال بهدوء: مرحباً.
لمحته يبحث بعينيه عن شيء ما. حتى قال باستنكار: أين جيمي؟

كادت كلوديا تجيبه لولا انها انتبهت لي واسرعت تقف متجهة نحوي بسعادة: شارلوت! ها أنتِ ذا! لماذا غادرت فجأة؟ أخبرني ستيف انكِ كنت على عجلة ولم أستطع التوقف عن التفكير طوال الوقت!
ابتسمت وقد دخلت مغلقة الباب خلفي: مرحبا جميعاً.
سألتني بحيرة: هل كل شيء على ما يرام؟ كنا قلقين جداً بالأمس! ما الأمر الطارئ الذي خرجت لأجله؟ هل حدث أمر ما؟ هل.

قاطعها ستيف الذي نظر إلى نافياً: أنظري إليكِ. تجيدين التسبب في القلق للجميع دائماً!
ابتسمت بإحراج: حدث هذا رغما عني.
أضفت متنهدة: كان لدي بعض الظروف وحسب لا تقلقي!
أمسكت كلوديا بيدي تحثني على ان اقترب من الباقيين فابتسم جوزيف بلطف: مرحباً بعودتك يا شارلوت.
ابتسمت له بلطف وقد جلست: شكرا سيد جوزيف.
ثم وجهت نظري إلى السيد ماكس: أعتذر على خروجي بتلك الطريقة سيد ماكس لا بد وأنكَ ك.

قاطعني مبتسما: الأهم أنكِ بخير وكل شيء على ما يرام، كما انني اتصلت بوالدك بالأمس ليلاً لأطمئن بنفسي وأخبرني أنه لا داعي للقلق.
تكتف ستيف بملل: شخص ما خرج من المشفى وبدى مذهولا لعدم تواجدك في المنزل، من الجيد أنك عدت لأنه أزعج الجميع ب.
ولكن صوت أوليفيا اللطيف قد قاطع حديثه وهي تبتسم لي: لقد كان الجميع قلقاً بشأنك، جيمي لم يكف عن السؤال عنك أيضاً.
حدقت إليها بإمتنان: شكرا جزيلا على اهتمامك أوليفيا.

نظرت من حولي بحيرة: أين السيد جوش، جيمي وبريتني كذلك!
كان كريس لا يزال واقفا وقد وضع يديه في جيبه يترقب الإجابة هو ايضاً لتجيب أوليفيا: جيمي وبريتني ذهبا إلى منزل شارلي.
قال ستيف يشبك يديه خلف رأسه: أبي ذهب إلى العمل مبكراً. بعد ان قام باستمداد طاقته من ازعاجي وتوبيخي صباحا على مائدة الطعام.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *