رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الرابع
زهرة: مالك يا نرمين؟
نرمين: حاسة إن في مشكلة عند عمر، بعد ما كان عمال يكلمني عن جوازنا وبعد ما وعدنى إنه جاى قريب يخطبنى عمال يتهرب من سيرة الجواز، وحتى مقابلاتنا قللها خالص.
زهرة: طب ما تسأليه.
نرمين: كل ما أسأله يتحجج بحجة.
زهرة: معلش اصبري عليه شوية.
شعرت عايدة بحزن شديد على ما آل إليه حالها، عاودها الاكتئاب الذي لازمها منذ بدء علاقتها بخالد، كثيرا ما شعرت بالخزى وبتأنيب الضمير وقررت قطع علاقتها به لكن حبها له كان يجبرها على الاستمرار، لكن ما فعله بها وما قاله لابد من وقفة، عليها الابتعاد فورا، لقد ألقت بكرامتها وشرفها أسفل قدمه فداسهما بلا رحمة، قرار اتخذته ألف مرة وأجبرها قلبها على الرجوع، نعم تحبه، تحبه بجنون، ودت لو استطاعت أن تنزع قلبها من مكانه، أن تعود كما كانت قبل أن تعرفه، عايدة التي كانت تستحى من خلع ملابسها أمام زوجها رغم مرور شهور على زواجهما، قبل أن تتلقفها يد خالد الآثمة، خالد حولها من زوجة محترمة إلى عشيقة تفعل كل شئ من أجل إرضاء عشيقها.
مر اليوم الأول صعبا، لم تتصل عايدة بخالد كما اعتادت كل صباح فور خروج زوجها، ظلت ممسكة بهاتفها المحمول تنتظر رسالة منه لكنه لم يفعل، كتبت له ألف رسالة ومسحتها قبل إرسالها، تكرر ما حدث في اليوم الثانى، مع الفارق ساءت حالتها النفسية بشدة لدرجة أنها لم تستطع تناول طعامها، ولم تذهب إلى عملها، ولم تذق النوم طوال الليل، ظلت تمسك الهاتف كل دقيقة تقريبا، تنظر فيه، بحثت عن الرسائل، لم تجد أى رساله منه، ازداد جنونها عندما وجدته نشطا، عاودت الكتابة له، ثم حذفت ما كتبته، تناولت جرعة من المهدئات والأقراص المنومة وألقت بجسدها المرهق على الفراش ونامت كالأموات، لدرجة أقلقت زوجها عليها.
وفى اليوم الثالث لم تحتمل، اتصلت به فور استيقاظها من النوم لكنها فوجئت أنه قد قام بحظرها، وعلى الفور دخلت على حسابه على الفيس بوك، فوجئت أنه حظرها عليه أيضا، جن جنونها وظلت تتنقل بين برامج التواصل الاجتماعي لتتفاجئ أنه حظرها عليها جميعا، ارتدت ملابسها وذهبت إليه بسرعة، حتى أنها لم تهتم بتناسق ألوان ملابسها أو كيها، وجدت سيارته أمام العقار الساكن به، فرحت بشدة وصعدت مسرعة، طرقت الباب بهدوء كما اعتادت لكنه لم يفتح، ظلت تتطرق الباب أكثر من ربع ساعة بلا إجابة، حتى ظنت أنه بالخارج في مشوار قريب لا يستحق ركوب السيارة كالسوبر ماركت، قررت أن تنتظره في مدخل العقار، حتما سيمر عليها سواء كان بالداخل أو بالخارج، وقبل أن تنصرف فتح الباب، رقص قلبها فرحا واندفعت للداخل محملة بشوق من فارق حبيبه من ألف عام، وقبل أن تحتضنه جرها من رأسها بعنف ليسقطها أرضا، وما أن اعتدلت حتى انهال عليها باللكمات.
وهى تصرخ: اعمل اللى أنت عايزه فيا بس بلاش تخلى الضرب يعلم في جسمى عشان عبد الرحمن، المرة اللى فاتت اضطريت افضل مخبية جسمى خايفة لياخد باله.
دكتور خالد: أنا أضربك في المكان اللى يعجبنى وبالطريقة اللى تعجبنى.
عايدة: خلاص يا حبيبي اضربني زي ما أنت عايز.
دكتور خالد: يلا يا بت قومى جهزى لى الحمام.
عايدة: حاضر.
دكتور خالد: وما تنسيش تنضفى الحمام وتمسحيه.
عايدة: حاضر، بس أبوس إيدك ما تعملش كدة تانى، أنا كنت هأموت من بعدك.
دكتور خالد: مش أنتى اللى كرامتك نقحت عليكى قوى، ما أنت ياما قولت لك أكتر من كدة.
عايدة: قول يا حبيبي اللي أنت عايزه، المهم ما تحرمنيش منك.
نجحت زهرة في عامها الأول في الكلية بتفوق، أهداها عمها هدية ذهبية قيمة، وفور بدء الاجازة الصيفية عملت بنصيحة دكتور فريد بركات وقامت بشراء مجموعة كبيرة لكبار الكتاب وبدأت في قرائتها.
حصل حسام على بكالريوس الهندسة وعاد إلى مصر، كانت أسرته قد سبقته إليها حتى تسطيع شقيقتاه مريم وملك إكمال دراستهما الجامعية بمصر، لكنه فوجئ بوالدته ترغب في إبعاده من جديد بحجة الحصول على الماجستير والدكتوراة.
لم يكن خافيا على حسام كره أمه الشديد لزهرة وشقيقتها نرمين، لذا فضل عدم مصارحتها برغبته في الزواج من زهرة حتى تنتهى زهرة من دراستها، مازال المشوار أمامها طويلا، ثلاث سنوات كفيلة بتغيير مصير دول وشعوب، فقد يغير الله قلب أمه ويجعله يلين.
لاحظ عبد الرحمن وجود كدمات زرقاء على جسد عايدة فقال بفزع: من إيه ده يا عايدة؟
عايدة: مش عارفة، قولت لزمايلى واحدة قالت زعل، وواحدة تانية قالت ممكن يكون جن مؤذى.
عبد الرحمن بلهفة: انتى زعلانة من حاجة يا عايدة ومخبية؟
عايدة: هأزعل من إيه بس؟
عبد الرحمن: موضوع الخلفة.
عايدة: أنا نسيت الموضوع ده من زمان، وبعدين ربنا عوض علينا بنرمين وزهرة.
عبد الرحمن: وإيه موضوع الجن ده كمان؟ العلامات واضحة قوى في جسمك يا عايدة، مش لازم نسكت ليأذوكى أكتر من كدة، لازم نشوف شيخ كويس.
عايدة: السكة دي فيها واحد صادق وعشرة نصابين، أنا هابقى أقرأ قرآن قبل ما أنام وآية الكرسى.
عبد الرحمن: زى ما تحبى بس لو الموضوع استمر لازم نشوف شيخ.
ظل عمر يلح على والده ويتوسل إليه كى يوافق على زواجه من نرمين وهو على موقفه، تقدم لنرمين الكثير من الخطاب ورفضتهم جميعا بحجج مختلفة، شعر عبد الرحمن بميل نرمين نحو عمر، لكنه تحرج من مفاتحة عايدة بشأن شقيقها، ابنة شقيقه عزيزة عليه ولن يرخصها أبدا، هي ليست قليلة، وألف من يرغبها ويتمناها زوجة له، تنتسب لعائلة عريقة، مستواها الثقافى والتعليمى مرتفع، وكذلك مستواها المادى، أما عن نرمين نفسها الكل يشهد لها بالخلق والتدين، متعلمة، جميلة، هادئة، لا يشوب كل هذا سوى هذا الحادت القديم، حزن عبد الرحمن لحال ابنة شقيقه ودعا الله ألا ينكسر قلبها وألا تظل تحاسب على ذنب لم ترتكبه، ويكفي ما دفعته من ثمن هي وشقيقتها من سلامهما النفسى.
عاد حسام من حيث أتى، عاد دون أن يصارح زهرة بحبه في المرة الوحيدة التي قابلها فيها، خاف أن يعدها بما لن يستطع الوفاء به، فضل الصمت، لم يكن خافيا على زهرة حبه لها، هي أيضا أدركت أن قوة أكبر منه تمنعه من الاقتراب، كان لقاءا مؤثرا، صرخت القلوب العاشقة في صمت، صرحت العيون بما لم تنطق به الألسنة، والتقت اليدان للوداع، ود كل منهما لو أمسك يد حبيبه بقوة، لو ظلا متشابكان الايدى لا يفترقان أبداً، ودا لو هربا إلى عالم آخر ليس فيه قيود أو حواجز، لكن هيهات هيهات، وافترقا وفي عين كل منهما دمعة تجمدت، تحجرت، ربما لتمنع شلال الدموع المتأهب خلف هذه الدمعة من النزول، الماضى اللعين كما أفسد قصة حب عمر ونرمين أفسد قصة حب حسام وزهرة.
حاولت زهرة أن تكتب روايتها لكنها عجزت عن الكتابة، يا الهى اللغة العربية من أثرى اللغات، بها ملايين ملايين الكلمات، لكنها تفتقد أحيانا لكلمات تعبر بها عن بعض المواقف، بعض المشاعر تعجز عن وصفها كل قواميس الكلام، الظلم، القهر، الألم، بعض الاحزان أكبر من الكلام، فنقف عاجزين في اختيار مفردات كلماتنا، لأنها لن تفى بما نريد التعبير عنه، تركت زهرة الكتابة، بعد أن عجزت أكثر من مرة عن اكمال روايتها، حتى عندما اختارت موضوعا جديدا فشلت أيضاً في الكتابة عنه، وكأن الأفكار هربت منها، وكأنها قواميس الكلام خلت من محتواها.
التعليقات