رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الخامس والثلاثون
شارلوت:
ظل ماكس يحدق إلى الفراغ بعدم استيعاب حتى تمتمت كلوديا بتلعثم تطرف بعينيها بسرعة: لقد قال أبي. قال ذلك حقاً!
حينها فقط لمحت عينا السيد ماكس الداكنتان اللتان لمعتا.
لم تكن سوى لمعة تنبؤ ببداية فقدانه للسيطرة على نفسه! عيناه قد أُغرقتا بالدموع بالفعل!
ازدردت ريقي بصعوبة مبتعدة عن المكتب متجهة إليه، ظل يقف بملامحه تلك حتى تنحنح جوزيف بتوتر: حسناً. سأترككم قليلاً.
خرج وأغلق الباب خلفه، فأمسكت بيد السيد ماكس مبتسمة بلطف لأحثه على ان يجلس على الأريكة ذات الجلد الأسود.
وضعت يدي على كتفه هامسة: لا بد وأنك تشعر بالسعادة سيد ماكس. أنا أيضا لم أكد أصدق ما سمعته. ولكن. لن نتخيل نحن الأربعة الأمر ذاته اليس كذلك؟
زم شفتيه بقوة وقد عقد حاجبيه ولا تزال الدموع تفيض من عينيه فلم أتمالك نفسي فدمعت عيناي أنا ايضاً رغما عني!
أسرع يخفض رأسه مبتسما من بين دموعه: آخر مرة نادى بي بأبي. كانت قبل أكثر من ستة عشر عاماً! صبرت كثيراً وظننت أنني سأموت قبل أن أسمعها مجدداً، أعلم أنه لم يقصد التفوه بها ولكن. لا يمكنني كبح سروري! سماعها منه ولو دون قصد يكفيني. ظننت أنني تخيلت أمراً لطالما تمنيت سماعه، ولكن ردود أفعالكم أثبتت لي ان تلك الكلمة. واقع!
اقتربت كلوديا لتربت على كتفه بلطف: أرأيت؟ قلت لك بأنه يحاول جاهداً ولكنه لا يريد إظهار هذا. انظر إليه! نادى ب أبي في غفلة منه وفي لحظة غضب!
أيدتها مبتسمة امسح دموعي بسرعة بطرف قميصي: إنها محقة، الغضب يظهر المشاعر الحقيقية غالباً. اليس هذا مبشراً؟
ظل ينظر للأمام بوجه قد ارتخت ملامحه كثيراً! بل وأغمض عينيه بقوة قبل ان ينظر نحو المكتب بتأمل وبعض الدموع قد رطبت عينيه وأهدابه لتجبر الرجفة على ان تسري في جسدي بقوة!
ان يبكي رجلاً كبيراً كالسيد ماكس بكل سعادته.
أمر من الصعب ان اقف مكتوفة اليدين امامه، ارغب في معانقته!
رفع يده اليمنى نحو صدره ممسكاً بقميصه بقوة ولا يزال يحدق إلى مكتب كريس فسألته بقلق: سيد ماكس؟ هل أنت على ما يرام!
أومأ برأسه عدة مرات بسرعة وبصمت ثم أخفى وجهه بين كفيه هامساً: أبدو مثيرا للشفقة.
نفيت معترضة: إطلاقاً! سأفعل أكثر من هذا لو كنت مكانك. الم تقل أن أكثر من ستة عشر عاماً قد مضت منذ أن بدأ يناديك باسمك فقط؟ عبّر عن فرحتك كما يحلو لك سيد ماكس.
تنهدت كلوديا بعمق وقد استقرت يدها على كتفه قبل ان تهمس براحة: الأمور ستبدأ بالتحسن بطريقة ما أنا واثقة من ذلك. المهم الآن أن نتصرف بشأن ذلك الملف وإلا اضطر كريس للّجوء إلى عدة حلول أسهلها مُهلك وصعب.
نظر إليها بتفكير ثم أومأ برأسه ببطء، ابتسم بهدوء قبل ان يقف والسعادة قد سلكت مجراها على ملامحه بدقة: صحيح، سأرى إلى أين ذهب، اتبعيني يا شارلوت.
رمقتُ كلوديا التي ابتسمت لي بلطف وحركت رأسها مشيرة تحثني على ان اسرع لأتبعه.
خرجت خلفه وتبعته لننزل وهناك وجدنا كريس في الردهة قد جمع الخدم كلهم وحتى الطباخين!
وقفت في منتصف الدرج بينما اكمل ماكس طريقه قليلا ووقف على اخر درجة، كان كريس يقف أمامهم واضعا يده اليمنى على خصره وقد تساءل بحدة: من يكون إذاً؟
أسرعت آنا تقول بحيرة وقلق: لا ندري سيد كريستوبال! انت تعلم بأن لا أحد يدخلها سوى وقت التنظيف فقط حين تطلب انت ذلك بنفسك!
لندع امر تنظيف المكتب، الم يدخل أي شخص إلى الغرفة ولو لثوان معدودة؟
لا!
تمتمت إحدى الخادمات مفكرة بتردد: سيد كريس، ربما يكون جيمي! قد يكون دخل ليلعب مثلا أو.
ولكننا فزعنا عندما قاطعها بغضب: جيمي لن يدخل لأنه يعلم بأنه مكتب للعمل لا للعب.
زميت شفتي بتفكير ثم أسرعت اتدخل لأنزل بخطى سريعة وقلت بجدية مقتربة منه: كريس من الواضح أن لا أحد منهم يعرف شيئا عن ذلك الملف!
رمقني بغضب: من سيكون إذاً!
لنسأل الباقيين فنحن لم نخبرهم بعد!
زم شفتيه ثم همس متمالكا نفسه يمرر يده على جبينه مغمضا عينيه بإنزعاج شديد: يمكنكم الذهاب.
قالها واسرع لغرفة الجلوس حيث اوليفيا وستيف والقى بسؤاله ليرى علامات استفهامٍ وحيرةِ فوق رأسيهما.
أدرك فوراً انهما لا يعرفان شيئا واتجه ليخرج من المنزل!
تبعته عند باب المدخل بقلق واستغراب: مهلا. كريس!
حاول ماكس ان يستوقفه متسائلا: هل ستذهب إلى الشركة؟
رمقه كريس بنظرة خاطفة وهو ينزل الدرج مزمجراً: مع أنني واثق أنني وضعته على الرف بنفسي.
تحركاته السريعة هذه خطر على إصابته! وإن كان الجرح قد التئم فلا يجب ان ينهك نفسه هكذا حتى لا تتقلص العضلات بإستمرار مع كل حركة ويؤثر ذلك عليه سلباً.
عندما نزل درج المدخل اتجه يسارا نحو الحديقة الخلفية فتمتمتُ مستغربة وقد أغلقت الباب: أين اختفى يا تُرى!
نفي برأسه بإستياء فقلت بلطف: اذهب وارتاح سيد ماكس سأرتب الفوضى التي احدثها كريس وأعود فوراً.
لم يعترض وإنما امال برأسه فصعدت للمكتب واتجهت للمكتب، أغلقت الباب خلفي واسرعت بالتقاط الملفات عن الأرض وترتيبها على الرفوف.
وكذلك الأوراق التي تناثرت وضعتها على المكتب بطريقة مرتبة.
تنهدت بعمق والقيت نظرة أخيرة وخرجت من الغرفة لأنزل.
في طريقي للنزول رأيت السيدة أولين فابتسمت بهدوء بينما ارتفع حاجبيها باستغراب: شارلوت؟!
أين كنت سيدة أولين! لم أركِ سوى الآن؟!
ذهبت لشراء مستلزمات المطبخ مع إحدى الخادمات!
أضافت مقتربة بسعادة: متى أتيت؟
منذ قليل. بالمناسبة سيدة أولين لابد وأنك سمعت ما حدث.
زفرت بضيق مميلة برأسها: أخبرني ماكس الآن فقط. لذا صعدت بنفسي لأبحث في الغرفة، أعلم بأنكم بحثتم بلا جدوى ولكنني سألقي نظرة أخيرة فحسب.
لويت شفتاي للحظة قبل ان اتساءل بإهتمام: ماذا لو لم يجده في الشركة؟
رفعت كتفيها بلا حيلة.
ثم قالت بلطف وهو تتجاوزني: سأذهب للبحث عنه. مع ان الأمر غريب ذلك ان لا أحد يدخل المكتب سوى للتنظيف، حتى رفوف الملفات لا يقترب منها الخدم!
أومأت برأسي بفهم وعندما اختفت عن ناظري نزلت متجهة إلى حيث يجلس الجميع.
دخلت ولم أجد سوى أوليفيا وستيف وكلوديا!
همست بحيرة: أين السيد ماكس وجوزيف؟
أجابني ستيف بهدوء: إنهما في الحديقة.
هكذا إذاً.
تحركت لأجلس بجانب ستيف، كانت كلوديا تحدق إلى هاتفها بإنهماك بينما ستيف وأوليفيا يشاهدان التلفاز.
لا يمكنني الجلوس هكذا.
أنا قلقة.
أرجو ان يجد الملف في الشركة.
يا ترى كيف اختفى؟ من أخذه!
قال كريس بأن الملف كان في الرف العلوي.
ولا أحد يدخل الغرفة سواه وأبيه. وإن كان الخدم ينظفون المكتب بعد الإستئذان فمن عساه سيأخذه!
من إذاً!
حينها فقط لا أدري لماذا.
ولكن. هاجس خفي أظهر صورة لابتسامة رين العابثة ونظراته الخبيثة في عقلي!
رين!؟!
مستحيل…
لماذا سيأخذه على أي حال؟ لا فائدة تُجنى من فعلته هذه!
لا أريد التفكير بهذا الموضوع حتى لا اكون لئيمة واحمل الشكوك تجاهه. ولكنه الوحيد الذي يكن الضغينة لكريس!
أتكون حيلة منه أو. انتقام مثلاً؟
أين هو على كل حال فأنا لم أره حتى الآن!
تمتمت بحيرة أحوّل عيناي بين أوليفيا وستيف: أين رين؟
أجابتني أوليفيا متنهدة: إما أنه لا يزال في غرفته أو خرج دون ان ننتبه.
أملت برأسي ثم نظرت للفراغ لبرهة.
في غرفته إذاً، أو ربما قد خرج إلى مكان ما.
أ. أنا لن أشك فيه ولكن. لماذا صورته لا زالت تراودني؟
حاولت تجاهل الأمر جاهدة لأريح عقلي من التفكير الذي لن يأتي بنتيجة، واندمجت فيما يشاهدانه بالتلفاز حتى وقفت كلوديا لتخرج من الغرفة.
همست لستيف متسائلة بإهتمام: متى سيعود كريس؟ هل الشركة بعيدة؟
اسند قدميه على الطاولة أمامه وأجاب وعيناه لا تزال على التلفاز: ليست بعيدة جداً. ربما أقل من نصف ساعة!
ثم أضاف مبتسما بهدوء وقد القى على نظرة خاطفة: لا تقلقي بشأنه. إنه قادر على تدبير أموره.
نظرت إليه بهدوء ثم أخذت شهيقا عميقاً متكتفة وقد اكتفيت بالصمت.
مرت ساعه كاملة حتى تهاوى على مسامعي صوت محرك سيارة وفرامل قوية!
وقفت مسرعة لأخرج من الغرفة واتجه لباب المنزل.
فتحته لأرى سيارة كريس أمام النافورة عند درج المدخل!
حدقت إليه باستغراب فرأيت ملامحه ممتعضة جداً، اخرج هاتفه واتصل بشخص ما.
رأيت حينها السيد ماكس وجوزيف اللذان كانا يجلسان على إحدى الطاولات في الحديقة يقتربان منه، وقف ماكس عنده بينما أكمل جوزيف طريقه نحوي.
ابتسم لي بهدوء وقال مشجعاً: اذهبي لزوجك ربما يفقد أعصابه في أي لحظة. من الواضح أنه لم يجد ما يبحث عنه.
نظرت إليه بإستياء هامسة: ربما.
أسرعت أنزل الدرج بينما دخل جوزيف، كانا واقفان ووصلت إليها لأسمع كريس يقول بإنزعاج: حسنا سأنتظركِ، لا تتأخري يا تيا.
تيا؟!
أغلق الهاتف واستند على السيارة بإنزعاج وعينيه تحدقان بالفراغ بإمتعاض وقلق، كان يمرر يده على مكان الإصابة فتساءلت بحذر: لم تجد الملف صحيح؟ الا يوجد نسخ احتياطية؟
رمقني بغيض: المشكلة ليست في النسخ الاحتياطية وإنما في التقرير الذي سأكون مضطرا لكتابته وإنهاؤه قبل موعد الإجتماع، ثم على إيجاد أوراق أصلية لكل ورقة تم التوقيع عليها.
ما الحل!
رفع كتفيه نافيا بلا حيلة: ان ابدأ بكتابة التقرير بكل تفاصيله وبعدها سأفكر بشأن الأوراق المفقودة.
تساءل ماكس بجدية: متى سيكون تسليم الأوراق؟
أجابه يلقي نظرة سريعة على هاتفه: غداً صباحاً. لا يمكنني تأجيل الموعد لأنه قد سبق وتأجل مرتين بسبب دخولي للمشفى.
تنهدت بإستياء وحدقت إليه: ما الذي ستفعله الآن؟
رمقني للحظة ثم أشاح بوجهه: طلبت من تيا إحضار كل الأوراق التي تبقيها في شقتها. لا زلت آمل ان أجد أهم الأوراق على الأقل.
ثم تقدم نحو الدرج وهو يتمتم بأمور لم أسمعها محدثاً نفسه.
نظرت للسيد ماكس وتساءلت بأسى: الا يوجد ما أستطيع فعله سيد ماكس؟
ابتسم بلطف: من الصعب أن تساعديه في أمر كهذا يا شارلوت.
زميت شفتاي فاسترسل: ستأتي تيا بعد قليل وسنرى ما يجب فعله.
ما الذي سيحدث لو لم يجد الملف؟
طرف بعينه وفكر قليلا ثم أجاب بهدوء: سيكون موقفه سيئاً جداً.
أضاف بجدية: قد يمس هذا بعض المصالح المشتركة للشركتين، وقد يؤثر على العلاقة سلباً، لا تقتصر العلاقة بيننا وبينهم فقط فيوجد أطراف أخرى كثيرة.
قطبت حاجباي وزفرت بإنزعاج: أين اختفى! لا يعقل ما يحدث.
حدق إلى مطولاً وبدى يفكر بعمق قبل ان يعقد ساعديه هامساً بحذر: شارلوت. هل شككت في شخص ما؟
ارتفع حاجباي بحيرة لحظة ولكنني سرعان ما أجبته بجدية: بصراحة. نعم!
فهمت. أعتقد أنه الشخص ذاته الذي بدأت بالتفكير به.
أيعقل سيد ماكس أن يكون قد اخذه ليورط كريس!؟
ولم لا؟
ولكن! ليعبث بأي أمر آخر سوى العمل!
لا يوجد ما يثبت شكوكنا. ولا يوجد ما نقوله له. لا أريد أن يبدو الأمر وكأننا نتهمه ونشير إليه بأصابعنا بلا دليل.
صحيح. أنت محق!
بعدها دخلنا للداخل فذهب هو إلى غرفته بينما سألت إحدى الخادمات عن مكان كريس لأنني لم أجده لا في مكتبه أو في غرفة النوم!
السيد كريس؟ إنه يحتسي القهوة في تلك الغرفة.
قالتها مشيرة إلى إحدى الغرف التي لم يسبق لي وأن دخلتها! إنها وبشرح مختصر دقيق تقع على يسار الردهة بعد ممر طويل وفيه بضعة غرف أخرى خمنت أنها قد تكون للضيافة وما شابه.
أملت لها برأسي مبتسمة بإمتنان وبلطف وتحركت نحو الغرفة.
طرقت الباب ودخلت بهدوء، هذه الغرفة.
مكتبة!
يوجد الكثير من رفوف الكتب المختلفة في أنواعها وأحجامها موضوعة على طول الحائط بطريقة أنيقة جداً، الأرضية ذات طابع قديم خشبي ولم يكن أملساً من النظر وإنما بدت لي أرضية خشنة بطريقة ما، كما يوجد طاولة خشبية متوسطة الحجم على ارتفاع بسيط عن الأرض وُضع فوقها مزهرية رفيعة السمك وبها أزهار بيضاء اللون.
حول هذه الطاولة يوجد أرائك تحيط بها بتصميم دائري لونها ماروني داكن، أما الإضاءة فكانت الأجمل!
إنها إضاءة مزجت بين الأصفر والأبيض وبدت مريحة للعين كثيراً! وجدته ممسكا بكوب القهوة يجلس على إحدى هذه الأرائك وفي اليد الأخرى يحرك اصبعه على مؤشر التحكم في الحاسوب المحمول بإندماج.
اقتربت منه وجلست بجانبه، رمقني بنظرة سريعة ثم عاود يوجه إهتمامه للشاشة مرة أخرى.
احتضنت وسادة الأريكة الصغيرة بصمت، وراقبته دون التحدث.
بدى مندمجا جداً، تقطيبة صغيرة ظهرت بين حاجبيه وعينيه العسليتان تبدوان شديدتا التركيز لتشعرني أنه في عالم آخر.
كما أن مزاجه لا يبدو جيداً!
أريد مساعدته أو فعل شيء مفيد.
ولكن كيف؟! فتاة مثلي على وشك التخرج من تخصص الطب كيف لها ان تبدي المساعدة في مجال إدارة الأعمال والمؤسسات!
نظرت لقارورة الماء المُغلقة على الطاولة وانحنيت قليلا وتناولتها، فتحتها وارتشفت منها قليلا فهمس محدثاً نفسه: جيد. هناك نسخة احتياطية مُترجمة إذاً.
وضع كوب القهوة على الطاولة ثم مرر يده في شعره ببطء وبدى مرتاحا قليلاً أو مطمئناً.
همست بهدوء: كريس. أريد مساعدتك بشأن الملف.
لا يوجد ما تفعليه.
قالها بهدوء دون ان يبعد عينيه ثم اخذ بعض الأوراق الموجودة بجانب الحاسوب وحدق إليها بإهتمام وهو منغمس في النظر لها واحدة تلو الأخرى.
حينها التزمت الصمت تماما وتركته يكمل عمله وتأملت المكان من حولي، بل وتساءلت حينها عن هذا الكم الهائل من الكتب، ما نوعها؟ ومن الذي يملؤه شغف القراءة إلى هذا الحد؟
أشعر أنها قد تكون غرفة مصممة من قبل السيد ماكس أو حتى والده إفليك.
لأنني وبطريقة ما. أشعر أنها غرفة مميزة أو لها قيمة خاصة نوعا ما.
هل يحضرون سُلماً ذو عجلات لإلتقاط هذه الكتب في الأعلى؟ أم تٌراها مجرد كتب للتصميم فقط؟
أعلم أن ما أفكر به أمر لا جدوى منه ولكن لا يوجد ما أفعله!
بعد ربع ساعة تقريبا أو أكثر دخلت تيا الغرفة والخادمة أمامها لتدلها على الغرفة.
خرجت بينما تقدمت تيا مرتدية بدلة رسمية سوداء اللون قصيرة بعض الشيء تصل إلى أعلى ركبتيها بقليل، فأيقنت أنها ملابس العمل.
حدقت إليها وأنا أرتشف من الماء بينما نظرت إلى بهدوء يجوبه حيرة.
جلست إلى جانب كريس متنهدة بعمق وفي يدها ظرف كبير ذو لون بني بدرجة فاتحة.
وضعته على الطاولة أمام كريس قائلة بجدية: هذا ما وجدته لدي. إنها الأوراق الأصلية التي بدأنا بها الصفقة، فيها كل البنود والشروط التي اتفقنا عليها معهم، والأوراق الأخرى تحوي توقيعك وتوقيع رئيس الشركة الأخرى وكذلك المعنيين بالأمر وباقي الشُركاء.
تناول كريس الظرف واخرج الأوراق ثم تمتم: حُلت المشكلة، بقي لنا أن نعيد كتابة التقرير مجدداً.
أنهى جملته وهو يزفر بإنزعاج فقالت تيا بإحباط: التقرير كان طويلاً جدا! اليس من الأفضل أن نؤجل الموعد غدا! من الصعب انهاء التقرير في يوم واحد، التقرير الذي تم الإنتهاء منه كان بجودة عالية يحوي جميع التفاصيل المطلوبة فهل ستكون قادراً على إعادة كتابته حقاً؟! ثم لا تنسى أنك ستذهب للشركة اليوم وستعود مساءا.
لا بأس. سانهيه قبل الموعد.
قالها بهدوء وأضاف: لن نؤجل الموعد، لا أريد نخسر ثقتهم.
اتسعت عينا تيا التركوازيتين واعادت شعرها الأصهب خلف أذنها نافية: غير معقول! إنه انتحار بطيء يا كريس. دعني أساعدك إذاً من المستحيل أن ت.
قاطعها وهو يغلق الحاسوب: يمكنني إنهاؤه وحدي.
حدقت تيا إليه للحظات بعدم اقتناع ثم همست على مضض: غريب أن يختفي الملف هكذا.
أمال برأسه ثم تفاجأت به يسند رأسه على كتفي ليقول مغمضا عينيه بإنزعاج: كان ماكس محقاً حين قال بأنه من الضروري وضع آلة تصوير لمراقبة المكتب.
لماذا لم تضع الملف في خزنة الشركة؟
كنت أعمل عليه في المنزل، ثم ظننت أنه لم يكن ضرورياً فلا أحد يدخل للمكتب ولا يوجد ما أقلق بشأنه.
حسنا سوف أساعدك في كتابة التقرير مجدداً.
قلت لكِ بأنني سأنهيه وحدي، وفري مجهودك لنفسك.
هيا يا كريس لا تكن واثقا هكذا!
إلى متى أنا مضطر لإعادة كلماتي تحديداً.
قالها وابتعد عني ثم امسك بهاتفه متمتما بجمود: أيا يكن من أخذ الملف، فأنا سأتجاهل أمره مؤقتا حتى أنهي موضوع الإجتماع غداً وبعدها سأبحث في هذا الأمر.
رمقتني تيا بلا حيلة فقلت بإستغراب: لما لا تبدأ الآن بدلا من الذهاب للشركة؟
رمقني بهدوء: لا. يوجد اعمال متراكمة على انهاؤها.
ثم امسك بجبينه متنهداً فقالت تيا بجدية: حسنا إذاً. لنذهب للعمل الآن وندع هذا الموضوع جانبا حتى تعود للمنزل مساءاً.
أمال برأسه وهو يقف: سأذهب لتغيير ملابسي.
خرج من الغرفة فاقتربت تيا إلى لتجلس بجانبي وتتساءل بجدية: هل أنتِ واثقة بأنكم بحثتم عن الملف جيدا؟
نعم، والسيدة أولين كذلك عاودت البحث مرة أخرى.
أضفت مشجعة: لا بأس سيتم تسليم كل شيء في الموعد المحدد، سأبقى معه حتى ينهيه تماماً، أعدك.
لوت شفتيها قليلا ثم رسمت ابتسامة مضمرة: نعم. ابقي معه.
بعد دقائق طُرق الباب وأطل ستيف برأسه باحثا بعينيه ثم دخل ممتعضا: ما الذي تفعلينه هنا؟
قالها موجها حديثه إلى تيا التي أجابته بملل: اطمئن، لست هنا من أجلك أيها الطفل الطائش.
حسنا أيتها العجوز.
اتسعت عيناها التركوازيتين فأسرع يردف متململا وهو يجلس على يميني: لا أستطيع الجلوس بعيدا عن شارلوت. بحثت عنها في كل مكان ثم أخبرتني إحدى الخادمات أن البطلة الخارقة اسرعت للبحث عن زوجها الذي كان يجلس هنا، اين هو على أي حال!
ضحكت بخفوت: صعد لتغيير ملابسه. قال بأنه سيذهب للعمل.
ارتفع حاجبيه واعتدل في جلسته بعدم تصديق: هل يمكنه العمل حقاً؟ الا يفترض ان يقضي هذه الأيام في الراحة قليلاً؟
أومأت بقلق: ولكنه مصر على الذهاب للعمل.
اراح ظهره على الأريكة ينظر للغرفة من حوله قبل ان يتمتم شابكا يديه خلف رأسه بملل: إنها الغرفة الوحيدة التي لا تحوي أي أجهزة إلكترونية. إنها تصيبني بالملل الشديد.
نفيت تيا معترضة: على العكس تماماً! إنها الأنسب للعمل والتركيز أو القراءة، لا شيء فيها قد يشغلك عما تفعله، حتى جدرانها عازلة للصوت.
جادلها بسخرية: ذكريني رجاءً كم مرة قمتِ فيها بإنهاء كتاب كامل يا حظرة القارئة الشغوفة؟
ولا مرة.
أردفت ببرود: دعني أسألك إذاً كم مرة قمت فيها بقراءة بضعة سطور طوال العشرون عاما التي مضت؟
احتدت عيناه بغيض فضحكتُ بخفوت: حسنا نقطة لصالح تيا.
ابتسمت بدورها بانتصار في حين قال بملل: جيمي ليس هنا. لا يوجد من أقضي وقتي معه، ربما على ان أخرج برفقة بعض الأصدقاء.
ثم نظر إلى الفراغ بتمعن قبل يجلس يميل جسده للأمام ويسند مرفقيه متمتماً: سؤال ينتابني بشأن أمر ما وأرجو أنني لا أفكر كثيراً.
طرفت بعيني مشيرة إلى نفسي باستغراب: هل تقصد تيا أم أنك تحدثني أنا؟
شارلوت ألا تظنين بأنه يوجد أمر ما ملفت للإنتباه؟ أقصد. تصرفاتك طبيعية جداً ولكن. كريس.
قطع كلماته مفكراً قليلا ثم عقد حاجبيه باستنكار شديد: يوجد الكثير من الأقاويل الغريبة التي قيلت أمامنا في الأمس قبل ان يغادر كريس لإحضارك.
ثم نظر لتيا يردف بنبرته السابقة رافعا يديه باستفسار: تيا هل يبدو الأمر طبيعياً! أقصد. هل سمعتِ ما كانت تقوله؟ إنها تحاول ال.
قاطعته تيا بجدية: ستيف! لا تتسرع من فضلك يوجد أمور لا يجب ان نخوض فيها تجنبا للمشاكل.
ارتفع حاجباي بعدم فهم بينما امتعض ستيف واقفا: ولكنني لست مرتاحاً لها، كنت محقا في التفكير بالخروج للتنزه برفقة بعض الأصدقاء قليلاً. فليكن.
قالها مبتعدا عنا ليخرج من الغرفة فنظرت لتيا ببلاهة متسائلة بعدم فهم: ما الذي كنتما تتحدثان عنه؟ من التي يشير إليها في حديثه!
نفيت برأسها بهدوء: لا شيء. مجرد أمور يفكر ستيف بشأنها ويبدو أنه يبالغ قليلاً!
ولكنه قال بأن.
بترت كلماتي إثر فتح الباب، لم يكن سوى كريس الذي دخل مرتديا بدلة سوداء رسمية، نظر إلينا ثم وجهه اهتمامه للحاسوب الذي قام بأخذه وكذلك الأوراق والمغلف البني ليقول لتيا: لنذهب.
أومأت تيا برأسها ووقفت هي أيضا لتسبقه وتخرج، تجاهلتهما في تلك الأثناء وكنت غارقة في أفكاري أعيد كل حرف تفوه ستيف به قبل قليل! من التي يعنيها بكلماته؟ لماذا بدى منزعجاً! على التحدث معه وإلا نال الفضول مني.
بدأت أشعر بالقلق بجدية.
تبدين غارقة في أفكارك.
قالها كريس باستنكار فنفيت بسرعة دلالة ألا يهتم فظل ينظر إلى للحظات مطولة فاحترت قليلا، وقفت متجهة نحوه لأقف امامه باستغراب: ماذا! لماذا تحدق إلى هكذا؟
أخفض ناظره متمتماً: قد أتأخر في العودة.
رفعت كتفاي بلا حيلة فأضاف متنهداً: لا تجبريني على تكرار ما سأقوله الآن، لا تحتكي بعائلة جوزيف كثيراً، ولا سيما رين.
تكتفت بسخرية: ماذا عن بريتني؟ هل على الحذر من طفلة لم تتجاوز الخامسة بعد؟
ابتسم بسخرية مماثلة مستديراً وقد علق قبل ان يخرج: ياللظرافة.
عندما غادر كريس وتيا وجدت نفسي عازمة على البحث مجددا عن الملف دون ان افقد الأمل، بحثت في المكتب بحذر، وحتى في غرفة النوم، في الأدراج والخزانات، أسفل السرير وفوق كل الرفوف وحتى بين الملابس!
بلا جدوى.
زفرت بإحباط وخرجت من الغرفة مستندة على الباب هامسة: أين اختفى! لماذا أشعر ان الملف لا يزال في المنزل؟ فقط لو كان رين بالخارج لاقتحمت غرفته وبحثت عنه بسرعة!
ثم استوعبت ما أفكر به!
لا حق لي في ظلمه أو الشك فيه! إنها طريقة لئيمة لا يمكنني إعتمادها في التفكير.
لا يوجد ما يدل على ان رين قد يكون له يد في الموضوع.
نظرت من حولي بتردد وقلق وتحركت لأتجه إلى الدرج ولكن شيء ما في داخلي أبى أن أنزل.
هاجس خفي حثني على ضرورة الذهاب للجناح المقابل.
وبالفعل ذهبت إلى هناك ولا أدري كيف تهورت هكذا!
وجدت قدماي تقودانني إلى غرفة رين.
أنا لا زلت أشتبه به. كما قال السيد ماكس. لا يجب ان نشير إليه بأصابع الإتهام دون دليل، سيكون الأمر محرجا وقاسيا لو اتضح ان لا شأن له بالأمر.
تنهدت بعمق وانا اقف أمام بابه مفكرة بخطوتي التالية، اعتقد انني سأنزل. يكفي تفكيراً بالأمر فلقد قال كريس بأن المشكلة قد تم حلها.
ولكن.
سيكون من المجهد ان يعمل على اعادة كتابة التقرير! يا الهي. ما الذي على فعله؟
عقدت حاجباي بحيرة وانا المح خط رفيعا لم أنتبه له اوضح لي ان باب غرفة رين لم يكن مغلقا تماماً!
يمكنني الرؤية من خلال لو اقتربت فقط.
وهذا ما فعلته دون شعور! تحركت كاللصة نحو الباب بعد ان نظرت حولي بحذر، لم أجد أي شخص حولي فأدخلت رأسي فقط.
الإنارة مضاءة، هل هو في الغرفة؟ ولكن.
لم ألمحه لا على السرير او على الأريكة.! الشرفة مفتوحة وكذلك ستائرها ومن الواضح ان لا احد يقف فيها.
ادخلت جسدي ببطء واغلقت الباب خلفي بحذر، وقفت أغمض عيناي أنصت جيدا لأي صوت. فلعله يستحم مثلاً!
ولكن. لا يوجد أي صوت في الغرفة. وهذا مؤشر جيد.
ازدردت ريقي بصعوبة ومشيت على أطراف أصابعي، على ان القي نظرة متفحصة في غرفة الملابس بجانب الحمام فربما يكون هناك ثم أتورط!
القيت نظرة عليها ولم يكن هناك، حتى الحمام فارغ تماماً.
والآن وبعد ان تأكدت من خلو الغرفة، على ان اسرع وأتأكد لأقطع الشك باليقين فقط، فانا أشعر بتأنيب الضمير كلما فكرت في كونه المتسبب بالأمر.
بحثت في أدراج المنضدة أولا.
ثم الرفوف وأي مكان قد وقعت عيناي عليه!
لا شيء. لا نتيجة!
لم يبقى سوى غرفة الملابس وحسب، بحثت من بين ملابسه بل وحتى في الجيوب بإنهماك.
نظرت للأعلى حيث احد الرفوف العلوية التي تحوي بعض الأحذية الرياضية وكذلك العملية.
لا أظنني سأجد الملف هناك! ثم إنه مرتفع وقد اضطر لجلب ما استعين به لأقف عليه!
رائع.
قيلت بنبرة استخفاف فشهقت برعب لأستدير بسرعة!
كان قلبي يخفق بسرعة شديدة وصدري يعلو ويهبط بسبب تسارع تنفسي.
متى دخل! لماذا لم أشعر به؟ أي خفة هذه بحق الإله؟
إنه يقف متكتفا يسند ظهره على مدخل غرفة الملابس ويبتسم بهدوء، عيناه الزرقاوان كانتا تحدقان إلى بتمعن، نظر للمكان من حوله ثم تنهد بإحباط شديد: تختفين ليلة كاملة، ثم تظهرين فجأة في غرفتي. أتُراك أردتِ الترحيب بي؟
حينها لم أعلم ما على قوله!
إنني أقف كالبلهاء وأشعر بالإحراج لموقفي هذا، ابتعد عن الحائط وتقدم نحوي فضاقت عيناي بحذر، لن أنسى فعلته الأخيرة. على أن أكون متأهبة لأي فعل قد يبذر منه!
تساءل بابتسامته الواثقة: لماذا دخلت دون استئذان؟ أتذكر حادثة صغيرة عاطفية قد وقعت بيننا في آخر مرة، لماذا لم تتعظي؟
شعرت بالغيض من طريقته في الحديث ومع ذلك توترت كثيرا! حاولت جاهدة السيطرة على أعصابي وأنا أقول بهدوء ببعض التلعثم: سأخرج الآن!
قلتها وانا اتجاوزه لأخرج مسرعة ولكنه أمسك بيدي ودفعني على خزانة الملابس برفق فحدقت إليه بدهشة.
كان لا يزال يحافظ على ابتسامته تلك!
ما الذي كنتِ تفعلينه؟
ل. لا شيء!
تستنشقين عطر ملابسي؟
هل أبدو لك فتاة منحرفة بحق الإله!
إذاً؟
ك. كنت فقط، أتفقد ما إن كنت متواجدا في المنزل أو لا.
أوه!
أردف يغمض عينيه نافيا: رائحة كذب قوية، وهل من المفترض أن أصدق هذا؟
زميت شفتاي بإضطراب شديد ثم قلت بنبرة حادة: حسنا كنت أبحث عن شيء يخصني، لم أجده هنا سأذهب إلى الغرفة المجاورة وأباشر في البحث عنه مجددا لعلني أجده.
يا الهي.
علي أن أخرج من غرفته بسرعة!
الوقوف مع رين هي أسوأ فكرة على الإطلاق.
أجفلت مرتجفة وقد اتسعت عيناي حين امسك بذقني برفق ورفع رأسي هامسا بعين ماكرة: هيا يا زوجة ابن خالتي. الكذب لا يليق بكِ!
أبعدت يده بقوة ودفعته بإنزعاج: أنا أحذرك يا رين من التصرف معي بهذه الطريقة!
أضفت بإشمئزاز: لا تجرؤ على الإقتراب مني هكذا واترك بيننا مسافة كافية.
ضحك بخفوت يومئ برأسه إيجابا: حسنا شكرا لتذكيري، سأتغاضى عن دخولك إلى غرفتي متسللة كاللصوص، ولكنني لا زلت أسألك ما الذي تبحثين عنه تحديداً!
تجاهلته القي عليه بنظرة حادة: لا يوجد ما أقوله أكثر من هذا.
ابتعدت عنه بغية الخروج من الغرفة، فتحت الباب وقد بدأت تنفرج أساريري ولكنها سرعان ما خذلتني عندما وضع يده على الباب ليغلقه بقوة.
وجدت نفسي أزفر بنفاذ صبر وغضب: ما الذي تريده الآن؟
أجبرني على الإستدارة نحوه وعيناه الزرقاوان تلمعان بالثقة، ظل يحدق إلى حتى فاجأني بقوله بنبرة هادئة وبنظرة متمعنة: الم تكتشفي بعد الشخص الذي يحاول التقرب إلى ابن خالتي؟
قطبت حاجباي بإستغراب وقد لانت ملامحي فجأة.
هذا الموضوع مرة أخرى!
لماذا لا يزال يذكرني به؟ ما الذي يحاول فعله؟ زرع الشك والريبة في قلبي؟
ولكن. على من أكذب؟ فأنا بالفعل أشك بأمر كريس.
ولا سيما بعد رؤية تلك الرسائل بنفسي!
ضاقت عيناي متسائلة بحذر: تبدو مهتما بالأمر كثيرا يا رين، أنت لم تخبرني بعد بهويتها بالرغم من أنك تعرفها!
أردفت بإنزعاج وشك: هل حقا هناك امرأة تحاول.
قاطعني بهدوء: يوجد، للمرة الثانية أؤكد لك بأنه يوجد بالفعل!
ازدردت ريقي بصعوبة: وما الذي. أ. أقصد، ماذا عن كريس؟
لما لا تسأليه بنفسك؟ أخبريه إن كان يلقي لها بالا او لا.
أتعلم. أ. أنا لا أصدقك!
لا يجب أن أصدقه، على أن أثق بكريس حتى ولو كان هناك من تحاول لفت انتباهه!
أنتِ مجرد حمقاء مغفلة.
احتدت عيناي هامسة: لا أرى سذاجة في أن أثق به!
السذاجة أن يكون هذا الشخص هو كريس.
ثم ابتسم هازئاً: أقول لك ذلك لأنني أعلم بأنك في النهاية ستخسرين لا محالة، إنني فقط أحرص على أن لا تكون الصدمات قوية لاحقاً.
كلامه يقلقني كثيرا!
مازلت أستريب في كونه جادا أو يحاول تشتيتي وحسب.
هل هو جاد؟ هل على تصديقه! ومن تكون تلك المرأة؟ من هي!
ضاقت عينيه بخبث: ألا يتصرف بطريقة مريبة؟ الا يبدو ذهنه مشغول بطريقة أو بأخرى؟
جف حلقي وشعرت بألم في معدتي جراء التوتر والقلق الشديد!
بللت شفتاي وقلبي لا يكف عن الخفق بسرعة وبقوة.
حينها تراجع خطوة للوراء وفتح الباب بنفسه مشيرا لي: سأتركك تخرجين هذه المرة، ولكنني أحذرك بأنها ستكون المرة الأولى والأخيرة.
قالها واتجه إلى غرفة الملابس أو الحمام أو أياً يكن بكل بساطة فخرجت استند على الحائط المجاور لباب غرفته بشرود.
أشعر أنني الوحيدة التي تعاني من دوامة الأفكار هذه، كريس لن يخبرني بأي شيء يواجهه ولن يبدي نحوي إي اهتمام، وأعلم جيداً النتيجة المؤسفة التي ستترتب على النقاش الذي قد يدور بيننا في هذا الموضوع لو صارحته بشأن الرسائل.
الغيرة التي أشعر بها وحتى الشك الذي يأكلني سيفقدانني صبري وصوابي واشعر انني سأصارحه قريبا بهذا الشأن.
رين هذا. ما الذي يريده تحديداً!
ما الذي قد يجنيه من إخباري بوجودي امرأة تتربص لكريس مثلاً؟
ربما كان على ان اتبع نصيحة كريس وابتعد عن رين بكل الطرق.
تنهدت بيأس وكل ما فعلته هو عزل هذه الأفكار السوداء مؤقتا وقد أمضيت وقتي في الجلوس مع السيد ماكس في الحديقة وحدنا.
عند الثامنة والنصف مساءً كنت أستلقي على بطني انا وجيمي وبريتني نرسم على ورقة كبيرة الحجم.
لن يسعني الوقت لوصف سيل الأسئلة الذي فجره على جيمي لإختفائي ليلة كاملة من المنزل!
كل ما نجحت فيه هو إخباره بأنني تعرضت لبعض الظروف التي اجبرتني على الخروج من المنزل على عجلة.
كنت مندمجة ومستمتعة في الرسم والتلوين معهما، ولكنني لمحت النعاس على كلاهما بالرغم من محاولتهما لإنكار ذلك بشتى الطرق!
اسندت ذقني على مرفقي وانا ارسم وقد بدأت أشعر بالنعاس ينتابني أنا أيضاً.
ومع انني اردت على الأقل ان اعدل من وضعية استلقائي ولكنني شعرت بالكسل الشديد وبالرؤية تتلاشى وقد غطيت في نوم لم أخطط له!
تيا:
كانت سيارة كريس السوداء أمامي مباشرة.
خرجنا للتو من الشركة وأنهى كمية كبيرة جدا من الأعمال التي تراكمت في الفترة الأخيرة.
وها نحن الآن عائدان للمنزل.
هو سيباشر في كتابة التقرير وأنا سأعود لشقتي لأرتاح قليلاً.
أنا مدركة أن كريس سيأخذ وقتا طويلا لينهي التقرير ولكنه يرفض أن أساعده!
عنيد وواثق جداً وأكره هذا.
ولكن لا يوجد ما أفعله أو أقوله له.
ثم انه قد تعكر مزاجه بطريقة ما بسبب اضطراره لمجاملة عدد كبير من الموظفين ومدراء اقسام مختلفة لتحيته اليوم والإطمئنان عليه بعد ان استأنف العمل من بعد مكوثه في المشفى.
بعد الإشارة الحمراء.
غير كل منا مساره فاتجه لليسار بينما أكملت طريقي مباشرة.
وحين وصلت لشقتي أوقفت السيارة في موقف العمارة وترجلت متنهدة بعمق.
دخلت للمصعد وما هي إلا لحظات حتى فُتح وخرجت وانا ابحث في حقيبتي عن المفتاح.
إلا أنني سرعان ما شهقت بخفة وانا المح جسدا ما على الدرج المجاور للباب.
اتسعت عيناي هامسة: إ. إيثان؟
كان يجلس على الدرج يعبث بهاتفه بملل، رفع رأسه ينظر إلى ثم ابتسم بهدوء ووقف يشير إلى الساعة على رسغه: تأخرتِ كثيراً.
نظرت لساعتي بعدم استيعاب قبل ان احدق إليه مبتسمة: منذ متى تنتظرني؟
فكر قليلاً: ساعة أو أقل. فليكن، لماذا تأخرتِ؟ ألا ينتهي موعد العمل عند الثالثة!
أومأت أغمض عيناي بتعب: يوجد الكثير من الأعمال المتراكمة بسبب دخول كريس للمشفى طوال الأيام الماضية.
هل هذا الحوار حقيقي؟
أعلم أننا تصالحنا في الأمس ولكن. لماذا يبدو وكأنه مجرد خيال؟!
اعتقد انني لا زلت لم استوعب حقيقة عودتنا إلى بعضنا البعض حتى الآن.
ومع انني متعبة ومرهقة بسبب العمل ولكنني الآن أقف وقد فتحت عيناي أتأمله بشرود.
إيثان بالفعل هنا.
هذا ليس أثراً جانبيا للإرهاق.
الأمر الذي بدأت أفقد الأمل بشأنه قد تحقق وعلى تقدير كل لحظة حتى لا أهدرها.
عندما ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبية عدت إلى الواقع فأسرعت أتدارك الوضع: سأفتح الباب حالاً.
بحثت عن المفتاح في حقيبتي وفتحت الباب، سبقته لأفتح الإنارة فتبعني ليغلق الباب خلفه.
وضعت حقيبتي على الأريكة ونزعت الحذاء العالي متسائلة بابتسامة اهتمام: قهوة أم عصير؟
لا أريد شيء.
قالها وهو يتجه للأريكة ويجلس عليها نازعا معطفه.
رمقته بحيرة قبل ان اتجه نحوه وأجلس بجانبه، ظل يحدق إلى فضحكت بخفوت: انتبه رجاءً فأنت تربكني بطريقتك هذه!
ابتسم بسخرية وقد لمعت عيناه الخضراوان ببريق المرح: بأي طريقة ينبغي أن أحدق إليكِ إذاً! كان سام مزعجا ومن الصعب ان نجد فرصة لنختلي معاً قليلاً.
أخفضت عيناي مبتسمة بإرتباك ثم همست متسائلة: الوقت متأخر بعض الشيء، هل.
توترت متلعثمة فظل يترقب كلماتي فأسرعت أقول مشيحة بوجهي: هل. ستبيت هنا؟ يمكنك البقاء كما تعلم.
أردفت مقترحة فوراً: لما لا أعد العشاء ونتناوله معاً ثم نجلس ونتحدث أو نشاهد فيلماً جديداً؟
مرر يده في شعره البني وقد وقف بثقة يشمر أكمام قميصه: أنظري إلى شحوب وجهك، اعطي نفسك قسطا من الراحة واتركي امر العشاء لي. لا تنسي أنني طاهِ ممتاز.
ضحكت بخفوت: لن انسى. لا زلت أحتفظ في ذاكرتي أطباقاً عديدة قمتَ بطهوها، رائحتها ومذاقها أمران لن أنساهما.
اشار برأسه لليمين نحو الغرفة: اذهبي وخذي حماما دافئاً ريثما أبدأ، سأفوضك مهمة تجهيز المكان وحسب.
وقفت أمدد جسدي: سأجدد طاقتي وأعود فوراً.
اومأ واستدار ليتجه نحو المطبخ ولكنني استوقفته منادية بإسمه فاستدار بحيرة، ولكنني سرعان ما ادهشته وقد كدت أفقده توازنه عندما عانقته بقوة.
م. ما الأمر!
لا شيء. أريد فقط التأكد ما إن كان حُلما أو واقع. ربما ترى أنني أبالغ كثيرا ولكنني لا زلت عاجزة عن استيعاب وجودك هنا. أخشى أنه مجرد وهم وسينقضي.!
شعرت به يبتسم وهو يرفع يده يربت على رأسي هامساً: كفاكِ سخفاً، كلانا قد نفذ صبره ولم نعد نطيق انتظار عودة علاقتنا إلى سابق عهدها.
أعلم ولكنني.
أعتقد بأنه علينا التوقف عن التفكير بما مضى، لنولي إهتمامنا لهذا الوقت الحاضر وحسب.
أشعر بأنني بحاجة إلى التعبير عما اشعر به! لا يمكنني وصف ما أمر به يا إيثان أنا حقاً. بحاجة إلى إظهارها بطريقة أو بأخرى.
أغمضت عيناي وقد استرسلت هامسة: لا فكرة لديك كم كنت أفتقدك.
لا تجعلي الأمر يبدو وكأنك الوحيدة العاجزة عن استيعاب الأمر، أنا أيضا لا أجد ما أقوله لذا اعتقد انه من الأفضل ان نكتفي بالصمت، يوجد مسافة هائلة بين ما نقوله وما نشعر به حقاً، الكلام عاجز عن وصف خوالجنا بل وتبدو الكلمات أسخف بكثير مقارنة بما نمر به. دعينا نلجأ إلى الأفعال يا تيا، نستغل كل فرصة بدلاً من إهدار الوقت على محاولة التعبير عما نشعر به.
كلماته الدافئة هذه. لها أثر كبير جداً في نفسي.
إنه محق تماماً.
فلتذهب الكلمات بعيداً الآن، على ان أركز على كيفية صنع ذكريات جديدة برفقة إيثان فقط.
ابتعدت عنه ببطء أنظر إليه عن قرب، ابتسم مشجعاً: هيا، اسرعي إلى.
ولكنني قاطعت كلماته أجذبه نحوه لينحني واطبع قبلة سريعة على شفتيه مبتسمة بخجل.
طرف بعينه للحظة قبل ان ينفي ضاحكاً: يا لجرأتك يا تيا! لم تكوني هكذا إطلاقاً!
ارتبكت ممتعضة وقد ابتعدت بقدم مرتجفة: أ. ألم تقل بانه علينا استغلال كل لحظة!
حسنا أيتها الجريئة. قلت هذا بالفعل!
لويت شفتي مبتعدة لأسير نحو الغرفة احرك يدي في الهواء أمام وجهي وقد شعرت بحرارة الإرتباك.
أعترف أنني لست تلك الفتاة الخجولة جداً!
تصرفات كثيرة تبذر مني تملؤها الجرأة أحيانا.!
ولكنني تحركت بتلقائية ولم أشعر بنفسي، كما على التمسك بإيثان حتى تكون علاقتنا أقوى بكثير مما سبق لا يزعزعها أي ظرف من الظروف.
شارلوت:
شعرت بألم شديد في جسدي بل وأنه قد تحول إلى كتلة صخرية!
فتحت عيناي بكسل وتعب واسندت نفسي على مرفقاي لأدرس المكان من حولي.
لقد غفوت على الأرض بجانب جيمي وبريتني ولهذا أشعر بالألم في جسدي!
مهلا. أين هما!
اسرعت أعتدل ابحث عنهما بعيناي لألمحهما نائمان على السرير بجانب بعضهما بعمق تام.
وقفت ببطء اعاني من صعوبة الوقوف باستقامة واعتدال حتى انني سمعت صوت طقطقه خافتة لعظامي.
مررت يدي على ظهري متأوهة واتجهت إليهما لأعدل الوسادة أسفل رأسيهما وكذلك الغطاء.
مهلاً.
لقد كان هناك غطاء على جسدي أنا أيضاً. أيا يكن ذلك الشخص لما لم يوقظني على الأقل لأنام على مكان مناسب، حمل هاذان الإثنان وتركني على الأرض!
هذا حقاً لئيم. أشعر أن مفاصلي قد تخشبت.
تنهدت بعمق و أخرجت هاتفي من جيبي القي نظرة على الساعة.
هاه! العاشرة والنصف؟
ظننت أنني غفوت لأقل من ساعة.
يبدو أن بريتني وجيمي قد ناما بسببي كذلك.
رفعت شعري الطويل الذي تبعثر مسبقاً وأغلقت الباب خلفي أخرج متثائبة بنصف عين.
يمكنني سماع صوت العاب الفيديو القادمة من غرفة ستيف! بل يمكنني سماعه يصرخ بغضب. بحماس أو فرح؟ أيا يكن.
استدرت متجهة إلى الدرج لأنزل ولكنني سرعان ما توقفت أمام مكتب كريس!
يمكنني رؤية ضوء قادم من أسفل الباب، لا بد وأنه قد عاد إذاً.
سأطمئن بنفسي عما فعله وأرى إن كان بحاجة إلى أي شيء.
اتذكر بأنه قال بأنه سيباشر في كتابة التقرير فور عودته من العمل.
تحركت بلهفة وفتحت الباب بحماس مبتسمة بفضول.
تلك الإبتسامة.
تلاشت ببطء وقد ارتخت ملامحي بعدم استيعاب! ارتكزت عيناي على ما أراه أمامي.
ما هذا؟
طرفت بعيني عدة مرات دون فهم أو إدراك، اسرعت أوليفيا تستقيم واقفة بملامح مرتبكة وفي عينيها الزرقاء بريق مضطرب!
القت على نظرة سريعة متوترة وهي تتجاوزني لتخرج هامسة بتلعثم: أرجو المعذرة.
م. ما الذي رأيته للتو تحديداً!
رفعت عيناي نحو كريس الذي يجلس على كرسي المكتب ويحدق إلى شاشة الحاسوب بإنهماك ولم يلقي على ولو نظرة خاطفة وكأن ما رأيته للتو كان مجرد مشهد من نسج خيالي أنا.
انا لم أكن أتخيل.
لقد كانت تقف بجانبه وتحني رأسها نحو وجهه! كانت قريبة جداً ولا يفصلهما شيء.
ما. ما إلى يحدث بحق الإله؟!
ازدردت ريقي بصعوبة بالغة. أو ربما حاولت ذلك! فلقد شعرت بجفاف تام في حلقي وانتابتني برغبة عارمة في شرب كوب من الماء فوراً.
يداي ترتجفان دون توقف وأنا لا أزال واقفة في مكاني انظر إليه بوجه قد شحب.
تلك بدت وضعية مثيرة للريبة بالفعل!
نظر إلى أخيراً بهدوء ولم يعلق وإنما عاود ينظر إلى شاشة الحاسوب، وجدت نفسي أغلق الباب خلفي وأدخل بخطى صغيرة مرتجفة.
استندت عليه بصمت أنظر للأرض لوهلة.
أشعر بصداع مفاجئ إثر دهشتي! بل أنني عاجزة عن التعبير عن أي ردة فعل مُحتملة!
رفعت عيناي نحوه بوهن، بل انني أشعر بألم في قلبي، همست بصوت ضعيف: كريس. ما الذي كنتما تفعلانه للتو؟
ابعد عينيه عن الحاسوب لينظر إلى بعض الأوراق على الطاولة متمتماً محدقا إليها بإهتمام واندماج: لا شيء.
لا شيء؟
هل قال لا شيء؟
زميت شفتاي بشدة و رفعت يدي بحركة تلقائية لأضعها على قلبي احاول تهدئته.
كانا قريبان من بعضهما جداً! فما الذي يعنيه بلا شيء؟ وجيههما كانا قريبان وكأنهما.
وكأنهما.!
أنا حتى لا أجرؤ على التفكير بهذه الكلمة!
ومع ذلك. فلقد لمحته عندما دخلت ينظر إلى شاشة الحاسوب في حين كان وجهها هي القريب من وجهه ويدها تستند على كتفه!
ر. ربما كانت على وشك ان تقع وصادف انها اقتربت منه في اللحظة التي دخلت فيها، أو ربما كانت تلتقط شيء من الأرض وحين استقامت لتعيده أسأت الفهم! أو. أو ربما. ماذا؟ على من أكذب! ما رأيته واضح جداً لا تفسير سخيف كهذا له.
ما الذي على فعله الآن؟
سؤاله؟ ولكن من الواضح انه لن يجبيني بأي شيء.
الشجار والجدال؟! لا طاقة لي! لا زلت أشعر بالصدمة وعاجزة عن ابداء ردة فعل حانقة أو منفعلة.
أنا حقا أشعر بتعب غريب!
الم تكتشفي بعد الشخص الذي يحاول التقرب إلى ابن خالتي؟
صدى كلمات رين تردد في عقلي، صداه كان عالي جداً وطمس أي صوت آخر دخيل في المكان المحيط بي!
هل يعقل. أنه كان يشير إلى شقيقته! لماذا سيفعل هذا؟!
ثم. أوليفيا تبدو فتاة لطيفة بحق فهل على التسرع والحكم عليها؟!
ولكنني. رأيت ذلك بنفسي! يا الهي انا في صراع قوي مع ذاتي.
ماذا الآن؟ هل أجاري الوضع مؤقتاً؟
انتشلني من أفكاري رفعه ليده وهو يمررها على رأسه وبدى متألما بطريقة ما.
صداع؟!
أخذت شهيقا عميقا وزفرته ببطء قبل ان أقول متمالكة نفسي بصعوبة: هل تريد مساعدة؟
نفي متنهداً: لا.
ثم نظر إلى للحظة قبل ان يرسم ابتسامة هادئة سريعة ويعاود الإنهماك بالنظر إلى الشاشة.
لازلت أشعر بشحوب وجهي بشدة.
أنا حقا اتألم! يوجد ألم لا يطاق في صدري يشعرني بصعوبة في التنفس.!
زميت شفتاي وابتسمت ابتسامة مضمرة و حينها وجدت نفسي ارتد على عقبي وافتح الباب لأخرج.
خرجت وابتعدت عن الغرفة حتى استندت على الحائط.
هذا غريب.
هذا الإحساس. أسوأ من الغيرة بكثير!
أسوأ بدرجة لا تطاق!
يشعرني بأنني أرغب في الصراخ ولكن لا صوت لي، أو أرغب في البكاء ولكن لا طاقة لي!
هي ليست غيرة.
إنه انكسار شديد لم أشعر به في حياتي!
قرب وجه أوليفيا من كريس يجعلني مشتتة كثيراً، لقد قال لا شيء.
قال ذلك مع انني رأيت بنفسي تلك الوضعية المثيرة للريبة.
لست أفهم شيئاً! هل كريس صادق؟ ولكن.
حسنا أعترف بأنه كان يحدق إلى الشاشة بينما كان وجهها هي قريب منه وتنظر إليه بنظرات. متلهفة وشغوفة!
يا الهي هذا كثير جداً.
أشعر بأنني سأذهب إليها حالا واختلق معها شجارا عنيفا. سأتسرع!
عضيت على شفتي بقوة وتمالكت نفسي لأعود إلى غرفتي، خففت الإضاءة وتركت زجاج السقيفة مفتوحاً وجلست على السرير الكبير محتضنة الوسادة بصمت وأنا ادندن بشرود.
علي أن أثق بكريس مهما كان ما يقوله رين.
علي ان أثق به مهما كان ما رأيته بعيناي. نعم، على هذا!
لا أدري إن كنت أشجع نفسي فقط أو أكذب على نفسي ولكنني بدأت أحاول جاهدة تجاهل الأمر وطرده من رأسي وإلا سيطر على عقلي وكياني.
مرت ساعة.
ساعتين. ثم ساعات معدودة حتى أشارت للثانية بعد منتصف الليل وأنا اقرأ أحد الكتب محاولة أن الهي نفسي فيه، بل أنني انهيته كاملاً ولا زال كريس لم يعد للغرفة بعد.
إنه مستمر في كتابة ذلك التقرير بلا شك.
هل أعد له القهوة؟
قد تساعده على التركيز والبقاء يقظاً. إنه عنيد جداً ولم يسمح لتيا بمساعدته حتى!
خرجت من الغرفة واسرعت أنزل إلى المطبخ، أنرت الإضاءة وبحثت في الخزائن الزجاجية عن القهوة وما يلزم.
أعددتها وبقيت انتظر قليلا احدق إلى نار الموقد بشرود.
بدأت أصدق أن وقوعي في حب كريس كارثة عظمى.
لم أكد انتهي من أي سوء فهم بيننا وها قد ظهر هذا الموقف أمامي.
متى بحق الإله سأتوقف عن التفكير بالأمر لقد بدأ الأمر جديا يتسبب لي بصداع قوي!
سكبت القهوة السوداء في الكوب وخرجت لأصعد إلى مكتبه.
هذه المرة.
طرقت الباب بقلب انقبض فجأة وبيد مرتجفة ثم دخلت، وجدته مازال يعمل كما توقعت.
رفع رأسه ينظر إلى فارتفع حاجبيه متمتما باستغراب: لم تنامي بعد!
ح. حضرت لك كوب قهوة. أراهن على أنك بحاجته.
قلتها واقتربت لأضع الكوب بيد لا تتوقف عن الإرتجاف متسببة بإصدار صوت ارتجاف الكوب والطبق، وضعته على الطاولة. ولكنني تسمرت في مكاني أنظر لفنجان القهوة الفارغ على الطاولة أمامه!
أنا. لم أنتبه لهذه القهوة حين دخلت!
همستُ بصوت متوتر: متى أعددت هذه القهوة!
ولكنه لم يجبني.
عاودت اسأله بإلحاح: م. من أعدها لك؟
أوليفيا.
قالها ببرود وهو ينظر للأوراق أمامه بإندماج.
أوليفيا!
هكذا إذاً!
أعتقد أن أمر حتمي بينهما! شكوكي قد تم تأكيدها. ومع ذلك أردت أن أثق به!
كنت أحاول بكل قوتي وطاقتي تجاهل الأفكار السوداء.
أوليفيا. ما الذي تظن نفسها فاعلة تحديداً؟، لنترك أمر القهوة جانباً لا حرج أن تعدها له إن كان بحاجة لها ولكن.
دخولي فجأة ورأيتها بتلك الوضعية أمر لا يمكنني تجاوزه!
بقيت واقفة في مكاني أنظر إليه بهدوء قبل أن أستدير هامسة: حظاً موفقاً في عملك.
ابتعدت عنه ممسكة بالفنجان الذي أحضرته إلا أنه استوقفني: دعي الفنجان!
نظرت إليه ببرود: ولكنك شربت القهوة مسبقاً!
لا أمانع شرب المزيد.
قطبت حاجباي إلا أنني فضلت ألا أجادله وعدت لأضعه على الطاولة بصمت.
نظر للكوب ثم إلى وتساءل بهدوء: هل ستنامين الآن؟
لا أعلم.
أضفت محاولة ان ابدو طبيعية: ألا يزال لديك الكثير لتنجزه؟
مرر يده في شعره وقد أغمض عينيه العسلية للحظة قبل ان يزفر: نعم. وبالمناسبة.
نظر إلى مطولاً بجدية ثم أعقب: شارلوت. لا ترهقي نفسك بالتفكير بشأن أمر ولو رأيته بنفسك. أقصد.
قاطعته مبتسمة ببرود: من قال بأنني أفكر؟
نظر إلى الفراغ لثوان ثم همس: لا تسيئي الفهم.
أسيء الفهم! ما الذي تتحدث عنه؟
شارلوت!
كريس. الم تقل بأنه لا يزال لديك الكثير لتنجزه؟ لا تهدر وقتك إذاً.
شارلوت لا تحكمي على الأمر حتى لو كان بكلتا عينيك!
رفعت كتفاي: انت ترهق نفسك بتشتيت عقلك. أكمل عملك.
قلتها واستدرت ولكنني سرعان ما توقفت مجددا بتردد.
لماذا يبرر الأمر؟
لماذا لم يفعل عندما سألته في المرة الأولى!
التفت انظر إليه من فوق كتفي قبل ان اخرج من الدوامة السوداء متسائلة: هل تحتاج مساعدة؟
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه فعدت نحو مكتبه: يمكنني تقديم يد العون.
حدق إلى بعدم استيعاب ثم بدى وكأنه اراد قول شيء ما قبل ان يطرف بعينه ثم تمتم: لدي الكثير لأعمل عليه. اذهبي للنوم وحسب.
لا أشعر بالنعاس.
ثم تكتفت مفكرة بحيرة: يمكنك أخذ قسطا من الراحة مؤقتا، أنا أكتب ما تمليه على في حين تشرب القهوة قبل ان تبرد.
هاه!
الا تبدو فكرة جيدة؟
لا داعي لهذا!
أضاف بهدوء: يمكنني إنهاءه وحدي.
تمتمت بسخرية: لا تكن عنيدا، انظر إلى كتفيك من الواضح انك بدأت تعاني من تصلبهما وحتى أعلى ظهره!، عيناك في مرحلة التحول من اللون العسلي إلى الأحمر! الست ذلك الشاب المهتم بمظهره؟ انا جادة فشحوب وجهك مرعب!
بدى وكأنه يفكر فأسرعت أقترب أجذب يده بقوة لأرغمه على الإبتعاد عن الكرسي: ابتعد بسرعة.
وقف بالفعل وبدى مترددا قليلا قبل ان يزم شفتيه محدقا إلى القهوة: ريثما أنهي الكوب فقط.
ابتسمت بهدوء وجلست على كرسيه في حين قام بسحب الكرسي الآخر الموجود أمام المكتب ووضعه بجانبي.
كان يحتسي القهوة ويملي على ما يجدر بي كتابته وأنفذه بسرعة.
لن أنكر رغبتي الحقيقية في تخفيف العبء عنه ومساعدته، يبدو مجهداً بجلوسه طوال هذه الساعات على الوضعية نفسها دون راحة.
ومع أنني لا زلت أشعر بذلك الألم في صدري إلا أنني كنت وبطريقة ما قد تناسيت الأمر وانهمكت في الكتابة.
إلى أن وضع الفنجان على الطاولة قائلا: حسنا هذا يكفي.
لم أجادله وإنما وقفت فعاد ليجلس أمام الحاسوب ليكمل الكتابة بينما نظرت إلى الأريكة بتفكير قبل ان اتجه نحوها لأجلس عليها.
ربما لو جلست قليلا فلن يشعر بالنعاس او الملل من العمل، وجود شخص إلى جانبنا أثناء بذل الجهد قد يخفف عنا بطريقة ما.
اخرجت هاتفي أعبث به ومضى الوقت ونحن على هذا الحال.
لم أكن أسمع سوى صوت أنامله التي تضرب على لوحة الكتابة، انتبهت في أعلى هاتفي إلى الساعة التي تشير إلى الرابعة!
يا الهي. لم أعد قادرة على فتح عيناي أكثر من هذا.
لو بقيت دقيقة أخرى فربما سأموت!
بدأت أغمض عيناي دون شعور إلا أنني حاولت مقاومته بشدة.
لو نمت الآن أمامه فسيشعر بالنعاس هو أيضاً.
ولو عدت للغرفة فربما سيشعر بالملل ثم ينام دون أن يشعر.
حركت رأسي بتكاسل أنظر إليه فانتفضت عندما قال: ماذا؟ أنا لن اضع عليك الغطاء في كل حين!
هل هو من وضع الغطاء على مسبقا؟!
وجدت نفسي أقول محاولة ان أكون يقظة: لست أشعر بالنعاس. هل مازال أمامك الكثير؟
لا. ربما أوشكت على الانتهاء.
حقا؟!
أومأ برأسه فانتابني السرور واسندت رأسي قليلا.
غريب.
النعاس لم يختفي بعد!
إنني أشعر بالنعاس أكثر فأكثر!
هذا ما أدركته عندما بدأ جفن عيناي يبدو أثقل بكثير بحيث لا تكفي طاقتي المحدودة الآن لأبقى يقظة.
أغمضتهما بالفعل دون أن أدرك.
نمت دون تخطيط مسبق رغما عني.!
هناك صوت خافت ومزعج بعض الشيء يتهاوى على مسامعي!
استمر الصوت طويلا حتى اجبرني على ان افتح عيناي بكسل وتثاقل شديد.
أين أنا!
مكتب كريس؟
أسرعت أنظر إلى الشِمال حيث مكتبه فوجدته فارغاً!
استغربت وأردت التحرك ولكنني شعرت بثقل ما على حجري!
أخفضت نظري لتتسع عيناي قليلاً!
ك. كريس!
حدقت إليه بعدم إستيعاب لأجد ملامحه مرتخية تماماً ومن الواضح أنه يغط في نوم عميق جداً!
ولكن.
لماذا نام على حجري ولماذا لم يوقظني؟!
استوعبت أمر الصوت المزعج الذي لم يكن سوى هاتف كريس.
كان بجانبي تقريباً فانحنيت ببطء حتى لا يستيقظ كريس.
إنه رنين من رقم غريب غير مسجل!
تجاهلت الأمر وفي الوقت آنه سكت الهاتف تماماً.
عاودت وضعه مكانه ونظرت لكريس الذي لم يحرك ساكنا وانفاسه منتظمة.
إنه متعَب جداً!
ارتخاء جفنيه بهذه الطريقة دليل على أن النوم تمكن منه تماما، تنهدت ورفعت يدي لأعبث بشعره برفق شديد وأمررها على وجهه ببطء.
نظرت للساعة على الحائط فوجدتها السادسة والنصف.
متى سيذهب للشركة؟
إنه يخرج في الثامنة تقريباً.
ألا يزال لديه وقت كاف ليرتاح فيه؟
حسنا سأيقظه عند السابعة والنصف. هذا أفضل!
أكملت مداعبة شعره ولم أستطع إبعاد عيناي عنه، وللحظة دُهشت كثيرا عندما دمعتا! يبدو أنني اواجه صعوبة تقبل الأمر حتى الآن.
اود لو أصرخ عليه وأنعته بالخائن.
ولكن. كما قلت.
لا طاقة لدي!
يا الهي. غريب مقدار الحب الذي اكنه لهذا الكائن البشري!
لكم شعرت بالضيق والإنكسار بسبب وجود أوليفيا برفقته وعلى مقربة منه!
لن أنكر أنها السبب في بقائي مستيقظة طوال الوقت.
حتى أنها حضرت له القهوة! هذا ليس غريبا ولكنه بطريقة ما. فاجئني كثيرا!
قطعت أفكاري و شهقت بذعر حين استقام كريس فجأة دون مقدمات ونظر لهاتفه!
بحق الإله لقد أرعبني!
نظرت إليه بريبة فبعثر شعره وأغمض عينيه بإنزعاج: سحقاً.
ما الأمر؟
نظر إلى وقطب حاجبيه وكأنه استوعب وجودي للتو!
تمتم وهو يسند ظهره على الأريكة مغمضاً عينيه: ظننت أن الموعد قد فاتني!
ابتسمت بلا حيلة: وانا التي كدت اتساءل كيف تستيقظ بسهولة بنومك الثقيل!
ثم أردفت باستغراب: متى أنهيت عملك؟
الخامسة.
قالها وهو يقف واضعا يده خلف عنقه يحرك رأسه يمينا وشمالاً بإرهاق.
أسرعت أسأله بإهتمام: هل ستعود للنوم؟ مازال الوقت مبكراً!
لا.
هل أطلب منهم إعداد الفطور لك؟
استدار ينظر لي بصمت بملامحه الناعسة فبادلته النظرات محتارة.
ظل مواجها لي ولكن عيناه ارتكزتا في الأرض قليلاً حتى همس: كدت أستسلم في منتصف تأدية العمل ولكن وجودك في المكتب كان كافيا لأكمل السطور الأخيرة.
وقفتُ بهدوء ورفعت كتفاي: لا يمكنني تخيل مزاجك العكر عندما تعود من العمل وتفرغ غضبك بسبب فشل الإجتماع ثم تبدو مثيرا للشفقة.
أردفت ارفع كلتا يداي بقوة لأمدد جسدي: حسنا إذاً. بما انك مستيقظ سأذهب للنوم الآن.
اشرت له بيدي قبل ان أبتعد رغبة السير نحو الباب ولكنه أوقفني يجذبني من ذراعي نحوه.
طرفت بعيني ببطء عندما عانقني فجأة، احاط بي بكلتا ذراعيه وأرخى رأسه على رأسي يتنفس بعمق وراحة.
لم أبادله العناق.
ولم أٌقوى على ذلك!
بل ان عناقه هذا أعاد تلك اللحظات في ذاكرتي واخذت ملامح اوليفيا مكانا مرموقا في مخيلتي جعلتني أبتعد عنه وقلت دون أن أنظر إليه: من الأفضل ان تتناول فطورك وتتأهب حتى لا يضيع وقتك.
ما خطبكِ؟
نفيت برأسي متجهة إلى الباب: لا شيء.
لا شيء؟
قالها باستنكار قبل ان يوقفني مجددا ممسكا بيدي.
تنهدت بعمق ونظرت إليه بترقب، كانت عيناه تلمعان بنظرات متمعنة متفحصة، رفع يده يمررها على وجنتي.
انزلقت أنامله نحو ذقني ليرفع وجهي مركزا عينيه على ثغري.
انحنى ببطء مقربا وجهه فانتشلت نفسي انظر إلى الأرض بجدية.
لا يمكنني مجاراة كل هذا!
أرغب في الشجار معه ولكن. على مراعاة سهره وعمله، لا يجب ان اعكر مزاجه منذ الصباح وأفسد كل شيء عليه.
سأنتظر ريثما يعود وبعدها ستبدأ الحرب الحقيقية مطالبة بتفسير دقيق وصريح لكل ما رأيته!
ولكن. ليس الآن.
همس بإسمي بهدوء فقلت بنبرة منخفضة اسرع نحو الباب: سيغلبني النعاس لم أعد أستطيع التحمل.
عاود ينادي بإسمي ولكنني عزمت أمري وأغلقت الباب خلفي، اتجهت لغرفة جيمي بنية تفقده.
فتحت الباب بحذر فالقيت نظرة من بعيد لأراه مازال نائما وكذلك بريتني التي تنام بجانبه بوضعية مهملة.
فأسرعت نحوها لأرفع الغطاء على جسدها وخرجت لأنزل.
مع أنني أرغب في النوم بسبب الوضعية الخاطئة المتعبة التي نمت عليها بجلوسي على الأريكة، إلا أنني أرغب أكثر في استنشاق الهواء حالاً!
البكاء بدأ يتمكن مني وقد افقد سيطرتي وأنهار بالفعل، ولو فعلت فسأنفجر على كريس بحق!
فتحت باب المدخل واجفلت للبرودة الشديدة والهواء الذي لفح وجهي فأغمضت عيناي قليلا وأسرعت أفتحهما متقدمة لأنزل الدرج.
ولكن!
وقفت بعين متسعة محدقة بما أراه امامي!
م. ما هذا بحق الإله؟!
ركضت مسرعة متجهة إلى النافورة بقلق حتى لمحت ملفاً وعليه شعار الشركة الذي أراني إياه السيد ماكس، كان يطفو على الماء!
اتسعت عيناي وانا انظر للأوراق المتطايرة من حولي في كل مكان!
شخص ما.
رمى الأوراق كلها!
بعضها اتسخت جراء الأرض وبعضها ابتلت بالماء وتمزقت!
اسرعت أدخل يدي في الماء وكم انتفضت لشدة برودته حينها!
ولكنني تجاهلت الأمر والتقطته بصعوبة وانا احني جسدي.
اخذته وجلست على الارض لأفتحه واراه فارغ تماما.
جميع الاوراق.
اصبحت بلا قيمة.
من فعل هذا؟ من تجرأ والقى به في الماء؟ لا بد وأنه الملف المفقود!
زميت شفتاي بغيض وتركت الملف وهرعت للداخل مسرعة للأعلى.
علي أن أخبر كريس.
دخلت مكتبه فلم اجده فاتجهت للغرفة ودخلت وهناك وجدته يخرج بدلة سوداء ويجهزها، فصرخت لاهثة: كريس.
اجفل مستديرا نحوي باستغراب فلم اعطه فرصة وأكملت: هناك ما عليك رؤيته في الاسفل.
ظهرت تقطيبة بين حاجبيه ثم تمتم: لاحقاً.
شخص ما القى بالملف الذي كنت تبحث عنه، جميع الاوراق تبللت وتمزقت في مياه النافورة.
اتسعت عينيه: ماذا؟!
ثم اسرع بخطاه ليجتازني بخطوات سريعة للأسفل متناسيا أمر إصابته وخطورة تحركه بهذه الطريقة.
تبعته بسرعة ونزلنا الدرج حتى فتح الباب وخرج بخطوات قليلة فوقفت بجانبه أزم شفتاي بإستياء.
كانت عيناه متسعتان وهو يحدق بالأوراق امامه!
حينها فقط.
تفاجأت ببريق ضيق غريب لم أره مسبقا في عينيه العسليتان كهذه اللحظة!
حدقت إليه بحيرة وقلق حتى ارتخت ملامحه شيئاً فشيئاً.
اتجه نحو الأوراق فاستوعبت أمر قميصه العادي الذي لن يحميه من برودة الطقس!
لا يجب ان يقف هكذا عليه ان يدفئ جسده!
اقتربت منه وهو يجثي ليتلقط إحدى الأوراق ينظر إليها بتمعن.
اجفلت قليلا عندما شد بيده على الورقة بقوة ليكورها ويلقيها بعين قد احتدت بحنق.
ومع ذلك لم يقل شيئا وإنما وقف يمرر يده على جبينه وهو يصعد الدرج مرة أخرى، استنكرت الأمر قليلاً وهمست بإسمه بأسى.
سمعته يهمس بصوت متوعد: لنرى إلى أي مدى سيتم تجاوز هذه الحدود.
ما الذي يقصده؟ ثم. الن يغضب مثلا ويسأل بشأن هذه الأوراق المبعثرة هنا وهناك! أنا أعلم أن رؤية جهوده على الأرض بلا قيمة امر يحرق أعصابه ولكنه يتمالك نفسه!
نظرت من حولي إلى الأوراق بإستياء ثم تبعته بخطى مترددة.
هذا غريب. أشعر أنه هدوء ما قبل العاصفة!
أظنه سيفجر هذا الغصب في وقت حرج تماماً.
من فعل هذا بحق الإله؟ وبكل جرأة هكذا!
دخلت وعبرت الردهة وعندما صعدت الدرج استندت على السياج أفكر قليلا بعدم فهم.
ظهر الملف بعد أن أنهى كتابة التقرير الجديد.
لماذا قد يفعل الشخص المتورط أمرا كهذا؟ لا بد وانه متعطش لرؤية كريس غاضبا ويتوق لنظرة القهر في عينيه.
صباح الخير آنسة شارلوت.
قيلت بنبرة لطيفة فرفعت رأسي لأرى آنا الواقفة بابتسامة هادئة فبادلتها الإبتسامة متمتمة بخفوت: صباح الخير آنا.
ارتفع حاجبيها بحيرة: هل من خطب ما؟
أسرعت ابتسم مهدئة وانا ارفع يدي نافية: لا! كل شيء بخير.
طرفت بعينها باستغراب وبدى أنها لم تقتنع إلا أنها امالت برأسها بقلق وتبسّمت بلطف: حسنا إذاً، أرجو المعذرة.
قالتها وهي تصعد للأعلى فعاودت أحدق إلى الفراغ مجدداً.
بعدها تنهدت بعمق وجلست على الدرج وانا اسند وجنتاي على يدي محدقة بالفراغ بحيرة من موقف كريس.
لقد تعمد ان يتظاهر بالبرود. تعمد ألا يبدو غاضبا!
لحظات قليلة حتى سمعت خطوات ما خلفي فاتضح انه كريس الذي ارتدى بدلته الرسمية على عجلة وفوقها سترة داكنة، نزل ممسكا بمغلف بني خمنت أنه التقرير الذي كان يسهر عليه.
رمقته بحيرة بينما خرج من المنزل دون كلمة.
ولكنني لمحت يده التي ابيضت بشدة اثر الضغط على شيء ما بدى كمفتاح سيارة على الأغلب.
لا يزال يحاول الحفاظ على رباطة جأشه!
زفرت بإنزعاج ووقفت مبعثرة شعري واستدرت لأصعد ولكنني وقفت مجفلة برعب وانا أرى جسدا أمامي مباشرة!
أ. أوليفيا!
لقد أفزعتني!
رمقتها بخوف ودهشة للحظات قبل ان اتمالك نفسي بصعوبة محاول ألا أصرخ في وجهها، بل التزمت الهدوء وتجاوزتها بصمت.
صباح الخير شارلوت.
قالتها بلطف وهي تبتسم ابتسامته الجذابة تلك!
ومع ذلك.
لم أستطع الرد عليها وأكملت طريقي حتى استأنفت بنبرتها اللطيفة: يوجد مشاعر من الصعب السيطرة عليها.
ارتفع حاجباي بإستغراب والتفت نحوها بعدم فهم، كانت تنظر إلى بترقب وتمعن لتكمل ممررة يدها في شعرها الأشقر: بشأن ما شاهدته في الأمس.
خفق قلبي.
وبدأ يسرع في خفقاته بشكل جنوني.
أنا متوترة! خائفة كثيرا مما قد أسمعه.!
أكملت بابتسامتها الجذابة وقد اظهرت اسنانها اللؤلؤية: أنا من قبلته.
اتسعت عيناي الخضراوان بذهول!
فغرت فاهي أردد جملتها في عقلي مرارا وتكرارا لعله يكون مجرد حلم استيقظ منه ولكن.
إنه واقع! قالت أنها قبلته بالفعل!
ما معنى هذا بحق الجحيم؟!
إنه شعور سيء جداً.
قالتها بضيق وعينان تحدقان إلى بنظرات غريبة، امسكت بجانبي ملابسها البيضاء القطنية قبل ان تكمل: شعور يثير الإنزعاج، الخيبة، الإنكسار والإستياء في نفسك. ويجبرك على البكاء دون شعور! إنها الغيرة، وخيبة الأمل. ستزعجك وستكبتينها طويلا حتى تنفجرين في الوقت الحرج.
م. ما الذي تقولي.
الغيرة قد تقودك إلى أفعال لا إرادية لاحقاً. تحكمي بأعصابك جيداً! عينيك تخبرانني أنك. تحبينه لدرجة التضحية بمشاعرك لأجله. أو ربما قد سبق وفعلتِ ذلك حقاً.
تقوست شفتاي دون شعور بحزن وهمست بضيق وصوت أجش: لماذا قبلته؟، بأي حق؟!
ارتخت ملامحها للطف أشد بدى مريبا!
اقتربت مني قليلا.
كانت تقف على الدرجة التي تلي الدرجة التي أقف عليها فرفعت يدها لتمررها على وجنتي ببطء وقد تسمرت عينيها الزرقاء على عيناي: أنت جميلة يا شارلوت. ولكنني أكره روحك كثيراً!
جحظت عيناي بدهشة فاقتربت لتهمس في أذني: إنها نقطة تعادل. تكتمين الأمر سراً، مقابل التستر على ما حدث بينك وبين رين، قميص ممزق وقبلة مطولة، كيف ستكون ردة فعل الجميع يا تُرى؟!
ارتجفت شفتاي بعدم تصديق!
م. من التي تتحدث هكذا؟!
أوليفيا؟ الفتاة اللطيفة؟!
مستحيل!
متى سأستيقظ من هذا الحلم!
عاودت تهمس في أذني بنبرة هادئة تشدد على حروف كلماتها: إن كنتِ تحبينه لدرجة التضحية بمشاعرك. فأنا أحبه لدرجة تمزيق سعادته وراحته على حساب راحتي.
أردفت مبتعدة قليلا: علاقتنا قديمة جداً. ومميزة كذلك! كم استمرت علاقتك به؟ أشهر؟ سنة؟ سنتان؟ ثلاثة أو سبعة؟ لا يهمني! فانا أكن له مشاعر خاصة منذ أن كنا أطفالاً يا شارلوت. علاقتي به مميزة. لا ادري كيف ومتى ولماذا تزوج بك. ولكن هناك شيء خاطئ بكل تأكيد. فلقد وعدني بأمر ما ولكنه أخلف به. أرجوكِ اتركي مسافة كافية وأعيدي النظر في الترتيب الحقيقي لمكانتك في حياته. هذا كل شيء.
ابتعدت عني وابتسمت بلطف ثم استدارت لتنزل وتكمل طريقها لتدخل إحدى الغرف في الأسفل!
شعرت بثقل في قدماي فجلست على الدرج بعين متسعة لاهثة وقد تقطعت أنفاسي.
م. ما الذي. سمعته للتو؟
أحتاج إلى لحظات للإستيعاب!
تحبه؟
أوليفيا تحب. كريس! ما هذا؟! أي سخف هذا!
حاولت جاهدة تكذيب عيناي في الأمس ولكن. اعترفت بنفسها!
لماذا بحق الإله أخبرني كريس ألا أسيء الفهم إذاً؟ ما الذي. يحدث؟!
احتضنت نفسي بريبة وحينها فقط أدركت أن ليس رين الوحيد الذي قد يكون له أهدافه الخاصة!
هل أتت أوليفيا من أجل كريس فقط؟ لأنها تحبه؟
منذ متى! وكيف؟ ماذا عنه هو!
شعرت بالإستياء الشديد وأطرقت برأسي هامسة دون شعور: هذا كثير جداً.
حينها فقط امتدت يد ما لتغطي عيناي ويأتي صوت مألوف بنبرة متصنعة ومختلفة: من أنا؟
رفعت يدي بشكل تلقائي اتحسس تلك اليدين لأهمس بضيق فشلت في إخفائه: س. ستيف!
ازاح يديه واقترب ليجلس بجانبي بسرعة بحماس: خمني ماذا؟ لقد سهرت طوال الليل وحتى الآن على لعبتي المفضلة، لقد نلت شرف الفوز، أنا في المركز السابع عالمياً اليس هذا رائعاً. آه! ما الذي تفعلينه هنا؟ لا يزال الوقت مبكراً!
أردف متذكراً: بشأن عمل كريس! هل أنهى كل شيء؟
أملت برأسي بصمتِ فارتفع حاجبيه وهمس: ما الأمر يا شارلوت؟!
نظرت إليه بشرود ثم نفيت برأسي دون ان أقول شيء ووقفت رغبة في الصعود ولكنه أمسك بيدي وأجبرني على الجلوس مجدداً وتساءل بجدية: هل من خطب ما؟
أ. أنا فقط.
لا يمكنك خداعي! هل قام كريس بشيء ما؟ هل قال لك أمراً سيئاً؟! أخبريني فقط وسأخبر أمي أن تتصرف معه! إن لم تفي أمي بالغرض فسأخبر العائلة كلها وسيأخذون بحقك، بل وسيقومون بتعذيبه حتى يعتذر!
كان يتحدث بإلحاح شديد فأحنيت ظهري واحتضنت نفسي أستند بمرفقاي هامسة بضيق وصوت مرتجف: ستيف. أكاد أختنق! سأنفجر.
م. مهلا! لا يجب ان أفصح عن الأمر. الم تقل بانها ستخبر الجميع بشأن ما فعله رين؟
و. ولكن!
تقول ذلك بالرغم مما فعلته مع كريس؟!
لماذا بحق الإله على أن أخشاها؟ أنا لست خائفة منها.
ولا من العواقب!
ولكنني فقط قلقة.
التفكير بها يقلقني كثيراً!
سمعته يتنهد بعمق: أعلم أن أمرا ما قد حدث بينك وبينه. تبدين مستاءة جداً!
أردف بمرح: ما رأيك بأن نخرج قليلاً؟
ن. نخرج؟
نعم!
أكمل وهو يقف: لنخرج ونحظى بوقت مسلي قليلاً! أنت لا تخرجين في هذه المدينة إطلاقاً!
و. ولكنني لا أريد أن أت.
هيا ارتدي معطفاً وسأنتظرك.
ابتسم بهدوء ولمعت عينيه البندقيتان بتحفيز وتشجيع قوي فوجدت نفسي أنظر للأرض بإستياء قبل ان أرسم ابتسامة صفراء وأقف ببطء.
إنه يحاول إخراجي من هذه الهالة الكئيبة.
هل على الإمتثال لفكرته؟ بصراحة لا تبدو فكرة سيئة ولا سيما وأنني على شفى حفرة من التصرف بجنون، إما قتل أوليفيا أو حتى اختطاف كريس واجباره على التحدث حالاً!
أنا بحاجة إلى الحديث حقاً، أو حتى تغيير هذه الأجواء التي ستخنقني عاجلا أم أجلا لو بقيت على هذا الحال.
حسنا.
قلتها بتردد وارتديت معطفي، وبعد دقائق كنت أجلس بجانبه بالسيارة وقد حاولت بصعوبة أن أبدو طبيعية وهادئة وانا أسأله: الن يمانع السيد جوش قيادتك لسيارته!
أجابني بثقة وهو يرجع السيارة للخلف بمرح ساخر: سيغضب بالطبع. لا تقلقي سأعيدها سليمة، وربما سنعود قبل أن يستيقظ أبي. أو ربما سيكون مضطرا لإستعارة إحدى سيارات كريس أو الذهاب مع السيد مايكل. لديه الكثير من الخيارات، كما أنني احضرت رخصتي هذه المرة لذا لا تقلقي!
وهكذا خرجنا من البوابة وبالتالي من الحي الراقي نحو الشارع وضجة المدينة والسيارات التي افتقدتها كثيراً.
لم تتناولي طعامك بعد.
أنت كذلك.
لنرى إذاً ما علينا تناوله. لقد خرجنا قبل موعد الفطور على أي حال.
انتهى بنا الأمر بالمرور على أحد المطاعم وأخذنا شطائر سريعة التحضير واكواب من الشاي الساخن.
تساءلت أدفئ يداي بالكوب الورقي: إلى أين سنذهب؟
ألا تريدين التحدث عما يضايقك قليلاً؟
زميت شفتاي بتردد ثم تمتمت على مضض: لا تشغل رأسك يا ستيف.
ولكنه تجاهلني وأكمل قيادته وبتنا نتحدث بأحاديث عشوائية عن المدينة والأماكن وغيرها.
حتى وجدته يوقف السيارة على مكان مطل على البحر من الأعلى.
كان أمامنا سياج أسود حديدي، وأسفله بأمتار عديدة البحر وموجه يبدو عاتياً بعض الشيء يتخبط في الصخور المتراكمة أمام السياج.
فتحنا النوافذ لنستمع إلى صوت الموج والعصافير المُحلقة والمغردة، أخذ أكياس الطعام وأخرج الشطائر ثم ناولني شطيرة وأخذ الأخرى متمتما: أنا جائع ولن أنتظرك حتى تتناولي طعامك.
بدأت أقضم من شطيرتي أحدق إلى البحر بشرود.
اظنني بهذه الطريقة أقوم بشحن طاقتي وحسب، أشعر بأنني سأتشاجر اليوم مع أحدهما!
يكفي أنني اشعر بألم في حلقي نتيجة كبت بكائي في كل مرة!
قضمت من الشطيرة مجددا وادرت رأسي لستيف حتى صرخت بدهشة: م. متى انهيتها؟!
قال باستغراب: ماذا؟ أنا جائع جداً.
ابتسمت بارتياب: أنت مخيف! أرجو انك لم تلتهم ورقة التغليف ايضاً!
تجاهلني ورشف من الشاي الذي لا يزال دخانه يتصاعد للأعلى ونظر إلى للحظة قبل ان يتنهد: أنا أصغي إليك. تحدثي كما يحلو لك!
رمقته بنظرة سريعة: لا بأس يا ستيف لا تشغل رأسك بمشاكلي.
أنا مهتم.
بماذا تحديداً؟!
أمور كثيرة تحدث من حولي واعجز عن الاعتراض بشأنها أو عن تغييرها!
أتقصدهم بحديثك؟
عنيت بجملتي رين وعائلته فأمال برأسه.
نظرت للأمواج بصمت فهمس بإنزعاج: وجودهم يزعجني كثيراً. بالطبع لا أعني جوزيف او ابنته الصغيرة.
لاحظت أنه اقحم أوليفيا إلى جانب رين بطريقة غير مباشرة فارتفع حاجباي متمتمة باستنكار: رين وأوليفيا.
هذا صحيح.
نظر إلى بجدية: شارلوت. تحدثي أنتِ أولاً وأخبريني بما حدث. هناك أمر من الضروري إخبارك به!
شعرت بالقلق والفضول قائلة: ابدأ أنت أولا!
لا. عليك أن تتحدثي أولاً.
كان جدياً هادئاً فقلت: حسنا لا أعلم ما على قوله أو كيف أرتب كلماتي ولكن. ستيف لقد.
ترددت قليلاً وشجعت نفسي.
لست خائفة من أوليفيا أو من تهديدها!
لأقل الأمر وكأنني لا أهتم.
أنا. حقا لا أهتم!
ماذا إن كانت تحب كريس؟
ما الذي يعنيه هذا؟
لا شيء!
تمتم مشجعا: لقد؟
لقد. رأيت كريس وأوليفيا بالأمس في مكتبه. كانا قريبان من بعضهما جداً وأدهشتني تلك الوضعية كثيراً!
احتدت عيناه فأكملت بضيق وبقلب مقبوض: أوليفيا قبلت كريس!
اتسعت عيناه وفغر فاهه بدهشة: ه. هاه!
اعتدل بسرعة وهو يبعد المسند عن المقود للخلف وزفر بغضب منزعج: ت. تلك الشمطاء!
شمطاء!
إنها كذلك!
ثم زمجر بإنزعاج وهو يرص على أسنانه: هل أخبرتك بأي شيء؟ ما الذي حدث بعدها! كيف تصرف كريس؟
كريس ظل هادئا جداً ومع ذلك حاول تبرير موقفه.
ماذا عنها؟!
خرجت من الغرفة في الأمس دون أن تتفوه بكلمة. ولكن قبل ان تظهر انت كانت تتحدث معي وبدت غريبة كثيراً! شعرت بالإرتياب بحق، لا أكاد أصدق انها اوليفيا ذاتها.
ارتفع حاجبه الأيسر بإنزعاج: ياللجرأة!
أردف بغيض: ما اريد إخبارك به أمر مشابه! لقد لاحظت محاولتها للتقرب إليه عندما تسنح لها الفرصة في كل حين. ظننت في البداية انني ابالغ في التفكير أو أحلل الأمور بطريقة متسرعة ولكن. قبل ان يخرج كريس من المنزل ليعيدك بدت وكأنها تحاول إلهاؤه أو تأخيره. شعرت بأنها تبذل جهدها لتمنعه من الخروج! لم يكن هذا ما استنكرته فقط. كريس يعاملها بجفاء غريب ويحرجها في كلماته القاسية كثيرا ولكنها لا تزال تحاول دون يأس. ألا يبدو هذا غريبا بحق الإله؟
استرسل بإمتعاض: أخبرت تيا بالأمر فطلبت مني ألا أقلقك بهذا الشأن ولكنني لم أعد استطع كبح رغبتي في فهم ما يحدث! إنني أراقبها في كل حين وأرى نظراتها الغريبة نحو كريس.
رفعت يدي نحو صدري اخفف تسارع هبوطه وعلوه!
هذا كثير جداً.
حتى وإن كان كريس يعاملها بجفاء فهي تصر على التقرب إليه! فعلتها الجريئة دليل كافِ على أنها لا تعرف الإستسلام!
الا يكفي على الأقل أن كريس متزوج؟ أو. الا يوجد اي اعتبار لوجودي حتى!
همست بصعوبة: إنها تحبه يا ستيف.
أطلق زفرة ساخرة وغاضبة في آن واحد: هذا يفسر التصاقها به خلسة طوال الوقت.
انتابني استياء شديد فأشحت بوجهي أهمس بضيق: ظننتها فتاة لطيفة وطيبة على عكس أخيها.
ليست كذلك! كنت أعلم هذا منذ البداية، صحيح أن علاقتي بهم تكاد تكون معدومة ولكن الغريب أنني لا أسمع أمي وأبي أو خالي يذكرون اسماءهم كثيرا بالرغم من اننا عائلة واحدة. هذا بحد ذاته يجعلني أشعر بالغرابة، كما أنني كنت صغيرا عندما اعتاد رين وأوليفيا المجيء إلى منزل العائلة للمبيت مع كريس في عمر مبكرة.
ارتفع حاجباي: اعتاد الإثنان على المجيء إلى المنزل!
أومأ مفكراً بعمق: ولكنهما توقفا عن ذلك فجأة لسبب ما. لا أعرف التفاصيل لأنني كنت حينها لا أزال صغيراً، كما ان الجميع يرفض الخوض في الأمور الماضية، لا أدري لماذا رين وكريس علاقتهما سيئة جداً بالرغم من أنهما كانا يتصرفان كالأخوين ذات يوم. حتى أوليفيا لا أعلم عن سبب المعاملة الجافة التي تتلقاها من كريس طوال الوقت!
دخلت إحدى المرات غرفة في المنزل تحوي صورة قديمة تعرفت على كريس فيها، لا عجب إذا ان الشخص الآخر كان رين!
أردفت باستغراب شديد: هذا غريب. كان الإثنان يبدوان سعيدان جداً!
نظرت إليه لأتنهد بلا حيلة: صدمتي بأوليفيا تفوق ما يمكنك تخيله. لم أتوقع أبداً كونها تجيد التظاهر جيداً.
أنت مخطئة في رسم هذه التوقعات السخيفة منذ البداية! أعلم أن أوليفيا ليست تلك الفتاة اللطيفة التي رسمتِها في مخيلتك! انت ساذجة جداً لم يكن عليك أن تضعي تصورات تفوق الواقع، إنها لا تختلف عن أخيها سوى في التظاهر وحسب.
يبدو هذا!
تبدين مُحبطة جداً! شارلوت لا تكوني ساذجة جداً حتى لا يتم استغلالك لاحقاً!
الأمر بأنني. لم أكن لأتخيل أنها ستنقلب فجأة!
هي لم تنقلب. إنها حقيقتها!
أشحت بوجهي بهدوء أستنشق الهواء بعمق شديد.
اسمعي. كل ما عليك فعله الآن هو أن تتجنبيها تماماً كما تتجنبي رين وحسب! لا تخبريها بأي أمر خاص أو أي شيء يعنيك أنتِ وكريس.
أومأت برأسي بفهم فحرك السيارة لنغادر هذا المكان وحينها قال مبتسماً: دعينا نقضي وقتا ممتعاً في مكان آخر.
ابتسمت له أخفي يأسي بصعوبة وما هي إلا لحظات حتى تعالى رنين هاتفه فأخرجه ليجيب بحذر: مرحباً.
ثم ابعد الهاتف عن اذنه قليلا بإنزعاج وتمتم: حسنا يا أبي لا تصرخ! استعرتها فقط وسأعيدها!
أضاف برجاء: أبي أرجوك! لا لست بمفردي أنا مع شارلوت، نعم. خذ سيارة كريس أو إحدى سيارات المنزل. أعدك سأعيدها سالمة!
أغلق الهاتف بإنزعاج: يشعرني بأنني أحمق لا أجيد القيادة!
ضحكت بخفوت: إن كان قلقاً هكذا فلن أستطيع لومه!
ابتسم بهدوء ونظر إلى الطريق.
ابتسامة ستيف مريحة جداً، بل أنها تجبرني على القاء كل شيء خلف ظهري دون إرادة مني!
هو يعلم كيف يخرجني من هالتي الكئيبة! بل ويجيد تخفيف العبء الذي أشعر به وبكل مهارة!
همست بلطف: ستيف أنا سعيدة جداً.
ارتفع حاجبيه بحيرة فأكملت: سعيدة جداً لأنني أعرف شخص مثلك.
اتسعت عينيه قليلاً واعتلى وجهه احمرار طفيف!
ظل يحدق إلى الطريق حتى زفر بملل فجأة: لو لم تكوني زوجة ابن خالي. كنت سأجبرك على الوقوع في حبي.
فاجأني قوله كثيرا فنظرت إليه بدهشة! ومع ذلك لم أستطع منع نفسي من الضحك.
أكمل بنبرته المتململة تلك: ولكنني الأسعد. لأن شخص مثلك دخل إلى حياتنا، ولأنك من بين الجميع قد اختارك كريس.
تورد وجهي أضرب كتفه بخفة: حسنا انت بارع ومتمكن في إحراجي بالفعل، دعني أخبرك إذاً لو لم أقع في حب الوغد كريس فسأكون أفضل حالاً ولكانت حياتي لا تزال وردية اللون دون ان يعكر صفوها أي شيء.
تيا:.
علي أن أسرع في الخروج من الشقة بسرعة.
لماذا ذهب كريس إلى الشركة مبكراً إلى هذه الدرجة؟! لقد طلب مني المجيء حالاً ولم يسعفني الوقت لأخبره أنني سأذهب للعمل في الوقت المعتاد لأنه لم يمنحني فرصة حتى!
الإجتماع يحين عند العاشرة، ولكنها لا زالت السابعة فقط!
ارتديت حذائي العالي بسرعة ووضعت الحقيبة على كتفي لأستعد للخروج ولكن استوقفني صوت ناعس: هل عليكِ إحداث كل هذه الجلبة للتأهب للعمل فقط؟
نظرت إليه وهو يمرر يده في شعره المبعثر فقلت على عجلة: لقد حضرت طعام الفطور لكلانا ولكنني لن استطيع تناوله، على المغادرة فوراً، لا تنسى ان تتناول الطعام يا إيثان. كما أنني لا أعلم الوقت المحدد للعودة فاليوم لدي الكثير لأنجزه.
أومأ بفهم ورفع يديه يمدد جسده: تناولي شيئا فور وصولك إلى الشركة، ولا تسرعي في القيادة حتى لو كان ذلك يعني تأخرك.
ابتسمت دون شعور واقتربت نحوه بسرعة لأطبع قبلة على وجنته وابتعدت متمتمة: للأسف لن أمتثل لنصائحك لأنني مستعجلة.
أشار بيده بجدية: لما عليكِ أن تسرعي أتذكر جيداً أن الوقت الآن مبكر بالنسبة للعمل!
أومأت بلا حيلة: كريس طلب مني الخروج فوراً. إلى اللقاء.
همس بإمتعاض: هذا المتسلط الكريه.
عاودت ابتسم له قبل ان اخرج من الشقة بسرعة.
بصراحة أنا أشعر بنعاس شديد! لقد قضينا ساعات طويلة جداً في الحديث بالأمس!
كنا نتبادل أخبارنا خلال هذه السنوات كلها!
يبدو إيثان سعيدا ومرتاحاً في وضيفته الحالية، هذا ما شعرت به من خلال حديثه بالفعل.
وعندما حانت الساعة للثانية والنصف ذهبت إلى غرفتي بينما ذهب للغرفة المجاورة لينام.
و مع ذلك بقيت مستيقظة لوقت أطول!
لا ادري لماذا لم استطع النوم! ربما بسبب الشعور بالسعادة المفرطة؟
تثاءبت بكسل وارخيت ظهري على المسند.
أشارت الإشارة للون الأحمر فوقفت مغمضة عيناي.
كل شيء. بيني وبين إيثان عاد لطبيعته تقريباً.
إنها كالأيام السابقة.
يقضي معظم وقته في شقتي ويبيت في الغرفة المجاورة، ونتناول الفطور معاً ثم نغادر للشركة معاً. وفي أوقات كثير وبعد الإنتهاء من العمل كان يذهب إلى شقته التي كان يعيش فيها في هذه المدينة. ولكن الوضع الآن مختلف تماماً فهو لم يعد يعمل هنا!
كما أخبرني أنه يجدر به المغادرة اليوم إلى مدينته.
الوقت معه يمضي بطريقة خاطفة من الصعب استيعابها!
حتى طعام العشاء الذي اعده في الأمس كدت أبكي وأنا أتناوله بسبب صعوبة تصديق تلك اللحظة.
كما ان امرا يقلقني.!
كلانا يعمل في مدينة بعيدة جداً فكيف سيكون لقاؤنا ببعضنا ممكنا فيما بعد؟!
اجفلت قليلا بسبب صوت أبواق السيارات فأسرعت بالتحرك.
بعد فترة وصلت إلى الشركة ودخلت المصعد لأضغط زر الطابق، خرجت أبادل التحية للأشخاص الذين بادروا بإلقائها بلطف ثم اتجهت لمكتبي ووضعت الحقيبة على الطاولة.
علي الذهاب إلى مكتب كريس، تحركت مبتعدة عن مكتبي لأسير في الممر وتحديدا إلى الغرفة التي تفع في نهايته.
طرقتُ الباب ودخلت وهناك وجدته يسدل الستائر، حتى الإنارة كانت مغلقة فكانت الغرفة مظلمة ومعتمة تماماً!
ارتفع حاجباي عندما لمحته يستلقي على الأريكة هناك مغمضا عينيه.
زفرت وفتحت الأضواء لأدخل متمتمة بإنزعاج: تذهب للشركة مبكراً لتنام فيها وتطلب مني الخروج من شقتي دون أي تعليل. ما الأمر!
فتح عينيه يرمقني بنعاس: أغلقي الإضاءة.
لن أفعل!
أردفت بحيرة: متى أنهيت التقرير؟
همس متجاهلا سؤالي بنبرة خافتة: أغلقي الإضاءة لم يحن موعد الإجتماع بعد.
هيا يا كريس اغسل وجهك لتستعيد نشاطك. سأطلب منهم تحضير الشاي و.
زفر ممتعضاً: أنت مزعجة. لماذا تأخرتِ على أي حال؟
اتجهت للستائر وفتحتها باستنكار: دعني أذكرك انني اتيت مبكرة قبل موعد العمل الرسمي بأكثر من نصف ساعة.
اعتدل وهو يجلس بوجه ناعس بشدة.
فرفعت السماعة وطلبت إحضار كوب شاي.
ثم وضعتها متنهدة بملل: أجواءك مملة جداً وتجلب النعاس لقد كنت بانتظار شيء يزيدني نشاطا ويفعمني بالحيوية.
رمقني بلامبالاة ثم احنى جسده للأمام قليلاً.
بدى يفكر بأمر ما بعمق شديد.
حتى رفع رأسه و وبعثر شعره بإهمال: أريدكِ أن تقرئي التقرير كاملاً وتتأكدي من خلوه من الأخطاء، الوقت لم يسعفني لأدقق فيه.
أومأتُ بفهم وحينها طُرق الباب فقال كريس بهدوء: تفضل.
فُتح الباب وأطل السيد جوش برأسه أولا ثم دخل متنهداً بعمق شديد.
وتمتم بحيرة: غريب. غادرت مبكراً جداً يا كريس! انتابني القلق للحظة لذا خرجت من المنزل، عليك ان تعلم انني تخطيت وجبة الفطور بسببك واتيت إلى هنا مسرعاً لأتفقدك.
أيدته بلا حيلة: أنا أيضا لم اتناول فطوري بعد.
ابتسم السيد جوش بإستياء ثم تنهد بعمق: نسيت أن أقول صباح الخير اعذريني يا تيا.
اتفهم وضعك سيد جوش. أنا شخصيا أشعر برغبة في لكم شخص ما.
رمقني كريس بنظرة خاطفة متململة قبل ان يتجه إلى المكتب ويجلس على الكرسي يمرر يده على كتفيه بتعب.
جلس السيد جوش على الأريكة وتساءل بإهتمام: هل انهيت التقرير المطلوب؟
نعم.
هل أعدت قراءته ومراجعته؟
ليس بعد.
تدخلت: سأقرأه حالاً لأدقق بشأن الأخطاء الإملائية او الأرقام والنقاط المهمة.
أومأ جوش بفهم: كريس لقد تطلعتَ لهذه الصفقة كثيراً، يجب أن تتم بنجاح اليوم.
أمال كريس برأسه بصمت فأضاف متنهداً: لطالما حاول ماكس كسبها كذلك. لو نجحنا في كسبها فمؤكد أن أسهم الشركة سترتفع كثيراً وستتسع دائرة العلاقات مع الشركة الاخرة، ناهيك عن الامتيازات!
أيدته بهدوء: صحيح.
أضفت: نعتمد عليك أنت ايضا سيد جوش! يعجبنا أسلوبك وطريقتك في الإقناع دائما.
ابتسم بهدوء: أرجو أن تسير الأمور كما ينبغي.
ثم نظر لهاتفه هامساً: اعتقد أنها المرة الأولى التي اتصل فيها على ستيف منذ ولادته في هذا الوقت المبكر.
ابتسمت ساخرة: ستيف! يبدو أنه يكبر مع عقل يستمر في التقلص. ما الذي فعله هذه المرة؟
خرج بسيارتي فاضطررت لأخذ سيارة كريس للقدوم للشركة.
تمتم كريس: خرج في هذا الصباح المبكر؟! هذا على غير عادته.
أنت محق، حتى الجامعة لا يكلف نفسه عناء الاستيقاظ مبكرا لأجلها. ولكنه خرج برفقة شارلوت فربما كان هذا ما دفعه لأول مرة في حياته لرؤية الشارع والمدينة والحياة السعيدة صباحا.
ارتفع حاجبا كريس: شارلوت!
امال برأسه ووقف وهو ينظر للساعة: سأذهب إلى مكتبي حتى يحين الموعد.
خرج من المكتب وأغلق الباب فتنهد كريس: تلك الحمقاء. لم تنم في الأمس وتخرج الآن في وقت مبكر. ما الذي تفكر فيه!
هل كانت برفقتك طوال الوقت؟
نعم.
استغربت قليلاً ولكنني لم أعلق وإنما تمتمت: لا بأس. ستحظى بوقت مسلي مع ستيف!
أمال برأسه بصمت، ثم جابت عينيه في الفراغ ليهمس: عندما يكون ستيف بالجوار، فهو يعلم جيداً كيف يسعدها ويرسم الإبتسامة المستمتعة على ثغرها.
اتسعت عيناي بحيرة فأردف بشرود: في حين لا أكف عن مضايقتها وإزعاجها لينتهي بها الأمر بالغضب أو الإستياء.
ازدردت ريقي ثم همست بإسمه بإستغراب شديد!
طرف بعينه ونظر للأرض للحظات ثم أغمضهما وأدار الكرسي قليلا…
ما خطبه فجأة؟! لماذا يتحدث بهذه الطريقة الصريحة والعفوية على غير العادة؟!
تساءلت بإهتمام وقلق: هل حدث أمر ما؟
فتح عينيه اللتان لمعتا ببريق عسلي هادئ ولم يجب، اقتربت قليلا بشيء من القلق وحينها فقط لمحت تورداً طفيفاً اعتلى وجهه وكذلك شحوب لاحظته للتو فقط.
هل أنتَ بخير؟ تبدو متعباً!
رفعت يدي بغية تحسس حرارته ووضعها على جبينه ولكنه اشاح بوجهه متمتما: أنا بخير.
شارلوت:
صرخت بأقوى ما لدي بسعادة شديدة والهواء يلفح وجهي وشعري قد تبعثر في كل مكان جراء الهواء الشديد! لقد وقعت ربطة شعري ولا أدري إلى أين طارت حتى.
صرخ ستيف بجانبي كذلك وقال بصوت عالي: افتحي عينيك أيتها الحمقاء لتستمعي أكثر!
فعلت ما قاله ليزداد صراخي وتنطلق لعبة القطار بسرعة قصوى ثم تنقلب لننقلب بدورنا ويصرخ الجميع.
بعد لحظات كنا قد نزلنا وأنا اضحك بشدة بينما ستيف يمسك برأسه يحني ظهره ويسند يديه على ركبتيه: أشعر بالدوار.
أود لو نلعبها مجدداً!
لا! هذا يكفي. لنجرب لعبة أخرى.
يا لك من جبان!
لقد كنتِ تغمضين عينيك طوال الوقت، لم تفتحيهما سوى في اللحظات الأخيرة!
ابتسمت بسرور: ولكنني استمتعت بوقتي منذ البداية.
أمسكت يده لأحثه على ان يتبعني محتارة بحماس: لنجرب تلك اللعبة!
الأفعوانية؟
صحيح.
أسرعنا ودخلنا اللعبة بحماس شديد، كنا نزداد سعادة حين نصل لأعلى قمة ونرى جزء كبير جداً من أراضي المدينة.
التصقت بالزجاج محدقة بالمدينة بشرود وذهول.
تمتم بسخرية: ليتك تنظرين إلى وجهك! ألا يوجد مراعاة للطيور التي قد تلمح هذا التعبير المريع!
دعني وشأني.
وصالت الغوص بنظراتي أكثر محدقة إلى المدينة بسعادة لأرى تفاصيل كثيرة جداً.
ابتعدت عن الزجاج قليلاً وقلت: لو أخبرتني منذ البداية قبل خروجنا أننا سنذهب للملاهي لأحضرت جيمي وبريتني معنا!
ارتفع حاجبه الأيسر بسخرية: إنني أقوم بأخذ جيمي كثيراً، لابد وأنه سئم القدوم لهنا. ثم انظري للمكان من حولك. ليس مزدحما بعد مازال الوقت مبكرا جدا، إنها العاشرة وعندما اتينا قبل ساعتين اضطررنا للإنتظار حتى موعد الإفتتاح، لو شهد جيمي وبريتني هذا لكنا الآن نضع سدادة عازلة للصوت في أذنينا بسبب بكائهم.
أردف هازئا: بالمناسبة تبدين كطفلة صغيرة! هل حقا تشعرين بكل هذا الحماس؟
ابتسمت مميلة برأسي: نعم. على أي حال أنا لا أشعر بأنني أتقدم في العمر!
أنا أيضاً. ليس هذا وحسب! أكره فكرة اضطراري لأكون شخص ناضجا عاقلا راشداً كلما تقدمت في العمر.
أيدته بهدوء: صحيح. على الآخرين ان يدركوا اننا نتقدم في العمر في اللحظة التي نتوقف فيها عن اللعب أو المرح، على عكس ما يعتقدونه بشأن ضرورة توقفنا عن اللعب عندما ننضج.
ثم أعقبت هامسة بإسمه فتساءل: ماذا؟
هل. أحضرتني إلى هنا حتى تخفف عني و.
أحضرتك لأنني أردت ان نقضي بعض الوقت معاً وحسب.
أردف مبتسما: هذا كل شيء.
حدقت به قليلاً ثم ابتسمت بسرور.
أنا بالفعل أشعر بالسعادة!
وكأنه.
يعلم كيف يخفف عني!
إنه بالفعل شخص مميز وطيب!، لو لم يحاول تغيير الأجواء من حولي لكنت الآن أجلس في زاوية بعيدة وأبكي فيها بصمت. بل أنني أشعر بأن نفسي قد امتلأت بالثقة والقوة الآن!
حتى أنني بالكاد أكبح نفسي للقاء أوليفيا وتلقينها درساً!
علي التحكم في هذه الطاقة المفاجأة حتى لا تنعكس الحال سلباً.
بعد ان انقضى وقت اللعبة ذهبنا إلى العاب أخرى عديدة.
حتى شعرنا بالإكتفاء وخرجنا ممسكين ببعض الألعاب والحلوى.
نظر لإحدى الألعاب التي يمسكها: سأعطي هذه اللعبة لجيمي، والأخرى لبريتني، أما هذه.
قالها وهو يرفع لعبة قرد صغير أبله الشكل وقال بخبث: لكريس.
ضحكت بخفوت: القرد الصغير! هل انت جاد؟
إنه يشبهه.
هاه!
ضحكت بخفوت فتقدمني بثقة، أسرعت خلفه حتى ركبنا السيارة.
مضى الوقت في القيادة حتى بتنا قريبون قليلاً من المنزل.
كان يقود وهو يتحدث معي وحينها شعرت بتحركات السيارة التي تتقدمنا غريبة بعض الشيء! كنت محقة فلقد تفاجأنا بها تخفف السرعة بشكل مفاجئ ثم تقف!
شهقت بريبة: ستيف قف حالاً!
رص على أسنانه: اللعنة.
فات الأوان اذ اصطدمنا بالسيارة التي وقفت فجأة.
طرفت بعيني بدهشة وامسكت بكلتا يداي بحزام الأمان الذي أضعه بارتياب وقلق!
تحرك ستيف والسيارة الأخرى ليقفا على جانب الطريق وحينها فتح الباب فجأة وهو يترجل من السيارة بسخط فأسرعت أهدأه: مهلاً يا ستيف!
نزلت بسرعة بينما كان قد ذهب إلى باب السائق في اللحظة التي فُتح فيها الباب حتى اتسعت عيناي وعينه بدهشة!
اقتربت هامسة بعدم تصديق: رين!
نظر إلينا ببرود يجوبه إنزعاج وتمتم: هكذا إذاً! افترضت ان أشخاص مغفلون سيتسببون في حادث غبي كهذا!
غضب ستيف: هاه؟
وجدت نفسي أقول بحدة: توقف عن السخرية هكذا! أنتَ.
قاطعني ستيف بسخط: هيه أنت أيها الوغد أنظر إلى ما حدث بسيارة أبي! سيقتلني بلا شك!
تنهد رين بملل واستند على باب السيارة بإستياء: هذا مؤسف، أخبره أن غباءك وافتقارك للخبرة السبب وحسب.
تقدم ستيف ساخطاً فأسرعت أقف أمامه أبعده مهدئة: على رسلك!
أضفت انظر الى رين بإنزعاج: كف عن استفزازه من فضلك! أنت من وقف فجأة دون مبرر!
رمقني بحيرة: مبرر؟ لقد وقع هاتفي فانحنيت لأخذه وتفاجأت بهذا الأحمق الصغير يصدم سيارتي!
أنت تعترف إذاً بأنك من تصرف من تلقاء نفسه بسبب الهاتف.
ابتسم بخبث: حقا؟ القانون غالبا يقف مع السيارة التي تتعرض لصدمة خلفية يا جميلتي! لا تنسي هذا.
امتعضت بشدة وزفرت بإنزعاج: ع. على أي حال أنتم عائلة واحدة ولا داعي لتضخيم المسألة!
انفجر ضاحكاً فجأة فأراد ستيف الإقتراب مجددا: ما الذي يضحكك إلى هذه الدرجة؟
أسرعت أبعده بقوة فقال: أتركيني! ابتعدي عني يا شارلوت دعيني أهشم وجهه!
أضاف بإنزعاج: تحمل مسؤولية خطأك! وتحمل تكلفة ما حدث.
استقام رين وتمتم ببرود: أخرج في هذا الصباح الجميل لأتنزه قليلاً ويصادف أن أجد أطفالا متهورين يصطدموا بسيارتي! ياللحظ التعيس لقد أفسدتم يومي.!
رمقته بحدة فبادلني النظرات بمكر مستفز.
همس ستيف بحنق: أيها الوغد. أنت لا تطاق!
ابتسم رين: هل انتهيت؟ سأتصل بالشرطة ل.
ولكنني قاطعته بحزم: ما الذي تقوله؟ الا يمكنك التريث قليلا بدلا من اللجوء إلى طرق ملتوية تفرغ فيها طاقتك بأفراد المنزل؟
إذاً؟
إ. إذاً لنحل الموضوع بيننا وحسب!
تجاهلني متمتما: بدأت أشعر بالضجر.
أشار ستيف نحوه بحنق: انت أيها الجبان كف عن التهرب من خطأك! اعترفت بنفسك أنك انحنيت لتأخذ هاتفك لذا كف عن رمي اخطاءك على الآخرين.
سمعت أن والدتك منعتك من القيادة فترة طويلة! هذا الحادث لم يأت من فراغ يا صغيري، والآن إما أن تكف عن إزعاجي أو.
ولكنني شهقت بريبة حين ابعد ستيف يدي فجأة واقترب من رين ليلكمه!
صرخت بدهشة وغضب: هل جننت يا ستيف؟
ولكنه تجاهلني ليقول بحزم: توقف عن استفزازي أيها الأحمق المتعجرف.
مرر رين يده على فكه بعين غاضبة ولكن ثغره لم يخفي الإبتسامة الساخرة.
اتسعت عيناي وأنا أراه يمسك ستيف من ياقة قميصه ببرود: أرى أنك تجرأت على ضربي متجاهلا العواقب.
همس ستيف بجفاء: لا تعتقد بأنك تخيفني!
آسف ولكنني مجبر على رد تلك اللكمة.
قالها وهو يلكم ستيف بقوة فوقع على الأرض جراء ذلك!
صرخت بنفاذ صبر: هل فقدت عقلك أنت الآخر؟!
إلا أنه رتب مظهره بلا إكتراث.
ثم قال بملل يقلب عينيه بلا مبالاة: لا أحد سيصدقك على أي حال! أعلم بأنك متهور ومغفل ومن الصعب الإستماع لك. ، ما الذي ستقولانه؟ اوقفت سيارتي فجأة؟ هل حُل الموضوع هكذا؟! ثم لماذا تبدي الموضوع أهمية بالغة ليس وكأنه أمرا سخيفا كهذا يحتاج إلى كل هذا العناء، إنها مجرد سيارة!
شعرت بالغيض الشديد ورصيت على شفتاي.
وقف ستيف بغضب وهو يصرخ: انت بالفعل لعين!
قالها متجها لرين فأسرعت أمنعه محاولة إبعاده ولكنني عجزت فاقتربت محاولة ان احيل بينهما وتفاجأت باللكمة التي اوقعتني أرضا من ستيف دون قصد!
كنت ملقاة على الأرض وأنا أرى كل شيء بعدم وضوح.
ما هذا بحق الإله!
أهذا هو شعور التعرض للكم!
ع. عيني تؤلمني كثيراً!
وكأنها خرجت من مكانها بطريقة ما!
بل وكأن عظام وجهي قد كسرت.
تأوهت عندما اقترب ستيف بدهشة وقلق: شارلوت! هل أنتِ بخير؟
همست بألم: أعتقد ذلك. يا الهي يا ستيف لا يمكن أن تكون جاداً! أشعر أن وجهي انفصل عن جسدي.
دمعت عيناي قليلاً بينما سمعت رين يضحك بخفوت.
وعلق بسخرية: من المخجل أن تضرب فتاة ولا سيما زوجة ابن خالك! هذا عار بالفعل!
زفر ستيف بغضب: أصمت انت! كل هذا بسببك.
حاولت ان اعتدل قليلا متمتمة: أ. أنا بخير!
قلتها بالرغم من الألم الشديد الذي أشعر به في وجهي.
ركب رين السيارة وقال بإستياء قبل ان يغلق الباب: يبدو أنني مضطر للعودة للمنزل، الفضل يعود لأحمقان أفسدا متعتي قبل ان تبدأ.
همست لستيف: لنعد إلى المنزل! علينا أن نخبرهم بما حدث قبل أن يختلق الأعذار والأكاذيب!
ماذا عنك؟ هل أنتِ بخير؟
لا تقلق! أنا بخير.
وقفت وأنا اشعر بالدوار فساعدني حتى جلست على المقعد، جلس ستيف كذلك ليقود سيارته ولمحت رين يسير في الإتجاه نفسه نحو المنزل أمامنا.
دخل المنزل ليعبر البوابة قبلنا وكذلك تبعه ستيف بالسيارة وهو يواصل القاء سيل من الشتائم دون توقف.
تحسست مكان اللكمة فتأوهت بخفوت.
أنا أسف يا شارلوت! لم أقصد. إ. إنه خطأي! اعلم بأنها تؤلمك كثيراً!
ابتسمت بهدوء: لا تقلق. أخبرتك بأنني بخير!
ثم نظرت إليه لأجد ان اللكمة على وجهه قد تركت أثرا واضحة.
أنا بالكاد أحتمل كدمة طائشة، ولكنهما يبدوان عكس ذلك!
أوقف رين سيارته أمام النافورة ونزل واضعا يديه في جيب سترته ويرمقنا بإستخفاف فنزلنا بدورنا واتجهنا للداخل.
عندما دخلنا استوقف ستيف رين في الردهة وهو يصرخ بإنزعاج: مهلا إلى أين تظن نفسك ذاهباً!
تنهدت بلا حيلة بينما وقف رين متمتما: إلى غرفتي.
بهذه البساطة! هل تمازحني أيها اللعين؟
تركت شجارهما ونظرت إلى الكدمة على جانب عين رين! لقد تركت أثرا كذلك وهذا يعني ان وجهي أنا أيضا قد. آه! يا الهي هذا ما ينقصني.
ما هذه الضجة؟
قيلت بصوت حازم محتار فاستدرت انا وستيف لنرى السيد ماكس الذي حدق بنا لبرهة ثم اتسعت عينيه واقترب بدهشة: م. ما هذا؟!
قالها وهو ينظر إلينا نحن الثلاثة وتساءل بقلق وحذر: ما الذي حدث؟
اجابه ستيف بامتعاض شديد: خالي ماكس لقد تسبب هذا الأحمق بحادث غبي مثله تماما! لقد صدمت سيارة أبي وسيقتلني بلا شك! عليه أن يحتمل مسؤولية ما حدث!
طرف بعينه محدقا بنا ثم عقد حاجبيه وتنهد بعمق وإحباط شديد.
نفي رين برأسه: أبي أبي أبي. يا لك من طفل مدلل! لقد سئمت سماع هذه المخاوف السخيفة!
رمقته بإنزعاج وتدخلت بغيض: إنه يراعي أملاك الآخرين ولا يهملها كشخص ما! اعترف على الأقل بخطئك بدلا من جعل الخطأ الواحد ضعفين!
رمقني بلامبالاة ولم يعلق وإنما استدار ليصعد الدرج وهو يدندن فاعترض ستيف: إلى اين تهرب؟ مهلا! أنت أيها الوغد توقف مكانك. انتظر!
اقترب ماكس بهدوء: يكفي يا ستيف. سأتكفل بإصلاح السيارة. لا تقلق بشأن والدك
احتدت عينا ستيف: ليس هذا ما أريده وحسب، أنا لا أهتم بالسيارة كما تعلم يا خالي! عليه ان يعترف بخطأه ويعتذر! لماذا بحق الإله يتجاهل الجميع تصرفاته؟
نظرت إليه وأنا اوجه السؤال ذاته بعيناي! أطرق ماكس برأسه قليلاً حتى قال بهدوء شديد: ستيف. ابقى بعيدا عنه وحسب.
انهى جملته في اللحظة التي فُتح فيها باب غرفة الطعام لتخرج كلوديا بحيرة: سمعت ضجة، هل هناك ما ح.
ولكنها شهقت وهي تقترب بذعر بخطى واسعة: م. ما الذي حدث لوجهيكما؟
أردفت بدهشة: ه. هل لكمت شارلوت يا ستيف! ي. يا الهي! مستحيل!
قالتها وهي تتفحص وجهي بقلق ف أسرعت أوضح بدوري: لا تقلقي عمتي كلوديا ليس هذا ما حدث!
وهكذا اضطررنا لإخبارها بكل شيء.
هآآه!
قالتها بسخط وهي ترص على أسنانها: ذ. ذلك المستفز أقسم بأنني سأريه!
تدخل ماكس بإنزعاج: ليس أنت أيضا يا كلوديا!
ما الذي تقوله يا ماكس! إنه يتمادى في تصرفاته في كل حين! أنظر إليهما وبما حل لهما بسببه! لا أحد يبالي بالأمور المادية فلتذهب السيارة الى الجحيم نحن لا نفكر بهذه الأشياء البسيطة وإنما بضرورة معرفة حدوده!
رفع ماكس يده مشيرا بحزم: دعوه وشأنه وحسب.
رص ستيف على أسنانه: دعوه اتركوه تجاهلوه لا شأن لكم! لماذا تواصل قول هذا دائماً! لماذا بحق الإله لا تقم بلومه على أي شيء! لماذا تتغاضى عن تصرفاته هذه!؟ خالي انت تدافع عنه باستمرار.
تبادلا النظرات مطولاً فرمقتهما بتوتر. ، لمحت إحدى الخادمات التي بدت مرتبكة كثيراً وقد شهدت الجملة الأخيرة وأسرعت بخطاها نحو الممر المؤدي إلى المطبخ.
يبدو أننا سنلفت الأنظار من حولنا أكثر!
همس ماكس مقتربا من ستيف بجدية عاقدا حاجبيه: أنصت يا بني، لا يجدر بك إيقافه بطريقتك.
احتدت عينا ستيف وومضت ببريق غاضب جداً ليقول: حقاً؟ وبأي طريقة سنتصرف؟ بطريقتك أنت؟ بتجاهله طوال الوقت؟ بتركه يفعل ما يحلو له ويقول ما يشاء! لماذا تدافع عنه؟
لست أدافع عنه. ولا أذكر بأنني فعلت!
ولكنك. ولكنك تفعل هذا بطريقة غير مباشرة!
يكفي يا ستيف.
لا! لم يعد بإمكاني إحتماله أكثر! لا أريد تجاهل أفعاله بعد هذه اللحظة ولن أفعل مهما حدث.
لا تتصرف كما يحلو لك.
ونتركه يتصرف كما يريد!
لم أقل هذا.
لم أعد أفهم ما تريد قوله! خالي ماكس توقف عن كونك طيبا إلى هذه الدرجة!
ثم أردف بسخط: هذا يغضبني كثيراً!
قالها وهو يصعد الدرج بإنفعال فصرخت كلوديا: انتظر يا ستيف واعتذر لأسلوبك في الحديث مع خالك بهذه الط.
لن أفعل حتى يرغم ذلك الوغد على الإعتذار للجميع وعلى الإعتراف بخطأه.
اتسعت عيناي بحيرة وقلق فنادت كلوديا: توقف يا ستيف رجاءاً!
نظر إليهما بغضب ثم اكمل صعود الدرج هامساً: جميعكم مخطئون.
زميت شفتاي بإستياء فنظرت كلوديا لماكس متمتمة بيأس: إ. إنه محق!
تجاهل ماكس تعليقها ونظر نحوي متسائلاً: هل نوصلك للمشفى؟
رفعت يدي نافية: لا! لا داعي لهذا سيد ماكس أنا بخير.
اتضحت الكدمة في وجهك أكثر. لا بد وأنها تؤلمك!
نفيت مهدئة: أرجوك سيد ماكس لا تقلق بشأني! لقد نسيت أمرها تماما.
تنهد مشيحاً بوجهه: آسف لما حدث.
ارتفع حاجباي: ه. هاه؟ لماذا تعتذر! ليس خطأك ف.
ابتسم بهدوء: ستيف كان محقاً. لا يمكنني أن أنكر ذلك!
وضع يده خلف عنقه وأردف بجدية: رين لن يتوقف عند هذا الحد سواء اعترضنا طريقه أو لا.
قالها وهو يستدير مغادراً ليصعد هو أيضا فنظرت إلى كلوديا التي بادلتني النظرات بيأس.
أشارت الساعة للثالثة مساءاً حين كنت مع جيمي وبريتني في إحدى الغرف التي تحوي العاباً وشاشة تلفاز كبيرة في منتصف الحائط وامامها كراسي ليبدو التصميم كغرفة لعرض الأفلام.
تركتهما يشاهدان أحد أفلام الكرتون وخرجت بهدوء.
وجدت اولين أمامي فوقفت تنظر إلى بإحباط: الا زلت مصرة على عدم الذهاب للمشفى؟
ابتسمت بهدوء: أقسم لك بأنني نسيت أمرها سيدة أولين! أرجوك كفي عن القلق إنها مجرد كدمة وحسب.
إنها بجانب عينك يا شارلوت! هذه المنطقة ستترك أثرا لأيام!
أملت برأسي: أدرك هذا. ولكنها ستزول بعد فترة قصيرة وحسب.
يا الهي. رين لن يكف عن إختلاق المشاكل!
رمقتها بصمت ثم ابتسمت لها مشيرة بألا تقلق بشأنه ونزلت الدرج.
ما أن وصلت لمنتصفه حتى فُتح باب المنزل.
نظرت بحيرة فوجدته كريس الذي عاد وحينها وقفت كما لو كنت قد اصطدمت بزجاج شفاف فجأة!
في أقل من لحظة. عاودت تلك المشاعر المزعجة تنتابني!
الغضب والخيبة والرغبة في البكاء! تذكرت كل شيء وشعرت بانقباض أشد من كل مرة في قلبي!
ربما لأنه عاد فجأة ولم أكن مستعدة بعد.
تقدم خطوات قليلة بوجه. غريب!
هل كان متورداً أم أنني أتخيل ذلك؟!
بدى على ملامحه إرهاق يجوبه أمر آخر!
هل أرى إستياء؟ أو إنزعاج وما شابه!
ما خطبه؟!
أشعر بالقلق لمجرد وجود تلك النظرة في عينيه. يا الهي!
أغلق الباب خلفه وتقدم خطوات قليلة في الردهة فنزلت خطوة واحدة فقط على الدرج وبدوت مترددة كثيراً.
أريد الإطمئنان وفي الوقت آنه تفجير سيل من الكلمات والشتائم!
ربما. سأطمئن أولا؟
سحقا لمشاعري نحوه إنها تعيقني دائما!
حزمت أمري ونزلت أكثر ولكنني سرعان ما توقفت وأنا أرى أوليفيا التي خرجت من إحدى الغرف بسرعة متجهة إليه لتقول بلطف: كريس. مرحبا بعودتك!
نظر إليها بصمت فاتسعت عيناي بذهول عندما عانقته!
م. ما هذا؟!
لماذا! بكل بساطة؟ في الردهة؟ في مكان هي تعلم أنه من المحتمل ان يراها أي شخص فيه!
شعرت بثقل شديد في قدمي إلا أنني وقفت أحدق فيهما بدهشة.
ظلت تعانقه حتى رفع عينيه وبدى وكأنه انتبه لوجودي أخيراً.
وكم أدهشتني نظراته حينها!
أدهشتني بشدة!
إنه ينظر إلى بلا حيلة!
إنه يبدو محبطاً جدا وبريق الخيبة في عينيه.
ما خطبه؟!
ابتعدت عنه أوليفيا وابتسمت بمرحها وبجاذبيتها المعتادة ثم استوعبت بدورها تحديقه إلى فالتفتت نحوي ترفع رأسها للأعلى لتركز النظر إلي.
ارتفع حاجبيها للحظة ولكنها سرعان ما قالت بلطف: شارلوت الن ترحبي بعودته؟
قالتها وأكاد أجزم أنني رأيت بريقاً ماكراً في عينيها فجأة!
زميت شفتاي بشدة.
لقد اكتفيت!
هذه الفتاة تغضبني الآن وأشعر بأنني سأتهور معها!
لا يمكنني إحتمالها!
تغيرت نظراتي من الدهشة إلى الغضب والسخط واستدرت لأصعد مجدداً متجاهلة وجودهما بالأسفل.
كان على فعل هذا قبل أن تبدأ عيناي تلمعان جراء الدموع المقهورة والحانقة!
لا أستطيع إحتمال اقترابها من كريس واستفزازها لي!
ولا يمكنني. فعل شيء!
لا أدري لماذا ولكنني قلقة كلما فكرت فيها.
ما الذي على فعله بحق الإله؟
دخلت الغرفة بضيق وغضب وصفقتُ الباب بإنفعال.
اتجهت فوراً إلى السرير واستلقيت عليه بقوة ارص على شفتاي حتى لا أبكي.
اولا تقبله والآن تعانقه!
ليس هذا وحسب فستيف أخبرني بشان تصرفاتها معه.
أ. ألا يوجد أي اعتبار لي كزوجة له؟
ألا يقوم بردعها؟
تيا:
فتحت باب الشقة بإستياء شديد ودخلت وأنا أزفر بضيق.
اتجهت لغرفة الجلوس فوجدت إيثان يشاهد التلفاز ويعبث في هاتفه.
انتبه لي: تيا!
رمقته بيأس واتجهت نحوه وجلست بجانبه، ارخيت رأسي على كتفه فبدى صوته مهتما: ما الأمر؟
إيثان. أشعر بالإحباط والإستياء الشديد!
ابعدني عنه ممسكا بكتفي يعقد حاجبيه وينظر إلى بتمعن، ظهرت تقطيبة استنكار بين حاجبيه وتساءل: ما الذي يحبطك! هل وقع أمر ما؟!
قالها وهو يسرع بخفض مستوى صوت التلفاز فاحتضنت الوسادة متمتمة: التقرير الذي تعب كريس لأجله طوال الليل، لم يأت بنتيجة! لقد رُفضت الصفقة بسبب نقص أمور كثيرة لم يحويها التقرير!
أردفت بضيق: هذا ظلم! لقد تعب كثيرا لأجله. أعلم بأنه أراد ان يكسب تلك الصفقة بشدة وبذل جهدا كبيرا في الأشهر السابقة ولكنه في النهاية ت.
هل أنتِ حمقاء؟
قالها بهدوء فنظرت إليه بصمت فأكمل متنهداً: من الطبيعي أن يكسب صفقة ويخسر أخرى، من الطبيعي أن يبذل جهودا كبيرة ومن الطبيعي ان تخذله جهوده في النهاية! إنه مجال عمل يا تيا يحتمل القبول أو الرفض.
الأمر ليس كذلك! كانت الأمور على ما يرام حتى الأمس فقط! شخص ما أخذ ملف الصفقة واضطر كريس للكتابة مجدداً! ذلك الملف كان كاملاً وفرصته في كسب الصفقة كانت كبيرة جداً! لا يعقل أن يخسرها بكل بساطة! لا يمكننا مقارنة تقرير تمت كتابته بطريقة متريثة دقيقة خلال أشهر عديدة بتقرير تمت كتابته في يوم واحد فقط!
رمقني بهدوء ثم أشاح بوجهه متمتماً: لست متضايقا لأجله، ولا يهمني ما حدث، ولكنني أعتقد بأن أمراً كهذا كان لا بد أن يحدث منذ فترة طويلة.
اتسعت عيناي هامسة بإسمه ثم قلت بإنزعاج: أتقصد بانه جزاءه؟
لم يعلق فشعرت بالإمتعاض هامسة: انت غير معقول يا إيثان!
لا أستطيع الكذب وأقول أنني بالفعل مستاء لأجله! لست كذلك.
حسنا لا تشعر بالإستياء ولكن كف عن قول أمور مشابهة.
أضفت بإنزعاج: كريس على أي حال يبدو غريباً مؤخراً.
رمقني بهدوء ثم تمتم بملل: لا تقلقي بشأنه وبشأن ما حدث اليوم، شارلوت تجيد التصرف في مواقف كهذه! إنها جيدة في رفع المعنويات. هل أنت مرتاحة الآن؟
زميت شفتاي بغضب: أنت مستفز!
ابتسم بهدوء وجذبني إليه قائلاً: أنا كذلك.
ابعدته بإمتعاض: ابتعد عني.
عاود يجذبني نحوه: حسنا لا تغضبي. أردت ان اكون صريحا وحسب.
تقوست شفتاي بأسى هامسة: إيثان. ينتابني شعور غريب اليوم.
أنا أنصت.
نظرت اليه بحيرة: بالرغم من علاقة كريس والسيد ماكس السيئة. إلا أنني شعرت بأنه مستاء لخسارة الصفقة التي لطالما عمل والده لأجلها! لا أدري كيف استنبطت هذا ولكنه شعور قوي جداً!
أومأ منصتاً ولكنه لم يعلق، اقتربت مجددا أرخي رأسي على صدره: أنا متعبة جداً. هل تناولت فطورك؟
حُري بكِ أن تسألي عن الغداء. الم تلقي نظرة على الساعة!
يا الهي انشغلت كثيراً إلى درجة انني لم اتناول فطوري أو حتى غدائي! وانا التي تساءلت لماذا شعرت بالإعياء في أكثر من مرة.
مرر يده على رأسي: ماذا عن الخروج وتناول الغداء في أحد المطاعم.
هل هذا يعني أنك لم تتناول غداءك!
بصراحة كنت على وشك المغادرة الآن ولكن. حسنا هذا صعب فوجهك المكتئب بحاجة إلى الخروج من هذه الاجواء قليلاً.
أردف بملل: أنا أيضا كنت على وشك ان يتعكر صفو مزاجي عندما ذكرت اسم ذلك المتسلط.
يبدو متعباً اليوم. اجهد نفسه وفي النهاية خسر تلك الصفقة. أراهن على انه يرغب في شرب زجاجة نبيذ كاملة.
لا يمكنني التعاطف معه. ليكن في علمك انني أشعر برغبة ماسة في الإتصال به والتشمت بما حدث له. لا تعتقدي بأنني سأستاء لأجله!
كفاك قسوة! عليك ان تتذكر انه زوج شقيقتك يا إيثان فالأمر لا يقتصر على علاقتكما القديمة.!
فليكن. قومي بتغيير ملابسك لنخرج معاً. وبعدها سأغادر إلى مدينتي.
لويت شفتي مبتعدة انظر إليه: هل عليك المغادرة حقاً!
ابتسم نافيا: من قال بأنني أريد المغادرة؟ أنا فقط. حسنا والداي يبدوان جادان هذه المرة كثيراً بشأن علاقتنا، أمي لم تكف عن الإتصال بي منذ الصباح، توعدت لي ما إن كنت في الأمس قد بتُ في شقتك فحينها لن تكون ردة فعلها إيجابية.
أردف بسخرية: ربما تظن بأنني أعبث معك!
ضاقت عيناي بحدة: ما تقوله يشير إلى أنك كنت تفعل هذا مع تلك المدعوة كاترين ولهذا هما حذران هذه المرة. اليس كذلك؟
ارتفع حاجبيه واتسعت عينيه الخضراوان: انا لم اقل هذا ولكن. يا الهي.
أضاف بإستهزاء: النساء!
هل أنا محقة!
أومأ يشبك يديه خلف رأسه ثم تنهد بعمق: دعينا لا نذكرها رجاءً. بدأت أشعر بحموضة في معدتي.
زميت شفتاي قليلا ثم وقفت متمتمة: سنتحدث بشأنها عاجلا أم آجلاً. لن تهرب من هذا الموضوع طويلاً، على معرفة كل ما حدث أثناء مواعدتكما لذا لا تعتقد بأنني سأنسى الأمر.
التعليقات