رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل السادس
حاولت نادية مذاكرة دروسها، لكنها كالعادة شردت وظلت تفكر في دكتور مراد فارس أحلامها، حتى جائتها مكالمة من صديقة لها تزف إليها أسعد خبر سمعته في حياتها.
الصديقة: عندي ليكي خبر بمليون جنيه.
نادية: قولى بسرعة، في دكتور حذف لنا حاجة من المهنج؟
الصديقة: دكتور مراد طلق مراته.
نادية: إيه؟ بجد؟ وعرفتى منين؟
الصديقة: عرفت من مصادرى الخاصة.
نادية: مش هأصدق إلا لما تقولى عرفتى منين.
الصديقة: سمعت الكلام ده من بنت في الفرقة الأولى وأنا في كافيه الكلية، والبنت دى جارتهم.
سمعت نادية الخبر فتضاربت مشاعرها بين الفرحة والشفقة، نعم هي تحب دكتور مراد لكنها لم تتمن أبدأ خراب بيته، كانت على استعداد للزواح منه كزوجة ثانية، شعرت ببعض تأنيب الضمير لأنها فرحت فور سماع الخبر، كيف تفرح وهي تسمع أن بيتا هدم وأطفالا سوف يتعذبون، طمأنت نفسها بأنها لم تكن سببا في هذا الطلاق، لقد حدث قبل أى تقارب بينها وبين دكتور مراد.
أمسكت فاتن بهاتفها المحمول، وكم كانت سعادتها عندما وجدت المخرج فادى مهران قد قام بعمل إعجاب على تعليقها على أحد منشوراته، أما ما جعلها ترقص فرحا أنه أرسل لها رسالة على الخاص، وجدتها في طلبات المراسلة لأنه ليس صديقا عندها، أما محتوى الرسالة فقد قلب حياتها رأسا على عقب.
أصبحت هند ملازمة حجرتها لا تخرج منا إلا قليلا، تحرص على أن تغلق بابها جيدا، تتجنب الحديث مع عمها الذي أصبح وجوده في البيت مصدر قلق لها، لم تتخيل يوما أن تتحول نظرات عمها إليها إلى نظرات ذئب ينتظر الانقضاض على فريسته.
لم تأخذ أمها بنصيحة المقربين منها برفض هذا الزواج بعد وفاة زوجها الأول لعدم التكافوء بينهما، حيث كانت في الثلاثين من عمرها وهو يصغرها بست سنوات كاملة، كانت ابنتها نادية في الرابعة عشر من عمرها، رفضت الكثير قبله خوفا على ابنتها، ووافقت عليه أيضا من أجل ابنتها، هي لحمه ومن محارمه، الوحيد الذي لن تخاف عليها معه حتى لو كانت عارية، فهى بمثابة ابنته، لم تتخيل أن يكون أول الطامعين في جسدها، ولا عجب في ذلك، لقد أصبحنا في زمن العجائب.
استمرت عايدة في طريق الخطيئة، الطريق الذي سلكته منذ سنوات، غرها ستر الله لها، حتى بقايا الضمير عندها ماتت نهائيا، وأصبحت خيانتها لعبد الرحمن أمر واقع تتعامل معه كأنه أمر طبيعى، أصبح كل ما يشغلها التوفيق بين رغبات خالد المجنونة وبين زوجها، خالد الذي كان يطلب منها أحيانا الحضور في منتصف الليل، أو أثناء عملها، ثقة عبد الرحمن فيها جعلته لا يفتش ورائها، قرب شقة خالد من منزلها ومن منزل أسرتها سهل عليها الأمر كثيرا.
عبد الرحمن: عاملة إيه يا زهرة في الكلية؟
زهرة: الحمد لله يا عمو.
عبد الرحمن: محتاجة فلوس أو كتب أو أى حاجة؟
زهرة: لا يا عمو، أنا جيبت الكتب كلها.
عبد الرحمن: طب يا حبيبتي لو عوزتى أى حاجة يا زهرة ما تنكسفيش اطلبيها منى على طول.
زهرة: حاضر يا عمو.
عبد الرحمن: أنا عايزك يا زهرة تحافظى على نفسك سيبك من هلس الشباب في المرحلة دى يا حبيبتى، عايزك تخلى عايدة مرات عمك قدوة ليكى.
زهرة: حاضر يا عمو.
عبد الرحمن: كمان عايزك تجدعنى وتجيبى تقدير حلو، دى آخر سنة.
زهرة: إن شاء الله أشرفك زى كل سنة يا عمو.
عبد الرحمن: ربنا يسعدك يا حبيبتي.
وجود نرمين مع عمها بالشركة أتاح لها فرص عديدة للزواج، كان آخرها طبيب شاب حضر لشراء الأجهزة الطبية اللازمة لعيادته، وما ان رآها حتى بهر بجمالها، وعلى الفور تقدم لطلب يدها.
زهرة: أنا من رأيى توافقى على العريس اللى متقدم لك يا نرمين، كفاية كدة، بقالك أربع سنين مستنية عمر، حرام عليكي نفسك.
نرمين: مش قادرة يا زهرة، بأحب عمر ومش هأعرف أكون لغيره.
زهرة: مادام أهله مش موافقين، هتتجوزيه بالعافية؟
نرمين: هو كمان ضاغط عليهم ورافض يتجوز غيرى، وبيطمنى أن والده لان شوية.
زهرة: يا حبيبتي العمر بيجرى، جايز عمر مش نصيبك.
نرمين: والله حاسة إنه هيكون من نصيبى إن شاء الله.
زهرة: طب اقعدى مع العريس وشوفيه يمكن يعجبك.
نرمين: وأخون عمر؟
زهرة: يا أدى عمر!
خرجت زهرة من مدرج المحاضرات الخاص بفرقتها، وعلى الفور توجهت إلى مكان التقائها بزميلاتها، اللاتى حرصن على الالتقاء رغم اختلاف كلياتهن، وما أن رأتهن حتى صاحت: فين فاتن؟
نادية: راحت تقابل فادى مهران المخرج.
زهرة: برضو عملت اللى في دماغها؟
هند: بتقول إنه هيديها دور في فيلمه الجديد.
نادية: كل ما تتعرف على مخرج يقول لها كدة ويضحك عليها، ويوم ما يحن عليها يديها دور كومبارس.
صفية: مسكينة مصدقة إنها موهوبة.
زهرة: بس هي فعلا موهوبة.
صفية: حتى لو موهوبة الموهبة والجمال مش كل حاجة لازم واسطة.
هند: واهى راحت للواسطة.
زهرة: ربنا يستر.
صفية: هيحصل إيه يعنى؟
نادية: أكيد هتقدم له تنازلات.
صفية: مشكلتكوا إنكوا عايشين بتفكير القرن الماضى، شرف البنت زى عود الكبريت والكلام الفاضى والشعارات الكدابة دى.
زهرة: الشرف بقى كلام فاضى؟
صفية: يا حبيبتى الكلام ده كان زمان، دلوقتى بعملية بمتين جنيه شرف البنت ممكن يرجع ميت مرة.
هند: بالذمة ده كلام بنت محترمة؟!
صفية: أنا بأقول لكوا على أسوأ الفروض.
ذهبت فاتن لمقابلة المخرج، كان وقحا وصريحا، طلب ما يريده منها بكل جرأة، لا شئ بلا ثمن في هذا الزمان، تريد البطولة عليها دفع الثمن، لا بأس الصفقة تستحق، تقدم له جسدها مقابل ظهور اسمها لأول مرة على افيش فيلمه القادم، بطولة مطلقة، قبلت فاتن ما رفضته كثيرا، كان لكلام صفية الأثر الأكبر في ذلك، هي تحاول من سنوات ولم تتح لها الفرصة، الآن هي بالقاهرة عاصمة الفن، قريبة من صانعيه، عندما تنهى دراستها وتعود لقريتها قد لا تتاح لها الفرصة للحضور إلى القاهرة والتواجد بها مثل الآن.
وكما رفضت نرمين كل من طلبها للزواج رفض عمر الزواج من غيرها.
والد عمر: يا ابنى حرام عليك كان زمانك متجوز ومخلف.
عمر: أنت اللي مش عايز تريحنى وتريح نفسك يا بابا.
والد عمر: يعني لو مش نرمين مش هتتجوز؟
عايدة: إن شالله عنك ما أتجوزت.
والد عمر: استنى أنتي يا عايدة.
عمر: طب اعتراضكوا عليها إيه غير أمها؟
والد عمر: بصراحه ما فيش.
عايدة: مستحيل تتجوزها، عايز مصيرك يكون زى مصير أبوها؟
عمر: أنتى إيه؟ ما بترحميش؟ ما حدش زى حد، وللمرة المليون ما فيش على أمها دليل.
عايدة: أنا كنت سلفتها وعارفة، وعندى ألف دليل على خيانتها، بس إن الله حليم ستار، أنا ما كنتش عايزة أتكلم.
عمر: حتى لو أمها كانت بتخون أبوها بجد برضو مش قاعدة رياضية لازم بنتها تبقى زيها، أمها ماتت من 14 سنة، ونرمين ما لحقتش تتطبع بطبعها ولا تتعلم منها.
والده عمر: يا ابنى السيرة الوحيدة اللى ما بتموتش سيرة الشرف، كفاية كلام الناس.
عمر: الناس الناس، الناس طول عمرها بتتكلم وهتفضل تتكلم، خلاص ارضي الناس ومش مهم أنا، وما حدش يتكلم في الموضوع ده تاني، مش عايز أتجوز.
لم يكن شرف فاتن فقط ما قدمته من تنازلات، فقد تبعه تنازلات أخرى، خلعت الحجاب، ووافقت على ارتداء الملابس القصيرة والضيقة والمكشوفة لزوم البطولة المطلقة، فعلت كل شيء لكن إرادة الله كانت أقوى وتم القبض على فادى مهران بعد تقدم بعض الفنانات المغمورات ببلاغات ضده تتهمه بإجبارهن على إقامة علاقة غير شرعية معه من أجل العمل بالفن، تمت محاكمته بعد مواجهته بالتسجيلات التي قدمت ضده، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
لم تستطع فاتن أن تصرح بما حدث بينها وبين فادي مهران، حمدت الله انها لم تكن معه وقت القبض عليه، ركزت في دراستها حتى تستطيع الحصول على الليسانس بعدها تبحث عن الفرصة من جديد.
مرض دكتور عبد الرحمن ولازم البيت بأمر الطبيب، اضطرت عايدة إلى تقديم إجازة حتى ترافقه، وعندما طالت المدة جن جنونها وظلت تفكر في طريقة تستطيع بها الخروج من البيت والذهاب إلى خالد، وهنا لجأت إلى حيلة، تظاهرت بالألم الشديد، حتى تذهب إليه في العيادة، لم تكتف بالذهاب إلى شقته، لكن عبد الرحمن أفسد عليها خطتها.
عبد الرحمن: لسة تعبانة يا حبيبتى؟
عايدة: أيوه تعبانة قوى.
عبد الرحمن: طب وما تروحى تكشفى.
عايدة: شوية برد وهيروحوا.
عبد الرحمن: لازم تكشفى.
عايدة: خلاص هابقى أروح أكشف لما اطمن عليك.
عبد الرحمن: لا يا عايدة لازم تروحي تكشفى.
عايدة: اللي تشوفه يا حبيبي.
عبد الرحمن: خدى زهرة معاكى.
انقبض قلب عايدة وقالت بضيق: هتعطلها ليه بس؟ أنا هاروح لوحدى.
عبد الرحمن: عشان أبقى مطمن عليكى، وأما ترجعي طمنيني عليكي، لا ما تستنيش أما ترجعي أول ما تكشفى طمنيني عليكي.
عايدة بفتور: حاضر.
خافت عايدة أن ترفض ذهاب زهرة معها، حتى تبدو الأمور عادية، خططت أن تكون المرة القادمة أثناء وجود زهرة بكليتها، على أيه حال يكفى أنها ستذهب وتراه وستحضنه فور دخولها حجرة الكشف.
طلبت عايدة من زهرة أن تنتظرها حتى تخرج من حجرة الكشف لكن زهرة أصرت على الدخول معها، كاد عقلها أن يشت لكنها وافقت على مضض، رفضها سيثير الشكوك حولها، هي في عيادة طبيب نساء، والعرف المتبع ?لا تدخل المريضة وحدها.
دخلت عايدة حجرة الكشف ومعها زهرة، ابتسم د. خالد وقام من على مكتبه صافحهما.
د. خالد: أهلا أهلا، وشك ولا وش القمر.
عايدة: دكتور خالد بكاش يا زهرة وبيغازل كل زباينه.
د. خالد: لا الحلوين بس.
عايدة: زى ما أنت ما اتغيرتش، مش تتجوز بقى عشان تبطل بصبصة للستات.
لفتت زهرة انتباه دكتور خالد بشدة، فظل يتحدث وعيناه معلقة عليها.
د. خالد: مين اللي جاية تكشف فيكوا؟ القمر الكبير والا البدر الصغير؟
عايدة: مش بأقول لك بكاش، أنا يا دكتور اللي تعبانة.
د. خالد: ألف مليون سلامة عليكي.
عايدة: الله يسلمك.
د. خالد: اوعى تكونى دفعتى الفيزيتا أحسن دكتور عبد الرحمن يودينى في داهية.
عايدة: اطمن ما رضيوش برة ياخدوا منى فلوس.
د. خالد: طب روحى على سرير الكشف.
اتجهت عايدة نحو سرير الكشف، في حين ظلت زهرة مكانها.
اتجه د. خالد نحو سرير الكشف ومازالت عيناه على زهرة.
لاحظت زهرة ذلك فنكست رأسها خجلا.
د. خالد وهو ينظر لزهرة بشدة: ما تقلقيش، أنتى أكيد بتنامى في التكييف، برد في الحوض، أنا هاكتبت لك على علاج وأشوفك بعد يومين، قال هذا وهو يغمز لعايدة، ففهمت رسالته.
عايدة: أنا تعبانة قوى يا دكتور، العلاج ده هيجيب نتيجة؟
د. خالد: إن شاء الله.
عايدة: ربنا يخليك لينا يا دكتور، أنا مهما ألف على دكاترة ما باخفش إلا لما أكشف عنده يا زهرة، دكتور شاطر وبيعرف يشخص المرض، غيره يقول لك لازم تعملى أشعة وتحاليل الأول قبل ما أكشف عليكى.
كانت زهرة شاردة في عالم آخر، وكلما حاولت اختلاس النظر إلى د. خالد وجدت نظره مصوبا إليها،
فعاودت تنكيس رأسها مرة أخرى.
د. خالد: ما قولتليش مين القمر اللى معاكى دى يا عايدة؟
التعليقات