رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الثالث عشر
ظلت زهره تنتظر دكتور خالد وهي تغالب النوم، قتلها القلق حتى جائتها رسالة بفتح الهاتف الخاص به، وعلى الفور اتصلت به.
زهرة: خالد اتأخرت ليه؟
د. خالد: آسف يا حبيبتي، نص ساعة وأكون عندك، طلبونى في المستشفى لحالة ولادة مستعجلة، والموبايل فصل شحن، ما لحقتش اتصل بيكى، الحالة كانت صعبة ومستعجلة، وأول ما خرجت من أوضة العمليات حطيته في الشحن، لم ينس دكتور خالد أن يبخ على ملابسه بعض البنج من زجاجة يضعها في السيارة، يطمس بها أى روائح تعلق به من رفيقته، وحتى تصدق زهرة أكاذيبه، الحق أنه لم يكن في حاجة إلى هذه الحيل، طيبة زهرة وقلة خبرتها بألاعيب الرجال وحبها الشديد له جعلوها تصدق كل ما يقوله.
جلست زهرة أمام التسريحة وهي ترتدى وروبا أسود اللون، وهو اللون المفضل لدكتور خالد، أمسكت بالورود التي أحضرها لها لعلمه أنها تعشق الورود، وخصوصا الورد البلدى والياسمين، جاء خالد من الحمام، وقد لف شعره بفوطة ظل يحركها يمينا وشمالا.
زهرة: لسة ريحتك بنج يا خالد.
ألقى بالفوطة ومشط شعره وهو يقول.
د. خالد: يا حبيبتي أنا تعبان من العملية، يادوب نزلت المية على جسمي، قولت لك تعالي معايا قولتى بأنكسف.
زهرة: عامل زى الأطفال.
احتضنها وقال: أيوه أنا طفل، وأنتي احلى وأحن أم في الدنيا.
زهرة: طب يلا نتعشى عشان تلحق تقعد شوية قبل ما تنام.
أشترت عايدة خط تليفون جديد واتصلت بدكتور خالد، ولأنه طبيب فقد اعتاد أن يرد على كل الأرقام، وفور سماعه صوتها أغلق الهاتف.
زهرة: مين اللي أول ما قال آلو قفلت في وشه ده؟
د. خالد: ده واحد معرفة كل شوية يطلب منى فلوس، وبياخد وما يردش، سيبك منه، اعملى لى كوباية شاى من إيدك الحلوة، أقول لك خليها فنجان قهوة كبير عشان أسهر معاكى للفجر، وهاتيه على جوة.
زهرة: حاضر ثوانى يا حبيبى.
ألقت عايدة بتليفونها المحمول على المائدة بعصبية وحدثت نفسها: ماشى يا خالد ما بتردش عليا، خلاص ما بقيتش عايزنى، أدى اللى كنت عاملة حسابه، زهرة تاخدك منى، بس أنا لازم أشوفه، واحشني قوى، هأموت وأكون معاه خمس دقايق.
بعد قليل عادت زهرة وهي تحمل القهوة، وجدت دكتور خالد يغط في نوم عميق.
زهرة: أنت نمت يا حبيبى؟
وضعت زهرة القهوة، وحاولت عدل جسد دكتور خالد الذي نام مائلا، وعندما اعتدل مكانه قبلته وهي تقول: بتتعب يا حبيبي ربنا يعينك.
بلغت البجاحة بعايدة إلى أعلى درجاتها، أرسلت إليه رسالة من هاتف زوجها عبد الرحمن، نصها (لو ما قابلتنيش هأقول لزهرة على خيانتك لها كل يوم والتانى مع واحدة، اوعى تكون فاكرنى زى زهرة هأصدق إنك توبت وما بقيتش تلعب بديلك).
من عادة خالد أن يقوم بتغيير وضع التليفون إلى وضع الطيران قبل نومه، حتى لا تظهر أية إشعارات أعلى الشاشة، وعندما رأى الرسالة في الصباح تجاهلها ولم يرد، ربما يكون الهاتف في هذا الوقت في يد صاحبه، فازداد جنون عايدة، التي لولا الملامة ولولا أنه متزوج من زهرة لذهبت إليه الشقة وتسببت له في فضيحة.
وفى الصباح وقف دكتور خالد عند باب الشقة مستعدا للخروج ومعه زهرة، قبلها وهو يقول: إن شاء الله راجع لك النهاردة بدرى، هأعوضك عن تأخيرى الكام يوم اللى فاتوا دول.
زهرة: خلاص يا حبيبى ولا يهمك، أنا مستنياك ولو زهقت هأبقى أروح عندنا او عند نرمين.
د. خالد: بلاش خروج، لو زهقتى اتصلى بنرمين تجى تقعد معاكى.
زهرة: خلاص يا خالد ولا خارجة ولا متصلة بحد يجى، كفاية عليا أنت يا حبيبي.
حضر عبد السلام شقيق خالد الكبير من السفر، حيث يعمل بإحدى الدول العربية، وفور عودته اتصل بدكتور خالد حتى يستطيع زيارته، لم يخبره خالد بزواجه من زهرة لعلمه أنه سيرفض، حضر عبد السلام، طرق الباب، فتحت زينب، كانت زهرة تقف بعيدا لاستطلاع هوية الطارق، وما أن رآها حتى قال: الله يقطعك يا خالد، أنت مش هتبطل الداء ده أبداً.
زهرة: على فكره أنا مرات خالد.
عبد السلام: مرات خالد؟ خالد اتجوز وما عرفنيش؟
خرج خالد من حجرته.
خالد: حمد لله على السلامة يا عبدو، سلمى على عمك يا زهرة.
تقدمت زهرة نحوه بخجل وهي منكسة الرأس فلم يستطلع ملامحها.
اشار دكتور خالد لزينب وقال: اعملى لنا حاجة يا زينب وهاتيها على الصالون.
دخل دكتور خالد مع شقيقه، وظلت زهرة في مكانها، اعتادت ?لا تجلس مع ضيوف خالد من الرجال حتى لو كان الضيف شقيقه، وفجأة علا صوت شقيقه: بتقول إيه؟ اتجوزت بنت سليمان وماجدة؟ أنت اتجننت يا خالد؟ تجيب واحدة زى دى وتدخلها بيتك وتخليها واحدة من العيلة، الله يلعنك لو أعرف كدة ما كنتش جيت، أنا قايم ماشى.
خرج عبد السلام غاضبا، كانت زهرة مكانها، سمعت حديث شقيقه وكالعادة لم تعلق، نظر لها عبد السلام بشدة وانصرف.
ظلت زهرة متماسكة أمام خالد حتى نام وما أن اطمئنت لنومه حتى بكت كثيرا، عادت تسأل نفسها السؤال الذي سألته كثيرا، هل حقا كانت أمها خائنة.
بعد أسبوع حضر عبد السلام في غياب دكتور خالد، استقبلته زهرة في وجود زينب.
زهرة: خالد مش هنا.
عبد السلام: ما أنا عارف، أنا جاى أتأسف لك.
زهرة: على إيه؟
عبد السلام: على أى كلمة قولتها وضايقتك، قال هذا وقد اقترب منها وطبطب عليها.
زهرة: ما حصلش حاجة، لاحظت زهرة أنه يتعمد لمس جسدها.
خرجت زهرت وهي تقول: هاتى واجب الضيف يا زينب.
عبد السلام: هو أنا ضيف؟
زهرة: صاحب البيت مش موجود، يا ريت لما تيجي تانى يكون في وجوده، قالت هذا وتركته وخرجت.
بالطبع لم تخبر دكتور خالد بما حدث.
بعد زواج زهرة اتصلت فريدة بحسام وطلبت منه الحضور واستكمال دراسته هنا.
حسام: غريبة طول عمرك بتشجعينى أكمل برة، مش معنى دلوقتي؟
فريدة: يا حبيبي إخواتك البنات اتجوزوا وبقيت لوحدى، أنا محتاجاك جنبى، على الأقل تتجوز ولو حبيت تسافر أهو مراتك معايا تونسنى.
حسام: لا يا ماما أنا مش راجع، لو تحبى تيجي أنتى تقعدى معايا هنا أنا ما عنديش مانع، لكن أنا شغلى ودراستى هنا، وكمان ناوى أتجوز من هنا.
فريدة: ليه يا حبيبي؟ أنت مش محتاج تتجوز فرنساوية عشان الجنسية، أنت بقالك في فرنسا أكتر من خمس سنين، وممكن تاخد الجنسية بسهولة.
حسام: أنا عاجبنى بنت فرنساوية، وفاتحتها في الموضوع ومستنى ردها.
فريدة: فاتحتها من غير ما تقول لى؟
حسام: ماما دي حياتي، كفاية بعدتينى عن زهرة.
انقطعت زهرة عن العالم، حتى أنها كانت لا تخرج ولا ترى الشارع إلا بصحبة دكتور خالد، أما هو فكان يمطرها بالهدايا والورود والكلمات الرومانسية التي تذيب قلب أى امرأة، فما بال امرأة عاشقة وبلا خبرة.
اكتفت به عن العالم، حتى منزل عمها أصبحت لا تذهب إليه إلا نادرا.
حضرت نرمين لزيارتها.
نرمين: إيه يا زهرة بقالك أكتر من شهر ما بتجيش، عمك قلقان عليكى قوى، قال لى روحى شوفيها مالها لتكون تعبانة وما بتقولش في الموبايل.
زهرة: ما فيش والله.
نرمين: هو خالد مانعك تجى عندنا؟!
زهرة: أبدا والله.
نرمين: أمال في إيه؟
زهرة: أنا اللى ما بقتش أحب أخرج.
نرمين: إيه يا زهرة؟ لا عايزة تشتغلى ولا عايزة تجى عندنا، أنتى موقفة حياتك على قد خالد، يا حبيبتى خالد بيسيبك طول النهار، فيها إيه لما تقولى له أنا رايحة عند عمى؟ مش هيقول حاجة.
زهرة: خالد بيحب يتصل بيا كل نص ساعة، وساعات كل عشر دقايق، وأنا هأبقى محرجة لو ده حصل وأنا عند عمى، أنا هنا بأبقى على راحتى.
نرمين: براحتك بس أنتى كدة هتزهقى.
زهرة: خالد ما بيدنيش فرصة أزهق، كل شوية يتصل عليا يكلمنى.
نرمين: طب ما فيش جديد؟
زهرة: من ناحية إيه؟
نرمين: حمل.
زهرة: يا نرمين لسة بدري
، هو عشان ما أنتى حملتى لازم أنا كمان أحمل؟
نرمين: طنط عايدة هي اللى قالت لى أسألك.
زهرة: قولي لها لسة.
عاد دكتور خالد وهو يحمل لفافة صغيرة غلفت بطريقة جميلة، نادى على زهرة.
د. خالد: زهرة، زهورة. زهرتى الجميلة، أنت فين يا روحى؟
خرجت زهرة من حجرتها وهي تغالب النوم.
زهرة: أنا هنا يا حبيبى.
فتح دكتور خالد اللفافة وقدم العلبة لزهرة وهو يقول: أنتى نمتى؟
زهرة: أنام قبل ما تجى؟ أنا كنت بأتفرج على التليفزيون.
د. خالد: اتفضلى يا حبيبتى.
زهرة: هدية تانى؟ بمناسبة إيه؟
د. خالد: كل يوم إحنا مع بعض مناسبة.
زهرة: أنا مش خايفة على فلوسك، أنا بس مش عارفة هأودى الحاجات دى فين، وإلا هألبسها فين، ده أنا ما بأخرجش غير كل شهرين تلاتة مرة.
د. خالد: تلبسيها ليا أنا يا حبيبتى.
زهرة: بجد يا خالد أنا زهقت من قعدة البيت عايزة اشتغل.
د. خالد: شغل لا، أنا قولتلك ما ينفعش تشتغلى، أنا بأتعب في شغلى طول اليوم، عايز أرجع ألاقى مراتى في انتظارى، لابسة أحلى قمصانها، متزوقة ومتبرفنة ومستنايانى، مش مهدودة ومقريفة.
زهرة: بلاش الشغل، إيه رأيك أروح النادى، كل يوم ساعة أو ساعتين، عشان حتى أمارس رياضة، أنا حاسة إنى زدت قوى اليومين دول.
د. خالد: ممكن أجيب لك كل الأجهزة الرياضية هنا.
زهرة: يعنى أنت مصر تحبسنى؟
د. خالد: يا حبيبتى مش عايز حد غيرى يشوفك، بأغير عليك من الهوا.
زهرة: اضحك عليا بالكلمتين دول بقى.
د. خالد: أخص عليكى يا زهورة، ده كلام؟ على فكره بقى أنتى واحشانى قوى.
زهرة: زى ما تكون راجع مالسفر.
د. خالد: الثانية اللى بأبعد عنك فيها بأعتبرها سفر مية سنة.
زهرة: لا أنا مش قدك ولا قد كلامك.
رن المحمول خالد فنظر فيه ولم يرد
زهرة: ما ترد يا خالد ليكون حد تعبان وعايزينك
د. خالد: مش رادد على حد، ومش خارج تانى النهارده وأسيبك مهما حصل.
زارت نرمين زهرة
نرمين: عاملة ايه مع خالد؟ ماشى عدل والا رجع للعط بتاع زمان؟
زهرة: لحد دلوقتى ماشى عدل.
نرمين: وأنتى عرفتى منين؟
زهرة: خالد كان بيعط زمان عشان ما كانش حب، الحب طهره، يعنى
هو هيحتاج إيه من أى ست؟ اللى بيحتاجه أنا باديهوله.
نرمين: برضة حرصى.
زهرة: يا حبيبتى ده بيتصل بيا كل عشر دقايق أو ربع ساعة.
نرمين: طب وده يمنع؟ ممكن يتصل بيكى هو مع أي واحدة.
زهرة: أنا متاكدة إن خالد ما بيخونيش، أنا ست وعارفة.
نرمين: والله شكلك عبيطة.
زهرة: أقول لك إيه بس؟! خالد معايا كل يوم وساعات في اليوم مرتين، إزاى هيكون على علاقة بأى ست تانية؟
نرمين: خلاص أنتى حرة.
فى هذا الوقت كان دكتور خالد جالسا مع صديقه،
رن محمول خالد.
د. خالد: أيوه يا حبيبتى، أنا فاضي، بس المكان اللى بتقولي عليه ده بعيد قوى، ما عندكيش شقة قريبة من هنا؟
المتصلة: لا.
د. خالد: طب إيه رأيك تجى لى العيادة؟
المتصلة: العيادة؟
د. خالد: وفيها إيه؟ السكرتيرة مش بتجى إلا الساعة 4.
المتصلة: خلاص نص ساعة وأكون عندك
المتصلة: طب ما تتأخريش، أنت واحشانى قوى.
د. خالد: أنتى أكتر.
الصديق: أنت رجعت للعط ده تانى؟ يا راجل عيب عليك د ه أنت ما عداش على جوازك كام شهر.
د. خالد: أعمل إيه حاولت أتوب وأتجوزت أهو زى ما كنت بتنصحنى بس ما فيش فايدة.
الصديق: مش دى زهرة اللى كنت هتموت عليها؟
د. خالد: اتضح إنها ست عادية، وما عندهاش خبرة.
الصديق: والمطلوب منها إيه؟ تكون فتاة ليل؟
د. خالد: مشكلة زهرة أنها خام قوى.
الصديق: احمد ربنا إنها خام، وإنك الراجل الأول في حياتها.
د. خالد: كان نفسى ما احتاجش ست غيرها، بس أعمل إيه؟ أمرى لله.
الصديق: يا أخى اتقى الله، ده أنت دكتور وعارف خطر اللى أنت بتعمله ده.
د. خالد: لا ما أنا بأخد احتياطاتى.
الصديق: إيه؟! بتعمل للست تحليل ايدز قبل ما تعاشرها؟
د. خالد: هتعيش عبيط وتموت عبيط.
الصديق: أما أموت عبيط أحسن ما أموت بالإيدز.
وقفت زينب أمام زهرة وهي ممسكة بحقيبتها.
زهرة: عايزة تمشى وتسيبينى ليه يا زينب؟
زينب: لقيت شغل قريب منى، بصراحة شقتكوا بعيدة قوى عن بيتى.
زهرة: طب خليكى وهأمشيكى بدرى ساعة أو حتى ساعتين، خلصى اللى وراكى وامشى.
زينب: لا أنا باتعب من المواصلات.
زهرة: ما أنتى بقالك معايا ست شهور وأكتر.
زينب: تعبت بقى ومش قادرة.
زهرة: خلاص انتى حرة، أنا مش هأفضل أتحايل عليكى.
الغريب أن كل خادمة أحضرها خالد لزهرة كانت تترك العمل بعد فترة قليلة، أما الأغرب أن هذا لم يلفت انتباه زهرة.
اتصل دكتور خالد بعايدة.
عايدة: يعنى بقى لى يجى سنة دايخة عليك عشان أشوفك والنهاردة من نفسك كدة تقول تعالى.
التعليقات