التخطي إلى المحتوى

 

رواية الفتاه التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل الثاني وعشرون 22بقلم اسماعيل موسي (حصرية في مدونة الشروق للروايات)


رواية الفتاه التى حلمت ان تكون ذئبه الفصل الثاني وعشرون 22بقلم اسماعيل موسي (حصرية في مدونة الشروق للروايات)

#الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة

                    ٢٢

                & & &

                                    ليلى

 & & & 

كانت ليلة مظلمة، بلا قمر، والريح تعوي بين الكثبان، وكأنها تهمس بأسرار الأرض القديمة. جلست ليلى خارج الخيام، وحدها، تبكي بصمت فوق الرمال الباردة، عيناها شاخصتان نحو السماء، تبحث عن رحمةٍ لم تأتها يومًا.

كانت قد قضت سنواتٍ طويلة في الأسر والعبودية، تُنقل من يد ساحرٍ إلى آخر، كل منهم يعذبها بطريقته، وكل ليلة كانت تتساءل: هل سيأتي الفجر ليأخذها من هذا العذاب؟

وفي تلك اللحظة، حين كانت روحها منكسرة تمامًا، ظهر أمامها شابٌ غريب، لم يكن مثل السحرة الذين عرفتهم، لم تكن في نظراته القسوة، بل شيءٌ لم تفهمه… شفقة؟ لطف؟

كان جميلًا بشكلٍ غير مألوف، عينيه كنجمتين في ليلة صافية، وشعره أسود ينسدل فوق كتفيه، بشرته ناعمة شاحبة كأنها لم تعرف حرارة الشمس.

“لماذا تبكين؟” سألها بصوتٍ هادئ.

رفعت رأسها إليه، لم تعرف بماذا تجيب، لكنها شعرت بأن كلماته كُتبت من أجلها.

“تعالي معي، سأساعدكِ على الهرب.”

نظرت حولها، خائفةً من أن يكون هذا خدعة، لكنها لم تكن تملك خيارًا، ولم يقدم لها احد فرصه من قبل، أومأت بصمت، فمدّ يده وأخذها بعيدًا عن الخيام، يسير بها عبر الرمال دون أن تترك أقدامهما أثرًا.

سار بها طوال الليل، حتى وصلا إلى كهفٍ معزول في قلب الجبل، كان باردًا، لكن الأمان الذي شعرت به هناك كان أكبر من أي نارٍ قد تدفئ جسدها.

“ابقِ هنا حتى أعود.” قال وهو ينظر نحو الأفق.

“ألن تبقى؟” همست ليلى، ممسكة بطرف عباءته.

“لا أستطيع البقاء بعد شروق الشمس.”

لم تفهم معنى كلماته حينها، لكنها كانت مرهقة، ونامت قبل أن تسأله المزيد.

لكن الراحة لم تدم طويلًا.

في مكانٍ آخر، كان ساحر العظام يستمع إلى خادمه الشيطاني، ذلك الكيان الملتف بالدخان الأسود، الذي همس له بخبر هروبها.

غضب الساحر، غضبًا لم يشعر به من قبل، كيف تجرأت على الهرب؟ كيف سمحت لنفسها أن تحلم بالحرية؟

لم ينتظر، انطلق مع حراسه وخدمه، تتبعوا أثرها حتى وصلوا إلى الجبل، وحين وجدوا الكهف، كانت الشمس على وشك الغروب، وكانت ليلى نائمةً بسلام، كأنها تظن أن هذا العالم لن يطاردها مجددًا.

دخل الساحر إلى الكهف، وفي عينيه نيرانٌ لم تكن من هذا العالم، لم يصرخ، لم يهدد، بل اقترب منها، ولكزها بعصاه السحرية في معدتها، بقوةٍ جعلتها تنتفض مستيقظة، شهقت من الألم وفتحت عينيها لترى وجهه المشؤوم.

“تظنين أنكِ تستطيعين الهرب؟”

أشار لحراسه، فأمسكوا بها، رغم أنها حاولت المقاومة، رغم أنها صرخت، رغم أنها عضّت أحدهم، لكنها كانت ضعيفة، مرهقة، وسرعان ما قُيدت يداها وساقاها بالسلاسل.

“علمتكِ النار الصبر، لكن يبدو أنكِ لم تتعلمي الدرس بعد.”

بإشارةٍ واحدة، أُضرمت النيران، واقترب الحديد المحمّى من جسدها.

عندما لامس جلدها، ارتفع صراخها عاليًا، كان ألمًا أشدّ من الموت، أشدّ من كل العذابات التي مرت بها.

“ساعدني…!”

كانت صرختها نداءً، لاسمٍ لم تنطقه، لكنها كانت تعرف أنها تستنجد بذلك الشاب، ذلك الغريب الذي أعطاها أملًا لليلةٍ واحدة.

لكن لم يأتِ أحد.

لم يظهر.

كانت وحدها.

بعد أن أنهكها الألم، وبعد أن خارت قواها، ربطها الساحر بحبلٍ طويل، وجرها خلف حصانه 

“عودي إلى مكانك، كما يليق بعبدةٍ هاربة.”

ثم انطلق الحصان، يجرّها على الأرض الصخرية، جسدها يحتكّ بالحجارة والرمال، الألم يمزّقها، لكنها لم تبكِ هذه المرة، لم تصرخ، فقط نظرت إلى الأفق، تنتظر معجزة.

فجأة، اهتزّت الرمال بعنف، كأنها تستجيب لنداءٍ غامض، قبل أن تنطلق رؤوس الحراس في الهواء، مقطوعة في لحظةٍ خاطفة، والدماء تناثرت كأنها رسمٌ أحمر على الرمال الذهبية.

وقف الساحر متجمّدًا، وعيناه تبحثان عن الفاعل.

ثم… رأى 

ذلك الشاب الجميل، لم يكن بشرًا.

وقف هناك، وسط العاصفة، شعره الأسود يرفرف في الريح، عينيه تشعّان بلونٍ لم يكن من هذا العالم.

كان… جنيًا.

ولم يكن سعيدًا.

“أخطأت حين لم تقتلها، زهير.” قال بصوتٍ بارد.

ثم، دون أن يمنح الساحر فرصةً للنطق بتعويذة، انقضّ عليه، بقوةٍ لا تُرى إلا في كائنات الليل القديمة.

كان الهجوم خاطفًا، ولم يحتج لأكثر من لحظاتٍ قبل أن يسقط ساحر العظام على الأرض، ميتًا، محاطًا بدمائه، وجسده بلا روح.

أما ليلى، فقد فتحت عينيها بصعوبة، ورأته يقترب، يفك قيودها، ويحملها بين ذراعيه.

هذه المرة، لم يتركها قبل شروق الشمس.

بعد أن أنقذها من الساحر، حملها الأمير الجني بعيدًا عن الرمال الملطخة بالدماء، بعيدًا عن الألم الذي لاحقها لسنوات. كانت يداها تحيطان بعنقه، ورأسها يستريح على صدره، بينما كانت الرياح تهمس باسمه في أذنها.

“ما اسمك؟” همست ليلى، بالكاد تجد صوتها بعد العذاب.

نظر إليها بعينيه العميقتين، ثم قال:

“إسمي ريان.”

كان يحملها بين ذراعيه، يسير بها فوق الرمال دون أن يترك أثرًا، إلى أن وصلا إلى غابةٍ سحرية لا تظهر في عوالم البشر. هناك، بين الأشجار التي تهمس، والأنهار التي تُنشد الألحان، شفى جراحها، وأعطاها فرصةً لم تعرفها من قبل: الحياة.

لكن لم يكن الأمر مجرد إنقاذ. كان قد وقع في حبها، حبًا لم يكن متوقعًا، حبًا لم يكن سهلًا.

“أريدكِ زوجةً لي، ليلى.”

كانت الكلمات غريبةً على مسامعها، لم تفهمها في البداية، لكنها عرفت أن قلبها، لأول مرة، لم يعد خائفًا.

في إحدى ليالي القمر المكتمل، وقف الاثنان تحت شجرةٍ قديمة، جذورها ضاربة في عمق العوالم السحرية، وارتبطا بعهدٍ أبدي، ليس برباطٍ بشري، بل بعهدٍ جنيّ، حيث لم تعد ليلى مجرد فتاةٍ بشرية، بل أصبحت جزءًا من عالمه.

كان ريان يعلم أن ليلى لم تكن مجرد إنسانة عادية، فقد نجت من عذاباتٍ لا يتحملها أقوى الرجال، وكان بداخلها قوةٌ لم تُكشف بعد.

بدأ بتعليمها أولى دروس السحر:

“السحر ليس مجرد كلماتٍ تُقال، بل هو فهمٌ للمادة، وإرادةٌ تفرض سيطرتها على الطبيعة.”

علّمها كيف تستمع إلى الأشجار، كيف تشعر بنبض الأرض تحت قدميها، كيف تُحرك الماء بإرادتها، وكيف تستدعي النار دون أن تحرق أصابعها.

“هناك أنواعٌ كثيرة من السحر، لكن الأهم أن تعرفي ما يناسبكِ.”

عرّفها 

سحر العناصر – حيث يمكن التحكم بالماء، النار، الهواء، والأرض.

 سحر الروح – الذي يسمح برؤية الأرواح والتحدث معها.

 سحر المادة – القدرة على تغيير طبيعة الأشياء وجعلها تخدم مستخدمها.

السحر الأسود – المحرّم بين الجن، لأنه يتغذى على الظلام والدماء.

كان تعليمها بطيئًا لكنه عميق، وعندما أتقنت الأساسيات، بدأ بتدريبها على تطويع المواد لخدمتها.

أعطاها قطعةً من الفضة، وطلب منها أن تجعلها تنحني لإرادتها.

في البداية، لم تفهم كيف، لكن مع التدريب، أصبحت قادرةً على جعلها تلتف حول معصمها كإسوارة، ثم تطيلها كسيفٍ، أو تجعلها خفيفةً كريشةٍ في يدها.

ثم علّمها كيف تخلق من الرماد نارًا، ومن الرياح عاصفةً، حتى أصبحت قادرةً على حماية نفسها دون الحاجة إليه.

لكنه كان يعرف أن هذا العالم لن يتركهما بسلام.

كان هناك من يراقب، خادمٌ شيطاني كان يتبع زهير الساحر المقتول، ولم ينسَ دماء سيده التي أُريقت.

ذهب إلى من هو أقوى، إلى ملك الجان الأحمر، والد ريان.

وقف أمام العرش العريق، وجثا على ركبتيه، وقال بصوتٍ مسموم:

“أيها الملك، ابنك قد خانك… وتزوج بامرأةٍ بشرية.”

كانت الكلمات كافيةً ليهتز العرش، ويغضب الملك غضبًا لم يشهده أحدٌ من قبل.

“أين هو الآن؟”

“يختبئ في الغابة السحرية، يُعلمها سحرنا، ويعطيها قوةً لا تليق بالبشر.”

لم يكن الملك ليسمح بذلك. لم يكن الجان ليسمحوا بضعفٍ كهذا.

عندما وصل جنود الملك إلى الغابة، وجدوا ريان وليلى معًا.

“تعال معنا أيها الأمير.”

رفض.

بأمرٍ واحد، استخدم قوته، وسحب ريان بعيدًا، إلى مكانٍ لا تصل إليه الشمس، ولا يعرفه بشرٌ أو جنيّ، منفىً أبديًّا، حيث لن يستطيع رؤية ليلى مجددًا.

أما ليلى فقد حبست فى زنزانه سحريه يحرسها الشياطين حتى تمكنت من الهرب وراحت تبحث عن ريان 

كانت تعلم أن الجان لم يقتلوه، بل نفوه.

ومنذ ذلك اليوم، لم تتوقف عن البحث عنه.

سافرت عبر الصحارى والغابات، بحثت في المدن البشرية، دخلت أراضي الجان الخفية، واجهت مخلوقاتٍ لم تكن تعرف بوجودها.

سألت العرّافات، طرقت أبواب السحرة، قدمت القرابين للآلهة القديمة، لكن لا أحد كان يعرف أين اختفى.

لكنها لم تفقد الأمل.

كانت تعلم، في مكانٍ ما، كان ريان ينتظرها.

ومهما استغرق الأمر، لن تتوقف عن البحث حتى تعثر عليه.

حتى وصلتها قدميها هذه الأرض حيث كانت تقصد الساحره باتريكا ثم شاهدت ما حدث وتدخلت فى الوقت المناسب لإنقاذ رعد ورفاقه، لكنها خسرت مساعدة الساحرة الوحيده التى كان من الممكن أن تساعدها.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *