التخطي إلى المحتوى

راما

      ٢١

نظرت جين إلى آدم بحدة، قلبها ينبض بقوة بين الغضب والدهشة، لم يكن صراخه هو ما أثارها، بل الطريقة التي تحدث بها، وكأن نجاحها أمر مشبوه، وكأنها تحتاج إلى مبرر لتكون جيدة في شيء آخر غير خدمة المنزل.

أغلقت حاسوبها المحمول ببطء، وقفت، وقابلته بنظرة لم يعهدها منها، لم تكن غاضبة فقط، كانت حازمة.

“لو كنت فاكر إنك تقدر تتحكم فيَّ، فأنت غلطان.”

ضحك آدم بسخرية، ومرر يده في شعره بتوتر،

“أنا مش بتحكم، أنا بحاول أحميكِ، الدنيا مش وردي زي ما إنتِ فاكرة، والناس مش بتدي فرص كده لله، لازم يكون في مقابل.”

“مقابل؟” كررت الكلمة كأنها لم تستوعبها، ثم هزت رأسها، “إنت فعلاً شايفني بالشكل ده؟ بعد كل السنين دي؟”

تقدم خطوة، كأن كلمتها ضربته في نقطة حساسة،جين، مش قصدي… بس انتي متعرفيش الناس دي، وأنا مش مستعد أشوفك بتتأذي.”

أخذت نفسًا عميقًا، كأنها تستوعب أن هذا الحوار لم يعد عن الوظيفة أو المدير أو حتى مستقبلها،كان عن آدم، عن الرجل الذي لم يرها يومًا كشخص قادر على صنع حياته بنفسه.

“إنت مش خايف عليّ، إنت خايف من إني أخرج من الدور اللي رسمته لي.”

لم يعترض، لكنه لم يؤكد أيضًا،كانت نظراته كافية لتخبرها أنها على حق.

“آدم، لو كنت بتحبني، كنت هتدعمني بدل ما تحاول توقفني.”

لم يجد ردًا، لم تكن لديه كلمات تعيدها إلى المكان الذي كانت فيه، جين لم تعد هي المرأة التي عرفها.

استدارت واتجهت إلى غرفتها  قبل أن تغلق الباب ، التفتت إليه مرة أخيرة، بعينين لم تعد تبحثان عن إذنه أو موافقته.

“مش هعتذر عن كوني ناجحة، ولو كنت شايف إن ده تهديد ليك، فالمشكلة مش عندي.”

آدم بقي واقفًا في مكانه، يشعر لأول مرة أن جين لم تعد جزءًا من عالمه، وأنه لا يملك أي سلطة ليعيدها.

بعد أن دخلت جين غرفتها، بقي آدم واقفًا في مكانه، يحدّق في الباب المغلق وكأن بإمكانه اختراقه بنظراته

ثم استدار فجأة، متجهًا إلى الصالة حيث كانت راما تجلس على الأريكة، ساقاها متشابكتان، ويديها تمسكان بهاتفها، لكنها كانت تراقبه من طرف عينيها.

شوفتى  اللي حصل؟” سألها بصوت منخفض لكنه مشحون بالغضب.

وضعت راما هاتفها جانبًا، رفعت حاجبها باستهجان، ثم قالت: “طبعًا سمعت، واضح إن جين قررت تتقمص دور المرأة القوية، بس إحنا عارفين إنها مش كده فعلًا.”

جلس آدم بعصبية، وضع مرفقيه على ركبتيه، وأسند رأسه إلى يديه للحظات قبل أن ينظر إلى راما، “مش هسيبها تخرج عن السيطرة، لازم نفهمها إن المكان اللي راحت له مش مكانها.”

ابتسمت راما بمكر ونعمل إيه؟ نحاول نرجّعها لطبيعتها القديمة؟”

“بالضبط.” قال آدم، ثم تابع بعد لحظة من التفكير: “بس مش بالقوة، لازم نخليها بنفسها تحس إنها مش قادرة تكمل.”

راما مالت نحوه، عيناها تلمعان باهتمام. “إنت عارف إن عندي طريقة لكل حاجة، بس عاوزة أفهم، إحنا بنتكلم عن تدمير شغلها؟”

آدم لم يتردد هذه المرة. “مش تدميره، بس نخليها تحس إنه مش مكانها، شوية ضغط، شوية فوضى، شوية إحباط… وهتلاقيها بنفسها بتقرر ترجع لنا.”

أومأت راما برضا. “أنا ممكن أساعد في كده.”

“إزاي؟” سألها آدم باهتمام.

راما ابتسمت ابتسامة بطيئة، ثم نهضت وأخذت هاتفها من جديد، وبدأت تكتب شيئًا بسرعة.

نظر إليها بشك، لكنه لم يسألها عن التفاصيل، كان الهاتف فى يدها وعقلها يعمل بسرعة، كانت تعرف أن الضغط على جين وحده لا يكفي، كان يجب أن تسقط تمامًا، أن تفقد عملها بنفس الطريقة التي حصلت عليه بها: بسرعة وبدون إنذار

قم رفعت رأسها، ادم انت لسه متذكر عنوان بريد مدير جين إلى بعت منه الرساله؟

ضيق ادم عينيه تقريبا ايوه

راما بأبتسامه طيب سيب الباقى عليه 

فتحت بريدها الإلكتروني، كتبت عنوانًا بسيطًا، ثم بدأت في كتابة الرسالة إلى مدير جين:

**”السيد المحترم،

أعلم أنك مدير يهتم بموظفيه، ولهذا شعرت بأنني مضطرة مراسلتك،

أكتب لك بخصوص جين، ربما لا تعرف أن عملها معكم يهدد حياتها الشخصية، منذ أن حصلت على الوظيفة، تغير كل شيء في منزلها،علاقتها بأسرتها تتدهور، وهناك مشاكل كبيرة بينها وبين زوجها بسبب ضغط العمل، هي على وشك فقدان بيتها واستقرارها، وكل هذا بسبب المسؤوليات المتزايدة عليها.

أعتقد أنك الشخص المناسب لمساعدتها، ربما لو وجدت طريقة لتخفيف الضغط عنها أو حتى إعفائها من العمل، ستكون قد أنقذتها من مستقبل كارثي، جين ليست مستعدة لهذه البيئة، ومن الأفضل لها أن تعود إلى حياتها الطبيعية قبل أن تخسر كل شيء.

أنا واثقة أنك ستعرف كيف تتصرف بطريقة مهنية، بحيث لا تشعر أن الأمر مدبر ضدها، بل كأنه قرار إداري طبيعي. أعتقد أن هذا سيكون في مصلحتها على المدى الطويل.”**

أنهت راما الرسالة، قرأتها مرة أخيرة بابتسامة صغيرة، ثم ضغطت على زر الإرسال.

الآن، لم يتبقَّ سوى انتظار النتيجة.

في صباح اليوم التالي

في المكتب، كانت جين تعمل بجد كعادتها، تحاول تجاوز التوتر الذي بدأ يتراكم حولها بسبب الإشاعات والضغوط، لكنها لم تكن تعلم أن القشة الأخيرة كانت قد زُرعت بالفعل.

بعد الظهيرة، استدعاها المدير إلى مكتبه، جلست أمامه، تنتظر، لكنه لم يبتسم هذه المرة كما كان يفعل في السابق. بدلاً من ذلك، بدا مترددًا، كأنه يبحث عن الكلمات الصحيحة ليقولها.

“جين، أردت التحدث معكِ بخصوص عملكِ هنا.”

رفعت حاجبها، متوترة قليلاً. “هل هناك مشكلة؟”

تنهد المدير، ثم مال إلى الأمام،بصراحة، أشعر أن الضغط عليكِ كبير، وربما هذا ليس المكان المناسب لكِ.

 أداؤكِ لم يكن سيئًا، لكن هناك بعض الأخطاء في الملفات، وبعض الشكاوى من الزملاء بأنكِ لا تتكيفين معهم بالشكل الكافي.”

شعرت جين أن الغرفة تدور بها للحظة. “لكن… لقد كنت أبذل جهدي، والملفات—” أرادت ان تتحدث عن رسالته امس ومدحه عملها وشطارتها لكن مديرها  

قاطَعها بلطف، وكأنه يُحاول أن يبدو متفهماً:

“أعلم ذلك، ولهذا أعتقد أن الأفضل لكِ هو البحث عن بيئة عمل أقل توتراً، لا أريد أن أضعكِ في موقف صعب، لذا سأمنحكِ فرصة لتقديم استقالتكِ بنفسكِ حتى لا يؤثر ذلك على مستقبلكِ المهني.”

تجمدت الكلمات على لسانها، كان هذا يحدث بسرعة، بسرعة غير منطقية.

خرجت من مكتبه وهي تشعر وكأنها طُردت من عالم كامل، وليس فقط من وظيفة. 

وحين عادت إلى الشقه  وجدت راما في انتظارها بابتسامة باردة، وكوب شاي في يدها، أما آدم، فقد نظر إليها بهدوء قبل أن يسأل:

يعنى رجعتى من الشغل قبل ميعادك هو فيه حاجه حصلت؟

 •تابع الفصل التالي “رواية راما” اضغط على اسم الرواية 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *