راما
٢٢
” ‘أنا سبت الشغل
همست جين ثم وضعت حقيبتها جانبآ ، وتوجهت إلى المطبخ لتحضير القهوة
كان هناك شيء داخلها يتحرك ببطء، شعور غريب كاد يكون غير مألوف، لكنه كان هناك، يتسلل في الظلال مثل دخان كثيف يملأ الرئتين دون أن تلاحظه في البداية
كان الفراغ.
لم تبكِ، لم تصرخ، لم تثر، فقط صنعت القهوة، وشربتها، ثم وقفت تنظر إلى فنجانها الفارغ.
أحست بأن عظامها ثقيلة، وكأن الهواء حولها صار أكثر كثافة
نظرت حولها، إلى الشقه التى اعتادت أن تراه كشيء مؤقت، مجرد محطة بين الأماكن التي تذهب إليها، المكتب، الاجتماعات، القهوة السريعة في الصباح قبل أن تبدأ يومها.
لكن الآن…
الشقه لم تكن محطة!! الشقة هى كل ما تبقى.
تحركت ببطء إلى غرفة المعيشة، جلست على الأريكة، لم تنظر إلى آدم أو راما، ولم تعلق على كلماتهم، حتى عندما سألتها راما بلطف زائف عن السبب، لم ترد
لقد أدركت شيئًا، شيء جعل قلبها ينبض ببطء مخيف
لم يكن لديها مكان آخر تذهب إليه.
الوظيفة؟ انتهت
المستقبل؟ كان فارغآ
جلست هناك، غير قادرة على الحركة تقريبًا، بينما بدأ عقلها في تدوير الأفكار ببطء قاتل.
كيف حدث هذا؟
متى حدث هذا؟
قبل أسابيع فقط، كانت جين مختلفة،كانت تحلم، تخطط، تضحك، والآن؟
كان كل شيء كأنه سُحب منها دون أن تشعر
تحركت نظراتها بلا هدف، ووجدت نفسها تنظر إلى يديها.
أصابعها كانت نظيفة، بشرتها ناعمة، لم تكن يدا عاملة منزلية، لم تكن هذه يدا امرأة من المفترض أن تقضي يومها في ترتيب المنزل، في تنظيف الصحون، في طي الملابس
لم يكن ذلك ما يؤرقها تحديدآ لكن ان تكون هذه وظيفتها؟
جعلها الأمر تشعر بالغثيان بعد أن توقفت عن كونها خادمه لراما وادم.
لكن غدًا؟ وبعده؟
ماذا ستفعل؟
ستستيقظ صباحًا،ستجد الصحون غير مغسولة،ستجد الغبار على الطاولات، ستجد الملابس بحاجة إلى ترتيب.
وستفعلها.
دون أن تشعر، ودون أن تحتاج إلى التفكير.
تمامًا كما فعلت اليوم عندما دخلت المطبخ وصنعت القهوة
حتى مع وجود الخادمه
المشكلة لم تكن في العمل المنزلي لم تكن حتى في فقدان الوظيفة.
المشكلة كانت في أنها ستتعود.
ستتعود على هذا الإيقاع البطيء، على هذا المكان الضيق، على هذا الشعور بعدم الجدوى.
(أدركت أنها لا تشعر بالغضب الكافي، ولا بالحزن الكافي، وكأن هناك شيئًا داخلها كسر وتوقف عن المقاومة.!!
راما، التي جلست تراقبها بعينين ذكيتين، ابتسمت لنفسها عندما رأت الفراغ في نظرة جين لقد بدأت تنهار.
______
استيقظت جين في الصباح، نهضت من السرير، وغسلت وجهها، ثم جلست على حافة السرير لعدة دقائق، تنظر إلى الجدار المقابل دون أن تفكر في شيء محدد.
كانت تفعل ذلك كل صباح.
كأنها تعيد برمجة عقلها ليتذكر أن هذا هو العالم الجديد الذي تعيش فيه.
ثم، وكما توقعت، وجدت الصحون في الحوض، غسلتها، وجدت الغبار على الطاولة، فمسحته،وجدت الملابس غير مرتبة، فطوتها.
ولم يسألها أحد لماذا تفعل ذلك.
راما، التي كانت تراقبها دائمًا، لم تعلق سوى بابتسامات صغيرة وكلمات عرضية عن كيف أن المنزل صار أكثر ترتيبًا منذ أن “حصلت جين على بعض الوقت لنفسها”.
أما آدم، فكان أكثر هدوءًا معها، لم يعد يتحدث عن العمل، ولا عن الوظيفة التي فقدتها، وكأن الأمر لم يكن يستحق الذكر منذ البداية.
وجين؟
في البداية، كانت تفكر في البحث عن وظيفة أخرى، لكن كلما خطرت الفكرة في بالها، كان هناك ثقل غريب يجعلها تؤجلها،
“غدًا.”
“الأسبوع القادم.”
“ليس الآن، لستُ مستعدة.”
وفي كل مرة، كانت تشعر أنها تخذل نفسها، لكنها لم تكن تملك الطاقة للقتال مجددا
شيئًا فشيئًا، بدأت تتجنب النظر في المرآة كثيرًا، لأن كل ما رأته هناك كان امرأة تشعر أنها تذوب.
لم تعد تتحدث كثيرا، كانت ترد بإجابات قصيرة، مبتسمة بشكل تلقائي عندما يستدعي الأمر، لكن بدون أي شعور حقيقي.
في المساء، عندما تجلس وحدها في غرفتها، كانت تسمع ضحكات راما في الصالة، صوت آدم وهو يتحدث عن أشياء لم تعد تفهمها، وكأنهما يعيشان في عالم موازٍ، عالم لم تعد جزءًا منه.
وفي الليل، عندما تطفئ الأضواء وتستلقي في سريرها، كانت الأفكار تأتيها ببطء.
هل هذا هو قدَري؟
هل سأبقى هنا إلى الأبد؟
ماذا لو لم أقاوم؟ ماذا لو توقفتُ تمامًا؟
وهكذا، مع مرور الأيام، صارت جين شيئًا يشبه الظل
لم يكن من الممكن أن تستمر في هذا الجمود، في هذا الفراغ الذي يبتلعها ببطء، كانت تشعر بأنها تنكمش، وكأنها تتلاشى داخل هذه الشقة، داخل هذا الدور الذي رُسم لها دون أن تدرك.
لذلك، في إحدى الصباحات، استيقظت قبل الجميع جلست على حافة السرير للحظات بعيون تائهه تتذكر اخر لقاء بها مع مدير الشركه، لم تخطاء فى اى شيء تعرف ذلك
لكنها نالت العقاب كما نالته فى حياتها الشخصية
ثم نهضت، ارتدت ملابسها، ورتبت شعرها، وكأنها تستعد ليوم عادي، كما كانت تفعل دائمآ، لكن الفرق هذه المرة أنها كانت ستخرج، ستبحث عن شيء يعيد لها ملامح الحياة التي فقدتها.
لم تخبر أحدًا، لم تبرر، فقط أخذت حقيبتها وخرجت.
لكن عندما عادت في المساء، كان آدم في انتظارها.
وقف في منتصف غرفة المعيشة، عاقدًا ذراعيه، عينيه مسمرة عليها وهي تدخل.
كنتى فين ؟
لم يكن صوته غاضبًا، لم يكن مستفهمًا حتى، كان هادئًا جدًا، لكنه حمل في طياته شيئًا يجعل التوتر يتسلل إلى العظام.
وضعت جين حقيبتها جانبًا، خلعت معطفها ببطء، ثم نظرت إليه.
“كنت برا.”
“عارف.” أشار بيده إلى الطاولة حيث وُضعت بعض الأوراق “رحتِ تدوري على شغل؟”
لم ترد
لم يكن هناك حاجة للرد، فقد كان يعرف الإجابة بالفعل.
تنهد آدم، مرر يده في شعره، وكأنه يحاول استيعاب الأمر
“إنتِ مش محتاجة تشتغلي، جين.” انتى جربتى وفشلتى
انت مش مستعده تواجهى العالم المتوحش برة الشقه
” رفعت جين حاجبها “مش محتاجة؟”
اردف ادم “كل حاجة هنا جاهزة، عندك بيت، أمان، مفيش داعي تضيعي وقتك في حاجة مش مناسبة ليكِ.”
كلماته كانت ناعمة، لكنها حملت شيئًا آخر، شيئًا جعل جين تشعر وكأنها عادت خطوة للوراء، وكأنها تُدفع إلى نفس الفراغ الذي حاولت الهرب منه.
تقدمت نحوه قليلاً، عيناها تراقبانه.
“أنا مش بدور على شغل علشان محتاجه” قالت بصوت مستنزف “أنا بدور على شغل علشان أنا مش هقدر أكمل كده ” كافحت جين لتمنع دموعها من الهطول
للحظه أدرك ادم حجم الأحباط فى نبرتها، كان صوتها يدعوة لشيء اخر، شيء يشبه الإنقاذ
نظر إليها للحظات طويلة، ثم أومأ ببطء، كأنه فهم شيئًا لم يكن واضحًا له من قبل، ثم غادر المكان
اسقطت جين جسدها على الأريكه فى الأيام الماضيه أصبحت علاقتها بأدم شبه رسميه بعد أن ابعدته عنها
لكن رغبة تلك اللحظه فى حضن طويل يعتصرها ويعيد لها توازنها
شخص يخبرها ان كل شيئ سيكون بخير
لكن عندما نظرت من حولها ورأت ادم يربت على معدة راما أدركت انها وحيده، وحيده جدا حتى وسط ذلك الصخب
•تابع الفصل التالي “رواية راما” اضغط على اسم الرواية
التعليقات