التخطي إلى المحتوى

 رواية الفتاة التي حلمت ان تكون ذئبة الفصل الرابع والعشرون 24 – بقلم اسماعيل موسى 

الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة

           ٢٤

كانت الغابة تمتد بلا نهاية أمامهم، كأنها بحرٌ من الأشجار الملتفة والجذوع المتشابكة.

في النهار، كانت الأوراق تحجب أشعة الشمس، تُلقي ظلالًا متراقصة على الأرض الرطبة، لكن في الليل… كان الأمر مختلفًا.

كان الليل هنا يلتهم كل شيء، يبتلع الألوان، يجعل الأصوات أعمق، ويجعل المسافات بين الأنفاس أقصر.

رعد كان يسير في المقدمة، خطواته واثقة كما لو أنه يعرف كل شبر من هذا المكان، عيناه تلمعان في الظلام كعيني حيوان مفترس يراقب العالم من بعيد.

خلفه بخطوة واحدة فقط، كانت ليلى، تتحرك بخفة، لكنها لم تكن صامتة كعادتها، إذ كانت تسرق النظر إليه بين الحين والآخر، متأملةً الطريقة التي يتنفس بها وكأنه جزء من الغابة، وكأن الطبيعة كلها تستجيب له.

في البداية، لم يكونا يتحدثان كثيرًا، رعد لم يكن من النوع الذي يملأ الصمت بكلمات لا معنى لها، وليلى لم تكن ممن يكسرون الحواجز بسهولة.

 لكن شيئًا غير مرئي كان ينمو بينهما، شيئًا بطيئًا، لكنه ثابت، كجذور تمتد تحت الأرض دون أن يلاحظها أحد حتى تصير شجرة عملاقة.

 توقفوا بجانب نهر ضيق، مياهه تعكس ضوء القمر الذي بدا أكبر مما ينبغي في السماء.

كان الجميع قد ناموا، جود وماجي غارقتان في راحتهما، لكن ليلى لم تستطع النوم، كانت عيناها معلقتين بالسماء حين سمعت صوته خلفها:

“لا تستطيعين النوم؟”

استدارت لتجد رعد يقف عند حافة الماء، عاري الصدر، كأنه جزءٌ من العتمة ذاتها.

هزت رأسها، ثم قالت بصوت منخفض: “القمر هنا مختلف.”

ألقى نظرة إلى السماء، ثم عاد إليها بعينين غامضتين: “القمر دائمًا هو نفسه، نحن الذين نختلف.”

لم ترد، لكنها فكرت في كلماته، كان هناك شيء فيها يتغير، شيء لم تفهمه تمامًا. نظرت إليه مجددًا، إلى الجراح القديمة التي تعبر صدره، إلى السكون القوي الذي يحيط به كدرع لا يُخترق. كان رجلًا صُنع ليكون وحيدًا، لكنها شعرت بأنه لم يعد كذلك.

“ما الذي تفكرين فيه؟” سألها، وصوته كان أقل حدة من المعتاد.

لم تعرف ماذا تجيب، لكنها همست: “أحاول فهمك.”

ضحك بصوت خافت، وكأن الفكرة راقت له، ثم قال: “هذا لن يكون سهلًا.”

“أنا لا أحب الأشياء السهلة.” ردّت، ونظرت إليه نظرة لم يتوقعها.

مع مرور الأيام، تغير شيء آخر بينهما—لم يعد رعد مجرد الحامي، وليلى لم تعد مجرد الفتاة التي تبحث عن رجل ضائع أصبحت تُعلّمه.

لم يكن الأمر سهلًا، ليس لأنه لم يكن يملك الموهبة، بل لأنه كان عنيدًا.

“عليك أن تشعر بالطاقة، لا أن تحاول السيطرة عليها بالقوة.” قالت له في إحدى الأمسيات، حين كانا يتدربان بعيدًا عن الآخرين.

ضاقت عيناه، ثم تمتم: “أنا لا أؤمن بشيء لا يمكنني لمسه.”

“هذا هو السبب في أنك لا تستطيع التحكم به.”

رسم ابتسامة جانبية، ثم استدار نحو الهدف الذي أمامه—حجر قديم أرادت منه أن يرفعه دون أن يلمسه،أخذ نفسًا، شدّ جسده، حاول فرض قوته على الطاقة حوله… وفشل.

“مرة أخرى.”

كررها مرارًا، لكنه لم ينجح. وأخيرًا، عندما فقدت ليلى صبرها، تقدمت منه، أمسكت بذراعه، نظرت في عينيه مباشرة.

“توقف عن القتال.” همست.

شعر بالبرودة تزحف إلى جلده من لمستها، لم تكن برودة حقيقية، بل نوعًا من التغيير، كأنها كانت تحرك شيئًا داخله لم يعرف بوجوده من قبل.

عندما أغمض عينيه، وحاول هذه المرة أن “يشعر” بدلًا من أن “يسيطر”، تحرك الحجر، ارتفع قليلًا، ليس كثيرًا، لكنه ارتفع.

فتح عينيه، نظر إلى ليلى، ورأى تلك الابتسامة الصغيرة التي لم يرها من قبل.

ا

في ليلة أخرى، عندما كانا وحدهما مجددًا، نظر إليها وقال فجأة:

“إذا استطعتِ هزيمتي، سأجعلكِ ذئبة.”

توقفت ليلى عن التنفس للحظة. لم يكن الأمر مزحة، كان وعدًا.

“حقًا؟”

“حقًا.”

كان في صوته شيء جعلها تصدقه، لكن كان هناك شيء آخر أيضًا، شيء جعلها تشعر أن هذا لم يكن مجرد تحدٍ، بل كان اختبارًا… له ولها.

ابتسمت ببطء، نظرت إليه بعينيها اللامعتين، وقالت بثقة:

“إذا كان هذا هو الشرط، فسأفوز.”

ضحك بصوت خافت، لكن في داخله، لم يكن متأكدًا من أنه يريدها أن تخسر.

عندما حلّ الصباح، لم تكن ليلى قد نسيت الوعد، منذ أن قاله رعد، أصبح كالنار التي تشتعل في داخلها، تدفعها للأمام، لم يكن الأمر مجرد تحدٍّ، بل كان إثباتًا—لنفسها، له، وللذئاب الذين لم يروا فيها سوى إنسانة عادية لا تنتمي إلى عالمهم.

لكن كيف يمكنها هزيمته؟ رعد لم يكن مجرد ذئب، بل كان أقواهم، الأكثر دهاءً، والأشد عنادًا،لم يكن انتصاره عليها خيارًا، بل كان طبيعيًا… إلا إن استطاعت قلب القواعد.

في المساء، عندما توقفت القافلة للاستراحة، تقدمت ليلى نحوه. لم تقل شيئًا، فقط وقفت أمامه، عيناها مثبتتان عليه. رفع حاجبًا وهو يتكئ على جذع شجرة، كأنه كان ينتظرها.

“أهذا هو الوقت؟” سأل بصوت هادئ.

أومأت برأسها.

ابتسم رعد ابتسامة جانبية، ثم دفع نفسه بعيدًا عن الشجرة، مشى ببطء إلى الساحة التي اتخذوها مكانًا للتدريب، وهناك، وقف، مشيرًا لها أن تتبعه.

عندما وقفت أمامه، قال: “القواعد بسيطة. لا أسلحة، لا مساعدة من الآخرين، فقط أنا وأنتِ. إن استطعتِ إسقاطي أرضًا، فزتِ.”

بدا الأمر مستحيلًا.

لكن ليلى لم تكن تفكر بهذه الطريقة.

بدأ القتال.

رعد لم يتحرك في البداية، كان يراقبها، يمنحها فرصة للهجوم أولًا. لكنه كان يعلم أنها لن تفعل، ليس بسرعة على الأقل. كانت ذكية. لن تهدر طاقتها في ضربات لا فائدة منها.

وعندما تحركت أخيرًا، كانت أسرع مما توقع.

اندفعت إلى جانبه، ثم تراجعت بسرعة، كأنها كانت تختبر رد فعله. رعد لم يقع في الفخ، بقي ثابتًا.

حاولت مرة أخرى، لكن هذه المرة، كانت أقرب. اقتربت بما يكفي لتمد يدها إلى ذراعه، وبحركة مفاجئة، حاولت سحب توازنه.

لكنها فشلت.

أمسك بها بسهولة، وبحركة واحدة، كان يمكنه أن يرميها أرضًا… لكنه لم يفعل، بل قربها منه أكثر اعتصرها 

للحظة، تلاقت عيناهما،كانت تلهث، لكنه كان هادئًا، كأن الأمر لا يتطلب منه أي مجهود.

“ستحتاجين إلى أكثر من ذلك، ليلى.”

لكنها لم تكن قد انتهت بعد.

بدلًا من محاولة جره بقوتها، فعلت شيئًا لم يتوقعه—استخدمت وزنه ضده.

عندما حاول تثبيت قدميه، انزلقت بطريقة غير متوقعة، جاعلة ثقله كله يميل إلى الجانب.

وفي اللحظة التي فقد فيها توازنه للحظة خاطفة، دفعته.

لم يكن سقوطًا كاملاً 

رعد تراجع للخلف، وقبل ان يلمس ظهره الأرض نهض بسرعة.

ظل يحدق بها للحظة طويلة، ثم… ضحك.

كانت ضحكة لم يسمعها أحد من قبل—لم تكن سخرية، لم تكن استهزاءً. كانت ضحكة حقيقية، وكأن شيئًا فيه تفاجأ، وأُعجب.

ربما مره اخرى او اختبار اخر؟ 

وقفت ليلى هناك، تلتقط أنفاسها، وعيناها لم تفارقا وجهه. لم تكن تعرف كيف تشعر

لكنها عرفت شيئًا واحدًا.

رعد لا يكسر وعوده.

وكان هذا يعني أنها، أخيرًا، ستصبح ذئبة.

ماذا تريد همست ليلى بتحدى؟

فى هذا الظلام؟ أجاب رعد بنبره ماكره

لن تشرق الشمس قبل أن أصبح ذئبه يا رعد، ضعك رهانك الجديد

رفع رعد يده ثم أشعر إلى الجبل المكسو بالخضره قبل أن يهمس التاكي (Takin)

لن أعود دون التاكى صرخت ليلى وهى تعلق جعبة السهام فى عنقها واضافت بثقه سلام مؤقت أيها المغرور

لم تكن ليلى تعرف ما ينتظرها خلف أشجار الغابه وبين صخور الجبل

 •تابع الفصل التالي “رواية الفتاة التي حلمت ان تكون ذئبة” اضغط على اسم الرواية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *