التخطي إلى المحتوى

الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة

                ٢٥

كانت الغابة تمتد أمامها كأنها متاهة خضراء، تتشابك أغصانها كأنها تحاول أن تمنعها من العبور.

. التاكي… ذلك الحيوان الغامض الذي طلبه رعد، لم يكن مجرد صيد عادي، بل اختبار، ربما أكبر مما توقعت.

كانت تعرف القليل عن التاكي—مخلوق نادر، سريع، يعيش في أعالي الجبال حيث الهواء بارد والضوء شحيح. لم يكن الوصول إليه سهلًا، لكن ليلى لم تكن تفكر في الصعوبة، بل في النصر.

عندما وصلت إلى سفح الجبل، وجدت آثار أقدام غائرة في الطين، لم تكن لحيوان واحد، بل لأكثر من واحد.

نظرت حولها، متتبعة العلامات، حتى قادتها إلى ممر ضيق بين الصخور، بالكاد يتسع لجسدها.

تقدمت بحذر، يداها تلامسان الجدران الباردة، لكن الرياح التي خرجت من الممر حملت معها رائحة غريبة—دخان، وأعشاب محترقة، ورائحة أخرى لم تستطع تحديدها، لكنها كانت قوية، قديمة، كأنها تنتمي لعالم آخر.

وعندما خرجت من الممر، وجدت نفسها أمام مدخل مغارة واسعة، بابها يتدلى منه ستار ممزق، وأمامها نار مشتعلة تتراقص ألسنتها بلون أزرق غريب.

في عمق المغارة، جلست امرأة عجوز، جسدها هزيل، وظهرها محني، لكن عينيها كانتا تلمعان ببريق لا يشي بالضعف.

كانت ترتدي عباءة سوداء، ويداها مغطاتان بالوشوم القديمة. نظرت إلى ليلى كما لو أنها كانت تتوقع مجيئها.

“لم أركِ من قبل في هذا الجبل.” قالت بصوت أجش، بينما كانت تقلب شيئًا في قدر حجري ضخم.

“أنا أبحث عن التاكي.” قالت ليلى بثقة، رغم أنها شعرت أن هذه المرأة لم تكن شخصًا يمكن خداعه بسهولة.

ضحكت العجوز ضحكة غامضة، ثم أشارت إلى النار. “كل شيء له ثمن، يا فتاة. والتاكي ليس مجرد حيوان، إنه روح الجبل. لن يمسك به إلا من يعرف كيف يطلبه.”

تقدمت ليلى خطوة، عيناها لم تفارقا وجه العجوز. “وكيف أطلبه؟”

رفعت العجوز يدها، كشفت عن عقد من العظام الصغيرة، ووضعت واحدة منها في راحة يد ليلى. “هذا سيقودك إليه، لكن إن كنتِ تبحثين عن شيء آخر… فربما عليّ أن أخبرك أن هناك سرًا أكبر ينتظرك.”

“أي سر؟”

نظرت العجوز إليها طويلًا قبل أن تقول: “ريان.”

تجمدت ليلى، لم يكن اسمًا كانت تتوقع سماعه هنا، لكن الطريقة التي نطقت بها العجوز جعلتها تشعر أن كل شيء لم يكن مصادفة.

“أنت تعرفين أين هو؟”

هزت العجوز رأسها ببطء. “لا أحد يعرف مكانه… إلا ساحر يعيش في أرض الجان، اسمه الغُضريف.”

كان الاسم غريبًا، لكنه حمل شيئًا ثقيلًا في نبرته، كأنه لا يُنطق إلا لمن يملك الجرأة لمواجهته.

“وأين أجد هذا الساحر؟”

ابتسمت العجوز، لكنها لم تجب فورًا، بل مدت يدها إلى وعاء حجري، وغرست أصابعها فيه، ثم رسمت دائرة صغيرة على جبين ليلى. شعرت الأخيرة بحرارة خفيفة، ثم همست العجوز:

“عندما تجدين التاكي… سيقودك إلى طريق لا يعود منه أحد بسهولة.”

خرجت الكلمات كتحذير

“سأجد طريقي.” قالت بثقة.

وهل انت مستعده لدفع الثمن؟

خاطبتها الساحره عندما أدارت ليلى ظهرها

اذا اوصلنى الساحر إلى ريان سأسدد دينى لك، ثم اختفت بين دروب الجبل

نزلت ليلى من الجبل مع شروق الشمس، وجسدها يئن من الإرهاق، لكنها لم تكن خائفة أو مترددة.

كانت تحمل ما جاء من أجله—التاكي.

لم يكن مجرد حيوان، بل كان دليلها. عينيه الواسعتين السوداوين تلمعان بشيء غامض، وصوفه الداكن بدا كأنه جزء من الليل نفسه.

عندما وصلت إلى المخيم، كانت جود وماجي جالستين بجوار النار، لكن أعينهما اتسعتا عند رؤيتها. أما رعد، فكان واقفًا بالقرب من الأشجار، ينتظرها.

“أحضرتُه.” قالت وهي تثبت عينيها عليه.

نظر رعد إلى التاكي، ثم إلى وجهها المتعب، لكن فيه شيئًا آخر—إصرار لم يره من قبل.

“أخبريني، ماذا وجدتِ هناك؟”

رفعت ليلى رأسها وقالت بثبات: “وجدت ساحرة. وأخبرتني شيئًا عن ريان.”

سكن الهواء للحظة، ثم قال رعد بحدة: “وماذا قالت؟”

“قالت إنه لا أحد يمكنه العثور عليه، إلا ساحر يعيش في أرض الجان، يُدعى الغضريف.”

“الغضريف…” تمتم رعد، ثم عاد لينظر إليها. “وكيف نصل إليه؟”

أخرجت ليلى العظمة الصغيرة التي أعطتها الساحرة، ورفعتها أمامه. “قالت إن هذه ستقودنا.”

عندما حلّ المساء، وقف رعد وليلى في وسط الغابة، بعيدًا عن الآخرين. كانت النار تشتعل بينهما، تعكس ظلالًا طويلة على الأرض.

“هل أنتِ متأكدة؟” سألها، صوته لم يكن ساخرًا هذه المرة، بل كان تحذيرًا حقيقيًا.

“أنا لم أعد متأكدة من أي شيء.” قالت بصدق، ثم أضافت: “لكنني أريد هذا.”

أومأ ببطء، ثم تحرك نحوها، عينيه تلمعان كما تفعل عندما يكون على وشك التحوّل.

“سيكون الأمر مؤلمًا.”

“أنا مستعدة.”

لم يرد، فقط اقترب أكثر، حتى أصبح وجهه قريبًا منها. مد يده، ومرر أصابعه على جانب عنقها بلطف غريب، ثم أمال رأسه، وقبل أن تفهم، غرز أنيابه في جلدها.

لم يكن الألم مثل أي شيء شعرت به من قبل. لم يكن مجرد ألم جسدي، بل كان كأنه يحطم شيئًا داخلها، يعيد تشكيلها. شعرت بالنار تشتعل في عروقها، بالدم يغلي، بالعالم ينهار ويُعاد بناؤه في اللحظة نفسها.

سقطت على ركبتيها، تلهث، بينما كان جسدها يرتجف.

ثم… تغير كل شيء.

رأت العالم بطريقة مختلفة. الألوان أصبحت أعمق، الأصوات أكثر وضوحًا. سمعت دقات قلب رعد، رائحة الأرض، وحتى الرياح وهي تتحرك بين الأشجار.

عندما رفعت عينيها، لم تكن بشرية بعد الآن. كانت ذئبة.

ورعد، بابتسامته الخافتة، نظر إليها وقال:

“أنتِ واحدة منا الآن.”

لم يكن الوصول إلى أرض الجان أمرًا عاديًا. لم يكن هناك طريق مباشر، بل كان عليهم أن يسلكوا طريقًا لا يسلكه البشر—طريقًا كان معروفًا فقط لمن يملكون الشجاعة لدخوله.

قادهم التاكي إلى وادٍ مخفي، حيث كانت الأشجار تتشابك فوقهم، تخفي السماء تمامًا. الهواء هناك كان مختلفًا، كثيفًا، محملًا برائحة الأرض الرطبة والسحر القديم.

عند نهاية الوادي، وجدوا كهفًا واسعًا، مظلمًا كأنه لا ينتمي إلى هذا العالم.

“هذا هو المدخل.” قالت ليلى بصوت خافت، وهي تشعر أن شيئًا ما ينتظرهم هناك.

لم يتردد أحد. عبروا إلى الداخل، ومع كل خطوة، كان الظلام يبتلعهم أكثر، حتى اختفوا تمامًا… ودخلوا أرض الجان.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *