التخطي إلى المحتوى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الأول

بعد مرور ثلاثة أشهر
توالت الأصباح التي تُشبه بعضها ولم يميزها إلا لون الأمل الذي يصبغ أجنحة الفراشة. تلك التي يمكن رؤية الحياة تركض بين تفاصيل وجهها وخفتها. بكل مساء تطوي فيه ساعات الخزى ودقائق انتظارها بكبو اليائس الغير مُجدية. كشجرة في غابة يأتي كل مرة حطاب مختلف ليكسر منها غصنًا ليدفأ بأحتراقها ولا يبالي بتلك الشجرة التي تفقد روحها بالبطيء. هذا هو طبع البشر.

بجسد نحيل لما افترسه الفكر من ثنايا قلبها وقفت أمام رُخام المطبخ وهي تضب خصلات شعرها الأشبه بجناحي عصفور يريد أن يتحرر، أن ينطلق لعالم الخيال الساكن برأسها لجزيرة الحُب التي تود أن تستوطن بها، أطلقت حياة زفيرًا قويًا وهي تتفقد المكان حولها بيأس ثم توجهت إلى الثلاجة لتبدأ في إعداد مربع الغذاء لصغاره اللانكش بوكس بفتور اعتادت عليه كل صباح.

بدأت في تجهيز الخبز المحشو وتقطيع الخضراوات، ومن الجهة الأخرى أشعلت الموقد لتحضير طبق البيض بالمشروم والخضار الذي إعتاد أن يتناوله عاصي يوميًا في وجبة إفِطاره. ما تركت الوعاء فوق الشُعلة ثم صبت بداخله قطع البصل والمادة الدهنية فعادت سريعًا إلى حشو الخبز للصغار. تركت ما بيدها بعجلٍ وركضت ناحية الموقد مرة آخرى لتُكمل طهي البيض. وسرعان ما شرعت في تحضير الوجبات الأخرى الخاصة بأخوتها.

حلقة مفرغة من المهام الصباحية أصحبت طقسًا يوميًا في حياتها، تعلق في عنقها مسئولية رجل بابنتيه. أخيين وابنة عم. سيطرت الواجبات على حياتها حتى تناست نفسها تمامًا.
ضبت صناديق الطعام البلاستيكية وتركتهم جنبًا. ثم عادت للثلاجة وأخرجت منها أنواع الجُبن المتنوعة والكثير من الخضار والفواكه. رصت الأطباق على سطح المطبخ وشرعت بملئها.

امتدت أنظارها إلى غُرفة المكتب التي لم تطفئ أنوارها طوال الليل. خيم الحزن على أعينها الغارقة في بحور الدمع وعادت لمواصلة عملها.

تناولت صنية ورصت الأطباق فوقها ولم تنس فنجان القهوة الذي يفضله بالمذاق الخاص به، وحملتها وتقدمت بخطوات متحمسة نحو غرفة المكتب المُقيم بداخلها لثلاثة أيام متصلة. فتحت بابها بهدوء وتقدمت إلى منتصفها لتضع المائدة فوق الطاولة ثم غيرت اتجاهها لتتقدم إلى مكتبه الجالس عليه وأعينه الثابتة التي لم تَرف بعيدًا عن شاشة الحاسوب.

وقفت خلف مقعده الجلدي وتدلت أصابعها الناعمة فوق كتفه وقامت بتدليكهما برفق مع نبرة صوتها الخافتة: -مش كفاية شُغل وترتاح شوية!
رد غير مُكترثًا لقُربها الذي كان يوهجه بنار الحُب من قبل وقال بصوت جاد: -ال project ده مهم أوي بالنسبة لي. وخلاص مفيش وقت ولازم أعمل كل حاجة بنفسي.
ابتلعت غصة لياليها التي باتت ترافقها وقالت بنبرة يحتلها أملًا جديدًا: -طيب ممكن نفطر سوا النهاردة، مش الساعة دي ال هتخرب الدنيا؟

رد بدون اهتمام: -حاضر حاضر، هخلص الميل ده وهكون معاكي.

جف قاع صبرها من معاملته المبهمة التي لم تفارقه لمدة شهرين خاصة بعد انتقالهم لمنزلٍ جديد، واكتراثه بالعمل لدرجة لم تعهدها من قبل، بُعده عنها لأيام كثيرة. نومه بغرفة المكتب وتحولت غرفتهما لمقر سياحي لم يزوره إلا ليبدل ملابسه. انفجرت تلك التراكمات بوجهه وهي تقفل شاشة الحاسوب بضيق وبنبرة منزعجة: -لا يا عاصي، مش كل مرة تعمل كده لحد الأكل ما يبرد ومحدش بيأكله.

تمددت ملامح وجهه بذهول مشحون بالغضب من تصرفها: -أيه الجنان ده؟ أيه حصل لكُل ده؟
تقطر الحزن من مُقلتيها: -والله! يعني كمان مش واخد بالك من تصرفاتك الغريبة، ومعاملتك معايا، أنا بقيت أشبه ببترينة عرض رايح جاي قُدامها ولا كأنها للفُرجة بس.
ثم أخذت نفسًا طويلًا واطلقته بقوة: -عاصي أنا مابقتش متحملة الوضع ده. ااه أول مرة أقولها بس حقيقي أنا تعبت.

وثب قائمًا ليبرر تصرفاته بعنفوان ليدافع عن نفسه و ردًا على هجومها الغير مبرر:
-أنتِ عارفة إني الفترة دي عامل زي التور اللي بيلف في ساقية. وفهمتك إني داخل على شغل تقيل وهياخد كل وقتي، فين بقا الغريب في كُل ده؟
وقفت أمامه بثورة متظاهر يطالب بحقوقه: -وأنا فين؟ أنا شايلة مسئولية البنات كاملة لوحدي. ومسئولية أخواتي. والبيت وطلباتكم كلها، على أمل كلمة حلوة منك آخر اليوم. وأنتَ بقى بتعمل أيه!

تحركت حوله نصف دائرة وأكملت: -بترجع متأخر، تدخل مكتبك لحد الصبح وأنا مش مهم، ولا بتفكر تسأل عليا ولا عملت أيه ولا عايشة ازاي! تعبانة ولا كويسة! عاصي أنت أمتى آخر مرة نمت في أوضتنا؟
زفر بضيق: -حياة سبق وقولت لك بدل المرة ألف لحد سيدة ما ترجع من الأجازة، أجيب حد يساعدك، رفضتي، أعمل أي تاني؟

صرخت بوجهه: -كُنت غلطانة، كنت فاكرة أنك هتقدر تعبي ومجهودي لما أعملك كل حاجة بنفسي، كنت عايزة أعيش معاك حياة طبيعية، زوج وزوجة، كنت عايزة أعيشك ف جو أسري.
ثم وقفت أمامه وهي تطالعه بخوف: -عاصي أنتَ بطلت تحبني؟
قفل جفونه للحظة ليستوعب حجم الأمر محافظًا على هدوئه وهو يضم كفيها كالصدفة التي تحوي لؤلؤتها: -واضح أن أعصابك تعبانة شوية.

هبت بوجهه بحرقة إثر أيام الكتمان التي توقدت بصدرها: -ماتقولش أعصابك تعبانة دي! لأنك عارف غلطك و أنت مش عاصي اللي عرفته وحبيته. في حاجة غلط؟
-طيب ممكن بس تستحمليني اليومين دول وبس! عارف إني قصرت معاكِ، بس مش لدرجة الجنان اللي في دماغك وبطلت تحبني وكلّ الأوهام دي!
سالت دموعها بعجز: -طيب في أيه؟ أنتَ أول مرة الشغل ياخدك للدرجة دي، وأنا من حقي أفهم، عشان مش لاقية مبرر لكل ده؟

قبل كفّيها بحب وكأنه أراد طبع زهور الاعتذار عليهما: -الفكرة كلها إني ببدأ من أول وجديد ف الوقت اللي مفيش فيه مجال للخسارة، فكل خطوة لازم تكون محسوبة.
ثم غير مجرى الحديث ممازحًا ليلطف الأجواء بينهم: -بس لو أعرف إن الشغل هيزعلك أوي كده، في داهية الشغل اللي يشغلني عنك. قوليلي أعمل أيه عشان اصالحك.
شرقت شمس ابتسامتها مع شمس مطلع النهار من بين ليل كاحل وقالت: -شوف أنت بقا!
دنى منها خطوة: -طيب غششيني؟

-كمان أغششك!
ثم تركت يده وقالت بصوت خافت وهي تمسك بفنجان القهوة وتمدها إليه: -قهوتك. حلوة ولا أعمل غيرها؟
ارتشف رشفة خفيفة من فنجانه وقال بتفكير: -هي بردت، بس هتعاقب واشربها.
ردت على الفور: -ليه، هعملك غيرها.
نظر في ساعة يده: -الساعة جات 6. يادوب ألحق انزل عشان استلم الشحنة الجديدة بنفسي.
انكمشت ملامحها مرة آخرى: -بردو يا عاصي!
ثم شدت فنجان القهوة من يده: -طيب هات دي، مفيش قهوة أصلًا، روح يلا شوف شغلك.

ضحكت بصوت منخفض ثم مال على أذنها قائلًا: -هعوضك عن كل اللي فات، بس اخلص من تجهيزات المصنع.
ختم جملته وهو يضم بين شفتيه شفتها السفلية بحنو طابعًا بصمة اعتذار جديدة وقال بتوسل: -يومين بس؟

ثم تركها وغادر المكتب سريعًا بعد ما أخذ سترته السوداء ومسكها وراء ظهره. في تلك الاثناء التي خرج فيها عاصي من غُرفته، اندست خلف الحائط و توارت أذان فريال المتجسسة على حوارهم بنظرات يملأها الشر ودخان الانتقام لأخيها فريد وهي تتوعد قائلة:
-ولسه يا رسيل. مبقاش اسمي فريال لو ما خليت حياتك كُلها جحيم.

في تمام السابعة صباحًا ؛ رن جرس جهاز التنبيه بجوار سوزان التي اعتادت على غلق هاتفها أثناء فترة النوم وتركه خارج الغرفة كي تنعم بنوم صحي. وثبت قائمة بهمة ثم تفحصت خزانة ملابسها وأخرجت منها ما تنوى أن ترتديه ورمته على مخدعها بعشوائية، ثم ارتدت منامتها الحريرية وخرجت من الغرفة منادية على الخادمة:
-قهوتي بسرعة.

هبطت درجات السُلم محدثة صوتًا مسموعًا إثر دق نِعالها ثم توجهت ناحية مُراد النائم على الأريكة، اقتربت منه بهدوء وجلست بجوار مقعده ونادت عليه بخفوت:
-مراد؟
فتح عينيه بسرعة واعتدل في نومته وهي يُقاوم ثقل النوم على رأسه متأففًا، فسألته:
-مش هتبطل نوم على الكنبة؟
رد بضيق: -طيب قوليلي أعمل أيه؟ كل ما أقرب من الأوضة بنتك تصرخ ولا كأنها شافت عفريت!

ثم وثب قائلًا: -دي خلت الشغالة تنقل كل لبسي أوضة تانية. بصراحة أنا مابقتش مرتاح للوضع ده.
تدخلت سوزان لتواسيه: -معلش يا حبيبي شهور الحمل الأولية متعبة، وعالية وحمها غريب شوية، استحمل.
أجابها بامتعاض: -استحمل لحد أمتى؟ دي داخلة على الشهر الرابع ومش طايقة ريحتي ولا عارف حتى اتكلم معاها؟ حقيقي الوضع بقا لا يُطاق.
ربتت على كتفه: -عدى الكتير مبقاش غير القليل يا مراد. آكيد غصب عنها.

وقف مزفرًا باختناق وهو يتناول ساعة يده ومفاتيحه: -براحتها بقى، أنا زهقت.
نادت عليه بيأسٍ: -طيب استنى أفطر الأول ما تطلعش كده.
رد مختنقًا: -مش عايز.

شد سترته السوداء من فوق المقعد وغادر المكان بخطوات واسعها مكتظة بزحام النفور من الوضع القائم الذي زاد عن حده، وزوجته التي باتت لا تتحمل رائحته وكل ما تشمها يصيبها الغثيان وتتقيأ ماء جوفها. قفل الباب بقوة محدثًا صوتًا صاخبًا أوقظ عينيها النائمة، ففارقت فراشها بسرعة وهي تطالعه من أعلى ؛ فتنهدت ب حزن وهي تحوي بطنها المنتفخة قليلًا متمتمة:
-ده خرج حتى من غير ما يصبح علينا؟

هنا اقتحمت سوزان غرفة ابنتها بأعين محملة بوهج العتاب فقالت: -صباح الخير يا حبيبتي.
شدت عالية الستار ودارت إلى أمها وأجابتها بصوت فاتر:
-صباح النور يا مامي.
ثم ذيلت جملتها بسؤالها المتوق: -مامي مراد قالك حاجة؟
اقتربت سوزان من ابنتها وربتت على كتفها بحنو: -حبيبتي مراد تعب من الوضع ده، لازم تشوفي حل يا عالية، مفيش راجل هيتقبل الوضع ده.

أغرورقت العبرات بمقلتيها: -وأنا كمان تعبت، كل يوم بحاول نرجع زي الأول بس غصب عني بتعب وببقى مش مستحملة أقرب و أجري على الحمام، مامي أنا ضميري واجعني أوي ومش عارفة إزاي ممكن أصلح كل ال فات.
مسكت كفها برفق وجلسا الاثنين على طرف السرير حيث قالت سوزان ناصحة: -يبقى تسمعي كلامي!
ردت بلهفة: -هنفذه بالحرف. بس قولي أنا مش عارفة أعمل أيه!

أثناء خروج مراد من بوابة اليلا عاقت طريقه أحدى السيارات السوداء التي تحجب رؤية سائقها. فرمل سيارته محدثًا صوت صاخبًا وهو يسبه علنًا مع نظارته الشمسية، أخفض زجاج السيارة وقبل أن يكمل شريط لعناته على من اعترض طريقه بهذه الاندفاعية الحماقة، دلفت من المقعد الخلفي للسيارة فتاة في مطلع عقدها الرابع بقوام ممشوق وهي تقترب منه بخطوات واثقة ومبهمة يحاوطها الغموض والإثارة حتى اتكأت على نافذة سيارته:.

-سوري يا بيشمهندس على الدخلة دي! صباح الخير الأول.
بأعين يتطاير منها الشرار وبصوت مبطن بداخله الامتعاض: -أنتِ مين؟
أخرجت بطاقة ورقية من جيبها وقالت بغموض يثير الكثير من التساؤلات:
-هستناك في العنوان ده. ده لو عايز تعرف إحنا مين؟
رفع حاجبه متعجبًا: -ده أي شغل المافيا ده؟
ثم قلب الهوية على وجهيها وقال مندهشًا من وقاحتها:
-و لو مش عايز!

ردت باختصار بدون الإفصاح عن سبب مجيئها: -بس أحنا عايزين. مستنياگ. ااه المصلحة واحدة يا بيشمهندس.
ولت ظهرها قبل أن تنتظر رده بعد ما ألقت في رأسه بارود الفضول حول هوية تلك السيدة الغامضة وما المصلحة التي ستأتي من ورائها. تحرك مراد خطوة بسيارته ثم فرمل محدثًا صوتًا مزعجًا حتى بات مجاورًا لها وقال:
-ال عايزني يجيلي. أنا ما بروحش لحد.

توقفت للحظة راسمة على محياها ابتسامة خبيثة مجهولة المغزى ثم مالت على نافذة سيارته مرة آخرى و بثقة عارمة أردفت: -بس أنا واثقة إنك هتيجي.
رفع حاجبه الأيمن ك رد معارض لثقتها: -واضح أنتوا ال محتاجين لي، مش أنا.
اتسعت ابتسامتها التي تعكس وميض الإعجاب:
-النهاردة بالليل، عزمي بيه هيكون مستنيك في مكتبه، متتأخرش. لو اتأخرت عن 8 بالليل هنزعل وأحنا جماعة زعلهم وحش أوي.

اكتفى برسم ابتسامة ماكرة على محياه وهو يقفل زجاج النافذة ويرتدي نظارته الشمسية ويعاود قيادة سيارته بدون أي جواب منه يبين موافقته على تلبية عرضها المبهم، وقفت تلك السيدة حائرة للحظات تدرس فيها أسلوبه وتجاهله وقالت مُعلنة ناقوس الحرب:
-شكلك هتغلبنا؟
روي عن أشرف الخلق ذاكرًا: الريح من روح الله، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب.

ولكن رياح البشر لم تأت صافية أبدًا لا تعرف للرحمة لون، قد يملأها غبار المصالح، و يلوثها رماد الحقد، ويزينها نسيم الهواء المزيف الكائن في صورة حب مزور. المرعب بالأمر إنك لا تعلم حقيقة ما يدور حولك إثر أفعالهم المريبة. ولكن من ولد بقاع العواصف لا يقلقه هبوب الرياح.

قيل في وصف رحمة الرحمن، وتقلب أحوال البشر كتقلب الشمس والقمر، منهم من ينشق من جوف العتمة ومنهم من يولد من نسل الضوء، هكذا هي الأقدار:
تضيق كأنها لن تتسع، وتتسع كأنها لن تضيق، يقلب الله الأمور لحكمة تجعلنا نعلم أن الأمر كله بيد الله. وأن الله على كل شيء قدير.

هذه العبارة التي وقفت شمس عندها وهي تتفحص أحد مواقع التواصل الاجتماعي بغرفة الصالون الخاصة بشقتها ذات الطراز الحديث. تذكرت تلك الأيام القاسية التي عاشتها بأحدى المساكن الشعبية ولكنها كانت مليئة برائحة الأمان رغم فقدانها كُل شيء، وفي نفس اللحظة تجولت أرجاء منزلها الراقي الذي نعمت فيه بأيام يغمرها رائحة الحُب ولكن ينقصه دفئ جدتها رغم امتلاكها كل شيء.

دق جرس التنبيه معلنًا تمام الساعة الثامنة صباحًا، وقت نهوض تميم من نومه. تركت هاتفها جبنًا وتعمدت ألا توقظه هذه الساعة لأن عيناه لم تتذوق طعم النوم منذ يومين. تركت مقعدها وهي تعقد حول خصرها شريطة من الحرير الذي قفلت بها منامتها الحريرية واتجهت نحو المطبخ لتعد له إفطارًا مصريًا أصيلًا بنكهة الفول والفلافل لتحيي بحياتهما أجواء الماضي مع الحاضر.

فجت رائحة السمنة الفلاحي حولها لتملأ خزائن هواء المنتجع السكني الراقي الذي تقيم فيه، فتذكرت دفء أيام جدتها وذلك العطر الذي كان يحتويها كل صباح. مسحت دمعة انبثقت من طرف عينيها وقالت بحنين:
-وحشتيني أوي يا فوفا، شوفتي شمس اللي كان نفسك تفرحي بيها اتجوزت وبقا مش ناقصها أي حاجة غيرك. أنا كُنت راضية على فكرة ؛ راضية إني مخدتش أي حاجة من الدنيا بس أنت تبقي معايا.

هنا رفرف طائر العشق الذي أصاب قلبي ليطوق قلبها الشارد بلهفة وصوت مدجج بحماس العصافير: -مش معقول أصحى كل يوم على الروايح الحلوة دي. الجيران هيطفشوا مننا يا بنتي!
تنهدت بسكينة وهي تترك ما بيدها: -تميم!
-تميم أيه بس؟ دول ناس عايشين على الطاقة الشمسية وأنتِ كل يوم عاملاهم تلوث هوائي بنكهة الفول والفلافل.
-ال مش عاجبه يعزل من جمبنا.
ثم دارت إليه وما أن تفحصته عينيها بدهشة: -أيه ده وكمان جهزت؟

اتكئ على رخامة المطبخ وهو يقضم ثمرة الخيار بفكيه: -أعمل أيه؟ قُمت مفزوع قلت شمس نامت ونسيت أن عندي ميتنج مهم.
غسلت كفيها بالماء الفاتر وهي تجيبه بلطف ينافس رقة الورد:
-خالص والله. كل الحكاية قلت اسيبك ترتاح شوية، وبعدين هو الشغل بيخلص! صحتك عندي أهم.
زفر تراكمات أيامه الماضية بكللٍ:.

– معاكي حق. عاصي ده طلع من جبال أنه متحمل كل ده. الشغل عامل زي الطاحونة وأنا لازم أراجع كل حاجة بنفسي، وللاسف مفيش حد ممكن أثق فيه.
جففت كفيها وسألته بخيبة: -لسه عاصي مردش عليك. أنا مش عارفة هو معاند ليه بعد ما عرف كلام نعمة.
تميم بتعبٍ: -لسه، وأنا مش عارف هو بيعند ليه. ومش عارف أيه في دماغه، عاصي الفترة دي ماشي زي القطر، مش عايز حاجة توقفه.

ثم عقد ذراعيه أمام صدره فبرزت عضلاته وأكمل بإعجاب: -بس ابن اللعيبة عامل شغل دمار في الغردقة كلها. وسايبني هنا بغرق لوحدي. ده حتى مشاركة مش راضي يشاركني؟ حقيقي مبقتش عارف أزاي أقنعة يرجع.
لمعت عيناه بأسف: -شمس أنا عمري ما كرهت عاصي رغم مؤمرات عبلة الله يرحمها، وحقيقي بتمنى يرجع تاني بس المرة دي نشتغل سوا. من غير عداوة.

اقتربت منه وهي تُشيد بمجهوداته العظيمة: -وأنت كمان طلعت عبقري وأشطر بيزنيس مان في الدنيا. وأنا واثقة فيگ أنك ادها ونص كمان
ختم جملته وهو يشد تلك الشريطة الحريرية الملتفة حول سترتها ويجذبها نحوه عنوة مع شهقة مكتومة منها يملأها الخجل والارتجاف كي تتملص من سيطرته عليها في غرة عين ؛ لتعبر عن مخاوفها محذرة:
-تميم بس نوران يا تميم.

رد متجاهلًا لمخاوفها التي لم تفارقها أبدًا كل ما يقترب منها. باتت تحت قبضة يديه وعينيه التي تمطر نجومًا. وسألها:
-صداع ليلة امبارح خف؟ عايز اطمن بس؟
أجابته بصوت خفيض وهي تتملص من قبضته عليها: -والسؤال ده ماينفعش تقوله من بعيد يعني؟ لازم تجرجرني لعندك كده.
رد مصرًا: -أعمل أيه؟ أنتِ مش بتيجي غير بالطريقة دي. وبعدين هو في أحلى من الجرجرة؟

تنهدت بنفاذ صبر: -تميم. نور لو دخلت علينا وأحنا كده هيبقى شكلنا وحش أوي.
رد مساومًا: -طيب ارمي بياضك الأول.
انفجرت معبرة وهي تحاول أن تستوعب عرضه الواضح: -لا. تميم مش هينفع، عيب بجد والله. بتكسف بطل الحركات دي بقا.
ثم عقدت حاجبيها بدهشة بعد ما استوعبت حقيقة طلبه، هامسة بفزعٍ: -يانهار أبيض؟ تميم الميتنج بتاعك، أنت نسيت ولا أيه؟
أصدر صوتًا نافياً: -تؤ عندي حاجات أهم افتكرتها حالًا.

ردت ببراءة: -حاجات أي؟
ابتسم بمكرٍ: -هعمل اتفاق مع الصداع، هو يستفرد بيكي بالليل وأنا الصبح.
ردت مسايسة وهي تكتم صوت ضحكها: -طيب خلاص قول بسرعة عايز أيه عشان نخلص من أم الجنان ده.
عقد حاجبيه مفتعل الضجر وهي يتفقد لون شفاهها الخوخية: -أيه ده؟ فين الفراولة ال بحبها؟ كده مش هينفع. مين قال لك تلعبي في العداد، كده السيستيم كله وقع، الله يسامحك يا شيخة.

أخيرًا نجحت أن تفر من قبضته عليها وهي تمازحه: -على فكرة السوق والبزنيس غيروا أخلاقك خالص وبقيت مصطلحاتك غريبة. لو سمحت ارجع تميم ال حبيته.
هندم ملابسه مرة أخرى وقال بخبث: -و أنتِ كمان اتغيرتي أوي على فكرة!
تركت الصحن من يدها بتعجب: -أنا؟ خالص، اتغيرت ازاي بقا. فهمني.
غمز بطرف عينه وهو يساعدها في فتح عُلبة الجبن: -لما أرجع بالليل هقول لك.
توسلت إليه: -تميم بجد، قول اتغيرت ازاي وبلاش اسلوبك ده.

خفض نبرة صوته: -نوران تسمعنا وشكلنا يبقى وحش أوي. ميصحش أخلاق البنت!
زفرت بنفاذ صبر مع ابتسامة حائرة: -تميم بقا! والله أنت تلاقيك بتقول أي كلام وو
بادر بجذبها إليه مرة أخرى فابتعدت عنه صارخة فدخلت نوران على صوتهم المرتفع فتلون وجه الثنائي بدماء الخجل وكل منهما ينشغل بأي شيء يقابله. رمقتهما نوران بنظرات تحمل الاعتذار والحرج بآن واحد ثم قالت مبررة سبب مجيئها: -كنت عايزة ميه.

تبادلت النظرات بين تميم وشمس التي تحمل نوعًا من العتاب حيث رد الاول قائلًا ليكسر حاجز الموقف:
-النتيجة أمتى؟
ردت نوران بعدم اهتمام: -بيقولوا النهاردة. او بكرة بالكتير.
-يالا بقا عايزك تبقي حليفتي في الملاعب، وأشوفك أشطر مهندسة.
قفلت الثلاجة وتقدمت نحوه بوجه عابث: -تميم، أنت مردتش عليا في حوار الشغل. أنتَ لو رفضت أنا هضطر اشتغل عند أي حد.

انكمشت ملامح شمس بضيق: -الموضوع ده مش وقته يا نوران. شغل ايه ده وأنتِ لسه 18 سنه.
ردت مدافعة عن وجهة نظرها: -وفيها أيه؟ أنتِ نفسك اشتغلتي وأنت أصغر من كده بكتير.
زفرت شمس باختناق: -الظروف وقتها كانت بتحكم. وأنا كنت بنزل عشان مكنش حد هيدينا نصرف وأحنا قاعدين في بيتنا.
أجابتها بدون رقابة على كلماتها: -بالظبط، وأنا مش عايزة أخد المصروف من جوز أختي وأنا قاعدة.
صرخت الكبري بأختها: -نوران؟

تدخل تميم في الحال ليهدأ الأمر بينهم: -ممكن تهدوا طيب ونتكلم بالعقل. أنتوا الاتنين صح، ومحدش فيكم غلطان، بس ممكن يا نوران نستنى النتيجة عشان نعرف المجال اللي هتختاريه ومنه أعينك في الشركة!
ردت بتمرد: -أنا خلاص عرفت، هدرس جرافيك ديزين. وهدخل معهد التمثيل.

أغمضت شمس عينيها بجزع: -شوفت دماغها راحت فين؟ دي يا حبيبتي حاجة تدريسيها ترفييه جمب مجال دراستك الأساسية، أما الدلع ده أنا مفهموش. أنت متخيلة عايزة أيه؟ اتنين ملهمش علاقة ببعض أصلاً!
تميم: -شمس ممكن تهدي؟
ردت الأخيرة بإصرار: -شوفي يا نوران، أنت لو مدخلتيش هندسة زي ما تيتا الله يرحمها كان نفسها، انسي حوار الشغل عند تميم ده خالص. فاهمة.

انفجرت نوران باختها: -لا مش فاهمة وهدرس الحاجة ال بحبها يا شمس، وأنتِ مش من حقك تجبريني على حاجة، ولو مشتغلتش في الشركة عند تميم، هنزل اشتغل عند الغريب عشان أنا زهقت واتخنقت من التحكمات دي…

رمت جمر كلماتها والتراكمات المدفونة بصدرها إثر الوحدة القاتلة التي تعاني منها، تغير فئة أصدقائها، وعزلتها التامة بغرفة مكونة من أربعة جدران، انشغال كريم عنها بسبب فترة اختبارته وشغله الخاص الذي ابتدأه بأمريكا. حلقة مفرغة من العناء طوقت قلب تلك المراهقة التي تبحث عن أي شيء يسد فجوة فراغها. نظرت شمس لتميم بعجزٍ:
-شايف بتتكلم أزاي؟

ربت على كتفها وقال: -معلش يا حبيبتي، كل البنات في سنها بتكون دي طريقتهم، استحملي وقربي منها وسيبيها تختار، عشان أنتِ ملكيش حق تجبريها.
اشتعل وجه شمس بالضيق: -دي عايزة تدرس تمثيل؟ تمثيل أيه ده ال هتدخله؟ هي دي وصية ماما وتيتا!
ثم صرخت متعمدة أن يصل الصوت لأذان أختها: -والله يا نوران لو ما فوقتي من الجنان ده لأربيكي من أول وجديد…

دخلت نوران غرفتها وقفلت بابها بقوة لتنفرد بهمومها ووحدانيتها التي باتت كالشبح المرعب الذي خيم على زهرة عمرها، أخذت تتجول ذاهبًا وأيابًا حتى مسكت هاتفها معلنة الحرب على أختها التي تعاني من تحكماتها الزائدة عليها التي ترجمتها لفرض سيطرة ولسيت خوف، فتشت بعشوائية بشاشة هاتفها وقالت:
-طيب يا شمس، أنا هوريكي كلام مين فينا ال هيمشي.

عودة للغردقة
-صباح الخير يا رسيل. عاصي نزل؟
وطت صوت التلفاز لتُجيب على سؤال أخيها وقالت باهتمام:
-نزل من ساعتين، وبعت رسالة قال لي لما تصحى روح له على المينا. اااه الفطار عندك افطر قبل ما تنزل. متنزلش كده.
تناول كوب الماء من أمامها وارتشف رشفة ثم وضعه بمكانه متحمسًا: -ادعي لنا كده يا رسيل عشان الصفقة دي لو ظبطت يبقى جوزك مسك السوق كله بين أيديه.

دارت جهة أخيها وقالت: -رشيد، في بنات كتير بتشتغل معاكم.؟
-طبيعي يكون في بنات كتير معانا.
تسرب الشك إلى رأسها واكتفت بإصدار إيماءة خافتة ثم غيرت مجرى الحديث قائلة بصوت خفيض:
-رشيد أنتَ متأكد أنك عايز تتجوز فريال بنت عمنا؟
وثب قائمًا دونّ أبداء أي اهتمام: -وألا مكنتش خطبتها. وبعدين مش كل يوم هنتكلم في نفس الموضوع يا رسيل! أنا زهقت؟

وقفت أمام أخيها ووبخته بتحذير: -يا رشيد كفاية ال عمله فريد معانا، نديها قريشين وابعدها عن طريقنا. أنا مش مرتاحة لوجودها هنا. فكر عشان خاطري.
نظر لأخته نظرات تدني: -رسيل أنتِ شكل قعدة البيت لحست دماغك! لو مش واخدة بالك دي تبقى بنت عمنا وملهاش غيرنا. نسيبها في الشارع يعني؟

تأفف رشيد باختناق لعدم تقبله للأسلوب الذي تحدثت به أخته عن خطيبته: -لو مضايقك وجودها أنا ممكن آجرلها أي شقة لحد ما شقتي تخلص. معلش متقلين عليكِ في بيتك يابنت أمي وأبويا
تمسكت بساعده بقوة لتبرر كلامها الخارج من بين فكيها المنطبقين:
-أنت أيه الهبل ال بتقوله ده! لا طبعًا، بس أنا بحذرك للمرة المليون. فتح عينيك الاتنين فريال وراها حاجة يا رشيد خلي بالك.

ربت على كتفها قاذفًا قنبلة موقوته بقلبها لم يقصدها أبدًا: -خلي بس أنتِ بالك من جوزك وبناته، ومتشليش همي.
تصلبت تعابير وجهها بدهشة: -قصدك أيه! رشيد أنت تعرف حاجة عن عاصي؟
زفر باختناق: -أنتِ دماغك راحت لفين بس؟ أنا ماشي يا رسيل.
اشتعلت قناديل الشك برأسها حول جملة أخيها الأخيرة وقالت لنفسها وهي تعض على أناملها: -يا ترى وراك أيه يا عاصي!

-عاصي بيه، كل المعدات وصلت المصنع. وشحنة السمك دخلت التلاجات. وفي حاجة كمان…
علي ضفة البحر الأحمر حيث يطاير الهواء ملابسه واقفًا ليستمع آخر الأخبار من مساعدته الشخصية التي تدعى ريم . فنظر إليها مهتمًا إثر آخر جملة قائلًا:
-في أيه يا ريم؟
ردت بأسف وخيم: -بخصوص المطعم العائم ال في الشرق، النهاردة في مركبة كمان غرقت، ومعنى كده أن الموضوع مؤامرة مش مجرد صدفة.

انعقد حاجبيه بغضب يكاد ينفجر منه وجهه: -يعني أيه دي تالت مركبة تغرق في نفس الأسبوع. مين مسؤول عن صيانة المراكب دي؟
دنت ريم خطوة منه وقالت بنبرة يخالطها هواء البحر:
-فكرة مجموعة مطاعم عايمة في وسط البحر و كل ترابيزة على لانش خاص بيها بالتنسيق الخرافي ده فكرة قلبت الغردقة كلها، وكسرت الدنيا. وأحنا عندنا أعداء كتير يا عاصي بيه، كلهم يتمنوا المشروع ما ينجحش.
هز رأسه متفهمًا: -حد حصله حاجة النهاردة؟

ردت برسمية: -لا، فريق الإنقاذ لحقهم في الوقت المناسب وإدارة المطعم قدمت تعويض للعرسان عن ال حصل والموضوع اتلجم قبل ما يوصل للصحافة.
زفر باختناق وهو يخرج لفافة التبغ من جيبه ويقوم بإشعالها: -طيب روحي شوفي شغلك أنتِ. وابعتي لي كمال.
هزت رأسه ملبية لأوامره ولكنها ختمت حديثها قائلة: -في ميتنج مع إدارة المشروعات كمان ساعتين.
-طيب يا ريم.

جاء إليه رشيد متحمسًا وهو يسقف: -ده اسمه مَعلمه يا أبو نسب. أيه العظمة دي. الشغل والطلبات علينا زي الرز، أيه مش هنعمل حفلة ترُج الغردقة!
هز رأسه بثقة رجل لا يليق به إلا النجاح: -هنعمل بس مش دلوقتِ، رشيد عايزك تشوف لي حوار المراكب ال بتغرق دي. تروح الفرع دلوقتي وتدخل كل اللانشات صيانة مكثفة وتراجع الكاميرات وتشوف مين ال عايز يوقعنا.
-لسه كنت جاي أقولك. همشي من هنا واطلع على هناك، متشلش هم أنتَ بس.

عاصي بغضب وهو يتحرك إلى مقر شركته الكائنة على البحر: -لو وصلت لحاجة بلغني.
انحدر رشيد عن مساره بعجلٍ: -اعتبره حصل.
وصل إلى مكتبه وشرع بنزع سترته السوداء وعلقها فوق الشماعة ثم تناول هاتفه فاتحًا شاشة محادثته مع رسيل وسجل إليها رسالة صوتية:
– حياة اعملي حسابك الليلة عشان هنتعشى أنا وأنتِ بره، حابب نسهر سوا
آنذاك جاء كمال إليه بعد ما أخذ الاذن بالدخول وسأله: -ريم قالت لي إنك عايزني يا بص.

قفل شاشة هاتفه ونظر إليه باهتمام: -مفيش أخبار عن يسري؟
هز كمال رأسه بأسف: -الأرض انشقت وبلعته، ملهوش أثر في القاهره كلها.
مد له ورقة: -طيب عايزك تدور عليه في المكان ده عشان لازم يظهر.
أخذ كمال الورقة منه بعد ما قرأ العنوان: -الشرقية؟ هو يسري ده عمل أيه يا بص!
-بعدين، بعدين يا كمال. بس هو يظهر، اتحرك بنفسك على هناك.
-تمام يا باشا. مش هرجع إلا بخبره.

عودة إلى القاهرة
مع مغيب الشمس وصلت عالية إلى مقر مكتب مراد وهي ترتدي فستانًا طويلًا بكمامٍ طويلة وواسعة والفت على عنقها وشاحًا من الحرير، وصلت إلى مساعده وسألته:
-البشمهندس مراد في مكتبه؟
وقف الرجل في استقبالها: -هو بس نزل الموقع وهيرجع تحبي أكلمه؟
ابتسمت بلطفٍ: -هستناه في مكتبه.
-تحبي تشربي حاجة؟
ردت بهدوء: -لما مراد يجي.

بسيارته التي صفت تحت مبني الشركة وقعت عينيه على البطاقة التعريفية لتلك الفتاة التي طاردت صباحه، أخذ يقرأ ما بالبطاقة مرارًا وتكرارًا حتى زفر بحيرة:
-وتطلع مين دي كمان ووراها؟

ترك الكارت بصندوق سيارته قبل أن يهبط منها ويعطي المفتاح لسايس، اتجه نحو بوابة شركته وهو كل ما يدور برأسه عن موعد الأمس. هل يذهب ليرضى فضوله؟ أم يتجاهل إلى أن تضح الرؤية أمامه؟ جمة من الاسئلة طُرحت برأسه ولكنها كانت جميعها عقيم لا ينسل منه جوابًا واحدًا يُرضيه ويرضي حيره. فُتح باب المصعد أمام الطابق المخصص لمكتبه فوقف الموظف في استقباله وأخره بوجود المهندسة عالية بمكتبه، أسرع الخُطى متقدمًا إلى مكتبه متبعًا مسارًا إضافيًا للفضول، ما فتح باب مكتبه تمتم مندهشًا:.

-عالية؟
وثب قائمة لتستقبله بابتسامة عريضة: -أيه رأيك في المُفاجأة دي؟
قفل الباب خلفه، ثم اقترب منها طارحًا جملة الاسئلة: -في حاجة حصلت؟ طنط كويسة؟ أنتِ كويسه؟
اقتربت منه أكثر حتى باتت خطوة واحدة تفصلهم عن بعضهم: -كل الحكاية يا بيشمهندس نزلت الصبح من غير ما تصبح عليا!
هز رأسه بسخرية مع انعقاد طفيف لحاجبيه: -قصدك نزلت من غير ما نتخانق.

زارت شفتيها نسيم الضحكة وهي تلكمه في كتفه برفق: -عادي على فكرة. الحامل تعمل كل ال هي عايزاه.
-وأنا أي ذنبي أعيش في النكد ده كله لوحدي؟
داعبت وجهه ممازحة: -خلاص بقا يا مراميرو ميبقاش قلبك أسود، وبعدين زي ما أنت عارف من وقت خبر وفاة عبلة وأنا مش أحسن حاجة. المهم.
ربت على كتفيها بحنو: -طيب تعالي نقعد أحنا واقفين ليه.

جلس الاثنان على الأريكة وهي تتمسك بيده بقوة ثم قالت: -تعالى نروح سوا عند الدكتورة النهاردة.
-ليه، وطنط سوزان!
حدجته معاتبة: -أيه يا مراد، أنتَ كمان مش عايز تيجي معايا تطمن على ابننا؟
-مش قصدي آكيد بس كل مرة طنط سوزان هي ال بتصمم لازم تروح معاكي.
أجابته بدلالٍ: -بس النهاردة حابة نروح سوا، أنا وأنت وبس. و كمان هتعزمني على العشا عشان وحشني نقعد لوحدنا.

مال نحوها حتى أصبحت أنفاسه مطرًا متساقطًا على ملامحها وهو يهمس معبرًا عن مدى اشتياقه إليها: -أنتِ كلك على بعضك وحشتيني وو
ما أن امتلأت رئتيها برائحته وبات وجهها مقصده لفض شرارة مشاعره المدفون لمدة شهرين. أصاب الدوار رأسها وانتاب الغثيان جوفها فأمسكت ببطنها ورقدت نحو المرحاض لتتقيء عطره الذي يزعج معدتها كثيرًا:
-لا يا مراد مش قادرة.

أطلق زفيرًا قويًا من شدة اختناقه وهو ينزع ساعة يده ويرميها جنبًا بعشوائية: -دي مش عيشة دي.

في تمام الساعة السابعة مساءً بعد مغيب شمس اليوم الأول من شهر آغسطس. وبعد مرور ساعات مشحونة بالقلق والتوتر بين الأختين، تجلس شمس أمام التلفاز وتقلب القنوات بفتورٍ شديد حتى سمعت صوت فتح باب غُرفة أختها التي أقبلت عليها بملامح منزوعة من أي فرحة أو حماس، تركت الهاتف على الطاولة أمام أختها وقالت بملل:
-85 %.

بلهفة أم تستقبل خبر نجاح ابنتها البكرية رمت الريموت كنترول من يدها وتناولت الهاتف بفرحة ورعشه قلب وهي تطلع على نتائج أختها بالمرحلة الثانوية ب قسم علمي رياضة فانعقد حاجبي شمس بتمرد:
-وليه مش 99؟
زفرت نوران بزهق من تمادي أختها معها، فانفجرت قائلة: -الأرقام دي على أيامكم أنتوا، وبعدين مش كنتي عايزة هندسه؟ دول يدخلوني هندسة مستريح. فكك مني بقا يا شمس.

وثبت شمس وحضنت أختها بفرحة عارمة: -خلاص مش مهم. المهم هتحققي حلم تيتا وتبقى أحلى مهندسة في الدنيا.
ضمت أختها بحب، حيث تلقت الثانية عناق أختها بفتور لانها كانت تدعي ربها بألا يرزقها بالنتيجة التي تجبرها على الانسياق لكلية لا تريدها خاصة بعد اهتماماتها الأخيرة بمجال التمثيل والمسرح. طبعت وسام الفرحة بوجنتي اختها ثم تفوهت بحماس:
-هكلم تميم.
سبقها رنين هاتفه فقالت بسعادة: -أهو جيه على السيرة.

ثم أجابته سريعًا وهي تستأذنه بلهفه: -تميم هشغل المايك عشان تبارك لنوران.
ضبط السماعة البلوتوثية بأذنه وهو يدور مقود السيارة ويهتف بفرحة:
-حليفتي في الملاعب بقا، الف مبروك يا هندسة.
ردت بجمود: -الله يبارك فيك.
ثم أكمل بنفس النبرة المتحمسة: -أعملي حسابك بكرة تنزلي تختاري أحلى عربية عشان نستغل فترة الأجازة وتتعلمي السواقة…

هللت بمرح وفرحة غطت على ظهور نتيجتها: -بجد يا تيمووو، هتعلمني السواقة! أنت أجدع حد شفته في حياتي.
صاحت شمس بذهول: -سواقة أيه؟ أحنا متفقناش على كده.
قهقهه تميم بإصرارٍ: -لا ده اتفاق قديم كده بيني وبين شمس. المهم أنا نص ساعة وهكون عندكم، أجهزوا عشان ننزل نحتفل سوا.
قفزت نوران بفرحة وحماس: -حالًا…
شمس معترضة: -على فكرة أنت ال بوظت دماغ نوران…

صف سيارته بهدوء إثر احتشاد مجموعة من الناس بمنتصف الطريق وهو يرد على شمس بدون اهتمام: -ياستي سيبيها تدلع. اسيبك تجهزي، سلام دلوقتِ.
نزع سماعته وهبط من السيارة ليكتشف سبب امتلاء الطريق بالمارة. متجهًا نحو مصدر صياح أنثوي نتيجة اصطدام سيارتها بواسطة أحد الأشخاص وهي تصيح مهددة:
-أنتَ شكلك متعرفش أنا مين وبنت مين، وبدل ما تعتذر نازل تبجح!

برر الرجل موقفه: -يا ستي أنتِ ليه مش قادرة تفهمي أن الغلط منك. مفيش حد طبيعي يقف فجأة في نص الطريق.
أخرجت هاتفها وهي تحرك أناملها فوق الشاشة بسرعة: -أنا هطلب لك البوليس عشان تبجح براحتك.
تأفف الرجل: -ياستي هو أي مشاكل وخلاص؟ ما تهدي.
تدخل تميم بينهم بعد ما لقط مضمون المشكلة: -على فكرة الخبطة مش جامدة والموضوع مش مستاهل كل الدوشة دي.

هبت معترضة دون النظر لوجهه وهي تشير نحو المكان المصاب بالسيارة: -والله؟ طالما سيادتك شايفه بسيط كده، صلحها أنت؟
وبخها تميم مذهولًا من وقاحتها: -أنتِ مالك طايحة في الكُل كده، ما الراجل قالك هيصلحها.
ولتّ شهد إليه بتركز فوجدت نفسها أمام شاب أنيق ذو طابع مُلفت، ليس بالجمال الخارق ولكن يمتلك جاذبية لا يمكن أن تقاومها أي فتاة تقع عينيها عليه، فتبدلت نبرة صوتها لنبرة أكثر لينًا محافظة على مظهرها:.

-خلاص مفيش داعي، آكيد مش هقبل العوض.
ضرب الجميع كف على كف بتعجب، حتى نفذ صبر الأغلبية وانسحبوا بهدوء من حولها حتى فرغت الدائرة على تميم والجاني وتلك الفتاة التي لن تبعد عينيها عن ذلك الوسيم الذي نزل من سيارته المرسيدس.
تحول صوتها لأكثر نعومة: -خلاص أنا مسامحة، بس قول له يركز بعد كده.
جحظت عيني الرجل: -أنا ال اركز؟ مش لما تتعلموا السواقة الأول.

تدخل تميم على الفور ليهدأ الرجل: -استهدى بالله يا جدع. حصل خير خلاص، اتفضل أنت.
انصرف الرجل مجبورًا على أمره وهو يسبها في سره كثيرًا، دارت شهد ناحية تميم وقالت محاولة خلق لغة حوار بينهم: -على فكرة ربنا بيحبه، لولا وجودك أنا مكنتش هتنازل عن محضر.
ثم زفرت بضيق: -الأشكال دي أنا عارفاها كويس، لازم تدخل القسم عشان تتعلم تحترم بنات الناس زي حضرتك كده.

هز تميم رأسه ليقفل أبواب الحديث التي تتعمد فتحها بوجهه: -حصل خير يا مدام، بعد إذنك.
اندلعت تلك النيران بوجهها مرة أخرى إثر وصفها ب (مدام) فجهرت بحرقة وهي تندس بداخل سيارتها: -مدام؟ هو ما بيشوفش كمان؟ أيه قلة الذوق دي. قفلتني منك.
ثم أخذت تتفحص ملامحها بالمرآة: -قال مدام قال؟ وأنا ال افتكرته چنتيل مان وبيفهم!
قطع وصال تغزلها وإعجابها بنفسها صوت رنين هاتفها باسم أبيها:
– أنتِ فين يا شهد؟

أغلقت جفونها بتأفف: -قولتلك يا بابي بعمل شوبينج وبتعرف على القاهرة.
-طيب أرجعي يالا، أمك وأختك هنا محتاسين لوحدهم.
جزت على فكيها وكأن الأمر لا يروق لها: -حالًا يا بابي حالًا.
هبط شاهين من سيارته الحمراء فلمست أقدامه تراب قصر دويدار الذي استولى عليه قبل ساعات قليلة محتجزًا رجلي الأمن المختصين بحراسته. لفت أعينه في الفضاء الفسيح حوله وقال لنفسه:.

-بقا كُل الخير ده بتاعك يا خوي وأنا سايبني في الأرض لحد ما قصفت عمري؟
تقدم خطوات معدودة حتى وصل إلى درجات سُلم القصر، فظهرت منه زوجته التي تشتعل بنار الانتقام والشماته: -أنا خدت أوضة الولية ال اسمها عبلة، أنا دخلت الأوضة ولقيتها فيها شيء وشويات. أي المجوهرات والدهب ده كله! الولية المجنونة فاتحة بترينة جواهري عندها.

ثم مالت عليه وهي تعرض أمامه أساور يدها متعمدة إحداث صوت مسموع بهم: -شايف شايف. طيب سامع صوتهم! يا حلاوتهم هياكلوا من أيدي حتة يا شاهين.
هز رأسه بحركة رجل مسن يشغله جمة من المهام غير تلك التفاهات التي تملأ رأس النساء وقال:
-اتبسطي يا سميرة وخلي بناتك يتبسطوا ده خير أبوهم وعمهم.
اتبعت خُطاه بفضول مريب: -أنا قلبي مش مطمن يا شاهين، ولاد أخوك لو شموا خبر مش هيسكتوا.

حدجها بعنفوان: -اكتمي. ولا واحد فيهم يتنسب لأخوي. الاتنين علاقتهم بشهاب دويدار حبر على ورق، وأنا هعرف أزاي اخرسهم، سكتت لهم كتير يا سميرة.
ثم ضرب الأرض بمؤخرة عكازه: -وكفاية عليهم ال خدوه.

دق ناقوس الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل. ومازالت تنتظر قدومه، تنظر تلك الليلة التي وعدها بها، تتوق اشتياقًا لتلك اللحظات الهادئة بينهم.

بفستان أسود يصل لتحت ركبتيها ينحت تفاصيل جسدها الممشوق ويمنحها مظهرًا طاغي الأنوثة ذو أكمام رفيعة جدًا، تركت طرف سريرها بعد ما هاتفته مرارًا وتكرارًا ولكنه مقفولًا، نفذ صبرها فوثبت قائمة تترنح بخُطى مطوية بالضيق ف تعرقلت إثر حذائها ذو الكعب المرتفع، استندت على خزانة الملابس ثم واصلت طريقها ناحية مكتبها، أخرجت دفتر يومياتها وأمسكت بطرف قلمها. القلم الذي يعتبر صديقًا لأصحاب الشعور المفرط. بتنهيدة تشبه شهقة الغريق افتتحت خزانة قلبها كاتبة بتلك اليد المهزوزة:.

من أصدق ما قاله نجيب محفوظ: يا ليت العُمر كتابًا، فنرجع للفصل الذي كان يسعدنا
ما قبل العشق الذي تورطت فيه رغم تحذير جدتي المتواصل وهي تعظ قلبي: حبي فالحب ينير وجه الصبية ويُطيل حبال العُمر، ولا تعشقي فالعشق ناره أن مست القلب لم تتركه إلا رمادًا
أما بعد ذلك.

احتجب عني قمرك لليلة الثالثة والعشرون بتوقيت السماء، أما بتوقيت قلبي فهناك ضبابة من الألم تحوم فوق رأسي الذي كاد أن ينفجر من تفكيره المستمر بك وطيلة بُعدك عنه، باتت شوارع روحي منطفأة، ذات أعمدة إنارة بفوانيس محترقة، بقيت منطقة حزينة جدًا ومخيفة منذ رحيل ضوء قمرك عني…

ولكن صدقًا لا أعرف ما يجب أن أقوله لوصف تلك الليلة، كل الليالي الماضية كانت خدوشها بسيطة ولكن هذه الليلة انتكاسة روح جديدة، اشبعني غيابك الليلة حرقة من نوع آخر، ذلك النوع الذي لا يمكنني وصفه ولكنه خطير ومؤلم للحد الذي يقت. لني…

أنها الساعة الواحدة من الحنين، بستون دقيقة من الانتظار، بألآف من الثوانٍ وأنا هنا أناديك كي تنقذ بئر حبنا قبل أن يجف من الهجر. بقلبٍ من الزجاج يقف خائفًا أمام أحجار الغياب يصرخ باسمك برغبة مُلحة أن تأتي لعنده. كم أحتاجك لاطمئن!، كم أحتاجك لأنبض من جديد!، كم مشتاقة إليك تلك الليلة لحد الذي لا أريد أن أرى سواك، إمراة تركت الحياة وباتت لا تتمنى غيرك، فيا ليت وصالك بالتمنى ويا ليت حبي لك يرتوي بحلم أو بقلمٍ. أنا التي اتنفس بريق عينيك، أرجوك لا تخذلها.

جف حبر صبرها هنا فتركت القلم من يدها ووضعت رأسها في حضن دفترها بحزنٍ وخيم حتى أرهق البكاء عينيها وبقلب انطفأ من وحشة غيابه نامت على سطح مكتبها الخشبي باستسلام تام للوجع الذي يقرض بحواف قلبها.
مرت الساعات حتى عاد عاصي منهمكًا إلى بيته بهاتف الذي فرغت بطاريته، صعد السُلم بخطوات ثقيلة وهو يفك أزرار قميصه بكللٍ حتى وصل إلى غُرفته بتردد يحمل هم لقاءها وعتابها وكيف سيصلح ما أفسده هذه الليلة.

فتح الباب بهدوء فأمتد بصره إلى تلك النائمة بحضن دفاترها، رمى سترته السوداء بندم يأكل بقلبه الذي انشغل عنها، تسللت يدها لتحت ركبتيها ليحملها بحنو أب لصغيرته فتمتمت بين يديه بصوت سكير:
-استنيتك كتير.
رد بصوت دافيء ينافس دفئ المطر: -بجد آسف يا حبيبتي.

ثم وضعها بمرقدها برفق ونزع حذائها الأنيق من قدميها وتململت من نومتها بهدوء قبل أن تقفل جفونها من جديد. نزع ملابسه ثم ارتمى بجوار بتعب قرر أن يتخلص منه في لفافة التبغ التي اشعلها ورماها بفمه حتى أصبحت كل متاعبه كالسحابه السوداء المنعقدة فوق رأسه.

تدلت أنظاره على تلك النائمة التي امتدت يداه لخصلات شعرها لتغازله بحب حتى أكلت متاعبه نص لفافة التبغ التي تقف بين أصبعيه. ثنى السيجارة بقلب المطفأة ثم دار متخذًا قرار إفاقتها كي يعتذر لها عما شغله عنها تلك الليلة، بصوت مدجج بعبير الاعتذار:
-حياه، ممكن تصحى.
تمادت أنامله في طبع روائح الاعتذار على وجهها حتى تحركت جفونها ببطء وبهدوء عكس المتوقع سألته: -أكلت ولا أقوم أجيبلك أكل.

طبع وسام اعتذاره على يدها تارة ثم فوق ثغرها طورًا حتى ابتعد قائلًا: -قومي يالا!
-ليه؟
-نخلص خناقة النهاردة قبل ما ننام، مش عايز أبقى نايم وشايل هم خناقة أول ما أصحى.
تأرجحت عينيها فوق ملامحه المرهقة، حيث تلاعب بقلبها أمواج الشوق والحنين: -بس أنا مش عايزة اتخانق.
تحركت عينيه بدهشة محاولًا استيعاب هدوئها: -والهدوء ده في حد ذاته يقلق أكتر! حياة أنا أسف صدقيني غصب عني! قومي نتكلم.

فاض منها الشوق فأستقبلته بدون وجه للعتاب مستغلة لحظات قربه التي تجاوزت الحدود، كسرت حواجز المسافات بينهم خاصة إثر أنفاسه التي توقدت بنيران الاشتياق والأسف التي كانت تنادي فلبت النداء، سبقت كلماته المدجج بالحب بفتح أبواب العشق بوجهه كأنها تعلنها صراحة لقلبهما لم يعد لي في حبك إلا السرقة. سرقةً النظرات و الهمهمات ولحظات مسروقة من العناق قبل أن يلتفت لنا الزمن وقبل أن تشرق شمس الانثى المتمردة برأسي، بلطفٍ غير معهود منها أصبحت جزء لا يتجزأ من روحه وكأنها أرادت أن تخبره بطريقة أكثر خطورة دعنا من العتاب الآن، لقد تعلمت أن أروي عطشي أولًا قبل ردم البئر، غمغمت حبًا كأنها تعتذر لعقلها:.

– سأتبع جميع الدروب معك، درب القلب والعقل وجنونهما، بساحة حبك لم أمارس ألا هواية الطمع، لا يكفيني إلا كل شيء عنك!
قيل قديمًا أن المشاعر ليس لها صوت لكنها ذات ملامح جميلة ومثيرة
ولكن هذا الكلام لا أصدقه ؛ المشاعر لها صوت يشبه صوت العصافير، ولها رائحة تنافس رائحة الخبز أن مسته النار. و لكنها تحتاج الى شخص شجاع ينطق بها.
صباحًا.

تململت يداه تبحث عنها بجواره بأعين منغلقة فلم يجد إلا فراغًا. فتح جفونه مناديًا باسمها فلم يلقى ردًا، انعقد حاجبيه باستغراب: -النهاردة الجمعة ومفيش مدرسة للبنات؟ راحت فين بدري كده.
نهض بتثاقل ناحية الحمام وأخذ حمامًا دافئًا ظنًا منه بأنها تجلس بالأسفل مع أخوتها وما أن فرغ من حمامه هبط للطابق الأرضي وهي يجر في خطواته جرًا، فألتقى بيونس متسائلًا:.

-رسيل لسه نايمة؟ مش بعادتها! صحيها يا عمنا هنموت من الجوع.
أجابه باستغراب: -هي مش تحت؟
-لا، دي حتى محضرتش فطار. مش بعادتها يعني؟
وقف بمنتصف الدرجة مفكرًا: -ممكن تكون نايمة مع البنات؟ هروح اشوفها.
صعقه يونس بجملته الأخيرة: -البنات بيلعبوا في الجنينة يا عاصي؟
عاصي بقلقٍ: -أيه؟ هتكون راحت على فين الساعة دي؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *