رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثالث
شبكت كلتا يداي ببعضهما بينما أهز قدماي بإضطراب وأسترق النظرات من حولي بترقب أرسم تخيلاتي وآمالي كما يحلو لي.
أما روز فجلست متكتفة بصمت تجاهد نفسها في عدم الإعتراض على أي شيء.
كنا نجلس معاً أمام طاولة طعام صغيرة في مطبخ متواضع صغير، والكرسي المقابل لنا يجلس عليه والد دانيال بعد ان وضع أمامنا كوبان من القهوة.
نظرت إلى الوراء حيث مدخل المطبخ، لأرى الأربع رؤوس تحدق إلينا وما ان التقت أعينهم بعيني حتى اختفوا بلمح البصر متجهين إلى غرفة الجلوس التي لا يفصل بينها وبين هذا المطبخ سوى الباب فقط.
لم أعتقد ان الأمر سيكون بهذه الصعوبة! ظننتني سأدفع المال لأخرجه وأعرض عليه العمل معي وحسب! ولكنني لم أكن لأتخيل ان شقيقه سيخرجه من المركز ببساطة لمجرد ان يوقع على تعهد بعدم الإعتداء مجدداً. وها أنا ذا مضطرة لتوضيح العديد من النقاط المهمة!
الآن ليس أمامي سوى إقناع هذا الرجل. لقد طلب منا ان نتبعه، وادركت أن منزلهم يقع مباشرة فوق متجر الحلاقة، فلقد صعدنا سلالم تؤدي إلى هذه الشقة الصغيرة، المستوى المعيشي لهذه العائلة.
أقل من المتواضع بكثير كما يبدو.
فهنا الطابق الثاني حيث غرف النوم التي رأيتها في طريقي إلى غرفة الجلوس الصغيرة، كما لمحت درجاً آخر يؤدي للأعلى عند ناصية الممر، أي أن هذا المكان يتضمن ثلاث طوابق على ما أظن.
لندخل في صلب الموضوع.
قيلت بصوت حازم جعلني أنتفض في مكاني وأودع أفكاري لألتفت نحوه بسرعة وقد أومأت بجدية: لنفعل هذا. لا داعي للمقدمات سيد. أ. بماذا أناديك؟
أطال في تحديقه إلى بتمعن وجمود ثم أجاب بصوته الذي بدأت أدرك أنه اعتاد التحدث فيه بنبرة الحدة والحزم: هاريسون.
ابتسمت بهدوء: حسناً سيد هاريسون، كما أسلفت. أنا هنا لأجل دانيال.
نعم سمعت هذا مسبقاً. ما الذي تريدينه منه تحديداً، تحدثي بإختصار وبوضوح تام لا وقت لدي.
قالها يضرب بخفة على الطاولة وبنفاذ صبر، بللت شفتاي واسترقت نظرة خاطفة لروز التي أومأت لي محفزة، تشجعت قبل أن أقول بهدوء: أنا كتاليا، مصورة و أعمل لصالح مجلة قيمرز كامب، اختصاص المجلة ينحصر على الترويج للألعاب ومناقشتها وما إلى ذلك من أمور قد لا تهمك ولكنني لن أمانع توضيحها أكثر إن أردت، المهم أنني بحاجة إلى نموذج أستخدمه للترويج لإحدى الألعاب للأجهزة اللوحية، حدثت مشكلة ما والعارض الذي كان يعمل معنا أصيب وأدخل إلى المشفى، رأيت ابنك صدفة اليوم وأساء الظن بي بسبب إندفاعي. هذا كل ما في الأمر!
ظهرت تقطيبة بين حاجبيه فأسرعت أكمل أحتضن كوب القهوة بين يداي موضحة بجدية: المواصفات المطلوبة تتوفر فيه.
وما هي المواصفات التي جعلت من ابني الأحمق فاسد اللسان مهماً إلى هذه الدرجة؟
سمعت اعتراض خافت من خلف الباب بصوت مغتاظ: هل كان عليه التصغير من شأني بهذه الطريقة!
اخرس أيها المغفل سيسمعك.!
قالها كارل محذراً!، نظر السيد هاريسون إلى الخلف حيث الباب قبل أن يصرخ بحزم ويضرب بيده الطاولة بعنف أجفلنا انا وروز على إثره: إلى متى تنوون التنصت هناك!
ظهر الأربعة ليعلنوا وجودهم بشكل صريح، حيث يقف الصغير أمامهم ممسكاً بيد الفتى المراهق الذي دفع بسبابته نظارته أعلى أنفه بتوتر ينظر بعيداً، بينما كارل يشيح بوجهه ويعقد حاجبيه بإضطراب واضح، ولكنني تفاجأت بدانيال يتقدم بحزم وينظر إلى بعين جادة هادئة وهالة من الثقة المفرطة تحيط به: أنتِ. عرضك مرفوض لذا يمكنك المغادرة حالاً. اخرجي من هنا وكفاكِ إهداراً للوقت!
م. مرفوض؟ بهذه السرعة!؟
هل كان ينصت حقاً؟ ألم يسمع اسم المجلة على الأقل؟
ما الذي يظن نفسه فاعل برفض عرض مثير كهذا! لم يكن ليحلم حتى بالعمل في مكان مماثل! سحقاً لا زال على معاملته بلطف والصبر على تصرفاته.
وقفت بهدوء ونظرت إليه فتوقف عن الإقتراب فجأة وأخذت الحيطة والحذر طريقها نحو وجهه وقد تبددت ثقته تماماً على حين غرة!
تقدمت إليه أبتسم بلطف ومسايرة قدر الإمكان: هل تعلم أنك ترفض عرض قد لا تحلم به مجدداً؟ الكثير من الناس اجتهدوا وخاضوا اختبارات عديدة ليصلوا إلى مهنة يتم عرضها عليك الآن بلا مقابل بل وأتاك العرض إلى مكانك مباشرة على طبق من ذهب! هل حقاً لا تريد العمل هناك حيث يكون كل ما تفعله هو التقاط بعض الصور وارتداء ملابس مختلفة ثم العودة إلى المنزل؟
رفع يده اليمنى يستوقفني دون أن ينظر إلى مباشرة مخفضاً رأسه ويعقد حاجبيه بحزم: ت. توقفي. عن الإقتراب أكثر!
هاه!
وقفت في مكاني باستغراب وكذلك روز التي بدت مشتتة وهي تقف بعدم فهم متسائلة بإنزعاج: كنت أتساءل في هذا أكثر من مرة ولكن. لماذا تتصرف معنا بحذر شديد! ليس أنت وحسب ولكن الجميع.
أيدتها أقترب منه ارفع حاجباي متمتمة: صحيح. هل هناك أمر خاطئ بشأننا؟ لماذا أشعر فجأة كما لو كنا وباء من الخطر الإقتراب منه!
وقفتُ أمامه مباشرة أحدق إليه بترقب فاتسعت عيناه الزرقاء للحظة قبل أن يتراجع للخلف فوراً ويعود حيث يقف الثلاثة وبدى يلهث وبالكاد يلتقط أنفاسه ليسأله كارل بإهتمام وهمس مترع بالجدية: ك. كيف كان شعورك؟
أجابه بصعوبة وبالكاد يتنفس: لا يوصف!، فلتجرب بنفسك.
بل وأكمل ينفي برأسه يمرر يده في شعره بإضطراب: هذا صعب، ولسبب ما. أصعب من المعتاد، ربما لأن درجة جمال هذه الفتاة يتطلب جهد أكبر ووقت أطول لعدم التأثر به!
ع. عذراً؟
نظرت إليه ببلاهة أردد كلماته في عقلي، ليرمقني كارل بنظرات هادئة بتردد شديد قبل أن يتخذ خطوات صغيرة إلى واقترب مني بخطى بطيئة يحكم قبضته بقوة و. بدى مثل اللص الذي يتسلل في الظلام الحالك!
أنا حقاً.
لا أستوعب ما أرآه!
ظل كارل يتقدم نحوي وكل خطوة تلحق سابقها بعشر دقائق، لا أدري ما الذي يحدث ولكن. أعتقد أن الفضول قد أصابني، أمرهم مثير للإهتمام حقاً!، بادرت من تلقاء نفسي لأتقدم إليه ولم أستطع منع الترقب ليظهر على ملامحي، طرف بعينه الزرقاء بسرعة ينظر إلى للحظات حتى اشاح بوجهه وقال بثقة مكسورة بوضوح وهو يرفع يديه بهدوء: أ. أنت تبالغ كثيراً دان! إنه شعور طبيعي ولا شيء. يدعو إلى.
تلعثم قليلاً ثم سرعان ما أغمض عينيه بقوة وتراجع فوراً ليخرج من المطبخ نافياً: محق، الأمر بالفعل أصعب مما ظنت!
يا الهي!
تبادلت النظرات أنا وروز التي فغرت فمها ببلاهة واستغراب شديد، نفيت برأسي بعدم فهم فأتى صوت حازم: أعتقد أنكِ سمعت ما قاله يا آنسة. عرضك مرفوض، هل يمكنكما المغادرة الآن؟
اتسعت عيناي بقلق واستدرت نحوه اعترض وأحاول محاورته: من فضلك سيد هاريسون امنحني فرصة لأشرح الأمر له أكثر!
أعقبت استدير مجدداً أنظر إلى دانيال الذي يقف عند الباب: هل حقاً سترفضه ببساطة؟ هل تملك أدنى فكرة عن كل ما يمكنك الحصول عليه من مجرد العمل معنا مؤقتاً!؟
أومأ بلا اكتراث يقلّب عينيه بضجر وتثاقل يمرر يده على عنقه بملل: آه نعم. هيا غادري أنتِ وصديقتك لا زال لدينا الكثير من العمل. أنا جائع وسيسوء مزاجي أكثر بعد بضع لحظات فقط.
لا يعقل! كيف يكون بهذا البرود بشأن العمل في مجلة كهذه؟ أنا واثقة أنه لا يعلم عما أتحدث وإلا لما أهدر هذه الفرصة. ما العمل الآن؟ هذا الرجل عنيد مستفز غريب الأطوال، كما ويبدو والده مخيفاً بتحديقه إلى بنظراته الحادة المترقبة!
وضعت روز يدها على كتفي مربتة وهمست لي بصوت خافت: دعي الأمر لي.
ما الذي ستفعله يا ترى؟ أومأت لها بأمل فرفعت عينيها نحو دانيال بغضب فبادلها النظرات المتقطعة السريعة بتبرم: ماذا؟
أشارت له بحنق: هيه أنت. انصت إلى ما تقوله صديقتي وإلا دفعت الثمن غالياً. كيف ترفض عرضاً مغرياً كهذا لن يتكرر ولو تكبدت عناء المحاولة طوال حياتك!
هل تجرئين على تهديدي؟
أسرعت أمسك بكتفيها أهزها هامسة برجاء والغصة تكاد تخنقني: لم يكن على توقع الكثير منكِ! توقفي عن اللجوء إلى هذه الطرق أنا في خطر حقيقي الآن! اتركي كل شيء لي وحسب. فهمتِ؟
ابعدت يديها بإنزعاج: ولكنه لن يقتنع إلا بالعنف! ثم الحوار معه شبه مستحيل اليس هذا واضحاً!
إنها محقة. أنا أيضاً لا أدري لماذا يبدو الجميع حذرين للغاية بشأننا. و لا أعلم إن كان الحذر هو الكلمة الصحيحة لوصف الأمر! لماذا يجرؤ على مخاطبتي بهذه النبرة المتسلطة من بعيد فقط؟ هل يوجد حدود أو خطوط وهمية لا ترى ونحن نتعدى عليها؟ أم ماذا!
سمعت خطى تقترب خلفنا ولم يكن سوى السيد هاريسون الذي تنهد بعمق قبل أن يقول بجدية: حان وقت المغادرة.
جزيت على أسناني بقوة ثم فتحت فمي لأجادله ولكن سبقني القول بجفاء: أسرعا، سنغلق المحل بعد قليل نحن لم نتناول غداءنا بعد ولا زال علينا العودة إلى العمل بعد تناول الطعام. قلت أسرعا.
انتفضنا لصوته الجهوري العالي، انكمشت روز على نفسها وبادرت تتحرك بقدم مرتجفة لتسبقني تحتضن حقيبتها هاربة وما ان رأيتها تقترب من الباب حتى اختفوا جميعهم مرة أخرى.
نظرت بدوري إلى هاريسون بتردد شديد، أنا لن أسمح لابنه ان يفسد خطتي لمحافظتي على مهنتي التي وضعت فيها خطط كثيرة بعيدة المدى، على إيجاد طريقة لإقناعه مهما كان الثمن!
لا تهمني رغبة ابنه، غداً ستكون فرصتي الأخيرة.
بحثت في حقيبتي بسرعة عن بطاقة تعريفي ثم رفعتها أمامه برجاء: إنها بطاقتي سيد هاريسون، رقم التواصل موجود وكذلك رقم آخر أرضي، سأكون مسرورة حقاً لو فكرت بشأن العرض. صدقني قد تكون فرصة لن تتكرر أبداً. فكر جيداً أرجوك. سيجني دانيال ثروة كبيرة خلال فترة قصيرة وقد تتهافت عليه العروض من مختلف الشركات ويجني المزيد والمزيد من الأموال! عليه أن يفهم أن كافة المؤهلات تتوفر فيه ولن تتردد الشركات والمجلات في محاولة التعاقد معه أنا واثقة أنكَ لا تريد خسارة فرصة مماثلة قد لا تأتي مجدداً أبداً! الأمر لا يقتصر على الترويج للألعاب فقط بل أكبر بكثير!
رفع حاجبه الأيسر ينظر إلى بتقييم وتفكير يطرف ببطء وقد رفع يده ليتناول البطاقة مني فأسرعت أتبع روز أنا أيضاً لنخرج.
وبمروري عند مدخل غرفة المعيشة تهاوى على مسامعي صوت هامس: قبيحة عنيدة.
هذا الطفل مجدداً! يقف متكتفاً يرمقني نظرات جافة عدائية يسند ظهره للحائط، وما ان احتدت عيناي حتى تفاجأت به يبتسم في وجهي بمرح كما لو كان يلقي التحية! ما مشكلته معي تحديداً! أتمنى لو أمسكه من وجنتيه بقوة وأمطها بأقوى ما لدي ليتعلم آداب الحديث قليلاً!
أحكمت قبضة يدي ولم أمنع نفسي من الإنحناء نحوه لأهمس في أذنه بوعيد: لا تنعتني بأقبح الصفات بينما يبدو وجهك الدائري مثل الدونات.
اتسعت عيناه البنية الداكنة للحظة قبل أن يردد: وجهي مثل الدونات!
أومأت له بغيظ واستقمت مبتعدة بثقة ابتسم له بإستفزاز، خطيت لأنزل الدرج ولكنني تفاجأت بقدمه الصغيرة التي وضعها أمامي عن عمد لأتعثر بها وأسقط من أعلى الدرج حتى استقر جسدي على الأرض.!
ت. تباً!
تأوهت أحاول النهوض من مكاني بألم شديد.
اللعنة. أشعر بأن عظامي تفككت كل واحدة على حدى. رأسي وجسدي. يا الهي! لا يمكنه أن يكون جاداً!
رفعت جسدي بصعوبة وتأوهت أمرر يدي على كتفي وظهري حتى سمعت ضحكاته المستمتعة في الأعلى.
مهما نظرت إليه.
هو الوحيد المختلف عنهم!
كورت قبضتي بسخط حتى ابيضت وفتحت فاهي لأصرخ عليه وأعصابي توشك على التلف تماماً ولكنني توقفت فوراً عند رؤية والده ينظر إليه بهدوء ثم تساءل: ما الذي تضحك بشأنه لاري؟
نفي له الشيطان الصغير بعين تلمع بقمة البراءة ثم أشار إلى بقلق واستياء: لقد سقطت الآنسة من فوق الدرج.
ماذا! ويجيد الكذب والتمثيل أيضاً؟
نزل السيد هاريسون يقطب جبينه: هل أنتِ بخير؟
أومأت فوراً أبتسم بهدوء: آ. آه نعم! أنا بخير. كان على أن أكون أكثر حذراً بشأن خطواتي.
وقفت بصعوبة أتجاهل الآلام الجسدية والكوارث الداخلية ورتبت شعري ومظهري أعيد الخصلات المبعثرة خلف أذني، وضعت الحقيبة على كتفي ثم تحركت نحو المخرج أعرج وأبتسم بلطف للمرة الأخيرة: إلى اللقاء سيد هاريسون، أرجو ان تفكر في الأمر. أخبر دانيال أنني سأنتظر رده حتى الغد. شكراً جزيلاً على حسن استقبالنا.
عن أي استقبال أتحدث تحديداً!
آآه.
صداع مميت!
إنه خطأي للسماح لهما بالمجيء إلى هنا في وقت كهذا.
تمالكت نفسي محاولة الإنهماك في ترتيب وفرز بعض الملفات والصور المتعلقة بالعمل في حاسوبي ولكنني أغمضت عيناي أتأفف بضجر وإنزعاج حين رفعت ساقها تضربني بينما تستلقي على الأرض أمام الأريكة وقالت من بين ضحكاتها: ثم صرخ علينا الرجل وقال لنا أن نخرج، ليتكِ رأيتِ أوجه الثلاثة حين تقدمت نحو المدخل. ذلك المدعو دانيال يتصرف مثل الجانح الذي لا يقهر من مسافة بعيدة ولكنه ينكمش فوراً لمجرد اقترابنا منه. لا أصدق ما كان يحدث أمامي. سأذهب إليه كلما شعرت بالملل لأخيفه.
عاودت تنفجر ضاحكة ثم ابعدت ساقها عني واعتدلت تجلس على الأرض ممسكة بزجاجة النبيذ لترتشف منها دفعة كبيرة قبل ان تقول ساخرة متهكمة: ذلك الفتى الصغير. نعت كتاليا بالقبيحة! كنت أرغب في منحه حلوى تليق بمستواه الذكي بالنسبة لطفل لا يزال في المرحلة الإبتدائية، أراهن على أن هذا الفتى سيكون ذوقه في النساء رائعاً عندما يكبر. أنتِ لم تري كيف كانوا يتصرفون جانيت، عليكِ الذهاب إلى منزلهم كلما شعرتِ الضجر والإستياء.
هذه المزعجة. وهذه المغفلة الأخرى التي اقتربت مني تفرك عينيها وتبعد شعرها الكستنائي الطويل عن وجهها متمتمة بنعاس يجوبه برودها المعتاد لتستلقي على الأريكة بجانبي: اخرسي قليلاً روز الا يمكنني الإستلقاء والحصول على قسط من الراحة؟ لقد كان العمل اليوم منهكاً حقاً!
انفجرت لأتذمر بإنزعاج: كفي عن تشتيتي جانيت لم تتوقفي عن الاستلقاء هنا وهناك!، وأنتِ يا روز من دعاكِ إلى هنا لتشربي في شقتي! لو ثملتِ فلن أكلف نفسي عناء مساعدتك في أي شيء هل تسمعينني؟ دعي الزجاجة بعيداً حالاً!
لوحت بيدها بملل وعدم اكتراث تمرر يدها في شعرها الأشقر القصير: لا تشعري بالغيرة بسبب ضعف قدرتك على تحمل الكحول، كما أنني أعاني وأشعر بالجرح العميق، أنا امرأة تعاني من خلاف نشب بينها وبين حبيبها فأين عساني أذهب. إلى من سألجئ سوى صديقتاي المقربتان؟ ديفيد الوغد لم يتصل بي منذ ذلك الحين! كيف يجرؤ على الاعتذار بكلمات مكتوبة في محادثتنا الجماعية أمامكم!
أه حقاً؟ ان اعتذر علناً لن تكوني راضية، وحتى لو اعتذر بطريقة رومانسية ستفسدين الأجواء باندفاعك الغبي! حسناً تعانين بسبب ديفيد نشكرك على توضيح سبب وجودك هنا ولكن ماذا عن جانيت!
ارتفع حاجبا جانيت وقالت تغمض عينيها بنعاس: شقتك أقرب إلى المجلة لذا دعيني ارتاح قليلاً.
علقت روز بحماس فجأة وقد تركت الزجاجة جانباً لتقترب منا تجلس على الأرض عند الأريكة: كتاليا ألم أخبركِ بالحادثة الحزينة التي تعرضت لها جانيت اليوم؟
ظهرت تقطيبة تنم عن الإزعاج بين حاجبا جانيت وقد اعتدلت لتجلس توجه نظرة باردة حازمة إلى روز أسفل نظارتها الطبية: إن أردتِ الموت. فأكملي.
تجاهلتها روز وأكملت ضاحكة: إحدى العارضات نعتتها بالعمة! وزميلها العارض نعتها بذلك أيضاً أمام مرأى الجميع وقد تلون وجه جانيت بغضب وإحراج لتخرج من موقع التصوير فوراً!
زميت شفتاي بسرعة أكبت رغبتي في الضحك وقد نظرت إلى جانيت التي ركلت روز بقدمها ممتعضة: اذهبي إلى الجحيم!
تأوهت روز وقالت ضاحكة: أخبرتها مئة مرة أنني سأساعدها في العناية بمظهرها بدلاً من الهالة المكتبية الكئيبة التي تحيط بها. وهذا هو جزاؤها الآن، لا عجب أنها تتقمص دور العمة الكبيرة.
أكملت روز تنتقدها مشيرة إليها: اتركي شعرك كما هو مسدلاً أين تكمن المشكلة! لماذا تصرين على تسريحة الجدة في العمل! توقفي عن ارتداء الملابس السوداء الفضفاضة وحاولي ابراز مفاتنك!
قلّبت جانيت عينيها بلا اكتراث ولم تعلق لتستكمل روز توجيهاتها دون توقف لتعلق جانيت ببرود: لديكِ الوقت الكافي لتتأنقي، أنا لا أتبع نمط حياتك دعيني وشأني.
حينها تنهدت بعمق ونهرتُ روز: حسناً يكفي! مزاجي لن يتحمل شجاركما الآن على إنهاء ترتيب الملفات.
تمتمت جانيت: تعملين على ترتيب الملفات قبل استئنافك للعمل، واثقة أن العارض البديل سيقبل بعرضك؟
رمقتها بإمتعاض: ابعدي تشاؤمك عني أيتها الطاقة السلبية المتحركة!
أعقبت بإستيعاب: مهلاً، لا زال هناك وقت طويل جداً على موعد صدور الغلاف الجديد! لماذا تأخرتِ في العمل اليوم؟
تساءلت أوجه حديثي إلى جانيت التي أجابت ببرود: أعلمنا جاك بتقديم الموعد، حررت نصف الصور اليوم، وغداً سأتفرغ لكل ما يتعلق بالغلاف.
غمزت روز: المحررة المجتهدة جانيت التي تهدر وقتها على العمل بدلاً من البحث عن حبيب يقتلعها من ظلمة الأيام.
زفرت جانيت بنفاذ صبر وتحركت متجهة إلى المطبخ، همست لروز بتحذير: توقفي أيتها الحمقاء! ستتشاجران مجدداً لا طاقة تسمح لي في خوض أي عراك الآن!
أرسلت لي قبلة في الهواء واستلقت على معدتها على الأرض بملل تعبث بهاتفها، سألتها أوجه ناظري إلى حاسوبي: تواصلتِ مع ديفيد مجدداً؟
أجابتني دون ان تلتفت نحوي: وكأنني سأفعل، لن أتنازل أبداً. صحيح لم أنسى اتفاقنا، جدي لي حلاً!
أومأت بتثاقل: لم أنسى. امنحيني فرصة التفكير بالأمر. مع أنه اعتذر في المجموعة لا أدري ما الذي ينبغي عليه فعله ليرضيك!
خرجت جانيت من المطبخ بعد دقائق ممسكة بكوب من الشراب الدافئ وجلست مع روز تشاهدان التلفاز بينما أكملت عملي على حاسوبي، لو كان الوقت الآن كالأيام الاعتيادية لخرجنا وقضينا وقتاً ممتعاً! وكأنني أستطيع الإستمتاع بوقتي، لا زلت أفكر في كل دقيقة بخوف ما إن كان دانيال سيرفض العرض مجدداً وسيكون قراره الأخير بلا عودة أو تراجع!
أمضيت وقتاً طويلاً حتى اغلقت الحاسوب ومددت جسدي بكسل، انتبهت لجانيت التي كانت تستلقي على الأريكة تغمض عينيها بأريحية بينما روز تجلس بجانبها وعينيها تحدق إلى التلفاز بشرود.
بدت في عالم آخر تماماً، ولا سيما حين لمحتها تكور قبضة يدها قليلاً وترفعها نحو صدرها وبريق عميق لم أعهده قد ومض في كلتا عينيها البنيتان، وقفتُ اتجه إلى حقيبتي حيث غرفتي وأخرجت منها الأساور التي اشتريتها، عدت إليها وما ان وقفت أمامها حتى أفاقت من شرودها ونظرت إلى بترقب قبل ان تشهق بخفة: مهلاً! كم الساعة الآن!
اسرعت تنظر إلى هاتفها تسترق نظرة لتقول بتفاجؤ: مضى الوقت سريعاً!
بدت وكأنها ستيقظ جانيت فنهرتها بسرعة: لا بأس دعيها ترتاح، ان غطت في النوم لن تستيقظ بسهولة كما أنها مُنهكة، خذي.
ناولتها السوار فابتسمت تتأمله بين يديها قبل ان ترتديه ليزين معصمها، تأملتها أقف في مكاني بهدوء. لقد مضت الأيام بسرعة البرق! وكأن لقائي الأول بها كان في الأمس فقط.
عندما انضممت للعمل كنت قد قررت الانغلاق على نفسي وعدم السماح لأي كائن يكون باختراق الحيز الذي يحيط بي وتجاوز دائرتي المُغلقة، هُناك رأيت نفسي أحذو نحو بدايتي الجديدة.
كان جاك وديفيد أول من التقيت بهما، وبسبب شخصيتهما كان من السهل التأقلم والتكيف معهما ومع ذلك بقيت أحيط نفسي بحدودي الخاصة، إلا أن التحاق جانيت بالمجلة بعد انضمامي ببضعة أشهر كان الخطوة الأولى لبدايتي الجديدة فعلياً! لم أكن على وفاق معها، لم تكن تحدق إلى بطريقة لطيفة! وربما لا زالت.
كنت أنعتها بالمحررة المتغطرسة في نفسي ووجدت صعوبة في تقبلها! ولكن وما أن التحقت روز بالعمل حتى ساهمت شخصيتها المرحة الودودة بتقليص المسافات وكسر الجمود بيننا مع الوقت.
غادرت أفكاري عقلي وقد عدت إلى وعيي أقول لروز: ابقي انتِ أيضاً تأخر الوقت ومن الخطر الخروج الآن. ضعي السوار الآخر حول معصم جانيت أخشى أن أنسى أمره لاحقاً.
أومأت تتثاءب بينما تضعه حول معصم جانيت، ثم وقفت تجمرشعرها القصير للأعلى بعشوائية متمتمة بكسل: سأستعير حمامك لأستحم وأنام فوراً.
إياكِ وكسر أي شيء مثل المرة الأخيرة.
اشارت بيدها بلا اكتراث تتجه إلى غرفتي وقالت بتثاقل: شكراً على السوار اللطيف.
ارتديت سماعة هاتفي اترقب الطرف الثاني ليجيب على مكالمتي بينما أضع لبينديكت حبوب الطعام في طبقه ليقف مترقباً بحماس، وما ان أجاب الطرف الأخر حتى قلت فوراً دون سماع صوته: شقيقتك نائمة في شقتي إياك وازعاجي والتظاهر بالخوف والقلق لتهجم على بمكالماتك. إلى اللقاء.
استوقفني بسرعة: مهلاً! هي لم تثمل صحيح؟ هل هي بخير؟
آه لا داعي للقلق كانت منهكة فقط. عمتَ مساء.
كم أنتِ قاسية كتاليا! لماذا تعاملنني بجمود رغم كل ما أفعله لأجلك!
قلّبت عيناي بضجر: قلتها بنفسك! توقف عن كل ما تفعله إذاً!
ولكن! تلك الباقة كانت بغرض تعبيري عن صداقتنا واعتزازي لا أكثر بالطبع لا أنوي أي شيء كات، صحيح أنني سأكون سعيداً لو واعدتني إلا أنني لن أرغم امرأة على.
ها أنت ذا، هل انفصلت عن تلك الموظفة في قسم الأرشيف وفطرت قلبك لتبحث عن غيرها؟
أتى صوته واثقاً: أواعد ريبيكا من قسم التصميم حالياً.
لويت شفتي بملل: لا تنسى الطابق الرابع لا زال هناك امرأتين أو ثلاثة لم تواعدهما بعد.
ضحك بخفوت: تعلمين أنني سيء الحظ كات.
ما أعرفه أنك زير لا يتوقف عن العبث مع النساء جاك! فليكن. هل كل شيء على ما يرام في العمل؟
الأوضاع بأفضل ما يكون دعكِ من كل هذا ماذا عنكِ؟ اخبرتنا في المجموعة انكِ وجدتِ عارض بديل ولكنك لم توضحي شيئاً! مهلاً! الم تقرؤوا رسالة ديفيد يا رفاق! لقد اعتذر لروز في المحادثة الجماعية أمامكم فلماذا لا زالت تتجاهل اتصالاته بحق الإله!
ابتسمت بتهكم: جديربالذكر أنك الأكثر خبرة في مجال العلاقات هاه؟ لا أدري سأبحث عن حل لهما ولكن ابقى خارج الموضوع انت اياك وشحن عقل ديفيد بأي أفكار غبية.
همهم بعدم اقتناع ولم تكن سوى ثواني حتى سمعته يتأوه فارتفع حاجباي لأسأله فوراً: ما الأمر!
سُحقاً ضربت مرفقي بطرف الباب!
أنتَ بخير؟
ساد الصمت قبل أن يقول بنبرة خافتة: أتألم كثيراً، احتاج إلى لمسة حانية من أناملك على مرفقي لي.
انهيت المكالمة لأغلق في وجهه، تركت بينديكت وأسرعت إلى الغرفة المجاورة لغرفتي لأجهزها لجانيت قبل ان أتجه إليها وايقظها لتستكمل نومها على السرير وما هي إلا لحظات حتى خرجت روز تجفف شعرها قبل ان تستلقي على السرير بجانب جانيت.
شبكت يداي خلف رأسي أنظر إلى السقف بشرود.
أسأل نفسي للمرة الألف. إن كان دانيال سيقبل عرضي.؟
إن كنت سأحافظ على مهنتي التي برهنت فيها على الكثير. على موهبتي. على قدرتي في الإعتماد على نفسي. على مسؤوليتي وعلى تقديري لذاتي بعد كل ما حدث. بدأت أشعر بتثاقل شديد في جفناي. وحينها استسلمت للأفكار كلها، ووضعت الإحتمالات جانباً. مقررة النوم أنا أيضاً.
ما هذا الصوت؟
المنبه؟
لا.
لا أظن ذلك. لا أتذكر أنني قمت بضبط أي منبه.
يا الهي أشعر بالخدر في جسدي.
الصوت مستمر.
هل هذه. نغمة رنين هاتفي يا ترى؟
تحركت بنعاس وبصعوبة، فتحت عيناي بكسل لتمتد يدي نحو هاتفي على المنضدة، رقم غير مسجل.؟
ولكنه ليس لذلك الوغد. من يكون!
لحظة.
كم الساعة الآن!
اتسعت عيناي أستوعب أنها الثامنة والنصف. أي أن روز وجانيت لم تستيقظا للعمل بعد! يا الهي ما هذه الورطة؟
تجاهلت هاتفي وركضت إليهما بسرعة، اقتحمت الغرفة أصرخ بذعر: الثامنة والنصف، سيقتلكم الرئيس كوفمان حتماً!
استيقظت جانيت فزعة وتحركت فوراً بهلع ولكنها دفعت بيدها نظارتها التي كانت على طرف المنضدة بالخطأ فشهقت وجثت على ركبتيها تتفقدها فوراً وقد طار النعاس من عينيها تماماً، للأسف. لقد كُسرت.!
تقلبت روز بإنزعاج واعتدلت تمرر يدها على رأسها بألم: لماذا تصرخين. يا الهي سينشطر رأسي إلى نصفين.
عاودت أصفق بيدي لتتحركا: اتركي النظارة يا جانيت واسرعي لتغيير ملابسك، وأنتِ يا روز سأحضر لكِ مسكناً للألم ولكن أسرعي واستعيدي وعيك هيا!، هل تريدان التغيب عن العمل بلا حجة؟ سيتم القضاء عليكما حتماً.
عقدت جانيت حاجبيها تحدق إلى النظارة بضيق واضح، زميت شفتي أنظر إليها ولكنني سرعان ما استوعبت رنين هاتفي مجدداً!
انتبهت روز إلى جانيت لتنظر إليها بهدوء للحظات قبل أن تقول: لنتأهب للعمل تأخرنا كثيراً.
خرجت من الغرفة بسرعة وترددت بعض الشيء متذكرة ما حدث في الأمس فور إجابتي ولكنني تجاهلت الأمر وأجبت بحذر: مرحباً؟
أتى صوت مألوف حازم مترع بالجفاء: الآنسة كتاليا؟ لنلتقي قبل العاشرة.
الصوت الحازم. السيد هاريسون؟
فغرت فاهي بعدم تصديق ثم ابتسمت بسعادة ولكنني سرعان ما شعرت بالخوف والقلق، ماذا لو اتصل ليعلمني بأن دانيال رفض العرض مرة أخرى؟
ولكن.
لماذا قد نلتقي لأجل سبب كهذا! بإمكانه اخباري بالأمر عبر الهاتف وحسب ليرفض عرضي او حتى تجاهل ذلك!
هل وافق!
لم يحن الوقت بعد، بل أنها لا تزال التاسعة والنصف فقط وقد هرعت إلى المقهى الصغير الذي اتفقنا أن نلتقي فيه، أتيت مبكرة عن الموعد بسبب التوتر والحماس. والخوف أيضاً!
طلبت من النادل فنجان قهوة سوداء وكراوسون بشريحة الجبن وقد حرقت عشرات السعرات بدلاً من اكتسابها إثر توتري الشديد.
ما ان غادرتا جانيت وروز للعمل حتى وصلت الخادمة لتنظف شقتي، لذا وجدت نفسي أرتدي ملابسي دون تفكير وأتيت إلى هنا بسرعة، كما أنه فنجان القهوة الثاني الآن فلقد سبق وشربت واحد في الشقة، إن استمر الحال هكذا وسيطر الإضطراب على فسيتوقف قلبي عن العمل نتيجة المبالغة في شرب القهوة، ولكن ليس في اليد حيلة.
رفعت يدي لأنظر إلى معصمي.
عشرة دقائق فقط وسيحين الوقت المحدد.
يا الهي أنقذني. سأفعل المستحيل وسأبذل جهدي لأكون الأفضل وسأغير الكثير ولكن. أنقذني هذه المرة فقط! أنا حقاً سأكون أفضل ولكنني بحاجة ماسة إلى هذه الفرصة!
لا أريد لذلك اللعين أن يتحكم في حياتي كيفما يشاء.
لا أريد أن يستمتع برؤيتي مثيرة للشفقة هكذا!
أخفضت عيناي نحو هاتفي ألهي نفسي.
إنها الليلة الأخيرة، لقد انتهى العد التنازلي وسيكون القرار المصيري قد تم اتخاذه اليوم، لا أستبعد ان يتصل بي كوفمان قبل الظهيرة ويسألني عما فعلته.
مضى الوقت وقد أشارت الساعة إلى العاشرة، زاد توتري ولم أتوقف عن تحريك قدماي والعبث بالفنجان في كل حين، استرقت نظرة إلى المدخل حين لمحت رجلاً يدخل من خلاله.
إنه هو! وأخيراً.
وقفت دون شعور أبتسم وأشير له ملوحة فانتبه لي واتجه نحوي، أ. أعتقد أن هذا الرجل لا يجيد التبسم حقاً!
ليس بشوشاً على الإطلاق، كما أن هذه التقطيبة بين حاجبيه لا يبدو أنها ستختفي يوماً.
ينتابني للحظة شعور كما لو كنت مجرد تلميذة طلب مدير المدرسة لقائها ليعاقبها على فعلة اقترفتها، وصل حيث أقف وجلس دون تكبد عناء تحيتي فأسرعت أجلس بإحراج.
لا يستدعي الأمر التساؤل عن سبب تصرفات دانيال الجانحة فالسبب واضح جداً فإن لم يكن وراثياً فلا بد وانه اكتسبه دون حاجة إلى التفكير.
أخفضت رأسي أنظر إليه وقد فشلت في إخفاء اضطرابي وابتدرته لنبدأ: صباح الخير سيد هاريسون. أعتذر على عدم الإجابة في المرة الأولى.
أشار بيده بلا اكتراث ونظر إلى بجدية فحدقت إليه بترقب وهدوء.
سأتحدث بوضوح دون مراوغة.
كما تشاء سيد هاريسون.
يا الهي أنا خائفة مما سيقوله.
علي أن أكبح هذا القلق وأبدو هادئة أكثر، أسندت يداي على الطاولة واستوعبت الأمر: أخبرني أولاً ما الذي تريده؟ قهوة؟ شاي؟ عصائر طازجة أو شيء آخر؟
نظر بعينه إلى المكان للحظة ثم شرد بذهنه قليلاً ورفع كتفيه بإستسلام: أي شيء. لربما يطول حديثنا قليلاً.
يطول؟ هذا يعني أنه لن يرفض اليس كذلك!، يا ترى ما الذي يحمله في جعبته!
طلبت له فنجان قهوة سوداء كما رغب، وطوال فترة انتظاره للقهوة كان يلتزم الصمت وعيناه الزرقاء تجوب في المكان بحدة وكلما رمقني بنظراته تظاهرت فوراً بعدم الانتباه! وحالما استقر الفنجان أمامه حتى ارتشف منه وقال: أنا لست هنا لأعلمك بموافقة دانيال أو رفضه، أنا لم أتحدث معه في هذا الموضوع بعد مغادرتك في الأمس.
يا الهي ينتابني الإحباط! لماذا لم يحاول مفاتحته في الموضوع على الأقل لعله يقتنع!
أكمل بجدية: أنا هنا لأضع شرطاً واحداً وحسب. إن وعدتِ بتنفيذه ففي المقابل سيعمل دانيال معكِ شاء أم أبى.
هاه!
اتسعت عيناي باستغراب شديد أوليه اهتمامي تماماً: وما هو شرطك؟ أرجو أنني سأكون قادرة على تنفيذه!
نفي برأسه بهدوء: لا تقلقي بهذا الشأن. ستثبت الأيام ما إن كنتِ قادرة على تنفيذه أو لا.
حسناً.
بدأت أقلق.
زميت شفتاي والتزمت الصمت مترقبة ما سيقوله، فنظر إلى بتمعن وتركيز وكردة فعل تلقائية أشحت بوجهي بعيداً أتظاهر بالنظر إلى الجهة الأخرى حتى قال ولا تزال تلك التقطيبة تحافظ على موقعها بين حاجبيه: الأربعة اللذين رأيتهم في الأمس. أكبرهم يكون كارل وبلغ السادسة والعشرين قبل فترة قصيرة. و يليه.
توقف فجأة وبدى يتذكر أمراً وقد تغير التعبير على وجهه!
استنكرت الأمر كثيراً فنفي برأسه بحزم: أياً يكن لنتجاهل من يليه. ثم دانيال الذي ترغبين في عرض العمل عليه، إنه يصغر كارل بِعامين.
في الرابعة والعشرين، في مثل عمري إذاً! ولكن من الذي يلي كارل؟
أضاف بعد ان ارتشف من القهوة: ثم كيفين ولاري، رأيتِهما في وقت عودتهما من المدرسة. كيفين في العام الأخير من الثانوية ولاري في الصف الخامس الإبتدائي.
ابتسمت بهدوء: جميعهم ذكور. أعتقد أنك عانيت كثيراً سيد هاريسون.
ظهر شيء أشبه بالإحباط على وجهه وهو يتنهد وقد غابت هالة الحزم عنه: عانيت وحسب؟ لن تفهمي هذا الشعور مهما حاولتِ.
أومأت مؤيدة: بلا شك!
حسناً. لا بد وأنكِ لاحظتِ تصرفاتهم. كما أننا الآن في صلب الموضوع بالفعل.
وكيف لن ألاحظ تصرفاتهم الغريبة! أنا حتى أكبح نفسي لئلا أسأله بطريقة وقحة!، مهلاً هل قال صلب الموضوع! كدت أستفسر ولكنه بادر يوضح ينظر بعيداً: نحن عائلة بسيطة يا آنسة. انتقلنا إلى المدينة قبل ستة أشهر فقط، لا يزال أبنائي يحاولون الإعتياد على التغيرات التي طرأت عليهم.
انتقلتم إلى هنا. أين كنتم قبل ذلك!
قرية كلوفيلي.
آه! عائلة ريفية. أظنها المرة الأولى التي أقابل فيها أشخاص من الأرياف. أراهن على أنهم سيعانون قليلاً حتى يعتادوا على حياة المدينة هنا.
سرحت قليلاً أتخيل المناظر الطبيعية في كلوفيلي ومرافقها القريبة من الميناء واتذكر مناطقها القديمة التاريخية والحياة المفعمة بالحيوية حتى أعقب: لطالما كانوا يدرسون في مدارس غير مختلطة، المجتمع الصغير الذي كانوا يعيشون فيه بات أوسع بكثير الآن ولا مجال للمقارنة.
استكمل: والجامعة التي درس فيها كارل ودانيال. كانت جامعة للذكور أيضاً ولم تكن سوى جامعة متواضعة قريبة من كلوفيلي.
هاه! الجامعة أيضاً؟
نعم. الجامعة أيضاً، والآن كما تلاحظين. بالكاد يجيدون التحدث إلى النساء! تصرفاتهم طبيعية تماماً مع الرجال ولكنهم ينقلبون مئة وثمانين درجة أمام الجنس الآخر ولا سيما الأحمقان الأكبر.
هذا يفسر توترهما في كل مرة أقترب فيها! ومع أنني لم أكن أكسر أو أتخطى حدودي وكنت أترك مسافة معقولة ولكنني كنت أشعر بأنني كالوباء الذي يهربان منه. يا الهي لا أصدق.!
مررت يدي في شعري بلا حيلة فزفر بإنزعاج: وكما ترين. متجر الحلاقة مخصص للرجال فقط!
تمتمت محتارة أبتسم بعدم تصديق: أي أنهم ليسوا مضطرين للتعامل مع النساء حتى.
تماماً. كارل يعمل كموظف استقبال في أحد الفنادق ومع ذلك فلا يزال يواجه الكثير من التحديات في عمله، مع انه درس الطب البيطري وتخرج بمعدل عالي ولكن الظروف لم تمنحه فرصة مناسبة ليمارس مجال دراسته، دانيال يساعدني في أمور المحل والتصفيف رغم سوء تصرفاته وطيشه ولكنه درس الهندسة الميكانيكية لقسم النقل والمعدات وهو كذلك لم يحظى بفرصة العمل في مجال اهتماماته.
أحاول الحصول على موافقة رجل ليس معتاد على مجرد الحديث مع النساء فكيف بالعمل! ما هذه الورطة الآن؟
ولكن هذا غريب. ألم يكونوا مضطرين للتعامل مع والدتهم على الأقل؟
شعرت برغبة عارمة في طرح السؤال ولكنني توقفت عندما قال: كيفين لا يختلف عنهما و كل ما يركز عليه هو الدراسة فقط كما انه بارد الطباع كثيراً وسيكون من السهل ملاحظة هذا، لاري يكون أصغرهم وربما يكون الحالة الوحيدة العكسية.
ماذا تقصد؟
لا يزال صغيراً، ومن السهل التأقلم مع البيئة التي تتغير حوله باستمرار، وبينما يواجهون صعوبة التعامل مع النساء فهو الوحيد الذي يتصرف بعدائية تجاههن، ليس وكأنني لا أعلم أنه دفعك من أعلى الدرج في الأمس، حسناً لست واثقاً بعد ولكنني لن أستبعد هذا.
اتسعت عيناي بدهشة فرسم ابتسامة هادئة أسرع يمحيها وتغيرت نظراته للجدية، الصغير يكره النساء والثلاثة الآخرين لا يجيدون التعامل معهن. هذا ما كان ينقصني، ولكن لحظة. لماذا يخبرني بكل هذا؟
لا يعقل بأنه.! سيشترط على أن.
سيد هاريسون. هل تريد مني مساعدتك بهذا الشأن؟ هل هذا هو شرطك؟
ساعدي الأربعة على التخلص من هذه العقدة السخيفة.
اعترضت فوراً بإستياء وإحباط: ولكن. هذا صعب حقاً وليس من اختصاصي! أنا أيضاً لدي بعض المسائل الشخصية ولا أريد التعامل مع الرجال سوى في أمور العمل الرسمية أو العلاقات السطحية! أنا مصورة وحسب ولست أخصائية في العلاقات الإجتماعية أو طبيبة نفسية ولن أكون مناسبة على الإطلاق لتأدية دور مماثل!
رفع كتفيه بضجر: سأضمن لك أن يوافق دانيال على العمل معكِ بشرط أن تجدي حلاً لهؤلاء الأربعة أو لنركز على الثلاثة وحسب فلاري ليس بالموضوع الكبير أو الهام حقاً.
ليس بالأمر الهام؟ لقد كاد يقتلني في الأمس! كنت على وشك الموت حقاً لولا العناية الإلهية. إنه الأخطر حتماً!
لماذا على أن أساعدهم في التخلص من عقدتهم بينما كل ما أريده هو أحدهم فقط ليعمل كنموذج للإعلان وحسب؟ ه. هذا استغلال!
عضيت على شفتي بقهر وأخفضت رأسي أنظر إلى يداي اللتان تمسكان بملابسي بقوة، أنا لا أصدق أنه يعرض على قبول رغبتي جراء مساعدتهم، لقد كنت بالكاد أتحدث إليهم في الأمس فكيف سأحاول مع أشخاص مثلهم! كما أنني لا أهتم بما تؤول إليه الأوضاع معهم وما شأني أنا أصلاً!
سُحقاً لهذا الإستغلال إنها قسوة!
استوعبت أمراً فأسرعت أتساءل مسيطرة على نبرتي المتضايقة: ولكن. أنا بحاجة إلى دانيال مؤقتاً وبصراحة لا أدري إن كان سيطول الأمر أكثر فلربما ينجح الترويج ويتم تمديد العقد معه، إلا أنني منطقية دائماً وأضع الكثير من الإحتمالات، ماذا لو لم يتم تمديد العقد؟ حينها سأكون قد عملت معه فترة قصيرة فقط. هل سأكون مرغمة على مواصلة مساعدتهم! وماذا لو لم أنجح أصلاً؟
نظر بعينه الزرقاء إلى الفنجان الفارغ وأسند وجنته على كفه بهدوء: أبنائي يكبرون أمام عيناي. وأحمل هماً كبيراً مفكراً ما إن كان كارل ودانيال سيجرئان على التفكير بالزواج حتى. لا يوجد أب في هذا العالم سيسعده هذا الوضع، كل ما أريده منكِ هو فتح أعينهم ولو قليلاً ليستوعبوا ضرورة الإرتباط والزواج. قد يكون هذا منهكاً ولكن. تبدين مصرة على العمل معه، لذا سأرفع سقف توقعاتي بشأنكِ.
أردف بتفكير: بالمناسبة. أنا لا أفهم لماذا أنتِ مصرة على اختيار دانيال رغما ماقلتهِ في الأمس، فحتى لو توفرت المواصفات المطلوبة والمعايير التي تبحثين عنها ولكن دانيال مُتعب بطبيعة تصرفاته ولن يتوقف عن جلب المصائب والكوارث.!
نعم هذا واضح ولكنني لن أجد أفضل منه، لديه المعايير المطلوبة التي يطلبها مصمم اللعبة. بينما الآخرين بحاجة إلى المزيد من الجهد والمكياج السينمائي ليكونوا أكثر اقناعا.
وضحي أكثر أنا مجرد رجل تعليمه بسيط ولا أفهم شيئاً عن المجلات والإعلام.
أومأت وقد أسرعت أوضح له: دانيال لديه جاذبية خاصة وفي الوقت آنه ملامحه نوعاً ما. حسناً لا تسيء فهمي أو تنزعج ولكنه كما تعلم. يبدو كجانح مثير للمتاعب وهذا هو المطلوب، بقليل من الإجتهاد سيبدو كجندي في ساحة الحرب! سيتم تنسيق الأزياء والمواقع وكل شيء ليلائم اللعبة، ودانيال هو الأنسب في رأيي.
طرف ببطء وبدى يردد كلماتي في عقله قبل أن يبتسم بسخرية: عن أي جاذبية تتحدثين.
ضحكتُ بخفوت: أرجو أن تخبره بهذا فلربما يسره سماع أمر مماثل ويوافق فوراً.
دعكِ منه، سيوافق شاء أم أبى. ولكنني لم أسمع بردكِ بعد، هل توافقين على هذا الشرط؟
أظنني لا أملك خيار آخر. ولكن ألا يوجد فرصة للتخفيض؟ دانيال فقط بدلاً من الثلاثة؟
زمجر بغضب: تخفيض؟ هل ترين أبنائي سلع تجارية! لقد قلت لك ساعدي الأربعة وهذا آخر ما لدي.
ح. حسناً لا داعي للغضب!
قلتها بذعر ورفعت يداي مهدئة فتلاشى التعبير الغاضب وزمجر: لننهي الأمر على العودة بسرعة أنا لست متفرغاً طوال اليوم للحديث!
لويت شفتي بإمتعاض ثم استسلمت: حسناً إذاً، اتفقنا. ولكن رئيس التحرير في انتظار ردي اليوم لذا سأكون شاكرة لو أخبرتني بموافقة دانيال قبل الظهيرة على الأقل. إنها المهلة الأخيرة ولا مجال للتأجيل أكثر.
اعتبريه موافقاً منذ هذه اللحظة.
ه. هاه! بهذه السرعة! حسناً هذا لصالحي.
ابتسمت بسعادة وأومأت: شكراً جزيلاً سيد هاريسون، طالما أننا اتفقنا وتمت الموافقة فسأزور دانيال مساءً لأتفاهم معه في بعض الأمور، كما سأبدأ في دراسة الوضع لأفهم الطريقة الأنسب لمساعدته.
احتدت عيناه بتحذير فاستوعبت الأمر مصححة ازدرد ريقي بخوف: لمساعدتهم.
لماذا هذا الإزدحام في شقتي!
قالتها معترضة وهي تنفخ الخصلة الشقراء القصير المتمردة وتعيدها للأعلى وهي تخفق المزيج في القالب ذو التصميم الخشبي بين يديها واقفة أمام المطبخ التحضيري السريع المقابل لنا ثم أردفت بإنزعاج: بل وأعد لكما العشاء الآن.
تجاهلتها أقرأ الكتاب بتركيز وإنهماك في حين اقتربت جانيت مني بإهتمام قبل أن تقول بهدوء: ما الذي تفعلينه؟
أجبتها أعقد حاجباي في حيرة من أمري مما أقرأ: أحاول فهم الطريقة الصحيحة لمعاملة رجل لم يسبق له التعامل مع النساء.
يبدو أنكِ جادة بشأنه.
ظننت بأنني سألتقي به اليوم ولكن والده اتصل بي وأخبرني أن أزوره غداً في الصباح الباكر. المهم أنني اتصلت في الرئيس وأخبرته أن كل شيء على ما يرام وسيقابل العارض غداً.
هل تم تجاهلي هنا؟
تنهدت بلا حيلة أنظر إلى روز التي وضعت القالب على الطاولة التحضيرية تقترب منا وتمسح يديها بمئزرها، حينها عقدت حاجباي وتساءلت: ما الأمر روز متى ستتوقفين عن التذمر!
أجابت ممتعضة: لماذا لم نجتمع في شقتك!
نظرت إليها ببلاهة في حين عدلت جانيت نظارتها ببرود: هل تطرديننا؟، ثم ما المشكلة في أن نجتمع هنا!
جادلتها وهي تنظر بعيداً بعبوس: شقتي صغيرة مقارنة بشقتها وسيكون الوضع مريحاً هناك أكثر.
هل تطمعين في أملاكها؟ ياللجشع.
بالطبع لا أطمع فيها.
رفعت عيناي نحو روز بشك وتمعن فأسرعت تنظر بعينها البنية الواسعة بعيداً وتُصفر لحناً، آآه! كما توقعت! ابتسمت بخبث وتركت ما بيدي لأقف مقتربة منها واضعة يمناي على خصري أدور حولها: أوه أمر مثير للإهتمام! أشم رائحة عاشق قادم في الطريق إلى هنا.
ارتخت ملامح جانيت تنظر إلينا بعدم فهم قبل أن تمسك بالكتب التي استعرتها من المكتبة وتصفحتها متمتمة: ديفيد؟ هل تصالحا أصلاً؟
ابتسمت لها بمكر ثم وجهت عيناي إلى روز وقلت بثقة: هذه النذلة تريد طردنا من هنا قبل مجيء العاشق المشتاق. اليس كذلك عزيزتي الفوبيتيكس؟
مطت شفتيها وهي تنظر بعيداً قبل أن تغمض عينيها بتبرم: ل. لا أدري ما الذي تتحدثين عنه، أنا.
قاطعتها ممسكة بشعرها بغيظ: تصالحتِ معه هاه؟ وتتظاهرين أنكما لا زلتما متشاجران، لم أعد أستبعد منكِ أي شيء. متى ستتوقفين عن عادة الكذب والتزوير؟
تأوهت مبتعدة ورفعت يدها لتشد شعري الذي كنت أجمره ليسدل على ظهري وقد صرخت بحزم: لحظة واحدة هل نعتني للتو بالفوبيتيكس؟
وماذا في ذلك! ذلك الطفل الشيطان كان محقاً في تشبيهه، على أي غصن شجرة قررت العيش يا ترى؟
علي المسطحات المائية. أوه! ألا تذكرك هذه الكلمة بشيء ما؟
آه نعم المسطحات التي تطفو عليها الأخشاب الطويلة.
كيف تجرئين!
أنصتِ. مكتوب هنا أنه عليكِ فهم الأسباب الأساسية التي تدفع الرجل لتجنب التعامل مع الجنس الآخر.
قالتها جانيت بتركيز، نظرت إليها دون أن أبعد يدي عن شعر روز وقلت: ولكنني أخبرتكما بالسبب، لقد كان يدرس هو وأشقاؤه في مدرسة للأولاد فقط، الجامعة أيضاً كانت للرجال وحسب. كما لا أعتقد أنهم نشئوا مع والدتهم فلو حدث ذلك لما ظهرت هذه العقدة. لم أسأل والدهم عن هذا الشأن ولكن هذا ما أظنه.
ومكتوب أيضاً أنه عليكِ أن تتصرفي كأحد أصدقائه أولاً قبل فرض أنوثتك عليه.
ابتسمت لقولها بتهكم: وهل سأتمادى إلى هذه الدرجة؟
علقت بهذا بينما اعود إلى الأريكة لأجلس بجانب جانيت، ليتعالى رنين جرس الشقة فابتسمت بمكر أتابع روز بعيناي وهي ترتب شعرها بسرعة وتتجه إلى الباب. فتحته وتقدمت واقفة بمسافة بعيدة بعض الشيء لتعطي ظهرها لمدخل الشقة وبقيت متكتفة بجمود دون كلمة!
زميت شفتاي بملل أنظر إلى ديفيد الذي دخل واغلق الباب خلفه، ولا يبدو انه انتبه لوجودنا أصلاً إذ تقدم نحوها وهمس بإنزعاج ومسايرة: تتجاهلين كل اتصالاتي أيضاً.
ما ان اقترب منها ليعانقها من الخلف حتى تداركت الأمر و أسرعت أتنحنح فنظر حيث نجلس واتسعت عينيه الخضراء، ابتسمت له بملل في حين قالت جانيت ببرود: تم انقاذ عيناي بأعجوبة.
ابتسم ديفيد بتبرم ومرر يده في شعره الأسود: مرحباً يا رفاق، انتما هنا لماذا لم تخبراها ان تجيب على اتصالاتي إذاً!
رفعت كتفاي بلا حيلة: وكأننا على علم بذلك.
التفتت روز نحوه بجمود: ماذا تريد؟
قلّب عينيه بإنزعاج: إلى متى سيدوم هذا الخلاف السخيف! مضت أربعة أيام بالفعل كفاكِ سخفاً، أخبرتكِ أنني لم أخرج معها أو أفكر في مرافقتها كل ما في الأمر أنها كانت متضايقة من شجار نشب بينها وبين زوجها أقسم بذلك! لم أفعل أي شيء سوى مواساتها بل أن زوجها قد تصالح معها يمكنكِ سؤاله لو أردتِ!
زفرت جانيت بتثاقل ووقفت لتلململ حاجياتها معلقة ببرود: أكره فقرة سماع اعذارك، سأغادر.
امتعضت لتعليقها وقلت لها بصوت خافت: تعلمين أن روز المخطئة هذه المرة لا داعي لمضايقته!
تجاهلتني ولوحت بيدها لتخرج: إلى اللقاء جميعاً.
تابعتها روز بعينيها البنية الداكنة وهي تغادر ثم وجهت نظراتها إلى فابتسمت بلا حيلة واخذت الكتب بين يداي لأضع حقيبتي على كتفي: آمل ان تتصالحا تماماً وتوقفا الدراما التي نقرأها في المحادثة الجماعية.
غمزت لديفيد بتشجيع فابتسم لي بإمتنان وقبل أن أهم بالمغادرة سألني باستيعاب: مهلاً، بشأن العارض البديل الذي وجدته.! هل كل شيء يسير على ما يرام؟ أخبرنا الرئيس كوفمان أنكِ سترتبين لمقابلته مع العارض غداً؟
لانت ملامح روز بتفكير قبل ان تقول بسرعة: لحظة واحدة! كتاليا قد يكون ديفيد قادراً على مساعدتك بشأن دانيال!
انها محقة، لا بأس بالاستفادة من ديفيد بهذا الشأن مع انني أرى صعوبة في توافقه مع دانيال بوضوح، ولكنني أيدتها بتفكير: صحيح، ربما يساعدني بهذا الشأن.
استغرب ديفيد قولنا بعدم فهم: ما الذي تتحدثون عنه؟
أشرت بذقني إلى روز: ستوضح لك محبوبتك كل شيء وتخبرك بالأمر برمته، والآن أرجو المعذرة.
استوقفني بجدية: كتاليا، بشأن تلك الحادثة في موقع التصوير.
طرفت بعيناي بحركة سريعة أدرك ما يوشك على قوله وقد كنت محقة إذ أكمل يتنهد بهدوء: إياكِ والتردد في اخبارنا بأي أمر يزعجك، لا أدري ما الذي حصل حقاً ولا أريد منكِ ارغام نفسك على التحدث بشأن ذلك الرجل ولكن. ان حاول مضايقتك بطريقة أو أخرى إياكِ والتردد في طلب المساعدة.
انتابني الضيق واعتراني الانزعاج لذكر الأمر الذي تناقله الجميع في المجلة بالفعل بل ومنهم من أضاف بعض الشائعات الإضافية على ما حدث والشجار الذي نشب بين ذلك الوغد والعارض، ليجعلوا الأمر أكثر إثارة وتشويقاً ومناسبة ليتم تناقله كقصة تشويقية سخيفة.
أعلم ان ديفيد ينوي مساعدتي وحسب ويخشى تكرار الأمر، لذا ابتسمت بهدوء وأومأت برأسي استدير لأخرج: اقلق بشأن فتاتك التي لا تكف عن رصد اخطاءك ديفيد.
أرجو أن أصل في الوقت المحدد، لا أدري إن كان السيد هاريسون سيقابلني بمزاجه السيء ذاك ولكن الأهم أن أصل وأجد دانيال متأهباً ومستعداً لمرافقتي إلى المجلة.
نظرت إلى ساعة معصمي ثم حدقت إلى الشارع من خلال نافذة سيارة الأجرة، مررت يدي في شعري الذي أجمره للأعلى وانزلت نظارتي الشمسية قليلاً لأنظر إلى شاشة هاتفي واتفقد محادثتنا الجماعية لأجد سايمون قد ارسل فيها عنوان لمطعم جديد قريب من شارع الموضة، هو حقاً لا يتوقف عن زيارة أي مطعم جديد! ابتسمت بلا حيلة وأرسلت مُلصقاً يعبر عن موافقتي لأجد جاك يكتب فوراً مقعدي محجوز بجانب كتاليا
فقدت شهيتي لن أذهب معكم.
كتبت ذلك بسرعة فأرسل ملصقاً محبطاً لترد جانيت اعتقد أنني سأغادر المجموعة
أيدها ديفيد بوجه متململ فتنهدت بعمق قبل ان اضحك بخفوت حين كتب جاك أحبكم رغم سوء معاملتكم لي، لا تنسوا أنني الأكبر هنا واحترامي واجب
قلّبت عيناي بتهكم واعدت هاتفي إلى حقيبتي وعدلت نظارتي الشمسية أدفعها بسبابتي، لا زال التوتر والترقب يسيطران علي، وربما الحماس أيضاً.
ولكن. لماذا ينتابني شعور سيء، أن دانيال يجهل ما يحدث؟
ماذا لو أن والده لم يخبره بالأمر بعد ولكنه سيضعه أمام الأمر الواقع. هذا ليس في صالحي أبداً!
آه تباً لذلك الشرط الذي ألقاه والده على بكل عناد واصرار، كيف عساني أقدم هذا المعروف أصلاً إن كنت غير صبورة وبالكاد أجيد ضبط أعصابي!
علي أي حال لا زلت لا أدري أي طريقة هي الأفضل للتعامل مع دانيال، لا أعلم كيف أتصرف حقاً!
بهدوء؟ بلطف؟ برسمية؟ أنا أجهل الأسلوب الأمثل.
وصلت حيث المحل لأترجل من سيارة الأجرة، وقد كان الوضع مشابهاً للقائي الأول به! فأنا أرى تجمهر صغير أمام المحل الآن وأسمع صوت صراخ غاضب.!
لمحت الشرطي جيمس يجلس على مقعد قريب ويحتسي قهوته المثلجة ذات الحجم الكبير يتابع ما يحدث بصمت وبجانبه شرطية ممتلئة بعض الشيء، لا تخبروني أنه يرى ما يحدث الآن وكأنه شيء عادي!
اقتربت أدخل من بين الناس وكما توقعت.
إنه يمسك بياقة شاب آخر ولكنه كان هزيل الجسد وقصير القامة نوعاً ما، بدى متوتراً وفي الوقت آنه عصبياً وقد صاح بسخط: قلت لك دعني وشأني!
تنهدت بلا حيلة أنظر إلى دانيال الذي يمسك بياقته وقد قال بعين إجرامية مريبة: أدعك وشأنك؟ تعتقد أنني سأتجاوز اتهامي بالغش أو بتطاولك عليه بكل وقاحة؟
يا الهي. أتساءل إن كان معتاد على اختلاق الشجار والمشاكل هنا وهناك!
ثم كيف تكون لديه هذه الهالة الجانحة فجأة ويتحول إلى شخص آخر مختلف تماماً حين أقترب منه!
هذا سيء، عليه ان يتوقف عن اثارة المتاعب بدءاً من هذه اللحظة، لا يجب أن يورطني في أي أمر بشأنه أو يغضب الرئيس كوفمان الذي يهتم بسمعة العارضين لدينا.
رأيت السيد هاريسون يخرج من المتجر وينظر إليهما وقد وجه حديثه إلى دانيال بغضب: كيف تجرؤ على التصرف بهمجية مرة أخرى! كارل ليس متفرغاً اليوم لمساعدتك!
رمقه دانيال بطرف عينه بإستخفاف ولا يزال يمسك بياقة الرجل: من يهتم بحق الإله! هذا الهزيل لم يتوقف عن محاولة استفزازي كلما سنحت له الفرصة، كيف يجرؤ على نعتي بالغشاش لقد كان ذقنه بحاجة إلى الجز لا الحلاقة ومن الطبيعي ان تكون التكلفة أكثر من المعتاد! كما أنه يتطاول عليك في كل مرة يأتي فيها إلى هنا!
وهل اشتكيت لك وطلبت منك المساعدة يا ترى!
لا داعي لتطلب ذلك أنا لن أقف مكتوف الأيدي ببساطة!
وهل وقفت مكتوف الأيدي يوماً؟، متى كانت يداك نظيفتان أصلاً! دع الرجل يذهب حالاً.
عندما نظر دانيال إليه بعدم اقتناع وحدة أكمل السيد هاريسون بوعيد: سأسلمك للشرطة أنا جاد الآن.
لوى شفته بإنزعاج ودفع الرجل ليتركه فهرب الآخر فوراً تاركاً خلفه غباراً وسيلاً من الشتائم بصوت عالي.
سمعت تهامس الناس من حولي وقد كانوا يبتعدون تدريجياً لينسحبوا ليعلق أحدهم: انها فعاليات صباحية يومية كما يبدو.
همس له رفيقه بإرتياب: هذا المحل يقدم ركلات ولكمات مجانية بعد كل خدمة.
أخذت نفساً ونفيت برأسي محبطة ولمحت الشرطيان يغادران كذلك، تقدمت أنظر إلى السيد هاريسون الذي لا يزال يعاتبه بحنق: هل تريد أن تتسبب في إغلاق المحل؟ أخبرتك أن تحاول التصرف بلطف مع الزبائن وإلا فلتبحث عن عمل آخر.
وضع يديه في جيبه ببرود: لا زلت أبحث عن وظيفة كما تعلم. لم أجد حتى الآن أي ورشة أو متجر بحاجة إلى الإستعانة بخريج هندسة ميكانيكية في الأرجاء!
لا شأن لي تصرف! وإلا توقف عن التسبب بنفور الزبائن لقد ساءت سمعة المحل أكثر!
أعقب يشير إليه بإنزعاج شديد: وهذا الحزام حول خصرك للحلاقة كما تعلم! اما ان تؤدي عملك معي بأكمل وجه أو سأطردك حقاً! هل الشجار والعبث هو كل ما تجيد التفكير فيه؟ كيف تكون الأكثر حماقة وفي الوقت آنه الأكثر مراعاة لشؤون العائلة بحق خالق الكون!
ابتسم بسخرية ممرراً يده في شعره الأسود وعينه الزمردية تلمع ببريق واثق يسند مرفقه على كتف والده: أليس هذا ما يميزني؟
اغرب عن وجهي، اخجل من نفسك قليلاً ولو لمرة!
قال ذلك يبعد مرفقه بإشمئزاز ليتسكمل الآخر: لا يوجد ما أخجل منه، أعلم أنك شاكر لي لدفاعي عنك ولكنها طريقتك الملتوية في الإمتنان لي.
تقدمت أكثر أعلن عن وجودي وقد تنحنحت بهدوء أترقب ردة فعله ولا أدري لماذا انتابني ما يشبه الإستمتاع برؤية الثقة تتبدد تماماً من عينيه ووجهه، وقد ظهر التوتر والإرتباك بوضوح في تحركاته وهو يتراجع إلى الخلف بإستنكار وعدم استيعاب: أنتِ مجدداً!
أومأت مبتسمة: صباح الخير سيد هاريسون، صباح الخير دانيال التقينا مجدداً.
اقتربت أكثر أصافح السيد هاريسون الذي صافحني بهدوء، ثم نظرت إلى الآخر ورفعت يدي كذلك، نظر إلى يدي للحظات ولكنه استوعب الأمر ونفي برأسه وهو يعود إلى الداخل: أ. أواجه تصلباً في أصابعي منذ أن استيقظت ولا أدري لماذا.
تابعته بعيناي ببلاهة بينما تنهد هاريسون واضعا يده على خصره: تفضلي معي.
تبعته لأدخل وقد كان دانيال في طريقه للصعود إلى الطابق الثاني بسرعة ولكن هاريسون استوقفه بصوته الجهوري: توقف عندك.
وقف في مكانه دون أن يستدير، التزمت الصمت فأضاف هاريسون بحدة: أريد من وقتك دقائق معدودة.
ظل دانيال على حاله يقف ونواجه ظهره! طال الأمر دون أن يعلق فنفذ صبر هاريسون: ماذا! تحولت إلى تحفة أثرية فجأة؟
ما الذي من المفترض أن تفعله هذه الفتاة هنا؟
لا يزال يعطينا ظهره! صوته كان جاداً مترعاً بالإستنكار، ابتلعت ريقي أهدئ نفسي، تحرك هاريسون بهدوء وأشار لي بعينيه أن أتبعه ففعلت.
شعر دانيال باقترابنا فأسرع يستدير بجفاء: أنتِ! ألم أكن واضحاً؟ أخبرتك أن تتوقفي عن المحاولة، يا لكِ من عنيدة!، لقد رفضت عرضك فلماذا لا زلتِ مصرة؟ أنا لست مهتماً بالعمل معكِ ولا أنوي.
توقف عن الحديث تدريجياً حين تجاهله هاريسون وصعد الدرج وأنا أتبعه وقد مررت بجانبه أنظر إليه مبتسمة بهدوء. التقت عيناي بعينه الزرقاء فبدى للحظة قد تخشب في مكانه!، وقفت بجانبه في حين أكمل هاريسون صعوده، حافظت على ابتسامتي بينما أقول: بصراحة لست هنا لسماع رأيك دانيال، لذا وفر عصبيتك وعدائتيك إلى وقت لاحق فالموضوع منتهٍ تماماً واتخذت قراري مع والدك. ستعمل معي في جميع الأحوال. مؤسف صحيح؟
القيت بهذه الكلمات الواثقة وأكملت طريقي فشعرت بالحالة الخشبية تختفي عن جسده فجأة، بدت حركاته غير متزنة وهو يتنحنح ويحك انفه بسبابته، لقد تعمد ألا ينظر إلى مباشرة أثناء حديثي! أنا متفاجئة حقاً لم يسبق لي وأن التقيت برجل يعجز عن مواجهتي بكلتا عينيه!
لا أهتم بكل هذا فكل ما يشغل تفكيري الآن هو امر واحد!
لا أطيق صبراً لأرى وجهه يعتلي الأغلفة التي سأعمل عليها بكل جهدي! إلا انه ومن الواضح وجود العقبة الأكبر الآن فلا يبدو انه يعلم بسبب وجودي أصلاً.
كما توقعت!
أخذني هاريسون إلى غرفة المعيشة الصغيرة، بقيت جالسة على الأريكة الصغيرة اوجه ناظري إلى المطبخ الذي كنت أجلس فيه برفقة روز، استرقت النظرات إلى المكان من حولي، من النظرة الأولى فقط. يمكنني تحديد أن من يعيش فيه ليس إلا مجموعة من الرجال وحسب، لا يوجد أي لمسة أنثوية في المكان. المنزل مليء بالجمود في كل زواياه.! التلفاز ذو الحجم المتوسط موضوع على طاولة خشبية صغيرة، والسجادة التي تغطي الأرضية تحوي نقوشاً صغيرة قديمة. كما يوجد كومة من الجرائد على الطاولة التي تنتصف السجادة. غرفة المعيشة ليست مزدحمة بالأثاث بل على العكس. وجهت ناظري إلى النافذة خلفي على بعد مسافة صغيرة، لا بد وأنها تطل على الشارع الذي كنت فيه للتو.
نادى السيد هاريسون بإسم دانيال بصوت عالي فصعد الأخير ولكنه ظل يقف بعين ضيقة عند المدخل إلى غرفة المعيشة يسند ذراعه على طرف الباب ببرود يلقي على نظرات متقطعة سريعة لم تخلو من العدائية، بادرت من نفسي وغيرت مكاني مبتعدة عن الأريكة المنفردة لأجلس بجانب السيد هاريسون.
قلت ابتدره ليقترب: لا تقلق إنها مسافة كافية الآن. اليس كذلك؟
قلت ذلك أعني الأريكة المنفردة التي كنت أجلس عليها والتي كانت بعيدة بعض الشيء! فقطب جبينه بإستنكار شديد قبل أن تتسع عيناه ويزمجر باستيعاب: أبي! ما الذي أخبرتها عنه تحديداً؟
أجابه هاريسون بهدوء: لم أقل ما يثير الريبة. كما أنني قلت الحقيقة وحسب، اقترب واجلس لا أريد إهدار دقيقة واحدة، أسرع قبل أن يأتي أي زبون.
أيدته أبتسم بتشجيع: لنتفاهم.
القى على نظرة حادة خاطفة فبادلته النظرات بثبات وهذا ما جعله يشيح بوجهه بسرعة وقد تحرك بتردد ليتجه إلى الأريكة، جلس واحنى جسده للأمام قليلاً وقال بجفاء: ما الذي سنتفاهم بشأنه، اليس من الواضح أن هذه المرأة تستغل مستوى عائلتنا المعيشي؟ هل كانت ستقدم عرض مماثل كهذا لشخص أغنى بقليل حتى؟ مجلة أو حتى محطة اعلامية يتابعها سكان الفضاء وكأنني أهتم بهذا الهراء!
اتسعت عيناي بدهشة ونفيت بعدم تصديق: لحظة! لا أنكر أنني أردت مساعدتك وإخراجك من مركز الشرطة لأستطيع إقناعك ولكنني اخترتك لمظهرك وحسب! لا شأن لمستواك المعيشي بقراري أنا لا أحاول استغلالك!
ظل ينظر بعيداً واعتدل في جلسته يرخي ظهره على المسند متمتماً: سبق وقلت بأنني لن أقبل عرضك السخي فلماذا تواصلين الإلحاح بطريقة مزعجة؟
نظرت إلى هاريسون أستنجده بصمت فتدخل بحزم: لقد وافقتُ نيابة عنك وانتهى الأمر.
فغر دانيال فمه بدهشة واعتدل بجلسته بسرعة قبل أن يجز على أسنانه بغيظ: كيف تتخذ قرار كهذا وأنت تعلم جيداً أنني لا ا.
الموضوع منته تماماً. هذه الآنسة هنا لترافقها إلى العمل.
أبي! لا يمكنك أن تكون جاداً، لو علم كارل أنك قمت ببيعي بثمن بخس فسيصاب بخيبة! وماذا لو اكتشف كيفين أنك فعلت هذا لمجرد أن تطلب امرأة مزعجة طلب كهذا منك! ماذا عن لاري! حسناً لا بأس ماذا عن مشاعري أنا بحق الإله! ستفضل امرأة مزعجة على رغبتي؟
امرأة. مزعجة.؟
لا بأس أيتها المرأة المزعجة تمالكي نفسك ولا تنسي أنكِ من أتت إلى هنا لحاجتكِ الماسة إليه.
لا يمكنني تصديق الكلمات المستفزة التي يلفظها الشخص نفسه الذي يشعر بالتوتر لوجودي. تناقض مرعب!
علي المحافظة على هدوئي وابتسامتي قدر الإمكان مهما كان ذلك صعباً تعجيزياً.
قلت لك لا أريد العمل معها!
قالها بحزم وثبات فجادله هاريسون بغضب: وأنا عند وعدي وكلمتي، لقد اتفقت معي وانتهى النقاش في هذه المسألة، ستذهب وتغير ملابسك وترافقها.
أي جزء مما أقوله لا تستوعبه!
تدخلت مهدئة: على رسلك. هل لي أن أفهم فقط أسبابك لرفض عرضي؟ لأنني فتاة فقط؟ لو كان من يعرض عليك هذا العمل رجل. فهل ستوافق؟
تجنب النظر إلى وزفر ينفي ما أقوله بغيظ: الأمر لا علاقة له بكونك رجل أو امرأة. لماذا سأنصاع لطلباتك الغريبة واترك العمل لأبي وحده هنا! البلاد مليئة بملايين الرجال ستجدين ضالتك بطريقة أو أخرى لذا غادري وحسب.
مرر هاريسون يده على صدغيه وقال بصوت منهك: أنت تجلب الصداع لي بعنادك، وكأن عملك هنا ذو فائدة! أنت لا تتوقف عن التسبب بالمشاكل والخلافات مع الزبائن بشكل شبه يومي! عن أي مساعدة تتحدث تحديداً؟
لا أصدق أنك تنكر جميل مساعدتي لك!، ثم انك من اقترح في البداية أن أعمل معك هنا!
كان هذا قبل ستة أشهر! قبل أن أكتشف أن وجودك لا يسبب سوى المشاكل في العمل ويقلص عمري.
هاه!
ظل ينظر إليه بغضب وعدم تصديق قبل أن يشير إلى وقد نظر إلى أخيراً: أنتِ. ما الذي فعلته لأبي ليصر على رأيه هكذا؟
رفعت كتفاي: توقف عن مجادلة والدك لقد كان قراره الخاص، لم أفعل أي شيء.
وكأنني سأصدق كلماتك هذه!
قالها يبعد عينيه عني فوراً، أغمض هاريسون عينيه الزرقاء وهو يفركهما قبل أن يرمق دانيال بهدوء: أنصت. أنا من أطلب منك العمل معها الآن. وليس هي! إنها رغبتي أنا.
زميت شفتاي والتزمت الصمت في حين وقف دانيال بأعصاب مشدودة وكور قبضتيه: ما الذي اتفقتما عليه تحديداً؟
لا حق لي في إخباره إن كان والده لم يخبره وقد كانت الفرصة تسنح له بذلك.
سأصبر وحسب. ولكنني لا أضمن أن أحافظ على رباطة جأشي فهذا الشاب تستفزني تصرفاته.! وهذا سيء. لدي مزاج من الصعب التحكم به، لو لم يكن هدفي لما جلست هكذا!
وها هي المصيبة الأخرى.! نحن نحاول إقناعه منذ نصف ساعة كاملة، كنت التزم الصمت أحيانا وأهدئه أحيان أخرى.!
ولكن.
لم أعد أطيق الصبر أكثر!
وقفتُ بهدوء تام ولكن بحركة سريعة كما لو أصابني تماس كهربائي، فنظر الإثنان اللذان كانا يتجادلان نحوي، حدقت إلى دانيال بثبات بينما أقول بجدية بالغة احافظ على نبرة صوتي لئلا يعلو: سيد هاريسون، اتركنا وحدنا من فضلك لخمس دقائق فقط، أرجو أنك لا تمانع.
زمجر بغيظ ونفاذ صبر بينما يقف: وكأنني سأمانع. افعلي به ما شئتِ.
بدى دانيال مذهولاً وهو يرى هاريسون يخرج من غرفة الجلوس، تحرك بخطى مرتابة ليتبعه بسرعة وقد أدرك بقاءه معي على انفراد. ولكنني سبقته لأسرع إلى الباب وأغلقته لأقف أسند ظهري عليه أرفع رأسي إليه بهدوء شديد.
ولم يكن سوى هدوء يسبق العاصفة. فالكوارث في عقلي تتنافس بكل أنواعها على الهيجان والخروج في وقت واحد.
ابتعد بتلقائية وأعطاني ظهره ليقول بصوت حاول جعله ساخراً: م. ماذا الآن؟ ستجبرينني على قبول عرضك بالإكراه؟ يا فتاة لا تعتقدي أنكِ ستحصلين على ما تريدينه بكلمة أو محاولة فاشلة للإقناع.
أضاف بتهكم غير مدرك لإقترابي منه وهو يحاول جاهداً ألا يتلعثم: من الأفضل ان تبتعدي عن الباب وتخرجي لم أعد أطيق صبراً لبقائك هنا، ان كنتِ تنوين استغلال وجهكِ الجميل مثلاً للتأثيرعلي فإليكِ الأمر بإختصار، لن أتأثر ولو طبعتِ صورتك وعلقتها في جميع أرجاء المنزل.
جانح وقح ولكنه لا يمانع التفوه بكلمات واضحة عفوية!
تمكن الجنون مني بالفعل!، وما أريد فعله الآن من الصعب تنفيذه فقامتي لن تسعفني مقابل قامته وبنيته.
نظرت إلى قدمه القريبة من طرف السجادة البارز لذا لم يستغرقني الأمر لأقترب أكثر ليتراجع ما ان انتبه لي، وكما خططت تماماً تعثر بطرف السجادة وما ان كاد يفقد توازنه حتى قمت بتوظيف هذا الظرف المناسب لأدفعه بكلتا يداي قبل ان يعتدل مستقيماً. أطحت به على ظهره واتسعت عيناه بعدم استيعاب وقد كان الذهول جلياً على وجهه عندما انحنيت فوقه أمسك بقميصه بوجه مترع بالجمود والهدوء البالغ.
هذا الرجل لا يدرك كم أكون بارعة في استغلال أي أمر محيط بي لصالحي، لقد طفح الكيل أمهلته فرصة ولكن صبري قد نفذ.
اشتدت قبضتي على قميصه بينما عيناه الزمردية بالكاد يطرف بهما!، قربت وجهي بحزم حتى شعرت بحرارة أنفاسه تلفحني وقد همست بوعيد: أخبرتك أن الموضوع منته تماماً فلماذا تصر على إهدار وقتي، لا تجرب جنوني دانيال لن أتردد في تنفيذ أي فكرة مجنونة للحصول عليك حتى لو عنى ذلك التهور والتصرف بحماقة.
فغر فمه قليلاً والذهول لا يغادر مقلتيه اللتان جحظتا بعدم تصديق، تعرق جبينه وطغى الإحمرار على وجهه وكلتا اذنيه ليزدرد ريقه سامحاً لتفاحة آدم بالصعود والنزول في عنقه الذي برزت عروقه، بالكاد خرجت الحروف من بين شفتيه مردداً: هل جننتِ!
أهدأ، وأنصت إلى لنغادر معاً في الوقت المناسب.
التعليقات