رواية بعيدا عن الأرض للكاتبة ديمة الفصل الثالث والعشرون
كان كل ما استطاع ليوناردو فعله هو مراقبة المركبة و هي تغادر كوكب الأرض بعيداً. حاول أن يقترح على الحارسين اصطاحبه معهما و لكنهما نفيا إمكانية ذلك بسبب صغر المركبة و عدم اتساعها لأكثر من ثلاثة أشخاص. كان ما يشعر به في هذه اللحظة هو استحقار ذاته فقط لقد كره نفسه تماماً و لم يكن يصدق بأنه كان جباناً لأول مرة حتى تسلل لنفسه شعور بكره ضعفه الوحيد و هي والدته فلولا ذلك لأقدم على مساعدة فيوليت بكل تأكيد و لما بقي جباناً تلك الصفة التي يكرهها بشدة.
لم تفارق صورة عينا فيوليت و نظراتها مخيلته أبداً حتى كادت تصبح كلعنة لن تفارقه فوجد نفسه يخرج من وكره في ذلك المنزل و يتجه نحو المركبة التي جاء بها. كانت معطلة فغالباً ما تتعطل المراكب القادمة إلى كوكب الأرض هذا ما أخبره به البرت. حال ما قفز اسم البرت إلى رأسه تذكر وجوده و قد كاد أن ينساه، هو الوحيد القادر على مساعدته للحاق بهم قبل أن تؤذي فيكتوريا فيوليت و هذا هو الاحتمال الأرجح.
عاد ليتجه إلى الكوخ مجدداً و قبل أن يتجه نحو هاتفه ليتصل بالبرت استوقفه وجود حقيبة فيوليت على الأريكة و قد استغرب نسيانها لها هنا و لكن كيف لشخص أن يتذكر حقيبة بلا قيمة و هو في تلك الحالة التي كانت عليها من صدمة و ألم. وجد فضوله يدفعه للإقتراب نحو الحقيبة و فتحها، شيءٌ ما جعله يرغب بشدة بالاطلاع على مقتنيات فيوليت رغم معرفته بوخذات الألم و الندم التي ستقابله، فتح الحقيبة الرمادية متوسطة الحجم بشيء من التردد.
كان أول ما وقعت عيناه عليه في الحقيبة هي صورة وضعت بإهمال فوق بعض الملابس و الأغراض. التقط الصورة ثم بدأت عيناه تجول تفاصيلها حتى اتسعت عيناه و أصابته الدهشة، لم يكن ليصدق صحة توقعاته و ما أبصرته عيناه أو لعله أعتقد بأنها أبصرته. كانت الصورة لثلاثة أشخاص و لكن لم يلفت انتباهه سوى شخصٌ واحدٌ بينهم، شخص يشبه والده الذي لم يره. تذكر عندما أعطته والدته صورة والده خلسة قبل أن تختفي معتقدةً بأنه سيملك فرصة إيجاده أو العثور عليه دون أن تعرف بأنه سيموت دون أن يعرفه في حياته.
كانت وحدها تلك الصورة التي جعلته يكون شيئاً في مخيلته عن والده و لكن رغم هذا لم يكن هذا يهمه كثيراً فلقد ظل يعتقد على مر سنوات و سنوات بأن والده كان جزءاً لا يتجزأ من المشكلة التي حلت على والدته. سارع بإخراج الصورة التي يملكها و بدأ يحاول أن يقارن ما بينهم محاولاً ايجاد أي اختلاف، اختلاف واحد فقط و لكن كان ذلك محال فلقد كان كلاهما شخص واحداً إنه والده و لكن ما جعله يصاب بالجنون هو سبب تواجد تلك الصورة مع فيوليت و ما علاقتها بوالده أو بهذين الشخصين حتى. قلب الصورة بطريقة عفوية فوقعت عيناه على ما كُتب على الجانب الخلفي للصورة لقد كان هناك خطان يفصلان بين الكلمة و الأخرى و كان المقصد من تقسيمها الفصل بين الأشخاص الموجودين بالصورة. كُتب على الطرف الأيمن حيث تواجد والده صديق والدك و في المنتصف عمتك شقيقة والدك و اخيراً على الطرف الأيسر والدك.
أشاح بنظره بعيداً عن الصورة و قد بدأ يحدق في الفراغ، لم يتكون أي شيء منطقي في عقله حيال ما يحصل و حتى أنه لم يكن ليصدق بأنه اكتشف بأن فيوليت هي ابنة صديق والده و لم يكن عقله ليستوعب تلك القرابة التي جمعتهما فلقد بدى له بأن علاقة والده و والدها ليست بعادية. لم تكن مجرد تعارف بل أكثر إنه صديق والده و هذا يعني بأنهما جاءا من مكان واحد ينتميان إلى مكان واحد تشاركا نفس الأفكار ربما. عاد ليتابع قراءة ما كُتب في الأسفل حتى احتلت معالم وجهه الصدمة و عدم التصديق من جديد و قد كُتب بخط عريض والدتك هي جنيفر ابنة فيكتوريا حاكمة كوكب جليزا.
لم يكن هذا شيئاً توقعه أبداً فهذا يعني بأن فيوليت حفيدة فيكتوريا و لكن ما الذي جاء بها إلى هنا؟ و ما الذي يجعل فيكتوريا ترسله بمهمة سرية جداً للعثور عليها؟ هي لا تريدها لأنها ترغب بإيجاد حفيدتها فلو كان هذا ما تريده فعلاً لما طلبت منه التعامل معها هكذا و استدراجها كأنها وحش أو حتى لما أرسلت رجالاً ببنادق لاصطحابها و لما تحدث الحارس بتلك الطريقة أمامها. هل يعقل أن تكون على غير علم بكونها حفيدتها أو أن يكون كل ما كًتب هراء كاذب. تخبطت الأفكار في رأسه و لم يستطع الإمساك بأي خيط من خيوط تلك القضية الغريبة فلقد بدت الأمور معقدةً تماماً فوجد نفسه يتصل بالبرت دون أن ينتظر أكثر.
انزلقت دمعةُ على خد فيوليت بعد حرب طويلةٍ دامت بين عقلها و قلبها و قد كان قلبها يحارب بشراسة لتتحرر تلك الدموع التي تجمعت في عينيها، كان قلبها أقسى من كل ما حدث لها فلم يكن ليرحمها من عذابه. كان شعورها يشبه شعور العيش باللاوجود حيث لا تنتمي لأي شيء كأنك طيف في هذا العالم لا تحدث فرقاً أو تغيراً فقط تجلس جانباً تراقب ما يجعل قلبك ينفطر دون أن يكون لك أي وجود، لا تعرف بأي زمن أنت أو في أي بقعة تمكث فقط أنت لا تنتمي لا تجد ما يشعرك بأنك موجود.
هل أصبحت حقاً طيفاً يعبر خلال الأشياء دون أن يكون له وجود؟ هل هي حيةٌ حقاً فقلبها ينبض و لكن مازالت تشعر بعدم وجودها في هذا العالم فلم تكن تريد أن تكون في عالم ملئه الغش و الخداع، ملئه القسوة و الفقدان. ما أصعب أن تفتقد ذاتك! ذاتك التي أعتقدت بأنها الوحيدة التي لن تفارقك فكانت أول الراحلين فبدأت عندها بالتلاشي تدريجياً، بدأت تفقد الشعور بأنك على قيد الحياة و لكنك بحي لست بميت و المشكلة الأكبر هي تأرجحك بين الموت و الحياة. إنها تفتقدها، تفتقد تلك الإنسانة التي كانت تحنو عليها و التي كانت تبكي دموعها بين أحضانها هي فقط.
ما زالت تشعر بيدها الحانية تمسح على شعرها و بدموعها التي تنهمر لتشاركها أحزانها فكانت تستطيع بقوة خارقة استمداد الأحزان و الآلام من قلبها لتضعها في قلبها هي و بكل حب دون أن تتذمر مرة من شكواها. ازدادت الدموع المتساقطة على خديها حرارةً و قد بدأت تندفع أكثر فأكثر. لن تراها من جديد سوى في الأحلام التي ستتمنى أن تزورها، فكيف ستراها و قد صارت تفصلهم سنوات ضوئية في مكان تجهله؟ كان ما فعله ليوناردو و ما سمعته قد زاد من دمارها و طعن قلبها بلا رحمة فلقد أعتقدت بأنه سيحاول حمايتها و لكنه فعل كل هذا فقط لمصالح شخصية لا تعرف عنها شيئاً.
ألم يكن قلبه ينبض بشيء ما؟ ألم يشعر بأنها لم تستحق منه هذا؟ أم أنها كانت تعيش في عالم بلا إنسانية و هي لا تدري؟ رغم أنها أدركت مدى إنكسار ليوناردو من خلال نظراته الأخيرة فلقد بدى لها نادماً، كانت عيناه تنطقان و قد كانتا تطلبان الغفران و لكنها لم تستطع العفو عنه، لم تستطع مسامحته و لن تسامحه أبداً. لقد زاد من حطام قلبها فضرب الضربة القاضية، كيف لها أن تتحمل هذا الألم في يوم واحد ألم فقدان أعز و أحب إنسانٍ على قلبك و ألم أن، . حاولت أن تنفض تلك الفكرة بعيداً عن رأسها، إنه مجرد وهم كاذب أن تتوقع شيئاً من شخص أعطاك بعض الاهتمام أو ربما وددت أكتشافه بطريقة أو بأخرى أو لعلك شعرت بأنه يشبهك شيءٌ ما يجمعكما، ألم واحد أو مشاعر واحدة و لكن كل هذا مجرد وهم سخيف فخيانة الثقة لا تغفر.
و بينما كانت منشغلة في الغوص في تفاصيل ذكرياتها وجدت المركبة قد حطت في مكان ما بعد مرور ساعات لم تلحظ مرورها أو عددها حتى. فُتحت بوابة المركبة تلقائياً حال تمركزها على الأرضية بعد دخولها في وكر تحت الأرض و حال دخولها مقرها الخاص أُغلق الباب الخارجي ليعم الظلام الدامس و لكن ما هي إلا لحظات حتى بدأ الضوء يتسلل من البوابة الأمامية التي بدأ بابها يسحب إلى الأعلى ببطء. نزلت فيوليت من المركبة بعد أن طلب منها الرجلان بفظاظة. بدأت عينا فيوليت تلتقط ما خلف البوابة لقد كان مكاناً ضخماً للغاية شديد الإضاءة يوجد فيه العديد من المراكب الفضائية و الخرداوات.
بدأ الرجلان يدفعانها للتقدم إلى الأمام و قد عبرت القاعة الضخمة التي خصصت للأعمال التقنية و من ثم صعدت الدرج الذي أوصلها إلى الطابق الأعلى. كان على مستوى ارتفاع الأرض الطبيعي فلقد بني ذلك المقر تحت الأرض غالباً. صادفت ممراً طويلاً عبرت خلاله حتى وصلوا إلى آخر حجرة على الصف الأيمن. سارع الرجل بالدق على الباب حتى جاءه الإذن الفوري بالدخول. كان أول ما رأته فيوليت عند فتح الباب هو اندفاع امرأة بلهفة غريبة، انفرجت أساريرها و ابتسمت و هي تنظر إلى فيوليت التي لم تكن تستوعب رد فعلها.
لم تكن فيكتوريا تصدق ما تبصره عيناها فقد بات وصول الفتاة حلماً بالنسبة لها، أخيراً عاد كل شيء تحت السيطرة و عادت ممتلكاتها إليها. إنها اللحظة التي انتظرتها منذ سنوات لقد أقترب الحلم كثيراً و قريباً جداً ستكون الأرض رهن إشارتها هي. ما كان من فيوليت و هي تراقب تعابير وجه فيكتوريا سوى أن بدأت تتفحص شكلها و ثيابها علها تعرفها أو ربما تجد شيئاً مألوفاً و لكن كان كل ما فيها شيءٌ تراه لأول مرة أمام عينيها، ملابسها و تسريحة شعرها كل شيء فيها يشبه الصور التاريخية لأزياء النساء في عصر الحكم الملكي.
حاولت فيكتوريا كبح غبطتها و هي تطلب من الحراس الانصراف بنبرة لم يعتادوا سماعها من الملكة فيكتوريا بنفسها. ظلت فيوليت وافقةً في مكانها تحدق بها و هي تجلس على الأريكة ثم تطلب منها الجلوس و لكنها لم تستجب لطلبها و بقيت ملامحاً جامدة تماماً.
لا أريد الجلوس قالت فيوليت بجفاء و هي تنظر نحوها باستنكار.
لم تجبها فيكتوريا بشيء بل بدأت هي الأخرى تحدق بها، بملامحها التي لم تهتم بداية بالنظر إليها. إنها أجمل مما تخيلت أن تكون عليه تشبه جينيفر إلى حد كبير و لكنها أيضاً تشبه والدها ذاك الخائن الذي تخلصت منه منذ تسعة عشر عاماً و قد جعلت جنيفر تنتقم منه بقتله. ستشكرها جنيفر بكل تأكيد عندما يعودون إلى كوكب الأرض و عندها ستزيل عنها عباءة الحزن و تنسى كل ما مضى بما فيه ابنتاها. قالت فيوليت بتلعثم بعد أن لاحظت صمتها و يداها ترتجفان:.
ماذا تريدين مني؟ لماذا أحضرتني إلى هنا؟
نظرت فيكتوريا نحوها ببرود و هي تسترخي على الأريكة المريحة واضعةً رأسها على ظهر الأريكة بعد أن أغلقت عينيها بعدم أكتراث و هي تقول:
مهمة بسيطة ستقومين بها ثم سأتركك في حال سبيلك.
ازداد ارتجاف يدي فيوليت و دقات قلبها تتسارع بخوف و ضيق، لم يكن هدوء و برود فيكتوريا يبعثان في نفسها الراحة بل يثيران توترها و اضطرابها فقالت بإندفاع و قد ارتفعت نبرة صوتها قليلاً و مع ذلك بدت مهشمة ضعيفة إلى حدٍ كبير:
لن أقوم بأي مهمة، أريد العودة إلى حيث كنت، إلى كوكب الأرض صمتت لثواني ثم اتبعت بنبرة منكسرة أحدثت غصة في حلقها أمي تنتظرني هناك.
انتفض جسد فيكتوريا بعد سماعها لكلمات فيوليت الأخيرة التي أحدثت في نفسها شعوراً غريباً و قد دفع إلى نفسها شعوراً بالألم و الاضطراب. ها هي ابنة جنيفر التي لا تجف دموعها منذ رحيل ابنتيها أو وفاتهما حسب معرفتها قد عاشت مع أم غيرها في مكان بعيد و قد باتت تحبها و تحترق شوقاً لرؤيتها فنبرتها وحدها كانت كافية لتحكي الكثير. عليها أن تسرع بإنهاء المهمة حتى لا يتجلى لجنيفر أي فرصة لتعرف بوجود ابنتها فهذا سيجعلها تتحطم أكثر بمجرد معرفتها بوجود أم أخرى تحترق ابنتها شوقاً للعودة إليها. لن تسمح هذه المرة لأي شيء من أن يسلب منها كنزها أو يفشل خططتها فهي ستصل إلى كوكب الأرض مهما كلف الثمن.
إذا نفذتي طلب صغيراً لي سأمنحك حريتك و سأجعلك تعودين إلى أمك من جديد.
كان ليوناردو ينظر إلى الشاشة أمامه بتوتر، زفر بضيق و هو يحاول السيطرة على أعصابه و كوابيس أفكاره. مازال أمامهم ثماني ساعات حتى تصل المركبة و هو على شفا حفرة من فقدان كل ما لديه من صبر و الإصابة بالجنون من كثرة الأفكار المتزاحمة في عقله و التي تثير حنقه و ضيقه الشديد. رمقه البرت الجالس بجواره بحيرة و ارتباك، لم يكن في الحقيقة يعلم ما عليه قوله.
كان هو الآخر يشعر بالذنب فهو يعرف بأنه المبادر الأول لما وصل إليه الحال الآن. ما كان عليه اللجوء إلى فيكتوريا أو حتى التفكير في هذا و لكن لم يكن يعرف بأن الأمر فظيع إلى هذه الدرجة و لكن على حسب قول ليوناردو و ما شاهده هو أيضاً في تلك الصورة فإن فيوليت حفيدة فيكتوريا و ليس من المعقول أن تؤذيها ببساطة. كانت هذه فكرة بدائية جداً بالنسبة لعقل البرت فهو لا يعرف شيئاً عن روابط فيكتوريا العائلية و لا يعرف ما يوجد خلف المظاهر فلماذا يستبعد احتمال أذيت تلك الفتاة ببساطة؟
هل وصلت مركبة فيكتوريا يا ترى؟ قال ليوناردو بنبرة يائسة منكسرة، لا يعرف ما الذي دفعه للكلام ربما رغبته الشديدة بوجود أحد يشاركه الأفكار المجنونة في رأسه.
لم يعرف البرت بأي طريقة عليه أن يجيب على تساؤلات ليوناردو و كيف فهو يعرف تماماً بأنه مستاءٌ جداً. لم يكن يتوقع بأن يراه هكذا في هذه اللحظة بالذات فلقد كان يحترق شوقاً للوصول إلى هدفه و الحصول على حرية والدته و لكن لعله نسي كل هذا في لحظة شعور بالندم والذنب.
شعور الذنب يجعلك غير قادر على استشعار أي شيء غيره فينتهي بك الحال كمن يلسعه لهيب النار و يحلم باللحظة التي يتخلص منها من ذلك العذاب إنه يعاني من عذاب روحي و لكن ترى بماذا شعر هو نفسه؟ رغم أنه هو السبب الأول في كل هذا وجد نفسه لا يشعر بشيء على غير العادة ربما اعتاد على الشعور نفسه حتى بات شعوره الطبيعي في كل الأوقات.
لا أدري قال البرت ثم صمت قليلاً ليردف بعده و هو يضع يده على كتف ليوناردو عله يخفف عنه ما يشعر به لا تقلق لن يحدث شيء ثم لماذا تحمل نفسك ذنب كل شيء؟
ما كان من ليوناردو سوى أن نظر نحو البرت باستنكار شديد ثم أجابه متعجباً:
لماذا أحمل نفسي؟ ألست أنا السبب في كل هذا و إن حدث أي شيء فأنا سأكون المذنب حينها؟ لم يكن في قلبي ذرة واحدة من الإنسانية و الرحمة عندما لجأت ألي و وثقت بي و لكن ماذا فعلت أنا؟ لقد أذيتها في المقابل.
هزت كلمات ليوناردو مشاعر البرت و وصلت مشاعره إلى أعماقه. شعر بأنه قد أستيقظ من سبات طويل لم يكن يشعر فيه بأي شيء و لا يفكر بأي شيء سوى في الانتقام. لقد عاش في عالم آخر، عالم يتمحور حول مدى كونه شخص بائس، ضعيف في هذا العالم. شخصاً وحده يعاني الألم، يعيش مع آلام الماضي و يصارع عذاب الفقدان. هو يعرف تماماً بأنه لم يكن يحيى في كل يوم تشرق فيه شمس يوم جديد و في كل دقيقة يتنفس بها. لم يكن يحيى إلى درجة أن الآلام أصبحت باسمه و ليس باسم غيره و أن جميع من حوله غير أحياء مثله فباتت فكرة الوصول إلى الحرية من الاستعباد تسيطر كامل سيطرتها على رأسه دون غيرها.
أنت لا تحمل ذنب شيء و لا يجب عليك الشعور بالذنب لأنك مجرد ضحية أجابه البرت بعد أن احتدت نبرة صوته قليلاً، كان يرى فيه نفسه عندما كان في نفس سنه و عندما حمل نفسه فوق طاقتها. رأى فيه نفسه عندما ظل يحط من قدره و يعذب نفسه بشعور الذنب عنوةً و يلوم نفسه دون سبب واضح حتى قتل زهرة شبابه و قضى على كل شعلة أمل و حب في قلبه ليصبح شخصاً يعيش كالأموات. لم يكن يريد أن يصبح ليوناردو مثله لم يكن قادراً على رؤية نفسه مجدداً.
هي أيضاً ضحية و سنبقى جميعاً ضحايا ندفع الثمن و نعيش لعبة الموت حيث تدفع كل ضحية بشبيهتها لتنقذ نفسها من الهلاك بكل أنانية صرخ ليوناردو بقهر و بنبرة مهتزة.
قال البرت مستنكراً كلام ليوناردو بنبرة حادة مؤنبة:
لا يمكنك أن تلوم أي شخص يكون أنانياً في مثل الظروف التي نعيش فيها، جميعنا أرغمنا على أن نكون هذا الشخص. أنت أرغمت و أنا أرغمت و غيرنا الكثير من الذين يحلمون بالنجاة و الحرية.
بقي ليوناردو يحدق بالبرت المنفعل دون أن يجيب بل لم يكن يعلم بماذا يجيب. لم يعد يعرف شيئاً و لم يعد يفهم ماذا يحدث و من الملام. كانت هذه المرة الأولى التي تحصل بها مثل هذه المناقشة الحادة بينه و بين البرت حيث يريد كل واحدٍ منهم أن يفرض رأيه على الآخر.
كان يمكننا أن نساند بعضنا عوضاً عن التنافس في إيقاع بعضنا البعض أجاب ليوناردو بنبرة هادئة بغية الحد من احتداد النقاش أكثر.
من السهل قول هذا و لكنك لا تعرف شيئاً و لا أنا أعرف ما يكفي و لكن لا أعتقد بأنك أول من قال هذا.
عم الصمت بينهما ليطغى صوت محركات المركبة و يبقي ضجيجاً خاصاً بينا كان البرت يحاول السيطرة على أعصابه و احتداده بالحديث فلم يكن يتحمل اتهامات ليوناردو رغم معرفته بأنها وليدة الغضب و لكن ما يعرفه هو و عاشه من ظلم و قمع يجعله يعرف تماماً ما معنى أن ترغم على أن تكون أنساناً أناني لم ترد أن تكونه أبداً.
لا أريدك الآن أن تكون فريسةً سهلة لغضبك و حتى شعورك بالذنب فعندها ستفقد القدرة على التفكير و يصبح عقلك في غياهب الظلمات. لم تبذل سنوات عمرك هكذا لترميها في لحظة غضب واحدة صمت قليلاً يطالع تعابير وجه ليوناردو المرهقة و عيناه الدامعتان لقد كان يتفهم مدى انكساره و ألمه، كان يتفهم مدى إنسانيته و رغبته بإنقاذ كل شخص من شباك العذاب فأتبع بشيء من التردد مهما حصل لا تنسى أهدافك في لحظة، أنت و أنا في نيتنا أن نساعد الفتاة و أن لا نجعلها تكون هي الثمن لكل شيء باعتبارها ضحية لا ذنب لها. إن أخبرنا والدتها بحقيقة هويتها ربما عندها سيحدث شيءٌ آخر و لعلها لا تعرف أنها ابنتها عندها ستحل المشكلة و لكن أنت لست حفيد الملكة و ليس لك من يحميك أو ينقذ والدتك. كن أنانياً لمرة واحدة في حياتك و فكر بمن تحب فكر بوالدتك التي تحترق شوقاً للقائها منذ سنوات طويلة. لا تجعل كل شيء يذهب هباءً منثوراً حتى لو اضطررت أن تكون أنانياً.
كان ذكر والدته يضعفه يهزه من الأعماق حتى يفقده كل قوته و يسلب منه تماسكه و لكن كان شعوره بالذنب أقوى من رغباته فوجد نفسه يقول لالبرت بكل ثبات و تماسك:
لن أسامح نفسي أن لم أفعل شيئاً حيال هذا الأمر حتى لو أضطررت لوضع سنوات حياتي كلها وراء ظهري و أمضي.
لم يعد بنية البرت النقاش مع ليوناردو أكثر حتى نفسه لم تعد تقدر على الوقوف في وجه رغباته الصارمة و رباطة جأشه.
كان مقر التجارب و الأبحاث في قبو القصر في حالة استنفار واضحة فلقد كان الجميع يقوم بتحضير كل شيء كما طلبت الملكة فيكتوريا لقد عملوا منذ مدة على محاولة التعرف على نظام عمل الكرة الكريستالية و التي اتضح بأنها تعمل على حصاد الطاقة بطريقة سلبية عكس ما عرفوه هم عن حصاد الطاقة عبر النشاطات الرياضية. كان ذلك يؤدي إلى الموت حسب دراسات بعض علماء المخبر الخاص حول كيفية عمل الجهاز. كانت أول الخطوات التي يجب الاقدام عليها هي تحليل الحمض النووي فحسب فهمهم لن تحصد الكرة الكريستالية طاقة أي أحد. لم يكن أحدٌ يعلم بحقيقة الأمر و ما تنوي إليه فيكتوريا فكل ما طلبته منهم أن يشرفوا على الأمر دون أن يفهموا أهمية فحص الحمض النووي حتى.
كانت فيوليت في إحدى الحجرات الزجاجية المغلقة تنتظر ما تجهل تماماً فلقد امتنعت فيكتويا عن الإفصاح بما تريد و هي وجدت نفسها لا تكترث كثيراً. لم تكن تعرف ماذا يجري داخلها ذلك الشعور بالاشيء يقتلها، كانت تحاول جاهدة الخروج من هذه الحالة أو حتى إيجاد حبل أمل تتعلق به و لكن كل محاولاتها تلك بائت بالفشل الذريع. لم يكن بوسعها الكذب على نفسها أكثر و لكن كان هناك شيءٌ واحد بقيت ترغب به، إنها رغبة العودة إلى حيث كانت لترى والدتها من جديد حتى لو كلفها هذا أن تدفع حياتها برصاصة من مسدس الفريد. لم يكن يبدو لها بأنه قادرٌ على فعل هذا حقاً فقد بدى منهاراً عند ذلك الحدث. لم تكن تصدق حتى الآن كيف انهار و بدأ يبكي كطفل صغير و هي التي لم تتوقع أن ترى نظرة انكسار في عينيه حتى، كانت تراه شخصاً صلباً إلى درجة التحجر و لم تكن لتدرك تلك العلاقة التي جمعته بوالدتها و مع ذكر كلمة والدتها وجدت نفسها تتذكر حقيقة بأنها ليست والدتها أصلاً و لكنها لم تستطع التصديق لقد أبى عقلها التصديق و بشدة. لا يمكن للمرء أن يصدق بأن تكون أمرأة أعطته كل الحنان و الحب و الأمان ليست بأمه.
كان اقتراب أمرأة منها كفيلٌ بإيقاظها من شرودها. كانت ترتدي مأزراً أبيض كالذي كان يرتديه دانيل في مخبر الجامعة و للحظة وجدت نفسها تحدق بالمرأة و قد هيئ لها بأن دانيل يقف أمامها لقد كادت أن تنسى و جوده في حياتها و قد استغربت كيف حصل هذا فلقد كان له أثرٌ حقيقي في حياتها. كان الشقيق الذي يقف إلى جانبها في كل الأوقات و يستمع لكل شكواها و يهتم بمعرفة مشاعرها. لطالما كان الشخص الوحيد الذي دعمها معنوياً و نفسياً من بين أولاد الفريد الذين كانوا يستنكرون وجودها بينهم.
لقد حان الوقت قالت لها المرأة بعد أن استغربت تحديقها المبالغ بها.
لم تكن فيوليت لتفهم كلماتها فلقد كان كل شيء بعنوان مجهول، هي فقط تسير دون أن تعلم إلى أين ستقودها قدمها و ماذا سيحدث فمالذي جعلها كالفريسة السهلة بلا أدنى مقاومة؟ ربما لأنها تجد العجز في نفسها أمام مفهوم المقاومة في الوقت الحالي. لم تكن تتصور للحظة بان تكون بهذا الضعف و أن تكون علامات الانكسار واضحةً عليها.
أدخلوها داخل مساحة في منتصف المكان أحاطها الزجاج. كانت كالغرفة الزجاجية الصغيرة في المنتصف و قد لاحظت بأنها شيء يشبه فأر التجارب فقد كان هناك تجمعات لا يستهان بها و أعينن تراقبها و تحدق بها. طلبوا منها الجلوس على كرسي و قد وقعت نظراتها على الكرة الزجاجية التي امتد منها شريطان كانوا يخططون لوضعهما على كلا معصميها. كان كل ما يدور في رأسها بأنهم على وشك تنفيذ حكم الإعدام بالحقن بحقها و لكن حالما وجدت تلك الفكرة مضحكة للغاية. لقد أخذوا منها عينة لعاب قبل قليل دون أن تعرف السبب و لم تكن لتستوعب ما كانوا يفعلونه حتماً. بدأت تجول في نظرها المكان حتى التقطت نظراتها وجه فيكتوريا التي كانت تراقب كل شيء بصمت حتى أنها لم تلحظ وجودها، لم تستطع تفسير نظراتها لقد بدى لها بأنها تحاول استراق النظر نحوها و لكن كانت تمنع نفسها و كأنها تحاول تجاهل وجودها.
طريقة فيكتوريا ذكرتها بالخيانة، ذكرتها بشخص يشعر بدناءة نفسه أو يتجنب مواجهة حقيقة ما ذكرتها بليوناردو. الشخص الذي لم ترغب حقاً بتذكره أو بتذكر وجود شخص كهذا في حياتها لقد كان كل هذا مؤامرة حاكها بنفسه و لكن عوضاً عن تجاهل النظر إليها و تجنب مواجهتها وجدته ينظر نحوها بانكسار شديد حتى أن عيناه كادت أن تصرخ و لكنه ببساطة لم يحرك ساكناً.
كل هذا جعلها تتذكر كم تعرضت للخيانات و الانكسارات، كل هذا جعلها تشعر و كأن العالم يتمحور حولها هي وحدها حتى تجد الكثير من الذين يرغبون التخلص منها نهائياً.
كانت تراقب المسرحية التي نشأت خارج المساحة المحاطة بالزجاج الذي عزل الضجة الخارجية. راقبت حركات شفاههم و فيكتوريا التي بدأت تهز برأسها حتى بدأ ذلك الاستنفار الخارجي يبدأ حولها أيضاً.
شعرت للحظة بأنها في عالم آخر كانت فقط تراقب تحركاتهم دون أن تستطيع أن تستوعب كلماتهم لا تعلم ما الذي أصاب عقلها ربما توقف عن العمل أو عساها لم تعد موجدة سوى جسدياً. أين كانت و أين هي الآن؟ لم تكن تدري و لم يكن بوسع عقلها أن يجد أي إجابة. ما الذي يحدث لها بالضبط؟ طلبوا منها أن تضع كف يدها على الكرة الكريستالية حتى انقشعت منها موجات ضوء أو أشعة لم تكن تعرف بالضبط، كان كل شيء أشبه بالحلم لا شيء يجعلها تشعر بأنها على أرض الواقع بوعيها فوجدت نفسها تستسلم بسهولة لهذا الكابوس دون أن تقاوم أو تستفسر كعادتها.
لم تستطع فيكتوريا إزاحة نظراتها عن فيوليت، كانت تراقب جميع تحركتاها و حتى أنها كانت تستغرب استسلامها التام. كانت تبدو لها بأنها مرهقة جداً و كأنها ليست بوعيها، خطواتها غير الثابتة و نظراتها الغائبة عن الوعي. كل شيء كان يبدو لها و كأنها ليست على قيد الحياة، ترى هل تعاني بسبب فقدان والدتها كما بدى لها عندما حادثتها؟ و لكن والدتها هنا مازالت تعيش في طيات الماضي.
لم يكن من السهل على فيكتوريا أن تشاهد ذبول ابنتها يوماً بعد يوم و لكن هي أيضاً عانت منذ طفولتها لأن والديها كان همهم الأكبر و الوحيد هو العودة إلى كوكب الأرض و ماذا عساها أن تصبح و خطط العودة و الانتقام كانت جزءاً من حياتها اليومية؟ ربما هي حقاً لا تنتقم لعائلتها بقدر ما تنتقم لنفسها، للطفلة التي بداخلها و التي لم تعش سوى العذاب و المرارة لأنها تواجدت في مكان لا يجدر بها أن تتواجد فيه بينما كان الأطفال في مثل سنها ينعمون بحياة هانئة و سعيدة على كوكب الأرض و لكن هي لم تحظى حتى باهتمام والديها فليست وحدها مجبرة على تذوق أصناف العذاب و الفقدان! يجب على الجميع أن يضحي و يعاني كما فعلت هي. لم يعد هناك أي فائدة من الندم أو الشفقة فحفيدتها الآن في نظر ابنتها قد ماتت منذ زمن و لم يعد أمامها أي رادع يمنعها من الوصول إلى حيث ترغب و على نقاط ضعفها أن تنصهر عند هذه اللحظة.
بدأت عينا فيوليت تراقب الكرة الكريستالية و الضوء يندفع من أسفلها إلى رأسها و هكذا، ربما هي تعرف قليلاً عما يحدث الآن حصاد الطاقة لقد درست عنه في سنوات المدرسة و قد كان يعد شيئاً قابل للتطبيق في أقرب فرصة و لكن ما كانت تدرسه هو تحصيل الطاقة من البشر عن طريق الحركة و ليس هكذا! هل هي الوحيدة القادرة على حصد الطاقة؟ و هل جاءوا بها إلى هنا فقط من أجل هذا؟
لم تكن تشعر مع تقدم الوقت و تلك العملية مستمرة بخير فقد كانت تحس شيئاً فشيئاً بتآكل جسدها و عظامها تحديداً مما سبب لها بعض الآلام. شعور الدوار و الصداع يتفاقم و شعورٌ قاتل بالارهاق يشبه ذلك الذي تشعره عندما تصاب بالزكام الحاد. لم يكن كل ما تشعر به يبشر بالخير فهذا يعني بأن هناك سبباً لاختيارها هي دون غيرها لتلك المهمة التي أخبرتها تلك المرأة بأنها بسيطة.
سخرت من نفسها عندما تذكرت كلماتها الأخيرة لوالدتها سأعود و سنتظرينني و لكن حالما تحولت تلك السخرية إلى غصة مؤلمة دفعت الدموع إلى عينيها. لماذا كذبت على والدتها؟ لعلها تنتظرها الآن بقلب مشتعل بنار الألم هل هي تنتظرها فعلاً؟ و هل ستظل تنتظرها إن لم تعد؟ هل ستبقى تعيسةً لبقية حياتها؟ و لكن أليس كلاهما لا يستطيع العيش دون الآخر؟
لم تكن تستطيع حتى أن تشكل أي صورة لأيامها القادمة دون وجود ساندرا. ترى هل سيكون الفريد غاضباً من ساندرا لأنها سمحت لها بالذهاب؟ عله يعنفها لأنها فعلت لكنه لا يستطيع. كان الشيء الوحيد الذي رأته في عيني الفريد طيلة حياتها هو حبه الفاضح لساندرا. هل سيفتقدها دانيل أيضاً و هل سيبحث عنها؟ هل سيصرخ في وجه والده كما فعل في المرة الماضية من أجلها؟ بدأت تفكر بجامعتها و أحلامها السابقة بالتخرج، حلمها بأن تحدث أي تغيير حولها و لكن ياله من إنجاز فهي الآن كبطارية لشيء لا تعرف عنه شيئاً و عند تلفها سيتم رميها و لعل ذكراها على كوكب الأرض ستندثر في الهواء أيضاً و تشرق شمس يوم جديد و يعود الجميع لحياته الطبيعية و كأنها لم تكن موجودة أصلاً.
كان آخر ما شعرت به هو دموعها الحارة على وجنتيها بعد أن جاهدت بحبسها في عينيها. لم يعد بمقدورها الصمود أكثر و لعل طاقتها السلبية تلك ساعدت على استسلامها بشكل أسرع و ما إن أغلقت جفون عينيها حتى توقف كل شيء و توقفت معه الكرة الكرستالية و انطفئ نورها و كأن الضوء لم ينبعث منها يوماً.
كانت فيكتوريا تحدق بالفراغ بينما كان عقلها في حالة من التشتت و مشاعر الغيظ و الغضب تسيطر عليها تماماً. لماذا عليها ان تواجه الفشل كل ما اقترب النجاح منها و كادت أن تحصده؟ بعد أن غابت فيوليت عن الوعي انطفئت الكرة تماماً و قبل أن تسكن إضاءتها ظهرت أشعة استطاعت قراءتها فقد كانت نسبة مئوية 75% ثم عادت كما كانت ساكنة. أخبرها الباحثون في المخبر بأنها قد شحنت بالطاقة بنسبة خمس و سبعين بالمئة فقط و هذا يعني بأنها لن تكون قادرة على العمل إن لم تشحن كاملاً بالطاقة. لم تكن تفهم ما حدث و قد نسبت المشكلة إلى غياب فيوليت عن الوعي و لكن عندما عادت إلى الكتاب اتضح بأن الموضوع مقترن بكون المولود توأم و ليس طفل واحد و هذا يعني بأن الطاقة تؤخذ من كليهما و ليس من واحد منهما فقط و خاصةً كونهما توأمان متطابقان ما جعل الأمور أكثر تعقيداً مما هي عليه. أكتشفت فيكتوريا مدى تسرعها و تصرفها باندفاع عندما امتنعت عن قراءة جميع ما يحتويه الكتاب فقط لأنها أعتقدت بأن بقيته عبارة عن ثرثرة لا تهمها فلطالما كانت تبحث عن المختصر دون أن تفكر بأهمية التفاصيل. لم تكن تعرف ما عليها فعله الآن و كيف ستستطيع إيجاد ضالتها بين تلك المساحات و المسافات فلقد بدى الأمر شبه مستحيل. ما جعلها تستغرب مما حدث هو استحواذ الكرة على نسبة أعلى من النصف من واحدة من التوأميين فقط و قد كانت توقعات الباحثين لديها هي امتلاك فيوليت طاقة سلبية عالية ساعدت على استمداد طاقة أكبر.
لم يكن من فيكتوريا حينها سوى أن بعثت تطلب مجموعة من حراسها للحضور وما إن وصلوا حتى بدأت تقول و عيناها تشتعلان بالغضب و بأنفاس متسارعة:
أريدكم أن تجدوا توأم تلك الفتاة صمتت قليلاً ثم أردفت بصوت أكثر حدة و هي تضغط على أسنانها محاولة كبح لجام غضبها و ضيقها الشديد يجب أن تجدوها.
ما كان منهم سوى أن بدأوا يرمقون بعضهم البعض بنظرات تعجب و استنكار و قد كادوا يجزمون بأن ملكتهم أصيبت بالجنون لا محالة فنظراتها لم تبدو طبيعية لهم، أنفاسها التي تعلو و تنخفض و جسدها المرتجف كل هذا لم يكن يوحي بأنها تتصرف بطريقة طبيعية.
هم يعرفون أنهم وحدهم سيدفعون ثمن جنونها فعندما تطلب طلباً ستحول حياتهم إلى جحيم حتى ينفذ طلبها خاصة و هي تطلبه بتلك الطريقة و بينما كان جميعهم في حالة من الذهول و التشتت من ذلك الطلب التعجيزي تماماً قال أحدهم بشيء من التردد:
هل تسمحين لي سيدتي بقول شيء؟
رمقته فيكتوريا بإحتدام و غيظ فقد كانت تظن بأنه يهم بالاعتراض على ما قالت و بصوت شديد منفعل أجابت:
ماذا؟
زادت نبرة صوتها و نظراتها توتره و تردده فأجابها بتلعثم قبل أن يزداد غيظها:
هناك فتاة على كوكب كيبلر تشبه تلك الفتاة كثيراً في ملامح الوجه و لون الشعر و العينين أعني بأنها تشبهها تماماً لولا أختلاف الهيئة الخارجية و طول الشعر.
لقد كان هذا الحارس واحداً من الذين تم ترحيلهم من كوكب كيبلر في الدفعة الأخيرة و قد رأى فيوليت و صعقه التشابه بينها و بين إرورا التي كانت معه في إحدى معسكرات التدريب عدى أن هذه الفتاة كانت أكثر أنوثة من إرورا في الهيئة و التصرفات.
توهجت عينا فيكتوريا و قد راودها نفس الشعور عندما جاء البرت يخبرها عن فيوليت و قد عادت لتشعر بالنصر و تذوق طعم وجود ضالتها بعد عناء. هذه المرة لن يحدث شيء يوقفها بكل تأكيد، هذه المرة ستتحقق رغباتها و يصبح العالم بأسره رهن إشارتها. رغم أن احتمال إخفاق الحارس قفزت إلى عقلها إلى أنها عادت لتدرك بأنه لا مجال لأحد بأن يقول شيئاً مشكوكاً به أمامها فالجميع يعرف حزمها بشأن المعلومات التي يجب أن تتلقاها فقالت محاولةً كبح لهفتها لمعرفة المزيد:.
ماذا تعرف عنها؟
كان واضحاً للحراس تحول تعابير وجه فيكتوريا و إنقلاب حالها بعد الجملة الأخيرة و قد تبدلت نبرة صوتها الحادة إلى نبرة هادئة نسبياً.
لقد نشأت في معسكرات التدريب مع الفتيان و قد كان يقال بأنها تحت جناح السيد جوزيف فلم يكن أحد يجرأ على التعدي عليها رغم كونها الفتاة الوحيدة صمت قليلاً ثم أردف بعد أن قفز شيء أعتقد أنه مهم للملكة فيكتوريا و كفيلٌ بجعلهم يتخلصون من أوامرها المجنونة قليلاً لقد كان لها صديق مقرب يدعى،.
كانت لديه مشكلة مع تذكر الأسماء ما جعله يصمت قليلاً ثم يردف بعد مدة بشيء من اللهفة لتذكره الاسم:
يدعى توماس.
التعليقات