التخطي إلى المحتوى

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل السابع

(ميرنا)
ماهو الحب؟ هو شعور مفاجئ يهاجم خلاياك العصبية ويجعلك متوتراً طوال الوقت. يحصل على غفلة، ربما من ابتسامة. من كلمة. او من نظرة. تجد نفسك بين ليلة وضحاها قد وقعت فيه. عقلك سيكون مشغولاً طوال الوقت، ابتسامتك البلهاء لن تفارق شفتيك، ستضحك فجأة كالمجنون من دون سبب. وفي اللحظة ذاتها ستتفاجئ انك بدأت في البكاء من دون سبب ايضاً، ربما هو الاشتياق. وربما هو بسبب الجفاء، انت لاتعلم بالضبط!.

اعراضه: هالات سوداء تحت العين من كثرة السهر والتفكير، الآم في القلب بسبب ضرباته السريعة وارتجافاته الغير معتادة كلما رأيت من تحب، الآم في الرقبة. لاتسألوني لماذا ولكني اعاني منها الان، ربما بسبب طول قامته التي تضطرني ان ارفع رأسي اليه دائماً!.

رميت جسدي فوق سريري وانا ارفع هديته المغلفة امام عيناي بأبتسامة سعادة واسعة تحتل كامل وجهي، قمت مجدداً دفعة واحدة وبدأت بتمزيق غلافها اللامع كي يظهر مايخفي خلفه، حدقت ببلاهة بالاطار الزجاجي ذاك الذي يحوي بداخله ورقة كبيرة تحوي على كتابات لم يستطع عقلي استيعابها للحظة، سحبت البطاقة الصغيرة المرفقة مع الهدية وقرأت حروفها المنمقة والوسيمة مثله:.

(كل عام وانتِ بخير واعتذر اني لم احضر حفلة ميلادك، لقد احترت في اختيار الهدية ولكني تذكرت انكِ لاتحبين الهدايا غالية الثمن لذلك فكرت في اهدائك واحدة معنوية، حسبما قلتي لي انكِ لم تقرأي ماينشر عنكِ في مواقع التواصل الاجتماعي لأنكِ لاتصدقينه، ولكني كتبت لكِ مااصدقه انا عنكِ، لذلك بحثت فيما كتبوه واخترت لكِ مااصدقه واراه فعلاً بكِ، هذه هي بعض الاقتباسات والصفات، استمتعي بالقراءة. ).

وضعت البطاقة فوراً بجانبي وقلبي يخفق بسرعة متلهفة لقراءة مايظنه سيف عني دون ان اجد سبباً منطقياً للهفتي هذه! تقافزت نظراتي فوق حروف الورقة المؤطرة بسعادة وانا اركز بكل كلمة فيها:
( قد ترونها فتاة متكبرة. متعجرفة. ذات نظرة ثاقبة. لاتقلقو. هذه ليست ميرنا اليوسفي على الاطلاق، فبداخل ميرنا اليوسفي لاتزال هناك فتاة صغيرة ترفض الخروج من خلف الكواليس…

تتمتع ميرنا اليوسفي بشخصية لطيفة لاتنتمي اطلاقاً لشخصيات الطبقة النبيلة.
ربما لو لم تكن ميرنا اليوسفي اكثر الثريات تبذيراً لكانت المثالية تماماً من بينهن. ).

عند هذا الاقتباس اقتضب وجهي والتحم حاجباي بأستياء، هل يراني مبذرة؟ تناسيت كل المديح السابق وركزت في هذه الجملة فحسب. ألم يحضر في المرة السابقة مشاجرتنا انا وامي لأني ارتديت الفستان ذاته. فكيف يحكم اني مبذرة؟ بل وكيف سيعرف ان كنت كذلك او لا؟، ذلك المعتوه الوغد ألايمكنه ان يكون لطيفاً حتى النهاية؟ تنهدت بضيق وانا ارمي جسدي مجدداً فوق السرير اطالع تلك الورقة هي وحروفها المتنمرة تارة واللطيفة تارة اخرى، وكأنه لايسمح لي بكرهه ولابحبه في الوقت ذاته، كلما غضبت وجدت عبارة لطيفة تجعل ابتسامة عريضة تحتل ثغري، وكلما اعتلت عيناي نظرة حالمة سرعان ما ستهرب بعيداً وانا اقرأ عبارة من عبارته الاسطورية التي تجعل كل البراكين الموجودة في داخلي تنفجر!.

لااعلم كم مر من الوقت وانا اقرأ تلك الورقة. ولااعلم كم مرة اعدت قرائتها وانا اغضب وافرح مع كل عبارة اقرائها وكأني اقرئها للمرة الاولى! وكل مااعلمه اني استيقظت صباحاً وانا لاازال على نفس الوضع والورقة بين يداي قد غفت معي فوق صدري!.
دعكت عيناي بأصابعي لأنشطهما من نعاسهما وركزت في ساعتي المنضدية لأقفز بعدها كالمجنونة من فوق سريري بأتجاه خزانة ملابسي، فكما تعلمون لدي اليوم موعد مع الطبيب…

غيرت ملابسي بعد ان اخذت حماماً سريعاً واتجهت نحو سيارتي من دون حتى ان اكل شيئاً، لاداعي ان اقول لكم اني قدتها بسرعة جنونية كي اصل في موعدي! ومن الجيد اني قد وصلت على الموعد تماماً، اتجهت مباشرة نحو غرفة الطبيب زيد ولاداعي ان اسجل بياناتي في الاستقبال فهم معتادين على حضوري هنا دائماً من اجل العلاج. بل وحتى ان بعض الممرضات اصبحن صديقاتي! هذا هو الجانب الايجابي الوحيد في مرضي بالمناسبة.

طرقت الباب طرقات خفيفة حتى وصلني صوت زيد سامحاً لي بالدخول ففتحته بأبتسامة عريضة وجدت ذاتها فوق ثغره وهو يجلس فوق كرسيه الجلد المدور ويحضر الحقن والادوات.
صباح الخير دكتور.
اهلاً بميرنا الجميلة.

ضحكت وانا اجلس على حافة الكرسي الطويل كذاك الموجود في عيادات الاطباء النفسيين ولكنه ابيض، حدقت به وبالحقنة التي يحضرها بين يديه ويعقمها. كان زيد في34 تقريباً ذو بشرة بيضاء ونظارات طبية كنت دائماً ابدي اعجابي بها. فهو الاكثر من بين كل من رأيتهم تليق به النظارة بهذا الشكل! يمتلك زيد شخصية لطيفة جداً ومرحة. تعرفت عليه عندما بدأت العلاج عنده قبل ثلاث سنوات تقريباً. كنت يائسة وحزينة جداً في وقتها وقد كنت لتوي قد عرفت بأمر مرضي ولكن بسببه انتقلت نحو مرحلة اخرى من الايجابية والتفاؤل حتى انه عرفني بزوجته اللطيفة هيلين وابنته الرائعة التي اعشقها مايا ذات الخمس سنوات بعد ان ادرك اني قليلة الاصدقاء!

بماذا شاردة الذهن اميرتنا الجميلة؟
انتزعت ابصاري من فوق الحقنة التي بين يديه ورفعتها بأتجاهه وانا احدق داخل عيناه من خلف نظارته الزجاجية، لم اشأ ان يدرك القلق المخلوق بداخلي لذلك افتعلت جواً مرحاً وانا اقول ممازحة:
احاول ان احسدك ولكن يبدو ان الامر لايجدي نفعاً، لاتزال النظارة جميلة عليك!
ضحك بقوة وهو يقول:
أتعلمين انك الفتاة الوحيدة التي لاتغار منها هيلين عندما تقول ذلك!

لأنها تعلم اني لن اعجب بأمثالك.
فمط شفتيه وهو يقول ليغضيني بالمثل:
او ربما لأنها تشك بكونكِ فتاة من الاساس.
حاولت ان اجيبه بعبارة مغيضة اخرى ولكني لم استطع، فأنا سريعة الضحك في مواقف كهذه ودائماً مااخسر!
مرحباً انسة ميرنا!
قطعت ضحكتي والتفت بأتجاه الممرضة رانية التي مدت رأسها من الباب. تبسمت وانا اجيبها:
اهلاً رانية، كيف حالك؟
دائماً بخير…

يااللهي! كم يعجبني تفاؤل هذه السيدة، يا ليتني كنت مثلها. ولو بشكل قليل حتى! هي لاترى اي شيء يستحق ان تعكر صفو مزاجها من اجله او ان تخفي ابتسامتها الدائمة. يبدو ان تفاؤل زيد ينتقل بالعدوى لمساعديه!
قالت رانية وهي توجه حديثها مابيني ومابين زيد:
لقد اتصل المتبرع الخاص بكِ انسة ميرنا وقال انه سيتأخر قليلاً بسبب الازدحامات المرورية.
فأجاب زيد بدلاً مني:
سيكون هذا افضل بينما اجري لها بعض الفحصوصات.

اومأت رانية بأبتسامة وخرجت من المكتب، اتمنى ان اعرف فقط الجملة الاسطورية التي تجعل الابتسامة تختفي لبعض الوقت منها؟ انها بالفعل مذهلة!
اخرج زيد ضوئه اليدوي الصغير وفتح عيني بأصبعيه ليقتحم النور اجزائها وهو يحدق بها بتركيز. ثم انتقل لفحص فمي وبعدها لضغط الدم خاصتي وضربات قلبي يتبعها وخز قليل في الابرة في قمة اصبعي ليأخذ منه بعض الدم ويحلله في المجهر وهو يسأل في اثناء كل ذلك:.

هل تستمرين على علاجك بأنتظام؟
نوعاً ما.
رفع بصره فوراً إلى وهو يقول:
كيف نوعاً ما؟
اعني. انا استمر. ولكن في بعض الاحيان انساه. لذلك تولت سديم امر اعطائي اياه كي لاانساه مجدداً.
فقال لي بلوم:
ميرنا، الامر جاد ولن يتقبل التهاون به، ان تركتي العلاج حالتك ستتدهور. ولااريد ارعابك ولكن قد يؤدي الى موتك! ان استمررتي عليه ستتحسين، نعم انتِ لن تتشافي بشكل دائم ولكن على الاقل لن تتدهور حالتك ولن يؤدي الى موتك.

ضيقت عيناي وانا اقول بمزاح:
أتعلم انك ذكرت كلمة موت مرتين امام مريض معرض له بالفعل؟ يالك من طبيب فاشل! هل هذا سيبقي اي امل في داخلي؟، سأشكي امرك الى هيلين.
ضحك مرة اخرى وهو ينقر بأصبعه فوق رأسي ويقول لي:
صدقيني ستطردني من المنزل ان تذمرتي مني امامها، فهي إنحيازية جداً لكِ…
ثم اعاد ابصاره نحو المجهر وهو يقول لي بنبرة جادة مرة اخرى:.

بالمناسبة لااستطيع فهم شيء بكِ، لااعلم لما تأخذين دمك من متبرع وتدفعين له ذلك المبلغ الطائل من المال وانتِ بأمكانك ان تحصلي عليه من مصرف الدم لدينا.

انت تعلم ان فئة دمي نادرة يازيد. نعم مصرف الدم لديكم سيوفرها لي وبسهولة ايضاً خاصة بسبب مركز ابي في المجتمع ولن اضطر ان انتظر في اللائحة مابين الاكثر او الاقل خطورة، ولكن لما سأفعل ذلك وانا بأمكاني ان احصل عليها من متبرع يرفض التبرع للمستشفى ولكنه سيتبرع لي مقابل المال؟ دع الذي في مصرف الدم الذي هنا يفيد اولئك الذين لايملكون المال لجلبه على حسابهم الشخصي!

نظر لي نظرة جانبية بأبتتسامة قبل ان يعيد ابصاره نحو المجهر وهو يقول:
احياناً كثيرة اشك بكونك ابنة ادهم اليوسفي!
ضحكت وانا اقول:
اجل. امي وابي يشكان بهذا ايضاً!

دقائق اخرى حتى دخل احمد الشاب ذو 29عاماً والذي يتبرع لي بالدم شهرياً من اجل مرضي، فأنا اعاني من مرض فقر الدم اللاتنسجي(الانيميا الابلاستية) ومضمون هذا المرض ان النخاع العظمي يفشل في انتاج خلايا الدم المختلفة من اجلي، الصفائح الدموية وكرات الدم البيضاء والحمراء. لذلك احتاج الى متبرع يحمل نفس فئة دمي كي ينقلو لي الخلايا تلك. فالحمراء تساعد على صنع الاوكسجين في الجسم والبيضاء تهاجم الفيروسات التي تدخل الى الجسم والصفائح الدموية تساعد على تجلط الدم في حالة النزيف. وبما ان نخاعي العظمي لاينتج هذه الخلايا فأن حياتي في خطر من دونها. نعم تبرع الدم لايعالج المرض بشكل نهائي ولكنه يسيطير على الاعراض التي تسببها نقص تلك الخلايا. والشيء الوحيد الذي سيعالج مرضي هو تبرع احدهم لي بالنخاع العظمي. ولكني لم اجد ذلك المتبرع بعد وبعضهم الذين وافقو على التبرع لي لم تتطابق فئة دمائنا لذلك سيفشل التبرع…

علي اية حال استغرق نقل الدم لي بعض الوقت وماان انتهينا حتى سلمت احمد مبلغه المالي داخل ظرف ابيض وخرجت من المستشفى بعدها وانا اشعر بدوار شديد وغثيان، ربما هذه احدى اعراض المرض المعتادة، او ربما بسبب نقل الدم. لااعلم بالضبط. فلست خبيرة جداً بالامور الطبية!

استقللت المصعد مع مجموعة من الاشخاص واتجهت نحو الاسفل لأخرج بعدها نحو موقف السيارات حيث سيارتي اركنها هناك. ولكن فجأة نبرة صوت رجولية مميزة جداً اعرفها تمام المعرفة قد استوقفتني.
انسة ميرنا؟.
التفتت بدهشة نحو سيف الذي لاينفك يظهر فجأة امامي! قطبت حاجباي بأستغراب وانا اقول:
سيد سيف؟
اقترب مني وملامح الاستغراب التي تعلو وجهه لاتختلف كثيراً عن التي تعلو وجهي وقال لي بنبرة استوضحت فيها بعض القلق:.

ماالذي تفعلينه في المستشفى؟ أأنتِ بخير؟
تبسمت بأرتباك وقبضت اصابعي على حزام حقيبتي بتوتر وكأني استمد بعض الطاقة منها وقلت:
أ. أجل. لكن صديقتي مريضة. وجئت من اجل زيارتها.

فجأة وجدت ملامح وجهه المنقبضة تسترخي وهو يومئ لي موافقاً. يااللهي. هل كان قلق بالفعل علي؟ هل انا سعيدة؟ نعم انا كذلك. وبشدة ايضاً، نعم صحيح انه ليس الشاب الاول الذي يبدي قلقه علي. ولكنه الشاب الاول الذي يحاول اخفاء قلقه علي! اي لايمثله. لايحاول اثارة اعجابي به، بل وانا اعتقد ان اخر شيء يسعى سيف اليه هو اليه هو اثارة اعجابي!
وماالذي تفعله انت هنا؟
رفع يده الملفوفة بالضماد امام وجهه وهو يقول:.

وقعت على يدي بالامس واذيت معصمي. لذلك اتيت من اجل علاجها.
شئياً ما انقبض بداخلي فجأة وانا اتخيله يسقط ويتألم. آه والان ملفوفة بالضماد! بالفعل شيئاً مايؤلمني داخل قفصي الصدري جعل الحروف تتدافع من فمي تحمل بين طياتها قلقاً يشابه قلقه الذي اخفاه قبل قليل. ولكني لم اخفيه:
وهل انت بخير الان؟
قال بعدم مبالاة وهو ينظر نحو يده:
لقد خضعت لعلاج طبيعي ووضع لي الطبيب بعض المراهم.

ثم رفع يده الاخرى التي تحمل كيساً ابيض واكمل:
واعطاني بعض الدواء…
ثم قال لي بملل وهو ينظر نحوي:
لوتعلمين كم اكره الدواء! أتصدقين انه لايجدي نفعاً معي!
تبسمت من منظره العبوس وقلت له مستغربة:
ولماذا؟
لأني دائماً انسى موعده وافوته وبذلك لايجدي نفعاً ان لم التزم بدورة العلاج.
ضحكت وانا اقول له:
يالك من شاب مسكين! ألا تملك من تهتم بأمرك وتذكر بدوائك ياعزيزي؟
حك رأسه من الخلف بيده وهو يقول لي بتعابير طفولية:.

ربما على ان اجد حبيبة كلما مرضت واهجرها بعد ان اتعافى.
فصفقت بيداي مدعية الفرح وانا اقول:
مارأيك ان اكون انا الحبيبة؟ ارجووووك اخترني!
ضربني بأصبعه على جبيني وهو يقول:
يالكِ من بائسة حقاً! جدي غيري لتورطيه معكِ ياصغيرة.
كتفت يداي امام صدري وانا اضحك واهدده قائلة:
ثق بي. يوماً ما ستندم!
عليكِ؟ لااظن ابداً.
وقبل ان اجيبه بعبارة اخرى قال لي:
هل لديكِ اية مشاوير الان؟
بهتت ملامحي فوراً وانا اقول:
لا. لماذا؟

بما اننا التقينا. مارأيك ان نحتسي فنجان قهوة معاً؟
ماذا؟ هل ستظنوني سأرفض؟ هه. مضحكون حقاً!
ب. بالتأكيد!

اصطحبني نحو مقهى قريب من المشفى لذلك لم نكن مضطرين لأستقلال سياراتنا، كان مقهى ذو واجهة زجاجية عريضة تمكنك من رؤية كل اجزاءه قبل ان تدخل. فتح بابه وجعلني امر قبل ان يدخل هو من بعدي. اه يااللهي كم هو مهذب! حتى لو كل الرجال يفعلون ذلك وحتى وان كان امراً اعتيادياً ولكنه سيظل مميزاً ان فعله سيف. به شيء غريب يجعل كل شيء بسيط فيه مميز!

جلت ببصري ببطئ في الارجاء استشعر هذا الهدوء الصباحي المذهل واستنشق رائحة القهوة المنعشة التي تنتشر في الاجواء والتقطت اذناي صوت موسيقى لأغنية فرنسية هادئة تصدر من احدى اركان المقهى لأديث بياف وفي الوسط تنتشر الطاولات يجلسون عليها بعض الاشخاص لايتجاوز عددهم الخمسة ربما او الستة. فالوقت هو الصباح وبالتأكيد اغلب الناس في عملهم الان ولن تكتظ كالمساء! اختار سيف طاولة ملاصقة للنافذة العريضة المطلة على الشارع فجلسنا متقابلين وكلانا ادار رأسه نحو الرصيف نشاهد المارة الذين عليه وليس وكأننا كنا من ضمنهم قبل قليل! ولكن المنظر من الداخل يختلف، يجعلك تنظر بشكل اعمق ولايشوش ذهنك ثرثرة الناس المزدحمين ولا اصوات السيارات وابواقها المزعجة، يمكنك من هنا ان ترى الجميع من دون ان تصلك الاصوات التي تغلفهم. وكأنك تضغط على زر كتم الصوت في جهاز التحكم!

مكان جميل. أليس كذلك؟

قالها سيف بهدوء بينما مستمر بالتحديق من خلال النافذة، التفت اليه كي اجيبه ولكني سكتُ فجأة، شعرت بشيء غريب وانا احدق بملامح وجهه الوسيمة من الجانب، تلك الملامح المرتبة حسب الطلب، تلك العيون ذات النظرة المميزة، ذلك الشعر الاسود كالليل، انا، هذا الوجه. انا رأيته من قبل. ولكن اين؟ التفت إلى سيف فجأة بعد ان تأخر جوابي لأشعر بصعقة كهربائية تسري في اطرافي من نظرته الهادئة والمميزة تلك، ينظر إلى بعمق شديد. يغوص في اعماقي، ولكنها تكون باردة في الوقت ذاته لاتحمل اي مشاعر، ولااعرف لما نظرة خالية من المشاعر هكذا تجعل مشاعري انا تتدفق!

سيف، هل التقينا انا واياك مسبقاً؟
قوس حاجبيه بتعجب وقال ساخراً:
أتعنين عدا في شركة ابيك مرات عديدة والمنزل والمطعم والان امام المستشفى؟
لم ابالي بسخريته ولم اعلق عليها بشيء وبقيت انظر اليه بملامح جادة وانا اسأله، فبداخلي شعور غريب وقوي يخبرني اني رأيته في مكان ما. ولكني لااذكر:
لا، انا رأيتك في مكان اخر قبل ان اتعرف عليك. لااذكر اين بالضبط ولكن وجهك ليس غريب على على الاطلاق…

بقي سيف هذه المرة يحدق داخل عيناي بجمود لايمكنني استشفاء سببه الحقيقي. أهو يفكر؟ مرتبك؟ لايجد اجابة؟ ولكنه فجأة قال ببرود:
انا وانتِ التقينا عشرات المرات قبل ذلك اليوم في مكتب ابيك عندما اخذت بطاقة ائتمانك. ولكنك لم تنتبهي علي. لذلك ربما لهذا السبب يبدو وجهي مألوفاً.

بدأ جزء من الحيرة ينقشع من داخلي مع كلامه هذا، ربما يكون محقاً. ولكن كيف لم يجذب انتباهي مسبقاً؟ شخصيته كانت كافية لتشدني اليه فكيف لم انتبه له قبل الان؟، ولكن لنواجه الامر. لوكان سيف يقف امام ابي في يومها كبقية الموظفين وتحدث ابي اليه كالاخرين لربما لم اكن سأنتبه اليه فأنا لم اكن سألتفت نحوه من الاساس لأراه!
هل يمكنني اخذ طلباتكما سيدي؟
قطع شرودي صوت نادل المقهى وهو يتحدث لسيف.

اجل من فضلك. نريد كوبيين من القهوة مع قطعتي كعكة بالشكولا.
ثم نظر إلى مبتسم وهو يقول:
فبالتأكيد لم تفطري بعد.

يااللهي، ياليتكم ترون ابتسامته النادرة فحسب. وطريقته عندما يتحدث الي، يدير الامور ويتحكم بها بسلاسة وبطريقة تجعلني اطيعه فوراً واقبل بأي شيء يعرضه علي. كالسيجارة تلك مثلاً! فلمعلوماتكم أنا لاادخن من الاساس ولكني لم استطع رفضها في يومها وهو يمدها الي! نعم في يومها كان محقاً. انا دخنت عندما ذهبت للحمام. ولكني لم اذهب للتدخين بل احتجت مساحة بعيداً قليلاً عن امي وهناك عرضت على انسة ما سيجارة بعد ان شاهدت تضايقي فأخذتها وقررت ان لااشرب غيرها. فكما تعلمون جميعكم بمرضي والسيجارة ستضرني دون ان تنفعني. ولكن قبلتها منه فوراً بعد ان عرضها على في الشرفة، وكعكة الشكولا هذه الان مع القهوة. نعم هي لذيذة وانا اعشقها. ولكن الجميع يعرف انه من المستحيل ان اكل اي شيء مع القهوة، ولكني استمر بطاعته فقط من دون سبب! حتى اني بدأت اشك في كوني كنت امزح عندما اخبرته قبل قليل ان يختارني لأصبح حبيبته، فجزء بداخلي قد رغب بذلك بشدة بعد ان قلته، وشيء ما نبض بيساري، شيء لم اكن اعتقد انه موجود فعلاً، ولكنه يستمر بالظهور وركل قفصي الصدري كلما وقعت عيناي بداخل عيون سيف الساحرة!

اصبحتي هادئة فجأة.
قالها سيف وهو ينظر إلى بأبتسامة فتبسمت بدوري وانا اقول:
ألا يليق بي الهدوء؟
لا، احب مشاكساتك الطفولية اكثر.

طرفت برموشي عدة مرات بأرتباك وانا اشاهده يلقي الجملة على مسامعي بهدوء وعدم مبالاة ليعود نحو تحديقه من النافذة، ي. يحب مشاكساتي اكثر؟ يااللهي، هناك شيء ما يحبه بي، يدفعه للحديث معي. الجلوس معي. المزاح معي، واخيراً شخص ما يحب شخصيتي الحقيقية، شخصية ميرنا فقط. من دون تأثير والديها او ضغوطات مجتمعها. شخص ما يفضل شخصية ميرنا ولايفضل شخصية ميرنا اليوسفي!.

دقائق اخرى حتى وصلت طلبيتنا وبدأنا بتناولها بصمت ولكن رغم ذلك بأستمتاع، نعم هو لم يقل ذلك ولكنه يفشل في اخفاء ابتسامته وهو جالس بصمت هكذا. فبالتأكيد لايعرضون مقطع فيديو مضحك داخل كوب قهوتهة يدفعه للابتسام هكذا من دون سبب. مثلي تماماً! شيء جعلني ادرك ان سيف بدأ يحمل لي بعض المشاعر. مثل المشاعر التي بدأت احملها انا من اجله. نعم قد ينكر ذلك. ولكني اشعر بذلك. بل انا انا شبه واثقة من ذلك! شيء ما غريب يربطنا، شعور غريب لم افهم حقيقته بعد، ربما هو مجرد اعجاب، او ربما هو اكثر!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *