التخطي إلى المحتوى

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الخامس

هؤلاء الحمقى عليهم أن يتوقفوا عن التصرف بتهور ماذا لو انفعل الآن وغادر المبنى بأكمله!، حتى بعد خروجنا من مكتب السيد كوفمان بقيت أعينهم تلاحقه بتمعن وتركيز!، وقفنا بجانب المصعد والصمت سيد الموقف ولم تكن سوى ثواني حتى نظرت ستيلا إلى هاتفها الذي تعالى رنينه لتجيب فوراً: ها أنت ذا.

كاد صوت الطرف الآخر يصل إلى مسامعنا بوضوح! زفرت ستيلا وقالت تضغط على زر المصعد ممتعضة: نعم أخبرته للتو أنك لم تكن متواجداً في موقع التصوير، انه خطأك لم يكن عليك اهدار وقتي بانتظارك!
تمتم ديفيد معلقاً بصوت خافت بإقتضاب: فرانك يستحق التوبيخ تأخر في الأمس أيضاً على أحد العارضين وكاد يغادر غاضباً لولا وصوله قبل رحيله.

وضعت يدي على خصري بعدم رضى: هذا الغبي. ليته يلتزم بالمواعيد المحددة كما يلتزم بمهمة ازعاجي والتبجح أمامي فقط!
دخلت ستيلا إلى المصعد ملوحة لنا وهي تستكمل توبيخ فرانك على الهاتف بعصبية، ولكنها سرعان ما نظرت الى دانيال باستيعاب وابعدت الهاتف عن اذنها تقول فوراً: عذرا لم ارحب بك بعد! ادعى ستيلا، اعتقد انك العارض البديل.

اضافت تبتسم مشيرة الى الرفاق بلا حيلة: هذا ما سمعتهم يقولونه اثناء استراقهم السمع!، مرحبا بك.
صمت.
صمت تام! ولا تعليق بعد كلماتها من قبله ولو بحرف!
نظرت اليه بترقب اطرف بعيني باضطراب وكذلك ستيلا التي حدقت اليه باستغراب شديد للحظات مطولة كان فيها يشيح بنظره بعيداً يمضغ علكته ببرود!
ي.
ياللوقاحة!

تجاهلها تماما وكأنه لم يسمع ترحيبها به!، ابعدت ستيلا سبابتها عن زر ايقاف غلق المصعد واسرعت ترفع الهاتف نحو اذنها فوراً: م. ماذا كنا نقول فرانك.
انتابني الغيظ الشديد وواجهت صعوبة كبح نفسي وقد رمقته بغضب ولكنه لم يكلف عناء النظر نحونا وبقي يقف بعيداً عنا.
لا يعقل انه سيبقى على هذا الحال.!
هل قلت للتو للسيد كوفمان انني سأدير أعمال هذا الرجل عديم الاخلاق!

هل على التراجع بسرعة قبل فوات الاوان؟ ربما على البحث عن شخص مناسب ليدير اعماله وحسب! طالما حظيت بفرصة العثور على عارض بديل ففعلت ما كان على فعله!
ابتلعت ريقي قبل ان امرر يدي في شعري بعصبية، على اخذه الى موقع التصوير ليأخذ فكرة كافية عن كل ما يلزم، ولكنني توقفت وأجفلت لقول روز بحماس فجأة: حُلت المشكلة يا رفاق، الأمر يستدعي احتفالاً بمناسبة رفع الإيقاف عن كتاليا التي ستستأنف العمل أخيراً.

أومأت جانيت بهدوء: بعض الأمور كانت متوقفة في غيابك، يجب أن نباشر غداً دون تأجيل أكثر.
حسنا فكرة تلطيف الاجواء من قبلهما في هذا الصمت الثقيل والاجواء الغريبة ليست سيئة.
ابتسمت لهما: صحيح.
لفت انتباهنا جاك الذي تكتف يزفر بحدة وهو يحدق إلى دانيال الذي انتبه له وبادله النظرات بتثاقل وعدم اكتراث قبل أن يقول ببرود: هل استطيع المغادرة الآن؟ اعتقد ان دوري قد انتهى.

لوى جاك شفته واقترب من دانيال يقف أمامه يرمقه بتقييم: أنت هو العارض البديل إذاً.
تدخل ديفيد يقف بجانب دانيال بل واحاط كتفه بذراعه بقوة وقال له بمكر: البطل المغوار الذي أنقذ كتاليا في اللحظات الأخيرة.
أتمنى فقط ألا يحاول أحدهما استفزازه بأي طريقة كانت، على تنبيههما كما وأرجو ان روز كانت حذرة في انتقاء كلماتها مع ديفيد بشأن مساعدتنا حول عقدة دانيال في التعامل مع.

سمعت أنكَ لست معتاد على التعامل مع النساء، يا لها من خيبة كبيرة! ولكن لا تقلق أنا هنا لأجلك خصيصاً، بل أنني ولدت لأجلك فقط. سأعلمك الكثير لذا اعتمد علي.
اتسعت عيناي أنظر لديفيد بحزم احاول تنبيهه بإطباق فمه! تباً ليست الطريقة المثلى لمفاتحته بهذا الموضوع الآن!

تنحنحت بتحذير أحك انفي بتوتر اهدده بعيناي فارتفع حاجبا ديفيد للحظة بينما قال جاك بإستخفاف: رجل لا يجيد التعامل مع النساء في هذا القرن؟ أين عثرت على هذا العارض تحديداً كات؟ في فجوة زمنية؟
ابعد دانيال ذراع ديفيد من على كتفيه وحدق إلى جاك بحدة وما ان لمحت يده ترتفع نحو ياقة جاك حتى توقف فجأة واتسعت عيناه بدهشة. بدى متفاجئاً مردداً بعدم استيعاب: مهلاً!

رمقني بنظرات متقطعة: أنتِ! ما الذي ثرثرت به تحديداً؟
أسرعت أوضح بتوتر: لحظة واحدة، كان على اخبارهم لنتعاون جميعنا!، لا تقلق من يقفون أمامك الآن هم فقط على علم الأمر!
عندما قلصت روز المسافة بينها وبين ديفيد اسرع دانيال يتراجع للوراء بإضطراب تاركاً بينهما مسافة كافية وهو يزمجر بغضب: من سمح لكِ بالثرثرة كما يحلو لكِ يا امرأة!

أعقب يمرر يده على صدغيه بعصبية افزعتني: سُحقاً تباً واللعنة مَن أيضاً على علم بالأمر؟ هل يبدو الأمر وكأنه خبر حصري يستحق النشر!
أجبته فوراً مهدئة أرفع كلتا يداي: نحن فقط! روز وجانيت، ديفيد وجاك. ثق بي!
هل هذا هو العارض البديل الذي تحدثتم عن عقدته في المجموعة؟
قيلت بصوت محتار خلفنا.
التفت الجميع بينما أغمضت عيناي بإحباط اضرب جبيني بيدي لأسمعه جانيت تعلق ببرود: نسيتِ ذكر اسم سايمون.

لمحت الشرر يتطاير من عينا دانيال فأجفل سايمون وتوقف عن الاقتراب باستغراب شديد يطرف بعيناه بإضطراب.
نظرت إلى الجميع بإمتعاض قبل أن اتدارك الموقف واقول محاولة تلطيف الأجواء بمرح: آه صحيح دانيال، لم أعرفك على الرفاق بعد.

رمقني بنظرة حادة قبل ان يشيح بوجهه ويتصلب فكه بشدة يزفر الهواء بقوة ونفاذ صبر. أسرعت أشير إلى جاك: أعرفك على جاك، يدير القسم الفني، وهذه شقيقته جانيت تعمل في قسم تحرير الصور، وهذا ديفيد.
ابتسم ديفيد بهدوء يغمز لدانيال بثقة فأكملت: يعمل في قسم التصميم، وهذه روز قابلتها مسبقاً، ستكون مصممة ومنسقة الأزياء في موقع التصوير.

ثم أشرت إلى سايمون الذي طرف بعينه السوداء بإستنكار: سايمون في قسم صياغة المقالات.
رفع ذقنه ووضع يديه في جيب بنطاله يحدق إليهم بنظرات سريعة قبل ان يغمض عينيه ويقول بجفاء: حفنة من المفعمين بالحماس لصغائر الأمور حسنا مرحباً، والآن هل يمكنني المغادرة!
ضاقت عينا جاك ولمعت ببريق اخضر مترع بالانزعاج وقد وضع يمناه على خصره، ارخى ربطة عنقه بيده الاخرى يلتزم الصمت جاهداً.

لوت روز شفتيها ممتعضة بينما حدقت جانيت الى هاتفها متمتمة موجهة حديثها إلى دانيال: اهلا بك، سأعود الى مكتبي اراكم لاحقاً.
تحركت جانيت مبتعدة ولحق بها ديفيد ثم تبعته روز، مرر جاك يده في شعره البني الداكن وقال بهدوء يوجه حديثه اليه: أنت، ما خطب تصرفاتك الهمجية تحديداً؟ هل تدرك المكان الذي تقف فيه حتى؟
قلّب دانيال عينيه وعلق ببرود: لم انتبه لتواجدي في صومعة الرهبان اعذر سوء تصرفاتي.

احتدت نبرة جاك: ياللوقاحة ودناء المستوى! من يكون بحق الاله كتاليا؟ هل سمع يوماً بآداب الحديث حتى!
زفرت واغمضت عيناي منهكة بينما تدخل سايمون بسرعة: مرحبا بك في المجلة، سعدت بلقائك.
اومأ له دانيال بهدوء فانزعج جاك: هل تتجاهلني!
وضع سايمون يده على عاتق جاك يجذبه معه يرغمه على التحرك: لنباشر العمل المتطلبات كثيرة والجمهور في انتظار الكثير من الاخبار الحصرية كما تعلم.

اعترض جاك محاولا ابعاد يده: ابتعد سايمون هذا الوقح بحاجة الى ان يُلقن درساً من يظن نفسه! هيه انت اعرف جيداً المكان الذي ستعمل فيه، تعاون مع الجميع وعاملهم بلباقة هل تسمع؟
تنهد دانيال بملل ومرر يده على عنقه ينظر للمكان من حوله مما استفز جاك اكثر ولكن سايمون سحبه معه بقوة واشار لي مبتسماً: سعيد بعودتك كتاليا.

رفعت يدي اليمنى مشيرة له بامتنان وما ان استدار سايمون يكمل طريقه مرغما جاك على المغادرة حتى تكتفتُ ومسحت على مرفقي اهون على نفسي.
إلى أي مدى هذا الرجل جريء بذيء اللسان!
لابد وانني سأواجه وقتاً عصيباً بسببه.!

اعتقدت الحديث مجرد كلمات داخلية مكبوتة ولكنني تفاجأت بلساني الذي تحرك من تلقاء نفسه: كن أكثر لباقة مع الجميع ليس وجهك وحده من سيعتلي الدعايات والصور الإعلانية قد تضطر إلى اجراء المقابلات الصحفية.
ابتسم بإستخفاف دون ان ينظر نحوي: إذاً قدمي العرض المُغري على شقيقي كارل دون تردد، لطالما كان مهذباً لطيفاً مع الجميع.
ليتني أستطيع ذلك!

كارل ذو مظهر جذاب، صحيح أنه يشبهه إلى حد ما ولكن ملامحه ليست اجرامية عنيفة مثل هذا الوغد الوقح! لم أكن لأتردد حتى لولا الظروف التي تحتم على انتقاء شخص مثل هذا المتمرس في الاستفزاز اللفظي!
ابتسمت بلطف بتكلف شديد وبصعوبة بالغة وأومأت برأسي: وقع الاختيار عليك كما تعلم وبقيت اجراءات بسيطة قبل بدء العمل، أرجو ان تتعاون معي وتتوقف عن التصرف بهذه الطريقة لمصلحتنا.

تراجعي عن قرارك إن كانت طريقتي لا تناسبك، فلا أنوي نيل اعجابك كما تعتقدين.
عضضت على شفتي امنع شفتاي من التفوه بأسوأ الكلمات وشتمه، ومع ذلك تغيرت نبرتي قليلا وتهدج صوتي أحاول جاهدة الحفاظ على ابتسامتي: أنا أيضاً لا أنوي التخلي عنك كما تعلم، آمل أن نتوقف عن معاملة بعضنا بعدائية فالأمر لا يستدعي كل هذا.

تجاهلني وزفر بملل فأكملت: أصدقائي لم يقصدوا أي اهانة في حقك لا تسيء فهمهم، ديفيد رجل محب للمساعدة لا أكثر، جاك يأخذ وقتاً ليتقبل الأشخاص المختلفين عنه نوعاً ما، جانيت تتصرف ببرود مع الجميع واعتقد أن هذا لصالحك، روز تواعد ديفيد بالفعل ولا داعي للقلق لن تحاول الاقتراب منك، سايمون ينحصر اهتمامه على المطاعم الجديدة واشهى المأكولات وليس رجلاً ثرثاراً.

أومأ مسايراً بوضوح فارتجف طرف شفتي لصعوبة تحمل ثغري ابتسامتي المتكلفة بينما اقول: رافقني إلى موقع التصوير لأعرفك على الأساسيات.

كنت أسير أمامه احافظ على مسافته القانونية الحرة خلفي، دفعت باب قسم التصوير واشرت إليه: وصلنا.

سبقته بالدخول وعندما ولج إلى الداخل وضع يداه في جيبه ينظر إلى طاقم العمل في المكان، حيث كانت ستيلا تقف متخذة الوضعيات المناسبة للتصوير ترتدي الزي الأنثوي القديم الذي يمثل المرأة المغامرة من حضارة قديمة إغريقية للعبة تتكون من سلسلة من الأجزاء التشويقية، حيث تؤدي دور الفتاة التي تغامر في سبيل العثور على القلعة المفقودة في أعماق المحيطات لتحصل على الصفحات المفقودة من الكتاب الذي ستختم تعاويذه إحدى اللعنات التي أصابت سلالة عائلتها.

اشرت إلى من يقوم بتصويرها منهمكا: إنه المصور فرانك، نتنافس دائماً في.
توقفت عن الحديث عندما وجدت عيناه تحدق إلى شاشة هاتفه بعدم اكتراث!
أغمضت عيناي فوراً وأخذت شهيقاً عميقاً.

أكملت حديثي جاهدة: تلك القطع الخضراء القماشية في المكان تُدعى كروما، قد يزعجك لونها ولكنها أساسية في مواقع التصوير لتسهل علينا تصميم الخلفيات ودمجها والتلاعب بها، أحياناً نختار مواقع تصوير خارجية لذا لن يكون عملنا هنا في الاستديو فقط. تلك هناك هي الإضاءات التي.
لمحته يبتسم منهمكاً في هاتفه وكأنني أحدث نفسي! بدى في عالم آخر وهو يعبث بهاتفه بل وزفر بسخرية ينظر إلى شيء ما وقد كان مندمجاً إلى حد كبير!

قلصت المسافة بيننا لعله يوليني اهتمامه ولو قليلاً!
ولكنه بدى منهمكاً أكثر فأكثر!
أنا.
علي وشك الإنفجار!
نظرت إلى زملاء العمل، إلى مسؤولي الإضاءة والمكياج وغيرهم من المنهمكين في العمل والترتيب، ثم أعدت ناظري إليه بغضب وبصمت أترقب منه ردة فعل واحدة!
ساد الصمت بيني وبينه تماماً ولم أعد اسمع سوى صوت ومضات الكاميرا القوي والموسيقى العالية نوعاً ما في المكان.
دانيال:.

هل التظاهر بالانهماك بالهاتف لن يجدي نفعاً!
سحقاً كيف من المفترض التخلص منها تحديداً؟ تظاهرت برغبتي في المغادرة والانشغال والآن بالعبث بهاتفي ما الذي على فعله أكثر! حاولت جاهداً كبح نفسي والتصرف ببرود قدر المستطاع ولكنني واللعنة لم أعد أستطيع مجاراة الأمر!
أنفاسي ثقيلة وبالكاد أزفر الهواء من كلتا رئتاي.
هل ستبقى معي لوقت طويل؟ هل هذه العلقة تنوي مرافقتي في كل مكان؟ متى ستبتعد تحديداً؟

تفاجأت بها تقرب المسافة رغم تظاهري بالانشغال بالهاتف والتهرب من نظراتها وصوتها، اضطررت للتحديق إلى هاتفي أكثر وعدم ابداء أي ردة فعل ولكن. طفح الكيل!
اعتدت عدم التحديق إلى أي امرأة مباشرة لأكثر من ثواني معدودة جداً! ولكن.
اضطررت لأكثر من مرة النظر إلى وجهها مباشرة وكم كان من الصعب النظر إليها والأصعب اشاحة ناظري عنها!، لا أهتم بكل هذا الهراء الذي تتفوه به الآن أريد التخلص منها وحسب.

كم أرغب في تهشيم رأسها لتجرؤها ودفعي في المنزل ل. لتنحني فوقي بكل بساطة وتجعلني أبدو كالأبله العاجز عن التصرف!
أستمر في خلق مسافة بيننا ولكنها تستمر في تقليصها! لمحت قدميها اللتان اقتربتا مجدداً فزفرت بنفاذ صبر وقلت معترضاً أنظر إليها بحنق: لا أهتم بهذه التفاصيل سأغادر!
اعترضت بجمود: لا خبرة مسبقة لديك بجلسات التصوير ومع ذلك تتصرف بغرور وترغب في المغادرة؟ هل تمازحني!

جادلتها بحدة وكم أثار استغرابي الفرق بين نبرتي الخشنة مقابل نبرتها الناعمة!: يمكنني تدبر أمري بنفسي لا تهدري وقتك وتغمريني بلطفك.
احتدت عينيها وجزت على أسنانها بغيظ: هل تراني عدوتك بطريقة ما لتصر على معاملتي بهذه الطريقة! كل ما فعلته هو اختيارك فتوقف عن لعب دور الرجل النادر!
كيف تجرؤ! كانت مستعدة لفعل المستحيل والآن لا تمانع التبجح!، إنها حقاً. تثير غضبي بشدة.!
م.
مهلاً!
هل أتخيل؟

أم أنني استغرقت وقتاً أطول من المعتاد أثناء التحديق إليها الآن؟، لحظة أنا لا أتخيل. لم يكن الأمر ليتجاوز الثانيتين مع أي امرأة، ولكنني تخطيت رقماً قياسياً للتو! هل كانت خمس ثواني؟ عشرة؟
هل كانت هذه مدة أطول من تحديق كارل إلى زبائن الفندق اللواتي يضطر للتعامل معهن؟ هل تخطيته!؟

أجفلت لتلك اللمعة الرمادية المترقبة المستنكرة في مقلتيها فأصابني ذلك الشعور المعتاد الأشبه بتماس الكهرباء القوي وأشحت بناظري فوراً مزمجراً: تلك الأقمشة الخضراء الفاقعة ذات اللون المزعج تدعى كروما نعم سمعت هذا وليكن؟ هل سيتم اختباري بشأن المعلومات المجانية المقدمة الآن!؟ تلك اضاءة وتلك مجموعة من الأزياء وهناك عدة مُثلجات أو مجموعة من الحلويات لا أهتم!

اتسعت عينيها للحظة قبل ان تزفر بحزم: آه نعم! أعطني سبباً لنبقي الطعام هنا، تلك الألوان عدة المكياج السينمائي هل كنت سوف تنصت إلى حتى؟ لهذا أخبرك بضرورة تثقيف نفسك بشأن اللوازم والمعدات هنا، حسناً أنا أستسلم افعل ما شئت ولكنك من سيدفع الثمن لاحقاً لتجاهلك نصائحي.
قلّبت عيناي أتجاوز قولها وتساءلت بضجر وإنزعاج: كلمة إضافية؟ لا أظن. إلى اللقاء.

استدرت مغادراً وبدت رئتاي شاكرة أخيراً راغبة في الثناء علي!
حتى خوض الحوار فكرة سيئة، أنفاسي سريعة رغماً عني ويدي تتعرق بإستمرار.
استوقفني صوتها بهدوء يجوبه شيء من الحدة والجدية: سأنتظرك غداً في الثامنة صباحاً احرص على الالتزام بوقتك. آه صحيح، هناك ما أريد قوله قبل رحيلك.

يالها من نبرة مستفزة، وقفت في مكاني ووضعت هاتفي في جيبي أترقب قولها دون التفاتي نحوها، فأكملت: أخبرك بهذا تحسباً لأي ظرف فقط، الأمر بإختصار. إ. إن صادف ورأيت شخص قد يثير المتاعب هنا فأرجو ألا تتدخل مهما حدث وتزيد الوضع سوءاً.
يثير المتاعب؟
التزمت الصمت ولم أولي الأمر أدنى اهتمام وأشرت بيدي بلا اكتراث لأخرج بخطى ثابتة.

ولكنني ما ان خرجت وسمعت صوت اغلاق الباب خلفي حتى تحول الثبات إلى وضعية غريبة غير مصنفة وانا اسير بسرعة نحو المصعد أمرر يدي على عنقي ثم أصعد بها إلى شعري أبعثره محاولا تخفيف الضغط الذي ينتابني.!
انزلت يدي أنظر إليها وكم كانت متعرقة بالفعل!، أنا حقاً أثير سخرية نفسي.
إنها. مجرد فتاة! إلى متى ستستمر في الإضطرار إلى التظاهر بالثبات هكذا؟

يفترض أنها مسألة اعتياد! حتى وإن لم أكن مضطراً للتعامل مع النساء في نشأتي، ولكنني انتقلت إلى المدينة منذ ستة أشهر فكيف لا زلت عاجزاً عن تخطي الأمر؟
بقيت واقفاً عند المصعد ألتقط أنفاسي، إلا أن الأنفاس قد هربت عندما لمحتها تقف على مقربة مني فابتعدت مجفلاً لتقول بدورها متنهدة بعمق: سأرحل أنا أيضاً، يبدء عملي في الغد!

طرفت بإضطراب أخفيته قدر الإمكان بينما ضغطت هي زر المصعد وترقبت وصوله متمتة: لا أظنك ستدخل المصعد برفقتي.
هل. كانت تحاول كبح سخريتها أم أنني أتخيل؟
ومع ذلك أسرعت أشير إلى المصعد: غادري أنتِ أولاً.
تسمرت في مكاني ما أن لمحت الابتسامة ترتسم على ثغرها فأبعدت ناظري أحدق إلى رقم طوابق المصعد أدك على الأرض بقدمي بخفة وبحركة سريعة جداً.

لم أعلم يوماً بوجود سبب قد يساهم في رفع معدل ضربات القلب أكثر من احتساء ثلاثة أكواب من القهوة الداكنة او سماع خبر بوجود تخفيضات في المركز التجاري للاطعمة! متى يصل المصعد بحق الإله! لماذا تصاعد الأرقام يبدو بطيئاً ويماطل الوقت؟
كانت ثواني ثقيلة جداً وما ان فُتح باب المصعد قلتُ باندفاع: سأنتظر المصعد الآخر.

تحركت لتدخل المصعد ولم أكلف نفسي عناء قول كلمة أخرى او حتى استراق نظرة سريعة وهي تقول: إلى اللقاء.
حين أغلق باب المصعد تنفست الصعداء وأغمضت عيناي أقترب من المصعد أضغط الزر الآخر وأسند يدي على الحائط بجانبه أرخي أعصابي التالفة!، أنا أعاني حقاً. أحتاج إلى وجود كارل وكيفين حالاً للتهوين علي.

ابتعدت عن الحائط لأدخل إلى المصعد الذي وصل أخيراً ولكنني انتظرت خروج الشاب الأشقر الذي كان بداخله وقد تقابلت عيناي بعينه الخضراء الباردة، ابتسم لي برسمية وخرج من المصعد يسير بخطى موزونة بشكل غريب.

ولجت إلى المصعد أحدق إليه بينما يسير مبتعداً، لمحت تلك الفتاة التي أظنها تدعى روز تخرج من أحد الأبواب في الممر وتتجه إلى قسم التصوير مبتسمة ولكن ابتسامتها سرعان ما بهتت تحدق إليه وتوقفت في مكانها بل وعادت للوراء فوراً لتعود أدراجها دون ان يلاحظها.
ارتفع حاجباي بإستنكار وحيرة وعندما أغلق باب المصعد وبقيت وحدي نظرت إلى المرآة خلفي بشرود ثم عاودت أنظر للأمام.
هذا الرجل.
ربما. أفكر أكثر من اللازم.

أياً يكن. إن كان موظفاً هنا لن أتمنى التعامل معه، بطريقة ما شعرت بالنفور ولن أجيد التعامل مع شخص سأنفر منه دون سبب وجيه. اكتفيت من الانتظار في الحبس لحين تصرف كارل، فقط لو كان هناك طرق مضمونة وأسرع للتعامل مع ذلك الشرطي جيمس الذي وُلد ليقبض علي.!
سأعاهد نفسي هذه المرة حقاً، لن أتشاجر أو أدخل في أي جدال مع أي زبون في المحل أو حتى أي شخص خارج المحل.
كتاليا:.

ابتسمت أخذ أعمق شهيق قد حظيت به مؤخراً، يا لها راحة نفسية عميقة.
الهموم التي كادت تقضي على في الأيام الماضية قد تبددت تماماً لمجرد ذهابي اليوم إلى السيد كوفمان برفقة دانيال، وأخيراً أستطيع اليوم النوم براحة تامة. لا شيء لأقلق بشأنه الآن.
زينت الإبتسامة ثغري حتى عندما عدت إلى شقتي، كنت أخرج مفتاح الشقة من حقيبتي ولكنني وقفت باستغراب حين سمعت صوتاً أنثوي محتار: عذراً.؟

التفت لأرى إلى من توجه حديثها إلي، إنها المرأة التي انتقلت إلى هنا قبل بضعة أيام، تحمل بين يديها طفل يبدو في الثانية من عمره.
ارتخت ملامحي باستغراب: كيف يمكنني مساعدتك؟
ابتسمت لي وهي تحدق إلى بتمعن ثم بدت مترددة قليلاً مشيرة بإبهامها إلى الخلف: إنها شقتي، نحن جيران يا آنسة ولهذا تحديداً كنت أنتظرك.
تنتظرينني؟

بصراحة. حاولت التحدث إليك في الأمس واليوم ولكنك لم تكوني متواجدة في شقتك، لذا الوقت مناسب الآن.
ظل الطفل يعبث بقميصها فحاولت الهاؤه وهي تلاعبه بيدها وقالت: هناك من يسأل عنكِ باستمرار، أتى اليوم أيضاً وأظنها المرة الثالثة منذ ان انتقلت إلى هنا. بماذا أخبره عندما أصادفه مجدداً؟ لا أعرف عنكِ شيئاً ولم أدرك ما على قوله له حتى!
الوغد باتريك.
متى يسأم ويستسلم بحق الإله!
لقد تعبت.
طاقتي نفدت في الهروب.

صحيح، في المرة الأخيرة رأيته يسألها عني ولا يبدو أنه ينوي التراجع حتى لو اضطر لإرتكاب أسوأ الأفعال، عضضت على شفتي بقهر في حين أردفت: لا بد وأنه أحد أصدقائك أو أقربائك، يبدو أنه يعرفك جيداً.
أعقبت متذكرة: حسناً إنه رجل أشقر ذو عيون خضراء داكنة، آه نعم إنه لطيف ومهذب جداً يا آنسة. أنا واثقة أنه يحاول الوصول إليك ولا زال لا يعلم أين تعيشين تحديداً ولكنه متأكد أنكِ تسكنين هذا الطابق.
لطيف مهذب.

كبحت رغبتي في التبسم بسخرية وقد استحوذ اليأس على هامسة بصوت منخفض منهك: رأيته اليوم؟ متى؟
أومأت برأسها تربت على رأس طفلها الذي بدأ يضجر ويبكي: نعم كان هنا قبل أكثر من نصف ساعة.
كما توقعت إنها مسألة وقت وحسب.
هو على علم بمكان عملي والآن يعلم في أي طابق أعيش.
كل ما ينقصه هو خطوة واحدة فقط.

رفعت عيناي وبالكاد فعلت، لأنظر إليها ابتسم بهدوء: حسناً شكراً جزيلاً لإعلامي. ولكن. في المرة القادمة أخبريه أنكِ لم تريني من فضلك ولا تعرفين عني شيئاً. ولكن. مما قلته للتو، هل هذا يعني أنه لا يعرف مكان شقتي بعد؟ أو أنكِ أخبرته بهذا؟

نفيت بسرعة: بصراحة لم أفعل، خشيت أن لا تكون لك الرغبة في إعلامه أو يكون شخص لا تعرفينه جيداً لذا قلت له أنني انتقلت مؤخراً ولا أعرف أحد، واليوم قلت له أنني لا زلت لم أتعرف على الجيران ولكنه ترك رقمه لدي وأخبرني أن أتصل به إن رأيت من يسكن الشقة المقابلة لي. أنا واثقة انه يعرفك ويريد التحدث إليك فلقد وصفك بدقة بالفعل.
ربما على التفكير ملياً بالإنتقال من هنا أيضاً.
إنه العد التنازلي.

نظرت إلى المرأة وقلت بلطف: اسمي كتاليا.
بادلتني الإبتسامة بلطف وهدوء: وأنا هيلين. سعيدة بمعرفتك.
إن احتجت أي شيء لا تترديي.
الأمر سيان معي، أنا متواجدة دائماً إن أردت أي شيء.
بعد محادثة قصيرة وسطحية معها دخلت إلى شقتي وأغلقت الباب أستند عليه بشرود.
انزلق جسدي لأجلس على الأرض بإنهاك وتشتت ورفعت رأسي أنظر إلى السقف بضياع. ما الذي على فعله منذ الآن؟ قدرته على السيطرة على حتى من بعيد. تكاد تكون مبهرة.

لا أصدق أنه لا جدوى من كل هذه الجهود. قبل ثلاثة أعوام ظننت أنه سيكون آخر لقاء لنا.
كنت سعيدة وحلقت بعيداً عن الأرض، رفعت سقف توقعاتي واعتقدت أنني لن التقي به مجدداً!
لجأت إلى العمل في المجلة وكانت أفضل ثلاثة أعوام في حياتي، ولكن من الواضح ان الماضي يعود لفتح أبوابه من جديد.
ابتسمت لبينديكت الذي اقترب مني وبقي يحوم حولي قبل ان يستقر على حجري، داعبت شعره بشرود.

لا أنوي اقحام أبي في مشاكلي مجدداً، ليس بعد ما تسببت له به، لا هو أو ريتشارد أو حتى هانا.
ولكن. هل سأبقى حبيسة في هذا الظلام بين يديه؟
لن يتغير شيء؟ لن تثمر جهودي!

أخذت شهيقاً ووقفت أحتضن بينديكت بين يداي، حجمه الضئيل لن يتغير، فصيلته ذات حجم صغير جداً بطبيعته، بينديكت لا يجدي نفعاً في الحراسة وما شابه فحجمه سيعرضه للسخرية فقط. في الواقع بحجمه هذا. ربما يكون من يحتاج إلى الحماية! بصراحة كل ما يجيد فعله هو التجول هنا وهناك بفضول في شقتي والعبث بكل شيء.
اسميته بينديكت لأنني شعرت برغبة عارمة في التلفظ بهذا الإسم، الذي يعني السعادة والإنشراح.

رمى بنفسه مبتعداً عني فتركته كما يشاء واتجهت إلى غرفتي لأستلقي على سريري قليلاً.
دانيال:
أدخلت الدراجة في المرآب الصغير خلف المحل والتابع له، تأكدت من خلوها من أي خدش هنا أو هناك وأزحت عنها أي غبار لتلمع كل قطعة منها، أغلقت باب المرأب واتجهت فوراً إلى الداخل من الباب الخلفي.
لمحت أبي منهمك في العمل مع الزبون في انتظاره زبونين أخرين.
تقدمت بإنزعاج وقلت بتبرم: هل شعرت بأهميتي الآن؟

انتبه لوجودي واستدار نحوي بحيرة قبل أن يرفع شفته بإمتعاض: باشر بالعمل دون ثرثرة.
تحركت نحو الخزانة المخصصة لأدوات الحلاقة، فتحت المنضدة التابعة لها وأخرجت الحزام ووضعته حول خصري وباشرت بالعمل فوراً. لا تزال الحادية عشر. سيعود كيفين ولاري من المدرسة عند الثانية ظهراً لذا سأتكفل بإعداد الغداء ان ازداد ازدحام المحل. انه دوري في اعداد الغداء اليوم على كل حال.

انهيت ما بيدي وأخذت المال من الزبون فجلس الآخر على الكرسي، سألته بملل عما يريده بهدوء ولكنه أجابني بإندفاع فجأة: أ. أي شيء.
عقدت حاجباي: هاه؟
طرف بعينه ونفي برأسه مضطرباً يزدرد ريقه: سأخفف ذقني وشعري. آسف.
لويت شفتي بإمتعاض شديد: لماذا تعتذر!
علي فعل هذا.
رمقته بإستنكار فأجفل ونظر إلى هاتفه بسرعة، زفرت وتجاوزت الأمر.
كيف جرى الأمر؟

سألني أبي باختصار فأجبته أركز على رأس الجالس أمامي بينما أخفف شعره: قالت أننا سنباشر العمل غداً.
أضفت بضجر: وبالمناسبة أنصحك أن تتوقف عن محاولاتك يا أبي، أنا لست بحاجة إليها أو إلى غيرها لمساعدتي، طلبت منها التوقف عن المحاولة قبل أن تبدأ حتى.
رفع حاجبه الأيسر بحزم: هل قلت لها ذلك حقاً؟
بالطبع سأفعل!
لقد وافقت على طلبها مقابل أن تمنحني المساعدة.
وأنا المعني بالأمر. لا أريد أن تساعدني في أي شيء.

كيف تجرؤ على كسر كلامي الذي اتفقت معها بشأنه!
أنت من قرر ذلك من تلقاء نفسه!
أيها الوقح كيف يعلو صوتك هكذا هل تريد أن ألقنك درساً؟
صاح بجملته هذه بغضب فجادلته بإنزعاج: هل تعتقد أنني لم أسمعك تحدث أحد زبائنك بشأن ابنته التي يبحث لها عن زوج مناسب؟ ومن قمت بترشيحه هذه المرة أنا أم كارل!

أمامك سنوات ضوئية تقطعها لتصبح رجلاً رزيناً قادراً على تكوين عائلة، عالج أخلاقك الفاسدة قبل ان تتحدث بثقة! بالطبع سأرشح كارل.
اعترضت بعدم رضى وقد احتد صوتي: أبي توقف عن هذا كارل سيختار الوقت الذي يقرر فيه أمر مماثل من تلقاء نفسه لماذا تضعه تحت الضغط وترغمه على اتخاذ قرار غير مناسب الآن بحق الإله! هو يبذل جهده في عمله الآن ولا زال يحاول الاعتياد على كل هذه التغييرات امنحه فرصته!

أعقبت بغيظ شديد: ثم من قال أنه لا يزال أمامي شوطاً طويلاً لأقطعه حتى اجتاز عقدتي وتحدياتي الخاصة!
رسم ابتسامة استخفاف يركز على ذقن الزبون فأكملت بثقة: حدقت إلى تلك الفتاة العلقة لفترة لا بأس بها، غداً سأكون قادراً على خوض حديث طبيعي بلا شك، الأمر بحاجة إلى الوقت ولاحقاً سأتجاوزه ببساطة.
أومأ بسخرية وعيناه الزرقاء تلمع بإستهزاء: لن تقبل امرأة برجل بذيء اللسان يجيد استخدام يديه أكثر من عقله.

لن أتأثر بكلماتك كما تعلم، مناعتي النفسية أقوى بكثير مما تظن.
أعقبت بحزم أوجه حديثي إلى الرجل الجالس أمامي: قلت لك أنظر إلى الأمام وإلا قطعت أذنك بهذا الموس!
انتفض في مكانه برعب وأسرع يعتدل معتذراً: ولكنك لم تقل هذا!
زفرت بنفاذ صبر وأكملت ترتيب شعره. تأوهت بألم حين شعرت بثقل على رأسي لم يكن مصدرها سوى زجاجة بخاخ الشعر التي ضربني بها أبي الذي زمجر بحدة: قلت لك لا تصرخ على الزبائن!

هل من المتوقع أن أبدو مسترخياً بعد الموضوع الذي عدت للتحدث فيه من جديد!
تتظاهر بالعقلانية وكل ما تجيد فعله هو الصراخ على غيرك وتجربة ضرباتك على وجوههم!
تدخل الزبون الجالس أمام أبي بتردد وقلق: أرجو المعذرة سيد هاريسون، لدي موعد وعلى الإنتهاء بسرعة لذا حاول أن تنتهي من فضلك حتى أ.
صرخ أبي عليه بتهديد: هل ستملي على الأوامر؟
أجفل الرجل ونفي برأسه فوراً: ل. لا بأس لست مستعجلاً.

أنهيت ما بيدي بسرعة، وما ان انتهيت حتى صعدت للأعلى لأعد الغداء قبل عودتهم من المدرسة.
كنت أقطع ما يلزم من الخضار وأخرج التوابل وقد سرح عقلي بشرود في مكان آخر.
لفت الأنظار.؟
قالت تلك الفتاة هذا بوضوح.!
لازلت أواجه صعوبة في تصديق موافقتي على عرضها.
ما الذي أفكر فيه تحديداً.

هل أريد المال لتسديد ديون العائلة؟ لا زلت آمل عودة المياه إلى مجاريها؟ هل حقاً أرغب في عودة كل شيء كما كان قبل عامين من الآن!؟ هل ستكون فرصة جيدة؟ ولكن. الجميع يحاول ان يمضي قدماً ولا سيما أبي.
زفرتُ وأغمضت عيناي للحظة أتجاهل أفكاري الفوضوية.
فتحت الثلاجة لأخرج الحليب الطازج وأمزجه في التوابل والكريمة أحدق إلى القِدر بذهن مشتت.

هل العمل معها في هذا المجال سيساعدني حقاً لأجني المال اللازم؟ بدت جادة وهي تتحدث بكل ثقة عن المبالغ الطائلة على كل عرض ترويجي يحقق نجاحاً.
ربما. على أن أكون جاداً؟
لدي شهادتي الجامعية أنا أيضاً وعلى التفكير جيداً بما على فعله لولا الظروف الصعبة التي نمر بها.
بصراحة ظننت أن الحياة ستكون أسهل وأفضل لمجرد أن ننتقل إلى هنا. ولكن لا يزال هناك الكثير لنعتاد عليه بغض النظر عن باقي الأمور!

وعلاة وعلى ذلك. نساء المدينة يزيدون من صعوبة الأمر أضعافاً مضاعفة!
النساء في القرية لا يرتدين هذا النوع من الملابس الفاضحة، لا يتحدثن بهذه الطريقة المغنجة والمدللة، لا يضعن المساحيق المثيرة ولا يقتربن أكثر من اللازم مني! هذا صعب حقاً.
حين انتهيت من الطبخ تركت الإناء على الموقد لينضج وخرجت من المطبخ لأسرع إلى الغرفة المشتركة لي ولكارل.
علي أن أستحم لم أعد أحتمل رائحة الطعام العالقة بجسدي.

وضعت المنشفة حول خصري وخرجت من الحمام الموجود في الممر أتجه إلى الغرفة حيث خزانتي. ولكنني توقفت بتردد قبل أن أبتسم بخبث وأفتح خزانة كارل المجاورة لسريره.
سأخذ القميص الذي اشتراه قبل بضعة أيام.
مع أن هذا ما كنت أنوي فعله ولكنني تفاجأت برؤية قميصي في خزانته! وليس أي قميص. قميصي المفضل!
جزيت على أسناني بقهر وأخذته لأستعيده.
ذلك السارق النذل! كيف يجرؤ.

عدت مجدداً إلى خزانتي وأخرجت بنطال جينز لأرتديه على عجل، خرجت من الغرفة أضع منشفة صغيرة على رأسي وأحركها بهدوء لأجفف شعري وفي يدي الأخرى هاتفي.
نظرت إلى من صعد الدرج الآن فقط وقد عاد من العمل وما أن رآني حتى عقد حاجبيه بعدم استيعاب: إذاً؟
رمقته ببلاهة: إذاً ماذا؟
هل الأمر صحيح كما قال أبي؟ قبلت العمل مع تلك الفتاة حقاً؟
أومأت بملل: آه صحيح.

استوعبت أمر القميص الذي ارتديه فتذكرت الأمر وقلت بإنزعاج: لقد سرقت قميصي المفضل أيها الوغد!
أشار إلى بهدوء: استعادتك له تعني أمر واحد فقط. هل كنت تنوي فتح خزانتي وسرقة ما بداخلها؟
تنهدت بعمق: حسناً نحن متعادلان كارل. ولكنها ستكون آخر مرة هل تفهم!
تجاوز الموضوع واسند ظهره على حائط الممر خلفه بجدية: لماذا قبلت عرضها؟ لماذا بهذه السرعة!

ثم ضاقت عيناه الزرقاء بشك يحدق إلى بتمعن وهدوء: ما الذي تحاول فعله تحديداً؟ كيف كانت قادرة على اقناعك؟
نظرات الشك في مقلتيه. لا بد وأنه يفكر بذلك الموضوع!
مهلاً.
ما غرضي من قبول العمل معها تحديداً؟
ص. صحيح!
المال.
تكتف وعقد حاجبيه بجدية: من الأفضل أن تتوقف، إن كنت تنوي المحاولة بشأنه فتوقف وحسب! لا أحد يريد منحه فرصة العودة، لن نفعل هذا مع شخص لا يستحق العودة إلينا.

لا تثرثر وتحلل الأمر كما يحلو لك. قبلت العمل معها لأجل المال لذا أغرب عن وجهي كارل. إنه مجرد عمل مؤقت و.
قاطعني بهدوء: الجميع يحاولون بذل جهدهم لأجل بداية جديدة، لذا توقف عن العودة بنا جميعنا إلى الوراء.
نفيت برأسي أكمل طريقي لأعود إلى المطبخ: كفاك سخفاً! قلت لك لا تحلل أسبابي كما يحلو لك.
لقد.
قبلت العمل معها لأجل المال.! اليس هذا واضحاً؟

يبدو أنه تجاوز الأمر قليلاً فلقد تبعني وقال بتهكم: أخبرني إذاً. على ماذا يقتصر عملك معها؟

رفعت كتفاي أتجه إلى الإناء: نموذج للترويج عن لعبة ما، حسنا كما تعلم. الألعاب اللوحية والشابيبة وما شابه، هذا كل ما أعرفه حتى الآن. كانت ترغب في توضيح الكثير وتساعدني في التعرف على موقع التصوير ولكنني لم أستطع تحمل الوضع أكثر! التحدث معها وحده كفيل بزيادة بطء مرور الوقت أنا حتى لم أحتمل ألم معدتي طوال تلك الفترة!

نحن نثير شفقة أنفسنا بإستمرار، قابلت اليوم زبونة من الطبقة المخملية لم تتوقف عن التحديق إلي، اضطررت إلى التظاهر بوجود خطب في معدتي وبقيت في الحمام أكثر من نصف ساعة حتى غادرت!
تمتم بذلك بائساً بينما يفتح احد الادراج ويخرج علبة المكسرات المعدنية ليتناول منها مردفاً: أخبرني مدير عملي بامكانية حصولي على مناوبة ليلية في الفترة المقبلة لذا سيكون هذا أفضل.

ابتسمت بسخرية: ماذا لو كان صنف النساء المقبلين على الفندق أسوأ أثناء الليل يا ترى؟
قلّب عينيه: لا أريد تخيل هذا حتى، لا تقلق تعلم أنه فندق يستقطب كبار الشخصيات معظم الوقت.
تذكرت أمراً فأسرعت أغمز له وقد انفرجت زاوية فمي بخبث: صحيح. لدي ما أخبرك به.
ماذا!

نظرت إليه واقتربت منه لأربت على كتفه بإستهزاء ومكر: لقد تفوقت عليك، تجاوزت عشر ثواني أثناء النظر إلى عينا تلك الفتاة. ألا يستحق هذا تكريماً وشهادة تقدير؟
بدى مذهولاً وقد فغر فمه بعدم تصديق: غير معقول! خلال يوم واحد فقط؟

أومأت ثم ابتعدت أتكتف وأجلس على كرسي طاولة الطعام بطريقة عكسية: كما أنني كنت محاط طوال الوقت بالنساء، تحملت وبذلت جهدي، يبدو أنني تقدمت عليك وربما سينتهي الأمر بي قادر على مصافحة إحداهن قريباً من يدري. لا داعي للغيرة كارل سأعلمك حينها كيف تجتاز الأمر.
نفي برأسه بإنزعاج يعض على شفته: لا يمكن! حسناً إذاً فهمت. التحدي القادم سيكون عشرون فما فوق.

أملت برأسي لليمين بملل: تلك الفتاة مزعجة وجريئة بحق، لا فكرة لديك عما فعلته بي هنا في غرفة المعيشة، اعتدت لكم وركل وضرب كل من يفقدني أعصابي ولكن الأمر الآن صعب جداً.
رفع سبابته محذراً: انتبه أيها الأحمق، قد تفقد وعيها من لكمة واحدة فقط. كما أنني استنزفت قواي في مساعدتك في كل مرة لذا آمل أن ترحمني قليلاً. حذرتك أنها ستكون آخر مرة أخرجك فيها من مركز الشرطة!

لا يمكنني كبح نفسي أكثر! لا فكرة لديك كم كانت مستفزة.
تعقّل، على كل حال أنا جائع حقاً.
اتجه بفضول إلى الإناء ليقيم ما طهوته فأسندت يدي على الطاولة اتساءل: حسنا يبدوا أنك بدأت تستقر في عملك رغم كل شيء، اليس كذلك؟

أتى رده بضجر يأخذ ملعقة ويتذوق بها ما أعددته: موظف جديد في الإستقبال لفندق يجذب زواره من طبقة تنظر إلى المجتمع بطرف أعينهم فكيف عساني أشعر هناك؟ لا يمكنني وصف ما يحدث. بالكاد أقابل زواراً يجيدون التبسم في أوجه البشر! أضف على ذلك أن معظم الزوار ثنائي أو عائلة صغيرة، أنا مضطر لمحادثة النساء هناك ولكنني أحاول قدر الإمكان سماعهن جيداً لئلا أضطر لإطالة الحديث والنظر إليهن مباشرة.

تمتمت بملل: ثنائي إذاً.
يأتون إلى الفندق متشابكي الأيدي ويتغزلون ببعضهم أمامي في حين كل ما أجيد فعله هو استقبالهم بوجه أبله.
لا زال أبي مُصراً على فكرته تلك بشأن ابنة أحد زبائنه. قد تكون مضطراً لتعلم بعض الأساسيات من أي ثنائي تراه الآن.

رفع حاجبه الأيسر يرمقني للحظة قبل أن يتنهد بعمق: لا بأس سأتحدث معه مجدداً وأحاول اقناعه، يصعب مواجهته حقاً ولكنني سأستمر في المحاولة، حتى لو كانت تصرفاتنا مع النساء تزعجه ولكن لا ينبغي عليه التسرع! بالمناسبة التوابل وكل شيء تم اضافته بمقادير ممتازة ولكن أضف القليل من مسحوق الفلفل.

تهاوى على مسامعنا صوت لاري وكيفين اللذان عادا من المدرسة، يبدو ان كيفين اتجه فوراً إلى الغرفة بينما رأينا لاري يدخل المطبخ بحماس مبتسماً بمرح، اقترب كارل منه بينما تحركت لأتذوق الطعام متمتماً بحيرة محدثاً نفسي: الطعام حار بما يكفي مما خُلق لسانك بحق الإله كارل!
رأيته يداعب شعر لاري بلطف: ها قد عاد الصغير الشقي، كيف كان يومك؟ أرجو انك تعلمت درسك من آخر مرة ولم تثر المتاعب اليوم!

لوى لاري شفته منزعجاً: أزعجتني فتاة في الفصل وأخذت إحدى قطع الخضار من علبة طعامي.
اسندت جذعي على رخامة المطبخ خلفي وتساءلت بحيرة: هل تشاركت معها الطعام؟ هنيئاً لك التقدم لاري.
نفي بحزم وجدية: القيت بالعلبة على وجهها فبكت وأخذتها المعلمة الى غرفة الممرضة.
شهق كارل وتدخل بحدة يجثي أمامه بحزم: توقف عن التصرف بعنف مع الفتيات حذرتك مئة مرة مسبقاً!
تنهدت بملل: على الأقل لم تلجأ إلى استخدام قبضتك الصغيرة.

زمجر كارل مقتضباً بشدة: هل تشجعه على العنف بحق الإله؟ توقف!
اقتربت من لاري وداعبت شعره أغمز له بمكر: سأهرول مساءً هل سترافقني؟
أومأ فوراً بحماس فأسرعت أقول بخبث: بالطبع لن أخذك، يحين موعد نومك عند التاسعة أيها ال.
دفعني كارل بإنزعاج: لا تسأله إن كنت لن تأخذه!، اذهب وغير ملابسك لاري وأخبر كيفين ألا يتأخر عن الغداء أيضاً.
كتاليا:.

خرجت في نزهة مع بينديكت ممسكة بالحبل الذي ينتهي بالطوق حول عنقه ليتمشى أمامي بسعادة غامرة. أضع في جيبي هاتفي وفي كلتا أذناي سماعتي وأنصت إلىى روز التي أنهت كلماتها المنفعلة الغاضبة بجملتها الحاقدة: أنا واثقة أنه الاجرأ على هذه الأرض، لقد بحث عنكِ في قسم التصوير وكأن شيئاً لم يكن!
أتى إلى مكان عملي بكل جرأة والتقى بروز باحثاً عني. يا للقدر. أتى بعد أن غادرت مباشرة!

ولكنني أعلم جيداً مدى صبره ونفسه الطويل جداً. ليس من السهل أن يستسلم، لن يكون راضياَ حتى يلتقي بي مباشرة، لا بد وأنه ممتلئ بالحقد والغضب ويرغب في تلقيني درساً!
لذا أخبرك يا كتاليا، لا يجب أن تلزمي الصمت لوقت طويل تصرفي وأبلغي الشرطة وانهي الأمر!
نفذ صبري وقد همست بهدوء: روز. سأغلق الآن. شكراً جزيلاً على إعلامي بالأمر.
هاه! انتظري لح.
أغلقت الهاتف لأدسه في جيب بنطالي، نظرت إلى بينديكت أتبعه بشرود.

الآن لدي ثلاثة خيارات فقط.
الخيار الأول ترك شقتي وحتى عملي. وهذا لن يحدث أبداً. أما الثاني مواجهته وجهاً لوجه. وهذا أيضاً لن يحدث لأنني أعلم مسبقاً بالنتيجة.
والأخير هو الإستمرار في الهرب والمراوغة ورؤية ما يخبئه القدر لي.
الطرق مسدودة أمامي ولم يعد بوسعي فعل أي شيء! لا أريد جلب المزيد من المصائب لأبي!
عاودت أخرج هاتفي من جيبي عندما رن مجدداً.

وهذه المرة لم تكن روز، بل شخص جعل ملامح وجهي ترتخي وابتسمت بشوق رغماً عني مجيبة: مرحباً ريتشارد.
أتى صوته الهادئ: امرأة الأعمال المهمة التي يكون هاتفها مشغولاً دائماً!
ابتسمت بلا حيلة: نعذر الكاتب الشهير على انتظاره.

لانت نبرته وبدى يبتسم بينما يعاتبني: اختفيتِ تماماً في الآونة الأخيرة، صحيح أنك اخترت طريقك الخاص في العيش ولكن. ألا تبالغين في عزلتك هذه! أنتِ حتى لم تعودي تتصلي مثل السابق! على أي حال أخبريني هل تصرفتِ بشأن مشكلتك في العمل؟ قلتِ آخر مرة أنك تبحثين عن عارض بديل بسبب تعرض العارض الأساسي لوعكة صحية.!

أسرعت أجيبه: أ. أه صحيح لقد حُلت المشكلة أخيراً! عثرت على رجل مناسب، سيبدء العمل غداً. كيف هو حال فيونا؟
سعيد بسماع ذلك، فيونا أصبح التعامل معها أصعب بكثير من السابق، تصبح عنيدة أكثر فأكثر!

جلست على أحد مقاعد المتنزه أثبت طرف حبل طوق بينديكت بطرف المسند الحديدي، وقلت مبتسمة بإهتمام: صغيرتك المدللة تصبح صعبة المراس مع الجميع بل وأيقنت انها الأميرة المرتقبة للعائلة بسبب جدها الذي لا يتردد في تنفيذ كل طلباتها.
سمعته يتنهد بعمق: جدها ينتظر عودتك إلى المنزل كما تعلمين.
تلاشت ابتسامتي وقلت بهدوء: لا تبدء ريتشارد.

تحدث بنبرة مترعة بالعذل والعتاب: لا تشعرين بالشوق لمنزل العائلة؟ متى كانت آخر مرة قابلتِ فيها هانا حتى؟
عقدت حاجباي منزعجة: أنا لن أتردد في مقابلتك خارج المنزل كما تعلم فما مناسبة هذا الحديث فجأة!
توقفي عن التهرب كات وعودي إلى المنزل! أبي في انتظار عودتك من تلقاء نفسه تعلمين كم هو عنيد! إن كنتِ قلقة بشأن هانا فستتحسن الاوضاع مع الوقت كفاكِ سخفاً إنها شقيقتك في النهاية! الم تكتفي من العزلة؟

أجبته بصوت أخفيت فيه ضيقي بصعوبة: لست مستعدة بعد، لا زلت بحاجة إلى المزيد من الوقت، ثم لماذا تفتح هذا الموضوع مجدداً!
أسرعت أغير الموضوع: هل أنهيت كتابتك الجديد؟
سادت لحظة صمت بيننا لبضع ثواني قبل أن يتجاوز الأمر ويقول: أمامي الصفحات الأخيرة وسيكون جاهزاً للنشر.
أردف وقد تغيرت نبرته للحماس قليلاً: آه صحيح، الكتاب الثالث قد يتم اقتباس قصته في إعداد فيلم سينمائي قريباً.

ابتسمت بسعادة: سيكون الفيلم الثاني ريتشارد! أخي الروائي المثقف سيصبح عالمياً يوماً ما.!
ارتخت نبرته يمازحني: في انتظارك لتصبحي المصورة العالمية أيضاً.
هل أستشعر سخرية في صوتك يا ترى؟
أمضيت وقتي في حديثي مع ريتشارد حتى أكملت تنزهي مع بينديكت وبدأت أهرول في المتنزه برفقته أستغرق في أفكاري التي تأخذني من مكان إلى آخر.
أعود إلى المنزل؟
لا يمكنه أن يكون جاداً!

إلى من أعود؟ إلى كنف عائلة خذلتها وأسأت إليها مراراً وتكراراً!؟ وكأنني املك الجرأة أو الشجاعة الكافية لأفعل هذا.
ربما سأكتفي بالتهرب منهم لوقت أطول حتى تتملكني الشجاعة الكافية في وقت ما، لا أدري متى سيحين ولكن. آمل أن يكون قريب! فأنا بالفعل بدأت أغرق في عزلتي أكثر فأكثر وبات الوضع خانق إلى درجة لا تطاق.

من الصعب مواجهة هانا بعد كل ما تسببت لها فيه، ويتملكني الإحراج لرؤية أبي الذي أعلم أنه ينتظر تراجعي عن قراري رغم حدة طباعه وتظاهره بالجمود الدائم.
اليس من الأفضل أن أبقى بعيدة عنهم وحسب؟
أليس من الجيد أن تبقى البذرة الفاسدة بعيدة عن العائلة الطموحة الناجحة!

انتبهت لإشعار تحديث قد وصلني على هاتفي، وما ان وجدته تحديث من المدونة التي أتابعها حتى أكملت طريقي إلى الدرج الحجري الطويل وجلست على إحدى الدرجات مع بينديكت أداعب شعره وقد جلس على حجري بينما أقرأ التحديث الجديد لمدونة الكاتب الذي تلفتني كتاباته.
ذلك الحفل الراقي. لم يكن الحضور فيه يرتدون أقنعة لحفل تنكري بالخطأ.
بل نسي كل منهم قناعه المزيف جانباً وحضر بوجهه الحقيقي.

عندما تعالت صرخاتهم فزعين من بشاعة المظهر أسرعوا بالبحث عن أقنعتهم!
ولكنهم ارتدوا أقنعة بعضهم البعض وحلت الفوضى في مجتمعهم الصغير.
كانت المشكلة تكمن في أمر واحد.!
لم أجد قناعي بينهم! لم يكن على وجه أحدهم أو في الجوار.
كنت أستمر في السير بينهم بلا ملامح واضحة.
بوجه ضبابي مظلم، وحينها أدركت أن المشكلة تكمن في نقطة أخرى.
الوجه الذي أبحث عنه لا فكرة لدي.
عما يجب أن يكون عليه.!

يشير إلى النفاق الإجتماعي، يا لعمق كلماته. مجدداً وككل مرة يتحدث مثل الناقد الذي ينتابه الإشمئزاز من معشر البشر.
شردت عيناي أعيد قراءة تحديث مدونته حتى وجدت نفسي أكتب تعليقاً عليه.
لم يكن الفزع الذي أصابهم قد أصابني. احتفظت بقناع احتياطي ولم يستدعي الأمر القلق
صحيح.
هذه أنا.
كما ذكر العارض البديل دانيال.
ارسم ابتسامة مزيفة!
ولا أمانع ذلك.

ترجلت من سيارة الأجرة بخطى سريعة انظر إلى الساعة حول معصمي، صعدت الدرجات المؤدية إلى مبنى المجلة أمسك بيدي كوب القهوة الورقي التي أخذتها في طريقي إلى العمل.
أجفلت في مكاني فزعة لصوت محرك قوي فوقفت في منتصف الدرج والتفت للوراء كما فعل بعض الموظفين أو المارة في المنطقة!

عقدت حاجباي أحدق إلى مصدر الصوت، تحديداً إلى الدراجة السوداء التي يقودها من بدى جذاباً ملفتاً للنظر رغم ارتداءه الخوذة الزرقاء الداكنة، أصدر مجدداً صوتاً قوياً بمحرك دراجته وهو يتجه إلى المواقف الأرضية للمبنى.
تابعته بعيناي واقفة في مكاني حتى اختفى عن ناظري، أكملت طريقي أشعر بالسرور لوصوله في الوقت المحدد الذي اتفقنا عليه.

عندما دخلت المبنى وبعد ان خرجت من المصعد واتجهت إلى قسم التصوير كان الفريق متواجداً مسبقاً من مسؤولي الإضاءة والمكياج وباقي المهام، وكذلك روز التي كانت تقوم بترتيب الأزياء المعلقة في الجانب الأيمن من الاستديو وتنتقي منها بعض القطع وبرفقتها ديفيد الذي كان قد قلص المسافة بينهما كثيراً وبدى يتحدث معها بصوت خافت بينما عيناه تتفرسان في وجهها، تنهدت بلا حيلة وتنحنحت أقترب منهما.

وقفت خلفهما أرتشف من قهوتي: أنتما الإثنان، قوما بتأجيل الغزل العلني إلى وقت لاحق، ستبدء جلسة التصوير بعد لحظات.
تنهد ديفيد بإحباط: هل ستؤدين دور جانيت المفضل في مقاطعة وقتي الخاص مع روز؟ حري بكِ أن تلقي بتحية الصباح على الأقل!
أومأت له بملل: آه نعم صباح الخير.
ثم نظرت إلى موقع التصوير وقلت أحي الجميع بصوت هادئ: صباح الخير يا رفاق.

القوا التحية مبتسمين بحيوتهم المعتادة واستكملوا الاعداد والتجهيز كل منهم في مجاله فنظرت إلى ديفيد متسائلة: سأحاول الانتهاء من الجلسة في وقت مبكر، ستكون المرة الأولى للعارض البديل لذا لا أستبعد ان نواجه بعض التحديات، هل سيستغرق التصميم منكَ وقتاً طويلاً؟ تستطيع جانيت الانتهاء من تحرير الصور خلال يومَي عمل كأقصى حد.
أومأ بهدوء: لا تقلقي سننهي الغلاف والمقالة وكل ما يتعلق بالترويج في الوقت المحدد.

أردف مبتعداً: سأعود إلى مكتبي، أراكم لاحقاً.
عندما غادر نظرت إلى روز التي كانت لا تزال منهمكة في انتقاء الملابس التي تعمل على تصميمها، حينها سألتها بفضول واستنكار: عرض ديفيد عليكِ الزواج قبل شهر تقريباً، متى تنوين الرد عليه؟ استمر في التلميح للأمر مؤخراً كما تعلمين! تتواعدان منذ فترة طويلة تقريباً وكلاكما يحب الآخر لذا لا تتأخري او تماطلي في الرد عليه أكثر.

رمقتني بنظرة سريعة وقد ابتسمت بسخرية: ما هذا فجأة!
أردفت بهدوء: لم أفكر بالأمر بعد، أنظري ما رأيك؟
أشارت إلى الأزياء المختارة متسائلة: صممت البنطال العسكري ليكون مناسباً كما تم تصميمه من قبل مؤلف قصة اللعبة، هل تعتقدين الجيوب مبالغ بها في هذا البنطال أم الآخر أنسب؟
نظرت إلى البنطال الآخر ونفيت برأسي: ليس مبالغ بالجيوب، على العكس تبدو رائعة. أي الوشاحين سيرتدي؟

أجابتني مبتسمة بثقة: الوشاح البني الداكن سيبدو أفضل.
أيدتها بصمت وربت على كتفها، التفتُ أنظر إلى الباب القسم حيث دخل شخص ما ولم يكن سوى دانيال. سار بخطى واثقة يضع كلتا يديه في جيبه يبحث بعينيه ولكن سرعان ما لمحته يزدرد ريقه لرؤيته زميلاتنا المتواجدات في المكان واللواتي بدأن يحدقن إليه بترقب بينما يكملن الاستعدادات.
بدى محتارا مشتتاً فسرت نحوه مبتسمة: صباح الخير.

ارتشفت من قهوتي بينما نظر بعيداً ويبتعد عني مسافة أكبر وهو يقول ببرود: ما الذي على فعله؟
طرفت بيعيني وانزلت قهوتي ببطء قبل ان ارسم ابتسامة صبورة لتجاهله تحيتي: ستستبدل ملابسك، ثم ستجلس هناك لتبدء مسؤولة المكياج عملها، ثم سيتم تصفيف شعرك و سنباشر بالتصوير فوراً. اتفقنا؟

أومأ مسايراً بوضوح ولم يكلف نفسه عناء التعليق بكلمة، بقي بعيداً عني فقلت موضحة: ستلعب دور المارشال الذي يقود كتيبة كاملة للتعامل مع جزيرة يسيطر عليها أطفال المختبرات السرية، أنت رجل لا ينوي السماح لأي منهم بالفرار من الجزيرة، في اللعبة كلما يتم استكمال مراحل متقدمة يكتشف المارشال أنه كان واقعاً في فخ كبار الشخصيات في الحكومة الفاسدة وانهم المسؤولين عن كل ما حل في هذه الجزيرة وعندما يحل الغموض يقرر مغادرة الجزيرة ومعه أكبر قدر من الأدلة الكافية. كل ما عليك فعله هو تقمص دور الشخصية أثناء تصوير الوضعيات المختلفة، أريد من ملامح وجهك أن تبدو لجندي شرس في ساحة المعركة، حافظ على الجدية في وجهك أيضاً ولا تجعل اي خيط من خيوط التوتر أن يسيطر عليك. ان شعرتُ ان التعبير غير ملائم فسنضطر لإعادة التصوير. لا بأس أعلم أنها تجربة جديدة بالنسبة لك لذا لنتعاون.

لمحت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه وبدى وللحظة وكأنه يبدي اهتمامه بقصة اللعبة مفكراً بالأمر فنظرت إلى روز انتظر ان تشير لي بكونها متأهبة وانهت تجهيز الملابس، عقدت حاجباي أنظر إليه باستغراب أحاول سماع ما يردده بصوت خافت محدثاً نفسه!
ما الذي يقوله؟
بقي يحدق إلى الجهة الأخرى مستمراً في ترديد كلماته.
ماذا؟ عشرون ثانية؟
ما الذي يقصده بعشرون ثانية؟

احترت لأمره ولكنني تجاوزت الأمر وقررت ألا أتدخل فهذا الرجل لن يتردد في البحث عن أي سبب لإختلاق المشاكل من العدم.
اشارت لي روز بانتهاء التجهيزات ووقفت في مكانها تحدق إليه متكتفة بترقب فقلت مشيرة: هل ترى تلك الغرفة هناك؟ يمكنك تغيير ملابسك الآن.

قلت ذلك بينما اتجه إلى روز لأخذ منها الملابس واناوله اياها، تأفف قليلاً بضجر وعندما لم يتناولها مني استوعبت رغبته في عدم اقترابي منه فتركتها على الطاولة واتجهت للوقوف بجانب روز أجز على أسناني أهمس بصوت خافت: على السيطرة على نفسي قدر المستطاع.
أيدتني تكتم ضحكتها: أحترق حماساً لرؤية أداءه الآن.

بينما ننتظر خروجه من غرفة التبديل المجاور لغرفة الاستراحة الصغيرة وجهت حديثي إلى الجميع: لنبذل جهدنا يا رفاق، العارض البديل مبتدء وسيحتاج إلى ان نتعاون معه، لنصبر مؤقتاً حتى يتمكن من الجلسات.

أومأوا بتفهم وبدأ كل منهم يترقب خروجه بينما يلهون أنفسهم بهواتفهم أو باللمسات الأخيرة على أدوارهم ومهامهم، فهناك من يجهز الإضاءة، وهناك من يجهز الحواسيب وما إلى ذلك، حيث نقوم بالتقاط الصور وتعديلها مباشرة دون أي تأجيل، ويتم تعديلها هنا لندرك جيداً ما إن كنا بحاجة إلى المزيد من الصور. ثم نرسلها إلى جانيت.
أشرت إلى أحد الزملاء: من فضلك أحضر القواعد الخشبية المرتفعة إلى الوسط، سنكون بحاجتها الآن.

أومأ ونفذ المهمة فوراً.
التفت للوراء قليلاً أنظر إلى ثلاثة من الموظفات من أحد الأقسام المجاورة واللواتي كن من قسم المقالات، اعدت ناظري إلى الكاميرا التي أقوم بتجهيزها، سمعتهن يتحدث مع روز وقد بادلتهن الحديث بدورها. بقيت أنتظر ونظرت إلى ساعة معصمي حتى فُتح باب غرفة التبديل فنظرت إليه فوراً.
طرفت بعيني أتأمله دون أن أطرف للحظات مطولة!

ارتخت يدي من على الكاميرا قليلاً أحدق إلى مظهره المختلف الذي كان يعبر بالفعل عن هيبة المارشال المنشود!، فغرت فمي أتأمل زيه العسكري الذي كان يناسبه تماماً! وشاحه البني الداكن الذي يلفه حول عنقي وحذاءه الأسود الطويل الذي ينتصف ساقه، بنطاله الذي كان تصميمه مميزاً مليئاً بالجيوب الجانبية، وقميصه الذي كان يشمر أكمامه إلى مرفقيه، الزي وكأنه. تم تصميمه له خصيصاً!

كما. تخيلته! بل أفضل بكثير! ابتسمت بفخر شديد عاجزة عن إحالة ناظري بينما كان منهمكاً في تعديل الوشاح بلا اكتراث دون ان يرفع رأسه إلى أحدنا.
يا لهيبته!
فغرت فمي ببلاهة عندما تبددت ثقته تماماً ما ان خطت أمامه إحدى الزميلات تتجه إلى غرفة الإستراحة!
بلل شفتيه بلسانه وتنحنح يتظاهر بالثبات بوضوح! نظرتُ بدوري إلى احدى الموظفات الثلاثة وقد شهقت بخفة: من هذا! عارض جديد؟

تساءلت زميلتها الأخرى: من يكون روز بحق الإله! من بين جميع العارضين الذي أدور ادوار الجنود يبدو أكثرهم جاذبية!
نفيت برأسي بلا حيلة وتجاهلت تعليقاتهم وتساؤلاتهم بينما سايرتهم روز لتجيبهم، نظرت إلى دانيال الذي لمحت أنامله تمسك بالوشاح بقوة مستمراً في تعديله؟، هل. توتر من تعليقاتهن؟
يبدو كذلك!
أسرعت أقول متداركة: يمكنك الجلوس هناك دانيال، ستصفف شعرك أولاً.

تحرك ليجلس على الكرسي وما ان اقتربت منه المصففة حتى قفز كمن رأى شبحاً وابتعد عن الكرسي مما افزعها لتقف في مكانها بعدم استيعاب!
فغرت فمي للحظة قبل أن أستوعب الأمر وأقول متدخلة لأقترب منهما قليلاً: لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً دانيال، دعنا نبدء بتصفيف شعرك أولاً.
أسرع يقول مندفعاً يمرر يده في شعره: هيه أنت، يا صاح.
قالها يقصد زميلي الذي يقف أمام الإضاءة، اشار الى نفسه بحيرة: أ. أنا؟

أومأ له بإنزعاج: ستقف هناك فقط؟ قم بتصفيف شعري.
ما الذي يقوله هذا الأحمق!
حينها أجابه مسؤول الإضاءة باستغراب: ولكن. سارا المسؤولة عن تصفيف شعرك!
عقد حاجبيه بعدم رضى ورفض قاطع ورمقني بنظرة متقطعة: كيف من المفترض أن يكون مظهر شعري؟ سأفعل هذا بنفسي!
اتسعت عيناي: عذراً؟
بدى مصراً دون ان يردد كلماته، ساد الصمت المكان وبدى الجميع في حيرة من أمرهم!

شعرت بالثقل الشديد على عاتقي والتوتر الممزوج بالغضب قد انتابني ومع ذلك هدأت من نفسي واقترحت عليه: لنترك تصفيف شعرك للخطوة الثانية، ونبدأ بالمكياج السينمائي أولاً.
زفر بضجر وجلس على الكرسي بينما ابتعدت المصففة وهي تبدو مشتتة بوضوح واتجهت إلى أحد الكراسي البعيدة لتجلس عليه بترقب، انها البداية فقط وهذا ما يحدث!

وضع قدماً على الأخرى بترقب وثقة ولكن عندما انتبه لاقتراب فنانة المكياج قال مندفعاً يغوص في كرسيه متراجعاً: لدي حساسية في وجهي من الأفضل ألا أضع أي شيء على بشرتي.
س.
سحقاً!
أي كذبة هذه تحديداً؟
نظرت إلى فنانة المكياج باستنكار فقلت بحزم: لا بأس دانيال جميع المستحضرات التي نستخدمها تناسب البشرة الحساسة.
اتسعت عينيه الزمردية وبدى غارقاً في أفكاره أو ربما كذبة جديدة!

وقد كنت محقة فما ان كادت تضع فرشة الأساس على وجهه حتى قال يرفع يده يستوقفها: مهلاً، أعاني من مشكلة جلدية معدية وهذا لا يناسب الوضع الحالي، إن استخدمت هذه الفرشاة فستتسبين بالعدوى لأي عارض آخر اليس كذلك؟
شهقت فنانة المكياج بذعر وتراجعت قليلاً تنظر إلى فرشتها: مرض معدي؟
تدخلت أكبح جماح نفسي بصعوبة: لا عليكِ مِيا، يبدو ان العارض يحب الممازحة كثيراً.

ولكنه أسرع يقول كما لو يرغب في اقناعها: احرصي على تعقيم الفرشاة جيداً.
بدت مترددة ونظرت إلى بحيرة فجزيت على أسناني بسخط.
اقتربت روز مني وهمست لي باستغراب: كتاليا! ما الذي علينا فعله؟
نظرت إلى سارا وقلت بجمود: لا بأس سارا يبدو اننا سنبدء بتصفيف شعره، يمكنك البدء من فضلك.

رمقته بحزم وتحدي فطرف بقهر واضح واطبق فمه، عندما ابتعدت ميا واقتربت سارا ممسكة بمشط التصفيف وبخاخ التثبيت تفاجأت به يقول: توقفي! لدي مرض القوباء المعدي في فروة رأسي من الأفضل أن تبتعدي عني حالاً.
زفرت روز للحظة قبل ان تعلق بسخرية: هذا الرجل سينهك الجميع! توقعت حدوث هذا. آه على من أكذب لم أتوقع طبعاً!
لا أستطيع.
السيطرة على نفسي أكثر!
سأنفجر.
هذا سيء!
أشار إلى أذنه وقال يتظاهر بالإنهماك: هل تسمعون هذا؟

أضاف بعد ثواني وهو يقف بسرعة: هاتفي يرن، أنا في انتظار مكالمة مهمة.
نال السخط مني وقد شعرت بحرارة تسري في جسدي بأكمله!
تألمت عندما أدركت أنني غرزت رؤوس أظافري في باطن يدي التي احكم قبضتها ولاسيما عندما دخل إلى غرفة التبديل بالفعل!
قدمي تتحرك خلفه دون شعور! الغضب أعمي بصيرتي وحركني خلفه بخطى حانقة.

اقتحمت غرفة التبديل ورأيته يسند يده على الحائط وما ان رآني حتى زفر بإنزعاج مشيحاً بوجهه، حينها قلت بصوت متهدج: لا أظنني أسمع رنين هاتفك، أو أنني أعاني من خطب ما في أذني؟
احتدت عيناه وقال بجفاء: هل كان من الصعب عليكِ محاولة التعامل معي حسب ما أواجهه من صعوبة بحق الإله؟ القاء التوجيهات وحسب؟ هل هذا كل شيء رغم علمكِ المسبق بأنني سأواجه تحدي بالكاد يمكنني اجتيازه!

ثم أشاح بعينه بعيداً وزمجر بغيظ: لا أطيق ما يحدث الآن ولست مرغماً على ارغام نفسي أكثر.
اخرج هاتفه من جيب بنطاله الذي كان يعلقه في المكان المخصص وهذه المرة كان يرن بالفعل، تحركت يدي من تلقاء نفسها عندما اقتربت منه وانتزعت الهاتف بغضب: اتفقنا أنكَ ستعمل معي ولكنني لم أعدك بأي شيء يتعلق باستبدال النساء العاملات هنا بالرجال!

نظر إلى هاتفه بيدي وقال بجمود مفاجئ: أعيدي هاتفي. أعتقد أنه من المبكر الانسحاب من العمل معكِ، سأفعل هذا الآن حالاً، اخرجي لأغير ملابسي وانقلع من هذا المكان.
تمكن السخط مني ودسيت هاتفه في جيبي: لن أعيده! ولن تنسحب. سنبدء بجلسة التصوير حالاً، لا أهتم بعقدتك الغير منطقية دانيال وكل ما أراه هو تصرفات صبيانية اندفاعية تحلى ببعض المهنية على الأقل فالجميع بانتظارنا!

برزت عروق عنقه كما لو يكبح نفسه من الصراخ علي، انتبهت لدخول روز التي هدئتنا بسرعة: ما خطبكما بحق الإله! اهدئا لنتافهم و.
ولكنها أجفلت بفزع عندما نهرها بحنق: اخرجا! المكان ضيق وأشعر بصعوبة التنفس في ظل وجودكما!
نظرت إليه والجنون يتمكن مني شيئاً فشيئاً.
وما أوقع عليه خطورة جنوني أكثر قوله الحازم: اخرجا حالاً لأغير ملابسي لن أهدر دقيقة واحدة مع امرأة لا تبالي سوى بمصلحتها الشخصية!

هذا صحيح. تحركت بعصبية وأمسكت بمعصمه لترتجف ذراعه بوضوح، حاولت جره معي بقوتي وبدى وكأنه يتحرك إثر تشتته، سرت كالمغيبة الفاقدة لعقلها وسحبته أمام الجميع من معصمه، لا أستطيع الصبر أكثر! كل دقيقة تمضي أحتاج إلى انهاء متطلبات العمل فيها ولكنه ينوي اهدارها بأعذاره!
المهلة المحددة لنشر الإعلان أقصر مما يكون، لن يكفي الوقت لأحتمل عقدته هذه!

خرجت من القسم واتجهت فوراً إلى المخزن في نهاية الممر، ركلت الباب بقدمي لأفتحه على مصراعيه، كان فارغاً من أي موظف وإضاءته خافتة، جيد. سيكون مناسب لإرتكاب الجريمة.!
تركت يده وأغلقت الباب وأسندت ظهري عليه متكتفة والعروق في جسدي تكاد تنفجر.
كان ينظر إلى يده بعدم استيعاب وذهول يطرف بعينيه دون توقف.
بقي يحدق إلى معصمه وفغر فمه قبل ان يستوعب الأمر وينظر إلى بنظرات متقطعة ساخطة: كيف تجرأتِ على لمسي!

صرخت بحزم: هل نسيت اتفاقنا بحق الإله؟ ألستَ هنا للعمل؟ ألم نتفق على أن نتعاون خلال هذه الفترة القصيرة! لماذا تواصل عرقلة الأمور إذاً!
قلت بأنني سأساعدك وقبلت ان نتعاون ولكنني لست مضطر للحصول على كل هذه الخدمات من النساء!
ومن أين سأحضر لك الموظفين الذكور أخبرني حالاً!

ابتعد بمسافة كبيرة ومرر يده في شعره بعصبية: هذه ليست مشكلتي! تعلمين بما أواجهه مسبقاً لذا لا تلقي اللوم على وقد كنتِ مصرة وأنت تلحين على للعمل معكِ!
نعم ولكن الأمر زاد عن حده في الساعة الأولى لك هنا!
إن كان الوضع لا يعجبك فاغربي عن وجهي لأغادر! ليس وكأنني من عرض العمل هنا فأنتِ من لهثت خلفي إلى آخر لحظة!
عفواً؟

قلتها بغضب قد نال مني وتقدمت إليه بحنق شديد، تراجع للخلف بحذرواستنكار فواصلت التقدم نحوه أجز على أسناني أحاول عدم الصراخ أكثر: أنا لن أسمح لك أو لأي شخص أن يفسد ما أنوي إنجازه، إن قبلت العمل معي فهذا يعني أنك قبلت التعامل مع أنانيتي أيضاً وهذه ليس مشكلتي أنا. توقف عن عرقلتي أنا بحاجة إلى التقاط الصور في أقرب وقت ليتم تحريرها والترويج لها!

احتدت عينيه الزرقاء وللحظة توقفت في مكاني تحت تأثير هذه النظرة الجامدة الساخطة!
م. ما هذا!
التعامل مع أنانيتك ليست مشكلتك إذاً؟ ولكن الإضطرار إلى التعامل مع عقدتي هو مشكلتي أنا فقط. اللعنة كم أنتِ فظة وقحة.

اتسعت عيناي بحذر لثواني قبل أن أزمجر: رجل في الرابعة والعشرون يعاني من عقدة التعامل مع النساء لا يحق له انتقادي على رغبتي في بذل جهدي، ألا يمكنك أن تنسى أمر عقدتك هذه ولو لعشرة دقائق فقط! أو خمسة على الأقل أنا لا أطلب الكثير!
ماذا الآن؟ ستبدئين بمعايرتي!
ولما لا أعايرك! أنا لم أرى في حياتي كلها شخص مثلك!

هذه هي حقيقتك إذاً! كنت أعلم أنه يوجد خطب ما بكِ، هل عملتِ جاهدة على طمس لونك الحقيقي؟ هل اكتفيتِ من المجاملة والتبسم في وجهي لتحقيق مصلحتك الخاصة؟
ارتجفت شفتاي بينما أكمل بغضب وإزدراء يتحاشى النظر إلى مباشرة: لأول مرة في حياتي أشعر بصعوبة كبح رغبتي في لكم أحدهم! ابتعدي عن الباب حالاً ولا ترغميني على النظر إلى وجهك!

جادلته وقد ارتجف صوتي رغماً عني: وما المشكلة في حقيقتي! نعم أنا مجرد فتاة أنانية لا تهتم سوى لمصلحتها الخاصة! ولهذا أخبرك أنني لن أسمح لك بإفساد عملي.
ضاقت عينيه يحدق إلى بإشمئزاز ثم أشاح بوجهه بحزم: أنا لن أكمل هذا الهراء. ابحثي عن شخص آخر.
نفيت بجفاء: وأنا أرفض.
قلتُ لكِ لن أكمل!
وأنا أقول بأنك ستكمل العمل معي.
أضفت أهمس بحدة: لن أبحث عن شخص غيرك. أنت فقط من سيؤدي دور العارض. سيحدث هذا ولو على جثتي!

اتسعت عينيه للحظة بعدم تصديق: ما خطب عقلك تحديداً؟
تجاهلته واقتربت منه مبتسمة بإستخفاف وحقد: ماذا الآن؟ كيف سأتصرف مع عقدتك يا ترى!
رفع حاجبه الأيسر وظل في مكانه محذراً: توقفي عن الإقتراب أكثر.
ولكنني كنت مستمرة وقد همست ببرود: فلتذهب عقدتك إلى الجحيم يا دانيال. لقد اكتفيت. أنا أيضاً لا أستطيع الوقوف أمام أنانيتي وليس في يدي حيلة.

عندما تراجع للوراء جلس مرغماً على الصناديق الكرتونية الفارغة خلفه مما جعل ثقله يسقطه أرضاً بسبب خفة الكراتين! حركني جنوني ووجدت نفسي أقلص المسافة حتى انحنيت فوقه أمسك وجهه بيداي وأطبق بشفتاي على كلتا شفتيه بسخط.
رجل في الرابعة والعشرين لم يكن مضطراً للتعامل مع النساء؟ حقاً؟ هل هذا ما سيعيقني عن التقدم؟
هل هذا السخف سيكون السبب في تراجعي للوراء؟
وكأنني سأسمح بهذا!

استشعرت ذهوله الشديد ولا سيما عندما امسكت يده اليمني بيدي بقوة بالغة آلمتني بشدة، أبيت الإبتعاد عنه وقد دفعني بخفة ولكنني اقتربت مجدداً أقبله محاولة أن أشفي غليلي أنتقم لكل دقيقة أهدرها في حقي! ولكنها لم تكن سوى ثواني حتى تفاجأت بجسدي الذي دفعه بكل سهولة للوراء فاندفعت نحو رفوف الصناديق خلفي وارتطم ظهري بها لتقع الصناديق كلها تقريباً الواحدة تلو الأخرى على وكذلك عليه!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *