التخطي إلى المحتوى

رواية تعافيت بك الجزء الثاني للكاتبة شمس محمد الفصل الرابع والأربعون

وجدت فيك ونسي و أنسي، كما لو أنك قمري و شمسي
لم يكن الخطأ خطئي، كانت حياتي كورقةً بيضاء وقعت في يد أشخاصٌ مُلطخةً بالحبر، فأصبحت غير قادرًا على إزالة حبرهم و لا أنا بقادرٍ على الكتابة بها من جديد، و فقط غدوت اتسأل بماذا الندم يُفيد؟ وقع الإثم عليَّ و بقيت أنا وحيد، أسير في الزمان كما لو أنني شريد.
سمير!

تفوهت بها عفاف بدهشةٍ غير مصدقة وجوده أمام عينيها بعدما يقرب العشرون عامًا، ملامحه كما هي حادة لم يعرف اللين طريقها يومًا ما، زرقاوتيه كما هما تنبثق منها القسوة، كيف لم تتعرف عليه كلتاهما؟ تلك القسوة لم تعهدها كلتاهما من قبل، بينما ميرفت ازدادت ضربات قلبها و هي تراه أمامها بعد كل ذلك العمر، يقف بكل ثبات و كأنه لم يفعل شيئًا قط، حينما تراجعت للخلف و كادت أن تسقط من هول صدمتها، تدخلت رفيقتها تمسك يدها تردع سقوطها أرضًا، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم تحدث أخيرًا وهو يقول بصوتٍ مهتز: إزيك يا ميرفت؟ عاملة إيه؟

أغلقت أهدابها فوق مقلتيها و هي تصر على أسنانها بقوةٍ تود لو أخرجت طاقتها و غيظها منه الآن، فتدخلت عفاف تقول بنبرةٍ أشبه بالصراخ: أنتَ معندكش دم؟ جاي ليه؟ بعد العمر دا كله؟ أنتَ ميت يا سمير، ميت و محدش فينا حتى بيترحم عليك
أغلق عينيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة: إزيك يا أم خالد، ممكن أدخل علشان أعرف أتكلم؟، الجيران كدا هتشوفني
ردت عليه ميرفت بصراخ: بأي حَق؟ عاوز تدخل هنا بأي حق؟ بصفتك مين؟ ها رد عليا!

دلف هو ثم أغلق الباب وهو يقول بنبرةٍ حاول جعلها ثابتة: بصفتي أبو عيالك، و وجودي هنا علشانهم
طالعته بغير تصديق و هي ترتمي على أول مقعد قابلها حتى تجلس عليه، بينما عفاف سألته بتهكمٍ: عيالك؟ هو أنتَ فاكر عيالك؟ فاكر هما مين أصلًا؟ عيالك اللي عاشوا العمر كله مكسورين و مقهورين؟ عيالك اللي جحودك ظهر قدامهم من غير حتى ما تفكر فيهم؟ رد يا سمير؟ رجعت ليه؟

ازدرد لُعابه بقلقٍ وهو يقول: جيت علشان أشوف ولادي، العمر مش باقي فيه كتير، طمنوني عليهم
ردت عليه ميرفت بصراخٍ في وجهه: ياريته كان خلص قبل ما أشوفك، أنا بكرهك و بكره اليوم اللي حياتي ارتبطت فيه بواحد زيك، و بكره أهلي اللي رموني ليك، بكره أي حاجة تجمعني بيك، الحسنة الوحيدة هما عيالي، مليش غيرهم في الدنيا دي، أمشي برة بقولك.

صرخت في وجهه بذلك فوجدته يقول بصوتٍ خافت: ياسر فين يا ميرفت؟ و ندى و نيرمين فين؟
اقتربت منه بعدما انتفضت من جلستها و على حين غرة صفعته على وجهه بقهرٍ خبئته في قلبها لأعوامًا طويلة، ثم أمسكت تلابيبه و هي تقول بصراخٍ: اسم واحد فيهم ميجيش على لسانك القذر دا! ملكش عيال عندي، أنتَ ميت، فاهم يعني إيه مَيت؟ يعني تغور من هنا لحد ما ربنا يأذن و ياخدك من الدنيا كلها.

ابتسم بسخريةٍ وهو يقول: هيحصل، كلها أيام و أموت يا ميرفت، أنا من ساعة ما رجعت و أنا عمال أقدم رجل و أخر رجل علشان أجي اشوفكم، لحد ما الدكتور كلمني و قالي إنها مسألة أيام و حياتي تنتهي، أنا جيت علشان ابقى شوفتكم قبل ما أموت.

صرخت في وجهه و هي تهزه بعنفٍ في يدها: أنتَ إيه! حتى في الموت أناني؟ و برضه بتعمل اللي في مصلحتك؟ مفكرتش إن ظهورك هيدمرنا؟ مفكرتش إن عيالك حتى مش فاكرين شكلك؟ أرجع يا سمير تاني، محدش عاوزك هنا، روح موت و غور في ستين داهية، أنتَ مين من زمان بالنسبة ليا
سألها ببكاءٍ نابع من قلبه: طب طمنيني عليهم، عاملين إيه؟

صرخت في وجهه: ملكش دعوة، دا مش من حقك السؤال دا، دول عيالي من يوم ما ضربتني قصادهم و قولت إنك مش عاوزنا، نسيت؟

قبل أن يتحدث هو تدخلت عفاف تقول متشفيةً به: لأ حقه، مش هو سابهم و قال إنه مش ملزم بيهم، كان معاه حق، عارفة ليه؟ علشان النضافة مينفعش تفضل جنب الزبالة كتير، و الحمد لله الزبالة عرفت نفسها و مشيت، ولادك بقوا حاجة تشرف و أي حد يرفع راسه و يتمنى ضافر منهم، نيرمين بقت أم ل ولد و بنت و بقت أخصائية علاج طبيعي و متجوزة زميلها دكتور برضه، و ندى خريجة أداب و بقت أم برضه و متجوزة حبيب عمرها، و ياسر بقى دكتور، دكتور العين تتشرف بيه و القلب يفرح بشوفته و بقى جوز بنتي، بعد ما جوز أخواته و صرف عليهم و صرف على البيت و شال مسئوليتك اللي أنتَ سبتها، تحب تعرف تاني؟ التلاتة بيكرهوك و مفيش واحد فيهم عاوز بس يلمح طيفك، غور بقى إحنا ما صدقنا حياتهم تتعدل.

ابتلع غصة مريرة في حلقه بعد حديثها، فوجد طليقته تقول متوسلةً له ببكاء: أبوس إيدك أمشي، مش عاوزة ابني يتقهر، روح يا سمير مكان ما كنت، بلاش توجع قلب ابني
أغمض جفنيه فوق عينيه فوجد عفاف تقول بنبرةٍ جامدة رغم بكائها: اسمع! ظهورك تاني دا محدش هيعرف بيه حاجة، و لا حتى اللي أنتَ بتقول عليهم عيالك، و على الله ياسر يعرف إنك ظهرت، هخلي أخواته يقطعوك بإيديهم.

مسح دموعه وهو يقول بصوتٍ مهتز: أنا كنت عاوز أشوفهم بس قبل ما أموت، أنا مش عارف دا هيحصل إمتى، بس هيحصل، كنت متأكد إن المقابلة دي مش هتفيدني بحاجة.

ردت عليه ميرفت بألمٍ: أنتَ جيت متأخر أوي، عارف استنيتك قد إيه؟ عارف أنا فضلت أحارب نفسي قد إيه؟ عارف أنا و هما استحملنا في غيابك إيه؟ عارف سمعت بسببك كلام عامل إزاي؟ أنا عاوزة أقولك حاجة واحدة، لو بينك و بين طلوع روحك كلمة سامحتك، مش هقولهالك، و لو أمنية إنك تشوف عيالك هي دي أملك في الحياة صدقني أنساه، علشان أنا عاوزاك تتقهر زيي و زيهم، لو روحك هتطلع بالكلمة دي صدقني مش هريحك.

لم يقوى على التحدث أمامها و أمام نبرتها، بماذا يتحدث؟ مر الزمان عليه دون أن ينتبه لخطئه في حق الآخرين، ف بأي حقٍ يطلب حقه؟ هي محقة تمامًا، لذلك التفت يفتح الباب حتى يُغادر المكان و قبل رحيله، التفت يقول بصوتٍ مهتز: أنا بقيت بتمنى أموت علشان عارف إنكم هترتاحوا في موتي أكتر
ردا عليه بنبرةٍ جامدة: موت الميت مبيتزعلش عليه، و أنتَ ميت يا سمير.

فتح الباب على أخره ثم رحل دون أن يغلقه، بينما هي ارتمت بين ذراعي عفاف التي كانت تبكي بقوةٍ هي الأخرى و بعد ارتمائها عليها ربتت على ظهرها و هي تشاركها البكاء أيضًا بعد ظهور ذلك الوحش المدمر لسلامهم و سلام عائلتهم.

نزل سمير و الدموع تنهمر من عينيه حتى وصل سيارته، ولج السيارة بجانب فتاةٍ في الخامسة و العشرون من عمرها تملك ملامحًا غربية هادئة، من يراها للوهلةِ الأولى يظنها بنته، لكن في الحقيقة هي إبنة زوجته و هو من قام بتربيتها هي و شقيقها و خاصةً بعد وفاة زوجته، جلس بجانبها على أريكة السيارة فوجدها تسأله بتأثرٍ:.

مشوفتهمش صح؟ قولتلك ملهاش لازمة تيجي هنا و أنتَ عارف إن المقابلة دي مش هتفيد بحاجة، ليه يا بابا تعمل كدا؟
تنفس بعمقٍ ثم جاوبها مُردفًا بنبرةٍ باكية: الدكتور قال إن مستحيل أطول في الحياة و كلها أيام بين يد ربنا، كنت عاوز أشوف ملامحهم بس، عارف إنه مش من حقي، بس، بس دي أخر حاجة اتمنيتها قبل موتي.

ربتت على كفه و هي تقول بتأثرٍ: أنا و أنتَ عارفين إن حاجة زي دي مش من حقك، اللي أنتَ قولته ليا كان صعب، و كان كتير عليهم يعيشوه و خصوصًا في المجتمع دا، أنتَ أب سِبت عيالك و مراتك في الدنيا لوحدهم و هربت و جاي عاوز تشوفهم علشان أنتَ مقتنع إن دا حقك، لو مكانهم مستحيل أوافق على حاجة زي دي.

رد عليها بوجعٍ حقيقي ظهر في حديثه و صوته: خلاص يا جيسي، عارف إنه غلطي و عارف إني استاهل أسوأ عقاب في الدنيا كلها، بس غصب عني، عاوز ألمحهم حتى لو من بعيد، عاوز أشوف هما بقوا عاملين إزاي في غيابي
ردت عليه هي بتفهمٍ: عارفة إنك أب، بس برضه موقفهم صعب و مهما يعملوا محدش يقدر يلومهم
حرك رأسه موافقًا بخيبة أمل تمكنت منه و هو يتأكد أن حتى أمله المؤخر في الحياة لن يناله.

في منطقة وسط البلد أوقف وليد سيارته أمام أحد المحال الشهيرة بصنع المثلجات و هو يبتسم بهدوء بينما عبلة ضيقت جفنيها فوق عينيها تتفحص المكان ثم التفتت له تسأله بتعجبٍ: هو إحنا هنا بنعمل إيه؟ فين الخروجة يا بني؟
رد عليها هو بإشارة رأسه نحو المحل و هو يقول: ماهو يا عميا، خلاص النظر بقى بعافية؟ هفسحك على طريقتي أنا بقى، بس قوليلي إيه رأيك؟

ردت عليه بضجرٍ: رأيي في إيه؟ يا بني إحنا هنا بنعمل إيه؟ فين الخروجة يا وليد؟
نزل من السيارة دون أن يعيرها اهتمام، و هي خلفه بتعجبٍ من صمته و تجاهله لها، و بعد خروجه من السيارة التفت لها ثم أمسك كفها بكفه و هو يبتسم لها، ثم سار بها حتى اقترب من المحل و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
أنا نقطة ضعفي الآيس كريم في بداية السقعة، تاكليه معايا؟ و لا أجيب لنفسي من غير صداع؟

ابتسمت بسمةٍ يائسةٍ منه و من طريقته ثم حركت رأسها موافقةً فوجدت بسمته تتسع أكثر ثم أشار للعامل بيده نحو النكهات له و لها و هي تبتسم بفرحةٍ تنبثق من عينيها و زادت أكثر حينما وقع بصرها على كفيهما المتعانقين، وهو يتحدث مع العامل، شردت هي به حتى وجدته يمد يده لها وهو يبتسم بهدوء بسمته الصافية التي تفعل بقلبها كل الافاعيل، أخذته من يده و هي تبتسم له هي الأخرى، وبعدها أخذ هو القطعة الخاصة به ثم دفع الحساب، بعدها سألها بحيرةٍ: نقعد فين؟ تحبي نقعد في العربية؟ و لا نتمشى؟

حركت كتفيها كإشارةٍ منها على جهلها بما يسألها عنه، فوجدته يبتسم بمرحٍ وهو يشير برأسه نحو الرصيف ثم قال بهدوء: تعالي نقعد على الرصيف و رزقي و رزقك على الله، و لا هتتكسفي؟
خرجت كلمته الأخيرة بترقبٍ و هو يستفسر منها عن خجلها فوجدها تجاوبه بهدوء: مش أنتَ معايا؟ هتكسف ليه.

حرك رأسه موافقًا ثم اقترب من الرصيف يجلس عليه و هي بجاوره و على بعدٍ منهما بعد الأشخاص يجلسون بنفس الطريقة، نظرت هي حولها ثم قالت تشاكسه: اوعى تكون رِجلك واخدة على المكان دا؟ هزعلك يا ليدو
ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة: طول عمري كان نفسي أجي اقعد القعدة دي مع اللي بحبها، بس اللي بحبها كانت جاموسة و نطحني.

شهقت بقوةٍ بعد جملته الأخيرة فوجدته يأكل المثلجات و هو يبتسم بمرحٍ، بينما هي فعلت مثله و هي تطالعه بحنقٍ فوجدته يقول بنبرةٍ ضاحكة: إيه مش عاجبك الطعم؟ دا أنا جايبه شيكولاته بالبندق زي ما بتحبيه
ردت عليه هي بتهكمٍ: يا راجل؟ سيبني بدل ما انطحك بجد، أنا جاموسة يا وليد؟

سألته بحزنٍ طغى على نبرتها و كلماتها، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم رفع عينيه يطالعها بصدقٍ وهو يقول: لأ يا عبلة، أنا بهزر، بس كنتِ جاموسة لما ضيعتي أحسن سنين كنت مستنيكي فيها، كل الأماكن اللي كان نفسي أروحها معاكي بقيت بهرب منها، كل اللي الحاجات اللي تخيلتها معاكي بقيت مش قادر اتخيلها تاني، يدوبك بدأت أشم نفسي، المكان دا بالقعدة دي عمرها ما كانت هتكون مع غيرك، بس لما بدأت افوق و اتكلم لقيت إن دا حقي، حقي في كل حاجة حلمت بيها معاكي أني أخدها و افرح و أفرحك معايا.

أبتسمت له و العبرات تلمع في مقلتيها فوجدته يزفر بقوةٍ ثم قال معتذرًا لها: أنا أسف، متزعليش مني، بس أنا بصراحة قررت أني مش هكتم جوايا تاني، اللي عاوز أقوله هقوله علشان أرتاح بعدين، كفاية إنك متحملة كركبتي و اللي الزمن عملوا فيا.

أمسكت يده وهي تقول بنبرةٍ مختنقة إثر كتمها لدموعها: صدقني أنا معاك أهو، قول اللي تقوله و أعمل اللي عاوز تعمله لو دا هيخليك ترتاح، أنا عاوزة أعوضك و أخليك تهرب من الدنيا ليا يا وليد، مش عاوزاك تهرب مني.

أخفض بصره نحو موضع كفها المعانق كفه، ثم رفعه مرةً أخرى يطالعها بحب وهو يقول بصدقٍ اعتادت عليه هي من خلال نبرته تلك: أنا دلوقتي معاكي زي العيل الصغير اللي كان تايه من أمه و رجع ليها، أنا دلوقتي قلبي مش شايل ليكي غير الحب يا عبلة، أي حاجة زعلته منك في يوم هو نسيها و أنا كمان.

ابتسمت بفرحةٍ ثم رفعت كفها تمسح دموعها و حتى تغير تلك اللحظة المؤثرة تحدثت بصوتها المختنق تقول: طب كل الآيس كريم قبل ما يسيح، هيبهدلنا إحنا الاتنين
حرك رأسه موافقًا ثم امتثل لمطلبها، بينما هي لم تستطع التحكم في فضولها، فسألته بترددٍ: وليد، هو، أنتَ بقيت بتحس بإيه؟ يعني لسه تعبان زي الأول؟ لما بتفتكر اللي حصل زمان كله لسه بيتعبك.

حرك رأسه نفيًا ثم أخرج زفيرًا قويًا وهو يقول بنبرةٍ هادئة: بقيت كويس يا عبلة، اللي كان تاعبني في حياتي أني مش قادر أتكلم، من ساعة ما اتكلمت و خرجت وجعي اللي محوشه جوايا و أنا بقيت مرتاح، على الأقل ضمنت إن اللي كنت بعمله كان غلط في حق نفسي
سألته هي بتعجبٍ: كنت بتعمل إيه يا وليد؟
كنت بعمل دوشة حواليا علشان تغطي على دوشة دماغي.

تفوه هو بذلك يجاوب سؤالها الذي سألته هي له بتعجبٍ من حالته، و في تلك اللحظة اشفقت هي عليه و على صراعاته الداخلية التي يشعر بها، فوجدته يبتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة: كنت بعمل دوشة علشان أهرب من الدوشة اللي جوايا، لحد ما حبتيني أنتِ، بقيتي الهدوء اللي بيجي بعد لحظة الصداع، بقيت بهرب من أي حاجة هتخوفني أو تقلقني بالتفكير فيكي يا عبلة.

لم تستطع التحكم في فرحتها التي ظهرت على هيئة دموع فوجدته يرفع كفه يمسح دموعها ثم قال بهدوء وهو يطالع عسليتيها: بلاش تعيطي، أنا مبحبش العياط يا عبلة، بس عاوز أقولك حاجة واحدة، إنك الراحة بعد التعب و إنك ليا و لخاطري الجَبر بعد سنين الصبر.

حركت رأسها موافقةً عدة مرات دون أن ترد على حديثه فحتى الآن لم تجد صوتها الهارب، بينما هو ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ مرحة حتى يشاكسها: دا ميمنعش إنك جاموسة برضه يا عبلة
ردت عليه هي ببكاءٍ: بس يا رِخم بقى، لو مسيبتش الدنيا حلوة للآخر هيجرالك حاجة يعني؟
ضحك عليها هو بقوةٍ حتى ضحكت هي الأخرى معه، فأنهى هو المثلجات ثم قال يتعجلها: خلصي بس علشان الوقت ميتأخرش أكتر من كدا، عاوز ألحق اليوم من أوله.

حركت رأسها موافقةً ثم ابتعلت المثلجات و تعجلت في تناولها و هو يضحك عليها بيأسٍ حتى وقفت و هي تقول بمرحٍ: قوم يا وليد يلا، أنتَ لسه هتقعد؟ هنروح فين تاني؟
وقف وهو يبتسم ثم قال مجاوبًا لها: هنروح نلف شوية و أخليكي تشوفي مصر عاملة إزاي، مصر حلوة أوي يا عبلة بليل
حركت رأسها موافقةً تؤيد حديثه فوجدته يقول بنبرةٍ هامسة: و فيها حاجات حلوة في كل وقت زي عيونك، أنا من غيرهم تايه مليش مكان و عيونك هما العنوان.

ردت عليه هي بصوتٍ خافت: المفروض تخلي عندك ذوق و تقول الكلام دا في البيت، احضنك إزاي أنا دلوقتي؟ شكلي هيبقى وحش أوي
فأجئته هي بحديثها الغير متوقع و قبل أن يرد هو أكملت بنفس الطريقة: خلاص لما نروح هحضنك حضن كبير أوي علشان اليوم الحلو دا، أنا أصلًا بتلكك علشان أحضنك
استعاد وعيه و خرج من دهشته وهو يقول مهددًا لها: أنتِ شكلك قلبك مات يا عبلة، أنا بقول اتصل بأبوكي و هو يشوف الحوار دا معاكي بقى.

ردت عليه هي بلامبالاةٍ: مش فارقة عادي، هقوله هو اللي بيبدأ و يفضل يقولي كلام حلو و أنا ضعيفة قدام كلامه
أمسك كفها وهو يقول بغير تصديق: صبرني يا رب، دي معندهاش وسط خالص، ابقي اقعدي مع خديجة شوية، و لا بلاش خليها متربية كدا، لأحسن ياسين يروح يبلغ عننا
سألته بتعجبٍ: يبلغ عننا ليه؟ إحنا عملنا حاجة؟
رد عليها مفسرًا: هيتهمنا بالغِش التجاري، مدينا البت واعية ترجعله زيك كدا، عندها ربع ضارب؟

ارتفع صوت ضحكاتها فوجدته يسير على قدميه و هي خلفه و هو يسحبها خلفه، فسألته هي باستغرابٍ: هو إحنا مش هنركب العربية؟ هنمشي على رجلينا؟
التفت لها بعدما توقف عن السير و هو يقول بنبرةٍ هادئة: المكان اللي هنروحه قريب يا عبلة مش بعيد، مش مستاهل العربية و بعدين بقولك عاوزين نلف شوية، خلي عندك إحساس
ردت عليه هي بمرحٍ: الله! أنا بحب كدا أوي، ممكن أمشي معاك لحد أخر الدنيا.

ابتسم لها وهو يقول: عارف، عارف إنك بتحبي المشي زيي و إننا ممكن ناخدها لحد بيتنا مشي، بس تعالي قبل الزحمة.

قطبت جبينها بتعجبٍ و هي تسير بجانبه ثم أمسكت يده و هي تبتسم له و كأنه تقول أنه هو من يجب عليه فعل ذلك، تجاهل هو بسمتها و نظرتها له ثم شدد مسكته على يدها و كأن كفه يعانق كفها، و بعد مرور دقائق من السير توقف بها أمام أحد البيوت القديمة التي تُشبه البيوت الأثرية، بيتٌ ذات عراقة و أصالة تبدو على هيئته الخارجية، قطبت جبينها و هي تنظر له باستفسارٍ لم تفصح عنه فوجدته هو يفسر تواجدهما بقوله:.

دا مكان هنرجع فيه لزمان شوية، أيام الأبيض و الأسود، شوفي مين أكتر واحدة بتحبيها من أيام الأبيض و الأسود و اعتبري نفسك زيها
ردت عليه هي بحماسٍ: بجد! أنا بحب إيمان بطلة فيلم أيام و ليالي أوي، بحب رقتها و هدوئها و بحب عبد الحليم لما غنالها أوي.

حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها ثم ولج بها المكان و هي خلفه تمسك بكفه، و بمجرد دخولهما لمعت عينيها بشغفٍ و هي تطالع المكان حولها برونقه و عراقته، حيث وجدت أمام عدة أشياء يرجع أصلها إلى الزمن القديم، من حيث الطاولات القديمة و الهواتف الأرضية و عدة الآلات الموسيقية، و بعض الثياب القديمة، كما وجدت بعض الخطابات القديمة المُعلقة بالمكان على حوائطه، و مع انخراطها في المكان و محتوياته وجدته يميل عليها وهو يقول بنبرةٍ هامسة: عجبك المكان يا عبلة؟ دي تاني مرة أجي هنا، بس جماله زاد دلوقتي و أنتِ معايا.

التفتت تحرك رأسها نحوه تود مسألته عن مجيئه هنا و قبل أن تبدأ بذلك، وجدت أحد الشباب يقترب منه وهو يقول بحماسٍ ممتزج بصوتٍ مبهج لرؤيته: لأ! وليد الرشيد هنا بنفسه؟ ولا بعودة أومال لو ما دا مكانك و أنتَ اللي عامله الدعاية بنفسك؟ كنت مستني إيه علشان تيجي هنا؟
تعجبت عبلة من طريقة الشاب فوجدت وليد يتركها ثم اقترب منه وهو يحتضنه بحفاوةٍ تزامنًا مع قوله المرح: سيف الدين قطز حبيبي، وحشتني يا عم.

ابتعد عنه الشاب وهو يقول بضجرٍ: يادي النيلة عليا، يا بني سيف الدين بس من غير قطز، إيه السِياح دا؟ عيب بقى سمعتي في المكان
ابتسم له وليد فوجده يسأله بلومٍ و معاتبةٍ: كدا يا وليد؟ كل دا و متجيش تزورني حتى مرة واحدة؟ يا عم مش هاخد منك حق الزيارة، هعتبرك روح من أيام الزمن القديم، بس قولي مين اللي معاك.

أشار برأسه نحو عبلة التي وقفت خلفه مباشرةً فوجدته يمسك يدها و هو يقول بنبرةٍ ذات مغذى: دي مراتي، مدام عبلة الرشيد
رد عليه بفرحةٍ: الله أكبر! اتجوزتي يا بيضة؟ دا إيه العقل دا كله؟ فاكر شقاوة الچيم و الأيام الحلوة؟
رد عليه بضجرٍ: خلاص بقى دي كانت أيام و راحت لحالها، أنا جاي أوري مراتي أيام الزمن الجميل، ها أوعى تكون غيرت النشاط؟

رد عليه بمعاتبةٍ: كل حاجة زي ما أنتَ سايبها على حطة إيدك، المكان زي ماهو، أنا كمان وسعت النشاط و بقى على أوسع و خدت الجزء اللي على النيل برة
ربت على كتفه وهو يقول بفخرٍ: طول عمرك جدع يا سيف، و تستاهل كل خير، ها بقى وريني المكان
حرك رأسه موافقًا سار أمامه و هو يبتسم بينما هي مالت على أذنه تسأله بتعجبٍ: هو أنتَ اللي عامل ليهم الدعاية على النت؟ أنا كنت بشوفها كتير بس متوقعتش إن أنتَ اللي عاملها.

رد عليها هو مُردفًا: لما اشتغلت فترة في الچيم سيف كان معايا، بدأ المشروع
دا لما ورث البيت دا من جده، ساعتها خدته لطارق يعمله الدعاية علشان الناس تعرفه، و زي ما أنتِ شايفة كدا المكان ما شاء الله مليان ناس
لفت ذراعيها حول ذراعه و هي تقول بفخرٍ: أنا بحبك و فخورة بيك أوي و بكل حاجة بتعملها في حياتك، تستاهل كل التضحيات اللي في الدنيا.

ابتسم لها بسمته الصافية ثم أشار لها حتى تتحرك معه نحو الداخل، توجه هو بها للداخل فوجدت مكانًا يشبه الشُرفة الواسعة مملتئًا بالزهور و الزرع الأخضر مع رائحة النيل التي عبرت لهم من الشُرفة، استنشقت هي الهواء من حولها بعمقٍ، فوجدته يميل إلى أذنها هامسًا:
فضلت مستني اليوم دا علشان تيجي معايا هنا يا عبلة، ريحيني و قوليلي إيه رأيك؟

طالعته بعينيها الدامعتين و هي تقول بتأثرٍ: حلو أوي يا وليد، شبهك، مكان صافي و ريحته نقية، زي قلبك اللي شبه قلب الأطفال، الدنيا دي لو فيها منك كتير كان زمان الكل ارتاح، و أنا ربنا كرمني بيك من الدنيا دي
رد عليها هو بنبرةٍ شبه باكية: حتى لما أنتِ غلبتيني أنا رضيت بغُلبي علشان معاكي، أنتِ أحسن غُلب في الدنيا كلها يا عبلة.

ابتسمت له فوجدته يشير بيده خلفه، تعجبت هي في بادئ الأمر فوجدته يمد يده لها و هو يبتسم بصفاءٍ لها، مدت يدها في يده فوجدته يدور بها وهو يضحك كما لو أنه طفلًا صغيرًا، ضحكت هي معه فوجدت كلمات الأغنية التي أخبرته بها في الخارج تصدح عاليًا، اتسعتا حدقتيها بقوةٍ فوجدته يغمز لها ثم شرع معها في الرقص على الكلمات الآتية: أنا لَك علطول خليك ليا، خُد عين مني و طُل عليا، و خُد الاتنين و اسأل فيا، من أول يوم راح مني النوم، ابتعلي سلام، قول أي كلام من قلبك أو من ورا قلبك، ابعتلي سلام، قول أي كلام من قلبك أو من ورا قلبك، مش يبقى حرام اسهر و تنام و تفوتني أأسي نار حبك؟، أنا لَك علطول خليك ليا، خد عين مني و طل عليا، و خد الاتنين و اسأل فيا.

كانا يرقصان سويًا و كلًا منهما يطالع الأخر كما لو أنه يحتضنه بعينيه، و هي تبتسم له و هي تراقب ملامحه بشوقٍ و هي تفكر كم وددت أن تراه بذلك الصفاء و هي معه دون أن ترى خوفه و قلقه منها، بينما هو استطاع قراءة أفكارها فوجدته يميل إلى أذنها هامسًا بهدوء: مش خايف، أنا معاكي دلوقتي متطمن و مش خايف يا عبلة.

حركت رأسها تطالعه باستفسارٍ تود منه التأكيد فوجدته يقبل قمة رأسها ثم حرك رأسه بإيماءةٍ بسيطة وهو يبتسم لها، وضعت حينها رأسها على كتفه و هي تبتسم باتساعٍ و اللحن القديم حولهما مع صوت مياه النيل و حركة الزرع و رائحته التي افحمت الشجن في قلبيهما سويًا و كأنهما داخل فيلمًا قديمًا من رائحة الزمن الجميل و ما زاد ذلك التصور هو ديكورات المكان الذي من الوهلة الأولى عند وقوع بصرك عليها تظن نفسك ساقطًا داخل أحد الأفلام القديمة التي امتلأت بمشاعر عديدة جعلت الأثنين يعيشان بها.

في شقة ميمي بعد مرح الشباب معًا و مشاكستهم ل عامر، جلسوا سويًا بجانب بعضهم و ميمي في منتصفهم، كان حينها ياسين شاردًا في الفراغ أمامه و كأنه في عالمًا أخر غيرهم، حرك ياسر كفه أمام وجهه و هو يقول بصوتٍ عالٍ:
يا هندسة! فينك يا ياسين؟ روحت فين و سبتنا لوحدنا، مالك؟
انتبه له دون أن يرد عليه فتحدثت ميمي بتعجبٍ ممتزج بالقلق: مالك يا ياسين؟ فيه إيه مزعلك يا حبيبي؟
تنهد هو بعمقٍ ثم قال: مفيش.

تدخل خالد يقول بنبرةٍ جامدة: هو إيه اللي مفيش، مالك ياض؟ فيه حد مزعلك؟
تدخل عامر يقول بضجرٍ: مين دا اللي يزعل أخويا و أنا أنزل أفرمه؟ مين زعلك يا ياسين؟ أخويا زعلان و أنا على وش الدنيا؟
رد عليه ياسر بتهكمٍ: يا عم اتنيل بقى، أنتَ اللي مزعلنا أساسًا
رد عليه ببساطةٍ يفسر الأمر: أنا ماشي لكن حد غريب لأ؟

ضحكوا عليه حتى ياسين ابتسم بقلة حيلة فسأله خالد بنبرةٍ أهدأ: مالك يا ياسين؟ إحنا طول عمرنا همنا واحد و شيلتنا واحدة، مالك يا حبيبي؟
رد عليه بصوتٍ مختنق: مخنوق يا خالد، مخنوق و مش عارف اتكلم، اللي في مراتي دا مزعلني، شكلها و هي كدا مضايقني، مبعرفش أنام طول الليل و أنا قاعد أشوفها و هي بتتوجع، أنا متضايق و مش عارف أقول لحد كدا.

نظروا لبعضهم البعض بقلة حيلة فزفر هو بقوةٍ ثم أرجع رأسه للخلف يلقيها على الأريكة فوجد ياسر يربت على فخذه وهو يقول محاولًا تهدئته: الحمد لله على كل حال يا صاحبي، هي كويسة الحمد لله، فيه ناس بتقع كدا و بيحصل ليهم أضرار كتيرة، احمد ربنا إنها قامت منها و إنها زي الفل، و بعدين هي ما شاء الله عليها، مستحملة.

رد عليه مُسرعًا: علشان كدا دا اللي مزعلني يا ياسر، إنها مستحملة و مش عاوزة تقول إنها بتتوجع، اللي مزعلني إنها تعبانة بجد و مش عاوزة تقول و تتكلم، أنا عمال أسأل نفسي هي عملت إيه علشان دا يحصلها؟، خديجة مغلطتش في حق حد، و الدنيا عمالة تطحن فيها، من يوم ما اتولدت لحد دلوقتي و هي مغلطتش في حق حد غير نفسها.

تدخلت ميمي تقول مقررةً حتى تُعيد له ثباته: جرى إيه يا أستاذ؟ هو دا اللي أنتَ اتعلمته؟ فين الصبر على البلاء و فين الحمد لله؟ افرض مراتك كانت جامدة و قوية زي ما أنتَ عاوز كدا و كانت زقت البنت و راحت فيها، كان الحل هيبقى إيه؟ كانت هتتسجن و كانت هتشوف أيام صعبة، إنما اللي حصل دا حكمة من ربنا، خديجة بنفسها متأكدة و مؤمنة بحاجة زي دي، أنتَ شايل الهم ليه؟

رد عليها بنبرةٍ أهدأ: أنا مش شايل هم، أنا زعلان يا ميمي، كل ما أبص في وشها أحس أني عاوز اتأسف ليها، هي مبتغلطش في حق حد، و صعبانة عليا، و لسه مش عارف هتفضل كدا لحد إمتى؟
تدخل خالد يقول مُطمئنًا له: متخافش من حاجة طول ما أنتَ و هي معملتوش حاجة غلط، ربنا إن شاء الله هيكرمك و هيرجعهالك تاني بالسلامة، سلمها لله يا ياسين و ريح قلبك.

تدخل عامر يقول بمرحٍ مغيرًا للأجواء: أنا لو منك أخد ليها حاجة حلوة كدا و أروح أقعد معاها و أهون عليها، و الله مش بهزر خليك معاها أحسن، أصلك هتقعد معانا هنا تعمل إيه؟
ردت عليه ميمي تؤيد حديثه بقولها: جدع ياض يا عامر، معاك حق هو فعلًا يروح يقعد معاها و يهزر و يهون عليها، هي أكيد هتبقى محتجاك معاها يا ياسين.

حرك رأسه موافقًا و حينها صدح صوت هاتف عامر برقم والده، أجاب على المكالمة و بعد عدة كلمات مُقتضبة أغلق معه و هو يزفر بقوةٍ فسأله ياسر بتعجبٍ: مالك لويت بوزك ليه؟ هو حد زعلك يا عم أنتَ كمان؟
رد عليه بقلة حيلة: أبويا عاوزني في المحل دلوقتي و عمو رياض جنبه قاله خليه يجيب الشباب معاه، مش عارف ليه؟
ردت عليه ميمي بتعجبٍ: ما تروحوا! مستنيين إيه يا بني؟ قوم شوف أبوك عاوزك ليه.

رد عليها هو بضجرٍ: مش عاوز أروح، هتلاقيه جايب أجهزة و عاوزني أنزلها، اللي عاوز يروح يتفضل
وقف خالد ثم أمسكه من ثيابه وهو يقول منفعلًا: يلا يا ندل يا واطي، خلينا نروح نشوف أبوك عاوز إيه، بس هقول إيه، متربتش
لوح له وهو يسير معه و ياسين و ياسر يسيران خلفهما بيأسٍ، حينها ابتعد عن خالد ثم حمل طبق الحلويات و هو يقول بمرحٍ: علشان أقدر أشيل بضمير، عاوزة حاجة منه يا ميمي؟

ردت عليه هي بقلة حيلة: لأ يا حبيبي، بألف هنا و شفا على قلبك، أنا كلت كفايتي علشان السكر، مع السلامة يا حبيبي
سأله ياسين بتعجبٍ منه: استنى يالا! هتمشي في الشارع بطبق الحلويات كدا؟
رد عليه بلامبالاةٍ: و فيها إيه؟ المحل بعد شارعين من هنا، على ما أوصل أصلًا هكون خلصته، يلا و لا أقعد و أحلف ما أنا نازل أصلًا؟

قالها بتهديدٍ صريح لهم جعلهم يتحركون أمامه بيأسٍ و هو خلفهم يبتسم بشرٍ ثم التفت يرسل قبلة في الهواء إلى ميمي التي ضحكت عليه و على منظره و علبة الحلويات في يده و هو يأكل منها.
بعد مرور دقائق قليلة، وقف الأربعة شباب أمام محل فهمي و لكن ما أثار تعجبهم هو خلو أمام المحل من عربة البضائع، فسأل حينها ياسر بتعجبٍ:
عربية البضايع مش هنا أومال أبوك عاوزنا ليه يا زفت؟

حرك كتفيه بلامبالاةٍ وهو يقول: أنا عارف؟ هما فين أصلًا، عم رياض كان معاه هنا
خرج فهمي من الجزء الداخلي للمحل و معه رياض فسألهما خالد بتعجبٍ: انتو كنتوا فين؟ و كلمتونا ليه، اوعوا تكون حركات الهزار بتاعتكم دي؟
رد عليه فهمي بنبرةٍ ضاحكة: يا عم ما نهزر هو إحنا يعني أمناء مكتبة الإسكندرية؟ دا أنتَ واد نكد طول عمرك
رفع له خالد حاجبه فتدخل ياسين يسأل بتعجبٍ: خير؟ عاوزنا ليه.

رد عليه رياض بسخريةٍ: أبو طويلة هنا؟ سايب مراتك و هي تعبانة و بتعمل إيه هنا يا حلو الملامح أنتَ؟
تدخل ياسر يقول مُردفًا: إحنا اللي كلمناه علشان يجي بقعد معانا يفك شوية، المهم أنتو عاوزين إيه؟
رد عليه فهمي مفسرًا: الواد علاء القهوجي، جاي عاوز يرجع التلاجة بتاعة شقته، بيقول إنها غالية عليه و أهل العروسة بعدما ما كانوا هيشيلوها معاه رجعوا في كلامهم و هو مش قادر يشيلها.

تدخل عامر يقول بحيرةٍ: طب و أنتَ جايبنا هنا ليه؟ هنسقعله إحنا يعني ولا إيه؟
رد عليه رياض بضجرٍ: بس يا بارد، جايبينك تقنعوه ياخدها و يخلص علشان كتب الكتاب الليلة دي و واقف على التلاجة
رد عليه خالد ساخرًا: كتب الكتاب هيقف على التلاجة؟ إيه العالم الهطلة دي؟ ما يخلصوا و يجوزوهم.

اقترب منهم الشاب في تلك اللحظة و علامات الحزن ترتسم على وجهه، فتحدث فهمي يقول بقلة حيلة: أهو جِه أهو، كلموه بقى و متخلهوش يكسر بفرحة البت، جيبتلك أخواتك أهوه يا علاء يمكن يقنعوك
رد عليه بحنقٍ: هعمل إيه يا عم فهمي؟ هو لوي دراع يعني؟ جايين يوم كتب الكتاب يقولولي مش هندفع في التلاجة؟ كتب الكتاب الليلة دي كمان ساعة، أنا اتعصبت و قولتلهم بلاها الجوازة دي.

سأله ياسين بدهشةً: و سيبت خطيبتك؟ يعني كتب الكتاب باظ يا علاء؟
رد عليه بقلة حيلة: مديني ساعة أرد عليهم، يا أوافق و نكتب الكتاب، يا نفضها سيرة و خلاص”
اقترب منه ياسين يضع يده على كتفه و هو يقول بنبرةٍ هادئة: أنا هسألك سؤال واحد، بتحبها ولا لأ؟ عاوزها فعلًا و لا مش فارقة هي من غيرها؟
رد عليه مسرعًا: أنتَ اللي بتسأل يا أستاذ ياسين، ما أنتَ عارف منار عندي إيه؟ طبعًا عاوزها.

رد عليه بنبرةٍ جامدة: يبقى تشيل الهبل اللي في دماغك و تروح توافق على طلبهم و تاخد مراتك و طز في الدنيا كلها، مش هي شارياك؟
حرك رأسه موافقًا بخجلٍ فوجده يضيف بلومٍ و معاتبةٍ: طب حد يبقى يلاقي بنت حلال شارياه و يعمل كدا؟ حد يلاقي واحدة باقية عليه في الظروف دي و يسيبها علشان تلاجة؟ إيه يا علاء دا أنتَ صاحب واجب طول عمرك.

رد عليه ينفي التهمة عن نفسه بقوله: يا أستاذ ياسين دا كان اتفاق، يجوا النهاردة الصبح يقولولي التلاجة كلها عليك؟ طب خلوني أجيب الغالية دي كنت جبت حاجة على قدر مقدرتي
سأله عامر بتعجبٍ: هو أنتَ جايب التلاجة قد إيه
رد عليه بقلة حيلة: جايب أحدث حاجة أم أربع أبواب، اللي هما أختاروها
رد عليه بضجرٍ و صوتٍ عالٍ: تلاجة بأربع أبواب ليه؟ تلاجة الميتين؟ و لا تكونش فاكر إن باب منهم باب الرحمة؟

ضحكوا عليه جميعًا فتحدث علاء بقلة حيلة قائلًا: هعمل إيه يا أستاذ عامر؟ هما اللي طلبوها و صمموا عليها
تدخل ياسر يقول بنبرةٍ جامدة: اسمع يا بني، لو أنتَ شاري بنت الناس بجد مش هيفرق معاك الهبل دا، طالما شاريين بعض يبقى خلاص، دول ناس مأمنينك على بنتهم و على حتة منهم، هتيجي في التلاجة يعني؟ روح افرح و فرح بنت الناس معاك.

رد عليه بيأسٍ: يا دكتور ياسر افهمني، هجيب منين أنا حق التلاجة، أنا اتفقت مع فهمي يصبر عليا علشان هو مبياخدش أقساط، دفعت جزء و فاضل جزء
تدخل ياسين يقول مسرعًا: الجزء الباقي عليا أنا ملكش دعوة، روح بقى فرحك يا علاء و اكتب كتابك، و اعتبر التلاجة هدية مني لابن منطقتي حلو كدا؟
رد عليه بخجلٍ: يا أستاذ ياسين مش دا القصد، و بعدين اللي فاضل كتير و حرام أنتَ تشيله لوحدك، أنا ربنا يكرمني و هشوف صِرفة.

رد عليه خالد مقررًا: يا عم ألف مليون مبروك، أقولك على حاجة، الباقي من التلاجة هنشيله إحنا الأربعة و اعتبرها نقطة أخواتك ليك و محدش هيعرف حاجة بالموضوع دا، روح بقى يلا الساعة قربت تخلص
اقترب منهم يحتضنهم كلًا منهم على حِدة و هو يشكرهم و يدعو الله لهم بالصحة و الكرم، بينما هم ضحكوا عليه بيأسٍ، فتحدث رياض بعد رحيله بفخرٍ بهم: الله يكرمكم ياض أنتَ و هو، و الله كنت عارف إنكم هتعملوا كدا، دا واد أهبل.

رد عليه ياسر بشفقةً عليه: اتبهدل يعيني، من ساعة ما أبوه طلق أمه و هو راجل البيت، و رايح يناسب ناس عاوزة الضرب
رد عليه فهمي بقلة حيلة: بس البت بتحبه و عاوزاه، و كانت هنا قبله و قالتلي إنها هتتصرف في فلوس من حد علشان تشيل التلاجة معاه، أهو يكتبوا الكتاب و ياخد مراته و هو حر بعد كدا
أومأ له الجميع بموافقةٍ و هم يؤيدون حديثه.

في بيت آل الرشيد كانت خديجة بغرفتها تجلس بمللٍ بمفردها كما أنها لاحظت تأخر ياسين نفخت وجنتيها بضيقٍ فوجدت الباب يفتح بواسطة هدير التي ابتسمت لها و هي تقول بمرحٍ: الحلو عامل إيه النهاردة؟
ردت عليها بسخريةٍ: تعالي شوفي الحلو و هو مكسح، مش قادرة خلاص زهقت يا هدير
ردت عليها هدير بحزنٍ لأجلها و هي تقترب منها تجلس بقربها: ألف سلامة عليكي يا خديجة، إن شاء الله فترة و هتعدي و ترجعي تاني أحسن من الأول.

حركت رأسها موافقةً فوجدتها تربت على يدها و هي تبتسم لها، حينها خديجة سألتها بتعجبٍ: أنتِ كويسة يا هدير؟ مالك فيكي إيه؟
تنهدت بقلة حيلة ثم قالت بهدوء: مفيش يا خديجة أنا كويسة الحمد لله، أنا جيت أتطمن عليكي و اقعد معاكي شوية
حركت رأسها لها و هي تقول بتشككٍ: بس؟ أومال ليه حاسة إنك متضايقة أو حاسة إنك زعلانة
ردت عليها بقلة حيلة: خديجة هو أنتِ مسمحاني؟ يعني مش زعلانة مني لسه؟

حركت خديجة رأسها نفيًا و هي تقول بصوتٍ خافت: أنا مش زعلانة من حد خالص، أنا مبزعلش يا هدير، أنا يا بنسى يا مشغلش بالي أصلًا، و أنا قررت أنسى، أنسي أنتِ كمان.

وضعت رأسها على كتفها السليم و هي تقول بصوتٍ مختنق: مش عارفة يا خديجة، جايز علشان ربنا كرمني بأكتر من اللي أستحقه؟ و يمكن علشان أنا كنت مغيبة؟ بس أنا بحبكم و الله، أنا دلوقتي بقيت بحارب علشان اللي بحبهم، علشانك و علشان وليد و علشان العيلة كلها و حتى حس،
توقفت قبل أن تكمل إسمه فوجدت خديجة تقول بخبثٍ مرح: كملي و علشان حسن يا هدير، حسن اللي عينك بترقص كل ما تشوفه، و ضحكتك بتبان زي الهُبل صح؟

رفعت رأسها تطالعها بخجلٍ فوجدتها تقول بنبرةٍ ضاحكة: فكرانا مش واخدين بالنا؟ العيلة كلها عارفة إنكم حبيتوا بعض و إنكم كملتوا حكايتكم، و كلنا فرحانين علشانكم، عارفة ليه؟ علشان انتو تستاهلوا تفرحوا يا هدير، أنتِ كنتي ضحية زيي و كل حاجة كانت غصب عنك و هو طول عمره لوحده و العيلة كلها شاهدة على المرمطة اللي شافها، ربنا عوضكم ببعض، يبقى خلاص أمسكوا في بعض و أوعي تخلي الدنيا تفرقكم، و أوعي أنتِ تتخلي عنه، حسن ملوش غيرك.

ردت عليها بتأثرٍ: حسن بيصعب عليا يا خديجة، شخص طيب و حنين و شهم، أنا كنت معاه في بيته لوحدي و مراته و معملش أي حاجة تزعلني و لا جبرني على حاجة، كنت عايشة معاه في بيته كأنه بيتي أنا و هو اللي ضيف عندي، حسن بقى كل الدنيا عندي يا خديجة، أنا عمري ما حبيت حد زي ما حبيته، أنا بس عاوزة العمر اللي جاي علينا إحنا الاتنين نكون مبسوطين مع بعض، عاوزاه يفرح بجد.

ردت عليها خديجة بصوتها الهادئ: هتفرحوا، هيجي يوم و تفرحوا مع بعض يا هدير، ربنا يكرمك و يكرمه و نشوف عيالكم إن شاء الله و يكونوا زي حسن، بلاش أنتِ علشان شخصيتك قوية
ضحكت عليها هدير و هي تقول بتوعدٍ لها: بقى كدا؟ ماشي يا خديجة، صبرك عليا لما تقومي بس بالسلامة، ماشي.

قبل أن ترد عليها خديجة دلفت خلود الغرفة و خلفها جميلة و هدى و على ذراعها صغيرها، و أخر من دلفت كانت سلمى و خلفها مشيرة، ضحكت خديجة و هي تقول بنبرةٍ ضاحكة: يا مرحب يا مرحب، الأوضة نورها زاد يا جماعة، خير هموت و لا إيه؟
ردت عليها جميلة بسرعةٍ: بعد الشر عنك يا بومة، إيه البت دي يا جماعة؟
ردت عليها هدى بسخريةٍ: دي خديجة إيه الجديد يعني؟ هي كدا بت بومة، جايين نتطمن عليكي يا نكدو.

ضحكت خديجة عليها و هي تحرك رأسها موافقةً ثم سألت شقيقتها باستفسارٍ عما تحمله بيدها: إيه اللي في إيدك دي يا خلود؟ الشاشة دي بتاعة مين؟
ردت عليها مشيرة بمرحٍ: بتاعتي أنا، كانت مركونة تحت و محدش بيتفرج عليها، قولت أجبهالك تشغليها في الأوضة هنا بدل ما الزهق، أنا عارفة الشاشة بتاعة أوضتك عند أحمد.

ابتسمت لها بدهشةٍ فوجدت جميلة تضع أمامها طاجن الحلويات و هي تقول بفخرٍ: شوفي أم على اللي هي عملتهالك، دوقي و قولي رأيك علشان هي حلفت محدش هيدوق منها غيرك أول واحدة
تدخلت سلمى تقول بتوسلٍ: كلي أبوس إيدك، عاوزة أنزل أذاكر و هموت و أكل أم علي
رفعت حاجبها و هي تقول بضجرٍ: إيه الندالة دي؟ هو أنتو علشان تاكلوا كلكم عاوزني آكل أنا الأول؟
آااااه.

خرجت من الجميع في آنٍ واحد بصراخٍ ثم انفجروا في الضحك بعدها، بينما هي ردت بمعاندةٍ: طب أنا مش عاوزة آكل بقى
ردت عليها مشيرة بضجرٍ: نعم ياختي؟ أنا عمالة أجهزها و حارمة البيت كله منها لحد ما تدوقي و تيجي في الأخر تقولي مش عاوزة؟
ردت عليها بخبثٍ: أكليني أنتِ يا عمتو، معلش أصل دراعي تاعبني أوي.

طالعها الجميع بدهشةٍ و زادت أكثر حينما اقتربت منها مشيرة تقول بترحيب: بس كدا يا حبيبتي؟ أأكلك عيوني الاتنين، هاتي يا جميلة آكلها، افتحي بوقك
فتحت خديجة فمها ببلاهةٍ من موقف عمتها و هي من توقعت الرفض منها، لكنها تفاجأت بها و هي تجلس بقربها تمد يدها لها بالطعام، بينما مشيرة انتظرت حتى ابتلعت الطعام ثم سألتها بترقبٍ: ها إيه رأيك؟ حلوة و لا إيه الدنيا؟

ردت عليها باسمتاعٍ: جامدة، بأمانة مكنتش متوقعة أني أقولك كدا، تسلم إيدك يا عمتو
ردت عليها بمرحٍ: هو أنا أي حد يا بت ولا إيه؟ روحي يا سلمى بقى هاتي الطواجن من المطبخ
سألتها هدى بمرحٍ: و نصيب فارس فين يا عمتو؟ أنا باكل و بأكله معايا، يعني محتاجة أتقاوت
ردت عليها تطمئنها: نصيب فارس و أبوه و عمه في الشقة عندي تحت، لما وليد يرجع هديكم نصيبكم.

سألتها خديجة باستغرابٍ: وليد؟ هو لسه مرجعش كل دا؟ و فين عبلة هي كمان؟
ردت عليها هدير بخبثٍ: هتلاقيهم خرجوا و لا راحوا مشوار مهم سوا، ربنا يسهل لهم بقى
ردت عليها بفرحةٍ: سيبيهم يا هدير، دول منحوسين، ما بصدق ألاقيهم فرحانين شوية مع بعض، ربنا يسعدهم بقى
فجأة صدح صوت هاتف جميلة برقم طارق تعجبت و هي ترد على الهاتف و فجأة ابتهج و جهها و هي تقول بفرحةٍ كبرى: بجد يا طارق خلصوا؟ طب هيجوا إمتى?.

وصلها الرد منه فأغلقت الهاتف بحماسٍ و هي تبتسم بفرحةٍ، فسألتها مشيرة بتعجبٍ من حالتها: إيه يا جميلة؟ فيه إيه
ردت عليها بنفس البهجة: طارق كلمني و قالي إن الأوض بتاعتي أنا و عبلة خلصت و هيجوا هنا الليلة دي علشان مفيش مكان في الورشة
تدخلت خلود تقول بمرحٍ: الله أكبر، خلونا نفرح بقى يا جماعة، يعني الحاجة أكيد خلصت و لا اشتغالة صنايعية؟

ردت عليها هدى مفسرةً: لأ يا بت، عمو مرتضى كان بيقول لبابا إن عمو محمد واقف للراجل علشان يخلصهم، خلاص الفرح قرب أوي أصلًا
ردت عليها خديجة بقلقٍ: يا رب أخف قبل الفرح، هيجرالي حاجة لو حضرته كدا
ردت عليها جميلة مُسرعةً: بعد الشر عنك، أكيد هتخفي قبل الفرح، و لو دا لقدر الله محصلش أنا ممكن آجله، بس المهم إنك تكوني معايا.

ابتسمت لها خديجة و هي تسألها بتشككٍ: هو أنتِ قولتيلي أنتِ بنت مين هنا؟ مستحيل تكوني بنت عمتو مشيرة
ردت عليها مشيرة بشرٍ و توعد: مالها مشيرة يا خديجة؟ ها يا حبيبتي؟
ردت عليها مفسرةً: البت غلبانة أوي، غلبانة إيه؟ دي هبلة، دي هتأجل فرحها علشاني
ردت عليها هدير بنبرةٍ ضاحكة: مش فرح أخواتك الأتنين؟ جميلة و وليد؟ مش فيه لبن واحد لافف عليكم انتم الخمسة؟

ردت عليها خلود بنبرةٍ ضاحكة: و وئام أخو خديجة علشان طنط مروة رضعتها مع وليد، خديجة أخت البيت كله باين
انتشرت السخرية عليها و على أخواتها و هي تتابعهم بعينيها غير مُصدقة لما تراه أمامها و لكن داخلها يرقص فرحًا بتلك الجلسة.

في الأسفل وقف الشباب بجانب بعضهم في إنتظار عربة الأثاث، حتى اقترب ياسين من البيت دون أن يلاحظهما و قبل أن يدلف البيت تحدث حسن بسخريةٍ: جرى إيه يا عم ياسين؟ دا اللي معدي على التُرب بيرمي السلام، طب أرمي علينا التحية طيب؟
التفت له ياسين و هو يقول بنبرةٍ هادئة: معلش و الله يا حسن دماغي مصدعة شوية، أنا أسف معلش
رد عليه يرفع الحرج عنه: متقولش كدا يا عم أنا بهزر معاك، بس فين عربيتك؟

رد عليه مُردفًا: راكنها في الجراج اللي ورا دا، علشان هنا مفيش ركنة، و الجيران متتكملش
رد عليه طارق بضجرٍ: محدش هيتكلم يا عمي، دا بيتنا و دا شارعنا، هو أنتَ غريب؟
تحدث بقلة حيلة: هعمل إيه طيب؟ خلاص هي بايتة هناك الليلة دي، المهم انتم واقفين كدا ليه؟ فيه حاجة؟
جاوبه وئام بمرحٍ: العفش بتاع طارق و وليد جاي في الطريق، واقفين مستنيين العربية؟

رد عليه يبارك له بفرحةٍ حقيقية و كأن حاله تبدل في ثوانٍ: ألف مبروك يا جماعة، الحمد لله بقى خلونا نفرح بيكم، ربنا يتمم فرحتكم على خير
رد عليه طارق بحنقٍ: دا أنا خللت يا ياسين، استنيت كتير و فضلت أكتر، و مستني رجوعها ليا بفارغ الصبر، دلوقتي مستني فرحي بفارغ الصبر، تعبت
رد عليه وئام بسخريةٍ: مع أول عيل زي فارس ابني كدا هتضرب نفسك بالجزمة علشان تبقى تتسرع بعد كدا.

تدخل حسن يقول بنبرةٍ ضاحكة و هو يسخر من رفيقه بقوله: إيه يا أبو فارس؟ ما تمسك نفسك يا عم، دا أنتَ لسه بتقول يا هادي
رد عليه بنبرةٍ ضاحكة: الواد ظابط معاده على معاد نومي، أول ما عيني تغمض، اصحى على صوته، و علشان أنا متربي مبيهونش عليا اسيبهم و أنام و بفضل سهران لحد ما يحن هو و ينام.

تدخل طارق يقول بصوتٍ ضاحك ساخرًا من رفيقه: بتخيل كدا وليد بجنانه دا لو عبلة خلفت و الواد صحي يعيط، و الله العظيم ممكن يطردهم من الأوضة و من الشقة كلها، دا ابن مجانين
تدخل ياسين يقول بنبرةٍ ضاحكة: وليد لو بقى أب هيتربى بجد، و يا سلام لو جاب ولد نسخة منه كدا، هيصوم و يصلي الباقي في عمره، خلونا نستنى بس.

في سيارة وليد و على مقربةً من البيت كانت عبلة تتفحص ما جلبه وليد لها من ذلك المكان، كانت تمسك في يدها حقيبة سوداء من خامة ورق يشبه أوراق المراسيل، و في داخلها مراسيل ورقية تحتوي كلمات الأغاني القديمة و معها أشهر الجمل التي قيلت في الأفلام القديمة، و معها صورًا لبعض الازواج في تاريخ السنما القديمة، و معها باقة ورد باللون الأحمر و معها أطقم حُلي تشبه التي كانت ترتديها الفنانات في ذلك الوقت و مع كل ذلك فستان باللون الأسود من زمن السبعينات بنفس التصميم الشائع في ذلك الوقت و الحذاء الخاص به، كانت الحقيبة كبيرة الحجم و هي تتفحصها بفرحةٍ كما لو أنها طفلة صغيرة، بينما هو تحدث يسألها بنبرةٍ ضاحكة: بتعملي إيه يا هبلة؟ ما إحنا هنروح و ابقي شوفي كل دا هناك.

ردت عليه هي بحماسٍ: لأ الحاجة تحفة أوي، و لا الفستان يا ربي سكر، و الجزمة إيه دا، أنا حسيت أني غرقانة هناك يا وليد، أقولك لف و أرجع بيا تاني
طالعها بسخريةٍ و هو يقول: أرجع بيكي فين تاني يا عبلة؟ أنا قايل لأبوكي مش هنتأخر، و أنا مش عاوزه يتكلم معايا لحد معاد الفرح خلوني محترم بقى
ردت عليه هي مسرعةً: لأ أنا مش بحبك و أنتَ محترم.

توقفت عن الحديث و هو يرمقها بتعجبٍ غير مُصدقًا لما تفوهت به فوجدها تقول بنفس اللهفة: مش قصدي، مش قصدي و الل، قصدي أني بحبك و أنتَ باد بوي كدا بتبجح و اللي يكلمك بتشوطه، بتبقى عسل
حرك رأسه نفيًا بيأسٍ منها و هي تتابعه بحنقٍ فوجدته يزفر بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ جامدة: اظبطي بقى احنا داخلين على البيت، و الشباب واقفة.

حمحمت هي تُجلي حنجرتها ثم اعتدلت في جلستها و هي تغلق الحقيبة، بينما هو أوقف السيارة أسفل البيت و انتظر حتى خرجت هي من السيارة بعدما ابتسم لها، و بعدما دخلت البيت نزل هو من السيارة ثم اقترب من الشباب و هو يرحب بهم ثم سأل بتعجبٍ: أحمد فين مش ظاهر يعني؟
رد عليه طارق مفسرًا: العفش بتاعي و بتاعك جاي في الطريق و هو راح يجيبه علشان ميعرفوش البيت.

سأله بقلقٍ: طب و هو أحمد هيعرف يتعامل لوحده برضه؟ الواد دا إحنا بنيجي عليه ليه؟
تدخل حسن يقول مُطمئنًا له: يا عم اتطمن و ريح نفسك، عم محمد و عم طه هما اللي بعتوه، و طارق كلمه قاله إنهم قربوا على المنطقة خلاص
حرك رأسه موافقًا على مضضٍ و فجأة دلفت السيارة الشارع و خلفها سيارتي الأثاث، أشار له ياسين حتى يطمئنه و هو يقول: أهو ريح نفسك بقى، الحاجة وصلت و أحمد كمان، مبروك يا عم.

ابتسم له وليد و قبل أن يرد عليه وجد أحمد يخرج من السيارة ثم قام بتشغيل الموسيقى بها على أعلى درجاتها و هو يقول بمرحٍ: مبروك يا رجالة و عقبالي يا رب، حاجتكم وصلت بخير.

اقترب الشباب منه يرحبون بعودته و من الطريق المُتعب الذي ذهب هو به، بينما هو راقص جزعه العلوي و هو يرقص فرحًا بأخوته حتى خرج الجيران من الشُرفات على صوت الموسيقى و صياح الشباب و هم يضحكون، بينما سكان بيت آل الرشيد خرجوا من غرفة خديجة يركضون خلف بعضهم حتى يشاهدون سبب تلك الجلبة التي تحدث في الأسفل فوقع بصرهم على الشباب يرقصون معًا بجانب السيارة و هم يمازحون بعضهم، و العمال خلفهم يحملون الأثاث لداخل البيت بعدما نزل رجال العائلة يقفون معهم، و النساء يطلقن الزغاريد من الشُرفة فرحًا بهم، كانت خديجة في غرفتها تشعر بالحماس و الحزن معًا تود مشاركتهم تلك الفرحة، لكنها لم تستطع ذلك و قبل أن تندمج في التفكير وجدت باب غرفتها يُفتح بواسطة ياسين و هو يبتسم لها، ابتسمت له هي الأخرى بفرحةٍ عندما وقع بصرها عليه.

في شقة ميرفت كانت رفيقتها معها طوال اليوم لم تتركها أبدًا و هي تبكي بخوفٍ بعدما ظهر لها من جديد، ربتت عفاف على يدها و هي تقول بغلبٍ: عينك ورمت من العياط يا ميرفت، خلاص بقى بتعيطي ليه؟

ردت عليه بصوتٍ باكٍ: بعيط من خوفي و غُلبي، رجع ليه يا عفاف؟ أنا ما صدقت أنسى، و ما صدقت عيالي ينسوا، خلاص بقى يموت و يغور، أنا مش هقهر عيالي علشان البيه خايف يموت قبل ما يشوفهم، كان فين طول العمر دا؟ كان فين و أنا معايا التلاتة و معيش فلوس أصرف عليهم؟ كان فين و ابني بايت في الشارع علشان يصرف علينا؟ كان فين و أبنه بيعيط علشان أبوه حكم عليه باليُتم و هو حي على وش الدنيا؟ أنا عاوزاه يموت بقهرته عليهم، عاوزاه يموت من غير ما يلمح ضافرهم حتى، أظن دا حقي.

ردت عليها و هي تمسح دموعها من على وجهها: دا حقك و محدش يقدر يقول غير كدا، بس بلاش تعيطي بقى يا ميرفت، كفاية عياط علشان ابنك حتى، و علشان نيرمين اللي كل شوية تتصل دي، هي حاسة إنك مش كويسة، أنسيه و أنسي إنه جِه هنا أصلًا، زي ما إحنا كنا عايشين و هو بعيد عننا
حركت رأسها بإصرار و هي تغلق عينيها، بينما عفاف أخذتها بين ذراعيها تربت عليها للمرة التي لا تعلم عددها.

في بيت آل الرشيد رحل العمال من البيت بعدما قاموا بوضع الأثاث داخل البيت، و تم الاتفاق بين شباب العائلة على أن يتم نقل الأثاث إلى بيت الشباب في الغد و بعدها قام وليد بمهاتفة اصدقاء ياسين و أخر من قام بمهاتفته كان عامر و بعدما رد عليه أخبره وليد مؤكدًا عليه: أهم حاجة تيجي بدري و العربيتين يجوا بدري علشان عاوزين الحاجة في الهدوء، أنا سألت خالد و قالي إن العربيات أنتَ اللي بتتفق عليها.

رد عليه بمرحٍ: أنا متخصص في أرقام العربيات و السواقين، خلاص بكرة هجيب عربيتين و إحنا مع بعض نحمل الحاجة، إحنا ما شاء الله كتار
رد عليه مؤكدًا: أهم حاجة كل حاجة تكون في الهدوء و تكون سُكيتي، و هات عمار أخوك و خليه يجيب عبد الرحمن صاحبه الواد دا غلبان و طيب، و بيفرح باللمة.

جاوبه بنفس المرح: حاضر، حاجة تاني يا سيدي؟ اطمن كل طلباتك أوامر، العربيات هتيجي بدري و كل حاجة هتبقى سُكيتي و هجيب أخويا و صاحبه، تحب أجبلك أبويا كمان؟
أغلق معه الهاتف بعدما شاكسه و مازحه في الحديث بعدما اتفقا سويًا على الغد.
في غرفة خديجة كانت جالسة بين ذراعيه و هي تسأله بتعجبٍ: طلعت ليه بدري؟ كنت خليك معاهم تحت فُك عن نفسك شوية.

تنهد هو بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة: معرفتش أقف معاهم و أنتِ هنا لوحدك، لو كنتي هتقدري تمشي لحد البلكونة حتى كان ممكن اقف شوية، لكن لما بصيت و لقيت البنات كلهم في البلكونة و أنتِ مش معاهم طلعت علشان كنت متأكد إنك لوحدك
حركت رأسه تطالعه بعينين دامعتين و هي تقول بمرحٍ حتى لا تبكي أمامه: ياسين هو حد قالك إنك عسل؟
حرك رأسه موافقًا و هو يقول: آه قالولي كتير بس أنا عامل نفسي مش واخد بالي.

رمقته بغيظٍ بعدما أفسد تلك اللحظة ببلاهته، فوجدته يقول بنبرةٍ ضاحكة: و الله أنتِ اللي عسل يا خديجة، و طيبة و بنت حلال، اللي زيك خلصوا من الدنيا
ردت عليه هي بتفكير: أو يمكن فيه بس مستخبيين، عاوزين اللي يدور عليهم بضمير
سألها هو بحيرةٍ زائفة يخفي خلفها خبثه: طب أروح ادور على حد تاني طيب يمكن ربنا يكرمني المرة دي و مبقاش منحوس.

حركت رأسها بغير تصديق فوجدته يغمز لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة: مش هلاقي، لو لفيت الأرض من شرقها لغربها مش هلاقي خديجة تانية، هي واحدة بس في ستات الأرض كلهم اللي حركت قلبي و هي لوحدها اللي القلب دَق ليها
أبتسمت له بخجلٍ فوجدته يقول بنبرةٍ هادئة: أنتِ كويسة و لا لسه تعبانة؟ على فكرة أنا بسمعك بليل و أنتِ بتتوجعي يا خديجة، ليه مبتقوليش على اللي تعبك؟

ردت عليه هي بقلة حيلة: مبحبش أبقى فرفورة يا ياسين، متعودتش أني أعيط و لا أني أبين وجعي، مش بإيدي و الله، بس والله طول ما أنتَ معايا أنا مطمنة و مش تعبانة، أنا مطمنة علشان أنتَ معايا
حرك رأسه يقبل رأسها ثم ربت بيده على رأسها فوجدها تقول بمرحٍ: بعدين دا أنا متدلعة أخر دلع بجد، عمتو عملتلي أم على و جابتلي الشاشة بتاعة أوضتها و مدلعني أخر دلع.

ابتسم هو بسخريةٍ على تفكيرها فوجدها تقول بلهفةٍ: تتفرج معايا يا ياسين؟ هات فيلم كارتون أو أي حاجة و نتفرج سوا، أنا نمت كتير النهاردة.

حرك رأسه موافقًا بحماسٍ ثم انحسب من جوارها يقوم بتشغيل الشاشة التي قامت شقيقتها بوضعها على الطاولة الخاصة بغرفتها و بعد بحثه عدة مرات أستقر أخيرًا على أحد افلام الكارتون الشهيرة و هو يبتسم بخفةٍ و حينما ابتعد عن الشاشة و وقع بصرها على الفيلم ابتسمت بفرحةٍ و هي تقول بحماسٍ: الله! ربانزل! تعالى بقى اقعد جنبي.

جلس بجانبها مرةً أخرى و هي تبتسم بفرحةٍ و كأنها طفلة صغيرة تجلس بجوار والدها حتى لا تقوم بالافعال المشاغبة فوجدته هو يقول بسخريةٍ: عارفة شايفك عاملة إزاي؟ عاملة زي البنت الصغيرة اللي باباها بيسكتها بالفيلم علشان متعملش شقاوة، بجد مش عارف أشوفك غير كدا.

ابتسمت هي بسخريةٍ و هي تقول ببساطةٍ: و ياريت تفضل شايفني كدا يا ياسين، أنا مش عاوزاك تشوفني كبيرة، إحنا لما بنكبر بنتدمر و بنضيع أحلى ما فينا، أنتَ الوحيد اللي سمحتله يعيش جوايا و يشوف خديجة تانية غيرهم، أنتَ الوحيد اللي هربت من الدنيا ليه هو، أنتَ الوحيد اللي اتعشمت فيه الخير، صدقني أنا مش عاوزة أكبر في عينيك يا ياسين، خايفة اتكره فيهم.

التفت لها يجلس مقابلًا لها و هو يقول بنبرةٍ هادئة: أنا لا يمكن أكرهك و لا يمكن نظرتي ليكي تتغير يا خديجة، أنا شوفتك بقلبي و الله مش بعيني، دا أنتِ قبولي الوحيد، في حد يكره قبوله الوحيد؟
حركت رأسها نفيًا و الدموع تسيل على وجنتيها، فوجدته يقترب منها يقبل رأسها ثم قال بهدوء: أنا قلبي في حبك زي الشوارع لو تدخليها هتلاقي صورتك محفورة في كل ركن فيها.

ابتسمت له باتساعٍ ثم قالت: طب تعالي اقعد جنبي علشان أحط راسي على كتفك، تعالى و أنتَ واحشني كدا
قالت حديثها بمرحٍ جعله يضحك عليها ثم اقترب منها يجلس بجوارها فوجدها تضع رأسها على كتفه ثم لفت ذراعها السليم تحاوطه، حينها حاوطها هو يقربها منه و هو يبتسم بهدوء على تفكيرها و البراءة التي لازالت تتمتع هي بها و هي بجواره تشبه الطفلة الصغيرة.

في غرفة هدير قبل أن تتوجه إلى الفراش الخاص بها وجدت على المقعد الخاص بها حقيبة هدايا بنفس متوسطة الحجم، قطبت جبينها بتعجبٍ ثم التفتت ل حسن تسأله: حسن؟ هي الشنطة دي بتاعتك؟ أنا معنديش شنطة زي دي
حرك كتفيه و هو يقول: لأ مش بتاعتي، شوفيها كدا.

اقتربت تجلس بجواره على الفراش و في يدها الحقيبة، بينما هو عاد يتصفح هاتفه و هو يتجاهلها، أخرجت هي محتويات الحقيبة و حينها لمعت عينيها بفرحةٍ حينما وقع بصرها على المصحف الشريف و معه سبحة إلكترونية و معها سجادة الصلاة و معهم إسدال الصلاة بنفس اللون و هو اللون اللافندر اللون المُفضل لديها، حتى أنه نفس لون غرفتها، حركت رأسها بعد رؤية المحتويات و هي تقول بخبثٍ: بقى مش بتاعتك؟ بتكدب يا أستاذ حسن؟ مين هيعمل كدا.

وضع هاتفه بجواره ثم التفت لها يقول بنبرةٍ هادئة: هي مش بتاعتي فعلًا، هي بتاعتك أنتِ، دي هدية أنا طلبتها ليكي لما شوفتك بتسألي على الفيسبوك على الطقم دا بكام، مطلبتيهوش مني ليه؟
سألها بنبرةٍ هادئة ممتزجة بالعتاب فوجدها تقول بسرعةٍ: و الله كنت مكسوفة منك، هو أنا لقيت الطقم عاجبني و أنا كان نفسي أجيب الطقم على بعضه، لكن مقدرتش أطلبه منك.

سألها هو بنبرةٍ جامدة: طب و كنتي هتدفعي فلوسه منين يا هدير؟ مين اللي كان هيحاسب
ردت عليه هي مسرعةً: أنا معايا الفلوس بتاعتي، كنت هحاسب أنا، مين هيحاسب يعني
تحدث هو مُردفًا: أنا يا هدير، لما تعوزي حاجة تطلبيها مني أنا، لو طلبتي إيه هجيبه ليكي لحد عندك، و لو طلبتي من غير ما تقوليلي يبقى تعرفيني علشان أحاسب، أنا جوزك و أنتِ ملزمة مني لحد أخر يوم في عمري.

ردت عليه هي بلهفةٍ: بعد الشر! متقولش كدا يا حسن، تموت إيه بس؟ أنا ما صدقت أني لقيتك و بقيت معاك، ربنا يطول في عمرك و تفضل معايا لحد أخر يوم في الدنيا
ابتسم هو بفرحةٍ فوجدها توكزه في كتفه و هي تقول: حرام عليك نكدت عليا و أنا فرحانة بالهدية، ليه كدا يا حسن.

اقترب منها يقبل قمة رأسها ثم قال معتذرًا لها: أنا أسف مكانش قصدي و الله، بس عاوزك تتأكدي أني مليش غيرك و أنتِ ملكيش غيري، يعني ملزومة مني يا هدير، بس قوليلي إيه رأيك في الهدية؟
ردت عليه بحماسٍ شديد: جميلة يا حسن، مفيش أحلى من دي هدية، المُصحف الشريف و طقم الصلاة، أنا كدا هصلي شوية علشان ناخد الأجر سوا، و همسك السبحة في إيدي علطول علشان ربنا يكرمك معايا.

ابتسم بفرحةٍ سيطرت عليه فوجدها هي تلك المرة تقترب منه ثم قبلت وجنته و بعدها طالعته و هي تقول بنبرةٍ هادئة: أنتَ المكسب الحقيقي ليا، بجد و الله مش كل الناس ربنا بيكرمها بحد زيك، شكرًا على كل خطوة بتخليني أقرب فيها من ربنا يا حسن
احتضنها بقوةٍ و هو يشعر بالفرحة و الفخر بها و بشعورها نحوه.

في اليوم التالي بعد انتهاء تلك الليلة وخاصة بعد عودة الشباب من أعمالهم، وقفوا في الأسفل ينتظرون السيارات حتى يتم نقل الأثاث إلى بيت الشباب، و كانت خديجة تشعر بالفرحة حينما قام وليد بإعطائها العصا الخاصة بجدها حتى تستند عليها و تشاركهم تلك الفرحة، و جلب لها أحمد مقعد صغير تجلس عليه وسطهم في الأسفل، و الفتيات حولها، حتى تحدث وئام يسأل بتعجبٍ: إحنا مستنيين إيه يا رجالة؟

رد عليه وليد بضجرٍ: إحنا مستنيين عامر، علشان العربيات اللي هتنقل العفش هو اللي هيجيبها
رد عليه خالد بتأكيد: أنتَ أكدت عليه سُكيتي؟
حرك رأسه موافقًا ثم قال: آه طبعًا هو أنا صغير و أكيد هو زمانه جاي دلوقتي بس ممك، إيه دا؟

قال كلمته الأخيرة بتعجبٍ حينما وصله صوت الألعاب النارية ترتفع في الأجواء و مصاحبٌ لها صوت المهرجانات الشعبية، خرج الشباب خلف بعضهم فوجدوا عامر يقف على سيارة النقل و في يده الألعاب النارية و بجواره عمار و عبد الرحمن و هو يقول بفرحةٍ: ألف مبروك يا طارق، ألف مبروك يا ليدو، بيت الرشيد بيفرح يا جدعان.

قال كلمته الأخيرة بمرحٍ ثم قفز من السيارة يمسك بيد طارق و وليد و هو يرقص معهما على الاغاني الشعبية و بعد مرور ثوانٍ اندمج معه الشباب بأكملهم و هم يصفقون بقوةٍ و الرجال معهم و النساء يطلقن الزغاريد و الفتيات في ردهة البيت يشعرن بالفرح و معهم خديجة أيضًا.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *